في الحقيقة شهر رمضان المبارك يشكل مدرسة إلهية، وبحسب تعبير الإمام موسى الصدر، هذه المدرسة من المفترض "أن نتخرج منها بعقول صافية تتسابق إلى المعرفة وبقلوب طاهرة تهفو إلى ذكر الله وتتحسس آلام المعذبين المحرومين".
هذا الشهر الكريم شهر القيم والأخلاق، ويعززها صيامه، هذه القيم التي تعتبر أساس الخلود في تاريخ الأمم. هو فرصة لقراءة القرآن والامتناع عن الغيبة ومحاربة الرغبات، وللشعور بالمسؤولية والصبر، وتحسس آلام الآخرين والتحرر من الأهواء، ولتزكية النفس والإخلاص للعقيدة وصيانتها.
إن صيام شهر رمضان المبارك وإحياء ليالي القدر بهذه الروحانية والقيم والأخلاق هي فرصة حقيقية للإنسان للبحث عن جوهره وبناء نفسه وفقاً للقيم والأخلاق الإسلامية وللتقرب من الله.
هذا الشهر العظيم فيه ليلة خير من ألف شهر، وهي "ليلة القدر"، ألا يكفي أن هذا الشهر الفضيل يضم في لياليه المباركة ليالي القدر الثلاث؟، وبما أن في هذا اليوم تصادف ليلة من ليالي القدر المباركة، فنذكر نبذة عن هذه الليلة المباركة.
ليلة القدر خصائصها وأسرارها
ليلة القدر المباركة فرصة منحها الخالق عزّوجلّ لعباده، ليعودوا إلى فطرتهم في الإيمان والتقوى، وهي أعلى درجات تنقية النفس من شوائب الدُّنيا وإغراءاتها الزائلة. أنّها ليلة مباركة، قال الله تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاك مَا لَيلَةُ الْقَدْرِ، لَيلَةُ الْقَدْرِ خَيرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (القدر 1-3).
ليلة القدر كما سماها الله تعالى في القرآن، هي ليلة من ليالي شهر رمضان، وإنها إحدى الليالي الثلاث (19 – 21 – 23)، والظاهر أن المراد بالقدر التقدير، فهي ليلة التقدير يقدَّر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل من حياة وموت، ورزق، وسعادة، وشقاء، وغير ذلك كما يدل عليه قوله في سورة الدخان في صفة الليلة: "فِيهَا يفْرَقُ كلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ، أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِّن رَّبِّك" (الدخان 4-5).
وهي ليلة متكررة بتكرر السنين، ففي شهر رمضان من كل سنة قمرية ليلة تقَّدر فيها أمور السنة... (تفسير الميزان- سورة القدر)
عظمة ليلة القدر وخصوصيتها
المستفاد من الآيات والروايات هو:
- يتجلى في هذه الليلة أعلى مظاهر الفيض والكرم الإلهي، والضيافة الإلهية.
- إن النبي (ص) قد حرص وأهل بيته عليهم السلام والأئمة عليهم السلام على إحيائها، بالعبادة والطاعة.
- إنها ليلة مباركة كما وصفها القرآن.
- فيها تقَّدر الأمور، ويفرق كل أمر حكيم.
- العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.
- إنها ليلة أمن وسلام حتى مطلع الفجر.
- إنها ليلة نزول القرآن نجوماً، أو على قلب محمد (ص) وبهذا عظيم البركة.
- إنها ليلة نزول الملائكة والروح وهو جبرائيل عليه السلام على الأشهر.
حقيقة ليلة القدر في كلام الإمام الخميني (قدس)
يقول الإمام الخمينى (قدس) في كتاب الأداب المعنوية للصلاة: "إن ليلة القدر صارت صاحبة قدر لأنها ليلة وصال النبى الخاتم وليلة وصول العاشق الحقيقي إلى محبوبه، حيث أن تنزل الملائكة ونزول الوحي يكون بعد حصول الفناء والقرب الحقيقي.
كما يقول في نفس المصدر: "فليعلم أن القلوب التي تسير إلى الله بطريق السلوك المعنوي والسفر الباطني وتهاجر من منزل النفس المظلم وبيت الأنانية طائفتان، بصورة عامة:
- الطائفة الأولى: هم الذين يدركهم الموت (المعنوي) بعد إتمام السفر إلى الله ويبقون في هذه الحالة من الجذبة والفناء والموت فقد وقع إجرهم على الله، وهؤلاء محبوبون فانون تحت قباب الله لايعرفهم أحد ولا يرتبطون بأحد إلا الحق تعالى، ففي الحديث القدسي: "أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيري".
- الطائفة الثانية: هم الذين فيهم قابلية أن يرجعوا إلى أنفسهم بعد تمامية السفر إلى الله وفي الله ، وتحصل لهم حالة الصحوة والتنبه ، هؤلاء الذين قدر إستعدادهم إنتجبهم الله لتكميل العباد وتعمير البلاد ـ (يقصد الإمام الخميني (قدس) الانبياء وعلى رأسهم النبى الخاتم (ص) وأهل البيت صلوات الله عليهم.