2024 March 28 - 18 رمضان 1445
ما هو رأي اهل البيت عليهم السّلام في صوم يوم عاشوراء؟
رقم المطلب: ٤٥٨٩ تاریخ النشر: ١٠ رمضان ١٤٤٣ - ١٧:٥٧ عدد المشاهدة: 5006
الأسئلة و الأجوبة » عقائد الشیعة
ما هو رأي اهل البيت عليهم السّلام في صوم يوم عاشوراء؟

توضيح السؤال:

من المواضيع التي طرحت من قبل الوهابية في قضية عاشوراء الحسينية هي قضية صوم يوم عاشوراء اتباعا من سيرة بني امية شكرا لإستشهاد الإمام سيدالشهداء و اصحابه و اظهار السرور و الفرح في ذلك اليوم.

كما يقول الامام الصادق عليه السّلام في رواية هكذا:

إن آل أمية عليهم لعنة الله ومن أعانهم علي قتل الحسين من أهل الشام، نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام وسلم من خرج إلي الحسين عليه السلام و صارت الخلافة في آل أبي سفيان، أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم، و أن يصوموا فيه شكرا.

الأمالي للشيخ الطوسي، ص 667، رقم 1397 / 4.

نحن في البداية نذكر معتقد كبار الوهابية و بعض علماء اهل السنة ثم نتعرض الي دراسته.

الترغيب بصوم عاشوراء من اجل تقارن هذا اليوم مع يوم هجرة النبي الي مكة

الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل شيخ، مفتي العام و رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية و ادارة البحوث العلمية و الإفتاء مع صدور بيان و بالتبرير الذي ذكر في النص يرغب المسلمين بصوم يوم عاشوراء:

الرياض وكالة الأنباء السعودية: وجّه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الكلمة التالية في الترغيب في صوم يوم عاشوراء: الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله، وعلي آله وأصحابه ومن اهتدي بهداه..؛ اما بعد: فقد ثبت عن النبي أنه كان يصوم يوم عاشوراء، ويرغب الناس في صيامه، لأنه يوم نجي الله فيه موسي وقومه، وأهلك فيه فرعون وقومه، فيستحب لكل مسلم ومسلمة صيام هذا اليوم شكرا لله عز وجل! وهو اليوم العاشر من المحرم.ويستحب أن يصوم قبله يوما أو بعده يوما... ونظرا إلي أن يوم الاثنين هو اليوم الأول من محرم هذا العام 1422 هـ لأن الأصل هو كمال ذي الحجة، فإن الأفضل للمؤمن في هذا العام أن يصوم يومي الثلاثاء والأربعاء التاسع والعاشر من محرم، أو يومي الأربعاء والخميس العاشر والحادي عشر من محرم. وأسال الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه وأن يجعلنا جميعا من المسارعين إلي كل خير. إنه جواد كريم. وصلي الله علي نبينا محمد وآله وصحبه...

مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

الانتصار، العاملي، ج 9، ص 302.

قول ابي خالد في موقع حوزة العلمية لأهل السنة في زاهدان

في المقالة التي علي موقع الرسمي للحوزة العلمية لاهل السنة في زاهدان (سني آنلاين)، بقلم احد علماء اهل السنة باسم ابي خالد يقول هكذا:

مع الالتفات الي مكانة يوم عاشوراء، للصوم فيه، عليه التاكيد الوافر في سنة النبي الاكرم صلي اللّه عليه وسلم و النبي صلي اللّه عليه وسلم شوق الامة الي الصوم في هذا اليوم. الرواية التي عن عبد الله بن عباس رضي اللّه عنه منقولة في البخاري انه قال: قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ « مَا هَذَا » . قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِى إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى . قَالَ « فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ » . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .صحيح البخاري ج 7ص127

رواية اخري ايضا منقولة عن ابن عباس رضي الله عنه ان النبي الاكرم صلي اللّه عليه وسلم قال: صوموا يوم عاشورا و خالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً و بعده يوماً. 

 صحيح مسلم، ش، 1162

الجواب:

الرأي في حكم صوم يوم عاشوراء مما يوجد الاختلاف فيه. البعض يقولون: صوم يوم عاشورا كان واجبا الي قبل وجوب صوم شهر رمضان المبارك؛ لكن بعد وجوب صوم شهر رمضان نسخ صوم يوم عاشوراء؛ و بالنسبة الي بعد نسخ صوم يوم عاشوراء البعض يقولون: بعد نسخ صوم يوم عاشوراء، يبقي استحبابه و البعض يعتقدون بكراهته. و بعض آخر يقولون: صومه محول علي اختياره لمن يريد صيامه.

فندرس هذا الموضوع في ثلاثة فصول:

الفصل الاول: روايات اهل البيت عليهم السّلام في النهي عن صوم يوم عاشوراء.

الفصل الثاني: اقوال علماء الشيعة في هذه المسئلة.

الفصل الثالث: صوم يوم عاشوراء عند اهل السنة و علمائهم.

الفصل الاول:

روايات اهل البيت عليهم السّلام في النهي عن صوم يوم عاشوراء

صوم شهر رمضان ناسخ لصوم يوم عاشوراء:

وردت روايات عديدة في الكتب و المصادر الشيعة تبين هذا المطلب انه عندما وجب صوم شهر رمضان فخرج صوم هذا اليوم من الوجوب و ترك صومه افضل.

من أجل المزيد من التوضيح لهذا المطلب و مكانة صوم عاشوراء من منظر الائمة المعصومين عند الشيعة نشير الي كم رواية عن الائمة المعصومين عليهم السّلام و نطلب من طالبي التفصيل المراجعة الي الكتب الروائية:

محمد بن مسلم و زرارة بن أعين عن أبي جعفر؛ الامام الباقر عليه السلام حينما يسئل عن صوم يوم عاشوراء يقول الإمام في الجواب هكذا:

كان صومه قبل شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان ترك.

من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 85، ح 1800.

في رواية اخري يقول الراوي: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاء فقال:

صوم متروك بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة.

الكافي، ج 4، ص 146، باب صوم عاشوراء و عرفه، حديث 4.

صوم يوم عاشوراء سنة بني امية من اجل استشهاد الامام الحسين عليه السلام:

سئل عن الإمام الصادق عليه السلام:

سَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَ يَوْمُ دُعَاءٍ وَ مَسْأَلَةٍ. قُلْتُ: فَصَوْمُ عَاشُورَاءَ قَال‏: ذاك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام، فإن كنت شامتا فصم. ثم قال: إن آل أمية عليهم لعنة الله ومن أعانهم علي قتل الحسين من أهل الشام، نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام وسلم من خرج إلي الحسين عليه السلام وصارت الخلافة في آل أبي سفيان، أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم، وأن يصوموا فيه شكرا، ويفرحون أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سنّة إلي اليوم في الناس، واقتدي بهم الناس جميعا، فلذلك يصومونه ويدخلون علي عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك اليوم. ثم قال: إن الصوم لا يكون للمصيبة، ولا يكون إلا شكرا للسلامة، وإن الحسين عليه السلام أصيب، فإن كنت ممن أصبت به فلا تصم، وإن كنت شامتا ممن سرك سلامة بني أمية فصم شكرا لله تعالي.

الامالي للشيخ الطوسي، ص 667، رقم 1397 / 4.

نار جهنم؛ فضل صوم عاشوراء:

في رواية اخري عن زيد النرسي عن زرارة ينقل هكذا:

عن زيد النرسي قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن صوم يوم عاشورا فقال: من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد. قال: قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال: النار أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار.

الكافي، ج 4، ص147، رقم 6 ـ التهذيب، ج4، ص301، رقم912 ـ الإستبصار، ج2، ص135، رقم 443.

ثواب صوم يوم عاشوراء غضب الله:

محمد بن يعقوب عن الحسين بن علي الهاشمي عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان (عن أبان عن عبد الملك) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم؟ فقال:... ما هو يوم صوم. و ما هو إلا يوم حزن و مصيبة دخلت علي أهل السماء و أهل الأرض و جميع المؤمنين. و يوم فرح و سرور لابن مرجانة و آل زياد و أهل الشام. غضب الله عليهم وعلي ذرياتهم...

وسائل الشيعة (آل البيت)، الشيخ حر العاملي، ج 10، ص 460.ح 13847.

و كثير من الروايات الاخري التي نكتفي منها في هذا المجال بهذا المقدار.

الفصل الثاني:

اقوال علماء الشيعة

في صوم يوم عاشوراء نجد بين علماء الشيعة اقوال عديدة:

بعض من علماء الشيعة حكموا بحرمة صوم يوم عاشوراء مثل:

المرحوم الخوانساري في جامع المدارك:

وجزم بعض متأخري المتأخرين بالحرمة ترجيحا للنصوص الناهية وحملا لما دل علي الاستحباب علي التقية. و الظاهر أن هذا أقرب

جامع المدارك، المرحوم الخوانساري، ج 2، ص 226.

أو المرحوم المحدث البحراني في الحدائق:

وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار علي التحريم مطلقا أظهر ظاهر.

الحدائق الناضره، المحقق البحراني، ج 13، ص 376.

أو المرحوم النراقي في مستند الشيعه:

فالحق: حرمة صومه من هذه الجهة. فإنه بدعة عند آل محمد متروكة

مستند الشيعه، المحقق النراقي، ج 10، ص 493.

و لو ان اكثر الموجودين عن المتأخرين مثل: السيد اليزدي صاحب العروة و المرحوم البروجردي و الحكيم و الامام الخميني و غالب شارحي العروة الوثقي، أو الموجودين في زماننا الحاضر اختاروا جانب الكراهة.( العروه الوثقي، السيد اليزدي، ج 3، ص 657) و عدة قليلة ايضا اعتبروا الصوم بنيّة الحزن و الغم و ليس بنية التبرك حسبما عملت به بنو اميّة ،الي عصر يوم عاشوراء ثم الافطار قبل الغروب (الترجيح بتربة سيدالشهداء عليه السّلام) مستحب و هذا طريق الجمع بين الاخبار الناهية و الاخبار الواردة في استحباب صوم عاشوراء، كما استفاد الشيخ في الاستبصار (الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج2، ص 136) من الرواية المذكورة في الذيل:

عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: دخلت عليه يوم عاشورا فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن و دموعه تنحدر كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: يا ابن رسول الله مم بكاؤك لا أبكي الله عينيك فقال لي: أو في غفلة أنت؛ اما علمت أن الحسين عليه السلام أصيب في مثل هذا اليوم فقلت: يا سيدي فما قولك في صومه قال لي: صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعل صوم يوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة علي شربة من ماء فإنه في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلي الله عليه وآله و انكشفت الملحمة عنهم

مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 547.

لهذا، فقهاء الشيعة مستوحاة من روايات اهل البيت عليهم السّلام عندما يعتبرون هذا اليوم يوم الحزن و الغم و اقامة العزاء في مصيبة ابي عبد الله الحسين عليه السلام نهوا بشدة عن اي عمل ينافي اقامة العزاء في هذا اليوم و اوصوا المؤمنين انهم يتركون عملهم في هذا اليوم و يكون هذا اليوم يوم مصيبتهم و حزنهم و بكاءهم. علي سبيل المثال الامام الرضا عليه السلام في رواية يقول:

من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه يجعل الله عزوجل يوم القيامة يوم فرحه و سروره و قرت بنا في الجنان عينه.

علل الشرائع، للشيخ الصدوق، ج 1، ص 227.

في الرواية المذكورة حسب ان الامام عليه السّلام يعتبر يوم عاشوراء يوم المصيبة و الغم و الحزن و البكاء، لهذا اي عمل فيه ذرة من الفرح أو الفرح و السرور أو الاشتغال  بالامور الدنيوية و يسبب الغفلة من مصائب الامام الحسين عليه السّلام هو خلاف ما اراده الله و اهل البيت.

الفصل الثالث:

صوم يوم عاشوراء عند اهل السنة و علمائهم

تناقضات شديدة في روايات صوم عاشوراء في مصادر اهل السنة

بمراجعة الي صحاح اهل السنة نواجه مجموعة من الروايات المتناقضة حول صوم يوم عاشوراء التي لايمكن الجمع بينها في كثير من الموارد.

صوم النبي و قريش قبل الاسلام في يوم عاشوراء

من جملة الروايات التي توجد في صحيح البخاري و سببت إفتاء بعض من علماء اهل السنة باستحباب صوم يوم عاشوراء هي الرواية المذكورة في الذيل:

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَ أَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَ مَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

صحيح البخاري، ج 2، ص 250، ح 2002، كتاب الصوم، ب 69. باب صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.

اولا: هذه الرواية من اجل وجود «هشام بن عروة» في سلسلة سندها اشكال و فيها مناقشة سندية؛ لأن ابن قطّان يقول فيه هكذا: «أنّه اختلط و تغيّر»، و الذهبي يقول فيه هكذا: «أنّه نسي بعض محفوظه أو وهم»، أو جاء عن ابن خرّاش فيه هكذا: «كان مالك لا يرضاه نقم عليه حديثه لأهل العراق».

ميزان الاعتدال، ج 4، ص 301.

و ثانيا: هذه الرواية تناقض الروايات التي تذكر في الذيل:

عدم اطلاع النبي و قريش من صوم عاشوراء الي زمن الهجرة

من جملة الروايات الاخري التي مذكورة في صحيح البخاري و تناقض الرواية المذكورة تناقضا كاملا لهذه الرواية:

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلي الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ. فَرَأَي الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ «مَا هَذَا». قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ. هَذَا يَوْمٌ نَجَّي اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ. فَصَامَهُ مُوسَي. قَالَ «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَي مِنْكُمْ». فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

صحيح البخاري، ج 2، ص 251، رقم الحديث 2004.

ترك صوم عاشورا مع فرض وجوب رمضان

حسب رواية اخري التي ذكرها البخاري في صحيحه و تناقض الروايات السالفة فالتفتوا اليها:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَامَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ. وَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَصُومُهُ، إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ.

صحيح البخاري، ج 2، ص 226، ح 1892،كتاب الصوم، باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ.

فهذه الرواية توافق الرواية الثانية في صوم يوم عاشوراء قبل وجوب صوم شهر رمضان و تخالفها في اجبار أو اختيار صوم يوم عاشوراء.

عدم عمل النبي بالحكم الذي افتي به نفسه

المشكلة الاخري في هذه الروايات هي حسبما يذكر طبق رواية الهيثمي في مجمع الزوائد ان:

الهيثمي في مجمع الزوائد يروي عن ابي سعيد الخدري هكذا:

ان رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء وكان لا يصومه.

مجمع الزوائد، للهيثمي، ج 3، ص 186.

يعني: حسب هذه الرواية عن الهيثمي، الاشكال البيّن و الواضح في رواية صوم يوم عاشوراء هو انه كيف يمكن ان يأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم بأمر حسن و الحال انه لم يكن من اهله ؟!

موافقة النبي مع ديانة اهل الكتاب!!!

في رواية اخري التي منقولة في صحيح البخاري و بالكامل تضاد الروايات السالفة يعتبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم في الامور التي لم يكن امر من قبل الله فيكون تابع و مطيع لشريعة اليهود أو غيره!!!

البخاري في صحيحه ينقل عن ابن عباس هكذا:

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْ ءٍ....

صحيح البخاري، ج 4، ص 269، ح 3558، كتاب المناقب، ب 23، باب صِفَه النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم

و ايضا ابن حجر العسقلاني العالم الكبير عند اهل السنة يقول:

و قد كان (ص) يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشي ء و لا سيّما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان.

فتح الباري، لابن حجر، ج 4، ص 213.

زين الدين بن رجب بن عبد الرحمن الحنبلي المتوفي سنة 795 هـ ق، في كتابه بعد ما يقسم صيام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم الي اربعة اقسام يقول:

الحالة الثانية انّ النبي (ص) لمّا قدم المدينة و رأي صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له وكان يحبّ موافقتهم! فيما لم يؤمر به صامه، وأمر النّاس بصيامه، وأكّد الأمر بصيامه و الحثّ عليه حتي كانوا يصوِّمونه أطفالهم.

لطائف المعارف، ص 102.

في الفقرة التالية ندرس هذا المطلب حتي يتبين ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم في الاحكام الالهية هل كان يحب موافقة اليهود أو النصاري ؟

هل النبي يحب التبعية عن اليهود؟!!

من العجب ان يقال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم من اجل التبعية من اليهود امر بصوم يوم عاشوراء!!

بعض من علماء الشيعة و اهل السنة علي هذه العقيدة ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم؛ حتي قبل البعثة ايضا لم يكن في عباداته تابعا للاديان الأخر و لم يتبع شريعة اليهود و النصاري ففي هذا المجال التفتوا الي المطالب المذكورة في الذيل:

فخر الرازي من كبار علماء اهل السنة يقول:

... الاحتمال الثاني وهو حقيقة المسألة فيدل علي بطلانه وجوه:

الأول: لو كان متعبدا بشرع أحد لوجب أن يرجع في أحكام الحوادث إلي شرعه وأن لا يتوقف إلي نزول الوحي لكنه لم يفعل ذلك لوجهين:

الأول: أنه لو فعل لأشتهر. والثاني: أن عمر رضي الله عنه طالع ورقة من التوراة فغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال لو كان موسي حيا لما وسعه إلا اتباعي ولما لم يكن كذلك علمنا أنه لم يكن متعبدا بشرع أحد الحجة الثانية: أنه عليه السلام لو كان متعبدا بشرع من قبله لوجب علي علماء الأعصار أن يرجعوا في الوقائع إلي شرع من قبله ضرورة أن التأسي به واجب وحيث لم يفعلوا ذلك البتة علمنا بطلان ذلك.

الحجة الثالثة: أنه عليه الصلاة والسلام صوب معاذا في حكمه باجتهاد نفسه إذا عدم حكم الحادثة في الكتاب والسنة ولو كان متعبدا بحكم التوراة كما تعبد بحكم الكتاب لم يكن له العمل باجتهاد نفسه حتي ينظر في التوراة والإنجيل.

المحصول. للفخر الرازي ( 606 هـ ). ج 3. ص 263

أو ابوالحسين البصري يقول:

... أن نبينا (ص) لم يكن متعبدا قبل النبوة ولا بعدها بشريعة من تقدم لا هو ولا أمته...

المعتمد، ابو الحسين البصري، ص 336.

ابن عابدين في حاشية رد المحتار يقول:

هل كان قبل البعثة متعبدا بشرع أحد؟ أن المختار عندنا عدمه وهو قول الجمهور

حاشية رد المحتار. ابن عابدين. ج 1. ص 97.

ثانياً: روايات عديدة في مصادر اهل السنّة تحكي ان رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم كان يمنع الآخرين عن تبعية اليهود.

نقل عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم هكذا:

ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصاري.

سنن الترمذي، ج 4، ص 159

في رواية اخري عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم ذكروا هكذا:

لا تشبهوا باليهود و النصاري.

فتح الباري، لابن حجر، ج 11، ص 12.

أو هذه الرواية عن النبي ص انه:

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود.

المعجم الكبير، ج 7، ص 290، ح 7165 - البدايه والنهايه، ابن كثير، ج 2، ص 172 ـ المستدرك علي الصحيحين، ج 1، ص 260.

الحال مع الالتفات الي هذه الطائفة من الروايات المذكورة في مصادر اهل السنة كيف يمكن ان نعرّف الرسول انه يتبع اليهود في صوم يوم عاشورا.

اشكالات روايات الصوم في يوم عاشوراء

نجد في الروايات التي منقولة عند اهل السنة في فلسفة و حكمة صوم عاشوراء اشكالات عديدة فلنشير الي بعضها:

صوم يوم عاشوراء من أجل مخالفة اليهود:

من جانب آخر طائفة من الروايات بالوضوح تخالف الروايات التي تعرّف الرسول تابعا لليهود في صوم يوم عاشوراء و لها دلالة علي هذا المضمون ان رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم كان يصوم هذا اليوم من أجل مخالفة اليهود ففي هذه الصورة تشتد التناقضات في روايات صوم عاشوراء:

عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: صوموا عاشوراء وخالفوا فيه اليهود.

مجمع الزوائد، للهيثمي، ج 3، ص 188ـ السنن الكبري، ج 4، ص 475.

عدم مطابقة صوم عاشوراء مع صوم اليهود

بمراجعة التاريخ و اقوال المحققين يتحصل ان مدار تغيير السَنة عند اليهود لم تكن السنة القمرية حتي يكون بينهم سنة يصومونها كل عام تطابق يوم عاشوراء حتي يريد النبي الامر و النهي عن صوم عاشوراء في مخالفة أو متابعة اليهود (علي اساس اختلاف الروايات المذكورة سالفا).

لأن صوم اليهود في اليوم العاشر من شهر تشرين الاول الذي يطابق شهر آبان الشمسي و الاكتبر الميلادي، الذي يسمونه يوم كيبور «kipur » يعني: يوم «كافر» أو «كفّاره»، و هو اليوم الذي تعرّف الإسرائيليون باللوح الثاني من دينهم.

فمع الالتفات الي المطالب المذكورة فما قيل: سَنة اليهود هي انهم يصومون كل عام يوم عاشوراء من شهر محرم فغير قابل للتبرير. اضافة علي ذلك، يوم دخول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم الي المدينة في الهجرة عن مكة كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول و ليس في شهر محرم. 

(تاريخ الطبري، ج 2، ص 3 - الكامل في التاريخ، ج 2، ص 518 - فتح الباري، ج 4، ص 289) 

الحال مع هذه التفاصيل كيف يمكن ان يصادف يوم دخول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم يوم سنّة اليهود في الصيام و ان يأمر الناس من أجل انقاذ نفسه من كفار مكة بصوم هذا اليوم ؟!

بناء علي هذا سنة اليهود علي اساس السنين الشمسية، يعني: مايقارب كل 36 سنة مرة واحدة يصادف يوم عاشوراء اليوم الذي اختارته اليهود للصيام. فصوم يوم بإسم عاشوراء و في شهر بإسم محرم الذي علي اساسه يصومون يوم انقاذ موسي من قبضة فرعون و يبدل بسنة اليهود فهو من الامور الغريبة.

فرق صوم اليهود و صوم الاسلام:

الاشكال الاساسي الآخر علي روايات صوم يوم عاشورا هو فرق الموقعية الزمنية لصوم اليهود مع صوم المسلمين انهم بدل الصبح الي الغروب، هو من غروب الشمس الي غروب الشمس من اليوم الآخر؛ كما ذكر الدكتور جواد علي هكذا:

و يقصدون بصوم اليهود يوم عاشوراء ما يقال له: «يوم الكفّارة» و هو يوم صوم و انقطاع و يقع قبل عيد المظال بخمسة أيّام أي في يوم عشرة تشري و هو يوم الكبور «kipur»، و يكون الصوم فيه من غروب الشمس إلي غروبها في اليوم التالي، و له حرمة كحرمة السبت، و فيه يدخل الكاهن الأعظم قدس الأقداس لأداء الفروض الدينيّة المفروضة في ذلك اليوم.

المفصّل في تاريخ العرب، ج6، ص 339 طبع دارالملايين - كتاب المقدس، ج 2، ص 2660.

التفتوا الي هذه الفقرة من النص المذكور:

... يوم الكبور «kipur»، و يكون الصوم فيه من غروب الشمس إلي غروبها في اليوم التالي...

السقّاف الذي هو من خبراء هذا الفن يقول:

في واقعنا الحاضر لانجد أيّ يهوديّ يصوم في العاشر من محرّم أو يعدّه عيداً، و لم يوجد في السجلاّت التاريخيّة ما يشير إلي انّهم صاموا في العاشر من محرّم أو عدوّه عيداً، بل اليهود يصومون يوم العاشر من شهر تشرين و هو الشهر الأوّل من سنتهم في تقويمهم و تاريخهم إلاّ انّهم لا يسمّونه يوم عاشوراء، بل يوم أو عيد كيپور.

مجلّة الهادي في 7 مجلد، ج 2، ص 37.

نتيجة التحقيق:

مع الالتفات الي الروايات العديدة التي ذكرناها عن مصادر الشيعة و اهل السنة في دراسة صوم يوم عاشوراء، ينكر أي اعتماد بصدور هذه الرواية من جانب رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم و يقوي هذا الاحتمال ان هذه الروايات من صنائع و تزويرات بني امية الذين هم سببوا واقعة كربلاء و بهذا الطريق ارادوا بتضائل اهمية يوم عاشوراء في المجتمع الاسلامي ان يلفتوا الاذهان بامور اخر لربما بهذه الطريقة يمكنهم تقليل وصمة العار التي خلقوها لأنفسهم إلى الأبد.

و من الله التوفيق

فريق الإجابة عن الشبهات

موسسة الإمام ولي العصر(عج) للدراسات العلمية

 



Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری:
  

أحدث العناوین
الاکثر مناقشة
الاکثر مشاهدة