نص رواية ابن قتيبة:
قال و إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها علي من فيها فقيل له يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال وإن فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي علي عاتقي حتي أجمع القرآن فوقفت فاطمة رضي الله عنها علي بابها فقالت لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله صلي الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تزدوا لنا حقا.
الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة (المتوفي276هـ)، الإمامة والسياسة، ج 1، ص 16، تحقيق: خليل المنصور، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1418هـ - 1997م، با تحقيق شيري، ج1، ص30، و با تحقيق، زيني، ج1، ص19.
هذه من الشبهات التي اثارتها الوهابية و ارادوا فی الواقع باثارتها ان یفروا من الحقائق المطروحة فی هذا الكتاب، لهذا یقولون، كتاب الإمامة والسياسة، لم یکن تالیف ابن قتيبة الدينوري.
حسب ان ابن قتيبة الدينوري، المتوفي 276 هـ، یعد من اعلم العلماء و من کبار و فحول اهل السنة فی الادب، التاريخ، الفقه، الحديث، العلوم القرآنیة و... و لایتمکنوا الوهابية ان یرددوا فی وثاقته و شخصيته نفسه، فیسعوا حتي الإمكان ان یعیبوا فی انتساب كتاب الإمامة والسياسة الیه و ان یسقطوه من درجة الاعتبار.
بناء علی هذا، فعلينا بالتحقيق و الجواب و لو علي سبيل الاختصار لهذه الجهود الغير العلمية:
اولاً: هذا الكتاب طبع بمرات عديدة باسم مؤلفه «ابن قتيبة الدينوري» في مصر و بقية البلدان و توجد نسخ عديدة منه في انحاء العالم بعضها مخطوطة؛ من جملتها في مكتبات مصر، باريس، لندن، تركيا و هند؛
ثانياً: هذا بعيد عن كرامة الشخص المحقق الاسلامي انه مع تواجد علماء الاسلام، يستند بكلمات المستشرقين كالدوزي و...، و من الاساس في صحة الانتساب و عدمه ما هو السبب لاحتياجه الي الاجنبي؟ و لماذا نستمد من كلام المستشترقين الذين في كثير من القضايا ينكرون وجود النبي صلي الله عليه و آله و سلم؟. من المعلوم ان اهل السنة اصبحت ايديهم قصيرة عن اقامة الدليل فلتجئوا الي ساحة المستشرقين؛
ثالثاً: كثير من علماء اهل السنة؛ حتي من العلماء و كبار المعاصرين لهم، صرحوا بتأليف هذا الكتاب و صحة انتسابه«لابن قتيبة» و استندوا به في نقل الروايات التاريخية، فلنشير الي اسماء بعضهم علي سبيل الاختصار:
1. ابن حجر الهيثمي في كتاب تطهير الجنان و اللسان.
ابن حجر الهيثمي، أبو العباس أحمد بن محمد بن علي (المتوفي973هـ)، تطهير الجنان و اللسان، ص72.
2. ابن العربي المالكي، في كتاب العواصم من القواصم ضمن نقل مطالب من هذا الكتاب صرح بصحة انتسابه «لابن قتيبة».
إبن العربي، محمد بن عبد الله أبو بكر (المتوفي543هـ)، العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، ج 1، ص 261، تحقيق: محب الدين الخطيب – و محمود مهدي الاستانبولي، ناشر: دار الجيل - لبنان - بيروت، الطبعة: الثانية، 1407هـ - 1987م.
3. نجم الدين عمر بن محمد المكي الشهير«بابن فهد» في كتاب اتحاف الوري باخبار امّ القري في ذكر حوادث سنة 93هـ، يقول:
و قال ابومحمد عبدالله بن مسلم ابن قتيبة في كتاب الامامة و السياسة....
ابن فهد، نجم الدين عمر بن محمد مكي، اتحاف الوري باخبار ام القري، حوادث سنة 93 هـ ق.
ثم يذكر حكاية القبض علي «سعيد بن جبير» نقلا من ذلك الكتاب.
4. قاضي ابوعبدالله التنوزي الشهير«بابن شباط» في كتاب الصلة السمطية.
التنوزي، أبو عبد الله، الصلة السمطية، الفصل الثاني، باب 34.
5. تقي الدين الفاسي المكي في كتاب العقد الثمين.
الفاسي المكي، تقي الدين، العقد الثمين، ج6، ص72.
6. يوسف إليان سركيس في كتاب معجم المطبوعات العربية ضمن ذكر شرح حياة «ابن قتيبة» يذكر اسم كتابه:
2 الإمامة والسياسة ابتدأ فيه بذكر فضل أبي بكر وعمر. مط النيل 1322 جزء 2 بتصحيح محمد محمود الرافعي مصر 1327 ص 395 مط الفتوح الأدبية جزء 2 1331 ص 181 و 184.
سركيس، يوسف اليان (المتوفي1351هـ)، معجم المطبوعات العربية، ج1، ص211، ناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي ـ قم، 1411هـ.
7. فريد وجدي في كتاب دايرة المعارف القرن العشرين يقول:
اورد العلامة الدينوري في كتابه الامامة و السياسة....
وجدي، فريد، دايرة المعارف القرن العشرين، ج2، ص754.
و كذلك في موضع آخر يقول:
... كتاب الامامة و السياسة لابي محمد عبدالله بن مسلم الدينوري المتوفي سنة 270 هـ.
نفسه، ص749.
8. الدكتور احمد زكي صفوت المولف الشهير المعاصر و استاذ لسان العربي في جامعة مصر في كتاب جمهرة خطب العرب، في مواضع عديدة يذكر مطالب من كتاب الإمامة و السياسة و ينسبها الي ابن قتيبة.
و زاد ابن قتيبة في الامامة والسياسة: والله يا أهل العراق ما أظن هؤلاء القوم من أهل الشأم إلا ظاهرين عليكم.
صفوت، أحمد زكي، جمهرة خطب العرب، ج 1، ص 422، ناشر: المكتبة العلمية - بيروت.
وزاد ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من خير لي منكم وأعقبكم
جمهرة خطب العرب، ج 1، ص 426.
نص آخر لخطبة طارق. وروي ابن قتيبة هذه الخطبة في الإمامة والسياسة بصورة أخري.
جمهرة خطب العرب، ج 2، ص 316.
كيف لا يكفي تصريح هؤلاء من العلماء و الكبار من اهل السنة في انتساب هذا الكتاب الي ابن قتيبة؟
رابعاَ: عدة من كبار اهل السنة ضمن قبول صحة انتساب هذا الكتاب الي«ابن قتيبة» و تأييد الحقائق المرّة و المأساوية التي نقلت عنه من تاريخ صدر الاسلام، اوردوا عليه لماذا لم يعمل بوظيفة التغميد و تعتيم الحقايق و تحريف التاريخ! هم اظهروا انه لابد كالآخرين ان يمتنع من نقل هذه الحقائق!!
ابن العربي في كتاب العواصم من القواصم اظهر هكذا:
ومن اشد شيء علي الناس جاهل عاقل أو مبتدع محتال فأما الجاهل فهو ابن قتيبة فلم يبق ولم يذر للصحابة رسما في كتاب الامامة والسياسة ان صح عنه جميع ما فيه
إبن العربي، محمد بن عبد الله أبو بكر (المتوفي543هـ)، العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، ج 1، ص 261، تحقيق: محب الدين الخطيب - ومحمود مهدي الاستانبولي، ناشر: دار الجيل - لبنان - بيروت، الطبعة: الثانية، 1407هـ - 1987م.
و لو لم يكن هناك سبب آخر لنسبة الكتاب الي ابن قتيبة غير كلام ابن العربي لكفى لأهل الحق. لأن هذا الاعتراف، بالإضافة إلى إثبات إسناد الكتاب الي مولفه، يوضح أيضًا دافع أهل السنة لكل هذه الجهود في نفي هذا الانتساب.
يعتقد أهل السنة أنه يجب على المؤرخين و الرواة التزام الصمت و التستر عند مواجهة أخبار سوء سلوك الصحابة و وجوب الامتناع عن رواية اختلاف الصحابة و تلاسنهم، فالتجنُّب من ذكر ما تعرضوا به علي الإمام علي (ع) و فاطمة الزهرا (ع) و البقية من أهل البيت عليهم السلام من ظلم ومعاصي وخطأ. .. بطريقة أولى وجوبه سيكون أشد.
من الجدير للذكر ان مولوي عبدالحميد اسماعيل زهي، امام جمعة اهل السنة في زاهدان ايضا يذكر في حواره ما هذا ترجمته:
نحن موظفون بحفظ حرمة الصحابة. نحن لا نقول ان الصحابة معصومون و لايذنبون؛ لكن لابد ان لا نذكر خطاياهم بدل ذكر محاسنهم و اعمالهم من الصواب....
نشرية نداء الاسلام، حوزة العلميه في دارالعلوم زاهدان، السنة الاولي، رقم 4، ص11.
النتيجة:
حسب اعتراف كبار اهل السنة، كتاب الإمامة و السياسة، تاليف ابن قتيبة الدينوري و كان دافع اهل السنة في انكاره، هو إخفاء الحقائق التي صرح بها ابن قتيبة علانية.
من الله التوفيق
فريق الاجابة عن الشبهات