بمولد النور الحبيب المصطفى(ص) تحققت بشارات السماء بمجيء الرحمة الالهية للعالمين خاتم الرسل والرسالات، وبولادة الامام الصادق(ع) تم الحفاظ على الدين الحق من خلال باني صرح المذهب الحق .
اذا جاء الرسول محمد(ص) بنور الهداية من الشرك والضلال، فان حفيده الامام الصادق(ع ) كان كل همه في كيفية الحفاظ على دعوة الهدى من كل الوان التشويه والتحريف من قبل المتربصين شرا بالرسالة الخاتمة، والحفاظ على اصالة الدين في زمن تكالب الاعداء والاهواء على حرف الاسلام عن الجادة، ولكن هيهات لهم ذلك (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) صدق الله العلي العظيم .
عندما أشرقت نور البعثة النبوية من قلب الصحراء الباردة في ظلمات الليل الأسود المغلف بالجهل والموت، فانبعث منها نسيم داعب قلوب العطشى في وسط غليان الصحراء الحمراء التي تحترق بلهيب نيران التعصب والوثنية والجاهلية. كانت تلك الإشراقة النغمة التي انسلت إلى القلوب العطشى وأطربت لها القلوب البائسة لتتدفأ بالأمل الذي سكن أعماقها لأول مرة في حياتها. وعندما كان الجميع يتوقع أن تهب على الجزيرة العربية رياح التغيير التي تحمل في اكنانها رياحين الأزهار ونسمات الحب ووهج الحياة، ظهر من أعماق البيت العتيق صبي يتيم لا يملك من الدنيا إلا قلب كبير وعقل حكيم ورسالة عظيمة حملها شعلة وهجاء أخذت تبدد ظلمات الجاهلية لتنهار كل أصنامها الجوفاء بعد أن كشف نور الوحي زيفها وفضح أكذوبتها. وهنا تكمن معجزة الصادق الأمين، إذ كيف استطاع ذلك اليتيم الوحيد الذي لم يملك سنداً إلا رفيق يافع العمر كثير العقل والحكمة كبير الروح عظيم اليقين والإيمان اسمه علي بن أبي طالب وامرأة عظيمة أحبته لفكره ورسالته وقلبه فوهبته كل شيء وهي خديجة، ألا يثير الذهول والتعجب انتصاره المذهل من عمق الصحراء الجدباء التي رواها من عذب ماء رسالته فربت وازدهرت واعشوشبت بالعلم والحضارة لتصبح مناراً تهتدي بها الأمم والشعوب.. ألا يضعنا ذلك في الكثير من التساؤلات التي تبحر في أذهالنا باحثة عن ذلك السر العظيم..؟
لا يمكن لأي مبدأ أو فكرة أو رسالة أن تنجح في إرساء دعائمها واستمرار تموجاتها إلى الأجيال والأزمان اللاحقة ما لم يتوافر فيها شرطان أساسيان:
أولاً: وجود المبادئ والأفكار والرؤى التي تستطيع أن تغذي تلك الرسالة وتعطيها القدرة على بناء كيانها وإرساء دعائمها ومن ثم تلهمها الروح القوية القادرة على الاستمرار والنمو والتألق، وبالطبع فإن هذا يعتمد على نوعية الأفكار والمبادئ التي تطرحها هذه الرسالة فلابد أن تكون نابعة من الواقع الإنساني وانسجامه مع التكوين الإنساني وحينئذ فهي تخترق أعماق الإنسان التي يجدها عذبة قد روت ذلك الغليل الذي يعذبه بالتيه والضياع والجهل.
ثانياً: تصبح الفكرة مجرد سفسطة أو خيال ما لم تكن قادرة على إثبات صحتها عملياً لأن طبيعة الإنسان الفكرية تجعل من الفكرة مجرد وهم إن لم ير الفكرة بصورة مجسدة في الخارج ذلك أن الفكرة هي انتزاع من الواقع والواقع تصديق لتصور الفكرة وإثبات عملي لها، والحقيقة ليست إلا ثمرة للتزواج بين الواقع والفكرة. ومن هذين الشرطين الذين يكشفان عن أسباب فشل المبادئ أو نجاحها نعثر على الجواب الذي يفسر لنا قدرة ذلك النبي الوحيد الذي خرج من غار حراء ليبشر العالم برسالة جديدة وروح جديدة وواقع عملي فريد من نوعه لم يشهد العلم مثله لا قبلاً ولا بعداً. ومن أهم هذه المبادئ التي كانت الأسس التي تشكل المجتمع الإسلامي وترسم له حركته مثل:
الشورى: التي تعطي المجتمع التماسك والقوة وتبعث على الإبداع والانتماء الإنساني للمجتمع واستيعابها للطاقات والكفاءات فيسير المجتمع الحيوي بحياة الشورى كالنهر المتدفق السيال جامعا كافة روافده في اتجاه واحد لتشكيل ذلك المحيط الإسلامي العالمي الواحد.
الحرية: أساس الحقوق التي وهبها الباري إلى عباده البشر لممارسة المسؤولية والتكليف باعتبارها الطريق لتحقيق عبودية الله، وكلما عظمت ممارسة الحرية المسؤولة والواعية عظمت ممارسة الإنسان في عبوديته لله تعالى.
السلم والسلام: الكلمة تدور في أفواه المسلمين كل يوم مرات كثيرة لتعلن للجميع أن الدين هو السلام والرفق واللاعنف وأن لا دين بدون سلام، لأن الدين يهدف لإرساء التعايش الإنساني وجمع البشر في بوتقة مبدئية واحدة، ومع العنف ينتفي التعايش وتنفخ أبواق الحرب نعيرها ويقاد البشر إلى مسالخ الذبح والقهر.
الإخوة: ما أعظم ما تجسده هذه الكلمة من روح عظيمة تهيمن على القلوب بمبادئها حيث تركع أمامها كل الفروقات الطبقية والعنصرية والمادية التي يضعها الضالون لتحكيم طغيانهم وترجمة شهواتهم باستعباد الإنسان بهذه الفوارق الوهمية. وإذا لاحظنا خريجة آلام التاريخ البشري وتعاسته وخصوصاً العصر الحديث نرى أن هذه المبادئ تمثل البلسم الشافي لكل هذه الآلام، لأن معظم التعاسة البشرية صدرت من ممارسات الاستعباد والطبقية والاستبداد والحروب الجشعة وتناقضات العنصرية.
ولكن لم يكن لهذه المبادئ أن تعطي الدفء والأمل للعالم ما لم يكن هناك رسول عظيم جسدها فشكلت تلاحماً مقدساً وفريداً بين الفكرة والواقع ولولا قدرته التجسيدية العظيمة لكانت هذه الأفكار مجرد نظريات نقرؤها في الكتب. فمع الشورى استطاع أن يجمع الرسول العظيم ذلك الحشد الإنساني المتموج في أقصر مدة يمكن للعقل البشري أن يتصورها مما دل على سمو مبدأ الشورى وتألق حامله وتجسيده المتكامل بشهادة القرآن الحكيم: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).
ومع راية السلم واللاعنف كانت كلمات الرسول الرحيم اللّين تنسل إلى القلوب القاسية فتخضع خاشعة ذليلة أمام روح ذلك العفو الكريم المسامح لتبدي الجزيرة العربية مرحلة جديدة من التبشير السلمي والروح المتسامحة الرحيمة والمحبة بعد ان كانت قد أصبحت كالحجر قسوة وغلاظة وجفاء في الجاهلية. ومع الحب الأخوي الذي ينبع من أغساق قلبه كالشلال الهادر إنخمدت أصوات جاهلية القبلية وطبقية اللغة والثروة. فما أعظمها من روح استطاعت أن تفرض نفسها على كل قريب وغريب فيسكن هادئاً وديعاً أمام عنفوان ذلك الرسول. وما أعجب ذلك المجتمع الذي كان يعيش مع رسول الله هل تسميه جمع المتناقض أو التناقض المجموع ولكنه تعبير واضح لا نقاش فيه عن عظمة المبدأ وقدسية رسوله.
يقول برنارد شو (1817 ـ 1902 ) في مؤلف له أسماه (محمد): إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا)ز
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
-يقول مهاتما غاندي: أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته، هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب، وليس السيف. بل بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي آسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة.
يقول جوتة الأديب الألماني: إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد(ص)، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد(ص)… وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد(ص) الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد.