يا ايها الرائح والغادي
عرّج على سيدنا الهادي
واخلع إذا شارفت ذاك الثرى
فعل كليم الله في الوادي
وقل سلام الله وقف على
مستخرج من صلب أجواد
مبارك الطلعة ميمونها
وماجد من نسل أمجاد
وقد ولدته السيدة الطاهرة سمانة المغربية التي حظيت بمرتبة سامية عند الامام الجواد وقال عنها ولدها الهادي (عليهما السلام): «إن امي عارفة بحقي وهي من اهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد ولا ينالها جبار عنيد، وهي مكلوءة (اي محفوظة) بعين الله التي لا تنام ولا تتخلف عن امهات الصديقين والصالحين».
نعم، فالسيدة سمانة المغربية هي كسائر الطاهرات المطهرات التي أختارهن الله عزوجل لحضانة اوليائه المقربين وأوصياء سيد المرسلين(ص).
لقد عرف مولانا الامام الهادي(ع) بعدة القاب اشهرها الهادي وهو من القاب جده المصطفى(ص)، كما عُرف بالقاب اخرى.
قد بدت عليه آيات الذكاء الخارق والنبوغ المبكّر الذي كان ينبئ عن الرعاية الإلهية التي خُصّ بها هذا الإمام العظيم منذ نعومة أظفاره، وقد تقلّد منصب الإمامة الإلهي بعد أبيه في الثامنة من عمره الشريف فكان مثالاً آخر للإمامة المبكّرة التي أصبحت أوضح دليل على حقّانية خط أهل البيت الرسالي في دعوى الوصيّة والزعامة الدينية والدنيوية للأمة الإسلامية خلافة عن رسول الله(ص) ونيابة عنه في كل مناصبه القيادية والرسالية.
وتنقسم حياة هذا الإمام العظيم إلى حقبتين متميّزتين: أمضى الأولى منهما مع أبيه الجواد(ع) وهي أقلّ من عقد واحد بينما أمضى الثانية وهي تزيد عن ثلاثة عقود عاصر خلالها ستّة من ملوك الدولة العبّاسية وهم: المعتصم والواثق والمتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتز، واستشهد في أيام حكم المعتز عن عمر يناهز أربعة عقود وسنتين، وقد عانى من ظلم العباسيين كما عانى آباؤه الكرام حيث أحكموا قبضتهم على الحكم واتخذوا كل وسيلة لإقصاء أهل البيت النبوي وإبعادهم عن الساحة السياسية والدينية، وإن كلّفهم ذلك تصفيتهم جسديّاً كما فعل الرشيد مع الإمام الكاظم، والمأمون مع الإمام الرضا، والمعتصم مع الإمام الجواد(ع).
وتميّز عصر الإمام الهادي(ع) بقربه من عصر الغيبة المرتقب، فكان عليه أن يهيّئ الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجديد الذي لم يُعهد من قبل حيث لم يمارس الشيعة حياتهم إلاّ في ظل الارتباط المباشر بالأئمة المعصومين خلال قرنين من الزمن.
ومن هنا كان دور الإمام الهادي(ع) في هذا المجال مهمّاً وتأسيسيّاً وصعباً بالرغم من كل التصريحات التي كانت تتداول بين المسلمين عامّةً، وبين شيعة أهل البيت خاصّةً حول غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أي المهدي المنتظر الذي وعد الله به الأمم.
وبالرغم من العزلة التي كانت قد فرضتها السلطة العباسية على هذا الإمام حيث أحكمت الرقابة عليه في عاصمتها سامراء ولكنّ الإمام كان يمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجيهي بكل دقّة وحذر، وكان يستعين بجهاز الوكلاء الذي أسّسه الإمام الصادق(ع) وأحكم دعائمه أبوه الإمام الجواد(ع) وسعى من خلال هذا الجهاز المحكم أن يقدّم لشيعته أهمّ ما تحتاج إليه في ظرفها العصيب.
وبهذا أخذ يتّجه بالخط الشيعي أتباع أهل البيت (عليهم السلام) نحو الاستقلال الذي كان يتطلّبه عصر الغيبة الكبرى، فسعى الإمام علي الهادي(ع) بكل جدّ في تربية العلماء والفقهاء إلى جانب رفده المسلمين بالعطاء الفكري والديني والعقائدي والفقهي والأخلاقي، ويمثّل لنا مسند الإمام الهادي(ع) جملة من تراثه الذي وصل إلينا بالرغم من قساوة الظروف التي عاشها هو ومَن بعده من الأئمة الأطهار(ع).