شبهات وردود

حول مظلومية الزهراء(علیها السلام)

 

 

 

حوارات أ. د السيد محمد الحسيني القزويني

على قناة المستقلة الفضائية

سنة 1429 هـ

 


 






هوية الكتاب

 

اسم الكتاب:.............. شبهات وردود حول مظلومية الزهراء

تأليف:..................... أ د. محمد الحسيني القزويني

الناشر:.............. مؤسسة وليّ العصر(عج) للدراسات الإسلامية

رقم الإيداع الدولي:...................

رقم الإيداع الدولي للدورة........................

الطبعة:..................... الأولى 1434هـ ــ 2013م

عدد النسخ:................. 5000 نسخة








شكر وتقدير

أتقدّمُ بشكري وامتناني للأخوة الذين قاموا بتدوين هذه المناظرات وتنقيحها وتبوبيها وعنونتها، وأخصُّ بالذكر أصحاب الفضيلة، كلٍّ من: الدكتور يحيى الدوخي، والدكتور حاتم البخاتي، والدكتور حكمت الرحمة، والدكتور فلاح الدوخي، مع تقديري وشكري وثنائي بنحو خاص لفضيلة سماحة السيد رضا البطاطا الذي قدَّم الكثير من أجل أن تخرج هذه المناظرات في أكمل وجه، أسالُ الله تعالى لي وللجميع التوفيقَ وحسنَ العاقبة.

د. محمد الحسيني القزويني


فهرس المحتويات

المقدّمة. 15

تمهيد. 23

التاريخ الإسلامي بين الواقعية والموروثات.. 23

عوامل الخلل التشويه في التاريخ الإسلامي.. 26

1 ـ اجتهادات ومواقف بعض الصحابة. 26

أ ـ منع النبيّ من تدوين ما يضمن للأمة عدم الاختلاف.. 26

ب ـ إحراق النصوص ومحوها 27

ج ـ منع التدوين. 28

د ـ منع التحديث وفرض القيود على المحدثين. 28

3ـ العقائد والمتبنيات الفكرية للمؤرخ. 31

مستلزمات ونتائج. 33

ملاحظات عامّة حول المناظرة. 34

حلقات الحوار التي شاركنا فيها 37

الحلقة الرابعة. 39

كلام الهاشمي.. 39

الإشكالات على استشهاد الشيعة بكتاب الإمام علي إلى أبي بكر 41

تعريف وترحيب.. 48

مداخلتنا الأولى في المناظرة. 50

استشهاد الزهراء وإقامة العزاء ليست من مستجدات الشيعة  52

ما ورد في نهج البلاغة يدل على ما لحق بها من ظلم وأذى.. 53

ما ورد في كتب أهل السنة حول ما جرى على السيدة الزهراء: 55

1 ـ رواية الجويني التي تدل على كسر الضلع وإسقاط الجنين. 55

2 ـ كلام ابن تيمية حول قضية الهجوم على بيت السيدة الزهراء(علیها السلام)(): 56

3 ـ رواية الطبري.. 57

التعارض في التوثيق والتضعيف يشمل جميع رواة أهل السنة  58

أقوال أخرى لعلماء أهل السنة تدل على الهجوم. 59

شواهد على وجود خلافات كثيرة بين الصحابة. 60

الدعوة إلى الوحدة وعدم طرح الأمور بطريقة مثيرة للخلاف.. 60

ما قاله المجلسي لا يمثل رأي الشيعة. 61

استغراب الهاشمي من طرحنا لهذه الأمور 63

اعتراضات الحسيني على كلامنا 63

الادعاء بان أسانيد كل هذه الروايات ضعيفة. 64

ادعاء الحسيني أن الشهرستاني قد ردّ على النظّام الذي ذكر الرواية  65

إدعاء الحسيني أن الذهبي قد ذم شيخه الجويني.. 66

جوابنا على كلام الحسيني.. 67

تصحيح سند روايات الهجوم على بيت الصديقة الزهراء(علیها السلام) 69

توثيق سند رواية الطبري.. 69

توثيق رواية ابن أبي شيبة() 70

تعليق الدكتور (أبو شوارب) على ما أوردناه من أدلّة. 71

جوابنا على كلام (أبو شوارب) 80

بعض كلمات المعاصرين الدالة على الهجوم. 80

الأستاذ محمد حسين هيكل. 81

الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود. 81

جواب الادعاء بان كل علماء الشيعة يردون كتاب سليم بن قيس    82

كلام الهاشمي حول فتوحات عمر بن الخطاب.. 84

استدراك من الشيخ محمد الخزاعي على كلامنا 92

الحلقة السادسة. 97

مقدّمة للدكتور الهاشمي.. 97

خلاصة ما جرى في الحلقات السابقة. 100

ردنا على ما ورد من الإشكالات في الحلقة السابقة. 100

الحسيني يدلس ولم يذكر الحقائق.. 101

الروايات الصحيحة حول مسألة الهجوم على بيت فاطمة(علیها السلام) 102

الرواية الأولى: رواية ابن أبي شيبة. 102

الرواية الثانية: رواية البلاذري.. 103

الرواية الثالثة: رواية محمّد بن جرير الطبري.. 105

الرواية الرابعة: رواية الطبري والذهبي.. 106

التأكيد على أنّ منهجنا قائم على التسامح وعدم الإساءة للمسلمين  107

دفاعنا عن شبهة التدليس التي أتهمنا بها الحسيني.. 109

الشهرستاني نقل عن النظام وهذا ليس تدليسا 110

الراوي المختلف فيه قد يرتقي حديثه إلى مرتبة الحسن. 111

الحزن على أئمة الهدى ليس من سنخ الجزع المذموم. 113

السيدة عائشة ضربت وجهها حزنا على وفاة رسول الله(ص) 114

رد وتصحيح على أبي شوارب لأنه قطع كلام أمير المؤمنين. 114

كلام الهاشمي.. 116

تعليق الدكتور (أبو شوارب) 116

أبو شوارب يضعف الروايات بلا ضابطة علمية. 117

مدح النبي(ص) للصحابة. 121

ثناء الإمام علي على الصحابة. 121

وصف الإمام الباقر لأبي بكر بالصديق.. 129

رواية زيد بن علي بن الحسين في مدح الشيخين. 130

دعوى أن الإمام الباقر قال: أنا لست بمنكر فضل عمر 131

أبو بكر وعمر إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق.. 133

تعقيب صباح الخزاعي على كلامنا المتقدم. 138

كلام الخزاعي بعيد عن منطق أهل العلم. 140

مداخلة قصيرة لأبي شوارب.. 143

عودة لكلام الخزاعي.. 144

الكلام للهاشمي.. 148

الهاشمي يبرر لهذه المناظرات.. 148

تعليق الحسيني على كلامنا المتقدم. 153

دعوى براءة جعفر بن محمد من الذين يتبرأون من أبي بكر وعمر 156

رواية: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا 161

الحسيني يرد الروايات الصحيحة لأنها لا تنسجم مع متبنياته. 163

كلام الهاشمي حول ما نشر في موقع مركز الأبحاث العقائدية  164

عودة الكلام للحسيني.. 165

مداخلتنا حول الموضوع. 169

الهاشمي يتأكد من أن معلومات الحسيني معلومات باطلة. 169

طلب غير منطقي.. 170

الهاشمي يرد بدلا عنا 170

الهاشمي يطلب منا التراجع عن اتهام أبي بكر وعمر 171

عدم إهانتي للصحابة طيلة عشرين سنة. 171

الهاشمي يعلل طرح هذه الموضوع. 173

روايات الفريقين دلت على وقوع هذه الحادثة. 174

الحلقة الثامنة والأخيرة. 177

الكلام للهاشمي.. 177

العودة إلى الحوار معنا 181

ذكر كلام زيد بن علي بن الحسين حول الخلفاء 182

الطلب منا أن نسحب التهمة عن الشيخين. 182

جوابنا على ما سبق من إشكالات.. 183

جوابنا على رواية الإمام الصادق(علیه السلام) 191

قبول الهاشمي لصدور التهديد عن عمر بن الخطاب.. 192

رواية ندامة أبي بكر لهجومه على بيت الصديقة فاطمة. 193

كلام حسن بن فرحان في تصحيح روايات الهجوم. 196

استدلال عجيب للهاشمي في جواب كلام حسن بن فرحان المالكي   197

أبيات شاعر النيل تدل على التهديد فقط كرواية ابن أبي شيبة  198

مركز الأبحاث ليس موقعاً شخصيا للسيد السيستاني.. 198

الكلام للهاشمي.. 199

مداخلة للخزاعي في موضوع التهمة. 199

ذكرنا لروايات أئمة أهل البيت بشأن ظلامات الزهراء(علیها السلام) 200

الرواية الأولى.. 200

الرواية الثانية. 202

ترجمة رجال السند. 202

الرواية الثالثة. 203

ترجمة رجال السند. 203

رد الادعاء بأن الشيعة قد وضعوا الخليفتين في قفص الاتهام. 205

(أبو شوارب) يعترض على طرحنا لمثل هكذا أمور 207

الهاشمي يطلب من المشاركين في الندوة النطق بالحكم النهائي   211

جوابنا على كلام الهاشمي.. 211

كبس بيت فاطمة(علیها السلام) 212

لست بصدد المحاكمة بل نحن والروايات والتاريخ. 213

الدليل واضح على هذه الحادثة وهذا لا يلازم الاضرار بوحدة المسلمين  213

أصل الهجوم على بيت الزهراء لم ينكره أيٌ من المتحاورين. 214

غضب الزهراء يدل على الحادثة. 214

الخزاعي ينفي التهمة عن الشيخين. 218

الرأي الأخير للدكتور (أبو شوارب) 219

دعوى أن منهجنا قائم على أكاذيب وقصص مدسوسة. 220

دعوى أن مذهبنا هو مذهب عموم الشيعة وهو مذهب ساقط  222

لا توجد رواية صحيحة تؤكّد هذه الواقعة عند السنّة والشيعة! 222

من دلائل دعواه على تدليسنا 223

قول أمير المؤمنين: أنا لا أريد الإمارة. 224

قول أمير المؤمنين في نهج البلاغة: إنا وجدنا أبا بكر أهلا للخلافة  227

هل اطلع رسول الله على المحسن عبر جهاز سونار؟. 227

ادعاء (أبو شوارب) أن رسول الله(ص) حلق رأس المحسن وعقّ عنه  228

ادعائه إجماع أهل العلم على أن محسنا مات صغيرا 228

كلام زيد بن علي بن الحسين في الدفاع عن أبي بكر 230

ما هي منزلة فاطمة عند أهل السنة؟. 231

العودة إلى رواية ابن كثير 232

طلب أبي بكر وعمر من علي الأذن في الصلاة على فاطمة(علیها السلام) 232

نص من الإمام الخميني في جواز شتم ولعن كل أهل السنة. 233

الشيعة يدَّعون بان جميع الصحابة ارتدوا إلا القليل منهم. 236

روايات الشيعة في انتقاص أهل بعض المدن. 238

كلام السيد نعمة الله الجزائري ضد أهل السنة. 240

الذي يتهم الصحابة خارج عن ملة الإسلام. 241

الرأي النهائي لـ (أبو شوارب) حول موضوع الهجوم. 242

ردنا على مدعيات (أبو شوارب) 243

ردنا على ما نقله (أبو شوارب) عن السيد نعمة الله الجزائري.. 244

ما نقله عن السيد الخميني لا ربط له بالمسألة. 244

طرح هذه المناظرات تعمق الخلافات بين المسلمين. 245

قضية استشهاد فاطمة(علیها السلام) ليست مستحدثة. 245

محاولة لإقناعنا بعدم إقامة هذه المجالس... 245

تأكيدنا على مشروعية هذا العزاء 246

توجيهنا لكلام السيد الخميني(قدس سره) 247

علماء الشيعة ومراجعهم يحترمون أهل السنة. 250

التعريف بكتب علماء الشيعة حول ظلامة الزهراء 250

إخراج الصحابة من قفص الاتهام لا يكون إلا بمحو روايات الصحاح  251

الوحدة هي المطلب الاساس... 252

فهرست المصادر 253

 


مقدّمة

لا يخفى على أهل التحقيق؛ أنّ مذهب أهل البيت(علیهم السلام)، ومنذ صدر الإسلام وإلى الوقت الحاضر، قد تعرّض وما زال إلى الكثير من الحملات الشرسة التي كانت ترمي إلى هدم كيانه من الأساس، أو التشكيك ببنيته الفكرية ـ على أقل التقادير ـ من قبل علماء السلطة السياسية الحاكمة على المجتمع الإسلامي؛ وذلك لما يمثله من تهديد لطموحات الحكام، حيث كان بمقتضى مبانيه الفكرية، التي تتمحور حول مفهوم الإمامة الإلهية لأهل البيت(علیهم السلام) يُشكّل عائقاً شرعياً أمام سلطانهم، لكن اتّكاء المذهب على أسس متينة وقويمة مستمدّة من الكتاب والسنّة الصحيحة، جعلته يقاوم تلك التشكيكات والشبهات الهائلة، فما كان من تلك الشبهات إلا أنْ زادته قوّة وصموداً وانتشاراً ملحوظاً في العالم، وخاصّة في الكثير من بلدان المنطقة العربية، فأخذ يشقّ طريقه بيسر وسلاسة نحو قلوب الملايين ممّن يحملون العقل الواعي والفطرة السليمة.

وهذا الانتشار الكبير أثار حفيظة الكثير من خصومه فعمدوا إلى توحيد الجهود للوقوف أمام هذا الانتشار, فراحوا يستثمرون المنابر الإعلامية بمختلف أنواعها ـ والتي أتاحها التطور اللافت في مجال الإعلام والمعلومات، وخاصّة ظهور القنوات الفضائية وشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)ـ من أجل مناهضة منهج أهل البيت(علیهم السلام)، سواء من خلال ضربها للأسس النظرية لهذا المنهج، وخاصّة نظرية الإمامة، أو التشكيك بالوقائع التاريخية الحساسة التي تثبت أحقيته وأرجحيته وصدق متبنياته في الواقع التاريخي العملي، أو من خلال عرض صورة مزورة وموهومة للتيارات المضادة لمذهب أهل البيت(علیهم السلام) وتسويقها إلى الرأي العام المسلم على أنّها تمثل قمّة الالتزام بأسس الإسلام، وأولها كتاب الله وسنة نبيه وسيرة السلف الصالح ـ كما يُدّعى ـ وهو أمر يدحضه الواقع العملي لهذه التيارات فضلاً عن المباني النظرية.

ومع أنّ طرح مسألة الخلاف بين المذاهب الإسلامية بشكل عام، أو بين مذهب أهل البيت والتيارات المضادّة له على وجه الخصوص، في القنوات الفضائية لم يكن أمراً شائعاً أو متعارفاً لأسباب كثيرة، قد يكون العامل السياسي من أبرزها، إلاّ أنّ قناة فضائية اشتهرت بأنّها تخدم الأجندة الوهابيّة السلفيّة، قد تبنت طرح هذه المسائل لأسباب لسنا بصددها الآن، حيث طرحتها بصورة موسعة لم يسبق لها مثيل، وبطريقة أقرب ما تكون إلى الدعاية الإعلامية منها إلى البحث العلمي المُمنهج والموضوعي، دون مراعاة للواقع الراهن الذي عليه العالم أجمع والمسلمون خاصّة، فراحت تثير الخلاف بالغور في مسائل حسّاسة ومعمّقة ومتداخلة تمسّ أفكار ومشاعر المسلمين، وبمختلف المجالات، سواء منها العقدية أو التاريخية أو الفقهية.

 ونحن نعتقد، ومن الأساس، أنّ طرح مثل هذه المسائل في شاشات التلفاز, وخصوصاً بمثل الطريقة التي تمّ طرحها من خلالها، أمر ليس في مصلحة الإسلام والمسلمين، فضلاً عن أنّه لا يفضي إلى نتيجة إيجابية، بل قد تكون له آثار عكسية، وذلك لأسباب كثيرة، أهمّها هو ما تتصف به هذه المسائل من تعقيد وتداخل، مضافاً إلى عمقها التاريخي الممتد على مسافة قرون عديدة، وهو ما يجعلها بحراً هائجاً من التراكمات التاريخية، الذهنية منها والنفسية..

فكنّا وما زلنا نرى أنّ الجدير بمثل هذه المسائل الخلافية العميقة والمهمة، والتي كانت سبباً في حدوث شرخ في صف وحدة المسلمين، أن تكون بمعزل عن شاشات التلفزة، وأن يكون نقاشها في مؤتمرات علمية تهدف لفهم طبيعة هذه الخلافات بشكل معمق، بحيث تكون هناك إرادة جادة لذلك، لا أن تمارس عملية الفهم بمثل تلك السطحية، كما هي عليه في القنوات الفضائية.

وكيف ما كان؛ فقد اضطرّنا الدفاع عن المذهب، وإزالة الشبهات التي يحاول الآخرون إلصاقها به, إلى المشاركة في بعض المناظرات.

ومع أنّنا لسنا بصدد وضع النقاط على الحروف بخصوص هذه المناظرات أو المنبر الذي طرحت من خلاله، بل نوكل ذلك إلى الوقت المناسب، إلا أنّ الإشارة وبعجالة إلى بعض القضايا الأساسية يبدو أمراً لا محيص عنه:

الأولى: أنّ هناك خلطاً واضحاً في المفاهيم، وفي أكبر الظنّ أنّه متعمَّدٌ من قبل القائمين على هذه المناظرات، وهذا الخلط يتقاطع تماماً مع الأهداف التي يطرحها هؤلاء، ومن أمثلة ذلك، هو الخلط بين مسألة سبّ الصحابة والإساءة إليهم وبين توجيه النقد إليهم، فلم يكن هناك نظر في الأدلة التي تُطرح في هذا الصدد كي يتسنى الوصول إلى الحقيقة المراد الوصول إليها والتي تشكّل موضوع البحث, بل تراهم يتهربون من النقاش إذا ما أعيتهم الحيلة في الجواب فيتّكئون على دعوى بأن الشيعة تسبّ الصحابة، من دون دليل ولا برهان؛ للخلاص من مأزق وجود أخطاء ومعاصي عند بعضهم, وهذا الخلط مرده ـ حسب ما نعتقد ـ إلى ضعف الحجّة والبرهان عند الطرف الآخر، وبشكل عام قلّة المادة العلمية لدى القائمين على المناظرات والفريق الذي يمثلهم.

الثانية: أفرزت هذه المناظرات، ومن ضمنها المناظرة التي نحن بصددها، أنّ هؤلاء يراهنون على تأجيج عواطف ومشاعر المسلمين عن طريق زرع طود عظيم من الأفكار السلبية في عقولهم وضمائرهم تجاه شيعة آل البيت(علیهم السلام)، قبل أن يراهنوا على وعي الناس وحبّهم للحقيقة؛ لذلك نجد أن منهجهم يستند في أغلب الأحيان إلى الإثارة والشحن العاطفي؛ مذهبياً وطائفياً، بل وحتى قومياً وللأسف الشديد.

الثالثة: أنّ من يدّعي حرصه على أنْ يتوحد المسلمون بكلّ طوائفهم، وتتآلف قلوبهم وتجتمع كلمتهم ويكونوا يداً واحدة على من سواهم ـ كما هو شعارهم في هذه المناظرات وفي غيرها ـ لا يستضيف في البرامج الخاصّة بمناقشة الأمور العقائدية الشائكة والحساسة شخصيات معروفة بتطرفها وعدم إيمانها بالحوار من الأساس، ولا بمسألة التقريب بين المذاهب التي ينادي بها أتباع مذهب أهل البيت(علیهم السلام)، ففي ظلّ هذه النظرة التي يحملها الطرف الآخر ليس من المعقول الخروج بنتيجة إيجابية بين المتحاورين؛ لأنّ من أساسيات الحوار هو وجود مساحة مشتركة يجتمع عليها الطرفان، ومن ثم يتحاوران على نقاط الخلاف، فيطرح كلّ منهما دليله عليها، فإذا كان دليل أحدهما ملزماً للآخر وجب عليه الأخذ به، وإلا ردّه بأسلوب علمي بعيد عن التشنجات والانفعالات العاطفية.

ولذلك يمكننا القول وفق هذه المعطيات: أنّ غرضهم من كلّ هذه المناظرات ليس الوصول إلى الحقيقة التي هي ضالّة المؤمن، أو التعرّف على مذهب أهل البيت(علیهم السلام) عن قرب؛ من خلال طرح أدلّته ومناقشتها نقاشاً علمياً، ومعرفة مدى أحقيتها من عدمه؛ بل هو محاولة لإسقاط المذهب الشيعي من وجدان المسلمين وقلوبهم ليس إلا، ويمكن التدليل على ذلك بمحاولتهم الطعن في أجوبة الشيعة من خلال رفضها وتكذيبها من الأساس بحجّة إيمانهم بالتقية، أو محاولة تسفيهها بحجّة أن الشيعة تعتمد في استدلالها على روايات موضوعة أو ضعيفة على أقلّ تقدير، أما لو كانت هذه الروايات صحيحة سنداً، فتراهم يلجأون إلى تفريغها من دلالتها عن طريق تفسيرها تفسيراً بعيداً عن معناها وما هو المراد منها، أو تأويلها تأويلاً مخالفاً للفهم العرفي أو الذوقي السليم، وهكذا يتدرجون في رد كل أجوبة الشيعة، ولو كانت في الصحة من الوضوح كوضوح الشمس في رابعة النهار، وإن خالفوا بذلك أبسط مقومات الحوار والجدل بالتي هي أحسن، كما أمرنا القرآن الكريم ونادت به السنة المطهرة.

أمّا بالنسبة إلى المناظرة التي نحن بصددها في هذا الكتاب، فكان الغرض من ورائها هو القفز على الواقع التاريخي؛ ومحاولة التأسيس لفهم جديد حول التعامل مع المذهب الشيعي؛ من خلال إبرازه أنّه مذهب يسعى لشقّ صف المسلمين، عبر بعض معتقداته التي تنال من أعمدة المذهب السنّي. فالزهراء(علیها السلام) وشهادتها وما جرى عليها من ظلامات رافقت حياتها القصيرة، مثلاً، هو في نظر الطرف المخالف لا يعدو خرافة من خرافات الشيعة، وأنّه تجنّ على التاريخ الإسلامي، وانتقاص من شخصيات عرفت بأنها شخصيات من الرعيل الأول من الصحابة، لذلك ينبغي على الشيعة التخلص من هذا الاعتقاد؛ لكي تتحقق الوحدة الإسلامية ويحدث التقارب الذي يطمح له المسلمون!

وفي الواقع, أنّ هذه محاولات يائسة لا تهدف إلا للنيل من المذهب الشيعي في الدرجة الأولى، والسعي لطمس الحقائق التاريخية، أو محاولة قراءتها بما ينسجم مع القواعد والأسس الفكرية للطرف المخالف.

إنّ مسألة مظلومية الزهراء(علیها السلام) لم تكن منحصرة في التراث الشيعي، كما يدّعي الطرف الآخر، بل إنّ ذلك ممّا اشتهر وجوده في التراث السنّي أيضاً, فقد ذكروا أنّها ماتت وهي غاضبة على الخليفتين وهاجرة لهما([1])، كما نقلوا في مصادرهم مسألة التجاوز عليها وعلى بيتها, وسوف نتعرض لذلك في هذا الكتاب إنْ شاء الله.

 وقد حرصنا في هذه المناظرات على الالتزام بالموضوعية والتجرد كأصول أساسيه للبحث العلمي، كما سيلمس القارئ الكريم ذلك بنفسه.

كما حرصنا أيضاً على المحافظة على أصل الحوار الذي دار على هذه القناة([2])، كما عمدنا إلى تحويله من اللهجة العاميّة إلى اللغة العربية الفصيحة, مع بعض التصرف في العبارة، في نفس الوقت الذي حافظنا فيه على المعنى المقصود للمحاور ليتسنّى للقارئ فهمه والوصول إلى مضامينه، هذا مع إضافة بعض الهوامش والتعليقات المهمة، والتي لم نستطع طرحها في حينها لضيق الوقت، وكثرة المداخلات والاعتراضات علينا من قبل القائمين عليها، والتي من شأنها أنْ تدعم الحقائق التي طرحت في المناظرة، وتفكُ العُقَد التي حاول الفريق الآخر إيجادها في ذهن المخاطب؛ لتكون حُجُباً تحول بينه وبين الحقيقة.

ونرى من الضروري هنا أنْ نذكر توطئةً نشير فيها إلى بعض المواضيع المهمة، والتي تعالج بعض الإشكالات التي ربما تعترض طريق الباحث، وتفتح له نافذة ليطل منها على الواقع العقائدي والمعرفي الذي عاشه المسلمون، ومدى تأثره بالسياسات الحاكمة، التي مارست شتى أنواع التضليل بحق الرعية من جهة, وما تعرض له الموروث الديني من تلاعب وتحريف من جهة أخرى.


تمهيد

التاريخ الإسلامي بين الواقعية والموروثات

لقد اتّسم التاريخ الإسلامي بجملة من الأمور المهمّة التي ميزته عن غيره، أبرزها ارتباطه بالدين والشريعة وسيرة نبيّ الإسلام(ص)، إذ طالما عكف المؤرّخ غير الإسلامي على تدوين أمجاد ملوكه وحضارة قومه وبلده، بينما نجد المؤرّخ الإسلامي ـ في المقابل ـ قد جعل سيرة نبيّ الإسلام وسلوكه ومواقفه محوراً لتدويناته.

كما امتاز التاريخ الإسلامي أيضاً، بوفرة المادة التاريخية؛ فكثيرٌ من الوقائع قد دُوّنت وسُطّرت بمختلف جوانبها، هذا مع ابتعاده عن جانب الأسطورة والخرافة، بالقياس إلى المستوى الذي ابتليت به في هذا المجال تواريخ بقية الأمم والحضارات.

غير أنّ هذا لا يعني نموذجية التاريخ الإسلامي، وأنّ الوقائع والأحداث قد وصلت إلينا كاملةً وبواقعها الحقيقي، وإنّما معرفةُ ذلك منوطةٌ بالدراسة المعمّقة، والوقوف على الكيفية التي وصلت إلينا من خلالها تلك الوقائع والأحداث، والعوامل التي ساهمت وأثّرت في نقلها، وهذا موكول إلى علم التاريخ، فهو الذي يتكفّل بذلك.

ومن خلال التأمّل فيما بين أيدينا من مدوّنات تاريخية، قد نصل إلى قناعة أكيدة بوجود مواطن من الخلل والنقص فيها، ولعلّ الباحث يلمس بوضوح أنّ هناك حلقات مفقودة من التاريخ الإسلامي، وفراغات واضحة بين حقائقه من خلال تسلسلها الزمني.

فهناك وقائع قد اعتراها النقص ولم تكتمل فصولها، كحروب النبيّ ـ على سبيل المثال ـ فقد تثير في نفس الباحث كثيراً من التساؤلات عنها، والتي لا يُعثر لها على إجابات في كتب التاريخ، وكذا شجاعة أمير المؤمنين علي(علیه السلام) في ميادين الحرب، ونصرته للدين ودفاعه عن المظلوم والمحروم، فقد تكتَّم التاريخُ بشكل واضح على التفاصيل الجزئية لهذه الأمور وأمثالها.

ومن جملة الأمور التي اعتراها النقص، أو قُلْ: التشويه التاريخي أيضاً، واقعة يوم الغدير، والتي هي من الأحداث المهمة في تاريخ الإسلام، والتي حظيت بعناية خاصة من قبل الرسول(ص)، فقد تحمّل عناء الموقف، وجابه كلّ التحديات التي كانت تعترضه آنذاك، فخطب في ذلك الجمع الغفير خطبته الأخيرة، بعد أنْ أوقفهم على دنوّ رحيله إلى الباري تعالى، وأتمّ الحجّة على الجميع بإتمام رسالته وإكمالها، وأمور أخرى تضمن لهم ديمومة الإسلام ونهجه القويم، وتضمن لهم عدم الضلال في متاهات الهوى.

وكذلك واقعة السقيفة، والتي كانت من أخطر الأحداث في تاريخ الإسلام؛ بما كان لها من دور في تعيين مسار الإسلام بعد رحيل النبيّ الأكرم(ص)، فقد تركت ـ هي الأخرى ـ تساؤلات كثيرة لازالت قائمة إلى الآن، ابتداءً من أصل شرعيتها ومروراً بأحداثها وانتهاء بما تمخضت عنه من نتائج.

كما لا ينبغي أنْ نغضّ النظر عن تاريخ أهل البيت(علیهم السلام)، فهو أيضاً قد أُهمل الكثيرُ منه، بالرغم من ثبوت منزلتهم في الإسلام ودورهم في تثبيت أركانه واستمرار نهجه، وما ورد في حقهم من وجوب المودة والإكرام.

وهناك أيضاً وقائع وأحداث أفقدها التشويه والتشويش صورتها الحقيقية، من قبيل سيرة النبي(ص) وعلاقته مع أهل بيته، وخصوصاً ما ورد عنه من أحاديث في فضائل ومناقب عترته الطاهرة(علیهم السلام).

وكذلك قضية الخليفة عثمان بن عفان، وكيف انتهى به المطاف إلى مقتله بيد الثوار الذين تزعمهم ثلة من كبار الصحابة.

 وأيضاً قضية عبد الله بن سبأ، واضطراب المؤرخين في شخصيته، وإصرار السلفية الوهابية على ربطه بالتشيع! بالرغم من أنّ المذهب الشيعي قائم على أدلّة قرآنية وروائية صحيحة وثابتة تدل على أحقيته قبل انعقاد نطفة عبد الله بن سبأ.

وهناك أيضاً وقائع تمَّ التلاعبُ فيها، أو قلبت وثُبّتت بشكل معكوس، كحروب الردة ـ مثلاًـ أو مسألة مالك بن نويرة، أو اختلقت من دون أنْ يكون لها واقع خارجي، مثل كثير من فضائل الصحابة، وخاصّة الخلفاء الثلاثة الأوائل، أو كبطولات خالد بن الوليد، ودور القعقاع في الفتوحات الإسلامية، وغير ذلك.

كما أنّ هناك وقائع أخرى قد اختلف المؤرخون في نقلها واختفى كثيرٌ من تفاصيلها، ممّا أوجد تبايناً في النتائج المترتبة عليها والأحكام الصادرة وفقها، كمسألة مظلومية الزهراء(علیها السلام)، وخلافها مع الشيخين، واستعمالهما العنف ضدّها؛ ممّا تسبب في وفاتها وهي غاضبة عليهما.

ولا شكّ أنّ ذلك الخلل أو التشويه في التاريخ كان وليد عوامل عديدة ساهمت في وجوده؛ لتصبح بنية التاريخ على ما هي عليه.

عوامل الخلل التشويه في التاريخ الإسلامي

ونعتقد أن أهم هذه العوامل هي:

1 ـ اجتهادات ومواقف بعض الصحابة

فإنّ من يدرس التاريخ الإسلامي، ويتفحصه بإمعان وتحليل، يجد أنّ بعضاً من وقائعه كانت نتاج العمل بالرأي والاجتهاد الشخصي.

ويمكن لنا أن نستدلّ على ذلك بسرد وقائع قد ساهمت الآراء الشخصية ومواقف بعض الصحابة في رسم صورتها التاريخية، بالكيفية الموجودة بين أيدينا الآن.

أ ـ منع النبيّ من تدوين ما يضمن للأمة عدم الاختلاف

 من هذه الوقائع، هو حيلولة بعض الصحابة دون أن يكتب النبي(ص) كتاباً يضمن لأمّته من بعده عدم الضلال والانحراف ([3])، حيث كان هذا الكتاب، يحمل في طيّاته أموراً كثيرة ـ لاسيما تلك التي تتعلق بقيادة الأمّة من بعده ـ والتي كانت ـ لو أتُيح لها ـ سترسمُ صورةً لمستقبل الإسلام تغاير الصورة التي حصلت بعد رحيله، لكن بعض الصحابة حالوا دون ذلك؛ مما أثر ذلك على مسيرة الإسلام بشكل كبير.

ب ـ إحراق النصوص ومحوها

ومن تلك المواقف والاجتهادات التي كان لها دور في المساهمة بصياغة التاريخ الإسلامي بصيغته الحالية، قيام الخليفة الأول بإحراق الكثير من أحاديث الرسول(ص)([4])، وكذلك أمر الخليفة الثاني بحرق النصوص ومحوها([5])، كما قام الخليفة الثالث بإحراق جميع مصاحف الصحابة([6]) في العصر الأول، والتي تختلف عن المصحف الذي جمعه وأرسله إلى الأمصار الإسلامية، بالرغم من اشتمال تلك المصاحف على تراث غني من الحقائق والوقائع، من قبيل بيان أسباب النزول، ومعاني الآيات والسور، وما إلى ذلك؛ فقد ورد أن بعض الصحابة كان لهم مصاحف خاصة، جمعوها أثناء حياة النبي(ص)، كمصحف علي(علیه السلام) ومصحف ابن مسعود وغيرهم، إلى وقت خلافة عثمان، ولا شك أن بعض هذه المصاحف قد تضمن بعض التفاسير وبعض أسباب النزول وغير ذلك كالتعليقات ونحوها([7]).

ج ـ منع التدوين

 لقد سعى الخلفاء إلى منع تدوين الحديث النبوي، وسار على هذا النهج من أتى من بعدهم من حكام الدولة الأموية إلى زمن عمر بن عبد العزيز، مما أدّى إلى ضياع العديد من الأحاديث النبوية؛ بسبب موت ناقليها أو شهادتهم في الحروب، كما تعرّض الكثير منهاـ نتيجة طول هذه الفترة ـ للتشويه والتغيير في المضامين، بسبب كثرة الوسائط في النقل، الذي اعتمد في أكثره على النقل بالمعنى دون التقيد بنفس اللفظ الذي صدر عن رسول الله(ص)، والذي يتأثر بفهم الصحابي للحديث، ومدى لياقته لذلك، ولا شكّ أنّ التدوين لو كان قد حصل في زمن النبيّ(ص)؛ لحفظ لنا السنّة بكاملها؛ ولصار مرجعاً موحّداً للأمّة، لا يشذّ عنه إلا منافق أو مريض القلب؛ ولانتهت أكثر الخلافات التي عصفت بالمسلمين, ووئدت في مهدها.

د ـ منع التحديث وفرض القيود على المحدثين

ولم يتوقف الأمر على منع التدوين، بل سرى إلى سياسة منع رواية الحديث وفرض القيود على الرواة([8])، ولم يقتصر هذا المنع على كلمات وأحاديث الرسول، بل امتدّ ليشمل الكثير من الوقائع والأحداث وخصوصاً المتعلّق منها بتاريخ وسيرة أهل البيت(علیهم السلام).

 وملخص القول: أنّ السنّة تعرّضت للمنع تحديثاً وتدويناً، ولم يرفع الحظر عنها إلاّ بعد أنْ انقرض عصر الصحابة، وقد أدّى هذا الأمر إلى ضياع السنّة، وجعلها عرضةً لجميع الاحتمالات، من قبيل الوضع والدس والتحريف، وغير ذلك.

2 ـ سياسة الحكومات

العامل الثاني مرتبط بالسياسات التي اتخذتها الحكومات التي تعاقبت على حكم الدولة الإسلامية، حيث كان لها الأثر البارز في تدوين وصياغة التاريخ الإسلامي بشكله الحاضر، فقد قامت الدولة الأموية بكتابة أولى المدونات في الحديث والتاريخ، ففي أيامها رُفع الحظرُ عن الحديث، وفي ظلّها خُطّ التاريخ الإسلامي الأول، ولا يخفى ما كان لهذه الحكومة من توجهات وميول خاصّة، خصوصاً توجهها المناهض لآل البيت النبوي، حيث مارست سياسةَ الترهيب والترغيب، حتى وصل الأمر إلى درجة أنّ ذكر اسم عليّ(علیه السلام) والتفوّه به، يعدُّ جريمةً كبرى، فكان العلماء والمحدّثون، بل حتى بعض كبار التابعين، لا يجرؤون على ذكر اسمه(علیه السلام). فقد أخرج المزيّ في تهذيب الكمال، بسنده عن يونس بن عبيد، قال: «سألت الحسن([9]) قلت: يا أبا سعيد، إنك تقول: قال رسول الله، وإنك لم تدركه؟ قال: يا بن أخي، لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك، إني في زمان كما ترى ـ وكان في عمل الحجاج ـ كلّ شيء سمعتني أقول: قال رسول الله(ص)، فهو عن علي بن أبي طالب(علیه السلام)، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليّاً»([10]).

 واستُخدِمت الأساليبُ الملتويةُ في التدوين، من قبيل الوضع والدسّ أو الحذف والتشويه في الموروث الديني للمسلمين، ممّا ترك بصماته على الدين الإسلامي برمّته.

ثمّ أعقبتها الحكومة العباسية بما كانت عليه من الازدواجية وسياسة اللعب على الحبال؛ لأجل البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، فهي فضلاً عمّا كانت تكنّه من العداء الشديد لبني أميّة ـ كما هو شأن جميع المتنازعين على كرسي الحكم ـ كانت تتظاهر في الوقت نفسه بالسعي من أجل إرجاع حقوق آل بيت النبيّ(ص)، حتّى جعلت كسب رضا آل محمّد(ص) شعاراً لها، ولكن واقعها العملي فيما بعد كان قد كشف بجلاء زيف هذا التظاهر.

وقد ألغى هذان النظامان وأتباعهما كلَّ الأصول التاريخية التي لا تتوافق مع توجهاتهما، كما قاموا بتسخير الأقلام بما يتلاءم مع هذه التوجهات.

ومن هنا نجدُ أنّ التاريخ الإسلامي وخلال هذه المرحلة، قد اتّسم بضعف مادّته وهشاشة أصوله ممّا أثر سلباً على العصور اللاحقة، فازدحمت أوراقه بكيل التهم والأباطيل بحقّ مَن يعارض توجهات حكوماتهم أو ينتقد سياستهم، وأُسهب في الحديث عن كلّ ما يمتّ للحكام بصلة، حتّى مجالس لهوهم ومجونهم، بينما ساده ـ أي التاريخ ـ الاختصار في الحديث عن الأمور المهمّة، والتي عبّرت عن عزّة المسلمين وقوتهم ووحدتهم وغناء تراثهم، ومن المؤسف أنْ نشاهد بعض المؤرخين، وفي هذا الوقت بالتحديد، يتعاملون مع النصوص التاريخية لهاتين الحقبتين بقدسية مفرطة، حتى عدّوها من الأمور الحتميّة والقضايا المسلّمة التي لا غبار عليها، والتي لا ينبغي ـ بل لا يجوز ـ التشكيك فيها، فرفضوا إخضاعها للنقد والمناقشة؛ لمعرفة حقيقة الحال فيها ومدى مصداقيتها الواقعية.

3ـ العقائد والمتبنيات الفكرية للمؤرخ

احتلّت العقيدة والمنهج الفكري بالنسبة للمؤرخ مكانة متميزة في التأثير على كتابة التاريخ الإسلامي، فقد كان المؤرخ ـ في الغالب ـ ينساق وراء متبنّياته العقدية والفكرية على حساب الحدث التاريخي نفسه، ونذكر هنا ـ على سبيل المثال ـ مسألة عدالة الصحابة والتفاضل بينهم، فقد قال الذهبي في تعليقه على ما جرى بين الصحابة من حروب وفتن: “وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفوا القلوب، وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعيَّن عن العامّة وآحاد العلماء([11]).

وأشار إلى ذلك ابن حجر المكي في (تطهير الجنان) عند كلامه عن مسألة الإمساك عمّا جرى بين الصحابة, وأنّ هناك تآليف صدرت من بعض المدونيين تعرضت لتلك الظواهر, فقال:كابن قتيبة مع جلالته القاضية بأنْ كان ينبغي ألا يذكر الظواهر فإنْ أبي إلاّ ذكرها فليبين جريانها على قواعد أهل السنّة حتى لا يتمسك مبتدع أو جاهل بها([12]).

وقال الطبري: “وذكر هشام عن أبي مخنف، قال: وحدّثني يزيد بن ظبيان الهمداني أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولى... فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها؛ لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامّة([13])، وقال في قضية مقتل عثمان: “قد ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنّهم جعلوها ذريعة إلى قتله، فأعرضنا عن ذكر كثير منها؛ لعلل دعت إلى الإعراض عنها([14]). وقد ذكر ابن الأثير هذين الموردين في تاريخه أيضاً([15]). وقال الطبري أيضاً: “إنّ الواقدي ذكر في سبب مسير المصريين إلى عثمان ونزولهم ذا خشب أموراً كثيرة، منها: ما تقدّم ذكره، ومنها: ما أعرضت عن ذكره؛ كراهية منّي ذكره لبشاعته([16]).

وقد تعاظم تأثير هذا العامل في مسألة صياغة التاريخ الإسلامي، بحيث قاد في الأخير ـ مضافاً لعوامل أخرى ـ إلى ولادة الفرق والمذاهب الإسلامية بمختلف توجهاتها.

 مستلزمات ونتائج

 وكان من نتائج مجموع هذه الأمور، وربما غيرها، هو غموض كثير من الوقائع التاريخية لدى شريحة واسعة من المسلمين، أو خفاؤها من الأساس، مع ما لها من الأهميّة والحساسية بالنسبة لهم؛ ممّا خلّف تبعات كثيرة، خاصّة بما يتعلق بتعميق الاختلافات المذهبية، ومن بين تلك القضايا حادثة الاعتداء على السيدة فاطمة الزهراء(علیها السلام)، والتطاول على حرمتها, فإن هذه الحادثة رغم ذكرها في بعض مصادر أهل السنة إلا أنّ التعتيم الذي مارسته سياسة الاقصاء ضدّ كلّ ما من شأنه أن يصب في صالح مذهب أهل البيت(علیهم السلام), قد ساهم بشكل كبير في ضياع القسم الأعظم من تفاصيلها، لذلك يعمد بعضُ علماء أهل السنّة إلى إنكار كلِّ ما له مساس مباشر بالقدسية التي أضفوها على الصحابة، ويتصادم بشكل واضح مع نظرية عدالتهم جميعاً، والتي أسس عليها علماء أهل السنة مذهبهم.

ونحن هنا لسنا بصدد محاكمة من قاموا بذلك الاعتداء، وإنما نريد النظر في حقيقة الأمر من جهة كونه حادثة تاريخية، لها أدلّتها وبراهينها.

ملاحظات عامّة حول المناظرة

وقبل أن نستعرض هذه المناظرات؛ أحببنا التطرُّق إلى بعض الملاحظات المهمَّة، والتي نرى من الضرورة بمكان أن يتعرَّف عليها القارئ الكريم، منها:

1ـ أنَّ من الأصول المسلّمة في المناظرات هي أنّ الاحتجاج على الفريق الآخر لا بدّ أنْ يكون بما يتبنّاه ويصحّ عنده من روايات وقواعد وغيرها, بينما نرى كثيراً من الباحثين عن مذهب التشيع، ومن السلفيين تحديداً، يستغلُّون كلّ ما هو شاذّ أو ضعيف أو موضوع من الروايات الشيعية، والتي لا تصلح للاحتجاج في الأحكام فضلاً عن العقائد، وينسبوها للشيعة على أنها من صميم عقائدهم، ويحاكمونهم في ضوئها، وهذا الخطأ في المنهج سار عليه أغلب ـ إن لم نقل جميع ـ من ناظر الشيعة أو حاورهم في هذه المناظرات أو غيرها بدون استثناء، وكأنهم لم يريدوا التعرُّف على مذهب أهل البيت أكثر، أو الوصول للحقيقة التي غُيِّبت عن المسلمين لفترات طويلة، وإنّما همَّهم الوحيد هو القضاء على التشيّع وإطفاء شعلته الوقَّادة؛ علماً أنّهم يرفضون استدلال الخصم عليهم بأمثال هذه الروايات والتي امتلأت بها كتبهم.

2ـ لم يراعِ القائم على هذه المناظرات العدالة في مسألة تقسيم الوقت بين الطرف الشيعي والطرف الآخر، بل هو في تحيُّز واضح للثاني، ممّا يدلّ على أنّ له موقفاً مسبقاً من الشيعة.

3ـ يقوم أيضاً ـ وبشكل متعمَّدـ بكثرة المقاطعة للطرف الشيعي، بحيث لم يمهله أنْ يكمل حديثة أو يبيِّن مراده للسامعين، ممّا يشوِّش الفكرة ويقطعها من سياقها فتبدو ضعيفة أو مرتبكة، ولهذا لم يستطع أكثر المتحاورين من الشيعة إبراز أدلّتهم بصورة كاملة وواضحة، وقصده من هذه المقاطعة هو الحيلولة دون أنْ يتعرَّف المتلقي على هذه الأدلّة؛ فيقتنع بها أو تفتح له آفاقاً جديدة للمطالعة والبحث.

4ـ يرى المتابع وبوضوح أنّ الطرف المناظر، وفي كلّ فصول المناظرة معنا ومع غيرنا على حدّ سواء، يتَّبع الأسلوب الخطابي الدعائي المفبرك؛ فيلجأ إلى إثارة العواطف وتهييج المشاعر وتحريك أحاسيس المتلقي السنّي ووجدانه، بما يعتبره طعناً بمقدساته التي لا يساوم عليها ولو تنازل عن حياته في مقابل صونها والحفاظ عليها؛ وذلك عن طريق الإيحاء له أنّ الشيعة أعداءٌ للصحابة وأمهات المؤمنين، وهمهم الوحيد هو سبهم والطعن فيهم وتشويه سمعتهم، ومن ثم إسقاط عدالة هؤلاء الصحابة التي تفضي ـ بحسب زعمهم ـ إلى هدم الدين! وقصدهم من ذلك أن يعتقد السامعُ بأن الشيعةَ فرقةٌ خارجةٌ عن الإسلام! فلا يحاورهم ولا يجالسهم ولا يخالطهم؛ خوفاً من التعرّف على الحقيقة التي غيّبت في بطون الكتب؛ وزيادة في تجييش المشاعر العدائية بين المسلمين، وهم بهذا قد حققوا ـ بقصد أو بغير قصد ـ ما حلم به أعداء الإسلام وما خططوا له قبل مئات السنين من تفريق المسلمين وإضعاف شوكتهم.

5ـ أنّ المتابع يرى بوضوح، وفي كثير من الأحيان، أنّ الطرف الآخر يعمدُ إلى تكذيب الروايات التي يستشهد بها الشيعة على المدَّعى، حتى وإنْ كانت هذه الروايات صحيحةً وفق المباني الحديثية والرجالية المعمول بها عندهم، بمجرد أنّها تصبّ في صالح عقيدة الشيعة؛ وهذا يكشف أنّ المعيار عندهم في صحة الروايات النبوية هو توافقها مع عقيدتهم المسلّم بها سلَفاً، مع أنّ الصحيح هو عرض العقيدة على الروايات الصحيحة دون العكس.

  ومع كلّ ذلك، وأمام هذا الواقع الذي فرضه علينا غيرنا، والذي بادر إلى طرح هذه القضايا على طريقته الخاصة؛ فقد وجدنا أنفسنا مضطرِّين إلى الدخول في هذا المعترك للتصدي ـ بما نستطيع ـ لهذه الأفكار التي من شأنها أن تفرّقَ كلمة المسلمين، وتشتّت شملهم، وتثير الشحناء والتباغض فيما بينهم؛ استناداً إلى أوهام لا واقع لها.

 ولأهميّة هذه الحوارات وما فيها من مطالب علميّة تمسّ عقائد المسلمين وتاريخهم؛ ارتأينا أن نجمعها ـ مع تعليقاتنا عليها ـ في كتاب مستقل؛ خدمة للحقيقة التي طالما حاول المغرضون طمسها والتعتيم عليها.

 وختاماً، نضع هذا الجهد بين أيدي طلاب الحقيقة وعشّاقها؛ آملين أن يكون خطوةً ـ ولو صغيرة ـ نحو أهدافنا الكبيرة والسامية، في لمّ الشمل وتوحيد الكلمة، ورصّ لصفوف، والاعتصام بحبل الله المتين.

د. السيد محمد الحسيني القزويني

            قم المقدسة، 1434هـ  





  



حلقات الحوار التي شاركنا فيها

إليك عزيزي القارئ تفاصيل ما جرى من مناظرات بيننا وبين بعض من يدّعون الانتماء إلى مذهب أهل السنّة، في موضوع يختص بمظلومية الزهراء(علیها السلام)، والتي شاركنا في ثلاث حلقات منها ـ الحلقة الرابعة، والسادسة، والثامنة ـ في قناة المستقلة الفضائية، نستعرض هذه الحلقات بشكل مكتوب وموثق بعد أن كانت مسموعة ومرئية، مع تعليقاتنا عليها؛ وذلك رفعاً للإبهام؛ وكشفاً للغموض؛ وشرحاً للمراد؛ وتأكيداً للحجّة.

 

   


الحلقة الرابعة

كلام الهاشمي

في البدء تحدّث الدكتور محمّد الهاشمي (مدير قناة المستقلة) قائلاً:

نواصل في حلقه اليوم ـ أيّها الأعزاء الكرام ـ مناقشة الحجج والآراء المختلفة، التي تبحث في مدى صحة أو بطلان الروايات التي يقول بها علماء الشيعة، عن تعرض السيدة الزهراء (رضي الله عنها) لعدوان أمر به أبو بكر الصديق ونفذه عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)، وأدّى إلى كسر ضلعها وإسقاط جنينها، فضلاً عن حرق دارها.

هذه مناظرة تهدف إلى قراءة التأريخ الإسلامي في عصوره الأولى، مناظرة تشجّع على البحث الحرّ الموضوعي والنقد الجريء، وتستلهم تجارب الأمم الأوروبية في نقد تراثها الديني بجرأة وعقلانية، ونحاول من خلال الحوار الحر الصريح ترويج ثقافة التسامح والسلام والحريّة في المجتمعات العربية والإسلاميّة، ومواجهة الخطاب الطائفي المتعصّب، الذي يبرّر العنف والكراهية والإقصاء.

ضيوفي في هذه الحلقة، هم كلّ من: السيّد حسن الحسيني، من جمعية (الآل والأصحاب) في البحرين، والسياسي العراقي الشيخ محمّد الخزاعي، والدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب) رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية في جامعة الإسكندرية، وآية الله الشيخ محمد على الجناحي من علماء الشيعة في العراق.

في حلقة هذا اليوم، سنسعى لتعميق النقاش حول حادثة الاعتداء على بيت السيّدة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها)، إلى أنْ نصل إلى الرأي النهائي لكلّ ضيف من ضيوف المناظرة، بعد ذلك سننتقل ـ إنْ شاء الله تعالى ـ لمناقشة موضوع مطالبة الزهراء (رضي الله عنها)، والتي يتحدّث عنها الشيعة، بميراثها في فدك، وموقفها من بيعة أبي بكر الصديق خليفة للمسلمين.

أيّها الكرام، الذين لم يواكبوا منكم الحلقات السابقة من المناظرة، أعلمكم أّن الأخوة الشيعة المشاركين في المناظرة، أي: الشيخ محمّد الخزاعي والشيخ الجناحي، مازالا يبحثان عن دليل واحد من خطب الإمام علي وأحاديثه في نهج البلاغة، يتطرّق فيها الإمام لحادثة الهجوم على زوجته، وعن مصدر سنّي واحد موثق وصحيح يثبت واقعة الهجوم بأركانها الكبرى، حرق البيت وكسر الضلع وإسقاط الجنين([17]).

الإشكالات على استشهاد الشيعة بكتاب الإمام علي إلى أبي بكر

لقد عرض آية الله الجناحي والشيخ محمّد الخزاعي يوم أمس رسالة منسوبة إلى الإمام علي(رضي الله عنه)، قالا عنها إنّها في نهج البلاغة، وهي رسالة موجهة من الإمام علي(علیه السلام) إلى الخليفة الأول، بعدما ورده اغتصاب الخليفة الأول لفدك، وقد تبيّن أنّ الرسالة ليست من نهج البلاغة.

الرسالةـ لمن لم يسمعها منكم ـ كانت تتضمن الهجوم العنيف على أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)، وتعتبرهما من أهل الضلالة، وتتهّمهما بأن ما يحرّكهما هو أحقاد بدر وثارات أحد، بناءً على أنّ الخليفة الراشد الأوّل، صاحب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في الغار، والخليفة الراشد الثاني، فاتح العراق وفارس والشام ومصر وبيت المقدس وليبيا وأنحاء كثيرة من آسيا الوسطى، كانا يحاولان الثأر لقتلى المشركين في بدر وأحد، وأنّهما لم يكونا في صفّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) آنذاك.

هذه الرسالة كانت مفاجأة الحلقة الثالثة، وقد فنّد الدكتور (أبو شوارب) هذه الرسالة باعتبارها منتحلة زائفة باطلة.

كما أنه ليس في الرسالة إشارة أو تلميح إلى أركان الهجوم، فلم تتضمن إشارة واحدة، بالتصريح أو التلميح، إلى واقعة الهجوم على السيّدة فاطمة، بأركانها الكبرى: حرق البيت وكسر الضلع وإسقاط الجنين.

وكنت وعدت الشيخ محمّد الخزاعي والسادة المشاهدين بأنْ أعرض عليهم في حلقة اليوم ما ورد في كتاب منشور في مركز الأبحاث العقائدية، التابع لسماحة المرجع الأعلى لغالبية الشيعة في هذا العصر آية الله العظمى السيّد علي السيستاني، حول سبب غياب نص واضح يدلّ على الهجوم، فقد ذكر في هذا الكتاب أسباب عدم احتجاج الإمام علي وعدم ذكره للهجوم على زوجته وكسر ضلعها وإسقاط جنينها، اسم الكتاب هو: (مأساة الزهراء(علیها السلام)) لمؤلّفه السيّد جعفر مرتضى العاملي، وقد ورد فيه ـ صفحة (204) ما يلي: “أمّا بالنسبة لتساؤل البعض عن السبب في عدم استفادة علي(علیه السلام) من هذا الأمر في حجاجه واحتجاجه مع ما فيه من حجّة قوية وهامة عليهم، وإثارة عاطفية من جميع الجهات ضدهم، على حد تعبير المستدل، فأننا نقول:

1ـ لم يكن هذا الأمر خافياً على الناس ليذكره علي(علیه السلام) لهم ويخبرهم به، وليس بالضرورة استيعاب جميع الوقائع للاحتجاج بمضمونها، لاسيما مع وضوحها وظهورها.

2ـ لم يكن الموقف يتحمل إثارة العواطف، بل كان لا بدّ من المداراة وتهدئة العواطف الثائرة، حتّى لا يبلغ السيل الزّبى، ويقع في مخالفة أمر رسول الله(ص) بالسكوت، وعدم المواجهة المسلّحة مع الخلفاء الراشدين([18])؛ لما في ذلك من إضعاف للدين، وتهيئة لأجواء الردّة عن الإسلام، كما صرّح به أمير المؤمنين(علیه السلام) في نهج البلاغة وغيره”.

يقول السيد العاملي ـ جواباً على سؤالكم عن السبب في عدم ذكر الإمام علي لمسألة الهجوم، مع أنّكم [أي الشيعة] قد ذكرتموه: “قد تقدّم أنه(علیه السلام) قد ذكر ذلك حين لم يكن ثمة ما يمنع من ذكره، ولكن بطريقة هادئة، لا تجعل الخلافة خلافاً على أمر شخصي، يمكن الاعتذار منه والعفو عنه.

3ـ إنّ مخالفتهم، أي أبي بكر وعمر، لأمر الله ولأمر رسول الله(ص) هي الأهم، والأولى بالتذكير بها، لأنها هي المعيار والمقياس للحق وللباطل، أما الجراح الشخصية والآلام الروحية فيمكن حلّ عقدتها ببعض من الكلام المعسول منهم، وبالخضوع الظاهري بإظهار العذر والندم، بحيث يظهر للناس أنه ليس ثمّة مبرّر للإصرار على إدانتهم، وما ذكر من محاولة استرضائهما من قبل الأصحاب قبل وفاتها، خير دليل على ذلك([19]).

ويضيف السيّد جعفر مرتضى العاملي كذلك: “وقد تساءل المستدّل بكلام لكاشف الغطاء، عن السبب في عدم ذكرها(علیها السلام) ما جرى عليها ـ من ضرب وإسقاط الجنين ـ لأبي بكر وعمر، حينما جاءا إليها ليسترضياها”.

لماذا أشارت فاطمة إلى أخذ فدك ولم تشر إلى الهجوم ولا إلى غصب الخلافة؟ ولماذا لم تحدّث أبا بكر وعمر عن مسألة كسر الضلع وإسقاط الجنين حينما جاءا إليها ليسترضياها؟

 يقول السيّد العاملي: “نقول في الجواب:

1ـ إنّها لم تذكر أيضاً لهما حين جاءا غصب فدك، ولا غصب الخلافة، اللذين أشار إليهما المستدّل في سؤاله، وهو نفسه يعتبر غصب الخلافة أعظم من أيّ جريمة([20]).

  إذن، هي لم تتكلّم، لا في هذه [يقصد فدك]، ولا في غصب الخلافة، طبعاً بإمكان أحد أن يستدل، ويقول: إذن، هي لم تعتبر غصب الخلافة غصباً! وأضاف السيّد العاملي:

“2ـ إنّ ذكر هذا الأمر لهما لا بدّ أنْ يكون له غرض وداع، ولم يكن غرضها آنئذ يتعلّق بالذكر نفسه، بل أرادت إقامة الحجّة عليهما بانتزاع إقرار منهما بما سمعاه من أبيها، فرفضت أنْ تكلّمهما قبل هذا الإقرار، ثمّ سجلت الموقف الحاسم والدائم لها بإدانتهما على مرّ الأعصار والأزمان، ولم تفسح لهما المجال لطرح أية قضية أخرى على الإطلاق، ولم تكن جلسة حساب أو عتاب، أو تعداد لما فعلاه معها؛ لأن ذلك لن يجدي شيئاً، فقد يعتذران عن ذلك بأنّها كانت فلتة، فرضتها ظروف الهيجان والغضب غير المسؤول، فلم تعطهما(علیها السلام) الفرصة لذلك، وهذا من بالغ الحكمة، وصواب الرأي منها(علیها السلام). ولأجل ذلك، نجدها(علیها السلام) تكتفي بإجمال الأمور، وتعرض عن تفاصيلها، فهي تقول: اللهمّ اشهد أنّهما آذياني([21]).

مشاهدينا الكرام: أنا أضع هذه المعطيات بين أيديكم، فالسيّدة فاطمة لم تذكر ما يدعى أنّه حصل لها في حجاجها مع من؟ مع المتهمين بأنّهم نفّذوا هذه الجريمة بحقّها، وزوجها لم يذكر هذا على الإطلاق لا في نهج البلاغة([22]) ولا في غيره، والإخوان يقولون: لم يذكره لأنّه كان مشغولاً بأمر الأمّة، ولأنّه كان يرى أنّ القول لا ينفع، فهناك أولويات أكبر من شؤونه الشخصية.

أنتم فكروا وقولوا لي: هل هذا معقول أو غير معقول؟ إذا كانت المرأة نفسها (رضي الله عنها وأعلى قدرها في علييّن) لم تذكر الموضوع، وزوجها لم يذكره، والعلماء لم يذكروه، فنحن على أيّ شيء نتناقش؟([23]).

أضع هذه المعطيات بين يدي الضيوف المشاركين في المناظرة، بهدف تعميق الحوار وإثرائه، ونذكر ـ رغم كلّ هذا الكلام ـ أن ما يهمنا في هذا البرنامج، هو بذل كل جهد ممكن لمعرفة الحقيقة، وإتاحة الفرصة لوجهات النظر المختلفة حول الموضوع، لتُعرَض بوضوح وصراحة، آملين أن يؤدي البحث الموضوعي العلمي إلى المساهمة في تحرير العقل العربي من الخرافة والجمود، ومحاصرة خطاب الثأر والكراهية والتعصب، وأن نساهم جميعاً في ترويج ثقافة الحرية والتسامح والتعددية في المجتمعات العربية، حياكم الله جميعاً وحيا الله السادة الضيوف الكرام([24]).

تعريف وترحيب

مشاهدينا الكرام: بالإضافة لضيوفي الكرام، هناك اليوم ضيف شرف الحلقة، وهو الدكتور السيّد محمّد الحسيني القزويني، وهو أُستاذٌ في الحوزة العلمية في قم، وهو رئيس قسم الحديث، وعضو الهيئة العلمية في جامعة آل البيت العالمية، وحائزٌ على درجة الاجتهاد من مراجع التقليد، إذن عنده الأهلية الكاملة للحديث عن هذه الموضوعات.

تلقيت اتصالاً من الأخ الدكتور السيّد محمّد الحسيني القزويني اليوم وقبل ساعتين من بداية البرنامج حيث سبقنا بساعتين ليشارك معنا اليوم ببعض المداخلات في قسم من حلقات الحوار الصريح، وأعلمنا أن أحد المراجع طلب منه المداخلة والمشاركة في البرنامج، وتوضيح بعض النقاط الإضافية.

وقد رحبّتُ بالسيّد الدكتور القزويني، والذي هو أيضاً ينتسب لفاطمة الزهراء ولعلّي بن أبي طالب(ص) وقلت له: أعطيك اليوم تقديراً لك وتقديراً لأشقائنا الذين أعزُّهم في إيران، والذين أحاول من خلال هذه الحوارات الحرّة، أنْ أساهمَ في توطيد العلاقة بين العرب والإيرانيين على أسس صحيحة متينة وليس على أسس النفاق والكذب والتقية([25]).

وأنتم في إيران أعزّاء عليّ، وأعزّاء على قناة المستقلة، ولذلك فسنعتبرك اليوم ضيف الشرف ونعطيك (20) دقيقة في البداية، لتتحدّث فيها عن الموضوع، وهي مدّة أطول من أي مدة أخذها أحدٌ من ضيوف الحلقات السابقة، ثمّ نعطيك عشر دقائق إضافية في ظلّ تعليق الشيخ الخزاعي والأخ (أبو شوارب) والأخ الحسيني على حديثك، ثمّ نرجع لضيوفنا هنا في الاستوديو، ثم لمداخلات الأخ النجفي.

 واليوم سأحاول واجتهد ـ وحتى لو أضفنا نصف ساعة إلى وقت البرنامج الأصلي ـ حتى نأخذ بعض المداخلات من المشاهدين، أو على الأقل، نذكر أسماء الذين أرسلوا رسائلَ إلى البرنامج حتّى يعرفوا ويطمئنوا أنّ رسائلهم قد وصلت، وعندي رسائل كثيرة بالإيميل أو بالفاكس من المشاهدين، فإلى قم، وإلى جمهورية إيران الإسلامية، وأحيي وأسلّم على الدكتور السيّد محمّد القزويني، السلام عليكم أخي ورحمة الله وبركاته.


مداخلتنا الأولى في المناظرة

السيد القزويني: السلام عليكم أخي فضيلة الدكتور محمّد الهاشمي، وعلى الأخوة الأعزاء الموجودين معك، ورحمة الله وبركاته.

الهاشمي: شيخي السيد القزويني، رعاك الله وحفظك، أمامي هنا ساعة في غرفة البث المباشر، فسأحسب من الآن وأعطيك (20) دقيقة كاملة، كما وعدتك، فتوكل على الله، ونحن ـ ضيوفي وأنا والمشاهدين الكرام ـ منصتون لك:

السيد القزويني: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وهو خير ناصر ومعين، الحمد لله، والصلاة على رسول الله وعلى آله الأطهار.

أولاً: أعتذر سلفاً عما قد يرد في كلامي من بعض الأخطاء اللّغوية، والناشئة من عدم طلاقتي التامة في التحدث باللغة العربية؛ لكونها ليست لغتي الأم، رغم عشقي الشديد لها، فهي لغة أجدادي.

وثانياً: أريد أنْ أوجه بعض الانتقادات إلى قناة المستقلة، وأرجو من الأخ الكريم، الدكتور محمد الهاشمي، أن يتلقاها بصدر رحب، عملاً بقول الإمام الصادق(علیه السلام): “أحبُّ إخواني إليّ من أهدى إلي عيوبي([26]).

الهاشمي [مقاطعاً]: إنّي وعدتك بـعشرين دقيقة للحديث في البرنامج، وقد تحدثت معك نصف ساعة على الهاتف، وقد كان بوسعك أنْ تبلغني هذه الملاحظات على الهاتف، هذا أولاً، وثانياً: أنا مستعد، وأتحملها منك ومن خلال البث المباشر، ولكن بعد أنْ تكمل الحديث في صلب الموضوع.

لماذا يكون جزاء الإحسان بغيره، لماذا لا نكون على أجمل الأخلاق([27])، أنا أُكرمُك، وأحييك أجمل تحية، وأعطيك نصف ساعة بأكملها، فتكون مجازاتي أن تبدأ بانتقاد القناة! التي تتيح لك الحديث مع خمسين مليون عربي، يا حبيبي وعزيزي وأخي، انتقدني على رقم هاتفي الجوّال، والذي تعرفه، إذن تحدّث، ولك نصف ساعة من الوقت([28]).

ابدأ في الموضوع، رضي الله عنك، ورفع قدرك، وأعزك، وملأ قلبك بالسرور، أنت وكلّ الإيرانيين.

استشهاد الزهراء وإقامة العزاء ليست من مستجدات الشيعة

السيّد القزويني: أمّا بالنسبة إلى قضية الظلم الذي تعرّضت له السيدة الصديقة فاطمة الزهراء(علیها السلام) ومسألة الهجوم على بيتها، ومن ثمّ استشهادها، والتي يتم ـ ومنذ عدّة ليالٍ ـ طرحها في قناتكم، فأقول: إنّ هذه القضية ـ أيها الأخوة الأعزاءـ هي ليست وليدة اليوم، بالنسبة لأتباع مذهب أهل البيت(علیه السلام)، فهي ليست من مستجدّات المذهب، ولا هي من اختراع المتأخرين من أتباعه، بل هي ـ بالنسبة لهم ـ قضية عميقة الجذور، فهم يعتقدون أنّ الصدّيقة الزهراء(علیها السلام)، وبسبب ما لاقت من الأذى في حياتها، وخصوصاً بعد وفاة أبيها(ص)، قد ماتت مظلومة شهيدة، ولهذا تراهم، ومنذ ذلك الحين وإلى يوم الناس هذا، يقيمون مجالس العزاء في ذكرى استشهادها في مساجدهم وحسينياتهم، تخليداً لذكراها وتعظيماً لها، كيف لا، وهي بضعة النبي(ص) وزوج الوصي، وأم الأئمة الأطهار(علیهم السلام)، بل “أم أبيها”، فهذا هو هدفهم من إقامة تلك المجالس، وليس سبّ الصحابة أو غيرهم، أو الإساءة إليهم، كما قد يتصور بعضٌ، وإذا كان هناك من يشكك بهذا الكلام، فأنا أدعوه إلى مشاهدة القنوات التلفزيونية الإيرانية أو غير الإيرانية، والتي تبثّ بين الحين والآخر صوراً لبعض تلك المجالس، أو الحضور إليها بنفسه ـ إذا تسنّى له ذلك ـ لاسيّما تلك التي تقام في بيت مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي هو أحد مراجع الدين الشيعة، ليطلع بنفسه على طبيعة تلك المجالس، وما يتم طرحه فيها من قضايا.

ما ورد في نهج البلاغة يدل على ما لحق بها من ظلم وأذى

أمّا بخصوص ما ذكره الدكتور الهاشمي، وبعض الأخوة الأعزاء المشاركين في الحوار، حول قضية مظلوميّة السيدة الصديقة الزهراء(علیها السلام)، وأنه لم يرد عن الإمام علي(علیه السلام) ما يدلّ على ذلك، سواء في كتاب نهج البلاغة أو في غيره، فسأقرأ عليهم ما ورد في نهج البلاغة ـ بمختلف طبعاته ـ بهذا الخصوص:

من كلام له(علیه السلام) عند دفن سيدة النساء فاطمة(علیها السلام): “السلام عليك يا رسول الله، عنّي، وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي، إلا أن لي في التأسّي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك موضع تعزّ. فلقد وسدتّك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فلقد استُرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، إلى أنْ يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم. وستنبئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها([29])، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودع لا قالٍ ولا سئم، فإن أنصرفُ فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين([30]).

كما ورد هذا الكلام أيضاً ـ مع قليل من الاختلاف ـ عن الإمام الحسين(علیه السلام)، عن أبيه أمير المؤمنين(علیه السلام)، حيث ذكره الكليني في كتاب (الكافي)، ومحمد بن جرير الطبري في (دلائل الإمامة)، والشيخ المفيد في(الأمالي)([31]).

ما ورد في كتب أهل السنة حول ما جرى على السيدة الزهراء:

هناك مسألة مهمة، لا بدّ من الإشارة إليها، أطلب من الأخوة الأعزاء المشاركين في الحوار والمشاهدين الكرام الالتفات إليها، ألا وهي: أنّ ما جرى على السيدة فاطمة الزهراء(علیها السلام)، لم يقتصر ذكره على المصادر الشيعية فقط، بل ذكرته بعض مصادر أهل السنّة أيضاً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ رواية الجويني التي تدل على كسر الضلع وإسقاط الجنين

فقد ذكرها الجويني الشافعي المتوفى سنة (722) للهجرة، وهو أستاذ الذهبي ـ الذي هو من أركان علم الرجال لدى أهل السنّة ـ والذي يقول بحق أستاذه الجويني: “الإمام، المحدث، الأوحد، الأكمل، فخر الإسلام([32]).

ينقل الشيخ إبراهيم بن محمّد بن مؤيد الجويني في كتابه (فرائد السمطين)، رواية عن رسول الله(ص): أنّه لما رأى فاطمة وقد دخلت بيته، قال: “لمّا رأيتها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي، كأنّي بها قد دخل الذلّ بيتها، وانتُهكت حرمتها، وغُصب حقّها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأُسقط جنينُها، وهي تنادي يا محمّداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدِمُ عليّ محزونةً مغمومةً مهمومةً مغصوبةً مقتولةً([33]).

وقد وردت هذه الرواية أيضاً في بعض مصادر شيعة آل البيت(علیهم السلام)، مثل كتاب (الأمالي) للصدوق، وكتاب (سليم بن قيس) أيضاً([34]).

2 ـ كلام ابن تيمية حول قضية الهجوم على بيت السيدة الزهراء(علیها السلام)([35]):

يقول ابن تيمية في كتاب (منهاج السنّة) معلّلاً هجوم عمر على بيت الصديقة الزهراء: “أنّه، (أي عمر بن الخطاب) كبسَ البيتَ؛ لينظرَ هل فيه شيءٌ من مال الله لكي يقسمه، وأن يعطيه لمستحقه([36])([37]).

إذن، فقضية الهجوم على بيت السيدة فاطمة الزهراء(علیها السلام) ثابتة، بحيث لم يتمكن حتى ابن تيمية الحرّاني إمام الفرقة الوهابية من إنكارها.

3 ـ رواية الطبري

روى الطبري في تاريخه، بإسناده عن زياد بن كليب، قال: “أتى عمر بن الخطاب منزل عليٍّ، وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: واللّه لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف، وعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه([38]).

وقد أشكل كلّ من فضيلة الأخ أبو شوارب وفضيلة الأخ الحسيني ـ في الليلة الماضيةـ على هذه الرواية من ناحية السند، وإنّه يوجد في سندها ابن حميد وهو كذّاب، وهذا غير صحيح، فقد وثَّقه غير واحد من أهل هذا الفن.  

فقد ورد في كتاب (الجرح والتعديل): “إنّه ثقة، ليس به بأس، وإنّه راو كيّس...” وإن يحيى بن معين قال عنه: “ابن حميد ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدّث بها ليس هو من قبله، إنما من قبل الشيوخ الذين يحدث عنهم([39]).

التعارض في التوثيق والتضعيف يشمل جميع رواة أهل السنة

وأودّ الإشارة هنا إلى أنّ من لديه معرفة بعلم الرجال عند أهل السنّة، يعلم أنّه ما من راوٍ إلا وقد ورد فيه تضعيف حتّى من ذكرت وثاقتهم، فإذا كان الأساس هو أنْ نترك كلّ راو قد ورد فيه تضعيف، فيجب إذن أن نترك محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح، حيث تركه أبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي، وهما من أعمدة الجرح التعديل عند أهل السنّة([40]).

أقوال أخرى لعلماء أهل السنة تدل على الهجوم

نقل الشهرستاني ـ وهو من أعلام القرن السادس الهجري ـ عن النظّام المعتزلي قوله: “إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين([41])([42]).

وقد ذكر قصّة تهديد عمر بإحراق بيت الصديقة الطاهرة فاطمة(علیها السلام) بمن فيه ابن أبي شيبة بسند صحيح في كتابه (المصنّف)([43])، كما ذكر تهديد عمر وقصّة الهجوم العديد من علماء أهل السنّة في مصنفاتهم، منهم من ذكرها ببعض تفاصيلها ومنهم من اكتفى بالإشارة إليها فقط([44]).

شواهد على وجود خلافات كثيرة بين الصحابة

وأودّ هنا الإشارة إلى مسألة مهمّة؛ وهي أنّ وجود الخلافات بين الصحابة هي مسألة ثابتة، بغض النظر عن قضيّة الخلاف بين السيّدة فاطمة(علیها السلام) والخليفة الأوّل والثاني، فكيف يمكن لنا أنْ نغضّ النظر عن قضية مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان على يد الصحابة أنفسهم، والمنع من دفنه في مقابر المسلمين بحيث دفن في مقابر اليهود([45])؟ ولا أدري ماذا سيفعل الأخوة المحاورون الأعزاء وغيرهم ـ ممن كذّبوا قضية السيدة الزهراء وما جرى عليها ـ ماذا سيفعلون مع كلّ هذا، أو مع قضيّة حرب الجمل وحرب صفّين حيث قتل فيهما أكثر من مائة ألف من المسلمين؟

الدعوة إلى الوحدة وعدم طرح الأمور بطريقة مثيرة للخلاف

إننا حينما نذكر مثل هذه القضايا، والتي هي قضايا تاريخية ثابتة، فإنّنا لا نهدف من وراء ذلك الإساءةَ إلى الصحابة الكرام أو إلى أيّ من إخواننا المسلمين ـ كما يروّج البعض ـ بل إنّ هدفنا هو إيصال الحقائق إلى من يجب أنْ تصل إليه من إخواننا في الدين والإنسانية، ليستند في انتمائه إلى الإسلام إلى أرضية صلبة صحيحة، يتعاضد فيها العقل والنقل مع الفطرة الإلهية والإنسانية التي فطر الله الناس عليها، والبعيدة كلّ البعد عن كلّ معاني الجهل والتعصّب، ومن الواضح أنّ مثل هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلاّ عبر الحوار والجدال بالتي هي أحسن، وهو منطق القرآن، كما يقول تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([46])، وخلُق الأنبياء والأوصياء، كما يقول سيد الأوصياء علي(علیه السلام): “إنّي أكره لكم أنْ تكونوا سبّابين([47]).

ما قاله المجلسي لا يمثل رأي الشيعة

وأمّا بالنسبة إلى ما نقله الأخ الدكتور محمد مصطفى أبو شوارب ([48]) من كتاب (جلاء العيون) للمجلسي، فنقول: إنّ ما ذكره العلامة المجلسي، هو تعبير عن رأيه في تلك المسألة، في ذلك الحين ـ أي قبل عدّة قرون ـ وهو ليس ملزماً للشيعة، خصوصاً وأنهم يقولون بالاجتهاد([49])، وكان الأجدر بالأخ (أبو شوارب) أن يرجع ـ فضلاً عن هذه العبارة ـ إلى آراء وفتاوى مراجع وعلماء شيعة أهل البيت، فهم وعلى الرغم مما يسوقونه من أدلّة عقلية ونقلية تثبت بما لا يقبل الشك مظلومية آل بيت النبيّ، ومنهم ابنته الصديقة الطاهرة(علیها السلام) وأحقيتهم في خلافته، فهم لا يسبّون ولا يشتمون أحداً، لا من الصحابة ولا من غيرهم، إلاّ إذا كان تبيان الحقائق ـ مهما كانت مريرة ـ والتصدي للمتاجرين الذين يقتاتون على تباغض المسلمين وتفرقهم يعدّ ـ من وجهة نظر بعض ـ سبّاً وشتماً فهذا أمر آخر([50]).

استغراب الهاشمي من طرحنا لهذه الأمور

الهاشمي: أنا اليوم، حفظك الله ورعاك، لا أستطيع أنْ أقول بصراحة أنّي أشكرك على هذا الطرح؛ إنّني في الحقيقة مستغرب من كثير مما قلته، ولكن أقول: الحمد لله أنّ الفرصة أتيحت لك من دون مقاطعة كما طلبت، وسأعطي الكلمة مباشرة للأخ السيد حسن الحسيني والأخوة هنا ليعلّقوا بتعليقات مختصرة، وكنت في البداية قد وعدت الشيخ الحسيني بنصف ساعة ولكن نمنحه الآن ثلاث دقائق ليتحدث على شكل نقاط سريعة، ونعود إليك ثمّ نواصل حديثنا هنا في الأستوديو.

اعتراضات الحسيني على كلامنا

الحسيني: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا وحبيبنا محمّد صلّى الله عليه واله وسلّم.

أيّها المسلمون سنّةً وشيعة، في كلّ بلاد الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سأدخل في صلب الموضوع، فالسيد القزويني، اعتذر في البداية عن عدم إجادته للّغة العربية، ولا شكّ أن عدم إجادته اللغة العربية أثَّر عليه في فهمه لبعض النصوص، هذا أولاً، وثانياً: أنّ كون القضية قديمة، لا يعني أنّها صحيحة، فهناك أشياء كثيرة موجودة، لكنّها موروثات خاطئة.

كما أنّه قال: نحن في المجالس الحسينية لا نسبّ الصحابة، لا أدري أن الكلام الذي ذكرته الآن إن لم يكن شتماً وسباً للصحابة فلا أدري فوق ذلك ماذا يكون؟

أنت الآن قدمت دليلاً عملياً على شتمكم للصحابة ـ يعني أبو بكر وعمرـ ثم بعد ذلك شتمت البخاري وطعنت فيه على الملأ، فهذا هو الدليل العملي الذي نحن نقول به على شتم الشيعة للصحابة، وهو بلا شك يطعن بالوحدة الإسلامية([51]).

الادعاء بأن أسانيد كل روايات التهديد ضعيفة

ثم يا أخي، للأسف الشديد، فقد كنّا في اليوم الأول، مع آية الله الجناحي، ثمّ آية الله الخزاعي، ثم مع الشمّري، والآن مع القزويني، نحن لا نحتاج إلى كثرة الأعداد والأسماء، نحن نحتاج إلى رواية واحدة صحيحة. لا نريد تعدّد الروايات، نريد رواية واحدة صحيحة. لا أدري هل سؤالي صعب جداً بحيث أنكم لا تستطيعون أن تأتوا برواية واحدة صحيحة مسندة، وأنا على يقين أنّك لم ترجع إلى الكتب التي ذكرتها([52]).

ادعاء الحسيني أن الشهرستاني قد ردّ على النظّام الذي ذكر الرواية

المشكلة هي أنّ كلّ الروايات التي ذكرتها من كتب أهل السنّة، أنا نسختها من الإنترنت، نفس هذه الروايات ذكرها أمس الشيخ الجناحي وقد رددنا عليه.

وهذا يدلّ على أنّك لم تقرأ، ولم ترجع إلى الكتاب نفسه الذي فيه الرواية، والدليل على ذلك: ما ذكرت عن كتاب (الملل والنحل)، فالشهرستاني يردّ على هذه الرواية، ويردّ على النظّامية الذين يقولون بهذه الضلالات، فتأتي أنت وتقول: إن الشهرستاني يقول بهذا الكلام([53]).

الهاشمي [مقاطعاً]: يعني أنّ الشهرستاني ينقض على هذه الروايات، أي يردّها؟

الحسيني: الشهرستاني يرد على الفرقة النظّامية، ويذكر أباطيلهم وضلالتهم، ومن ضلالتهم أنهم يقولون أنّ عمر فعل كذا وكذا، فأتى المدلّسون وأخذوا هذه الرواية من باب أجمع ثم أجمع ثم أجمع، ثم بعدها يقولون: قال: الطبري، وقال ابن شيبة، وقال فلان وقال علاّن، حتى يكثّروا الأدلّة، وكلّها ضعيفة موضوعة.

الهاشمي [معلقاً على كلام الحسيني]: مثلاً، اليوم إذا أرادوا أنْ يضربوا (جند السماء)([54]) فسيأتوا عليهم بروايات ملفقة، وإذا نزلوا على مقتدى الصدر جعلوه شيطان الشياطين، وهكذا إذا توجهوا على كل أحد، يعني يتغير موقفهم بتغير الظروف والأزمان([55]).

ادعاء الحسيني أن الذهبي قد ذم شيخه الجويني

الحسيني: الشيء الغريب أن السيد القزويني يقول: إنّ الجويني، واسمه الحقيقي محمّد بن مؤيد بن حمويه الجويني، هو شيخ الذهبي، ولكن ماذا قال الذهبي عن شيخه؟ قال: “كان حاطب ليل”.

يا سيّد: كان الجويني حاطب ليل، جمع أحاديث ثنائيات وثلاثيات ورباعيات، من الأباطيل المكذوبة([56]).

اتّق الله عزّ وجلّ، نحن أمام ملايين الناس، تنقل روايات مكذوبة وغير صحيحة، وتنشرها أمام الناس على أنّها موجودة، ثمّ تأتي وتقول: إنّنا لا نسبّ الصحابة، هذا أكبر دليل على أنّكم تسبّون الصحابة([57]).

الهاشمي: هذه النقاط واضحة. الدكتور القزويني، لك دقيقتان للرد على الحسيني.

جوابنا على كلام الحسيني

السيّد القزويني: الأخ الحسيني يقول: بأنّ الرواية التي نقلها الجويني موضوعة ومكذوبة، وأقول: إنّ الادعاء شيء وإثبات المدّعى شيء آخر، ثم هل من المنطقي أن يقول الذهبي في حق أستاذه الجويني: أنه حاطب ليل، هذا في الوقت الذي يصفه فيه بأنه: “الإمام، المحدث، الأوحد، الأكمل، فخر الإسلام([58]).

تصحيح سند روايات الهجوم على بيت الصديقة الزهراء(علیها السلام)

وقد طلب مني الأخ الحسيني أن آتيه برواية واحدة صحيحة حول إثبات قضية الهجوم على بيت السيدة الصديقة الزهراء(علیها السلام)، والروايات الصحيحة التي وردت بهذا الخصوص كثيرة، منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ رواية للطبري وأخرى لابن أبي شيبة.

توثيق سند رواية الطبري

في خصوص رواية الطبري والتي رواها في تاريخه، فإنّ الراوي الأول فيها هو جرير بن عبد الحميد، والذي يقول فيه العجلي: “كوفيّ، ثقة([59])، ويقول ابن سعد في (الطبقات): “وكان ثقة كثير العلم([60]).

أمّا الراوي الثاني، فهو المغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة فقيه، ذكر توثيقه ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب)([61])، والمزّي في (تهذيب الكمال)([62]).

والراوي الثالث هو (ابن حميد)، وهو محمد بن حميد، أبو عبد الله الحافظ، وّثقه يحيى بن معين وابن أبي حاتم، كما ذكرت.

والراوي الرابع هو زياد بن كليب، وهو ثقة، ذكر توثيقه ابن حجر العسقلاني في تقريب التذهيب([63]).

فالرواية إذن صحيحة وفق مباني أهل السنة.

توثيق رواية ابن أبي شيبة([64])

أمّا رواية ابن أبي شيبة، فهي أيضاً رواية صحيحة السند، ولولا ضيق الوقت لنقلت تفاصيل توثيقات رجال سندها، ولكن أشير فقط إلى أن محمد بن بشر، الراوي الأول، فهو ثقة بشهادة ابن حبان في كتابه الثقات([65])، وكذلك الرازي في(الجرح والتعديل)([66]).

 وكذلك عبيد الله بن عمر فهو ثقة، حيث وثّقه النسائي([67])، ومثله زيد بن أسلم والذي وثّقه الذهبي في(سير أعلام النبلاء)([68])، وأسلم القريشي العدوي الذي وثقه العجلي وأبو زرعة([69]).

فهذه الرواية كذلك صحيحة السند على مبنى إخواننا أهل السنة([70]).

وهنا نطلب من فضيلة الأخ الحسيني أن يعالج هذه الرواية وأمثالها من الروايات، والتي ذكرت بأجمعها في كتب أهل السنة، فكيف يدّعي بعدها أننا لم نأت برواية صحيحة تثبت هذه الواقعة؟

تعليق الدكتور (أبو شوارب) على ما أوردناه من أدلّة

الهاشمي: هذا الآن تعليق سريع من الدكتور (أبو شوارب).

أبو شوارب: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين خير صلاة وأزكى سلام.

في البداية، لا بدّ من التأكيد على هذا المطلب، والذي نادى به آية الله القزويني، رغم اختلاف المسالك بيننا، وهو ضرورة أنْ تتحد كلمة المسلمين في كلّ مكان؛ ولكي تتّحد كلمةُ المسلمين، لا بدّ أن نتخلص من أحقاد الماضي ـ وهذا هدف من أهداف البرنامج الذي يُذكّر به الهاشمي في كلّ حلقة ـ لا بدّ أن نتخلّص من هذه الأفكار، والتي يمكن لو تأملناها بعمق وبدقة، يمكن أن تكون مجموعة من الأباطيل التي وضعت في التاريخ وعلى مراحل معينة؛ لتحقيق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية([71]).

أيضاً لا يمكن أن ننجرف في اللحظة الراهنة وراء خطاب المقاومة، الذي ربّما يكون خطاباً ملفقاً([72])، لكي نتحدث عن أفكار ماتت منذ مئات السنين.

أمّا حينما نتحدث اليوم عن الولاية والحكم، وهي القضية الأساسية التي يقوم عليها المذهب الشيعي، والتي من أجلها نتشاجر ونختلف، والتي من أجلها يُطعن في عدالة الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين)، هذه القضية سقطت تماماً، فلم تعد الولاية في آل البيت، ولم تعد حتى في المراجع، فالآن يتم انتخاب سياسيين ليديروا شؤون الدول التي تلتزم بالمذهب الشيعي الإمامي، فاعتقد أنّنا في حاجة إلى إعادة النظر في القضية برمتها([73]).

بإجمال: ما ذكره الشيخ محمّد القزويني، في أن القضية ليست من مستجدات المذهب وليست من اختراع المتأخرين، هذا صحيح، فهي مذكورة، ولكنها مخترعة حتى عند القدماء.

ولم تظهر هذه القضية إلا مع ظهور كتاب سليم بن قيس العامري الهلالي، وهو كتاب ينسب إلى مؤلف في القرن الأول الهجري، فقد توفى سنة تسعين هجرية، ولكن أسانيده لم تظهر إلا في القرن الرابع([74]).

وأيضاً قال: إنّ هذه المجالس ليست لشتم الصحابة، ولا نعيّن من قتلها [أي السيدة الزهراء]. وهذا صحيح في المجالس الرسمية، وأنت أشرت إلى مجلس السيد القائد على الخامنئي (حفظه الله)، وهو بحكم مسؤوليته وبحكم قدره ومقامه الرفيع ربّما لا تذكر هذه الشتائم في مجالسه الكريمة، لكن في مجالس العامّة يحرصُ المراجع ورجال الدين على أن يذكّروا الحضور من أبناء الشيعة بهذه الأمور ([75]).

أيضاً، نحن نؤكّد أنّنا لم نسمع الآن، رغم هذا النص الجميل البديع الذي قرأته من نهج البلاغة للإمام علي، حيث يقول(علیه السلام): “لقد استرجعت الوديعة... وأمّا حزني عليك فسرمد...” أن فيه دلالة على أنّها قتلت؟ أين الدلالة أنّها شهيدة؟ هذا الكلام يقوله أي رجل فقد امرأته وحزن عليها، وما بالنا والفقيدة هي فاطمة بنت محمّد (عليه الصلاة والسلام)؟([76]).

أيضاً، أشار إلى خبر آخر عن الحسين(علیه السلام) ورد في كتاب (أصول الكافي)، الجزء الأول ص 458.

وأنا حقيقةً لي موقف من هذا الكتاب، فهو كتاب محشوّ بالأمور المتعارضة، مثلاً ـ لو سمحت لي يا دكتور محمدـ أنا سأضرب مثالاً صغيراً جدّاً عن تناقضه؛ ففي (أصول الكافي)، الجزء الأول، ص260، يقول: عن أبي عبد الله(علیه السلام) (أي الإمام جعفر الصادق) ـ يُنسب إليه كذباًـ: إني لا أعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون([77]).

وكذلك نقرأ في الكتاب ذاته، في الجزء الخامس والعشرين، ص284 رواية وردت عن سدير، قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزار وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله، إذ خرج إلينا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: يا عجباً لأقوام يزعمون أننا نعلم الغيب، لا يعلم الغيب إلا الله (عز وجل) لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟

فكتاب الكافي رغم علو شأنه عند الشيعة إلا أنه يشتمل على كثير من الأمور المتناقضة والمتعارضة([78]).

فكل الأخبار التي ذكرها الشيخ القزويني من مصادر السنة، كلها تقريباً أوردوها في معرض الرد عليها.

أمّا ابن تيمية فكان في معرض الرد على ابن المطهر الحلي، في كتابه (منهاج الكرامة) في كتاب منهاج السنة، فليس إيرادها في كتب السنة دليل على أنّ علماء السنة يستشهدون بهذه القصة أو يعترفون بها([79]).

أمّا بالنسبة إلى مصنَّف ابن أبي شيبة، فهو أولاً: لا يورد الصحيح فقط، بل فيه الأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة والضعيفة([80]).

وثانياً: أنّ الخبر الذي في مصنفه لم يشر من قريب أو من بعيد إلى وقوع الجريمة، إنّما أشار إلى التهديد بالإحراق ([81]).

وثالثاً: وهذا أمر مهم جداً، وهو أن الراوي الأصيل للخبر، وهو أسلم مولى عمر بن الخطاب لم يشهد الواقعة ولم يكن حاضراً؛ لأن عمر بن الخطاب جلبه من مكة بعد حدوث هذه الواقعة، يعني أنه كان في مكة وقت بيعة الصديق ووقت النزاع على فدك([82]).

جوابنا على كلام (أبو شوارب)

الهاشمي: تفضل يا سيد القزويني.

بعض كلمات المعاصرين الدالة على الهجوم

السيد القزويني: أشكر فضيلة الدكتور (أبو شوارب)، ولكنه، وللأسف، يُرسل الكلام على عواهنه من غير رويّة، ويطلق التهم جزافاً من دون دليل، من قبيل ما ذكره عن خطاب المقاومة، أو الأباطيل التي وُضِعت في التاريخ، أو نقله لحديث الإمام الصادق(علیه السلام) عن مسألة العلم بالغيب، كما أنّه يتعامل مع النصوص بانتقائية عجيبة، كما فعل مع كلام أمير المؤمنين عن السيدة الزهراء، وغير ذلك مما ورد في كلامه، ولا أريد التعليق الآن على كلّ ذلك لضيق المقام، ولكن أورد الآن أقوال بعض من علماء أهل السنة المعاصرين، ممن يذهب إلى ما ذهبت إليه الشيعة من حصول الهجوم على بيت السيدة الصديقة الزهراء(علیها السلام):

الأستاذ محمد حسين هيكل

يقول محمد حسين هيكل ـ وهو أحد علماء أهل السنة المعاصرين، ومن أبرز كتاب وعلماء مصر ـ في كتابه (الصديق أبو بكر)، ما نصه: “فبلغ أبا بكر وعمر اجتماعهم بدار فاطمة فأتيا في جماعة حتى هجموا على الدار...([83]).

الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود

أمّا عبد الفتاح عبد المقصود، وهو من علماء أهل السنة المعاصرين أيضاً، فإنّه وبعد نقله لكلام عمر، والذي قال فيه: “والذي نفسي بيده ليخرجن أو لأحرقنها على من فيها، قيل: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة! فقال: لا أبالي...”. قال: “وهل على ألسنة الناس عقال تمنعها من أن تروي قصة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار فاطمة وفيها علي وصحبه ليكونوا عدة الإقناع أو عدة الإيقاع([84]).

جواب الادعاء بأن كلّ علماء الشيعة يردّون كتاب سليم بن قيس

وهذا الكلام، والمنقول من كتاب سليم بن قيس، قد ذكره في الحلقة الماضية السيد الهاشمي، وأشار في حينها إلى أن هذا الكتاب موضوع ومكذوب، وهو كتاب غير معتبر حتّى عند علماء الشيعة!

وللردّ على هذا الكلام، أقول: إنّ كتاب سليم بن قيس هو من الكتب المعتبرة عند العديد من علماء الشيعة، ومنهم ـ على سبيل المثال ـ الشيخ النعماني، صاحب كتاب (الغَيْبة) والذي يقول: “كتاب سليم بن قيس من الأصول التي ترجع الشيعة إليها، ويعوّل عليها([85]).

وكذلك السيد ابن طاووس حيث يقول في كتابه (تحرير الطاووسي)، ما نصه: “تضمن الكتاب ما يشهد بشكره وصحة كتابه([86]).

وممن قالوا بوثاقة صاحب الكتاب (سليم بن قيس)، وصحة نسبة الكتاب إليه:

 الشيخ محمد تقي المجلسي([87]) والعلامة المجلسي([88]) والشيخ الحرّ العاملي([89]) والمحدث البحراني([90]) والشيخ القطيفي([91]) والشيخ المازندراني([92]) والمحقق المامقاني([93])، وغيرهم.

الهاشمي: إذن أنت ترى أنّ كتاب سليم بن قيس العامري كتاب معتمد لدى الشيعة، والكتاب كما تعرف فيه بعض الأمور العجيبة، وربما نعرض عليك نماذج منها بعد قليل.

السيد القزويني: أمّا بالنسبة لي، وأنا من المتخصصين في علم الرجال والدراية، ولي بعض المؤلفات في هذا المجال، فأرى ـ وكما ذكر السيد الخوئي ـ أنّنا لا نعلم هل أنّ الكتاب الذي بين أيدينا هو نفس الكتاب الذي أعطاه سليم بن قيس لأبان بن عياش؟ وهل أنّه وبمرور الزمان قد زيدت بعض الأمور في هذا الكتاب أم لا([94])؟ لأننا نعلم أنّ الكتاب الذي أعطاه سليم بن قيس لأبان هو كتاب معتبر([95]).

الهاشمي: نحن هنا في بريطانيا بلد العدل والحرية والديمقراطية إذا وقف شخص أمام قاضٍ بالمحكمة وثبت أنّ المصدر الذي يأخذ عنه فيه شك، كما تقول، لا يأخذون بكلامه مطلقاً ويطرحونه، وإذا كذب الشاهد مرة فوجدوا أنّه يقول روايتين مختلفتين في موضوع واحد حذفوه وسقط، فلا يمكن أنْ يكسب قضية في بريطانيا مطلقاً.

أمّا في بعض البلدان العربية فلا نحتاج إلى محكمة، فالحاكم هناك يسير على رغبة الرئيس أو المسؤول، لكن في الدول الديمقراطية على العكس من ذلك، فإذا كانت هذه عقيدتك في هذا الكتاب، فلا يمكن لك أن تستشهد به على الخزاعي أو الهاشمي! فما بالك أن تستشهد به على الرجل الذي أمر بنقل أنوار الإسلام إلى بلادك ونجح في ذلك بتوفيق الله([96]).

كلام الهاشمي حول فتوحات عمر بن الخطاب

فعمر بن الخطاب، الذي لم يكتف بنقل الإسلام إلى بلاد فارس فقط ولكنه نقلها بتصميم إلى بلاد الخزاعي(العراق)، ثم أردفها بالشام، ثم أشرقت بقراراته أنوار الإسلام في بيت المقدس، ومنها إلى المحروسة أرض الكنانة أم الحضارات في التاريخ ومنها إلى ليبيا، وكما قال السيد المسيح(علیه السلام): “من ثمارهم تعرفونهم، إنك لا تجني من الشوك عنباً، ولا من العنب شوكاً”. فلو كان هذا الرجل قاتل فاطمة أيحبه الناس كل ذلك الحب، ويُتقرب به إلى الله، ويفتح الله على يديه كل تلك البلدان([97])؟

أترى، يا سيد القزويني، هل تصدر عن رجل تتهمونه بقتل الزهراء أنه يقول ــ وقد أمر بتعيين سعد بن أبي وقاص قائداً لجيوش الحرية، الجيوش التي أرادت تحرير المنطقة الشرقية من الوطن العربي والإسلامي من الحكم الدكتاتوري القهري في المنطقة، هذه من النصوص العجيبة الفريدة في تاريخ الأمةـ “يا سعد، لا يغرنك من الله إن قيل خال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصاحب رسول الله...” أي: إياك أن تغتر؛ لأنّ الناس يقولون أنّك خال النبيّ(ص) وصاحبه، وهو الوحيد الذي قال له النبيّ(ص) “إرم سعد، فداك أبي وأمّي” وذلك في حرب أُحد؛ لما اشتدت الحرب واقترب المشركون من رسول الله(ص)، وكان سعد من الثابتين الذين صدوا عن رسول الله، قال: “فإنّ الله عزّ وجلّ لا يمحو السيئ بالسيئ ولكنّه يمحو السيئ بالحسن. فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت النبي(ص) عليه منذ بعث إلى أن فارقنا فألزمه فإنه الأمر، هذه عظتي إياك أن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين([98]).

رضي الله عن عمر بن الخطاب، ومعذرة سيدي أننا نضعك اليوم في قفص الاتهام في هذه القناة التي أملكها، ولكني قدّرت أن طرح هذا الأمر خير من أن تبقى الفتنة، ولكن قد يعترض الشيخ الخزاعي أو غيره من علماء الشيعة على قناة المستقلة، ويقول: لماذا توقظ هذا الأمر النائم؟ ولكننا نقول في جوابه: أنّه ربّما حضر مجالس العزاء قبل أسبوعين ورأى في القنوات الفضائية الشيعية كيف يُشتم الخليفةُ عمر بن الخطاب وصاحب رسول الله(ص) في الغار، وكيف يعلّمون الأولاد الصغار كراهةَ أصحاب رسول الله(ص)، ففي جهاز الكومبيوتر الذي أمامي طفل إيراني صغير وهو مملوء بالحقد على صحابة النبي(ص) ويبكي الناس من حوله، وهو يقول: ماذا فعلوا بالزهراء؟([99]).

يا سيدي يا بن الخطاب يا سيدي يا صاحب رسول الله بالغار.

الشيخ محمد الخزاعي [مقاطعاً]: هل يسمعونك حين تندبهم؟

الهاشمي: أنا أديب وأتكلم بمجاز الأدباء، يا سيدي يا صاحب رسول الله(ص) بالغار([100]) إنما نفعل هذا لوأد الفتنة حتى يكف أهل الفتنة عن ترويج الفتنة([101])، وحتّى تظهر أعمالهم للناس، وإن كانت فيهم بقية حياء تركوا ما يقولون عنك وعن صاحبك، وان لم يفعلوا فعلى الأقل أكون قد ساهمت في تبيان الحق فيعرفه الناس، ويعرفه مبغضو التعصب، ويعرفه الذين يفهمون الإسلام على أنه دين الحب لا دين الثأر، ودين التسامح لا دين الحقد([102])، ودين العفو، الذي أحتفى به رسول الله(ص) يوم انتصر وفتح مكة وحررها، وقال لأهلها: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” أين هذا من ذاك؟ أين هذا من النصوص العجيبة التي تقول: إن لم تلعن عمر فأنت ملعون، وإن توقفت عن لعنه فأنت ملعون([103])؟

أين هذا مما ينسب إلى سيدنا الفارس الشجاع علي بن أبي طالب من أنه ليس في حياته إلا طلب السلطة، وليس في حياته إلا ضرب الصحابة الذين كانوا معه في الحروب، يهددهم ويشكو أمره وأمر زوجته([104]).

كأنه ليس هو الرجل الذي وضع روحه على كفه ليلة الهجرة وفي بدر وفي أحد وفي خيبر وفي كل مواقع رسول الله(ص)([105]).

أيها السادة، يا صحابة النبيّ(ص)، إنما هذا الأمر هو لوأد الفتنة ونشر ثقافة التسامح والسلام بين المسلمين ومحاصرة ثقافة الثأر والحقد([106]).

لم أرَ أمة في العالم تدين بالثأر، سألت اليهود هل عندكم في ديانتكم أن الثأر هو شعاركم؟ قالوا: كلا. سألت المسيحيين في بريطانيا هل الثأر عندكم ديانة تتقربون بها إلى ربكم؟ قالوا: حاشا، إنما نزل المسيح ليخلص الناس...

فلماذا نحن في الإسلام ندين الله بالحقد وضرب الرؤوس والتنادي بالثأر؟ لماذا ([107])؟

إلى متى أيها العلماء؟ اتقوا الله يا مدعي العلم في كل الدنيا، انظروا إلى هذه الكتب التي بين أيديكم: هل كل أفاك يضع كتاباً نحن نتدين به ونحتج به؟

الكلام الآن للشيخ محمد الخزاعي تفضل:

استدراك من الشيخ محمد الخزاعي على كلامنا

الشيخ الخزاعي: بسم الله الرحمن الرحيم، أُحيي الشعب العراقي العزيز، وكل إخواني العرب والمسلمين مشاهدي قناة المستقلة الأعزاء، وأُحيي سماحة السيد القزويني وأشكره على تلبية هذه الدعوة، فقد طلبت من هذه القناة أن تدعو الإخوة المتخصصين في هذه العلوم لأن يتدخلوا في هذه القضية؛ لأنها قضية مهمة، أما أنا فقد قلت من أول مرة: إن هذا ليس من اختصاصي، ولكن جئت وحصل ما حصل، وحسب تقديري أن السيد القزويني قد ذكر كل الدلائل لكنه نسي موردين اثنين:

المورد الأول: جاء في كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربه الأندلسي الجزء الرابع ص 247 أنّه قال: “الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، فأمّا عليٌ والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب؛ ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟! قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة، فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه”.

أبو شوارب [مقاطعاً]: لم يحصل شيء من ذلك([108]).

محمد الخزاعي [مستنكراً]: نعم، لم يحصل شيء!!

الثاني: ما ورد في كتاب (الإمامة والسياسة) للإمام الفقيه أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قال: “إن أبا بكر (رضي الله عنه) تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي (كرم الله وجهه) فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، أن فيها فاطمة، فقال: وإن وإن... فخرجوا فبايعوا إلا علياً، فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن([109]).

إخوتي المشاهدين! هنالك من الروايات تروي أنهم أحرقوا الباب وهنالك روايات تقول...

الهاشمي [مقاطعا]: من أحرق الباب؟ أنت قلت لنا هددوا... جميع الروايات التي نقلتها نقلت التهديد فقط، أما الروايات التي تقول أن الخليفة أحرق الباب فلا تأتي بها، حتى لا نتورط بترويج الأكاذيب الباطلة([110]).

أنه في قناة المستقلة يأخذ الفرصة الكاملة ليتحدث ويناقش ثم يتهم واحد من أكبر زعماء الإنسانية [يقصد عمر] من دون دليل ومع ذلك يلومني على مقاطعته... أنتهى اللقاء([111]).


الحلقة السادسة

مقدّمة للدكتور الهاشمي

الهاشمي: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرحب بكم أجمل ترحيب وأقدم لكم الحلقة السادسة من المناظرة الخاصة بحياة السيدة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها وصلى الله وسلم وبارك على أبيها وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الكرام المرضيين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين).

هذه مناظرة يقصد منها البحث في مدى صحة أو بطلان الروايات التي يقول بها علماء الشيعة عن تعرضها (رضي الله عنها) لعدوان أمر به أبو بكر الصديق ونفذه عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) وأدّى إلى كسر ضلعها وإسقاط جنينها فضلاً عن حرق دارها.

هذه مناظرة تعيد قراءة التاريخ الإسلامي في عصوره الأولى؛ مناظرة تشجع على البحث الحرّ الموضوعي والنقد الجريء.

مناظرة تستلهم تجارب الأمم الأوربية في نقد تراثها الديني بجرأة وعقلانية وتتيح المجال للعلماء والمفكرين والباحثين العرب لنقد تراثهم الفكري والديني بروح عقلانية وموضوعية.

إنها مناظرة تحاول من خلال الحوار الحرّ الصريح ترويج ثقافة التسامح والسلام والحرية في المجتمعات العربية والإسلامية، ومواجهة الأفكار العنصرية والأفكار المعادية للسامية والفكر والخطاب الطائفي المتعصب الذي يبرر العنف والكراهية والإقصاء ([112]).

اُذكّر الجميع أن مناسبة طرح هذه المناقشة هو إحياء ملايين المسلمين الشيعة مطلع هذا الشهر لما يسمونه ذكرى استشهاد فاطمة الزهراء (رضي الله عنها) عبر مجالس عزاء وردت فيها روايات عديدة عن اعتداء القوم ـ ويقصدون بهم بعض كبار الصحابة ـ على الزهراء (رضي الله عنها وعنهم) وعن حرق بيتها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها.

وقد اهتمت الفضائيات الشيعية بالمناسبة وبثّت عنها ندوات كثيرة؛ لذلك كان من المناسب والمفيد النظر في هذا الموضوع وعرضه للنّقاش العلمي الموضوعي، وبحث آثاره على جهود التجديد والتصحيح والإصلاح في الفكر الإسلامي، وعلى توجّهات الأجيال الشّابة من المسلمين، وعلى العلاقات بين الطوائف الإسلامية.

ضيوفي في هذه الحلقة هم السيد حسن الحسيني من جمعية (الآل والأصحاب) في البحرين، والدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب) رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية في جامعة الإسكندرية، وصباح الخزاعي مدرس الرياضيات بكلية بيستول في بريطانيا([113])، كما سيشارك معنا بمداخلات هاتفية في البرنامج الدكتور السيد محمد القزويني أستاذ الحوزة العلمية في قم، والحائز على درجة الاجتهاد من مراجع التقليد في حوزة قم بإيران.

وكان قد شارك معنا في بداية المناظرات آية الله الشيخ محمد على الجناحي من علماء الشيعة في العراق، ونحن نقدّر مساهمته ومشاركته، ونأمل أن يسمح لنا الوقت للاتصال به، وأرجو أن يعذرنا، فقد رأى في الأيام الماضية بعض الإشكاليّات، ومنها ما يتعلق في موضوع توزيع الوقت بين المتناظرين.

خلاصة ما جرى في الحلقات السابقة

على مدى الأيام الماضية دافع المشاركون الشيعة بوجه عام عن هذه الروايات، روايات اقتحام باب السيدة فاطمة وكسر ضلعها وإسقاط جنينها؛ وهذه الروايات ردها المشاركون السنة وكذّبوها! كما ردّها الأكاديمي العراقي صباح الخزاعي واعتبرها حادثة غير صحيحة تاريخياً ومنطقياً([114])! واليوم يستمرّ الحوار، آملين أن نصل لمزيد من الحقائق حول هذا الموضوع الحسّاس.

الهاشمي: هل الشيخ القزويني معنا على الخط؟

السيد القزويني: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا دكتور هاشمي.

الهاشمي: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

ردنا على ما ورد من الإشكالات في الحلقة السابقة

السيد القزويني: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين؛ وبعد:

الأخوة الحضور الأعزاء والمشاهدين الكرام، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

اعتذر لعدم تمكني من المشاركة في الحلقة الماضية بسبب انشغالي في إلقاء محاضرة في قناة السلام الفضائية، رغم أن الدكتور الهاشمي قد اتصل وطلب مني المشاركة، لكن رغم ذلك فقد اطلعت على ما قاله الأخوة المحاورون الأعزاء.

وللأسف فقد ساءني كثيراً ما طرحه بعض الأخوة، لا سيما الأخ الحسيني، حيث اتهمني بالكذب والتدليس واقتطاع الكلام، في الوقت الذي نقل هو نفسه كلاماً للشهرستاني كنت قد ذكرته في الحلقة السابقة، لكن بصورة مجتزأة ومحرفة مما يعد نوعاً من التدليس الذي عابه الأخ الحسيني على غيره، وهذا يخالف أدب الحوار فضلاً عن الخلق الإسلامي الرفيع الذي يجب علينا جميعاً أن نتحلى به.

كما أنّ الأخ الحسيني قد استخدم عبارات قاسية وألفاظ حادّة، لا أظنها تليق بشأنه كمسلم متعلّم وأكاديمي، وسوف لن أردّ عليه، بل سأكتفي بالقول: سلاماً.

الحسيني يدلس ولم يذكر الحقائق

وسأدخل في صلب الموضوع، لأقول في البداية: إنّ الأخ الحسيني لم يذكر لنا اسم المصدر الذي أخذ منه قوله حول الجويني بأنّه: “حاطب ليل”، مع أنّ كون الرجل حاطب ليل لا يدلّ على ضعفه، فهذا ابن جريج ـ مثلاً ـ والمجمع على كونه ثقة نرى أنّ الذهبي يقول في حقّه: “كان ابن جريج حاطب ليل([115])، أمّا بالنسبة إلى ما نقلته عن الشهرستاني عن النظّام فسأتحدث عنه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

الروايات الصحيحة حول مسألة الهجوم على بيت فاطمة(علیها السلام)

هذا فيما يخصّ الحلقة الماضية من الحوار، أمّا في هذه الحلقة فسأذكر بعض الروايات الصحيحة حول مسألة الهجوم على بيت السيدة الصديقة الزهراء لكي نناقشها مع الإخوة الحضور الكرام، وهنا أطلب من فضيلة الدكتور الهاشمي وبدلاً من أن يكتب على الشريط التلفزيوني الخاص بقناته: أن الشيعة لم يأتوا برواية واحدة صحيحة تدل على قضية الهجوم على بيت السيدة الصديقة الطاهرة، أن يكتب بدلاً من ذلك: أن الشيعة قد جاءوا بأربع روايات تدلّ على هذه الواقعة، وأن على إخواننا الأعزاء من أهل السنة أن يناقشوا في إسناد هذه الروايات الأربعة. والروايات حسب الترتيب:

الرواية الأولى: رواية ابن أبي شيبة    

أشرت في الحلقة الماضية إلى رواية ابن أبي شيبة التي وردت في كتابه (المصنف)، وذكرت بأنّ كلّ رواتها كانوا ثقات، وبخصوص ما ذكره الأخ العزيز (أبو شوارب)، أن أسلم مولى عمر لا يمكن أن ينقل مثل هذه القضية، لأن الخليفة عمر بن الخطاب قد اشتراه من مكة بعد ستة أشهر من حصول هذه القضية، فأقول:

إن المزّي، وهو من كبار علماء أهل السنة، ومن أركان علم الرجال عندهم، قد ذكر بأن أسلم مولى عمر قد أدرك زمان حياة النبي(ص) ([116])، هذا أولاً.

وثانياً: أن كون أسلم مولى عمر قد اشتراه من مكة بعد ستة أشهر من حدوث هذه القضية لا يتنافى مع كونه قد شهد وقوعها، إذ يمكن أن يكون قد تواجد في المدينة مع مولاه قبل أن يشتريه الخليفة عمر.

الرواية الثانية: رواية البلاذري

 والرواية الثانية: هي رواية البلاذري، المتوفى سنة 270 للهجرة، قال: “إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة...، فجاء عمر ومعه قبس، فتلقته فاطمة على الباب؛ فقالت فاطمة: يا بن الخطاب، أتراك محرّقاً عليّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك([117]).

أمّا البحث في سند هذه الرواية، فالراوي الأوّل فيها هو المدائني، والذي يقول الذهبي في حقه: “العلامة الحافظ الصادق... المدائني الأخباري...، مصدقاً فيما ينقله، عالي الإسناد”([118]).

 وقال يحيى بن معين في حقّه: “ثقة ثقة ثقة([119]).

أمّا الراوي الثاني: فهو مسلمة بن محارب وقد وثقه ابن حبان في كتابه (الثقات)([120]).

والراوي الثالث: هو سليمان التيمي، قال المزي عن شعبة: “ما رأيت أحداً أصدق من سليمان التيمي، وكان إذا حدّث عن النبي تغيّر لونه([121])، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: “أنه ثقة؛ قال ابن معين والنسائي: أنه ثقة([122])، وقال العجلي: “تابعيّ ثقة([123]).

أما بالنسبة إلى عبد الله بن عون، والذي يقول عنه الإخوة بأنه لم يدرك رسول الله(ص)، فقد ذكر ابن سعد في (الطبقات الكبرى): “أنه أخبرنا بكار بن محمد قال: كان ابن عون يتمنى أن يرى النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يره إلا قبل وفاته بيسير([124]) فسرّ بذلك سروراً شديداً([125])، وإذا ثبت بأنّ عبد الله بن عون من الصحابة فهو لا يحتاج إلى التوثيق طبقاً لما يقول به إخواننا من أهل السنة في مسألة عدالة الصحابة، ومع هذا فقد قال علي بن المديني: “ليس في القوم مثل ابن عون وأيوب، وقال ابن حبان: من سادات أهل زمانه عبادة وفضلاً وورعاً([126]).

الرواية الثالثة: رواية محمّد بن جرير الطبري

 والرواية الثالثة هي رواية محمّد بن جرير الطبري؛ والتي وردت في مسألة التهديد بالإحراق، فقد ورد فيها قول عمر بن الخطاب: “والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة([127]).

وقد ذكرت في الحلقة السابقة بأنّ الراوي الأول فيها هو محمّد بن حميد، وهو ثقة، فقد جاء في تهذيب الكمال للمزي: “سئل يحيى بن معين عن محمّد بن حميد الرازي فقال: ثقة([128]).

أمّا جرير بن عبد الحميد الضبّي، فبالإضافة إلى أنّه من رواة الصحيحين، وكما هو معروف، فإن هذا الأمر، بحدّ ذاته، ممّا يُستدلّ به على وثاقة الراوي عند أهل السنة، فقد نقل المزي في (تهذيب الكمال)، عن محمّد بن سعد في (الطبقات) أنه: “كان ثقة، كثير العلم([129]).

وكذلك مغيرة بن مقسم الضبي: فهو أيضاً من رواة الصحيحين، ومضافاً إلى هذا فقد ذكر يحيى بن معين بأن مغيرة بن مقسم: “ثقة مأمون”، وقال النسائي: “مغيرة ثقة([130]).

أمّا الراوي الآخر، فهو زياد بن كليب، قال العجلي، وهو من كبار علماء الرجال عند أهل السنة: “كان ثقة في الحديث” وقال النسائي: “ثقة([131])، وقال الذهبي: “حافظ متقن([132])، وقال ابن حجر: “ثقة([133]).

الرواية الرابعة: رواية الطبري والذهبي

روى الطبري والذهبي وغيرهما عن أبي بكر أنّه قال عندما حضرته الوفاة: “أما إنّي لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث فعلتهنّ... وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وأنْ اُغلق على الحرب([134]).

ويكفي لتصحيح هذه الرواية ما ذكره ضياء الدين المقدسي الحنبلي حيث يقول: “هذا حديث حسن عن أبي بكر([135])، وضياء الدين المقدسي من كبار علماء أهل السنة، ومن أعمدة علم الرجال والجرح والتعديل عندهم، قال في حقه العلامة الذهبي: “هو الإمام العالم الحافظ الحجة محدّث الشام شيخ السنة...([136]).

 وقد وقع إشكال عند البعض في هذا السند من جهة علوان بن داود البجلي، والذي ورد اسمه في سند هذه الرواية، ولكن وثّقه ابن حبان في كتابه (الثقات) ([137]).

أما ما قد يقال من أنّ ابن حبّان متساهل في التوثيق؛ فهذا الكلام ينافي قول الذهبي بحقه بأنّه: “ينبوع معرفة الثقات([138]). وكذلك قول السيوطي: “فما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح([139]).

إلاّ أنّ البعض يقول فيه: بأنه منكر الحديث، وأقول بأن كون الرجل منكر الحديث لا يدلّ على عدم اعتبار رواياته؛ يقول ابن حجر العسقلاني في ترجمة حسين بن الفضل البجلي: “فلو كان كل من روى شيئاً منكراً استحق أن يذكر في الضعفاء لما سلم من المحدثين أحد([140])، وكما يقول الذهبي أيضاً: “ما كلّ من روى المناكير يضعّف([141]).

فهذه الروايات الأربع إذن تتحدث عن قضية الهجوم على بيت السيدة الزهراء(علیها السلام)، وجميعها من كتب أهل السنّة وأسانيدها جياد.

التأكيد على أنّ منهجنا قائم على التسامح وعدم الإساءة للمسلمين

وأودّ هنا التأكيد مرة أخرى، وقد ذكرت ذلك مراراً وتكراراً، بأنّ منهجي لا يقوم إطلاقاً على الإساءة إلى إخواني المسلمين السنّة وعقائدهم ومقدّساتهم، بل على العكس من ذلك، فأنا أعتبر الإساءة إليهم إثماً كبيراً أبرأ إلى الله تعالى منه، بل إنّ منهجي يقوم على طلب الحق والحقيقة طمعاً برضا الله تعالى، ونصرةً لدين الله، ودفاعاً عن شريعة خاتم أنبياء الله ورسله، وتمسّكاً بمذهب أهل بيته الأبرار الأخيار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فهم الجادّة الوسطى والعروة الوثقى وحبل الله المتين، وسفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى.

نعم، هناك مسألة مهمة يجب الالتفات إليها، لكي لا يُساء فهم كلامي، وهي أنّ الإهانة شيء ونقل الروايات والوقائع التاريخية شيء آخر، فهذه الروايات، وللأسف، موجودة في تراثنا الديني، كما أنّ أكثر ما أنقله هو من كتب إخواني أهل السنّة، فإذا ثبت أنّ هذه الروايات باطلة فهو ما نريده، وناقل الكفر ليس بكافر، وإلاّ فعلينا جميعاً أنْ نتقبل الحقائق مهما كانت مُرَّة وأليمة، فنحن عندما نذكر الأحاديث والوقائع التاريخية كما وردت في بطون الكتب، والتي تكون في الغالب لعلماء أهل السنة، والتي قد تتضمن في بعض الأحيان مسّاً أو إساءة أو تجريحاً لهذه الشخصية أو تلك أو لهذا الصحابي أو ذاك إنّما نهدف إلى إخضاعها للبحث والنقاش العلمي الموضوعي، والدين لا يتأتى إلاّ من أهل العلم والاختصاص والخبرة دون أن نتبنى بالضرورة كلّ ما ورد في هذه النصوص؛ لأنّ فيها الغث والسمين والصالح والطالح، والفيصل هنا هو العقل السوي والنقل الثابت، وأساسه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن هنا فنحن نجدّد الاعتذار إلى إخواننا الأعزاء من مختلف الفرق والمذاهب الإسلامية إذا كانت النصوص التي ننقلها تتضمن ما يتعارض مع مقدّساتهم أو يسيء إلى أعلامهم. وأرجو من الأخ (أبو شوارب) والذي نثمّن فيه أسلوبه الودي والجميل في البيان ـ خلافاً لما سمعناه من الأخ الحسيني لحد الآن ـ أن يتفضّل بمناقشة الروايات التي أوردناها ونحن حاضرون للإجابة على كلّ ما يتفضل به من أسئلة وإشكالات.

دفاعنا عن شبهة التدليس التي أتهمنا بها الحسيني

أمّا بالنسبة إلى اتهام الأخ الحسيني لي بالكذب والتدليس، فأمري وأمره إلى الله، لكن أقول: إنّ ما قمتُ به ليس تدليساً؛ لأنّ اقتطاع جزء من كلام ما وترك الجزء الآخر، والذي لا علاقة له بموضوع البحث ليس تدليساً، والأخ الحسيني نفسه قد قام بهذا العمل حينما نقل جزءاً من كلام النظام عن كتاب الملل والنحل دون أن يذكر بقية كلام النظام، حيث حذف بعض العبارات التي تتضمن الإساءة إلى الخليفة الثاني، رغم ارتباطها بموضوع البحث، ورغم هذا لم اتّهمه بالتدليس؛ لأنّ أخلاقي لا تسمح لي بتوجيه الاتهامات والإساءة جزافاً إلى أي إنسان مهما أختلف معه في الرأي، فنحن مهما اختلفنا إخوة تجمعنا مشتركات طويلة وعريضة يجب أن نضعها نصب أعيينا حينما نختلف، لكي نروض أنفسنا على ثقافة الاختلاف، التي هي أمر طبيعي لا يفسد للود قضية، إلا عند من نصبوا أنفسهم قيّمين على العقل المسلم وكبّلوه بخطوط حمراء ووهمية ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي ممّا اخترعته أدمغتهم الفارغة إلا من الشر، ونفوسهم العدوانية، وهؤلاء في طريقهم إلى الزوال والانقراض، قال تعالى: {أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}([142]).

الشهرستاني نقل عن النظام وهذا ليس تدليسا

وأودّ أنّ أوضح هنا نقطة مهمّة؛ وهي أنّني لم أنقل عن الشهرستاني وإنّما نقلت عن النظّام بواسطة الشهرستاني، فما كان يهمّني هو عبارة النظام دون غيرها، وأمّا تضعيف الشهرستاني له فهذا أمر آخر لم أكن بصدده، مع أنّي لا أخشى من طرحه؛ لأنّ النظّام هذاـ والذي تحدّث الأخ الحسيني عن تضعيفه، واتهامه بالكذب والرفض من قبل الشهرستاني وغيره، دون أن يشير إلى ما ورد في حقه من مدح، خلافاً للمنهج العلمي في البحث ـ هو نفسه قد مدح من قبل الصفدي، وهو من كبار علماء أهل السنة، حيث ذكر في الوافي بالوفيات: “كان إبراهيم هذا شديد الذكاء([143])، كما قال فيه الخطيب البغدادي أيضاً: “إنّ إبراهيم بن سيار أبو إسحاق النظّام ورد بغداد، وكان أحد فرسان أهل النظر والكلام([144]).

كما ذكر ابن ماكولا في كتابه (إكمال الكمال) عند ذكره للنظام: “وكان أحد فرسان المتكلمين، وله شعر مليح رقيق([145]).

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى مسألة مهمّة؛ وهي أننا قد لا نجد ـ وخاصة عند أهل السنة ـ راوياً لم يرد فيه تضعيف أو ذم أو جرح مهما كانت درجة وثاقته حتى من أمثال البخاري ومسلم، بل حتى لو كان من الصحابة، كما يعبر الذهبي عن ذلك بقوله: “ما زال يمرّ بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يُعبأ به، ولو فتحنا هذا الباب [أي باب تضعيف الرواة] على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمّة([146]).

ونقل الذهبي أيضاً وكذلك ابن حجر العسقلاني عن شعبة، وهو من كبار علماء أهل السنة، قوله: “ما رأيت أحداً من أصحاب الحديث إلا يدلّس، إلا عمرو بن مرّة([147]).

وأرجو من الأخ الحسيني أن ينظر جيداً في هذا الكلام قبل أن يتهم الآخرين بالتدليس والكذب، وإلى الله المشتكى.

الراوي المختلف فيه قد يرتقي حديثه إلى مرتبة الحسن

كما ألفت انتباه الأخ الحسيني إلى أمر آخر، وهو أنّ الراوي الذي يضعفه جماعة ويوثقه آخرون، مثل هذا الراوي ـ وطبقاً لمباني إخواننا أهل السنة في الجرح والتعديل ـ يبلغ مرتبة الحسن عندهم، فقد نقل ابن حجر العسقلاني في كتاب (القول المسدد) عبارات في تضعيف قزعة بن سويد الباهلي وفي توثيقه، ثم حكم عليه بعد ذلك بان حديثه في مرتبة الحسن([148]).

وأيضاً في ترجمته لعبد الله بن صالح، حيث نقل في تهذيب التهذيب عبارات مختلفة في توثيقه، ثم نقل كلام ابن القطان، قال: “هو صدوق ولم يثبت عليه ما يسقط له حديثه، إلاّ أنّه مختلف فيه فحديثه حسن([149]).

وهكذا بالنسبة إلى قضية هشام بن سعد وهاني بن خراش وصليح بن سليمان وغيرهم، حيث وضعت أحاديثهم في مرتبة الحسن رغم أنهم قد تم تضعيفهم بجانب توثيقهم، علماً أنّ حسن الرواية مقبول وفق مباني علم الرجال عند أهل السنة.

أمّا ما ذكره الأخ الحسيني بخصوص تضعيف النظّام من قبل الشهرستاني؛ فهذا ليس شيئاً جديداً، ولم يقتصر ذكره على الشهرستاني لوحده، بل هو موجود في كتب أخرى غير الملل والنحل، قد أتعرض لذكرها إن شاء الله تعالى وسنحت لي الفرصة.

أمّا بخصوص ما ذكره الأخ (أبو شوارب) من أن أمير المؤمنين(علیه السلام)، قال: «من ضرب بيده عند فخذه عند مصيبة حبط أجره»؛ ومن ثمّ هجومه على الشيعة لكونهم يضربون صدورهم ورؤوسهم لإظهار الحزن عند المصيبة، وبالتحديد مصيبة سيد الشهداء(علیه السلام) وعياله وأصحابه.

فأقول: إنّ مثل هذه العبارة موجودة في كتاب نهج البلاغة، ولكن يوجد في نهج البلاغة أيضاًـ والذي نقل عنه الأخ (أبو شوارب) هذه العبارة ـ قول آخر عن أمير المؤمنين(علیه السلام) يخاطب فيه رسول الله(ص) بالقول: “يا رسول الله، إنّ الجزع لقبيح إلا عليك([150])، وهذا الكلام الوارد عن أمير المؤمنين ينطبق تماماً على ما يقوم به شيعته من إظهار الحزن بطرق مختلفة، منها البكاء أو لطم الصدور؛ لأنّ المحزون عليه هو ابن بنت رسول الله(ص)، والذي جرى عليه ما جرى بسبب تمسكه بسنة جده ودفاعه عنها، وطلبه للإصلاح في أمة جده، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.

الحزن على أئمة الهدى ليس من سنخ الجزع المذموم

وأنوّه هنا إلى أنّ كلام أمير المؤمنين الذي ذكرته، ينطوي على حقيقة موضوعية تنطبق على منهج الشيعة في الحزن على أئمتهم، وهي أنّ الحزن على أئمة الهدى وفي مقدمتهم النبيّ الأكرم(ص) هو ليس من سنخ الجزع العادي المذموم والمنهي عنه؛ وذلك لأنه يمثل انتصاراً للحق ورفضاً للظلم وإنكاراً للباطل. ولا أدري لماذا لم يتطرق الأخ (أبو شوارب) إلى هذا الكلام؛ خصوصاً وأنّه يرتبط بالموضوع الذي طرحه؟ والمفروض بالباحث العلمي المتجرد عن نوازع النفس والشيطان أنْ يستقصي كلّ جوانب القضية التي يريد طرحها؛ خصوصاً وأنّها تمس فئة كبيرة من المسلمين تهجّم عليهم الأخ (أبو شوارب) استناداً إلى هذا الكلام الذي نقله عن كتاب نهج البلاغة.

السيدة عائشة ضربت وجهها حزنا على وفاة رسول الله(ص)

وعلى ضوء ذلك يمكن لنا أن نفسر ما قامت به السيدة عائشة من ضرب وجهها حزناً على وفاة رسول الله(ص)، حيث روى ابن حنبل عن عائشة قولها: “قمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي»([151])، فلو كان الضرب على الفخذ يوجب إحباط العمل بالمطلق فكيف سيكون الحال بالنسبة للالتدام وضرب الوجه الذي قامت به السيدة عائشة؟

رد وتصحيح على أبي شوارب لأنه قطع كلام أمير المؤمنين

كذلك ذكر السيد (أبو شوارب) أنّ أمير المؤمنين نهي أصحابه أن يكونوا سبّابين شتامين ولعانين؛ وهذه العبارة لم ترد في نهج البلاغة بالشكل الذي عبّر به السيد (أبو شوارب)، أي لم يرد في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين نهى أصحابه أنْ يكونوا سبّابين أو شتامين أو لعانين؛ بل إنّ الموجود فيه هو أنّ أمير المؤمنين قد سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام فقال: “إنّي أكره لكم أنْ تكونوا سبابين» أمّا كلمتي (شتامين ولعانين) فالظاهر أنهما من وحي خيال الأخ (أبو شوارب)، هذا مضافا إلى أنّه قد ورد وفي نفس هذه الخطبة أن أمير المؤمنين قد خاطب أصحابه بقوله «ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر»([152]). فأمير المؤمنين، في الوقت الذي نهى أصحابه عن السب، أمرهم أن يذكروا ما صدر منهم من أعمال مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه، ولا أدري لماذا تجاهل الأخ (أبو شوارب) بقية كلام أمير المؤمنين؟ لأنّ روح البحث العلمي وأصوله تقتضي أن يتحرى الدقة فيما ينسب إلى أمير المؤمنين(علیه السلام)، وأنْ ينظر في بقية كلام الإمام؛ لأنّه يرتبط بموضوع البحث ارتباطاً مباشراً، بل هو تكملة لكلامه(علیه السلام)، وإذا كان هناك من هو أولى بأن ينعت بالسبّاب والشتّام واللّعان فهو معاوية بن أبي سفيان، حيث يقول السيوطي: “إنّه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب(علیه السلام) بما سنه لهم معاوية من ذلك”. وفي ذلك يقول العلامة أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته:

وقد حكى الشيخ السيوطي أنه*** قد كان فيما جعلوه سنّه

 سبعون ألف منبر وعشره *** من فوقهن يلعنون حيدرة([153]).

كما ورد في صحيح مسلم أيضاً: “أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً [أي سعد بن أبي وقاص]، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب([154]).

وكان الأولى بالسيد (أبو شوارب) أن يتهجم على معاوية لا على شيعة النبي(ص) وآله، خصوصاً وأنّ معاوية يسبّ خليفة رسول الله وابن عمّه وزوج ابنته، أمّا الشيعة فيلعنون من ظلم آل محمّد وبخسهم حقهم، من أمثال يزيد الفاجر الفاسق قاتل ابن بنت رسول الله(ص) وأتباعه وأشياعه إلى قيام يوم الدين.

كلام الهاشمي

الهاشمي: طيِّب، إذن اسمع، أطال الله في عمرك، تعليقات الأخوة الحاضرين، وسأبدأ بأقربهم إليَّ في المجلس وهو الأخ الدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب)؛ نستمع وإياكم مشاهدينا الكرام إلى تعليق الأكاديمي المصري، رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية في جامعة الإسكندرية على ما تحدث به السيد القزويني من الحوزة العلمية في قم، تفضل:

تعليق الدكتور (أبو شوارب)

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمّد، عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين خير صلاة وأزكى سلام.

أيّها الأخوة الأعزاء: في البداية أشكر آية الله محمّد القزويني على هذه المداخلة، وهذا العرض، ولكنّني في الحقيقة، أراه مصرّاً على تثبيت تهمة من أشنع التهم على صحابة النبيّ(ص)، وهي تهمة الاعتداء على السيّدة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها وصلّي وسلّم على أبيها وآله وصحبه أجمعين).

هذه التهمة الموجهة إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه) بشكل مباشر؛ لأنه كما تدّعي الروايات منفّذ هذه الجريمة، وربما يدرك كثيرون أنّ السرّ الرئيس في هذا الاتهام يرجع إلى حقد بعض من دخلوا الإسلام منافقين متظاهرين بهذا الدين من عبدة النار بعد أن أطفأ عمر بن الخطاب نارهم وأزال ملكهم، فدسّوا عليه هذه الروايات المكذوبة، بل قتله أحد متعصبيهم وهو أبو لؤلؤة الفارسي([155]).

إنّ آية الله القزويني مصرّ إصراراً عجيباً على أنّ هناك أربع روايات تؤكد الحادثة، ويطلب من الدكتور الهاشمي أن يغيّر في الشريط ويقول: إنّ هناك أربع روايات صحيحة؛ وأنا الآن لا أدخل معه في تفاصيل الحديث عن الرجال في هذه الروايات إلا قليلاً([156])، لكن جميع هذه الروايات بنصّها لا تشير من قريب أو بعيد إلى وقوع الجريمة([157]).

أبو شوارب يضعف الروايات بلا ضابطة علمية

إنّ كلّ هذه الروايات ضعيفة، وسنضعفها بإذن الله([158])، لكن أقربها إلى الصحة هي رواية وردت في مصنف ابن أبي شيبة، وهو مصدر، كما قلنا مراراً وتكراراً، لا يعتمد الصحة في ما يروي، يعني أنّه لا يشترط أن تكون المرويات فيه صحيحة([159]).

أما نص هذه الرواية ففيها تهديد فقط، كما أنه موجود عند البلاذري وابن جرير الطبري أيضاً؛ كل الروايات التي ذكرها سماحة آية الله القزويني لا تؤكد الواقعة وإنما تشير إلى أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه) هدد بإحراق الباب، كل ما في القصة أنها قالت له: “لتحرقنَّ عليّ بابي؟!”. كما قالت له السيدة فاطمة في رواية البلاذري: “أتراك محرِّقا على بابي؟!”، هذه هي التهمة الموجهة إلى عمر بن الخطاب، لا أكثر ولا أقل.

رغم أنّ هذه الروايات ضعيفة وليست ثابتة، وسماحة القزويني من علماء الرجال وهو مختص في هذا، ومن ثمّ فهو يعلم أنّ فارقاً كبيراً جداً عند المحدثين بين منهج الرواية ومنهج الدراية، فالعلماء الذين روى عنهم جميعاً يتخذون من الرواية أساساً لتأليفهم، يعني هم يشترطون صحة النقل دون صحة المنقول([160]), مع أنّ كلّ هذه الروايات وضعت لتكريس الكراهة في صحابة النبي(ص) وخاصة الإمام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه).

كما أنّ آية الله القزويني، وغيره من علماء الشيعة الأفاضل الذين شاركوا معنا في هذه الحلقات والمراجع من ورائهم، عجزوا عجزاً مطلقاً عن أن يأتوا برواية واحدة صحيحة، أو حتّى غير صحيحة! منسوبة للإمام علي بن أبي طالب يتكلّم فيها عن هذه الجريمة، جريمة الاعتداء على السيدة فاطمة وكسر الضلع وإسقاط الجنين، فهذه المسألة مسألة محسومة، فلا توجد رواية عن أصحاب الشأن تشير إلى هذا الحدث، فهل أنتم ملكيّين أكثر من الملك([161])؟ هل رجال الشيعة في القرن الثالث الهجري والقرن الرابع الهجري وما تلاهم أكثر حرصاً من صاحب القضية([162])؟ أعتقد أنّ هناك أمر غائب في هذه المسألة.

ومن حقنا أن نتساءل: لماذا يتجاهل السيد القزويني هذا السيل من الروايات الصحيحة التي وردت في كتب السنة وكتب الشيعة عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وأرضاه) وعن الحسن وعن الحسين وعن علي زين العابدين وعن محمد الباقر وعن جعفر الصادق وعن على الرضا (عليهم جميعاً سلام الله)، لماذا يتجاهل هذه الروايات الصريحة التي صدرت عن هؤلاء الأئمة العظام أبناء محمد(ص) في الثناء على الصحابة، وفي الثناء على أبي بكر وعمر، ولو يسمح لي المشاهد الكريم سأقرأ بعض هذه الروايات([163]):

مدح النبي(ص) للصحابة

روي في بحار الأنوار للمجلسي في (ج22: ص 103 وص300) حديثاً عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وكرم الله وجهه) عن النبي(ص) يقول الإمام علي: أنه سمع رسول الله يقول: “طوبى لمن رآني أو رأى من رآني أو رأى من رأى من رآني([164]).

ثناء الإمام علي على الصحابة

يقول الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة (ص 143): “لقد رأيت أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبلّ جيوبهم ومادوا كما يمود الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء بالثواب”.

هكذا يصف علي بن أبي طالب ـ أيها المسلمون من السنة والشيعة في كل بلاد المسلمين شرقاً وغرباً ـ هذا هو وصف علي بن أبي طالب لصحابة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فكيف يجرأ من يدعون أنهم أتباع علي، وأن خلافهم معنا ـ إلى يوم الناس هذاـ بسبب أن جيلاً من الصحابة غصبوا حق علي, لو كان هذا صحيحاً كيف يمدحهم بهذا المدح([165]).

وقد رويت بالأمس خمس روايات صحيحة، ولم يعلق عليها الشيخ القزويني، في أن علياً (كرم الله وجهه) كان قد سارع إلى البيعة وقدّمها عليٌّ طائعاً([166]).

إضافة إلى ما ورد في البخاري وغيره أنه كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبى بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد([167]).

الهاشمي [مقاطعاً]: هذه نصوص في عموم الصحابة، هل هناك شيء عن المتهمين الاثنين (يقصد عمر وأبا بكر).

أبو شوارب: نعم، نعم، اسمح لي.

الهاشمي: الأفضل أن تتحدث عن أبي بكر وعمر فهما المعنيين بالحوار.

أبو شوارب: حين قرر عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه) أن ينشر الإسلام في بلاد الروم كما نشره في بلاد الفرس، وقرر أن يجهز جيشاً لغزو بلاد الشام، قرر ـ لأن المهمة جليلة وعظيمة ـ أن يكون بنفسه على رأس هذا الجيش، فجمع أصحابه ومستشاريه، وقد كان علي بن أبي طالب من كبار أصحاب عمر ومستشاريه، بل ربما كان مستشاره الأول في كثير من الأحيان([168])، ماذا قال له علي ـ لو فرضنا أن علياً كان يكره عمر؛ لأنه أحرق الدار وساعد أبا بكر على اغتصاب الخلافة، لو أن هناك ضغائن بين الرجلين، لقال له: يا حبذا هذا، أخرج على رأس الجيش عسى أن يأتيك سهم طائش أو أنْ تصيبك حربة أو أن يشق رأسك سيف([169])، انظر ماذا يقول له الإمام علي:..

الهاشمي [مستدركاً]: قبل أن تقرأ نصّه، أريد أن أذكِّر بما يقوله بعض الباحثين المعاصرين في وصف خروج المسلمين آنذاك بتوجيه من الخليفة إلى الشام للمساهمة في تحريره من الحكم الديكتاتوري البيزنطي، الذي يصادر حرياتهم الدينية وحقوقهم الشخصية ولنشر الدين، إنها كانت مواكب تحرير ولم تكن مواكب غزو فقط، هذا هو القصد، نواصل الآن وإياك.

أبو شوارب: هذا توضيح هام منك، لكن جميع المسلمين يفهمون هذا الأمر بشكل واضح، ولكن قد يسمعنا غير المسلمين، ويسمعنا الباحث عن التاريخ، فلا ضير.

هذه الكلمة في نهج البلاغة في الخطبة رقم (134)يقول علي بن أبي طالب: “إنك متى سرت إلى هذا العدو بنفسك (يوجه حديثه إلى عمر بن الخطاب) فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة، (يعني: لا تكن للمسلمين عاصمة, أنت يا عمرـ هكذا يقول علي لعمر بن الخطاب ـ حصن الإسلام فلو نكبت ـ أي: لو قتلت ـ فلن يكون للمسلمين حصن يعصمهم) دون أقصى بلادهم (ليس بعدك مرجع يرجعون إليه)، فابعث إليهم رجلاً محراباً (يعني: كثير الحرب)، واحفز معه أهل البلاء (يعني: أهل الشدة) والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب وان تكن الأخرى (يعني: الهزيمة) كنت ردءاً (يعني: ملجأ) للناس ومثابة (يعني: مرجعاً للمسلمين)”. فعلي بن أبي طالب يعتقد أن عمود الإسلام هو عمر بن الخطاب([170]).

هذا هو عمر بن الخطاب الذي يحتفل بعض إخواننا الشيعة بمقتله، وهم يعلمون منزلته وقدره عند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وأرضاه).

ويقول أيضاً عن عمر بن الخطاب في شرح نهج البلاغة: في ج 4 ص108: “ووليهم وال فأقام واستقام حتّى ضرب الدين بجرانه”.

والوالي يريد به النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، ووليهم أي تولى أمورهم وسياسة الشريعة فيهم، وقد قال قائل يريد به عمر بن الخطاب([171]).

 وصف الإمام الباقر لأبي بكر بالصديق

كما سئل الإمام محمد الباقر (عليه سلام الله) عن حِلْيَة السيوف بقطع من المعادن فقال: “كان أبو بكر الصديق يحلي سيفه، فلا بأس. فقال له السائل ـ وهو من الشيعة الذين يسمعون سب أبي بكر وعمرـ: أتقول الصديق؟! فوثب الباقر وثبة انتفاضة وغضب وقال: نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل الصديق فما صدق الله له قولا في الدنيا والآخرة”. هذا في كتاب (كشف الغمة) للأربلي ج2 ص147، وهذا الكتاب من مراجع الشيعة([172]).

رواية زيد بن علي بن الحسين في مدح الشيخين

وأيضاً يقول الإمام زيد بن علي بن الحسين (عليه سلام الله) عن الشيخين أبي بكر وعمر: “ما سمعت أحداً من أهل بيتي يذكرهما إلا بخير”. وقد جاء هذا في تاريخ الطبري: ج7 ص180([173]).

دعوى أن الإمام الباقر قال: أنا لست بمنكر فضل عمر

كما يقول الباقر أيضاًـ وقد جاء هذا الكلام في كتاب الاحتجاج للطبرسي ـ: “ولست بمنكر فضل أبي بكر ولست بمنكر فضل عمر ولكن أبا بكر أفضل من عمر([174]).

أبو بكر وعمر إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق

هذا وقد سُئل الصادق عن الشيخين أبي بكر وعمر, فقال: “إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة”، وهذا في إحقاق الحق للشوشتري([175]).

فروايات أهل البيت التي تثني على الصحابة لا تنتهي، ففي الصحيفة السجادية ـ اعتقد أنّ الشيخ القزويني يحفظها عن ظهر قلب ـ الثناء فيها لا ينقطع عن صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم وعليهم جميعاً رضوان الله).

أما ما ذكره آية الله القزويني عن أنه (حفظه الله) لا يسب صحابة النبي (عليه الصلاة والسلام) في جميع مجالسه، فنقول له: أليس الحرص على إثبات هذه التهمة الشنيعة على أبي بكر وعمر نوع من أنواع السب؟ إلا تجد فيه سباً للصحابة؟

ثم إن كنت أنت بنفسك تمتنع عن السب فما هو مرجع هذا الانتماء؟ هل اعتقادك بعدالة صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) هو الذي يمنعك منه؟ فلا بد أن يكون هناك موقفاً عاماً من علماء الشيعة بذلك، وهذا ما ندعو إليه إن كنا نريد أن تخلص النوايا في شأن الإصلاح والجمع بين المسلمين.

لقد قرأت بالأمس نصوصاً عن كبار علماء الشيعة المتأخرين والمعاصرين, قرأت نصوصاً عن المجلسي وعن الميلاني، وهو معاصر، وعن آية الله العظمى الخميني وهي تصر على سب ليس الصحابة فقط وإنما جميع أهل السنة، هل تتبرأ من هذا الكلام؟ لقد تحدثت عن القائد آية الله العظمى علي الخامنئي وقلت: إنه حريص على عدم سب الصحابة في مجالس العزاء، علي الخامنئي من تلاميذ الخميني، والخميني يسب الصحابة، بل أنه يسب أهل السنة جميعاً, فهل تتبرأ من هذا الكلام يا آية الله القزويني([176])؟

ونحن نرى أن سب الصحابة والطعن في عدالتهم مسألة في منتهى الخطورة، هذه الخطورة تكمن في أننا لو اتهمنا هؤلاء الناس وجرحناهم، هؤلاء العظام الذين اختارهم الله ـ يجب على كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى كما اختار محمداً (صلى الله عليه وسلم) ليكون خاتم الرسل والنبيين، وليكون صاحب الرسالة الخاتمةـ اختار له أصحاباً ينصرونه ويعينونه ويؤيدونه، فلو لم ينصر الله محمداً (صلى الله عليه وسلم) بالمهاجرين والأنصار أترى أن تقوم للإسلام قائمة؟

 لو لم يقف أبو بكر الصديق (رضي الله عنه وأرضاه) هذه الوقفة الحازمة أمام المرتدين هل كان الإسلام سيستمر، لو لم يقم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه) بنشر رسالة الإسلام وتحرير الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها من نير الاحتلال والديكتاتورية البيزنطية ومن أوهام الشرك وعبادة النار هل كان الإسلام سينتشر؟

وهنا كلمة أخيرة أود أن أقولها وهي: إن الإمام أبو زرعة الرازي يقول ـ فيما رواه عنه الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية في علم الرواية) في صفحة 97 ـ: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاعلم أنه زنديق”, وكلمة زنديق في ذلك العصر ـ أي القرن الثاني والثالث الهجري ـ تعني الكافر، “وذلك أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) عندنا حق والقرآن حق، وإنّما أدّى إلينا القرآن والسنن أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)”، من أين جاءنا القرآن؟ ومن أين جاءتنا سنة النبيّ؟ أليست شريعتنا قائمة على النص القرآني وعلى أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ من الذي نقل إلينا القرآن ومن الذي نقل إلينا السنة؟ أليسوا أصحاب النبي (عليه الصلاة والسلام)([177])، إنّ الله حق وأنّ محمّداً حقّ والقرآن حقّ وإنّما أدّى إلينا القرآن والسنن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، هؤلاء أعداء الإسلام الذين يطعنون في الصحابة، ويطعنون في زعماء الصحابة أبو بكر وعمر ليسوا من المسلمين، إنهم أعداء للإسلام, لماذا: “لأنهم يجرحون شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة([178]).

فهذا هو الحقد القديم الذي حقده بعض عباد النار على أبي بكر وعمر، وأرادوا أن يشوِّهوا الدين الذي نصروه، لم يجدوا مطعناً على الإسلام، فاتخذوا من صحابة النبيّ (عليه الصلاة والسلام) هدفاً لأنّهم هم الوسيلة التي نقلت لنا الإسلام([179]).

الهاشمي: شكراً دكتور، أبدأ من الأخ صباح الخزاعي، تفضل أستاذ صباح.

تعقيب صباح الخزاعي على كلامنا المتقدم

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقد قلت مراراً إنني رجل أكاديمي ولست فقيهاً في الإسلام، لكنني أفهم وأحلل وتكون لدي ردة فعل لما يقال([180]).

إن الذي ذكره الدكتور السيد محمد القزويني يجعلني أصل إلى نتيجة واحدة وهي أن أبا بكر وعمر من الضالين، وتكون النتيجة أن كل الإسلام الذي جاؤوا به باطل، فإنهما بعملهما الشائن هذا، وهذه الجريمة الكبرى، يمكن أن نستنتج منها أنهما لا يستحقا السب فقط بل يمكن الحكم عليهما بالضلال([181]).

فالسيد القزويني يريد أن يقنعني بقوله أن أبا بكر وعمر عملوا ما عملوا، وبالنتيجة سيكون الإسلام العظيم الذي وصل إلى كافة الأمم قاطبة إسلام باطل، إسلام يستند على إثنين من أكبر المجرمين والظالمين، مما يعني أنه حتى القرآن غير صحيح، وكذلك الأحاديث غير صحيحة، وحتى الغزوات غير صحيحة، وكذلك التاريخ غير صحيح، فهل هذا معقول؟ فعلينا حسب هذا التحليل أن ننتحر جميعاً([182]).

كلام الخزاعي بعيد عن منطق أهل العلم

عندما أسمع القصص التي رويتها من بطون الكتب فباعتقادي أنه ليس لها سند صحيح، وهذا يذكرني بمسرحيات شكسبير، فهذه المسرحيات تمثل وتخرج بأشكال مختلفة منذ قيام المسرح لحد الآن، فالمسرحية هي نفسها لكن تجدها في مكان آخر على شكل آخر وإخراج آخر وتمثيل آخر، القصة المفتعلة هي نفسها لكن تجدها في بطون كتب أخرى مخرجة إخراج آخر لأجل الإقناع.

طبعاً أنت لا تسب الصحابة ولا الخامنئي يسبهم في مجالسه، وهذا صحيح، ولكن المشكلة أنّ السواد الأعظم هو الذي يسب الصحابة والسبب أنتم، فأنتم تحرضون الناس عليه، والناس مثلي وأمثالي الذي غُرِّر بنا، نحن الذين نسب، فهل الإسلام هو دين السب، أنت تقول إنّ الإمام علي قال في خطبته في صفين لا تسبوا فقط، يعني يحق لنا أن نلعن ونلعن، وهذا غير معقول([183]).

إضافة إلى ذلك؛ أنك ذكرت أن اللطم جائز، فهل أن الإسلام يعلمني اللطم؟ ولماذا ألطم؟ فإن كانت هناك مصيبة فما هي إلا قضاءً وقدراً، وهذا يعني إنني أحتج على قرار الله سبحانه وتعالى، ولكن هذا خلاف ما أوصانا به حيث قال: إذا إصابتكم مصيبة فقولوا إنا لله وإنا ليه راجعون([184]).

وكذلك في مسألة فدك، فإذا منح النبي(ص) فدكاً لفاطمة (سلام الله عليها) فما الذي منحه لبقية أخواتها، لكي يكون عادلاً في قسمته، وكذلك إلى زوجاته, وإلا فهذا شيء خطير, تريدون أن تقولوا إنّ الرسول كان ظالماً في قسمته([185]).

وهل أنّ أبا بكر أخذها [أي فدك] لنفسه، أم أرجعها إلى بيت مال المسلمين، فهذا أمر مهم جداً، فهل هي الشخصنة أم هي مصلحة الإسلام، فالرسول(ص) كان يعمل لمصلحة الإسلام، فإذا كانت فدك له فلماذا يعطيها لفاطمة؟ ولكنه أخذها لكي يحسن ويتصدق على الناس المحتاجين، فعندما مات الرسول(ص) لا بد أن ترجع إلى بيت المال وهذا هو الأصلح، فالمال العام يجب أن ينتفع به الآخرون، وليس حكراً على أحد، فإذن فدك رجعت إلى بيت مال المسلمين لكي يستفيد منها المسلمون، ولم يدخل قرشاً واحداً في جيب أبي بكر (رضي الله تعالى عليه) إذ مات بعد سنتين ونيف وقابل ربه([186]).

يبدو أنه ليس هنالك ترابطٌ في حديثي ولكن أرجو أن تعذروني ([187]), توجد امرأة اسمها أسماء بنت عميس كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق الإمام علي (سلام الله عليه)، وعندما مات زوجها تزوجها أبو بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه)، وولدت له ولداً اسمه محمداً، وهو الذي ولاّه علي بن أبي طالب على مصر، ولما مات أبو بكر الصديق، تزوجها علي فولدت له يحيى, ألا ترون أنّ هنالك لحمة واحدة؟ فهل يجوز أن تكسّر هذه اللحمة؟

مداخلة قصيرة لأبي شوارب

أبو شوارب: اسمح لي أخ صباح على المقاطعة، السيدة أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرّض السيدة فاطمة الزهراء في مرضها الأخير، وهي التي غسلتها وهي التي كفنتها، تخيل زوجة أبي بكر الصديق هي التي تمرّض فاطمة وترعاها في أيامها الأخيرة وفي لحظاتها الأخيرة، انظر إلى العلاقة الوشيجة بينهما([188]).

عودة لكلام الخزاعي

الخزاعي: أريد أنْ أذكر بعض الآيات, والتي أنا مقتنع بها اقتناعاً تاماً، لقد طلبت من الله أثناء خروجي إلى هذه الندوة أن أوفق ولا ارتكب معصية، وقلت: يا ربّ، إن لم يكن كذلك فاجعل لي عارضاً حتّى لا أشارك فيها؛ لأني أخاف من الله وعقابه وحسابه يوم القيامة([189])، وإليك الآيات التي تمدح الصحابة:

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} سورة التوبة آية 100، الله رضي عنهم وهم رضوا عنه، ما معنى رضوا عنه: يعني رضوا أن الله الواحد الأحد الصمد، ما معنى الصمد، الصمد يعني كل الحاجات له وليس لشخص آخر أو إمام آخر.. {لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} سورة الفتح آية 18. {ورِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} سورة التوبة آية 72. {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}. {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ...}، يعني السلام على الأنبياء حقيقة([190]).

أنا لا أستطيع أن أضيف أكثر من هذا في الوقت الحاضر، يمكن أن تكون لي مداخلة أخرى، ولكن في نهاية الحديث أريد أن أقول شيئاً واحداً: بالله عليكم أيها الناس، أيها العلماء؛ ألا يكفي الطائفية والمذهبية؟ ألا ترون ماذا حدث ويحدث بالعراق؟ أربع ملايين مهجّر خارج العراق ومليونين داخل العراق، قتل في الشوارع على الهويّة باسم الطائفيّة، جميع الأحزاب لا يمكن أن تصعد إلى دفة الحكم إلا بالطائفية، لا يجوز شرعاً أن نستخدم الطائفية والمذهبية في سبيل قتل بعضنا البعض الآخر.

يا أهلي من الشيعة، يا أهلي من السنة، أننا والله لا نعرف الفرق بين السنة أو الشيعة([191]), إنكم بخير، لا تستمعوا إلى هذه الأقاويل، إنها قصص مفبركة، هؤلاء علماء باحثون يعرفون ماذا يحدث، وأنا الشخص البسيط أمامكم بمستواي الأكاديمي البسيط اكتشفت أنها والله العظيم فبركة غير اعتيادية([192])، يريدون أن يسقطوا رموز الإسلام، أنا أتحداهم أن يذكروا خالد بن الوليد بخير، أو أن يذكروا صلاح الدين الأيوبي بخير أيضاً([193]).

كنت أتحاور مع شخص عراقي شيعي حول قضية فلسطين، فقلت له: نحتاج إلى رجل كصلاح الدين الأيوبي؛ ليحررها من نير الاحتلال، فتململ  واضطجر من قولي! قلت له: ما هو رأيك؟ قال: هذا مجرم! فصعقت ـ وبمناسبة الكلام: أن صلاح الدين الأيوبي غير عربي، إنه كردي مسلم من تكريت من العراق ـ.

 قلت له: لماذا؟ قال: إنه أكثر القتل في وقته، وعندما بحثت في التاريخ عرفت السبب، وهو أنه قضى على الدولة الفاطميّة الإسماعيلية في مصر، فلهذا هم يكرهونه.

الدولة الفاطميّة لا نقول كلها سيئة، ولكن الذين ترعرعوا في ذلك الوقت هم الذين دسّوا هذه السّموم، وكذلك عندما حكمت الدولة الصّفويّة في إيران هنالك من بثّ هذه القصص أيضاً([194]).

الآن إذا حكمت دولة شيعية في العراق فهذا شيء جيد, وإذا حررتنا المقاومة العراقيّة من الاحتلال الامريكي، هل تقولون أن المقاومة مجرمة مثل صلاح الدين؟ وهل من المعقول أن أمريكا لها مصالح لتثبيت الإسلام من خلال الشيعة بالعراق، إذا كانت هذه نظرتكم واعتقادكم فهذا غير مقبول على الإطلاق، ولا يمكن أن تنطلي على أحد، والسلام عليكم([195]).

الكلام للهاشمي

الهاشمي: وعليك السلام، تفضل يا أستاذ سيد حسن الحسيني، من جمعيّة الآل والأصحاب في البحرين، من ذرّيّة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها).

 لدي ملاحظة واحدة أطرحها ثم نواصل الحديث بعدها:

الهاشمي يبرر لهذه المناظرات

الهاشمي: بعث لي أحد الإخوان برسالة قال فيها: كيف تجرؤون على نصب هذه المحاكمة لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب؟ فهل يوجد في الدنيا شخص لديه مكانة تؤهله ليحاكم هذين الرجلين([196])؟

يا أخي الكريم، ماذا نفعل وهذه مجالس العزاء تقام كلّ سنة ومضمونها هو سبّ واتّهام هذين الرجلين العظيمين في تاريخ الإنسانية، ماذا نفعل والفضائيات الشيعية غرضها الرئيس هو القدح في شخصيّة هذين الرجلين، ماذا نفعل وبعض الناس يسترزقون من شتم صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الغار، فكيف يطمئنّ مسلم وهو يتكلّم في عرض صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهو أحد القلّة القلائل الذين نزل فيه القرآن([197])؟ كيف يأتيه النوم وهو يتكلم لملايين الناس ويقول لهم هذا الرّجل (حاشاه) مجرم؟ كيف يطمئن إنسان للحديث أو كيف يسترزق ويعيش من الإساءة إلى عمر بن الخطاب؟ أو كيف تصدر هذه الإساءة من عراقي وعمر بن الخطاب هو الذي نقل أنوار الإسلام إلى العراق وحرر العراقيين من الديكتاتورية التي كانت تتحكّم فيهم، وهو نفسه الذي فتح للإيرانيّين أبواباً جديدة لاكتشاف عالم جديد عالم التوحيد عالم عبادة الله الواحد الأحد، عالم الكرامة الكاملة الأساسية لابن آدم، حيث لا يخضع الإنسان للمخلوقات ولكن يحني رأسه لله تعالى فقط ثم يرفع رأسه أمام العالم، كيف يستطيع إيراني أن ينام الليل وهو يهاجم ويطعن في الزعيم الكبير الذي استطاع أن يكسب قلوب الإيرانيين في عهده؟ كيف يستطيع إيراني أو عراقي أن ينام الليل مطمئناً وهو يطعن في شخصيّة أقنعت المصريّين وهم شعب من أعرق الشعوب في تاريخ الحضارة كلّها، أقنعها في عشر سنوات بالإسلام، فحبّب إليهم لغة القرآن الكريم([198])؟

فأنا أرى من الأفضل أن نتيح الفرصة حتى تستمعوا لهذا الكلام لكي تعرفونه ومن ثم تسمعون الرّد عليه.

قال لي بعض المشاهدين: لقد جاءنا أتباع هؤلاء الذين يطعنون في عمر وأبي بكر الصديق (رضي الله عنهما) إلى بلادنا في المغرب العربي وقالوا: نحن أنصار الصّحابة، وندعو للوحدة الإسلاميّة, ونريد أن نستقطبكم؛ لأننا نجاهد ضدّ إسرائيل وأمريكا, وقد أعجبنا هذا الكلام، لكن لم نكن نعرف أنّ أصل الفهم الدّيني عندهم مبني على إدانة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.

 وأضاف: لو كنت أعرف من البداية أن أصل المذهب العقائدي لهم يقوم على إدانة الفاروق والصديق لأدركت أن المسألة فيها تدخل قومي وعنصري([199]).

 فلذلك يا إخوتي، من الأفضل أن نعرف الحقيقة ونتحمّلها ونسمع الرّأي والرّأي الآخر، كما نسأل الله تعالى أن يسدّد خطانا بحيث نصل إلى ما فيه النفع والخير للباحثين عن الحقيقة، للباحثين عن المعرفة الصّحيحة، لنشر ثقافة الحرّية والتعدّديّة والقبول بحق الاختلاف لنساهم في مواجهة خطاب البغض وخطاب الكراهيّة.

اسألوا أنفسكم بعد هذا البرنامج: كم شيعي في السّنة المقبلة عندما يأتي إلى مجلس عزاء الزّهراء يتردّد ويقول: هل من الحكمة أن أحضر هذه المجالس وأبكي على جريمة لم يقل بها علي بن أبي طالب أصلاً، ولم يتحدّث عنها قط؟

لقد عرض السيد القزويني فقرة من كلام الإمام علي في نهج البلاغة خاصة بالموضوع، وهي قوله: “وستنبؤك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فأحفها السّؤال واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد..”

فأنا أطلب من الأخ القزويني أن يعرضها على رئيس البرلمان هناك في طهران أو على أي مرجع من مراجع الشيعة، هل يمكن لهم أن يستنتجوا من هذا أن أبا بكر وعمر جاءا إلى السّيدة فاطمة وكسرا ضلعها وحرقا بيتها وأسقطا جنينها([200])؟

بالله عليكم؛ أي قاضي في قم أو في طهران أو شيراز أو تبريز أو البلاد العربيّة، هل هناك قاضي يكمل هذه العبارة ويقول: هذا دليل على أن فلان أو فلان قتل؟

هذا لا يمكن أن ينطلي على مجنون دعك من أن ينطلي على عاقل أصلاً، لا يمكن لقاضي أن يقول هذا دليل على أن فلاناً كسر ضلعها وأحرق بيتها وأسقط جنينها([201]).

وآخر شيء أريد قوله هو: إن نقاشنا هذا ربما يجعل كثير من الإخوان المدعوّين للمشاركة في مجالس العزاء عندما يرون هذه الحلقات يتساءلون: هل يجوز إقامة العزاء على الزهراء والقول بكسر ضلعها وأسقاط جنينها مع أن زوجها لم يقل بهذا، وهي لم تحدِّث به أبداً, والثمرة هي التهجّم على رمزين من أعظم رموز المسلمين، وأعظم رموز الأمة العربيّة في التاريخ.      

لنستمع الآن إلى تعليق الأخ الحسيني: أهلا بك.

تعليق الحسيني على كلامنا المتقدم

الحسيني: قبل أن أبدأ بالتعليق لدي اقتراح هو: إذا كان علماء الشيعة كآية الله القزويني والجناحي وغيرهم لم يستطيعوا أن يأتوا برواية واحدة صحيحة تؤيد ما زعموا([202])، أن تعاد هذه الحلقات في موسم عزاء الزهراء من كل سنة حتى تمتنع قنواتهم الفضائية من بث هذه الأكاذيب([203]).

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق أجمعين سيدنا وحبيبنا محمد (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم).

 إخواني في كلّ مكان، في تونس والمغرب وليبيا والجزائر ومصر والسودان والسعودية والشام وأهواز وإيران والعراق وفي كلّ مكان؛ أحيّيكم بتحيّة الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إنا نحن أهل السنة والجماعة نحبّ الصّحابة ونحبّ أهل البيت، ولا نحمل في قلوبنا حقداً على أحد منهم.

ونتمثل قول الله تعالى بعد ما ذكر الله المهاجرين والأنصار في سورة الحشر حيث قال: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}.

يا آية الله القزويني، أين أنت من هذه الآية؟ هل أنت تستغفر للذين سبقوك بالإيمان ([204])؟ هل أنت تستغفر للخلفاء الراشدين الأربعة؟ هل تقرأ وتفهم هذه الآية؟ هل في قلبك غلّ لأبي بكر وعمر بعد ما ذكرت وطعنت فيهما؟ أنت تخالف كلام الله عز وجل، ألست تؤمن بالثقلين هذا هو الثقل الأكبر أنت لا تلتزم به([205]).

أحاول، يا آية الله القزويني، أن أتلطّف بالعبارة؛ لأن كلماتي ونقدي لك قد جرح مشاعرك لكني سأحرص على اقتناء ألفاظي، والعجيب في الأمر أنه يسمعنا كلاماً مريراً وقبيحاً، فهو يطعن في أبي بكر وعمر، ثم يطلب منا أن تكون ألفاظنا غير قاسية، فسوف لن تكون ألفاظنا قاسية إن شاء الله، لكن لا بدّ أن تعلم أنّك قد جرحت مشاعر أهل السنة والجماعة كلهم([206])، وما هذه الرسائل التي تأتينا إلا دلالة على ذلك، بل حتى بعض الشيعة قد تبرّؤوا من كلامك الذي ذكرته في الحلقات السابقة([207]).

دعوى براءة جعفر بن محمد من الذين يتبرأون من أبي بكر وعمر

أقول: جاء في بحار الأنوارـ وهو من كتب ومصادر الشيعة المعتمدة([208]). ـ عن المجلسي أنه قال: كان أبو حنيفة النعمان في الكوفة فرأى أهل الكوفة في القرن الثاني الهجري يشتمون الصّحابة، فرحل من الكوفة إلى المدينة, ليلتقي بحفيد أبي بكر الصديق وحفيد علي بن أبي طالب جعفر الصادق، ذلك الإمام العظيم، فلما دخل عليه قال: يا إمام، أمسك أصحابك في الكوفة، فإني تركت أكثر من عشرة آلاف وهم يشتمون الصحابة. لقد اشتكى أبو حنيفة، إمام أهل السنة إلى الإمام جعفر لعلمه بأنه يحب الصّحابة، فأجابه جعفر الصّادق بكلمة واحدة، قال: هم لا يقبلون منّي، هم لا يقبلون مني([209]).

 الهاشمي: هذا دليلك لم اسمعه من قبل لكنني دائماً أبحث عن دليل مثله, لأنني لست متأكّداً تماماً أنّ كلّ هذه الروايات هي صناعة فارسيّة، فلقد كان الإيرانيون قبل الدولة الصفوية من محبّي صحابة النبيّ (عليه الصلاة والسلام) ولكن الدولة الصفوية ارتكبت معهم عنفاً شديداً لم يعمله حتّى هتلر في ألمانيا لتغيير دينهم ومذهبهم بالقوة([210]). ولكن البيئة الأصلية لهذه الأفكار هو العراق، إن مراسلات وشكاوى عثمان بن عفان وولاته كلها كانت من العراق.

 وكذلك كانت شكاوى الإمام علي بن أبي طالب منهم أيضاً مع حبي الشديد لهم([211]) حيث قال لهم: “ملأتم قلبي قيحاً([212]) أي: قتلتموني من الهم.

لقد كان الفرس من محبّي صحابة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ومن المحتمل جداً أن الجدّ الأكبر للقزويني كان من أكثر محبّي أبو بكر الصّديق وعمر بن الخطاب، لكن قبل أكثر من (350) سنة استخدمت الدولة الصفوية أشدّ ألوان القهر والبطش في حقّ الناس حتّى غيّروا مذهبهم([213]).

الحسيني: نرجع إلى موضوع سبّ الصّحابة، هذا هو مذهب الإمام جعفر الصّادق، لم ننقل هذا الكلام من كتب أهل السنّة بل نقلته من كتب الشيعة، إنّ من يزعمون حبّه لا يسمعون كلامه، يزعمون حبّه ثمّ يشتمون جدّه أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)([214]).

أليس نسل جعفر الصادق طيّباً, كيف اقتضت حكمة الله تعالى أنْ يختلط نسبه بأبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، القضيّة تحتاج إلى قليل من التأمل([215]).

رواية: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا

يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيما أخرجه المجلسي في بحاره: “إذا ذكر أصحابي فأمسكوا([216]).

وقبل تضعيف هذه الرّوايات التي أتيت بها، لدي تعليق على ما سبق: وهو أنّي لازلت مصرّا على أنّك دلّست، وليس من النقص أنّ المرجع يخطئ، أو أنّ آية الله كذلك يُخطئ، فهو بشر وليس بمعصوم، والأئمّة فقط هم المعصومون في اعتقاد الشيعة, ولكن المراجع قد يخطئون وقد يصيبون، فلماذا هذه القدسيّة لآية الله القزويني، لقد كان كلّ كلامنا في نقطة محدّدة وهي أنْ اذكروا لنا رواية واحدة صحيحة مسندة، فأخذ القزويني يعدّد هذه الروايات حتّى أتى إلى كتاب الملل والنحل، ويظهر من هذا أن فيه رواية صحيحة ومسندة، ولكن الواقع أنّ الشهرستاني أتى بها ليرد على النظام الذي نقل هذه القصّة، وهو لا يمثل أهل السنة أصلاً, فقد رمي بالزندقة وقد اتّهمه ابن حجر بذلك، فلماذا تخفي هذه الأقوال, فالذي أتيتُ به أنا يعتبر عند الأكاديميين موضع الشاهد، وفرق بين التدليس وبين موضع الشاهد، أمّا أنت فما أتيت به فهو التدليس والكذب، عفا الله عنك, هذا ما يتعلّق بموضوع كتاب الملل والنحل([217]).

هناك قضيّة أخرى أحببت أن أنوه لها قبل أن آتي إلى الردود، وهي أنك ذكرت قناة سلام الفارسيّة. فقد سمعت من أحد المتابعين لها ممن يعرف اللغة الفارسية أنهم قد جعلوا فيها برنامجاً خاصّاً لسبّ الصحابة، وبرنامجاً آخراً يذكرون فيه فضائل أبي لؤلؤة المجوسي، والضيف الدّائم في هذه القناة هو القزويني.. وهذه مجرد معلومات.

الهاشمي: بما أنّ السيد القزويني ذكر قناة (SALAAM TV) سابقاً وقد تحدّث عنها حديثاً جيّداً، فإذا كان لديه أي تحفظ أو دفاع فأرجو منه أن يبعث لي معلومات إضافية حتّى استفيد منها عن هذه القناة، وأوضّح المزيد عنها إذا اقتضى الأمر. أو إذا أراد القائمين على هذه القناة أن يتّصلوا بنا زيادة للتوضيح وزيادة على ما قلته أنت عنهم فرقم الإيميل والفاكس موجود على الشريط الإخباري الأخضر وحقّ الردّ مكفول.

الحسيني يرد الروايات الصحيحة لأنها لا تنسجم مع متبنياته

الحسيني: إنّ القزويني بنقله لهذه الروايات قد شتم الصّحابة وطعن في أبي بكر وعمر بكلّ أنواع الطعن ثمّ يقول نحن نريد الوحدة الإسلاميّة([218])! فما في هذه الروايات؟ فيها الزندقة فيها الكفر، فيها التضليل فيها الظلم، فيها أنّ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أحرق دار فاطمة وأحرق بابها ثمّ رفسها وطعنها وأسقط جنينها وكسر ضلعها، وفي تكملة الرّواية أنهم جرّوا علي بن أبي طالب وقيّدوه بحرائر سيفه لإجباره على البيعة، كلّ هذا فعله أبو بكر وعمر، ثمّ يقول: لماذا هذه القسوة في الألفاظ؟ فإذا كنت مصدّقاً بها يلزمك بعدها عدة أشياء، فما هي في نظرك النتائج المترتبة على هذه القصّة؟ وأول هذه الأمور هو أن أبا بكر وعمر أعداء آل البيت، فلا يفعل ذلك إلا عدوّ لهم، ومعنى عدوّ آل البيت أنهما كافرين، هل هما بنظرك كافرين أو مسلمين؟ أجبنا على هذا السؤال، فإن كانوا كافرين كيف بايعهما الإمام علي، حتى لو فرضنا أنه كان مكرهاً؟ كيف يجوز لمكره أن يبايع كافر ولو كان الهدف هو وحدة المسلمين؟ أي وحدة مع الكفار يسعى إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب([219])؟

كلام الهاشمي حول ما نشر في موقع مركز الأبحاث العقائدية

الهاشمي: سبق أن عرضنا في المناقشة لتوضيح الرّؤى المختلفة ما هو منشور في موقع مركز الأبحاث العقائديّة التابع لسماحة آية الله العظمى السيد على السيستاني، من كتاب آية الله العقيلي، الذي يتحدّث عن ما عانته الزهراء (رضي الله عنها) بعد رحيل أبيها (صلوات الله عليهما) يقول: “إن من القوم الظالمين من سلب حق الولي وهجم على الدار وأضرم النار وكسر الضلع ...، وأضاف: فهذه أدلة ترفع السّتار عن بصيرة من يريد أن يتبصّر بنور الله تعالى المتمثل بنور آل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين) ويحكم بكفر أولئك الظالمين (لعنة الله عليهم أجمعين وعلى أتباعهم والراضين بفعلهم”.

كيف انتم الآن تدافعون عنهم؟ الذل والهوان إلى قيام يوم الدّين! وهذا موجود في موقع مركز الأبحاث العقائديّة التابع لأعلى مرجع شيعي معاصر([220]).

عودة الكلام للحسيني

الحسيني: القزويني يجب أن يبيّن رأيه في هذا الكلام هل يوافقه أم يخالفه؟

نريد جواباً واضحاً، إن كنت صريحاً أجبنا على هذا الكلام، فإن كنت تخالفه يجب عليك أن تردّ عليهم، هؤلاء يطعنون في رموز المسلمين وليس رموز أهل السنة فقط. كان سؤالنا عن رواية واحدة صحيحة مسندة، أنت تدّعي أنك تتبع كلام المعصوم فأين هو كلامه في هذه المسألة؟ أم أنك تتبع كتب أهل السنة، ألم تكن كتبهم عندك باطلة فلماذا تعوّل عليها([221])، لا يوجد عالم من أهل السنة يقول بهذه الرواية أو يصحّح هذه الروايات([222])، أنت مطالب الآن بأن تأتي برواية من كلام المعصوم في هذه المسألة.

أنت تقرّ بهذه المسألة وتؤمن بها ولعلّك تحضر مجالس العزاء، ما هي الرواية التي تدين الله تعالى بها حتى لو كانت شيعيّة، نحن نريد أن نناقشها هنا، وبإذن الله تعالى نبطلها لك.

لدي سؤال مهم جداً: لماذا كفّرتم السيد محمد حسين فضل الله، تعلم لماذا كفرتموه؛ لأنه شكّك في هذه الرّواية.

الهاشمي: ليس أكيداً أنهم كفروه ربّما أنقصوا شرعيّته.

الحسيني: لقد دشنوا موقعاً على الإنترنت سمّوه ZALAAL. NET وفيه فتاوى تكفيره، كما ألّفوا كتاباً باسم: الحوزة العلميّة تدين الانحراف، مما يعني أنه منحرف!

الهاشمي: الانحراف غير التكفير، أنت قلت أنهم كفروه!

الحسيني: عندهم فتاوى في موقع (ZALAAL. NET) بغضّ النظر عن تكفير تضليل انحراف، نتراجع عن قضيّة التكفير.

السؤال: لماذا؟ لقد شكّك في الرواية فقط، فهو ليس رجل عادي, إنه مرجع شيعي وله أتباع كثيرون، وهو من العلماء الذين لهم حق الاجتهاد، فقد اجتهد في هذه المسألة وقال استناداً إلى النظر والتحليل التاريخي: أنا أشكّك في هذه الرواية، فلا بد أن توضّح لنا ما هو رأيك في فضل الله، ثم لماذا الحوزة العلميّة قالت بانحرافه وضلاله([223]).

إنك قلت: نحن لا نشتم ولا نسب، ولكنكم الآن تدفعون الشيعة إلى سبّ الصّحابة ولعنهم، فها أنت تصحّح الروايات وتدفعها للشيعة، بالله عليك عندما يسمع الشيعي وهو في المأتم أو في الحسينيّة أنّ عمر فعل كذا وعمر فعل كذا وأنه طعن الزهراء وأسقط جنينها ولطم خدّها وفعل وفعل وفعل؛ فهل أنّ الشيعي الذي يسمع هذا الكلام سيبقى يحبّ الصّحابة، يحبّ أبو بكر وعمر ويقول: اللهم اغفر لهما، أم يلعنهما ويتقرّب إلى الله تعالى بسبّهما([224])؟

أنت الآن تؤصّل للموضوع، إذ لو ثبتت هذه الجريمة فسوف تتحمّل أكبر إثم، أنت تؤصّل القضيّة وتقول هذه قضيّة صحيحة وأنا لا أشتم لكن أنتم اشتموا([225])!

مداخلتنا حول الموضوع

الهاشمي: هل السيد القزويني على الخط.

السيد القزويني: نعم أنا على الخط.

الهاشمي: عندي سؤال فرعي هل قناة (السلام الفضائية) (SALAAM TV) التي ذكرتها، لها برنامج يشتم الصّحابة أسبوعيّاً؟

السيد القزويني: بالنسبة لقناة السلام الفضائية، والتي ادعى الأخ الحسيني بأني ضيفها الدائم، فأقول: إنني لست الضيف الدائم لهذه القناة الدينية، فهي تستضيفني كما تستضيف الكثير من الشخصيات الدينية والعلمية والفكرية وأساتذة الجامعات سواء في إيران أو خارجها، هذا أولاً. وثانياً: لقد ادعى الأخ الحسني بأن قناة السلام تسب الصحابة وتمدح أبي لؤلؤة! فأقول: إني لست مسؤولاً عن كل ما تطرحه هذه القناة، فهي ليست قناتي الخاصة، كما أن جميع الكلام الذي أقوله فيها موجود بصوتي ويمكنكم الاطلاع عليه، وكل ما ذكرته في حينها نقلاً عن العلامة المجلسي هو أن أبا لؤلؤة قاتل الخليفة عمر قد دفن في مقبرة البقيع، وأما القبر الموجود بكاشان فهو ليس قبره، ولهذا فإن ما قاله الأخ الحسيني هو افتراء.

الهاشمي يتأكد من أن معلومات الحسيني معلومات باطلة

الهاشمي: لقد قال الأخ الحسيني أن القناة تبث برنامجا في سبّ الصّحابة هل هذه المعلومة باطلة.

السيد القزويني: وأما الادعاء بأن قناة السلام تسب الصحابة! فللعلم أن منهج القناة ـ كما صرح لي بذلك مؤسسها ـ هو أنها لا تسمح أبداً بالإساءة إلى أهل السنة وأعلامهم ومقدساتهم بل تعد ذلك خطأ كبيراً.

الهاشمي: إذن الكلام الذي قاله السيد الحسيني حول قناة (SALAAM TV) غير صحيح.

السيد القزويني: نعم غير صحيح.

الهاشمي: لقد أوضحت الرّد ودافعت عن القناة وهذا تحقق بحمد الله.

طلب غير منطقي

أبو شوارب: إلى آية الله القزويني، أنا أطلب منك طلباً, بوصفك أحد علماء الحوزة المعتبرين، لماذا لا يجتمع مراجع الشيعة الكبار لإعادة صياغة الخطاب الدّيني عند الشيعة بنفي هذه التهمة عن الخلفاء الراشدين، هذا هو كلّ هدفنا([226]).

الهاشمي يرد بدلا عنا

الهاشمي: إنّ طلبك هذا غير منطقي، فإنّ السيد القزويني تكلّم نصف ساعة مؤكّداً التهمة على أبي بكر وعمر، فكيف تطلب منه ومن غيره من العلماء أن ينفيها، ينبغي أن تعترف بأنّه مخالف لك في الرّأي فلا تقدّم طلباً كهذا.

نحن نعترف بأن لدينا تعدّديّة آراء، ونرى كيف نعالجها، أما طلبك هذا فمن شأنه أن يعطي انطباعاً للمشاهد أنك وإيّاه على وفاق بينما أنتما على طرفي نقيض.

الهاشمي يطلب منا التراجع عن اتهام أبي بكر وعمر

الهاشمي: هل هناك فرصة، يا سيد القزويني ـ في ضوء هذه الرّدود التي قدّمها الدّكتور أبو شوارب والسيد حسن الحسيني والمهندس صباح الخزاعي ـ أن حضرتك شخصيّاً وعلماء الحوزة تتراجعون عن اتهام أبي بكر وعمر بارتكاب هذه الجريمة؟ ففي بريطانيا مثلاً لا يحكم القاضي بإدانة شخص إلا أن يكون الحكم مبني على أدلة قاطعة لا يرقى إليها الشك، أما إذا كان هناك شك فعلى هيئة المحكمة أن تصدر حكماً بالبراءة، فباعتبار التشكيكات التي قدّمها الإخوان وغياب نصّ من الإمام علي بن أبي طالب، هل أنت مطمئن الآن بعد كل هذه المناقشات أن ما دافعت عنه في هذه الحلقات السّابقة كلّها أنك على الموقف الصّحيح؟ أو أن هذا الشك يجعلك تتراجع عن اتهامك لعمر وأبي بكر (رضي الله عنهما) بارتكاب هذه الجريمة؟

عدم إهانتي للصحابة طيلة عشرين سنة

السيد القزويني: كل من يعرفني سواء في الجامعة أو في الحوزة، يعرف أنني، ومنذ ما يقارب العشرين عاماً، حيث أدرِّس هناك لم تبدر مني أي إساءة بحق أي من الصحابة، وأتحدى من يثبت خلاف ذلك.

الهاشمي: لكن يا سيّد، أنا أصدّقك شخصيّاً، فأنت عندي ثقة ومحلّ تقدير، أنا أسألك: بالنسبة للرّأي الذي عبّرت عنه أول أمس وأعدته اليوم من تصحيحك الروايات التي تدين أبا بكر وعمر (رضي الله عنهما) بالتورّط في جريمة العدوان على السّيدة فاطمة وكسر ضلعها وإسقاط جنينها، هل لديك أنت، كعالم وباحث علمي، هل تعتقد أن هناك من الشكوك ما يجعلك تتراجع عن تأكيدها؟

السيد القزويني: لو كنت قد استشرتني قبل بداية هذه المناظرة لكنت أشرت عليك بعدم طرحها وبهذه الطريقة، مثلها مثل كل البرامج التي قدمتها سابقاً، كالمناظرة التي كانت في شهر رمضان، لأني أعتقد أن طرح هذه الأمور وبهذه الطريقة ليس في صلاح المسلمين، لكن ما العمل إذا كنت قد فتحت هذا الباب، هل يجوز السكوت وترك الحقائق نهباً للاجتهادات والتصورات والنوازع الشخصية؟ أنتم تصوّرون للمشاهد أن الشيعة لم تأت برواية واحدة صحيحة بالرغم مما نضعه بين أيديكم من روايات أكثرها من كتب أهل السنة، والتي أقل ما تثبت هو سوء العلاقة بين الصديقة الطاهرة والخلفاء.

أما ما تكررونه من القول بأن ذكر هذه الروايات هو سب وشتم للصحابة وجرح لمشاعر أهل السنة؛ فإن الطبري والبلاذري وابن أبي شيبة وغيرهم من كبار علماء أهل السنة، ممن نقل هذه القضية، قد سبقونا إلى هذا الأمر، فيجب أن يتوجه لهم النقد لا لنا، فإن ناقل الكفر ليس بكافر، كما يقولون.

الهاشمي يعلل طرح هذه الموضوع

الهاشمي: يا سيد القزويني، إن السبب الذي دعاني لطرح مثل هكذا مواضيع حساسة هو أنني لما عدت إلى البيت جاءتني دعوة لحضور مجلس عزاء السيدة فاطمة، هنا في لندن، ولما فتحت القنوات الشيعية في المساء وجدت أن هذا الحديث يذاع فيها، فقلت: إما هم على حق ونحن جاهلون بالموضوع، أو ربّما الأمر فيه أبعاد أخرى، فلندعو العلماء لنتأكّد؛ لأن هذا الحدث هو حدث سنوي.

سؤالي لك الآن: هل ترى أنت شخصيّاً، دع رأي الحوزة، أنت السيد القزويني، بعد الكلام الذي ذكره الإخوان، هل هناك احتمال أنك تشكّ في هذه الرواية وتقول ربّما هي باطلة؟

السيد القزويني: نحن نطرح الأمور وفقاً لسياقات البحث العلمي المعتمد، وعندما نصحح رواية وفقاً للقواعد المتعارفة في هذا المجال فلا ينبغي لنا أن نشكك فيها بعد ذلك، وإلا فما الفائدة من تصحيحها.

الهاشمي: ولكن يا سيد القزويني، أنت الآن لم تجبني على سؤالي، بالنسبة إلى الرواية الصحيحة الواردة عن للإمام علي، فلا توجد فيها أيّ إشارة منه لكسر الضلع وإسقاط الجنين، ولقد قرأت النص الذي أنت قرأته في البرنامج قبل يومين، لا يمكن لي ولا لأي باحث منصف أن يستنتج منه أن هناك كسر ضلع وإسقاط جنين، فلم يقل إن ابني قتلوه أو زوجتي كسروا ضلعها، كما أن السيدة الزهراء في حديثها مع أبي بكر لم تتحدث عن هذا الأمر, ففي ضوء هذه المناقشات وبعد غياب النص من الإمام علي والسيدة الزهراء على هذه التفاصيل، هل تعتقد من وحي هذه الحلقات والمناقشات أن هناك من احتمال لك، أنت كعالم شيعي، أن تعيد النظر في هذه الروايات التي تدين الفاروق والصديق؟ أم أن الأمر ثابت ولكن يجب أن نتعامل بعد ذلك كيف نعرضه للناس.

روايات الفريقين دلت على وقوع هذه الحادثة

السيد القزويني: يا دكتور هاشمي، إن القضيّة ثابتة عند الشيعة والبعض من علماء السنة بحسب الروايات، نعم كل خبر بطبيعته يحتمل الصدق والكذب، كما أننا لا ندعي أننا نعلم الغيب، وأنه قد صدقت هذه الروايات حقيقة أو أنها غير صادقة في اللوح المحفوظ، لأننا ننظر إلى هذه الروايات وفقاً للمباني والأسس والقواعد المتداولة في علم الرجال عند إخواننا أهل السنة.

الهاشمي: ولكن أهل السنة قد حضروا في البرنامج وقالوا لك: إن رواية ابن أبي شيبة لا تتحدّث أبداً عن كسر الضلع وإسقاط الجنين، والطبري لم يتحدّث أبداً عن كسر الضلع وإسقاط الجنين، وكذلك البلاذري لم يتحدث أبداً عن كسر الضلع وإسقاط الجنين، أسوأ شيء في الأمر هو التهديد، كما أن في رواية ابن أبي شيبة مدح لفاطمة الزهراء ولوالدها الرسول (عليه الصلاة والسلام)([227]).

الهاشمي [مخاطباً الجمهور]: لقد استمعتم إلى السيد القزويني واستمعتم من قبله إلى آية الله الجناحي واستمعتم إلى الأخ حسن الحسيني واستمعتم إلى الدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب)، واستمعتم إلى النظريّة العقليّة الرياضيّة التي قدمها أمس واليوم الأخ المهندس صباح الخزاعي أستاذ الرياضيات في كليّة بريستون في المملكة المتحدة في بريطانيا العظمى، ما هو رأيكم أنتم؟

بعد ست حلقات، أخيراً، حان الوقت لنستمع إليكم، أنتم هيئة المحكمة.... بعد ما سمعتم كلام الإخوان هاهنا ما هو رأيكم في الموضوع؟ أبلغكم بكلّ سرور أنّ الضيوف الكرام الذي استمعتم إليهم بصبر لمدة ستة أيام ولساعات طويلة حان الوقت إلى أن يستمعوا إليكم، إن شاء الله سنبدأ حلقة غدٍ ونستقبل اتصالاتكم لنتعرَّف على آرائكم لأكثر من ساعة.

أمّا أرقام الهواتف فهي موجودة على الشريط الإخباري وسنسمع رأيكم فيما عرض من أفكار وأطروحات وبعد ذلك تبقى لنا حلقة ختامية يصدر فيها الحكم من مشاركي هذه الندوة في هذا الموضوع فحتى الملتقى في الندوة السابعة من هذه المناظرة.


الحلقة الثامنة والأخيرة

الكلام للهاشمي

الهاشمي: ضيوف الحلقة الختامية من المناظرة هم الدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب) رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية في جامعة الإسكندرية في جمهورية مصر العربية، وصباح الخزاعي مدرس الرياضيات والهندسة الكهربائية بكلية بريستون في بريطانيا، ومن الحوزة العلميّة في قم بجمهورية إيران الإسلامية يشارك في هذه الحلقة الدكتور السيد محمد القزويني الحائز على درجة الاجتهاد من مراجع التقليد في حوزة قم بإيران.

أمّا السيّد حسن الحسيني الذي شارك معنا في كلّ حلقات المناظرة السابقة فإنّه اعتذر اليوم عن المشاركة لظروف قاهرة، وذلك لارتباطه بأمر السفر، وقد حاول تأخير موعده لكن دون جدوى، وعلى كل حال، فقد أتيحت له الفرصة فيما سبق ليعطينا رأيه في هذا الأمر.

اليوم هو يوم النطق بالحكم([228])، كانت هذه محاكمة لاثنين من أشهر رموز تاريخ العرب وتاريخ المسلمين، رفعها علماء الشيعة، فقد رفعوا دعوة ضدّ هذين الرجلين وهما: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) واتهماهما بقتل بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم).

قدّم المشاركون الشيعة في البرنامج، باستثناء الأخ صباح الخزاعي، قدموا الأدلة التي لديهم التي قالوا إنها تكفي لإثبات التهمة على الرجلين. وعارض المشاركون السنة، وأيضاً الأخ صباح الخزاعي العربي والشيعي العراقي هذه الأدلة، واعتبروها غير صحيحة وغير مقنعة، وقدّموا أدلّة كثيرة على دحضها، وعلى إسقاط هذه الرواية واعتبارها كذبةً وتدليساً المقصود منه تفريق كلمة المسلمين وإبقاء الفرقة والبغضاء بينهم([229]).

اليوم هي الجلسة النهائية نستمع فيها إلى الآراء النهائية لكل الضيوف، وسوف أطرح على الجميع بعض الأسئلة الرئيسية من وحي المناقشات السابقة لتتضح الصورة، وليعرف كلّ مشاهد على أي أساس يبني حكمه النهائي في هذه القصة.

الهاشمي: الدكتور السيد القزويني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيد القزويني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا دكتور الهاشمي.

الهاشمي: أحييك وأحيي كل المشاهدين الكرام، وأرحب مرَّة أخرى بضيوفي هنا في الأستوديو.

أودّ يا سيد القزويني، ونحن في جلسة النطق بالحكم اليوم، أن أقول: الحمد لله الذي أكرمنا أنا وأنت والدكتور (أبو شوارب) والأخ صباح الخزاعي إننا نحن لسنا المتهمين، فالتهمة خطيرة وبشعة ومخيفة وثقيلة على أي إنسان، لكننا في مجلس حواري علمي ولعله يكون مجلساً تاريخياً.

قبل أن تعطينا الجواب النهائي بأدلتك، أريد أن اقرأ عليك هذه الرسالة التي جاءتني عبر الفاكس من ضمن مئات الرسائل التي وصلت إلى البرنامج، أقرأها عليك وعلى السادة المشاهدين، يقول صاحب الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله آل الله واللعن الدائم على أعدائهم أعداء الله إلى يوم لقاء الله، إلى الأستاذ الهاشمي وضيوفه (أبو شوارب) والحسيني والخزاعي.

أعتقد أن هذه الندوة هي عبارة عن اجتماع السقيفة الثانية، فبعد أن ذكرنا لكم في رسالة سابقة (أرسلتها عبر الفاكس أيضاً) بعض النصوص من المصادر السنية المعتبرة عند أهل السنة والجماعة، وكما ذكرها السيد محمد القزويني أيضاً، فإن كانت هذه الروايات سقيمة، كما تدعون، فليست المسؤولية علينا وإنما المسؤولية تقع على من ألف تلك المصادر.

ولولا ثبوتها عند علماء أهل السنة القدامى لما ذكروها في صحاحهم، والملاحظة، من خلال الندوات التي قدمتموها، أنه يعجبكم المس بكرامة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء(علیها السلام)، وهذا شأن من يشتري مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فإنكم تقولون بلسان الشيطان وتكتبون بأقلام العداء ومحابر النفاق تلبية لمن اشترى منكم دينكم وضمائركم.

ولقد فصّلت القول فيكم سيدة النساء(علیها السلام) بقولها وقبل أكثر من (14) قرناً: “يا معشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على فعل القبيح الخاسر، ما هذه الغميزة في حقي والسنة أو الشنة عن ظلامتي”.

أما ما ذكره ضيفكم الذي ينسب نفسه إلى مذهب الشيعة، والآخر الذي اتصل بكم واسمه عباس الجنابي، فإنهما نطقا بلسان الشيطان، كما كانا يفعلان مع أسيادهما المقبورين عدي وزمرته، وجوابنا لكم أن ما توصلتم إليه باطل ولا يرضى به ضمير حتى من هو على غير ملة الإسلام، ولكن، يقول الأخ صاحب الرسالة: إن موعدكم الصبح أليس الصبح بقريب؟ فسوف يخرج النور الساطع، كما بشر به ابن الزهراء الباقر(علیه السلام)، مهدي فاطمة(علیها السلام)، حيث يدخل(علیه السلام) المسجد ثم يخرج الأزرق والزريق أبا بكر وعمر رضّين طريين ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه ليحرقا به علي وفاطمة والحسن والحسين وزينب(علیهم السلام)، وذلك الحطب عندنا نتوارثه. المصدر: (دلائل الإمامة ص 455).

اتقوا الله، ودعوا الأجيال تفهم الحقيقة وتقرأ التاريخ الصحيح كما جاء في الدعاء الشريف: “اللهم العنهما وابنتيهما والمائلين إليهم” هذا هو الحكم والأمر الإلهي([230]).

العودة إلى الحوار معنا

الهاشمي: سيد القزويني، نحن في جلسة النطق بالحكم؛ لأن الأدلة التي عرضتها أكثر من مرة تعطي المبرر لتوجيه التهمة إليهما من طرفك، كما تتأكد هذه التهمة في ضوء هذه الرسالة التي أرسلها أحد الأخوة الذي أكد الحادثة.

أريد أنْ أسألك بشكل مباشر السؤال الآتي: لقد جاء الدكتور أبو شوارب والسيد الحسيني والأخ الخزاعي بأدلة منطقية وتاريخية وكلها تؤكد أن التهمة باطلة، وأن الروايات التي استشهدت بها من مصادر أهل السنة لا تشير أبداً إلى كسر الضلع وإسقاط الجنين([231]).

كما أنّ الإمام علي لم يتحدّث عن هذا الموضوع مطلقاً في نصوصه، والرواية التي أتيت بها لا يمكن الاستدلال بها لإثبات تهمة القتل؛ لأنه ليس فيها حديث أبداً عن كسر الضلع ولا إسقاط الجنين ولا الهجوم نفسه.

ذكر كلام زيد بن علي بن الحسين حول الخلفاء

وقالوا لك في ثنايا الكلام في الأيام الماضية: إنّ حفيد السيدة فاطمة الزهراء الإمام زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن فاطمة الزهراء بن علي بن أبي طالب تبرأ من شيعته الذين كانوا يتهجمون على أبي بكر وعمر وقال: من تبرأ من الشيخين فقد تبرأ من الإمام علي([232]).

وقالوا لك: إن الأدلة والكتب التي تستدل بها فيها تناقضات وأكاذيب كثيرة؛ مما يسقط قيمتها كمرجع موثوق يمكن الاعتماد عليه([233]).

الطلب منا أن نسحب التهمة عن الشيخين

وطلبوا منك، بناءً على كلّ هذه الأدلة، أن تسحب التهمة التي وجهها علماء الشيعة عن الشيخين، وأن تعلن اليوم أمام ملايين المسلمين أن هذه التهمة باطلة زائفة، وبعد ذلك يتم الحديث فيما يترتب على ذلك الاعتراف، فهل أنت جاهز ومستعد، في ضوء هذا الحوار، لسحب التهمة عنهما، والاعتراف بأنه لا توجد أدلة قاطعة حاسمة تثبت التهمة في حق الشيخين؟ تفضل بالجواب (رضي الله عنك).

جوابنا على ما سبق من إشكالات

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، وبعد.

الأخوة الأعزاء الحضور والمشاهدين الكرام السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

أودّ وقبل الإجابة على سؤال الدكتور الهاشمي، الإشارة إلى بعض النقاط الضرورية:

أوّلاً: ما ذكرته في الحلقة الأولى من الاعتذار عن بعض الأخطاء الناشئة من عدم إجادتي التامة للتحدّث باللغة العربية، لكونها ليست لغتي الأمّ لا يعني أنّي لا أفهم اللغة العربية، بل إنّ ما قصدته هو عدم القدرة الكاملة على التكلم بطلاقة، وفرق بين القدرة على فهم الكلام والقدرة على التكلم بطلاقة، وإلا فأنا، والحمد لله، قد ألفت لحد الآن أكثر من عشرين كتاباً باللغة العربية، وبعضها حاز على درجة الامتياز في إيران؛ وبإمكان من أراد الاطلاع عليها مراجعة موقعنا في شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) ولذلك فليس هناك مبرراً للتعريض الذي وجهه لي الأخ الحسيني بهذا الخصوص.

ثانياً: أنّي لم أكن من المتحمّسين للمشاركة في مثل هكذا حوارات، ولكن ونزولاً عند رغبة أحد العلماء، وهو آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي (حفظه الله تعالى) وهو من مراجع الدين الشيعة في إيران، وله مُقلّدون كثيرون، كما أنّ مؤلّفاته تقارب المائة وأربعون مؤلّفاً، حيث طلب منّي أن أشارك في هذه المناظرة، وقد ذكر لي: أنّني لم أتعرض في أي من مؤلفاتي إلى معتقدات أهل السنّة بالإساءة مطلقاً. وفي نفس الوقت طلب مني أن أنقل للمشاهدين الأعزاء هذا الكلام وهو: أنّ مسألة الاعتقاد بظلامة الصديقة الزهراء(علیها السلام) هي مسألة ثابتة بطرق صحيحة في كتبنا التي نعتمد عليها، وهي ليست قضية مستحدثة، بل إنّها ثابتة منذ القدم، سواء عند مراجع الشيعة أو عامتهم، وكلّ ما يقوم به شيعة أهل البيت، من إحياء ذكرى السيدة الصديقة، وذلك بإظهار الحزن والتوشح بالسواد وإقامة مجالس العزاء، فلهم أدلتهم الشرعية والعقلية على مشروعية ذلك. هذا هو كلام هذا المرجع الشيعي.

وأودّ هنا التأكيد مرةً أخرى: أنّ غالبية مجالس العزاء التي يقيمها الشيعة، وخاصّة تلك التي تقام من قبل العلماء والمراجع والذين هم قدوة لنا، لا يسمح فيها للخطيب أنْ يسيء إلى أي شخصية إسلامية لها مقام واحترام عند شريحة كبيرة من المسلمين مهما كانت المبررات، حتّى أنّه ومراعاة للمصلحة الإسلاميّة العليا يتمّ غض النظر في الغالب عن الحقائق الثابتة في هذا الموضوع، هذا هو المنهج العام.

أمّا من شذّ عن ذلك فلا يقاس عليه مثلما أننا لا نحكم على إخواننا أهل السنة من خلال مواقف المتطرفين والتكفيرين، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّه، وللأسف، وعلى الرغم من كلّ ما عرضته من روايات أكثرها من كتب أهل السنّة، ومنها ما هو مصحّح وفقاً لمباني علم الرجال عندهم، إلا أنّ الأخوة يصرّون على أنّني لم آت لحد الآن برواية واحدة صحيحة، حتّى أنك قلت: إنّ من لا يأتي برواية صحيحة فسوف نضربه بالقدح على رأسه! كما أنّكم لا تزالون تكرّرون القول: إنّني أُسيء للصحابة ولأهل السنّة.

الهاشمي: ولكن، يا سيد القزويني، إنّ الأمر حسّاس ومهم، إنّ الذي أقصده أنّك لم تأت على مدى الأيام التي شاركت فيها برواية واحدة لعالم سنّي يقول فيها: إنّ عمر بن الخطاب كسر ضلع الزهراء وأسقط جنينها، فلم نسمع هذا منك أبداً، إنّك تحدثت عن رواية لابن أبي شيبة وفيها أنّه هدّدها إذا لم يبايع من كان في بيتها فقط، ويقول لها: أنت أحبّ الناس إلينا مثل أبيك، لكن لم أسمع منك ذلك أبداً ولربّما فاتني.

السيّد القزويني: لقد سبق أنْ ذكرت رواية الجويني المتوفى (730هـ)، الذي يعبّر عنه تلميذه الذهبي(748هـ) في تذكرة الحفاظ: “ الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام إلخ”، والتي تحدّثت عن قضيّة كسر ضلع فاطمة (سلام الله عليها) وإسقاط جنينها.

وهذا نص الرواية كما وردت في فرائد السمطين للجويني، عن رسول الله(ص): “إنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقّها، ومنع إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها([234]).

الهاشمي: إذن أنت تقول: إنّ هذا الحديث ينسب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قبل وفاته، فهو يتوقع أو يقرأ في مستقبل الأيّام كأنّه يراها وقد فعل بها كذا وكذا، هكذا الأمر؟

السيد القزويني: نعم.

الهاشمي: هذا أمر سهل؛ لأن أهل السنّة يقولون: إنّ هذه أحاديث مخترعة لا أصل لها، والنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ليس بالضرورة أنّه يعلم الغيب، هو يقول: أنا لا أعلم الغيب. لكن على كلّ حال هذا أمر يسير، لأنني ظننت أنك تقول: إنّ الجويني ينقل عن شخص عاش ورأى وشهد هذا الحادث، أمّا حديث من هذا النوع فهذا أمره هين، فإذن نعود إلى السؤال الأصلي([235]).

فأنت تقول: لقد أتيت في الأيام الماضية بأدلّة من كتب أهل السنّة، وأنا أقول لك: بناءً على ما جرى بيني وبينك من حديث على مدار الأيّام الماضية لم تأت أبداً (حفظك الله وزادك الله علماً) بأيّ دليل من كتب أهل السنّة يثبت كسر الضلع وإسقاط الجنين!!

فإذن من أين ستأتي بالدليل، إذا كان أهل السنّة لا يتحدّثون عن كسر الضلع وإسقاط الجنين؟ هل لديك مصادر أخرى تجعلك تطمئن إلى إثبات التهمة؟

السيد القزويني: يا دكتور، القضية ليست قضية اتهام، لقد طلبتم مني رواية من كتب أهل السنة وذكرت لكم رواية الجويني([236])....

أمّا رواية ابن أبي شيبة فقد قال المصنف بسنده: “...عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله(ص) وكان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله(ص) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله(ص)! والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي أن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاؤوها فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر([237]).

أمّا بالنسبة إلى ما ورد في ذيل الرواية وهي عبارة: “فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر”، فهو مخالف للرواية التي نقلها البخاري ومسلم: والتي تقول: “وعاشت بعد النبي(ص) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، فلم يؤذن بها أبا بكر، وصلى علي عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر([238]).

الهاشمي: إذن البخاري يشكك في رواية ابن أبي شيبة، أليس كذلك؟

السيد القزويني: ليست قضية تشكيك، وإنما ذيل الرواية يتنافى مع رواية البخاري.

الهاشمي: يعني أنت تقبل رأسها وترفض ذيلها؟

السيد القزويني: ما ورد في صدر الرواية، أي مسألة إحراق البيت، هو أمر ينسجم مع أدلة وروايات وقرائن أخرى ولذلك فهو مقبول عندنا، كما أن الرواية هي صحيحة السند، أما بالنسبة إلى بقية الرواية فيمكن أن يكون من زيادة الراوي، لأنها كما قلت: تتعارض مع ما نقله البخاري ومسلم.

الهاشمي: لا يا سيد القزويني، بما أنّك تتحدث عن جريمة قتل لا يمكن لك ذلك، إما أن تقبل الرواية كلّها وتستدلّ بها أو ترفضها كلّها، فمثلاً إذا أتيت بشهادة أمام المحكمة فإما أن تكون شهادة صادقة فتقبل كلها، أما إذا قلت إنّ الشهادة صادقة في رأسها وكاذبة في ذيلها يقال لك هذه الشهادة ملغاة([239])، فعليك أن تختار أحدى الروايتين: إمّا رواية ابن أبي شيبة تختارها كلّها وفيها أنّ سيدنا عمر هدد بإحراق البيت فقط ولكنّه أقر في الوقت نفسه بأنّه أحبّ الناس إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأحب الناس إليه بعده فاطمة ابنته([240])، وإنّ الأمر أدى إلى بيعة علي والزبير ومن كان معهما، أو تردّها وتقبل حديث البخاري الذي ليس فيه علاقة بكسر الضلع وإسقاط الجنين، فنحن نريد أن نعرف هذه التهمة هل هي ثابتة أم باطلة([241]).

السيد القزويني: كثيراً ما يحصل في الكتب الفقهية، أنّ الفقهاء، مثلاً، سواء من الشيعة أو السنة، يواجهون رواية صحيحة، فيأخذون بصدرها ويقبلونه ويستندون إليه في الفتوى، ولكنهم في الوقت ذاته يرفضون ذيل تلك الرواية لكونه يتعارض مع رواية صحيحة أخرى أو أي دليل قطعي آخر.

جوابنا على رواية الإمام الصادق(علیه السلام)

يا دكتور هاشمي، في الليلة الماضية نقل الأخ (أبو شوارب) عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه سئل عن أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، فقال: “إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق وماتا عليه”. وقد كرر الأخ أبو شوارب والأخ الحسيني (حفظهما الله تعالى) ذكر هذا الكلام والاستدلال به على الرغم من كونه يتعارض مع ذيل الرواية وهو قوله:” لما انصرف الناس، قال رجل من خاصته: يا بن رسول الله، قد تعجبت مما قلت في حق أبي بكر وعمر فقال: نعم، هما إماما أهل النار” والذي تحاشوا ذكره دون أن يشيروا إلى ذلك أو يذكروا أسبابه([242]).

قبول الهاشمي لصدور التهديد عن عمر بن الخطاب

الهاشمي: إذن ابن أبي شيبة يقرّ بأنّه قد حصل تهديد فقط ولم يحصل شيئاً غير ذلك، ومع هذا قال لها: نحن نحبك، فالرواية صحيحة في أولها باطلة في آخرها، ولكن ليس فيها جريمة قتل. فهل لديك رواية أخرى من كتب أهل السنة فيها إدانة لعمر وأبو بكر بالقتل أو بكسر الضلع وإسقاط الجنين وإلا انتهي كلامك؟ وتبين أنه لا توجد عند أهل السنة مثل هكذا رواية إلا رواية الجويني، التي قلت إنها حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

فالسيد القزويني إذن يقر بأنه لا يوجد دليل من أهل السنة على اتهام عمر وأبو بكر (رضي الله عنهما) بكسر الضلع وإسقاط الجنين، وأن الأمر الوحيد الذي ورد فيه هو إشارة إلى الحادثة وليس إلى الشخصين هو حديث ينسبه الجويني إلى النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فهذا، كما قلت أنت، إذا رده أهل السنة فعليهم أن يثبتوا لماذا وعلى أي أساس يردونها.

وهل هناك أدلة أخرى من كتب أهل السنّة أو ننقل الحديث إلى كتب الشيعة؟

رواية ندامة أبي بكر لهجومه على بيت الصديقة فاطمة

السيد القزويني: سأذكر رواية أخرى من كتب أهل السنة، ثم أذكر بعض الروايات من كتب الشيعة:

وهي ما أخرجه الطبري عن الخليفة أبي بكر أنه قال: “أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن...إلى أن قال: وددت أني لم أكشف بيت فاطمة وإن أغلق على الحرب”. وهنا أوجه سؤالي إليك يا دكتور هاشمي، وإلى الضيف الكريم العزيز الدكتور أبو شوارب (حفظكما الله تعالى)، ما هو المراد من قول الخليفة أبي بكر: “وددتُ أنّي لم أكشف بيت فاطمة”؟ وقد أطلق هذه العبارة في أواخر عمره، علماً أن الرواية صحيحة على مبنى إخواننا أهل السنة.

أبو شوارب: لا ليست صحيحة، فالطبري لا يشترط الصحة في مروياته، ولو رجعت إلى هذه الرواية ستجد أنها مروية عن هشام بن السائب الكلبي، أو أنها مروية عن أبي مخنف بن يحيى؛ لأنّ هذين الراويين هما الراويان اللذان اختصا برواية أخبار النزاع بين الصحابة، بين أبي بكر وعمر من ناحية، وفاطمة وعلي (عليهم جميعاً رضى الله) من ناحية أخرى في كتاب الطبري، وهما راويان شيعيان رافضيان متعصبان غاليان في تعصبهما([243]).

ثمّ إنّنا قلنا مراراً وتكراراً، يا آية الله القزويني (حفظك الله ورعاك): إنّ كتاب الطبري ليس كتاباً صحيحاً، فإنّ الرجل يروي كلّ ما وقع له من دون أنْ يشترط الصحّة في ذلك، وأنت أستاذنا في علم الرجال، ولك باعك، ولك منزلتك، وتعرف جيداً أنّ هناك فارقاً كبيراً بين الرواية والدراية، بين رواية الخبر وبين نقد الخبر وتحقيقه، إنّ الطبري كان عالم رواية وليس عالم دراية، وهذه المسألة واضحة فأرجو أن لا نخدع السادة المشاهدين، فتاريخ الطبري ليس تاريخاً صحيحاً، وأنت أعرف بهذا مني([244]).

 أناـ لو سمح لي الدكتور الهاشمي ـ أريد أنْ أسألك سؤالاً سريعاً، دعنا من التفاصيل الجانبية، ودعنا من كتب السنة وكتب الشيعة، أنا أريد منك أن تأتي برواية من أي مصدر كان شيعياً أو سنياً، نحن قد فرغنا من رواية أهل السنة وانتهى أمرها، نريد الآن أن نتوجه إلى الحديث عن كتابات الشيعة، والمطلوب هو رواية عن شخص رأى هذه الحادثة، عن شخص شاهدها، عن إنسان وقف ونظر واستمع، وليست رواية مرسلة، كما يجب أن لا تكون رواية منقطعة، أي ليست رواية وجدت في القرن الرابع عن حدث جرى في القرن الأول، أو عما جرى في يوم وفاة الرسول (عليه الصلاة والسلام)، والخلاصة: نريد رواية عن شاهد عيان.

السيد القزويني: أما قولك بأنّ كتاب الطبري ليس كتاباً صحيحاً؛ لأنه لا يشترط الصحة في مروياته، فأقول: إن كل كتبكم ما عدا كتابي صحيح البخاري ومسلم هي بهذا الشكل.

الهاشمي [مقاطعاً]: لا. قال الدكتور محمد السعيدي، نقلا عن الطبري في الصفحة الثانية من كتابه: أنه يجمع كل ما وقع له، يعني كل ما جاءت إليه من الأخبار ويترك دراستها لمن بعده.

هل لديك دليل من كتب الشيعة أو من الباحثين الأوربيين أو من الباحثين الهندوس أو البوذيين أو الأستراليين؟ هل لديك دليل آخر على تورط أبي بكر وعمر في ارتكاب الجريمة؟

كلام حسن بن فرحان في تصحيح روايات الهجوم

السيد القزويني: يقول الشيخ حسن بن فرحان المالكي، الأستاذ والباحث التربوي بإدارة التعليم في الرياض بالمملكة العربية السعودية: “لكن حزب علي كان أقل عند بيعة عمر منه عند بيعة أبي بكر الصديق نظراً لتفرقهم الأول عن علي بسبب مداهمة بيت فاطمة في أول عهد أبي بكر وإكراه باقي الصحابة الذين كانوا مع علي على بيعة أبي بكر، وكانت لهذه الخصومة والمداهمة ـ وهي ثابتة بأسانيد صحيحة ـ ذكرى مؤلمة لا يحبون تكرارها([245]).

كما أنوّه هنا إلى الأبيات التي قالها شاعر النيل حافظ إبراهيم:

“وقولة لعلي قالها عمر
حرقت دارك لا أبقى عليك بها
ما كان غير أبي حفص بقائلها

 

أكرم بسامعها أعظم بملقيها
إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
أمام فارس عدنان وحاميها”([246])

وكذلك ما ذكره عبد الفتاح عبد المقصود، الذي يقول: “هل على ألسنة الناس عقال يمنعها أن تروي قصة حطب أمر به ابن الخطاب وأحاط بدار فاطمة ففيها علي وصحبه ليكون حجة الإقناع أو عدة الإيقاع([247]).

وأشير هنا إلى أن أياً من الأخوة الحاضرين أو الأخوة المشاركين عبر الهاتف لم يذكروا دليلاً واحداً على ضعف الرواية التي ذكرتها في الحلقة الماضية وصححتها، والمروية في كتب أهل السنة.

استدلال عجيب للهاشمي في جواب كلام حسن بن فرحان المالكي

الهاشمي: هذا خلاصة أقوالك في روايات أهل السنة، وقد ذكرت الآن الأخ حسن المالكي، وقد شارك معي في بعض البرامج سابقاً، وهو مؤيد للروايات الشيعية بشكل عام، وعنده خصومة كبيرة مع السلفيين في السعودية، وبينهم نقاش كبير، فهو على كل حال ليس مرجعاً يمكن أن نعتمده في قبول أحداث تلك الفترة([248]).

أبيات شاعر النيل تدل على التهديد فقط كرواية ابن أبي شيبة

أمّا حافظ إبراهيم فقد انتبهت إلى وجود الشرط (إنْ) في البيت (إن لم تبايع)، وهي نفس مدلول رواية ابن أبي شيبة، أي يدلّ على التهديد فقط([249]).

مركز الأبحاث ليس موقعاً شخصيا للسيد السيستاني

السيد القزويني: أمّا بالنسبة إلى ما تكررون ذكره باستمرار حول ما هو موجود في مركز الأبحاث العقائدية، فأقول: إن هذا المركز أو الموقع ليس موقعاً شخصياً خاصاً بالسيد السيستاني، وليس ناطقاً رسمياً باسمه، وغير مختص بطرح أفكاره وآراءه الخاصّة، بل هو مركز ثقافي وفكري وعلمي يجمع مختلف الكتب والنتاجات الثقافية التي يعبر كل منها عن رأي صاحبه، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنني ـ وحرصاً مني على وحدة المسلمين ومصالح الإسلام العليا واحتراماً مني لإخواني أهل السنةـ فقد طرحت هذا الأمر على مسؤول مكتب السيد السيستاني في إيران فأكد لي أن ما هو موجود في هذا المركز لا يمثل بالضرورة رأي السيد، وأن هناك موقعاً خاصاً لسماحته يمكن لكم الرجوع إليه، والذي لا يوجد فيه أي إهانة أو سب أو إساءة لأي من أعلام أهل السنة أو مقدساتهم.

أما الذي يمثل آراء الشيعة فهو ما يقوله المراجع العظام، من أمثال آية الله العظمى السيد السيستاني والسيد القائد الخامنئي وغيرهم من المراجع البارزين.

الكلام للهاشمي

الهاشمي: ما تقوله في أن ما يطرح في مركز الأبحاث العقائدية لا يمثل رأي السيد السيستاني، فهو ليس جهة ناقلة عنه، وذلك نقلاً عن مدير مكتبه، فنحن نطالب لإثبات صدق هذا القول بإعلان رسمي يذكرون فيه حذف اسم مركز الأبحاث العقائدية من لائحة المراكز التابعة للسيد السيستاني، فهذا المركز هو الرابع من المراكز التابعة له، وهذا مكتوب في موقعه هو نفسه فما رأيك أنت؟ هل نستطيع أن نقبل هذا التبرير أم أن المنطق يقول: إذا لم يكن تابعاً للسيد السيستاني فعليهم أن يعلنوا أن مركز الأبحاث العقائدية ليس تابعاً لهم.

مداخلة للخزاعي في موضوع التهمة

الخزاعي: أنا صباح الخزاعي، هل يمكن أن أتكلم معك وسيكون كلامنا من شيعي إلى شيعي؟

السيد القزويني: لا أعتبرك شيعياً يا أخي العزيز، لأنك بنفسك قد قلت في الليلة الماضية: بأنك لست شيعياً ولا سنياً.

الخزاعي: وهل القضية باختيارك؟

السيد القزويني: كلامك لا يشبه كلام الشيعة.

الخزاعي: هل أنت ولي الله حتى تقول أنا شيعي أو سني.

السيد القزويني: أنت في الليلة الماضية قلت بأنك لست بشيعي ولا بسني([250]).

ذكرنا لروايات أئمة أهل البيت بشأن ظلامات الزهراء(علیها السلام)

الرواية الأولى

اسمح لي أن أقرأ رواية عن الإمام الصادق، والذي يقول الأخ الخزاعي أنه لا يوجد للإمام الصادق رواية صحيحة في هذا الموضوع.

الهاشمي: أنت تريد أن تروي روايات شيعية وأنا سأنصت لك، وبعد أن تكملها سأريك على الإنترنت كمية الكتب التي تقول ما يقوله بالضبط آية الله عبد الكريم العقيلي في مركز الأبحاث العقائدية التابع للسيد السيستاني، كلها تقول نفس الكلام في إدانة الشيخين ولعنهما، مما يدل على أن هذه هو اتجاه المذهب عامة.

السيد القزويني: أما بالنسبة إلى ما ورد من أدلة حول قضية استشهاد الصديقة فاطمة(علیها السلام) في كتب الشيعة، فقد ذكرت في الحلقات السابقة رواية عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه في (نهج البلاغة) حيث يقول: “وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها([251]).

يقول الشيخ حبيب الله الخوئي (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه (منهاج البراعة): “معنى تضافر الأمّة إشارة إلى ما صدر عنهم من كسر ضلعها وإسقاط جنينها([252]).

وقد نقل هذه الرواية عن الإمام علي(علیه السلام) كلّ من الكليني في الكافي ومحمّد ابن جرير الطبري في دلائل الإمامة والشيخ المفيد في أماليه([253]).

كما نقل هذه العبارة من علماء أهل السنة المعاصرين الأستاذ عمر رضا كحالة في كتابه أعلام النساء([254])، وكذلك العالم المعاصر الأستاذ مأمون غريب المصري([255]).

الهاشمي [مقاطعاً]: يا سيد القزويني، تكلم بما تشاء ولكن أرجوك عدم النقل عن أهل السنة بعدُ، لأن الأمر حساس والتهمة خطيرة، فقد اتفقت أنا وأنت على أننا انتهينا من موضوع أهل السنة، فلقد عرضت كل آرائك فيها وكل أقوالك([256])، تفضل بنقل بقية الروايات الشيعية:

الرواية الثانية

وهناك رواية أخرى رواها محمد بن جرير الطبري الشيعي في كتاب (دلائل الإمامة)عن الإمام الصادق(علیه السلام)، يقول: “كان سبب وفاتهاـ أي فاطمة(علیها السلام)ـ أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها([257]).

ترجمة رجال السند

وهذه الرواية رواية صحيحة؛ لأن رواتها هم:

ـ محمد بن هارون التلعكبري، ذكره النجاشي وترحّم عليه ووثقه([258]). وهارون بن موسى بن أحمد، قال فيه النجاشي: كان وجهاً في أصحابنا ثقة معتمداً لا يطعن عليه([259]). ومحمد بن همام بن سهيل: وثّقه النجاشي في رجاله([260]). وأحمد بن محمد بن خالد البرقي هو من رجال أصحاب الإجماع وموثق ([261]). وأحمد بن محمد بن عيسي رئيس القميين، وهو غاية في الوثاقة([262]). وعبد الرحمن بن أبي نجران: قال فيه النجاشي: كان ثقة ثقة ([263]). وعبد الله بن سنان: راوٍ ثقة بالإجماع عند الشيعة ([264]). وعبد الله بن مسكان من أصحاب الإجماع ووثاقته مجمع عليها عند الشيعة ([265]). وأبو بصير الأسدي أيضاً ثقة عند أصحاب الإجماع([266]).

الرواية الثالثة

والرواية الأخرى، هي عن محمد بن يحيي، عن العمركي بن علي، عن علي بن أبي جعفر، عن أخيه ـ أي الإمام الكاظم ـ تقول: “إن فاطمة(علیها السلام) صديقة شهيدة([267]).

ترجمة رجال السند

أما رجال السند في هذه الرواية فهم كل من: محمد بن يحيى، شيخ الكليني، وهو ثقة([268]). والعمركي بن على، وثّقه النجاشي([269]). وعلي بن جعفر، وثقه الشيخ الطوسي([270]).

كما صرح بصحة هذه الرواية من العلماء المعاصرين وأنها ظاهرة في أنها(علیها السلام) ماتت مظلومة شهيدة المرجع الشيخ جواد التبريزي([271]).

كما نقل العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) عن كتاب (دلائل الإمامة) للطبري وبسند معتبر عن الصادق(علیه السلام) أن سبب وفاتها (صلوات الله عليها) أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً([272]).

ونقل العلامة السيد مرتضى العاملي (حفظه الله تعالى) في كتابه (مأساة الزهراء) عن كتاب الاحتجاج للطبرسي، أنّ الإمام الحسن (سلام الله عليه) قال مخاطباً المغيرة بن شعبة: “أنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها([273]).

كما وردت أيضاً روايات أخرى عن أئمة الهدى، الصادق والجواد والهادي والعسكري(علیهم السلام) قد جمع هذه الروايات العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه (مأساة الزهراء(علیها السلام))([274]).

والروايات الواردة بهذا الخصوص كثيرة ومتضافرة بلغت حد الاستفاضة في إثبات ظلامات السيدة الزهراء(علیها السلام).

رد الادعاء بأن الشيعة قد وضعوا الخليفتين في قفص الاتهام

أما بالنسبة إلى ما تكررون ذكره، أنت والإخوة الضيوف، من أننا قد وضعنا الخليفتين أبا بكر وعمر في قفص الاتهام؟

فأقول: إذا كنت تعتبر ما نطرحه من أدلّة، الغرض منها هو الدفاع عن ظلامة آل بيت النبيّ وخاصة بضعة المصطفى(ص) وإثبات حقهم وليس هدفنا الإساءة إلى أحد هو سب وطعن للشيخين، فما تقوله فيمن سب أبا بكر وعمر وعثمان من علماء أهل السنة ومن رواتهم الموثقين، فقد صححوا أخباراً وردت عن رواة من أهل السنة كانوا يشتمون هؤلاء الخلفاء، فضلاً عن تصحيحهم لروايات تتضمن السب والشتم المباشر والصريح بحقهم. فهناك أخبار كثيرة، كما في صحيح مسلم وغيره، عن رواة من أهل السنة كانوا يشتمون ويسبّون هؤلاء الصحابة.

منهم ـ على سبيل المثال ـ:

1ـ إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدّي:

قال الذهبي في ميزان الاعتدال عنه: هذا الرجل يشتم أبا بكر([275])، ومع هذا فإن العجلي ـ وهو من كبار علماء أهل السنةـ يقول عنه: أنه كوفي ثقة([276]).

2ـ تليد بن سليمان المحاربي:

فقد نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب عنه أنه كان يشتم عثمان ويشتم الصحابة([277]) ومع هذا فإن المروزي يقول نقلاً عن أحمد بن حنبل: “لم نر به باساً([278]) كما ذكر البخاري: “تكلم فيه يحيى بن معين([279])، وقال العجلي لا بأس به([280]).

3ـ عبد الرزاق بن همام الصنعاني (صاحب المصنف):

وهو من كبار الرواة عند أهل السنة، وقد نقل الذهبي عن أحد علماء أهل السنة، قوله: “لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه([281])، هذا الرجل كما يقول الذهبي: “كان يحب علياً ويبغض من قاتله([282])، كما روى عنه قوله لرجل ذكر معاوية في مجلسه: “لا تقذر مجلسنا بذكر ولد ابن أبي سفيان([283]).

4ـ يونس بن الخباب:

وكذلك بالنسبة إلى يونس بن خباب، والذي قال عنه الساجي: أنه صدوق، وقال عنه ابن شاهين: هو ثقة، هذا الرجل كان يسب عثمان، كما نقل الحاكم النيسابوري([284]).

5ـ عباد بن يعقوب الرواجني:

وأيضاً عباد بن يعقوب الرواجني([285])، والذي هو من رجال البخاري والترمذي وابن ماجه، كما ورد في تهذيب التهذيب([286]).

(أبو شوارب) يعترض على طرحنا لمثل هكذا أمور

أبو شوارب [مقاطعاً]: يا دكتور القزويني، (بارك الله فيك وحفظك)، كل هذا الكلام خارج عن الموضوع، فلا تستعرض لنا بضاعتك في علم الرجال. فأنت تعلم أنّ الراوي إذا اجتمع فيه جرح وتعديل فالجرح مقدم على التعديل؛ لأن الجارح ربما اطلع على صفة لم يطلع عليه المعدّل، هذا أولاً ([287])، وثانياً: اتهام بعض رواة الحديث في الصحيحين بأنهم كانوا يشتمون أبا بكر وعمر هذا الكلام الذي تقوله أنت، لو صح، فهو ليس ذريعة للقضية.

نحن نناقش قضية لا علاقة لها بهذا السرد الطويل الذي تقدمه لنا حول هؤلاء الرواة، وتستعرض لنا من كتب الجرح والتعديل ما يتصل بالرجال. هذه قضية غير مطروحة للنقاش، ولا علاقة لها بما كنا نناقشه على مدي أسبوعين.

فأنت، بصراحة، كما يبدو لنا، تدور حول الماء ولا ترده؛ كعادة إخواننا الشيعة الذين نناقشهم في هذه القضية منذ سنوات طويلة، ونستمع إلى آرائهم فلا يقولون صراحة شيئاً واحداً حقيقياً أو شيئاً مباشراً أو محدداً؛ فيدورون حول القضية ولا يقدمون دليلاً على دعواهم([288]).

أنت تنقل لنا عن الكاظم وعن الصادق (سلام الله عليهما)، فهل كان الكاظم موجوداً يوم الحادثة، أم كان الصادق موجوداً يومها؟

أنّهما ليسا شهود عيان؛ فلا علاقة لهما بالقصة، أما إذا كان جوابك: أنهما من أحفاد فاطمة وهذا العلم يتوارثونه. فهذا القول منك لا يؤخذ به عند تثبيت تهمة وما فيها؛ فحينما أحدثك عن أن جدي صنع به عبد الناصر كذا وكذا وكذا واعتقله، وأدخله السجن؛ هل هذا الكلام يقبل مني؟ فأنا لم أشهد عصر عبد الناصر ولم أر ما حدث([289]).

الهاشمي: يا سيد القزويني، هل تسمح الآن أن نعطي الفرصة للإخوان لكي يتكلموا؟

السيد القزويني: أخي العزيز، لم أكمل كلامي لحد الآن؟

أبو شوارب: أنت تتحدث عن الرجال، وتقول لي هؤلاء ثقات عند أهل السنة، ولكنهم في الحقيقة كلهم روافض.

السيد القزويني: أسال الدكتور (أبو شوارب) سؤالاً واحداً؛ لو كان هؤلاء الرجال من الروافض فماذا تفعلون بكتاب صحيح مسلم المملوء برواياتهم؟

أمّا بخصوص ما ذكرته عن الرواة الذين شتموا الصحابة فإنّني كنت في مقام الدفاع عن نفسي، ورد التهم التي يصر الأخوة على إلصاقها بي، بل بمذهب أهل البيت(علیهم السلام) وهي تهمة سب الصحابة والإساءة إليهم وأننا وضعناهم في قفص الاتهام([290]).

أمّا بالنسبة إلى ما قاله الدكتور (أبو شوارب) من أن الإمام الصادق(علیه السلام) لم يكن حاضراً وقت الحادثة!

فأقول: إنّ الروايات الصحيحة عن أهل البيت(علیهم السلام) إنّما ينتهي سندها إلى رسول الله؛ لأنّ كلّ واحد منهم يروي عمن سبقه من الأئمة إلى أن ينتهي سند الرواية إلى رسول الله(ص)، وقد ذكر آية الله العظمى البروجردي في كتاب (جامع أحاديث الشيعة) حوالي سبعين رواية تدل على أنّ روايات الأئمّة(ص) كلّها مسندة إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) ومنه إلى النبي(ص).

الهاشمي يطلب من المشاركين في الندوة النطق بالحكم النهائي

الهاشمي: في النهاية أنا أطرح سؤالاً على كلّ ضيف، وأبدأ من السيد القزويني، نحن الآن في محكمة تاريخية علمية؛ هل أبو بكر وعمر بحسب كلّ الأدلّة التي قدمتها وبعد كلّ هذه الحوارات التي جرت في الحلقات التي شاركت في بعضها واستمعت لبعضها، هل تعتبر أن أبا بكر وعمر مدانان في الهجوم على السيدة فاطمة، وإحراق بيتها وإسقاط جنينها وكسر ضلعها؟ هل هما مدانان أم بريئان؟ ما هو جوابك في نهاية كل هذه المداولات؟

جوابنا على كلام الهاشمي

السيد القزويني: واجبي هو أنْ اطرح الأدلة المعتبرة أما ما عدا ذلك فهذا متروك لك وللمشاهد الكريم.

الهاشمي: في ضوء علمك؛ وفي ضوء الروايات التي نقلتها من الشيعة والسنة، فإذا سألتك الآن بالعلم الذي أعطاك الله إياه من علم الروايات وعلم الرجال وروايات السنة والشيعة في هذا الموضوع، هل ترى أنّ أبا بكر وعمر متورطان في الهجوم وكسر الضلع وإسقاط الجنين أم غير متورطين؟

السيد القزويني: هذه الروايات تدلّ على وقوع الحادثة.

الهاشمي: هل أبو بكر وعمر مشاركان في الهجوم؟

السيد القزويني: يا دكتور، نحن لا نعلم الغيب.

الهاشمي: يا سيد القزويني، أنا لا أسألك عن علم الغيب؛ أنا أعرف أنّه لا يعلم الغيب إلا الله؛ لا أسألك عن هذا، أنت الآن تعرضت لروايات السنّة؛ كما تعرضت لروايات الشيعة؛ في النهاية، وحسب رأيك الشخصي، هل أن أبا بكر وعمر متورطين في هذه العملية أم لا؟

كبس بيت فاطمة(علیها السلام)

السيد القزويني: ما تشير إليه الروايات، سواء ما ورد منها في كتب شيعة أهل البيت أم في كتب أهل السنة، هو أن عمر وعدة من الصحابة وبأمر من أبي بكر قد كبسوا بيت فاطمة(علیها السلام)، وأن عمر قد هدد بإحراق البيت على من فيه، مع علمه بوجود السيدة الزهراء فيه، أما كسر الضلع فإنه تم بيد قنفذ مولى عمر.

الهاشمي: يا سيد القزويني؛ بما أنّ الجويني لم يذكر اسم عمر في الحديث الذي تشير إليه، وهو حديث عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قبل وقوع الأحداث، كما أنّ جعفر الصادق لم يذكر اسم عمر كذلك؛ فهل برأيك أن هذا يجعل عمر متورطاً أم لا؟

لست بصدد المحاكمة بل نحن والروايات والتاريخ

السيد القزويني: لست هنا بصدد محاكمة أحد أو إصدار حكم بحقه؛ لأني لست قاضياً، كما أنّ مثل هذه الأمور قد أوكلت إلى محكمة العدل الإلهي، نعم أترك الحكم على الأدلّة التي قدمتها إلى كلّ مسلم منصف ونزيه ومحبّ للنبيّ وأهل بيته، ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الهاشمي: أنا تعبت من هذا، ثمانية أيام نتناقش؛ هل حدث كسر الضلع وإسقاط الجنين أم لا؟ وهل أبو بكر وعمر متورطان فيه أم لا؟

السيد القزويني: يا دكتور، نحن نجتهد طبقاً للروايات؛ وليس عندنا علم الغيب.

الهاشمي: والله ما سألتك عن علم الغيب؛ أنا سألتك عن اجتهادك أنت فقط، وأعرف أن اجتهادك قد يصيب وقد يخطئ، اجتهادك أنت من هذه الروايات؛ ماذا تقول في النهاية؟

الدليل واضح على هذه الحادثة وهذا لا يلازم الاضرار بوحدة المسلمين

السيد القزويني: كما قلت لك، نحن نتبع الدليل أينما مال نميل، نعم، أود التأكيد هنا على أنه لا يجوز الإساءة بأي حال من الأحوال إلى مقدّسات إخواننا أهل السنّة، لأنّ هذا يضرّ بوحدة المسلمين ويخدم أعدائهم، ولهذا فهو عمل غير جائز شرعاً وعقلاً، أشير هنا إلى أن الثابت عندنا أنّ السيدة الصديقة قد ماتت مظلومة شهيدة.

أصل الهجوم على بيت الزهراء لم ينكره أيٌ من المتحاورين

كما أنّ أصل الهجوم والتهديد بالإحراق ثابت عند الشيعة والسنة؛ بدليل أنكم لم تتمكنوا من نفيه وإنكاره، وأمّا كسر الضلع وإسقاط الجنين فهو ثابت عند الشيعة، بل حتّى عند السنة بناء على صحة رواية الجويني.

الهاشمي: طيب؛ إذن أبو بكر وعمر متورطان في الموضوع، فخلاصة رأيك أنّ أركان الجريمة ثبتت؛ ففي الروايات التي قرأتها من كتب الشيعة أن أبا بكر وجّه عمر وعمر نفّذ؛ فهل نفهم من حديثك أنك تعتبرهما مشاركين في هذه الجريمة؟

غضب الزهراء يدل على الحادثة

السيد القزويني: الثابت عندنا وعند أهل السنّة ـ طبقاً لما ورد في صحيح مسلم والبخاري ـ أنّ السيدة الزهراء(علیها السلام) قد ماتت وهي غاضبة على عمر وأبي بكر.

الهاشمي: هذا افتراء يا سيد القزويني، بالله عليك، اترك مسلماً والبخاري؛ لأنهما لم ينقلا أن أبا بكر أو عمر قتلا فاطمة ولا كسرا ضلعها ولا أسقطا جنينها، أنت تعرف هذا والمشاهدون والمراجع العظام يعرفون هذا، فهل من خلق الإمام علي الذي تدعون اتباعه أن نلبس الكلام بعضه ببعض([291])؟

والمهم في الأمر أن نعرف ما هو جوابك بالنسبة لأبي بكر وعمر اللذين يلعنان كل سنة، لأنهما قتلا السيدة فاطمة؛ هل هذا هو رأيك أيضاً حسب الروايات أم لا؟

السيد القزويني: لا ليس رأيي.

الهاشمي: إذن لم يشاركا في كسر الضلع؟

السيد القزويني: عقيدتي، أنّ اللعن والسب والشتم، غير جائز مهما كانت الأسباب والمبررات.

الهاشمي: والله ما سألتك عن هذا، أعيد سؤالي؛ أنت عرضت لنا روايات عن ابن أبي شيبة؛ وروايات من الشيعة مفادها أن عمر بن الخطاب هو الذي نفّذ الهجوم وقد ندم أبو بكر على كشفه لبيت فاطمة، وقلت لنا أنهما لم يكونا وحدهما فقط، بل مع مجموعة من الصحابة؛ فبناءً على ذلك؛ هل أنك تقول إنّ عمر وأبا بكر ومجموعة من الصحابة شاركوا في هذا الهجوم على السيدة فاطمة أما بالتوجيه أو بالتنفيذ؟

السيد القزويني: مفاد الروايات أن أبا بكر قد أرسل عمر، ومعه مجموعة من الأشخاص من بينهم قنفذ، مولى عمر، لكي يجبروا علياً ومن معه، والذين كانوا موجودين في بيت الصديقة الطاهرة على البيعة لأبي بكر، وأن عمر كبس البيت، وهدد بإحراقه على من فيه، مع علمه بوجود السيدة الزهراء، وهذه الروايات متعددة مستفيضة ومروية في كتب الفريقين، وقد بينا ذلك خلال هذه المناظرة.

الهاشمي: يا سيد القزويني، إذن جزاك الله ألف خير، لقد وصلنا في النهاية إلى معرفة رأيك النهائي، والحمد لله الذي يسّر لنا ذلك، فإن الأمر صعب وحساس ولا توجد قناة في العالم تفتح النقاش بكلّ هذه الحرية([292]).

 أبو شوارب[مقاطعاً]: لقد صبرنا اليوم صبراً لم يصبره أيوب.

الهاشمي: على كلّ حال نتيجة طيبة؛ وذلك أولاً: لقد عرفنا رأي السيد القزويني شخصياً، وثانياً: أنّنا سمعنا منه أن الكتاب المنشور على موقع مركز الأبحاث العقائدية، خطأ وينبغي أن يحذف.

هذا للذين لا يقتنعون بأهمية الإعلام؛ للذين يظنون أنّ الإعلام أمر هامشي في الحياة؛ الآن نقول لهم: هذا دليل آخر، لقد استمعنا من رجل ثقة، هو ثقة في نقل هذه الرواية عن السيد السيستاني، أنّ هذا الكتاب باطل([293]).

إنّ هذا الحوار تدريجي، وهذه الخطوة لا نظنها صغيرة، ونحن إن شاء الله نأمل لما بعدها؛ وهو أكبر بإذن الله. والآن نتوجه بنفس السؤال للأخ الخزاعي لنتعرف على رأيه في الموضوع؛ تفضل:

الخزاعي ينفي التهمة عن الشيخين

الخزاعي: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهاشمي: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

الخزاعي: أنا حقيقة أناقش كمواطن عراقي شيعي معاصر؛ فأنا لست آية الله ولا أفقه في الدين ولا هم يحزنون([294])، أنا منذ أن ولدتني أمي وأنا شيعي؛ زرت الأضرحة ولطمت على الحسين؛ وفعلت كل شيء، ولكن لم يكن في خلدي أن آتي هنا يوماً من الأيام لكي أدافع عن أبي بكر وعمر.

الهاشمي: المهندس صباح الخزاعي، بعد ما استمعت إلى الأدلة والروايات التي نقلها الأخ القزويني من أن فاطمة الزهراء تمّ الهجوم على بيتها وكسر ضلعها وأسقط جنينها، هل حصل ذلك برأيك أم لم يحصل؟

الخزاعي: مستحيل، مستحيل على الإطلاق.

الهاشمي: قال الدكتور القزويني وآخرون إن أبا بكر وعمر وقنفذ وغيرهم متورطون في الهجوم، هل هذا صحيح أم لا؟

الخزاعي: لا، على الإطلاق وأنا مطمئن، وضميري مطمئن وأن الله يشهد على ما أقول([295]).

الهاشمي: جزاك الله خيراً على الوضوح، فأنت لم تتعبنا في معرفة رأيك.

الرأي الأخير للدكتور (أبو شوارب)

الهاشمي: الأخ الكريم الدكتور محمد مصطفي (أبو شوارب)، أكاديمي مصري، وليس وهابياً ولا سلفياً بالتصنيفات الحديثة؛ لكنه متخصص في البحث العلمي، وله دراية ـ كما لاحظتم مشاهدينا الكرام ـ في هذه الموضوعات التي يشارك فيها، وهذا حكمه الآن، وخلاصة رأيه في موضوع النقاش في الأيّام الماضية كلّها، تفضل:

أبو شوارب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الخلق أجمعين وخاتم الرسل والنبيين سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين خير صلاة وأزكى سلام وبعد:

لابدّ أنْ أبدأ بالمزاح يا دكتور هاشمي؛ لأننا تجاوزنا في هذه الحلقة كل الأسس المعروفة لإدارة المناظرات والمناقشات، أنت كنت صبوراً جداً مع السيد الدكتور القزويني.

دعوى أن منهجنا قائم على أكاذيب وقصص مدسوسة

أنت تريد أن تصل إلى نتيجة، لكن من الواضح أن المنهج في حدّ ذاته لن يؤدّي إلى نتيجة، لأنني بصراحة أقول: أنه منهج زائف وباطل وقائم على أكاذيب؛ قائم على قصص مدسوسة، وسوف نركز الآن في دقائق قليلة على الدكتور القزويني، ويبدو أنه يحاول أن يكون حسن المعشر، وأن يبدي تحفظاً على سب الصحابة؛ رغم أنه يتّهم الصحابة بما هو أبشع من السب؛ يتهم أبا بكر وعمر بأنهما قاتلان مجرمان معتديان، ليس على امرأه عادية وإنما على حرمة رسول الله (عليه الصلاة والسلام)، فنقول:

 إذا تناقضت أقوال الشاهد، من المؤكد أنّ شهادته سوف تسقط؛ ولا تقوم لها قائمة؛ فلا ينظر في قوله عند هيئة المحكمة بعد ذلك؛ كذلك في علم الرجال؛ فإذا تناقضت أقوال الرجل، فهو غير معدّل عندهم([296]).

أنا سأستخدم اليوم عبارة استخدمها من قبل السيد حسن الحسيني ففي رأيي أنها عبارة صحيحة؛ ولكنني لم أؤيده في وقتها؛ لكنني سأعلن تأييدي له الآن وهي: أن القزويني، مع كامل احترامي وتقديري له، يتبع منهج التدليس، لا أقول إنه مدلس، لكنه يتّبع منهج المدلسين؛ وذلك ثبت بوضوح في نقله عن الشهرستاني، وأيضاً هو واضح اليوم، يقبل نصف الرواية ويرفض نصفها([297])، ثم هو يدور ويراوغ ويؤكّد مرة بعد أخرى أنه لا يسب الشيخين، وأنه يجلّ الصحابة، فلماذا إذن يتهم الشيخين بهذه الجريمة البشعة؛ لماذا ينقل لنا عن المجلسي وعن الكليني كلّ هذه الافتراءات([298])؛ ولماذا يؤمن بهذه الأفكار التي تروّج لثقافة الحقد والكراهية واللعن والسب والتي نهي عنها الإمام علي قبل غيره.

دعوى أن مذهبنا هو مذهب عموم الشيعة وهو مذهب ساقط

كلّ هذه المعطيات تؤكّد أنّ المذهب الذي يعتقده القزويني هو مذهب عموم الشيعة وهو مذهب متناقض وروايات متدافعة؛ فهو مذهب ساقط([299]).

لا توجد رواية صحيحة تؤكّد هذه الواقعة عند السنّة والشيعة!

كلّ هذه الاتهامات الزائفة التي حاول القزويني أن يبرّرها اليوم، لا أساس لها من الصحة؛ يأخذ في الموضوع ويتحدث عن أمور أخرى، أقول هذا للمرة المليار، لا توجد رواية واحدة صحيحة مسندة تشير إلى هذه الواقعة، لا عند أهل السنة ولا عند الشيعة؛ وحتى الروايات الموجودة عند الشيعة والمنسوبة إلى الإمام جعفر الصادق هي روايات مكذوبة؛ كلّ رواتها من الروافض الذين تسقط رواياتهم([300]).

من دلائل دعواه على تدليسنا

من أمارات تدليس القزويني أو من أمارات اتباعه لمنهج المدلسين، أنّه يتبع منهج التدليس باحتراف كغيره من علماء هذا المذهب الذين يراوغون مراوغات لا تليق بالعلماء أبداً، فإذا كنا نحن جميعاً لا نسب أبا بكر وعمر فهل يجوز لنا أن نتهم رواة الحديث في كتابي الصحيحين مسلم والبخاري أنهم يسبّونهم؟

وحتى مع اتهام راوي أو راويين أو ثلاثة من رواة صحيح البخاري ومسلم بأنهم كانوا يسبون أبا بكر وعمر فليس معنى هذا أنهم ارتكبوا هذا الجرم؟

لكن هل هذا الاتهام ثابت؟ هل ثبت أن هؤلاء الرواة كانوا يتناولون الشيخين بما لا يليق؟ هذا أمر مقطوع بكذبه([301])!

وقد قال عن عبد الرازق أنّ المحدّثين قالوا في حقه: لو ارتدّ عبد الرازق عن الإسلام ما تركنا حديثه؛ وقلت في نفسي: أنهم يردّون بهذا على الكذابين من روافض الشيعة الذين حاولوا إلصاق تهمة سب الشيخين بعبد الرزاق؛ انتم تقولون أنه يسبّ الصحابة؟ والله أنتم كذابون؛ وحتى لو ارتدّ الرجل لم نكذّبه؛ هذه الرواية التي قرأها القزويني الآن دليل عليه؛ ودليل على أنه يراوغ ويلفّ ويدور ويدلّس([302]).

قول أمير المؤمنين: أنا لا أريد الإمارة

اسمحوا لي أنْ أشير في عجالة إلى عدّة نقاط:

النقطة الأولى: أنّ الجريمة لم تقع أصلاً؛ لأنّ علياً لم يؤخّر البيعة، فقد بايع في أول الأمر، والأدلّة على هذا وافرة من كتب السنة وكتب الشيعة؛ وهذه الرواية التي وردت في البداية والنهاية لابن كثير بإسناد جيّد في الجزء السادس صفحة (341) وهي عن خطبة علي بن أبي طالب من منبر الكوفة، وقد نقلها كذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في الجزء الأول صفحة (332)، يقول الإمام علي بنص عبارته: ـ هؤلاء الذين يصورون للناس أن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، هذا الرجل العظيم الجليل، يصورونه على أنه واحد من السياسيين الذين يتقاتلون من أجل الحكم، ومن أجل الكرسي([303])، هذه مسألة كانت أبعد ما تكون عن الإمام علي ـ: “والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً وليلة قط ولا فيها راغباً ولا سألتها الله عز وجلّ”.

 يا إخواني، المذهب القائم على أن الإمام علي سُلب حقه من الخلافة، مذهب كلّه ضلال، فالإمام علي بنفسه يقول: أنا لا أريد الخلافة، لا في سر ولا علانية؛ ولا سألت الله عز وجل ذلك، ولكني أشفقت من الفتنة ومالي في الإمارة من حاجة.

يقول الإمام هذا الكلام بعد أن قبل الخلافة؛ فإنه قال: قد قُلّدت أمراً عظيماً مالي به من طاقة ولا بدّ إلا بتقوية الله عزّ وجلّ، ولوددت أني أقوي الناس عليها اليوم.

هذه الخطبة التي يقولها الإمام علي بن أبي طالب تؤكّد على أنه لم يكن حريصاً على الخلافة لا من قريب ولا بعيد([304]).

قول أمير المؤمنين في نهج البلاغة: إنا وجدنا أبا بكر أهلا للخلافة

إذا كان الرجل لا يريد الخلافة، في حين أنّ الرواية تقول: إنّ عمر ومن معه (رضي الله عنهم أجمعين) ذهبوا إلى بيت فاطمة لإحراقه؛ لأنّ علياً والزبير أخروا البيعة! فإذا كان علياً يقول في نهج البلاغة: إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)!!! وكذلك يقول في شرح نهج البلاغة لأبي سفيان، حينما قال له: امدد يدك أبايعك، قال له: لولا إنّا رأينا أبا بكر أهلاً لها ما بايعناه؛ حقيقة أنّ القضيّة واضحة وجليّة ولا نقاش فيها([305]).

هل اطلع رسول الله على المحسن عبر جهاز سونار؟

وكذلك يقولون: إنّ الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) سمّى محسناً وهو جنين؟ فهل اطلع عليه وهو في بطن أمّه، هل كان عنده جهاز سونار؟ ورأى الجنين ذكراً وسماه محسناً([306]).

ادعاء (أبو شوارب) أن رسول الله حلق رأس المحسن وعقّ عنه

كما نقل صاحب كتاب المختصر من كتاب الموفق: صفحة (141) أنّ الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) قد حلق رأس المحسن وعقّ عنه؛ يعني أنّه قد ولد في حياة النبيّ (عليه الصلاة والسلام)([307]).

ادعاؤه إجماع أهل العلم على أن محسنا مات صغيرا

وأجمع أهل العلم على أنّه مات صغيراً؛ ولم تكن السيّدة فاطمة(علیها السلام) حبلى يوم وفاة رسول الله (عليه الصلاة والسلام)؛ كلّ هذه أكاذيب لا أصل لها من الصحة([308]).

كلام زيد بن علي بن الحسين في الدفاع عن أبي بكر

لنقرأ هذا النص من كتاب البداية والنهاية لابن كثير في الجزء الخامس ص (253) وهو من رواية عامر الشعبي، وهي رواية صحيحة مسندة، عن عامر الشعبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه...([309]).

وهي عن زيد بن علّي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أخو الباقر وعم الصادق، كان زيد صادقاً وفي منتهى الصدق حينما قال لهؤلاء المتنطّعين ممن يدّعون أنهم من أنصار آل بيت النبوة، هؤلاء الذين تحرّكهم أحقاد المجوس من عبدة النار، قال لهم: “البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي([310])؛ كان صادقاً في هذا؛ لأنه أدرك بما آتاه الله من علم أن هؤلاء يكيدون لعلي كما يكيدون لأبي بكر.

ما هي منزلة فاطمة عند أهل السنة؟

 لقد روت السيدة عائشة (رضي الله عنها وأرضاها) أربعة أحاديث عن النبي (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: إن سيدة نساء أهل الجنة فاطمة؛ عائشة هي التي تقرّ بفضل فاطمة؛ هكذا يعرف الصحابة منزلة آل البيت([311]).

العودة إلى رواية ابن كثير

نعود إلى رواية ابن كثير، وفيها: أن فاطمة قالت للإمام علي: أتحب أن آذن له؟ قال نعم؛ فأذنت له فدخل عليها وترضّاها؛ فقال: والله ما تركت الدار والولد والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثمّ ترضّاها حتى رضيت([312]).

طلب أبي بكر وعمر من علي الأذن في الصلاة على فاطمة(علیها السلام)

وكذلك لما ماتت فاطمة، جاء أبو بكر وعمر معزيان وقالا: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على بنت رسول الله.

تعرفون هذا الحديث أين؟ إنه مروي في صفحة (235) من كتاب سليم بن قيس، الذي تدعي الشيعة أنه المصدر الأساسي لجريمة الدار؛ فلو أننا قتلنا ابنة صديقنا أو ضربناها ثم ماتت هل نذهب لنعزّي زوجها، ونقول له: بالله عليك انتظرنا حتى نصلي عليها؟ فهل هذا يقبل؟ وهل أنه منطقي؟ كيف يقوم دين على مثل هذه الترّهات؟ كيف تقوم العقيدة على مثل هذه الأفكار الفاسدة التي لا أساس لها من الصحة([313])؟

سأقرأ عليكم نصاً في غاية الخطورة، يكشف لنا حقيقة هذا المذهب، ويكشف لنا أيضاً سر القضية؛ والنص قد يبدو خارج عن الموضوع لكنني أراه في صلبه.

نص من الإمام الخميني في جواز شتم ولعن كل أهل السنة

انظروا، يا سيّد صباح والدكتور الهاشمي والسادة المشاهدين؛ هذا النص الذي أريد قراءته، ولم يشر إليه السيد القزويني على الإطلاق في حديثه، وهو نصّ من الإمام الخميني؛ ومرجعية الإمام الخميني فوق مرجعية السيد الخامنئي ومرجعية السيد السيستاني، وهذا أمر مفروغ منه، فالخميني له شتائم معروفة في حق أهل السنة في كتابه (تحرير الوسيلة) وفي غيره من كتبه، وهذه الكتب موجودة ولا تخفى على أحد؛ لكن أنا سأتحدث فقط عن نصّ هامّ في قضيتنا؛ ولا أريد أن يبرّر أن هذا الرجل لا يلعن أهل السنة والجماعة؛ لأن هذا أمر مفروغ منه ويعرفه الجميع؛ وهذا هو المرجع الأعلى وقائد الثورة الذي أسّس الدولة الإسلامية([314]).

لكن سأنقل نصاً عن كتاب المكاسب المحرّمة الجزء الأول صفحة (251)، فهذا النص يفيدنا جداً في القضية؛ الخميني يقول: “غيرنا ليسوا بإخواننا وإن كانوا مسلمين، فلا شبهة في عدم احترامهم؛ بل هو من ضروري المذهب”، هذا عالم المذهب يقول لك: يجب عليك أنك تسبّ المخالف وتلعنه.

ويضيف: “بل الناظر في الأخبار الكثيرة من أبواب متفرّقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم”؛ يعني أن تدعو عليهم.

فالخميني يثبت، بصريح العبارة، أن التهمة ملفّقة على أبي بكر وعمر؛ لأنّ أبا بكر وعمر من مخالفي المذهب([315])؛ ولأنهم ماتا في القرن الأول الهجري، أي قبل أن تختلق قصة المهدي سنة ستين ومائتين أو سنة ثلاثة وستين ومائتين من هجرة النبي (عليه الصلاة والسلام)!!!

ولأنّهم ليسوا بإخوانهم، كما يقول الخميني، فيجوز هتكهم والوقيعة فيهم؛ بل الأئمة المعصومون أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم([316]).

فالمسألة في نظري، أكبر من فاطمة، مع جلالة قدر فاطمة؛ كما أنها أكبر من علي، مع جلالة قدر علي؛ المسألة متعلقة بالدين؛ بالإسلام؛ لو كان ما يقوله هؤلاء الناس صحيحاً إذن لسقط الإسلام بالجملة([317]).

الشيعة يدَّعون بان جميع الصحابة ارتدوا إلا القليل منهم

الذين يدعون أنهم مسلمون، ويطعنون في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ويقولون أن الصحابة جميعاً قد ارتدوا إلا ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو سبعة، وفي أقصى الأحوال لا يزيدون عن تسعة أبداً([318])، من يبني دينه على هذا الأساس فدينه غير دين الإسلام؛ فإذا كان هؤلاء مرتدين سفاكين قتلة مغتصبين فما هو الدين الذي نقلوه؟ إذن نحن كلنا مرتدون إذا صدّقنا كلامك يا سيد القزويني وكلام غيرك من علماء الشيعة كالمجلسي والكليني والخميني وما يقوله باقي المراجع الذين تحاول أن تبرئهم على الملأ([319]).

أنا لا أستطيع أنْ أرجم بالغيب، لكنّني أظنّ أنهم وفي مجالسهم الخاصّة يقولون أكثر مما قاله المجلسي والكليني؛ ويفعلون كما فعل جعفر الصادق؛ يقعدون مع العامة ويقولون إنّنا لا نسبّ الشيخين؛ لكنّهم يسبّونهم في مجالسهم الخاصّة([320])، فالهدف ليس هو أبا بكر وليس عمر؛ أن الهدف هو الإسلام([321]).

الهاشمي: نعم صحيح.

أبو شوارب: ثمة أمة قهرها الإسلام وأطفأ نارها، وأزال ملكها من سطح الأرض، وأباد ذروتها نهائياً؛ فسعى البعض منهم ـ ممن لم يفتح الله قلوبهم لنور الإسلام، ولم يعرفوا قيمة الحرية التي قدّمها لهم، ولم يقدروا قيمة العدل الذي نشره ـ إلى الكيد لدين الله فاخترعوا كلّ هذه القصص الوهمية، التي لا غاية منها ولا هدف إلا الطعن في الإسلام([322]).

 يا سادتنا الأفاضل؛ أنا أرى أن المسألة أكبر من أبي بكر ومن عمر ومن عثمان ومن علي ومن فاطمة؛ مع جلالة قدر هؤلاء جميعاً (عليهم السلام ورضي الله عنهم)؛ المسألة في الدين.

روايات الشيعة في انتقاص أهل بعض المدن

ثم ماذا يقول هؤلاء عن بلدان المسلمين؟ هم يسبون أهل العامة، ويسبون بلدانهم؛ فيقولون: أهل الشام شر من أهل الروم، وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهراً([323]).

الهاشمي: من القائل من؟

أبو شوارب: الكليني في الكافي في أصوله الجزء الثاني: ص(409)، وفي بحار الأنوار الجزء السادس: ص (208).

وتفسير القمي: ص (596) يقول عن مصر وأهلها: لعنوا على لسان داود(علیه السلام) فجعل الله منهم القردة والخنازير([324]).

ويكمل العياشي في تفسيره والبحراني في برهانه فيقولا: ولما غضب الله على بني إسرائيل أدخلهم مصر؛ ولا رضي عنهم إلا أن أخرجهم منها إلى غيره؛ ويقولا أيضاً: بئس البلاد مصر، أما إنها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل.

ويقول المجلسي في بحار الأنوار، اسمعوا إلى هذه الرواية العجيبة: انتحوا من مصر ولا تطلبوا المكث فيها لأنه يورث الدياثة، يعني البقاء في مصر يجعل الرجل ديوثاً، والديوث هو الذي يدخل الغرباء على أهله، يعني قوّاد على أهل بيته([325])!!

كلام السيد نعمة الله الجزائري ضد أهل السنة

وسأختم بنص من السيد نعمة الله الجزائري، هذا النص يذكرنا في بداية الحلقة الأولى بكلام آية الله الجناحي حينما قال في حوار عبر هذه الشاشة، قال: أنا لا أؤمن بكتبكم، فلا أؤمن بصحيح البخاري، ولا أؤمن بمسلم ولا أؤمن بنصوصكم الأخرى، فقد كان أكثر صراحة من القزويني؛ القزويني رجل لطيف وعنده مهارة سياسية، وقريب من المراجع العظام، ومتعلّم أصول التقية؛ يعني يراوغ بشكل جيد([326])، لكن الجناحي يبدو أنه مسكين في العراق لا يعرف أصول التقية على وجهها الصحيح.

في كتاب الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الموسوي الجزائري، في الجزء الثاني ص279 يقول بوضوح: لم نجتمع معهم على إله؛ يعني هم يعبدون إلهاً غير الذي نعبده؛ يعبدون ماذا؟ لا نعلم! ولا على نبي؛ ولا على إمام؛ وذلك أنهم يقولون أن ربهم هو الذي كان محمد نبيه وخليفته بعده (أبو بكر)، ونحن لا نقول بهذا الرب؛ ولا بذلك النبي؛ بل نقول: أن الرب الذي خليفة نبيه (أبو بكر) ليس ربنا وذلك النبي ليس نبينا([327]).

ولذلك أختم قولي وأوجّه هذه الآية الكريمة لآية الله القزويني، وأقول له بوضوح وبصراحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.

الذي يتهم الصحابة خارج عن ملة الإسلام

وأقول، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيتم الرجل يذكر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بسوء فاتهمه على الإسلام؛ يعني اتهمه في دينه؛ فمن يتهم أصحاب رسول الله؛ الذين نقلوا كتاب الله ونقلوا سنة نبيه ليس من الإسلام في شيء؛ وليس هذا اتهام له بأنه خارج عن ملة الإسلام، لأنه ببساطة لا يؤمن بكل ما نقله هؤلاء الصحابة؛ فهم الذين نقلوا آي القرآن، وهم الذين نقلوا لنا الحديث النبوي الشريف.

فما دمت تتهم هؤلاء وتلعنهم وتسبهم وترى أنهم مرتدون، فإن الدين الذي نقلوه لنا وندين الله به ليس دينك على الإطلاق ([328]).

الرأي النهائي لـ (أبو شوارب) حول موضوع الهجوم

ختاماً أقول: أعوذ بالله من هذا الكلام؛ أعوذ بالله من هذا الكلام؛ أعوذ بالله من هذا الكلام؛ الذي لا ينطق به مسلم عارف بربه ومؤمن بنبيه، فأنا أشفق على العامة من أبناء الشيعة البسطاء، الذين يضلّلهم هؤلاء المراجع.

الهاشمي: وهل أنت تشفق على القزويني أيضاً؟

أبو شوارب: أنا أشفق عليه أيضاً؛ وأخاف عليه من الحساب أمام الله سبحانه وتعالى.

الهاشمي: هو معك؛ تفضل يا سيد القزويني.

ردنا على مدعيات (أبو شوارب)

السيد القزويني: بسم الله الرحمن الرحيم.

الأخ الهاشمي لقد وعدتني هذه الليلة بإعطائي نصف ساعة من الوقت وألا تقاطعني، ولكنك، يا أخي العزيز، قاطعتني كثيراً فيما لم تقاطع الأخ (أبو شوارب)، وهذا ليس من العدالة.

الهاشمي [مخاطباً لنا]: مقاطعتي لكلامك مساعدة لك، وفي هذا تسهيل لمهمتك! والإخوان هنا في الاستديو غاضبون ثائرون، وكادوا ينصرفوا من الأستديو لمّا كنت أنا وإياك في المناقشة؛ ومع ذلك أنت أصدرت حكمك، وهم كل واحد منهم أصدر حكمه.

أنا أريد منك تعليق ختامي، وها أنت قد استمعت إلى الأخوين وقد فنّدا كلّ ما طرحته من أدلّة وكلّ ما وصلت إليه من نتائج وقالا: إنّ من يقول بوقوع هذه الجريمة أو يورّط فيها الصحابة فإنه كاره للإسلام مبغض له([329])، ماذا تقول لهم في نهاية الحديث؟

ردنا على ما نقله (أبو شوارب) عن السيد نعمة الله الجزائري

السيد القزويني: أمّا بالنسبة إلى ما تفضل به الأخ العزيز (أبو شوارب) من نقله من كتاب الكافي أو من السيد نعمة الله الجزائري أو غيره، وقال بأن هذه عقيدة الشيعة، فهذا كذب وافتراء.

أنا أقول بأن السيد نعمة الله الجزائري عالم شيعي جليل لكنه لا يمثّل عقيدة الشيعة؛ وهو متشدّد نوعاً ما؛ حتى أقول بصراحة: أن هناك من علمائنا من أفتى بحرمة قراءة بعض كتبه.

ففي الجزء الثاني من كتابه الذي نقلت عنه؛ قال آية الله الانگجي في هامشه: أفتى بعض علماء الشيعة بحرمة قراءة بعض كتب السيد نعمة الله الجزائري.

ما نقله عن السيد الخميني لا ربط له بالمسألة

أمّا ما ذكرت من كتب السيد الخميني (رضوان الله تعالى عليه) فهو لا علاقة له بموضوع البحث، كما أنّ الإمام الخميني لا يقول بسب الصحابة ولا يقول بسب أبي بكر وعمر؛ ولا يقول بعدم إسلام أهل السنة، أو بجواز سبهم أو بنجاستهم؛ فهو ليس تكفيرياً مثلك أو مثل أمثالك كابن جبرين الذي يقول بأن الشيعة الروافض كفار بالأدلة الأربعة، ومثله ابن باز الذي يقول بكفر الشيعة، أو غيرهم ممن أفتوا بأنّ من أنكر خلافة أبي بكر فهو كافر؛ فهذا كتاب (الفتاوى الهندية) للفراهاني؛ و(حاشية ردّ المختار) لابن عابدين؛ و(البحر الرائق) لابن نجيم المصري؛ كلّها تقول بأنّ من أنكر خلافة أبي بكر فهو كافر! فإذا كنت حريصاً على الإسلام فلماذا لا تعترض على مثل هذه الفتاوى؟

طرح هذه المناظرات تعمق الخلافات بين المسلمين

أخي العزيز الدكتور الهاشمي: أنا أعتقد أن طرح مثل هذه القضايا الخاصة في الظروف الراهنة التي يعيشها المسلمون، بل حتّى البحث في قضية استشهاد فاطمة أو إدانة أبي بكر وعمر أو عدم إدانتهم ليس في صالح الإسلام والمسلمين، بل أظنّ بأنّ هناك أياد خفية تقف وراء طرح مثل هذه الأمور وبهذه الطريقة، لتعميق الخلاف بين المسلمين.

قضية استشهاد فاطمة(علیها السلام) ليست مستحدثة

وعلى كلّ حال؛ فقضية استشهاد فاطمة(علیها السلام)، كما قلت سابقاً، ليست قضية مستحدثة؛ فهي موجودة منذ زمن الأئمة(علیهم السلام) وهي من القضايا الثابتة عند الشيعة.

محاولة لإقناعنا بعدم إقامة هذه المجالس

الهاشمي: نحن اليوم في شهر يوليو سنة (2008)م، وقد ظهر للأخ صباح الخزاعي ومجموعة من الشيعة أن هذه الحادثة غير ثابتة؛ وقد أبلغني مجموعة من الشيعة حيث اتصلوا بي وقالوا: إنّنا اكتشفنا أنّنا كنّا مضلّلين؛ ولن نحضر مجالس العزاء في العام المقبل([330]).

وقال أحدهم: أنا أفهم ضمنياً أن السيد القزويني نفسه يدعو إلى إغلاق مجالس العزاء في الأعوام المقبلة؛ فإنّه لم يعد لائقاً في القرن الخامس عشر الهجري أن يتمّ الاحتفال بمجالس العزاء للسيدة فاطمة واتهام الصحابة بقتلها؛ وقالوا بأن هذا ما فهموه منك؛ فهل فهمهم هذا صحيح؟

تأكيدنا على مشروعية هذا العزاء

السيد القزويني: لا ليس الأمر كذلك؛ بدليل أنّه قد اتصل بي أيضاً عدد كبير من الأخوة من المملكة العربية السعودية، ومن لندن ومن ألمانيا وشكروني على كلامي، وأكدّوا لي أنّهم لم يكونوا يعلمون أنّ هناك روايات صحيحة عند أهل السنة حول قضية استشهاد فاطمة الصديقة، وقضية الهجوم على بيتها(علیها السلام)، وقد تنبهوا إلى ذلك، ولذلك فإنّهم سيشاركون في السنة القادمة في إحياء ذكري استشهاد هذه السيدة الطاهرة، وأنا هنا أشير إلى أمرين:

 الأول: أنّ مسألة المشاركة في إحياء ذكري استشهاد فاطمة(علیها السلام) أمر مهم جداً؛ لأن فيه إحياء لشعائر الله وأمر أهل بيت النبوة، ومن هنا فقد دعا إليه علماء ومراجع الدين ومنهم المرشد الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي، والذي يقيم كلّ سنة مراسم إحياء ذكرى استشهاد الصديقة فاطمة(علیها السلام).

الثاني: أنّ الذي ندعو إليه ونصرّ عليه ويصر عليه علماؤنا ومراجعنا، هو أنّ أي نوع من أنواع السبّ والشتم للصحابة وتوجيه الإهانة إلى أهل السنة أو إلى عقائدهم ومقدساتهم، أمر غير جائز. وأنا شخصياً أعتبره ذنباً لا يغتفر؛ هذا ما أدعو إليه كلّ إخواننا الشيعة في كلّ مكان.

توجيهنا لكلام السيد الخميني(قدس سره)

أما بالنسبة إلى ما ذكره الدكتور (أبو شوارب)؛ فإنّ السيد الخميني ينقل في كتاب المكاسب عن الشيخ البحراني صاحب الحدائق حول جواز سب أهل السنة أو الوقيعة فيهم، ثم بعد ذلك يردّ عليه ويقول: بأنّ هذا القول ليس بصحيح

أبو شوارب: كلامك أنت غير صحيح؛ إقرأ ما قاله الخميني؛ أنت تدلّس مرّة ثانية؛ بعد هذه الفقرة ينقل الخميني رواية مكذوبة عن الإمام جعفر الصادق يتهم فيها أبناء العامّة بأنّهم أولاد زنا، وأنا استحييت أن أقرأ هذه الرواية؛ وهي في السطر الثاني مباشرة؛ ويظهر منها جواز هتك أبناء العامة.

هذا هو الموجود في الكتاب، فلا تخدع الناس يا سماحة القزويني([331]).

السيد القزويني: الجزء الأول من كتاب المكاسب المحرمة للسيد الخميني هو الآن أمامي، وهو ينقل هذه القضية في الصفحة (252) ثمّ يقول: فنعم ما قال المحقق صاحب الجواهر: إن طول الكلام في ذلـك ـ كما فعل صاحب الحدائق ـ من تضييع العمر في الواضحات.

فهو إذن يعتبر طرح مثل هذه القضايا من باب تضييع العمر في الواضحات.

أبو شوارب: هذه القضية عند الإمام الخميني واضحة في أنّ المخالفين ليسوا إخواناً للشيعة! وأنّهم أبناء زنا! وأنّهم ملعونون! وأنّهم مرتدون! وأنّهم كفار([332])!!! أنت قلت إنّ الخميني ردّها، أين الرد؟ أنه يؤيد هذا الكلام([333]).

فأنا لا أريد أن أخدع الناس، ولا أريد أن أحولها إلى لعبة سياسية ليرضى عنّي السيد فلان أو القائد فلان؛ نحن نقدّم حقيقة؛ نحن نقدّم تاريخاً؛ نحن نقدّم كتباً موجودة للمذهب؛ كيف يصدّقك تلاميذك وهم يقرؤون كتاب المكاسب المحرمة؟ أنت تحاول أن تدافع عنه، ارفعوا هذه التقية عنكم، وقولوا آراءكم بصراحة واكشفوا للناس أنّكم تهدمون دين الإسلام! أنّكم ضدّ الإسلام! أنّكم تحاربون الصحابة! أنّكم تحاربون نقلة القرآن الكريم وتحاربون السنة([334])!

الهاشمي [متهكماً]: الأخ القزويني يرى أنه يدافع عن الإسلام المحمّدي الأصيل! أليس كذلك يا سيد القزويني؟

السيد القزويني: ذكرت في كتابي (قصة الحوار الهادئ)؛ ما قاله السيد الخميني(قدس سره) بعد نقله لكلام صاحب الحدائق، حيث يقول: “ولكن اغترّ بعض من اختلت طريقته ببعض ظواهر الأخبار وكلمات الأصحاب من غير غور إلى مغزاها، فحكم بنجاستهم، وكفّرهم وأطال في التشنيع على المحقّق القائل بطهارتهم بما لا ينبغي له وله، غافلاً عن أنه حفظ أشياء هو غافل عنها([335]) وأرجو أن تتعامل مع كلام السيد الخميني هذا يا دكتور كما تعاملت مع غيره خصوصاً عبارة: “لكن اغترّ بعض من اختلت طريقته”.

الهاشمي: طيب، يا سيد القزويني، نحن الآن تجاوزنا كلّ الأوقات فكلّ واحد منا سيذهب إلى مكان، فعلينا أن ننهي البرنامج مضطرين؛ مع ذلك أريدك أن تحيي المشاهدين في ثلاثين ثانية.

تفضل: هل تريد أن تسلّم على المشاهدين في نهاية الحوار؟

علماء الشيعة ومراجعهم يحترمون أهل السنة

السيد القزويني: بالنسبة إلى ما ذكره الدكتور أبو شوارب من روايات من كتاب الكافي أو من غيره؛ فكلها إما روايات ضعيفة أو روايات موضوعة([336]) وأؤكد هنا أن علماء الشيعة ومراجعهم يحترمون أهل السنة، ويفتون بجواز تزويجهم والتزوّج منهم وجواز أكل ذبائحهم خلافاً للبعض ممن يدعي أنه من أهل السنة والذي أفتى بعكس ذلك بالنسبة للشيعة.

الهاشمي: نختم مشاركتك اليوم في هذا البرنامج، شكراً جزيلاً أخي، وكما ترى الأمر فهو أمر التجديد وأمر الصراحة، وأسال الله أن يوفقني وإياك والأخ (أبو شوارب) وكل المشاركين في هذا البرنامج.

السيد القزويني: أرجو أن تسمح لي.

الهاشمي: نعم.

التعريف بكتب علماء الشيعة حول ظلامة الزهراء

السيد القزويني: هناك كتاب ألّفه سماحة آية الله العظمي الشيخ جعفر السبحاني وهو من كبار العلماء البارزين في الحوزة العلمية في إيران، سمّاه: (الحجة الغراء على شهادة الزهراء)، وقد ذكر فيه روايات متعدّدة من كتب أهل السنة وصحّح بعض أسانيدها؛ وأيضاً فقد ألف المحقق البارع الشيخ الدكتور يحيى الدوخي الأستاذ في الدراسات العليا كتاباً باسم: (ظلامة الزهراء في روايات أهل السنة).

الهاشمي [مقاطعاً]: يا سيد القزويني؛ الكتب في مركز الأبحاث العقائدية كلها موجودة، وليس فقط كتاب العقيلي؛ وهذا هو الحوار الذي ينبغي أن نتعلم منه، ونرى لعله يثمر؛ لعل هناك باحثين آخرين يسمعونه وتكون لديهم المزيد من الجرأة وسعة الأفق في النظر.

إخراج الصحابة من قفص الاتهام لا يكون إلا بمحو روايات الصحاح

السيد القزويني: أنا أشكرك يا دكتور الهاشمي، لأنك أعطيتني الفرصة في ثلاث حلقات ولم تقاطع كلامي في الحلقة الأولى والثانية إلا في هذه الحلقة؛ فقد عانيت من كثرة المقاطعة لكلامي، بحيث لم يُسمح لي أن أتكلم في بعض الأحيان؛ خصوصاً أنه كان لدي الكثير من الحقائق مما يجب طرحه، كما أني كنت أود أن أتكلم حول السبل التي تمهّد لإيجاد الوحدة الإسلامية.

 ولا يسعني في الختام إلا القول: إذا أراد الدكتور الهاشمي أو الدكتور (أبو شوارب) أو أي من الأخوة الأعزاء أن يخرج الصحابة من قفص الاتهام فلا بدّ له أن يأمر بمحو الروايات الموجودة في الصحيحين حول الصحابة، والتي تثبت أن الكثير من الصحابة سيدخلون النار، ولا ينجو منهم إلا مثل همل النعم([337]).

الهاشمي: يا سيد القزويني، كلّما أعطيك فرصة تستغلها بالهجوم على صحابة محمّد (صلوات الله عليه وسلم).

الوحدة هي المطلب الاساس

السيد القزويني: يا دكتور الهاشمي، اسمح لي بكلمة أخيرة؛ وهي أنْ نغض النظر عن كلّ ما من شأنه أن يثير الفرقة والتباعد بين المسلمين، ونعمل طبقاً لما يقول به مراجعنا العظام وعلمائنا الإعلام من ضرورة وحدة المسلمين وتآخيهم، فأقوال علماء الشيعة هي التي تمثل عقائد الشيعة فقط.

الهاشمي: هل تحب أن تحيي المشاهدين الذين شاهدوك في البرنامج؟

السيد القزويني: أجدد التحية والاحترام لجميع المشاهدين الكرام وكذلك الأخوة المحاورين، وأرجو من الجميع أن يعذروني إذا صدر مني ـ لا سمح الله ـ عن غير قصد ما يؤذيهم، الأخ (أبو شوارب) والأخ صباح الخزاعي، الذي يدعي أنه شيعي ـ وإن شاء الله يكون كذلك ـ والأخ الدكتور الهاشمي وسائر الأخوة.كما أتمنى أيضاً أن تتاح الفرصة لكبار علماء أهل السنّة لاسيما المفتي العام في الملكة العربية السعودية، أو من يمثله، للحضور والمشاركة في مثل هكذا حوار.

الهاشمي: طيب يا دكتور، بارك الله فيك على التحية، وجزاك الله خيراً على الملاحظات، والمعذرة عن التقصير، جزاك الله خيراً تصبح على ألف خير.


فهرست المصادر

1.ابن أبي الحديد المعتزلي، عزّ الدين، أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية, ط1 ـ 1378هـ.

2.ابن أبي شيبة الكوفي، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، الناشر: دار الفكر للطباعة ـ بيروت، ط1ـ 1409هـ.

3.ابن أبي عاصم الضحاك، أبو بكر عمرو الشيباني، كتاب السنّة، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3ـ 1413م.

4.ابن الأثير، محمد بن جرير، الكامل في التاريخ، الناشر، دار راصد ـ بيروت، ط 1386 هـ.

5.ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت، ط1ـ 1406هـ.

6.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، القول المسدد في مسند أحمد، الناشر: عالم الكتب، ط1 ـ 1404هـ ـ 1984م.

7.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تقريب التهذيب، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1415هـ ـ 1995م.

8.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1404هـ.

9.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

10.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، لسان الميزان، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2ـ 1390هـ ـ 1971م.

11.ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، مقدمة فتح الباري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

12.ابن سعد، أبو عبد الله، محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

13.ابن شهر آشوب، مشير الدين محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الناشر: المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف، طبعة عام 1376هـ.

14.ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

15.ابن عساكر, علي بن الحسن بن هبة الله، تاريخ مدينة دمشق, تحقيق: علي شيري, الناشر: دار الفكر ـ بيروت, 1415هـ ـ 1995م.

16.ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم, المعارف، تحقيق: دكتور ثروت عكاشة، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

17.ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، تحقيق: طه محمد الزيني، الناشر: مؤسسة الحلبي.

18.ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

19.ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل، السيرة النبويّة، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

20.ابن ماكولا، علي بن هبة الله بن علي بن جعفر العجلي، الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت, ط1, 1411هـ

21.أبو خيثمة, زهير بن حرب، كتاب العلم, تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني, الناشر: المكتب الإسلامي, ط2, بيروت, 1403هـ ـ1983م.

22.أبو زرعة الدمشقي, عبد الرحمن بن عمرو, تاريخ أبي زرعة, الناشر: دار الكتب العلمية, بيروت.

23.أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث.

24.الإسكافي، أبو جعفر محمد بن عبد الله المعتزلي، المعيار والموازنة، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط1، 1402هـ.

25.آل طعان القطيفي, أحمد بن صالح, الرسائل الأحمدية, الناشر: دار المصطفى لإحياء التراث, ايران, ط1, 1419هـ.

26. الأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1397هـ.

27.البحراني, يوسف أحمد, الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة, الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

28.البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، التاريخ الكبير، الناشر: المكتبة الإسلامية، ديار بكر ـ تركيا.

29.البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1401هـ.

30.البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: د. سهيل زكّار ود. رياض زركلي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

31.البياضي, علي بن يونس, الصراط المستقيم, تحقيق: محمّد باقر البهبودي, الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية, ط1, 1384هـ.

32.البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

33.التبريزي، جواد, صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات، جمع: موسى مفيد الدين عاصي, الناشر:دفتر نشر بركزيده (المنتخب)، ط1ـ 1416هـ.

34.الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ ـ 1983م.

35.التستري, نور الله, الصوارم المهرقة، تحقيق، السيد جلال الدين المحدث, المطبعة: نهضت, 1367.

36.التميمي, محمد بن حبان، الثقات، الناشر، المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا. وطبعة اخرى الناشر: مؤسسة الكتاب الثقافية، ط1ـ 1393هـ.

37.الجرجاني، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، الكامل في ضعفاء الرجال، قراءة وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3ـ 1409هـ. ـ 1988م.

38.الجويني، إبراهيم بن محمد بن المؤيد، فرائد السمطين، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مؤسسة المحمودي ـ بيروت، ط1ـ 1428 هـ.

39.حافظ إبراهيم، ديوان حافظ إبراهيم.

40.الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، إشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

41.الحر العاملي, محمّد بن الحسن, الفوائد الطوسية، المطبعة العلمية, قم.

42.حسن بن زين الدين، التحرير الطاووسي، تحقيق: فاضل الجواهري, الناشر: مكتبة آية الله العظمة المرعشي النجفي ـ قم، ط1ـ 1411هـ.

43.الحسني الفاسي المكي, تقي الدين, محمّد بن أحمد, العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين, تحقيق: فؤاد سيّر, الناشر: مؤسسة الرسالة, بيروت, ط2, 1405هـ.

44.الحمزاوي, حسن العدوي, مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار, المطبعة العثمانية, ط1, 1307هـ.

45.الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

46.الخميني, روح الله, كتاب الطهارة, مطبعة مهر, قم.

47. الخوئي, حبيب الله, منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة, المطبعة الإسلامية, طهران, ط4.

48.الدارقطني, أبو الحسن, علي بن عمر, العلل الواردة في الأحاديث النبوية, تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله السلفي, الناشر: دار طيبة, الرياض, ط1, 1405هـ ـ 1985م.

49.الدهلوي, شاه وليّ الله, إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء, تصحيح ومراجعه: سيد جمال الدين هروي.

50.الذهبي, شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد, الموقظة في علم مصطلح الحديث, الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب, ط2 ـ 1412هـ..

51.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد, الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردّهم، الناشر، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

52.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد, الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، الناشر، دار القبلة الاسلامية ـ جدة، ط1ـ 1413هـ.

53.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمرى، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

54.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تذكرة الحفاظ، تصحيح: عبد الرحمن بن يحيي المعلمي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

55.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيق الكتاب وخرّج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9ـ 1413هـ.

56.الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1ـ 1382هـ ـ 1963م.

57.الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، الجرح والتعديل، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1371 هـ ـ 1952م.

58.سليم بن قيس، كتاب سليم بن قيس، تحقيق، محمد باقر الزنجاني.

59.السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

60.الشافعي, محمّد بن طلحة, مطالب السؤول في مناقب آل الرسول, تحقيق: ماجد بن أحمد العطية.

61.الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

62.الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

63.الصبّان الشافعي, محمّد بن علي, إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين (مطبوع بهامش نور الأبصار), الناشر: شركة مصطفى الحلبي وأولاده, 1367هـ

64.الصفدي، صلاح الدين خليل، الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، طبعة عام 1420هـ.

65.الصفوري الشافعي، نزهة المجالس، الناشر: دار الجيل, 1998م.

66.الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، المصنف، تحقيق وتخريج وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

67.الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2ـ 1404هـ.

68.الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، الناشر: دار النعمان ـ النجف الأشرف، طبعة عام 1386هـ.

69.الطبري، محمد بن جرير ( الشيعي) دلائل الامامة، الناشر، مؤسسة البعثة ـ قم، ط1ـ 1413هـ.

70.الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، تحقيق ومراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

71.الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، الفهرست، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط1، 1417هـ.

72.العاملي, جعفر مرتضى، مأساة الزهراء، الناشر، دار السيرة ـ بيروت, ط2, 1418هـ ـ 1997م.

73.عبد الفتاح عبد المقصود، الإمام علي بن أبي طالب، الناشر، دار مصر للطباعة.

74.العجلي، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح، معرفة الثقات، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1405هـ.

75.العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو المكي، كتاب الضعفاء الكبير، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1418هـ.

76.العلامة الحلّي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق: جواد قيومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط1ـ 1417هـ.

77.العلوي، محمد بن عقيل بن عبد الله، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1ـ 1412هـ.

78.الفراهيدي, الخليل بن أحمد, العين, تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي, الناشر: مؤسسة دار الهجرة, ط2, 1409هـ.

79.القرطبي, أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: تحقيق: د. الصادق بن محمد بن إبراهيم, الناشر: مكتبة دار المنهاج ـ الرياض, ط1ـ 1425هـ.

80.القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الناشر: دار الاُسوة، ط1ـ 1416هـ.

81.كحالة, عمر رضا، أعلام النساء، الناشر، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

82.الكليني البغدادي، أبو جعفر، محمّد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران, ط5 ـ 1363ش.

83.الكنجي الشافعي, محمّد بن يوسف, كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب, الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت, طهران, ط3, 1404هـ.

84.المازندراني, محمّد بن إسماعيل, منتهى المقال في أحوال الرجال, تحقيق: مؤسسة آل البيت, قم, ط1, 1416هت.

85.مالك بن أنس، موطأ مالك، الناشر، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط 1406هـ.

86.المالكي، حسن بن فرحان، قراءة في كتب العقائد، الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الأردن، ط2ـ 1425هـ.

87.المامقاني, عبد الله بن محمد حسن, تنقيح المقال في علم الرجال, طبعة حجرية, سنة الطبع: 1350هـ، النجف الاشرف.

88.المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين, كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: محمود عمر الدمياطي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1419هـ - 1998م.

89.المجلسي, محمد تقي, روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه, تحقيق وتعليق: الحاج السيد حسين الموسوي الكرماني، الحاج الشيخ علي پناه الاشتهاردي, الناشر: المؤسسة الثقافية الإسلامية للكوشانبور, قم, 1406هـ.

90.المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني، الناشر: مؤسسة الوفاء ـ بيروت، ط2 المصححة ـ 1403هـ.

91.محمد عبده، شرح نهج البلاغة، الناشر: دار الذخائر ـ قم، ط1، 1412هـ.

92.المزي، أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن، تهذيب الكمال، تحقيق وضبط وتعليق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 1413هـ.

93. المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، الأمالي، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2، 1414هـ.

94.المقدسي الحنبلي, أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد, الأحاديث المختارة, تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش, الناشر: مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرمة, ط1, 1410هـ.

95.المقدسي, الإمام جمال الدين يوسف بن حسن بن عبد الهادي, الشجرة النبوية في نسب خير البرية, الناشر: قسم البحوث والدراسات الاسلامية بالمنتدى الإسلامي, حكومة الشارقة, الإمارات.

96.المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تصحيح: أحمد عبد السلام، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1، 1415هـ.

97.النجاشي، أحمد بن علي, رجال النجاشي، الناشر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم، ط5ـ 1416هـ.

98.النعماني، محمد بن إبراهيم، كتاب الغيبة، الناشر: أنوار الهدى ـ قم، طبعة عام 1422هـ.

99.النيسابوري، مسلم بن الحجاج, صحيح مسلم، الناشر، دار الفكر ـ بيروت.

100.الهيتمي، ابن حجر المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي, تطهير الجنان واللسان عن ثلب معاوية بن أبي سفيان، الناشر: دار الصحابة ـ طنطا، ط1، 1413هـ.

101.الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1408هـ.

102.هيكل, محمد حسين، الصديق أبو بكر، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.



([1]) انظر في ذلك: البخاري, صحيح البخاري: ج5 ص82, ابن أبي الحديد, شرح نهج البلاغة: ج6 ص50, ابن قتيبة, الإمامة والسياسة: ج1 ص20.

([2]) وقد حذفنا المتكرر من البحوث أو المداخلات الخارجة عن الموضوع.

([3]) أخرج البخاري في الصحيح بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، أنه قال: “يوم الخميس، وما يوم الخميس؟! ثمّ بكى حتّى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتدّ برسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله!! قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه”. البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص31.

وكذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قوله: “إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم”. ج5: ص138.

([4]) انظر: الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص5.

([5]) انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص188. أبو خيثمة, كتاب العلم: ص11.

([6]) قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: “وقد وقع في رواية شعيب عند أبي داود والطبراني وغيرهما: وأمرهم (أي عثمان) أن يحرقوا كلّ مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به، قال فذلك زمان حرقت المصاحف بالعراق بالنار... وفي رواية بكير بن الأشج: فأمر بجمع المصاحف فأحرقها”. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج9 ص18.

([7]) انظر: صحيح البخاري، ج 6 ص 102: “قال عبد الله (رضي الله عنه) والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلمُ أين أُنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أُنزلت...”

([8]) روى الذهبي في تذكرة الحفاظ قال: “إنّ الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله” تذكرة الحفاظ: ج1 ص3. وفي هذا النص دلالة واضحة على منع الخليفة الأوّل التحديث عن رسول الله(ص)! بل والتمسّك بحجيّة القرآن دون السنّة!

كما أنّ عمر كان يقول لأبي هريرة: “لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنّك بأرض دوس” ويقول لكعب: “لتتركنّ الأحاديث أو لألحقنّك بأرض القردة”. انظر: أبو زرعة، تاريخ أبي زرعة: ص270. كما أنّه بعث إلى عبد الله بن مسعود وإلى أبي الدرداء وإلى أبي مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم؟ فحبسهم بالمدينة حتّى استشهد انظر: ابن عدي، الكامل: ج1 ص4.

([9]) أي الحسن البصري.

([10]) المزّي، تهذيب الكمال: ج6 ص124، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([11]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج10 ص92 ـ 93.

([12]) ابن حجر، تطهير الجنان: ص151.

([13]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص557.

([14]) المصدر السابق: ج3 ص399.

([15]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص357، ج3 ص167.

([16]) الطبري, تاريخ الطبري: ج3 ص391.

([17]) طالما ردّد الهاشمي وغيره طلبه لنا بأن نأتي برواية سنية صحيحة تثبت هذا الأمر بتلك التفاصيل من كسر الضلع وإسقاط الجنين وحرق البيت!! وهو طلب غير عقلائي، لأسباب عديدة، أهمّها:

أولاً: أنّه يفترض سلفاً أنّ المذهب الصحيح منحصر بمذهب أهل السنّة, ومن ثم يترتب عليه إنّ ما ثبت وجوده فيه يؤخذ به, وما لم يثبت أو يصح فيه يُطرح ولا يتمسّك به, وهذا الكلام فيه مصادرة واضحة وإلغاء لبقية المذاهب، ويلغي الحوار من أساسه, وحيث إنّ حادثة الاعتداء على السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله علیها) بتفاصيلها ثابتة عند الشيعة, وأما أصل الحادثة فهي مذكورة في مصادرهم، فحينئذٍ يكفينا ذلك في الاحتجاج عليهم, ولا يجب إثبات كلّ جزئية من الحادثة من مصادرهم ووفق مبانيهم, فمن البعيد جداً أن ينقل عالمٌ أو محدثٌ سنياً أو يصحح ما يناقض مذهبه القاضي بعدالة جميع الصحابة، ومن ثم فإنّ وجود أصل الحادثة فقط كافٍ في الاحتجاج بوقوعها، وهو بنفسه كافٍ بأن يزيل تلك القدسية التي وضعوها على جماعة معيّنة.

ثانياً: ثم كيف يا ترى يجرؤ عالم من العلماء أو راوٍ من الرواة على الإقدام على هذا الأمر الخطير، فيروي كل القضية بتفاصيلها من كسر الضلع وإسقاط الجنين وحرق الدار! وهو يرى بأمّ عينيّه مصير من كان قبله من العلماء ممن يروي فضيلة من فضائل أهل البيت أو منقبة من مناقبهم، أو يمس رمزاً من رموزهم أو علماً من أعلامهم؟ فكم من عالم أسقطوا حجيته، وكم من راوٍ اتهموه في دينه من جراء ذلك؟! وهل تخفى عبارتهم المشهورة بحق البعض من الرواة المنصفين: (إنّ عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت وهو متهم في ذلك)!! أو قولهم في غيره ممن ينقل مثل هكذا أمور: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله(ص) فاعلم أنه زنديق) !! فنقلُ هذه الحوادث بتفاصيلها يعدُّ مخاطرة تطيح بمكانة وسمعة ناقلها.

ثالثاً: رغم ما تقدّم من ملاحظات؛ فإنّ الحادثة قد رويت في مصادر المسلمين، مقتصرة على التهديد تارةً، وناقلة تفاصيل معيّنة تارةً أخرى، على ما سيأتي بيانه لاحقاً.

([18]) في المصدر (معهم).

([19]) جعفر مرتضى العاملي، مأساة الزهراء: ج1 ص204ـ 205.

([20]) المصدر السابق: ج1 ص205.

([21]) المصدر السابق: ج1 ص206.

([22]) أمّا ادعاءه بأنّه لم يصدر عن الإمام علي(علیه السلام) في نهج البلاغة ما يدلّ عليها، فنقول:

 1ـ أنّ نهج البلاغة لم يجمع فيه كلّ كلام الإمام علي(علیه السلام) وخطبه ورسائله، وإنّما جمع فيه بعض ذلك بما له ربط بالبلاغة والفصاحة، فهو ليس كتاب تاريخ يدّون فيه كلّ الأحداث والوقائع التي حدثت له أو قام بها أو شاهدها وعاصرها.

ثمّ إنّه ليس كلّ ما قاله الإمام علي(علیه السلام) أو غيره بهذا الخصوص قد وصل إلينا، فربّما قال ذلك ولكنه لم يصل, فعدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود في نفس الأمر والواقع، ولعلّ عامل الخوف من السلطات أو عوامل أخرى قد أدت إلى اندثار بعض الموروث الديني للمسلمين من تلف للكتب أو ضياعها أو حرقها، كما حدث في زمن المغول أو غيره من الأزمنة العصيبة التي مرت على الأمة الإسلامية من فتن وحروب طاحنة كانت سبباً في فقدان تلك المصادر أو خلو المصادر الموجودة بين أيدينا من تلك التفاصيل.

ثم إنّ هذه الطريقة من الاستدلال السلبي لا تُجدي نفعاً في الحوار؛ لأنّ الحوار يبتني على ما هو موجود لدينا من معطيات تاريخية وروائية تنفي الواقعة أو تثبتها، وليس على طلبات من هذا وذاك وعلينا تلبيتها!

2ـ ومع ذلك فإنّ الإمام علي(علیه السلام) أشار إجمالاً لتلك الحادثة في نهج البلاغة، فقال: “وستنبئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها” نهج البلاغة، خطب الإمام علي(علیه السلام): ج 2 ص 182، فإذا كان الظلم قد وقع عليها ولم يبين الإمام(علیه السلام) نوعه ولا جنسه، وجاءت روايات عن أبنائه الطاهرين من أئمّة أهل البيت(علیهم السلام) توضح لنا نوع هذا الظلم وتذكر تفاصيله، والتي منها ما رواه الإمام الكاظم(علیه السلام) من أنّها: (صديقة شهيدة)، الكافي، الشيخ الكليني: ج 1 ص 458. أو غيرها من الروايات التي تصرّح بكسر ضلعها أو إسقاط جنينها، والتي ستأتي الإشارة إلى بعضها أثناء البحث، فمن المجموع يمكن أن نكتشف أنّ هذا هو الذي وقع فعلاً.

3ـ أنّ ثبوت أصل الحادثة من تهديد الخليفة عمر لفاطمة(سلام الله علیها) بإحراق بيتها عند أهل السنة، كما سيأتي، هو بنفسه يزيل الهالة القدسية التي صوروها للصحابة، ويعطي مؤشراً واضحاً على عدم صحّة المنهج الذي يسيرون عليه.

([23]) حتّى لو لم يذكر الإمام علي(علیه السلام) تفاصيل كل القضية، ولكنه قد أشار إليها ـ كما تقدّم ـ بقوله: “وستنبئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها”. كما أن حصر المطالبة برواية واردة عن خصوص الإمام علي(علیه السلام) أو الزهراء(سلام الله علیها) في إثبات مسألة الهجوم على بيت الزهراء وما ترتب على ذلك؛ ليس له ما يبرره، إذ لا يوجد مسوغ عقلي أو شرعي لحصر إثبات الحوادث أو الموضوعات بنقل صاحب الحادثة فقط حتى تثبت صحتها عند من يأتي من بعدهم!

أما قوله: إن العلماء لم يذكروه؛ فسيأتي منا ذكر الروايات التي نقلها علماء أهل السنة، والتي تثبت هذه الواقعة.

 أما بخصوص كلامه: لماذا المناقشة؟ نقول: نحن لا نتناقش على مجرد كسر الضلع أو إسقاط الجنين، مع أهميته وخطورته عندنا، وهو مما ثبت في رواياتنا، وإنما نتحاور حول مظلومية الزهراء(سلام الله علیها) بأي نحو من أنحائها: من غصبها حقها، والهجوم على دارها، وتهديد بيتها بالحرق بمن فيه، فكلّ هذه الأمور قد ذكرها بعضٌ من علماء أهل السنة، فثبوتها له مردود سلبي ربما لا يقل خطورة عن قضية كسر الضلع وإسقاط الجنين، وقد ينسحب حتّى على مشروعيتهم في الخلافة.

ومما يلزم التذكير به هنا: إن مجرد ثبوت وفاة الزهراء(سلام الله علیها) وهي غاضبة عليهما، كما تقدّم، هو في حد ذاته دليلٌ على أنهما أغضباها فعلاً، مع أن النبي الأكرم(ص) قال في حقها: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني) صحيح البخاري: ج4 ص210. فهل يجوز إغضاب من يغضب رسول الله(ص) لغضبه؟ وما حكمه في نظركم؟ فالنتيجة إذن واحدة، وهي أنهما أغضبا الله تعالى ورسوله عليهما، سواء أثبت عليهم كسر الضلع وإسقاط الجنين أم لم يثبت. وعليه، فكل نقاش الهاشمي وغيره في هذا البرنامج لا داعي له أساساً؛ لأنّ قضية إغضابها وموتها على ذلك من الأمور الثابتة والقطعية عند جميع المسلمين.

([24]) لم نلمس من السيّد الهاشمي لا في حواراتنا ولا في غيرها مما أقيم في هذه القناة أي محاولة لتقريب وجهات النظر بين المسلمين، أو تحرير العقل من الخرافة والجمود وغير ذلك من مدعياته, بل وجدناه يسعى جاهداً إلى تفريق الكلمة، وزرع روح البغض والحقد بين الفريقين؛ من خلال استضافة أُناس لا يؤمنون بلغة الحوار أساساً، وهدفهم تسقيط الشيعة بأساليب رخيصة، من دون اللجوء إلى الأدلّة والاحتكام إليها, وكان موقفه دائماً مسانداً لهم, فكان طرفاً منحازاً في الحوار، وليس مقدّما للبرنامج فحسب؛ ولذا لم يقم باستضافة العلماء الذين عُرفوا بوسطيتهم واعتدالهم، كعلماء الأزهر الشريف أو غيرهم من علماء أهل السنّة المعتدلين، ليكون النقاش معهم علمياً، قائماً على احترام الآخر وقبوله، كمسلم له أدلّته من الكتاب والسنّة.

([25]) المساواة بين التقية وبين الكذب والنفاق يمثل تجنياً على الأدلة العقلية, بل والنقلية لهذه المسألة، والتي روتها مصادرُ الفريقين، وبإمكان من يريد الاطلاع عليها أن يراجعها في محلها، ولا نعرف كيف سيوطّد الهاشمي العلاقة بين العرب والإيرانيين، ـ وغالبيتهم من شيعة آل بيت الرسول(ص) ـ والذين يصفهم بأنهم أشقائه وأعزاء عليه، حينما يساوي بين مسألة التقيةـ والتي يُعرف رأيهم فيهاـ وبين رذيلتي الكذب والنفاق، وهي أبعد ما تكون عنهما، بحكم الطبيعة الإنسانية والعقل السوي والنقل الثابت, بل إنّ التقيّة مبدأ قرآني مارسها بعض الصحابة، مثل الصحابي الجليل عمّار بن ياسر، ونزلت فيه الآية المباركة: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}, النحل: 106.

([26]) الكليني، الكافي: ج2 ص639.

([27]) توجيه بعض الانتقادات أو الملاحظات إلى منبر إعلامي يتناول قضايا حساسة تهم المسلمين جميعاً يتنافى ـ من وجهة نظر الهاشمي ـ مع جمال الأخلاق. أمّا توجيه الاتّهامات إلى شريحة كبيرة من المسلمين واتّهامهم بالحقد والثأر وسبّ الصحابة ـ لمجرد أنّهم يريدون أن يردّوا، مرغمين، على القضايا التي بادر الهاشمي إلى طرحها لأسباب وأهداف غير واضحة، نعتقد أنها تتنافى بل تتجاوز حدود ما ذكره من نقد التراث الديني أو نشر ثقافة التسامح ـ هو أمر مباح، بل طبيعي يتناسب مع أجمل الأخلاق؛ وفق مقاييس الدكتور الهاشمي، وعلى هذه فقس ما سواها.

([28]) لم يسمح لنا الهاشمي بنقد قناته أمام الملأ, مع أنّ قصدنا هو تقديم نصائح وإرشادات من شأنها أن تساهم في تطوير القناة وإثراء مادتها العلمية ورفع السلبيات التي تعترض طبيعة عملها والتي لا تخلو منها قناة من قنواتنا الإسلامية وغيرها، ثم ما هو السبب الذي جعل الهاشمي لم يتحمل النقد, ولا يريد ذلك أمام الملأ, لربّما المتابع للقناة يعرف الإجابة, فالهاشمي يخشى ظهور سلبيات قناته للناس ومنها: استضافته في أكثر برامجه وخاصّة التي تعالج المسائل الخلافية بين الشيعة والسنة سواء في هذه المناظرات أو التي قبلها لشخصيات تكفيرية لا تؤمن بالحوار مع الشيعة أو بالتقارب معهم، بل تعتبرهم فرقة خارجة عن الدين. ومنها: انحيازه الكامل لهؤلاء المتطرفين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة. ومنها: اختياره لمواضيع حساسة وخطيرة من شأنها أن تؤجج الصراع بين المسلمين وتكون سبباً في الفتنة وإحداث شرخ عميقٍ بينهم لا يلتئم بسهولة. ومنها: عدم قبوله لأدلّة الشيعة رغم موافقتها للضوابط الحديثية في تصحيح الروايات وقبولها عند علماء أهل السنة. ومنها: مقاطعته للمتكلم الشيعي وعدم تركه يكمل حديثه أو يبين مراده. ومنها: عدم مساواته في توزيع الوقت بين المتكلّم الشيعي وبين غيره، وغير ذلك من السلبيات، والتي ظهرت من خلال المناظرات السابقة، والتي كررها أيضاً في هذه المناظرة.

 

([29]) يقصد الإمام(علیه السلام) في هذه العبارة التي يخاطب بها الرسول الأكرم(ص) أنّ هناك من الصحابة من ظلم الصدِّيقة الطاهرة وغصبها حقها، وهذا وحده يكفي في إدانتهم، كما أنّه ينبئ عن أمور عظيمة منها:

1ـ أنّهم لم يراعوا حرمتها ومكانتها عند الله تعالى، بعدما ورد بحقها: أنّها سيّدة نساء العالمين، وأنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها.

2ـ أنّهم لم يراعوا كذلك حرمة أبيها(ص) فيها، فهي ابنته الوحيدة التي بقيت بعده، وهي بضعة منه وروحه التي بين جنبيه.

3ـ كما أنّهم قد خالفوا في ذلك الرسول الأكرم(ص) الذي أوصى أمّته بها وببنيها خيراً، في أكثر من حديث، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، حديث الثقلين المتواتر، عندما قال(ص): “أذكركم الله في أهل بيتي... يكررها ثلاثاً”، صحيح مسلم، مسلم النيسابوري: ج 7 ص123.

4ـ كما يمكن أن نستشف، من موقفهم هذا، أمراً في غاية الأهمية؛ وهو أن من يتجاوز على بضعة المصطفى(ص) ويتطاول على مقامها ويغصب حقها، مع علمه بمقامها السامي ومنزلتها عند الله تعالى وعند رسوله، ورغم توصيات النبيّ(ص) المتكررة فيها وفي بنيها، سوف يسهل عليه بعدها أن يظلم أو يغصب حقَّ من له شأن مثل شأنها أو أقل منها، مثل شأن الإمام علي(علیه السلام).

(1) نهج البلاغة: ج2 ص 183، شرح الشيخ محمّد عبده، خطبة رقم: 202.

([31]) انظر، الكليني، الكافي: ج1 ص 458. الطبري، محمّد بن جرير، دلائل الإمامة: ص138. الشيخ المفيد، الأمالي: ص282.

([32]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج4 ص1505. وأضاف: “وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء، حسن القراءة مليح الشكل، مهيباً ديناً صالحاً، وعلى يده أسلم غازان الملك، مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة، وله ثمان وسبعون سنة، رحمه الله تعالى”.

([33]) الجويني، فرائد السمطين: ج2 ص35 ح371.

([34]) الأمالي، الشيخ الصدوق: ص176، كتاب سليم بن قيس: ص427.

([35]) في محاولته توجيه الرواية الدالة على كبس أبي بكر لبيت الزهراء(سلام الله علیها)، والرواية هي ما ورد عن أبي بكر، قوله: “إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب...». تاريخ الطبري: ج2 ص619. وقال الحنبلي المقدسي في الأحاديث المختارة، قال: «هذا حديث حسن عن أبي بكر». محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي، الأحاديث المختارة: ج1 ص90.

وأخرج الحديث سعيد بن منصور في سننه، وقال: «إنّه حديث حسن» على ما في كنز العمال للمتقي الهندي. كنز العمّال: ج5 ص633.

([36]) للرد على ادّعاء هذا التفسير لسبب كبس بيت فاطمة(سلام الله علیها) نقول:

1ـ إنّه تخرّص لا يستند إلى دليل؛ فهو من وحي خيال ابن تيمية فقط، ولم يدّع هذا أحدٌ غيره.

2ـ إنّ كلامه هذا يُشعر بالنصب والعداء لأهل البيت ـ ولعلي(علیه السلام) بالخصوص ـ بنحو واضح؛ حيث ادّعى أنّ كبس أبي بكر لبيت فاطمة كان لأجل أنْ يُنظر لعلّ فيه من أموال المسلمين ما أخفاه علي(علیه السلام) عليهم؛ حتّى يأخذه ويقسّمه بين المسلمين، وفي هذا اتّهام خطير لعلي(علیه السلام) وهو المعروف بعدله وتقواه وصلابة إيمانه عند الجميع.

3ـ كما أنّ هذا الادعاء مما ينطبق عليه المثل المعروف: (رب عذر أقبح من ذنب) فابن تيمية أراد أن يعتذر لأبي بكر عن هذا الفعل القبيح فجاء بما هو أقبح منه، وهو اتهام أمير المؤمنين بالخيانة والسرقة لأموال المسلمين!!! وهو بهذا قد خالف القرآن والسنة وإجماع العلماء وكلّ الحقائق التاريخية التي تنزه الإمام(علیه السلام) عن أي شكل من أشكال الخيانة أو الذنب والمعصية.

([37]) ابن تيمية، منهاج السنّة: ج8 ص291.

([38]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص443.

([39]) الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي: ج 7 ص231. وقال المزي في كتاب تهذيب الكمال: “عن أبي زرعة أنّه قال: من فاته ابن حميد يحتاج أن ينزل في عشرة آلاف حديث. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: لايزال بالري علم ما دام محمد بن حميد حياً. وقال أبو العباس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي يقول: ابن حميد ثقة، كتب عنه يحيى وروى عنه من يقول فيه هو أكبر منهم” المّزي، تهذيب الكمال: ج15 ص100 ـ 101.

([40]) انظر: الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي: ج 7 ص 191. سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 12 ص 463.

([41]) قد ذكرنا هذه الرواية عن النظام المعتزلي، وقد نقل ذلك عنه الشهرستاني في الملل والنحل، فلا يجوز الإشكال علينا بأنّ الشهرستاني كان بصدد الردّ على النظام؛ لأنّ قصدنا هو أن نذكر أن هناك من علماء أهل السنّة من نقل هذه الرواية، وكما هو معروف أنّ المعتزلة فرقة من فرق أهل السنّة تصحّح خلافة الشيخين ولا تؤمن بإمامة الأئمّة من أهل البيت(علیهم السلام) وإنْ اختلفت مع أكثر فرقه ببعض الأمور الكلامية، انظر: الشهرستاني, الملل والنحل: ج 1 ص 41، ولو أنّه لم يبق لها أنصار في هذا الزمان بعد القضاء عليهم من قبل السلطة العباسية، وما الشهرستاني إلا واسطة في النقل؛ لأنّ قول النظام لم يصل إلينا إلاّ عن طريقه.

([42]) الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص54.

([43]) ابن أبي شيبة, المصنف: ج 8 ص 572. قال الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه إزالة الخفاء: ج2 ص 178: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين”, وسيأتي ذكر الرواية لاحقاً.

([44]) منهم على سبيل المثال:

 الحاكم النيسابوري (المتوفى 405هـ) في المستدرك: ج3 ص66, وقال: “صحيح على شرط الشيخين”. الحافظ البيهقي (المتوفى 458هـ) في السنن الكبرى: ج8 ص152. ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: ج 30 هامش ص 287. الحافظ الذهبي (المتوفى 748 هـ) في تاريخ الإسلام: ج 3 ص 12. أبو الفداء، ابن كثير الدمشقي (المتوفى 774) في البداية والنهاية: ج5 ص270 وقال: إسناد جيد، وكذا في السيرة النبوية: ج 4 ص 496. أبو بكر الجوهري (المتوفى 323هـ ) عن سعد بن إبراهيم، رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج6 ص48. وغيرهم الكثير.

([45]) حيث ورد أنّه دفن بسرية تامة في حش كوكب, انظر: مجمع الزوائد: ج9 ص95. وقال: “رواه الطبراني ورجاله ثقات”. ولا يخفى أنّ (حش كوكب) هو بستان كانت اليهود تدفن فيه موتاهم. انظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص438.

([46]) النحل: 125.

([47]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج11 ص21، خطبة: 199.

([48]) هو الدكتور محمد مصطفى أبو شوارب؛ رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية في جامعة الاسكندرية في جمهورية مصر العربية.

([49]) ومن الواضح البيّن أنّ الشيخ المجلسي ذكر ما أملاه عليه الدليل, إذ لا شكّ أنّ هناك روايات عند الشيعة والسنّة تصرّح بحصول الارتداد من كثير من الصحابة، بل من الأمّة, من قبيل روايات الحوض المروية في البخاري ومسلم الدالة على ارتداد الصحابة, ورواية عائشة المصرّحة بارتداد العرب قاطبة وغيرها, لذا فإنّ من يرى أنّ المراد من الارتداد هنا هو ارتداد كفر, يتحتم عليه أن يعتقد عندئذ ـ من باب الاجتهاد وفهم الدليل ـ بتكفير عدد من الصحابة, لكن المشهور المعروف بين علماء الشيعة عدم حمل هذه الروايات على ارتداد الكفر, بل يفسرونها بمعنى ترك الواجب المهم أو كفران النعمة التي أنعم الله عليهم بها من الولاية, وبطبيعة الحال؛ فإنّ الحوار لا بد أن يكون منصبّاً على ما هو مشهور علماء المذهب لا أن يُبنى على تصيّد عبارات هنا وهناك لا تغني ولا تسمن من جوع.

والمجلسي قد نقل مجموعة من الروايات كتخلّف الشيخين عن جيش أسامة وعدم إطاعتهم لأمر الرسول(ص), وروايات الدواة والقلم المروية في مسلم والبخاري والتي طلب فيها رسول الله(ص) دواة وكتفاً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده, لكن القوم رفضوا, وقال عمر: “إنّ رسول الله يهجر”, وفي لفظة (مخففة نوعا ما) أنّه قال: “قد غلب عليه الوجع” وهي تحمل نفس دلالة الهجران, أي أنّ النبيّ من شدّة الوجع صار يهذي ولا يمكن سماع قوله, ولذا فإنّ ابن عبّاس كان يبكي ويقول: “إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم”. انظر فيما يتعلق بروايات الهجر: صحيح مسلم: ج5 ص76, وفيما يتعلق بجيش أسامة, الشهرستاني, الملل والنحل: ج1 ص23.

والغرض أنّ المجلسي في ضوء فهمه لهذه لروايات اجتهد وبيّن رأيه، لكن مشهور محققي الشيعة قد خالفوه في هذا الفهم، فهم لا يرون ارتداد الشيخين فضلاً عن غيرهم، وإن كانوا يرونهم أنّهم اخطأوا في أمور كثيرة.

([50]) إنْ كان نقل الروايات الصحيحة التي تبيّن حقيقة ما فعله بعض الصحابة يعتبر سبّاً وتنقيصاً للصحابة، فحينئذٍ يجب القول بإنّ محدّثي السنّة وعلماءهم هم من سبّوا وشتموا الصحابة؛ لأنّهم نقلوا هذه الروايات في كتبهم, وصرّح بعضهم بصحّتها.

 

([51]) قد ذكرنا سابقاً أنّ نقل الروايات الصحيحة إذا كان يمثل شتماً وسبّاً للصحابة فهذا يعني أنّ علماء أهل السنّة ومحدّثيهم هم من يسبون الصحابة؛ لأنّهم رووا هذه الروايات في كتبهم وبعضهم صرّح بصحّتها، بل إنّ القرآن بنفسه ذمّ بعض الصحابة، كما في سورة الجمعة وغيرها.

([52]) قد ذكرنا ـ كما مر ـ رواية صحيحة من تاريخ الطبري ورواية أخرى عن الجويني، أستاذ الذهبي، والذي وصفه الذهبي: (بالإمام المحدث، الأوحد، الأكمل، فخر الإسلام)، هذا فضلاً عن نقلنا لشهادة بعض علماء أهل السنة على وقوع الهجوم على بيت الصديقة فاطمة(سلام الله علیها).

([53]) لم ندّع بأنّ ما ذكرناه هو قول الشهرستاني، بل قلنا إنّه ـ أي الشهرستاني ـ ينقل عن النظّام، أي أنّ النظام هو من قال ذلك.

([54]) فرقة ظهرت حديثاً في العراق ادعت المهدوية وانتهى أمرها. وعلى الهاشمي أن يثبت بأدلة قاطعة أنّ الشيعة يأتون بالروايات الملفّقة تجاه من يرونهم فرق منحرفة.

([55]) بغض النظر عن قيمة هذا الكلام من الناحية العلمية والاستدلالية، ومدى ارتباطه بموضوع البحث، فإنّ الأسلوب الذي صيغ به يعبر بوضوح عن إثارة النفوس وتشويش الأذهان، وهو أقرب إلى الدعاية منه إلى البحث العلمي الرصين، مما يضع أكثر من علامة استفهام على الأهداف الحقيقية من وراء طرح هكذا مواضيع في هذه القناة.

([56]) لا شكّ ولا شبهة في أنّ الجويني هو شيخ الذهبي, والذهبي مدحه في ترجمته ووصفه بأنّه الإمام المحدّث الأوحد وأنّه ذو عناية بالحديث, فكيف يصفه بذلك وفي الوقت نفسه يقول عنه: حاطب ليل, فهذا التناقض لا يمكن أنْ يصدر من مثل الذهبي, ولذا فإنّ هذه العبارة: (حاطب ليل)، لا توجد في كتب الذهبي إطلاقاً, فعلى الطرف الآخر إثبات أنّ هذه العبارة للذهبي ثمّ الاستدلال بها.

([57]) الروايات التي نقلناها صحيحة وليست مكذوبة, وأنّ نقل الروايات الصحيحة لا يلازم سبّ الصحابة, وإلا فسيكون علماء السنّة ـ كما قلنا سابقاًـ هم من الذين يسبّون الصحابة لأنّهم نقلوا الكثير من السلبيات عن الصحابة وصرّحوا بصحّتها.

فإنّ السب شيء وذكر أعمالهم وأفعالهم مهما كانت قبيحة ـ إذا كانت ثابتة بطرق صحيحةـ شيء آخر، وذلك طبقاً لما قاله أمير المؤمنين(علیه السلام): “إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر” نهج البلاغة، خطب الإمام علي(علیه السلام): ج 2 ص 185.

 ومن ذلك يتضح أن القول بأن الشيعة تسب الصحابة بمجرد نقلهم للروايات التي تشير إلى أنهم هجموا على دار الزهراء(سلام الله علیها)، أو التي تذكر بعض سلبياتهم ومواقفهم المناقضة لنظرية عدالتهم جميعاً؛ ما هي إلا مغالطة واضحة يراد بها التموية على المتلقي السني وخداعة بأن الشيعة أعداء للصحابة ولذلك يسبونهم ويلعنونهم، ومن أجل ذلك ساغ قتلهم وإبادتهم.

([58]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج4 ص 1505. هذا هو رأي الذهبي بالجويني، وماذكره الحسيني أن الذهبي يقول عنه حاطب ليل، فهذا لم يثبت عن الذهبي، وإليك تفصيلاً في ذلك.

الجويني: هو إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني صدر الدين أبو المجامع، قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: «وسمعتُ من الإمام المحدث، الأوحد الأكمل، فخر الإسلام، مدر الدين إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني . . . وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء، حسن القراءة، مليح الشكل مهيباً، دينا صالحاً، وعلى يده أسلم غازان الملك». ج 4 ص 1506. وترجم له الذهبي في معجم شيوخه قائلاً: “ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُؤَيَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بِنْ حَمُّوَيْهِ، الشَّيْخُ الْقُدْوَةُ، صَدْرُ الدِّينِ أَبُو الْمَجَامِعِ الْجُوَيْنِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ الصُّوفِيُّ الْمُحَدِّثُ... وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ وَاعْتَنَى بِالرِّوَايَةِ... وَكَانَ صَدْرُ الدِّينِ تَامُّ الشَّكْلِ مَلِيحًا مَهِيبًا خَيِّرًا، مَلِيحَ الْكِتَابَةِ حَسَنَ الْفَهْمِ مُعَظَّمًا بَيْنَ الصُّوفِيَّةِ إِلَى الْغَايَةِ” معجم الشيوخ الكبير، ج1، ص157ـ 158. تحقيق: د. محمد الحبيب الهيلة، ط1، 1408هـ.

وقال عنه الصفدي: “الإمام الزاهد المحدث شيخ خراسان، صدر الدين أبو المجامع ابن الشيخ سعد الدين بن المؤيد بن حمويه الجويني الشافعي الصوفي... وكانت له صورة إلى تلك البلاد الكبيرة، ومنازلهُ في صدور التتار أثيرة، تتضاءل النجوم لعلو قدره، وتنكشف الشموسُ الضاحية لطلوع بدره، لا يصل أحد إلى لمس كمه، ولا يطمع القان الأعظم في اعتناقه وضمه”. أعيان العصر وأعوان النصر، أيبك الصفدي، ج1، ص121ـ 122. ط دار الفكر المعاصر، 1418هـ.

وقال ابن حجر في الدرر الكامنة: “إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُؤَيد بن حمويه الْجُوَيْنِيّ صدر الدّين أَبُو المجامع ابْن سعد الدّين الشَّافِعِي الصُّوفِي...وَكَانَ ديّناً وقوراً مليح الشكل جيد الْقِرَاءَة، وعَلى يَده أسلم غازان”. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، ج1، ص176. ط عام 1972.

أما قول الذهبي عنه بأنه بحاطب ليل، فهذا لم يثبت عنه في أي كتب من كتب الذهبي، بل هو مما ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة، فهو بعد أن وثّقه بما سبق مما ذكرناه عنه، نقل عن ظهير الدين الكازروني صاحب مختصر التاريخ أنه ادعى أن يحيى الكرخي شافهه بذلك، فقال نقلاً عن الكازروني:”وشافهني يحيى الْكَرْخِي بهمذان عَن القَاضِي نجم الدّين أَحْمد بن أبي سَالم أَحْمد بن يزِيد بن نَبهَان الْأَسدي عَن أبي عَليّ الْحداد، قَالَ الذَّهَبِيّ: كَانَ حَاطِب ليل جمع أَحَادِيث ثنائيات وثلاثيات ورباعيات من الأباطيل”.

فكيف يتم الاعتماد على هذه المشافهة المزعومة والإصرار عليها، وترك ما صرح به الذهبي وابن حجر وغيره ـ بنحو صريح ومكتوب ـ من مديح وثناء؟ هل هذا مقتضى الإنصاف؟

 

([59]) العجلي، معرفة الثقات: ج1 ص276.

([60]) ابن سعد، الطبقات: ج7 ص381.

([61]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج10 ص42.

([62]) المزّي، تهذيب الكمال: ج28 ص400.

([63]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التذهيب: ج1 ص220.

([64]) والمراد بها: ما أخرجه ابن أبي شيبة عن محمّد بن بشر نا عبيد الله بن عمر حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه أسلم: “أنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله(ص) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله(ص) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله! والله ما من أحد أَحَبَّ إلينا من أبيك، وما من أحد أَحَبَّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك، إن أمرتهم أن يُحَرَّقَ عليهم البيت عليهم البيت، قال: فلمّا خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم لَيُحَرِّقَنَّ عليكم البيت، وأيمُ الله ليمضين لما حلف عليه، فَانْصَرِفُوا راشدين، فَرَوْا رَأْيَكُمْ، وَلَا تَرْجِعُوا إِلَيَّ، فَانْصَرَفُوا عنها فلم يرجعوا إليها حتّى بايعوا لأبي بكر”. المصنّف: ج8 ص572.

([65]) ابن حبّان، الثقات: ج7 ص397.

([66]) الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي: ج7 ص210.

([67]) وكذلك وثقه يحيى ابن معين وأبو زرعة وابو حاتم، انظر: المزي, تهذيب الكمال: ج19 ص128.

([68]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج5 ص316.

([69]) انظر: المزي, تهذيب الكمال: ج2 ص529.

([70]) قال الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه: إزالة الخفاء: ج2 ص 178: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين”.

([71]) كيف يمكن أنْ نتصور أنّ الأخبار التي وردت بأسانيد صحيحة هي أباطيل وموضوعات, وما هو المعيار الذي يتخذه (أبو شوارب) في ردّ الأحاديث وقبولها! علماً إنّ السلفية يرون أنّ خبر الواحد الصحيح يوجب العلم.

([72]) إذا كانت المقاومة التي يقصدها السيد (أبو شوارب)، هي المقاومة التي يقودها بعض المتشددين من السلفيين الذين لم يفهموا الدين على حقيقته، والتي تقتل الأبرياء في العراق أو في غيره في المساجد ومآتم العزاء والأماكن العامة، أو تفجر أجسادها في أوساط الأطفال والنساء والشيوخ لا لشيء إلا لتُوفِّر لأمريكا مبررات وجودها في المنطقة، ولتُشوِّه سمعة الإسلام وصورته المحمدية السمحاء في نظر الصديق قبل العدو، من خلال تسويقها للإسلام على أنه مشروع للقتل والبطش وقطع الرقاب، بل لكل معاني الفوضى والظلام والهمجية، دون أن تطلق ـ ولأسباب غير واضحة ـ رصاصة واحدة ضد عدوها المفترض، الكافر الصليبي، فإن ما ذكره السيد (أبو شوارب) من كون خطابها ملفقاً هو صحيح تماماً.

أما إذا كان المقصود هي المقاومة (اللبنانية) التي أفشلت المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، بل في العالم، وأفقدته كل مبررات وجوده واستمراره، من خلال صمودها الأسطوري، والتي أعادت بدمائها الزكية الطاهرة والعزيزة للمسلمين شيئاً من عزتهم التي أضاعها حكام الجور، فهذا المقصود باطل لمن كان له أدنى إنصاف.

([73]) ليس لهذا الكلام نصيب من الصحة إطلاقاً؛ وذلك أن موضوع اختلافنا ليس هو قضية الإمامة أو الخلافة والحكم فقط، وإنما هناك كثيرٌ من القضايا التي كانت سبباً في وجود هذا الاختلاف بين المسلمين، والدليل على ذلك هذه المناظرات، فلم يتم التطرق فيها إلى قضية الإمامة أصلاً، وإنما كان النقاش حول مظلومية الزهراء(سلام الله علیها) من قبل بعض الصحابة.

أضف إلى ذلك: فإنّ الحوار في موضوع الإمامة غير مقتصر على الخلافة السياسية ليتسنّى القول بأنّ الخلافة السياسية حالياً ليست في أهل البيت، مع أنّ هذا الكلام أيضاً يفتقد إلى المعرفة الحقيقية بعقائد الشيعة، وبيان ذلك مختصراً:

إنّ الشيعة ترى خلافة اثني عشر إماماً بعد النبي(ص): أولهم الإمام علي(علیه السلام) وآخرهم الإمام المهدي(علیه السلام)، وهو مازال حيّاً غائباً عن الأنظار، فالخليفة الفعلي ـ بالمعنى الأوسع من الحاكم ـ الآن هو الإمام المهدي(علیه السلام), هذا أوّلاً, وثانياً: إنّ الخلاف الأهم بين الشيعة والسنّة هو مسألة مرجعية أهل البيت الفكرية والدينية, فهم المنبع الصحيح الذي تؤخذ منه العقيدة والأحكام وغيرها من التعاليم بعد وفاة النبي(ص), وهذا الأمر لا يؤمن به أهل السنّة؛ وذلك أدّى إلى الخلاف في مسائل مهمة تخص العقيدة والأحكام وغيرها, فالخلاف إذن غير مقصور على الخلافة السياسية كما يُدّعى.

([74]) من الغريب أنْ يتكلم (أبو شوارب) عن مسألة ظهور السند في القرن الرابع! فهل نسي أو تناسى أنّ جلّ أسانيد أهل السنّة ظهرت في القرن الثالث؟ مع أنّ النبي(ص) توفي في سنة (11) من الهجرة المباركة، وأهل السنّة لا يؤمنون بمعصوم غير النبي(ص), فأسانيدهم عندئذ ظهرت بعد مائتي سنة من وفاة الرسول, ولم يكن هناك تدوين عندهم يحفظ التراث, أمّا الشيعة فكانوا يدونون ما يسمعونه من أئمتهم, وكانت عندهم الأصول المعروفة (بالأصول الأربعمائة) وغيرها من الكتب, لكن المؤسف أنّ أكثر الكتب قد تلفت ولم تصل بذاتها, لكن أغلب رواياتها وصلت إلينا عن طريق المحدثين الشيعة؛ أمثال الصدوق والكليني والطوسي وغيرهم؛ فتأخرُ ظهور السند عند الشيعة نتيجة فقدان تلك الكتب بالنسبة لنا, ووصولها إلى محدثينا الكرام, أمّا تأخر السند عند أهل السنّة فهو نتيجة عدم التدوين من الأساس, ولذا كان اعتمادهم على حفظ الروايات التي قد مضى عليها أكثر من مائتي عام, والفرق كبيرٌ بين الأمرين, فكان الأجدر بأبي شوارب السكوت وعدم فتح هذا الباب الذي تثار معه ألف علامة استفهام وتساؤل حول طريقة جمعهم للأحاديث وتدوينهم لها!

([75]) لا يوجد هناك مرجع من مراجع الشيعة ـ بالمعنى الشيعي الصحيح للمرجع ـ يُحرِّض الجمهور على سبّ الصحابة أو أمهات المؤمنين، فهذا ليس من شأنهم ولا من وظيفتهم، فهم أعلى شأناً من ذلك، وهذه كتبهم ورسائلهم العملية أو مقالاتهم ودروسهم تشهد بهذا، مع العلم أنّ قول المراجع هو الحجّة على خصوص مقلديهم وليس على غيرهم.

([76]) صحيح أن الرواية لم تصرح بقتلها، لكنها صرحت بأنها قد ظلمت وقهرت، والقتل أحد أفراد الظلم وأعلى مراتبه، وهذه الدلالة جاءت في نفس الرواية ـ أي قوله(علیه السلام): “وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها”، وفي اللغة معنى: هَضَمَه يَهْضِمُه هَضْماً: ظَلمه وغصَبه وقهرَه، ومن الغريب تجاهلك لهذا المقطع من الرواية، لكن تجاهلته لأنّه واضح الدلالة لفظاً ومعنىً ـ وبما لا يقبل الشك ولا التأويل ـ على ما لاقته السيّدة فاطمة(سلام الله علیها) من ظلم وقهر، والذي يكشف عن طبيعة العلاقة بين السيّدة فاطمة الزهراء(سلام الله علیها) وبعض الصحابة، والتي لم تكن إيجابية أو ودية إطلاقاً.

([77]) كلام الأستاذ (أبو شوارب) هنا مضطرب ومثير للدهشة والاستغراب، فهو من جهة يقرأ كلمة الإمام (لأعلم)، يقرأها: (لا أعلم)! أي أن الإمام ينفي بأنه يعلم الغيب، ومن جهة أخرى يعطف بقية كلام الإمام على قوله (لا أعلم)، لكن يقرأه بالإثبات أي: (وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون). والظاهر أن قناة المستقلة لا تبالي بما تقول ولا بما يقال فيها، لأنها غير معنية في الأساس لا بإحقاق الحق ولا بإثبات الحقيقة، بل إنها تحترف الدعاية الإعلامية وإثارة الأحقاد؛ طريقاً للوصول إلى أهداف خفية أُوكلت إليها من جهات معينة.

([78]) حتى لو سلمنا جدلاً بصحة ما يدعيه الدكتور (أبو شوارب) حول اشتمال كتاب الكافي على بعض الأمور المتناقضة والمتعارضة، وهو اتهام من غير دليل، فإن مؤلفه، على الأقل، لم يقم باقتطاع الروايات التي ينقلها، كما فعل الدكتور (أبو شوارب) حينما تكتم على تكملة الرواية المنقولة عن الإمام الصادق(علیه السلام) في كتاب الكافي ولم يتطرق إليها، بل ولم يشر حتى إلى أن ما نقله هو جزء من الرواية وليس كلها، ولكي يتضح السبب في ذلك، فإننا نورد هنا أصل الرواية كما وردت في المصدر ونترك الحكم في ذلك للقارئ الكريم، وأصل الرواية هو كالآتي: “عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان عن أبيه، عن سدير قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله(علیه السلام) إذ خرج إلينا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي، قال سدير: فلما أن قام من مجلسه وصار في منزله، دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له: جعلنا فداك، سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك، ونحن نعلم أنك تعلم علماً كثيراً ولا ننسبك إلى علم الغيب، قال: فقال: يا سدير، ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل: {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرجل؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال: قلت: أخبرني به؟ قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر، فما يكون ذلك من علم الكتاب؟! قال: قلت: جعلت فداك، ما أقلّ هذا! فقال: يا سدير: ما أكثر هذا، أن ينسبه الله عز وجل إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضاً: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، قال: قلت: قد قرأته جعلت فداك، قال: أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كله، قال: فأومأ بيده إلى صدره وقال: علم الكتاب والله كله عندنا، علم الكتاب والله كله عندنا”. الكليني، الكافي: ج1 ص257.

إذن فالرواية بعد التأمّل في صدرها وعجزها يتّضح أنّها تنفي علم الغيب المنسوب للإمام بلا واسطة، وتثبت علم الغيب المتحصّل عن المعرفة التامّة بكتاب الله، أي علم الغيب الذي علمه من الله سبحانه وتعالى، فليس المراد بعلم الغيب هنا هو علم الغيب المطلق، فهذا مختص بالله تعالى، وإنّما هو تعلم من ذي علم، وهو ما أشار إليه تعالى في قوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا *إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} سورة الجن:26 ـ27. وكلّ علومهم هي من علوم جدهم(ص) يتوارثونها كابر عن كابر، كما صرحوا بذلك مراراً وتكراراً، فالإمام لا يعلم إلا بما يعلّمه الله, ولذا فالإمام هنا دفع شبهة أنّه يعلم الغيب لذاته حين أخبرهم بأنّه لا يعلم مكان الجارية, أي أنّه بعلمه الذاتي غير المستند إلى الله لا يعلم, لكن لو أطلعه الله تعالى فسوف يعلم, هذا خلاصة ما يقال في هذه الرواية, فأين التناقض هنا يا فضيلة الدكتور؟

ثمّ كان الأحرى بأبي شوارب أنْ يعالج التناقضات الموجودة في كتابي مسلم والبخاري ومعالجة الاساءات التي وردت فيهما إلى الأنبياء بما فيهم نبيّنا محمّد(ص)، بل إنّ الإساءات فيهما وصلت حتى إلى الله سبحانه وتعالى، خصوصاً مع الفارق الكبير في نظرتنا إلى الكافي على أنّه من أهم الكتب الشيعية لكنه يحتوي على الصحيح والضعيف، ولم نقل بصحّته أجمع، أمّا أنتم فترون صحّة كل ما في البخاري ومسلم، فالتناقض والاساءة ثابتة في كتبكم دون كتاب الكافي.

([79]) تقدّم الكلام عن ذلك وعرفنا أنّ سند الحادثة حسن، وأنّ مناقشة ابن تيمية لمتنها لم يكن صحيحاً، وفيه اتّهام وتجنّي على الإمام علي(علیه السلام) والزهراء(سلام الله علیها) باكتنازهما لأموال المسلمين!!!

([80]) لم نقل إنّ كل ما فيه صحيح, بل فيه الصحيح والضعيف, لكنّ الخبر المتعلّق بحادثة الهجوم هو خبر صحيح, فهذه المراوغة من (أبو شوارب) بيّنة البطلان.

([81]) من أغرب الأمور التي يتمسَّك بها المناظرون ويرددونها دائماً هو التفكيك بين قضية الهجوم على بيت الزهراء(سلام الله علیها) وبين التهديد بحرقه من قبل الخليفة الثاني، فيعترفون بصحة واقعة التهديد وينكرون قضية الهجوم على دارها وجمع الحطب لحرقه على من فيه, وهنا لا بدّ أنْ نذكر بعض الملاحظات:

1ـ أن قضية هجوم الخليفة على دار الزهراء(سلام الله علیها) وجمع الحطب لحرقه بمن فيه هي مما نقله علماء الشيعة وبعضٌ من علماء ومؤرخي أهل السنة على حد سواء، وهذا بحد ذاته ينبئ عن صحة الحادثة واشتهارها بين المسلمين، فلا عبرة بمن يحاول إنكارها؛ رجماً بالغيب ليس إلاّ.

2ـ أنّ الاقتصار على ذكر التهديد فقط والإغماض عن عملية جمع الحطب والهجوم على الدار بقصد حرقها هو من صنع علماء الحديث ورجاله عند أهل السنة، ممن لا يُسوّغ لهم اعتقادهم بعدالة الصحابة وقدسيتهم نقل ما يخالف هذه العدالة.

3ـ لو غضضنا الطرف عن كل ما قام به الخليفة الثاني مما لم يقبل به الأخوة المناظرون، فإنّ مجرد التهديد والوعيد بحرق الدار بمن فيها، ولو كان فيها الزهراء(سلام الله علیها) وعلي(علیه السلام)، فيه من الجرأة والإثم ما فيه، ولا ندري كيف يصدر كلّ هذا ممّن يدعى له التربع على قمّة العدالة والقدسية والأفضلية على جميع المسلمين عند أهل السنّة من بعد الرسول الأكرم(ص)؟

فهل من المعقول أنّه لم يسمع قول النبيّ(ص) فيها: إنها سيّدة نساء العالمين، أو قوله: فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد أغضبني، ثم ألم يعلم بما نزل في حقها من آيات قرآنية تشيد بفضلها وتذكر بمقامها كآية المباهلة وسورة الدهر وآية التطهير وغير ذلك كثير؟ ألم يكن في كل ذلك رادعٌ له عن تهديدها وتخويفها وإدخال الرعب على قلبها وقلب ابنيها الصغيرين؟

([82]) لا شكّ في أنّ (أسلم) أدرك تلك الفترة وروى عن الخليفة أبي بكر وعمر وغيرهما, قال المزي: “أدرك زمان (النبيّ صلّى الله عليه وسلّم). وروى عن: أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة (س)، وعبد الله بن عمر بن الخطاب (خ م ت)، وعثمان بن عفان، ومولاه عمر بن الخطاب (ع)، وكعب الأحبار, ومعاذ بن جبل (ق)، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة (د)، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي هريرة، وحفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين”. المزي، تهذيب الكمال: ج2 ص530.

كما أنّ (أسلم) يعتبر راوية عمر بن الخطاب وكان يُكثر عنه, قال ابن قتيبة: “وهو كثير الرواية عن عمر، وابنه زيد بن أسلم كثير الرواية عن أبيه”. ابن قتيبة, المعارف: ج1 ص189.

أمّا مسألة الجزم بعدم حضوره في المدينة تلك الفترة وكونه في مكّة، فلا دليل عليه, إذ غاية ما يستدلون به هو أنّ عمر بن الخطاب اشتراه في مكّة سنة 12 للهجرة، أي بعد الحادثة بسنة, وهذا إنْ صحّ فهو ليس بدليل؛ ذلك لإمكان حضور أسلم الحادثة ثم الرحيل إلى مكّة بعد تلك الأحداث وهناك اشتراه عمر, فمسألة شراء عمر له لا تتنافى أبداً مع حضوره الحادثة, فنفس كون رجال الرواية ثقات يُثبت أنّ أسلم كان موجوداً لعدم وجود ما ينافيه, هذا أوّلاً, وثانياً: لو فرضنا عدم حضوره فهذا لا يمنع نقله الخبر عن عمر، وهو الروايةُ لأخباره كما عرفنا, فإنّ موضع الشاهد في الرواية هو قول عمر: “وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت”, فأسلم مولى لعمر وينقل عنه، فأين الانقطاع؟ ولذلك حمل ابن حجر رواية مثيلة لهذه ـ فيها ينقل (أسلم)حادثة لم يشهدها، وفيها قولٌ لعمر ـ على الاتصال؛ رادّا بذلك على الدار قطني الذي حاول تضعيف الرواية بالإرسال، والرواية موجودة في صحيح البخاري: ج5 ص67.

وقد ضعّف الدارقطني هذه الرواية بالإرسال، باعتبار أنّ أسلم تابعي وليس صحابي فكيف يحدّث عن النبي(ص) أي أنّه لم يكن موجوداً حين الحادثة، فردّ ابن حجر، قائلاً: “قلت: بل ظاهر رواية البخاري الوصل، فإنّ أوله وإنْ كان صورته صورة المرسل فإنّ بعده ما يصرّح بأنّ الحديث لأسلم عن عمر، ففيه بعد قوله: فسأله عمر عن شيء فلم يجبه، فقال عمر: نزرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات، كلّ ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري ثمّ تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ قرآن... وساق الحديث على هذه الصورة، حاكياً لمعظم القصة عن عمر، فكيف يكون مرسلاً، هذا من العجب، والله أعلم”. مقدمة فتح الباري: ص372.

([83]) محمّد حسين هيكل، الصديق أبو بكر: ص65.

([84]) عبد الفتاح عبد المقصود، الإمام علي بن أبي طالب: ج1 ص190ـ 191. وننقل هنا كلامه بتفصيل أكثر، فقد قال: “وكذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطاب ذلك النهار، وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة، وفي باله أن يحمل ابن عم رسول الله إن طوعاً وإن كرهاً على إقرار ما أباه حتى الآن، وتحدث أناس بأنّ السيف سيكون وحده متن الطاعة... وتحدّث آخرون بأنّ السيف سوف يلقى السيف... ثمّ تحدث غير هؤلاء وهؤلاء بأنّ (النار) هي الوسيلة المثلى إلى حفظ الوحدة وإلى (الرضا) والإقرار.. وهل على ألسنة الناس عقال يمنعها أن تروي قصة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار فاطمة، وفيها علي وصحبه، ليكون عدة الاقناع أو عدة الإيقاع؟ على أنّ هذه الأحاديث جميعها ومعها الخطط المدبّرة أو المرتجلة كانت كمثل الزبد، أسرع إلى ذهاب ومعها دفعة ابن الخطاب! أقبل الرجل، محنقاً مندلع الثورة، على دار علي وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم فاقتحموها أو أوشكوا على اقتحام، فإذا وجه كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلاً من حزن، على قسماته خطوط آلام، وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر وحنق ثائر...”.

([85]) النعماني، الغيبة: ص103.

([86]) حسن بن زين الدين، التحرير الطاووسي: ص253.

([87]) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول): ج2 ص 92.

([88]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج1 ص32.

([89]) الفوائد الطوسية، الحر العاملي: ص243.

([90]) الحدائق الناضرة، المحقق البحراني: ج 25 ص372.

([91]) الرسائل الأحمدية، الشيخ أحمد آل طعان البحراني القطيفي: ج2 ص 379.

([92]) منتهى المقال في احوال الرجال، الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني: ج2 ص8.

([93]) تنقيح المقال: ج2 ص54.

([94]) ويترتب على ذلك أنّ بعض الموارد القليلة جدّاً الواردة في الكتاب لا يمكن الأخذ بها، أمّا ما عداها فهي روايات مقبولة.

([95]) سواء أقبلنا نسبة الكتاب إلى مؤلفه أم لم نقبل، فذلك لا يؤثر على الحقيقة شيئاً؛ لأنّ قضية الهجوم على الدار غير مقتصر وجودها على كتاب سليم بن قيس، بل وردت في مصادر أخرى من كتب الفريقين، فالعبرة بإثبات صحّة الحادثة من الجهة التاريخية بغض النظر عمّا إذا نقلها هذا الكتاب المعين أو ذاك.

([96]) في الحقيقة أنّ هذا الكلام من الدكتور الهاشمي يثير الغرابة، فهو يقيس منهج قبول الروايات على طريقة المحاكم البريطانية، ولا يعلم أنّ ما يقول به يوجب طرح كثير من الكتب الروائية السنيّة، بل إنّه يطيح حتى بالصحيحين، إذ قلّما تجد كتاباً لا توجد فيه روايات متعارضة، وقلّما تجد مسألة ما ولا تجد فيها روايات متعارضة، ولذا فإنّ العلماء من الفريقين وضعوا أصولاً وقواعد لكيفية الجمع والتوفيق بين هكذا روايات، وأيّهما تقدّم على الأخرى عند عدم إمكان الجمع.

فعلى منهج الهاشمي سوف يسقط كثيرٌ من المسائل الشرعية؛ نتيجة وقوع التعارض فيها، فلا ندري الهاشمي في صلاته أي صيغة من التشهد يأتي بها مع اختلاف الروايات فيها؟ وهل يجهر بالبسملة في الصلاة عند قراءة الفاتحة أم يخفت, أم أنّه يسقط البسملة ويسقط التشهد، وهكذا يسقط كل ما اختلف فيه لتنتهي الصلاة ويتفرّغ فقط لتقديم برامج المستقلة!!

([97]) نقول: إن الفتوحات التي قام بها الخليفة الثاني والتي يفتخر بها الدكتور الهاشمي، لا يمكن مقارنتها بالفتوحات والمعارك التي قام وشارك بها الإمام علي(علیه السلام) في صدر الإسلام؛ لأنّ فتوحاته هذه هي التي أسست وشيدت أركان الإسلام، وتشهد صولاته في بدر وخيبر وحنين والخندق ويوم الأحزاب وغيرها ممّا لا يستطيع أحد أن ينكرها.

 إذن، لعلي(علیه السلام) الفضل والسبق في الفتوح، ولولاه لما جاءت كل الفتوحات اللاحقة على زمنه. ثم هل أن الخليفة لم يكن يحمل السلاح ويقابل الأقران ويقتل الأبطال في كل هذه الحروب التي تُنسب إليه، والتي يفتخر بها الدكتور الهاشمي، كما كان يفعل الإمام علي(علیه السلام)، بل كانت كل هذه الفتوحات بجهود المسلمين الذين جاهدوا الكفار وضحوا بدمائهم الزكية في سبيل الله، حتى فتح الله تعالى على أيديهم المشرق والمغرب، فالفخر كل الفخر لهؤلاء الأبطال الذين لولا تفانيهم وإخلاصهم وتضحياهم لما فتح الخليفة قرية من القرى أو ناحية من النواحي فالهاشمي يصوّر أنّ الفتوحات صدرت من عمر لوحده, مع أنّ المتأمّل يجد أنّ علياً (علیه السلام) بآرائه وتخطيطيه وتوجيهاته، وبتصدي أتباعه الأبطال للمشاركة في القتال أمثال سلمان وأبو ذر ومالك الأشتر وغيرهم كان له الدور المؤثر والفعال في تحقق تلك الفتوحات, لكن التاريخ الذي كُتب بأيدي لا تسير على منهج أهل البيت(علیهم السلام) أخفت الحقائق وجعلت الفتوحات نصيب الخليفة الأول والخليفة الثاني وأغفلت دور علي(علیه السلام), ونحن هنا ننقل نصّاً واحداً من نصوصه، وهو يصوّر مظلوميته في نسبة الفتوح لغيره، قال(علیه السلام): “ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا إنّه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف”. ابن أبي الحديد, شرح نهج البلاغة: ج20 ص299.

([98]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص4ـ 5.

وهذه الرواية التي نسبها الهاشمي إلى الخليفة عمر، فضلاً عن كونها ضعيفة، بل ساقطة من حيث السند ـ نظراً لوجود سيف بن عمر الذي أجمع نقّاد الجرح والتعديل على تضعيفه، بل اتّهموه بالكذب والزندقة فضلاً عن غيره ـ  لا علاقة لها بموضوع البحث، بل هي محاولة لذرِّ الرماد في العيون، وصرف أذهان المشاهدين عن الحقائق التي طرحها المدافعون عن السيدة الصديقة(سلام الله علیها)، والتي يحاول الهاشمي طمسها من خلال الخطب الحماسية التي أسهب من خلالها في مدح كلام الخليفة حتّى كأنها خطبة من خطب نهج البلاغة! أو من خلال العزف على الوتر الطائفي أو القومي والعنصري المقيت، أو من خلال التلاعب بالألفاظ أو إثارة العواطف أو الأحقاد ضد شيعة آل بيت النبي(ص)، عبر اتهامهم بترويج الفتنه أو بالحقد والثأر أو الإساءة لصحابة النبيّ(ص)، أو ما شاكل ذلك من التهم والافتراءات، علماً أن أغلب ما يطرحه الشيعة من حقائق هو موجود في كتب أهل السنة فضلاً عن كتبهم، وليس هدفهم الإساءة لأحد، وإنما وضعُ الأمور في نصابها الصحيح، وأن يطلّع المسلمون على الحقائق التي تمس أمور دينهم ودنياهم؛ ليكونوا مصداقاً لقول الله جل وعلا على لسان النبي(ص): {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}, يوسف: 108.

([99]) ليس من الصحيح أن الشيعة يعلمون أطفالهم على الحقد والكراهية لأحد، بل هم يتحدثون بحقائق التاريخ وما تنقله الروايات والآثار من أحداث وقعت على بضعة الرسول وأم أبيها(سلام الله علیها)، التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، لذا فهم يحزنون ويألمون لما حل من ظلم وحيف على من كان النبي الكريم(ص) يستأذن ليدخل بيتها، أليس من حق أي مسلم ـ بل من الواجب عليه ـ أن يسأل عما جري لابنة الرسول(ص) بعد وفاة أبيها الكريم، ولماذا لم تبايع الخليفة أبا بكر؟ ولماذا ماتت وهي غاضبة عليه؟ ولماذا لم يؤذن لأبي بكر أن يشارك في تشييعها ودفنها والصلاة عليها؟ ولماذا تأمر بأن يُخفى الإمام قبرها فلا يُعرف مكانه لهذا اليوم؟ ولماذا ولماذا...؟

([100]) أنه لأمر عجيب أن ينادي الهاشمي عُمر وأبا بكر أمام ملايين المسلمين، وكأنهما يسمعان كلامه، هذا في الوقت الذي تُكفّر الشيعة وبعض المسلمين لا لذنب اقترفوه سوى أنهم يعتقدون أنّ رسول الله(ص) وأهل بيته(علیهم السلام) أحياء عند ربهم يرزقون مع الشهداء والصديقين، فيتوسلون بهم إلى الله تعالى في قضاء الحوائج وغفران الذنوب.

([101]) ليس الشيعة هم من يروج الفتنة بين المسلمين، فها هم أئمتهم يسكتون عن غصب حقهم في الخلافة السياسية؛ صوناً لوحدة المسلمين؛ وحفاظاً على كلمتهم من التشتت والتفرق، ولكن بنظرنا أن أول من أشاع الفتنة بين المسلمين هو معاوية بن أبي سفيان، عندما رفض أن يتنازل عن إمارة الشام حين عزله الخليفة الشرعي، فكانت الحروب الطاحنة بين المسلمين، وتفرقوا بعدها إلى طوائف وفرق متناحرة.

 كما قام في الوقت نفسه بتحريف السنة النبوية لتنسجم مع توجهات الحكام ورغباتهم، فضاع أكثرها واستبدلت بسنة الخلفاء والأمراء، فاتبعها أكثر الناس على أنها سنة الرسول(ص)، فكانت المذاهب وكانت الطوائف وكانت الفرق، وكلّ يدعي أنّه على سنته(ص).

([102]) لا توجد طائفة من طوائف المسلمين تدعو إلى الوحدة والتلاحم والمحبّة والألفة بين المسلمين مثل ما تدعو إليه الشيعة الإمامية، ومن يطالع التاريخ بحيادية وإنصاف يرى هذا الأمر بوضوح تام، وما الواقع الحالي الذي يعيشه المسلمون وكيف يتعامل الشيعة مع من يقتلهم ويشردهم عن أوطانهم بعفو وتسامح إلا خير دليل على ما نقول، فلم يكفروا أحداً من أهل القبلة أو يبيحوا دم مسلم أو ينتهكوا عرضاً محرماً، وكل ذلك يفعله غيرهم ممن ينتسب إلى أهل السنة والسنة منهم براء.

والغريب أنّ الهاشمي يفتح باب المناظرة لا بقصد الوصول إلى الحقيقة، بل هو ينطلق من خلفيات معيّنة، وعنده الأمر محسوم بدواً؛ لذلك لا يريد أن يسمع الدليل, بل يحاول جاهداً أن يحول الحوار العلمي إلى خطاب عاطفي؛ الغرض منه إبعاد المشاهد عن الحقائق، وتهييج المشاعر، وزرع البغض والتفرقة بين المسلمين.

وإلا فما معنى المطالبة بالسكوت عن بيان الحقيقة مع فتح باب المناظرة، وما الغرض من هذه الخطابات التي لا معنى لها ولا تحمل أي قيمة علمية!؟

([103]) نتمنى على الهاشمي أن يأتينا بنص واحد ينقله الشيعة عن أهل البيت فيه العبارة المذكورة، فلم نقف على هكذا نص وإنما هو من بنات أفكار وخيالات الهاشمي فقط، وإن وجد من قال بهذا من الشيعة فهو لا يمثل إلا نفسه، ونحن، ومشهور علماء الشيعة، غير ملزمين باتباع كل قائل، فنحن أصحاب الدليل والحجّة والبرهان، ولكن نسألك يا هاشمي أنت والمتحاورين معك، ما هو رأيكم بمن سبّ ولعن علي بن أبي طالب على المنابر؟ أم حين تصل النوبة لمعاوية بن أبي سفيان تخرس الألسن ولا نسمع غير التطبيل والتزمير؟

([104]) ليس الشيعة هم من يصورون علياً بهذه الصورة، وأن شغله الشاغل هو طلب السلطة والخلافة، بل هذا التصور عنه(علیه السلام) إنما كان في ذهنية بعض علماء أهل السنة، فها هو البخاري يروي أن علياً كان طامعاً في الخلافة، انظر: صحيح البخاري، البخاري، ج 8 ص 123. وها هو ابن تيمية يزعم إنه(علیه السلام) كان مخذولاً حيث ما توجه، وإنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنما قاتل للرئاسة لا للديانة، وإنه كان يحب الرئاسة. انظر: الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني: ص181.

 الإمام علي(علیه السلام) في نظر الشيعة هو رمز المكارم والقيم والأخلاق النبيلة، وهو القدوة والأسوة بعد النبي(ص), قد تحمّل وصبر في سبيل رفعة الإسلام وتطبيق أحكامه، ولذلك صبر على غصب الخلافة وغيرها من الأمور التي حصلت له, لكنه لم يسكت عن بيان حقّه المغصوب في وقائع وخطب عديدة, فالإمام كان قدوة في كل شيء, لكن مطالبته بحقّه وبيان مظلوميته وما جرى له من أحداث, كانت ضرورة لا بد منها, لأنّه حق شرعي له أولاً, ولكي يخرس الألسن التي تدعي أنّه لم يطالب بحقه ثانياً.

([105]) الرجل الذي (وضع روحه على كفه ليلة الهجرة وفي بدر وفي أحد وفي خيبر وفي كل مواقع رسول الله صلى الله عليه وسلم) كما تقول يا دكتور هاشمي ـ وهو الحق ـ هو نفسه أيضاً من حارب أم المؤمنين عائشة في وقعة الجمل بعد أن خرجت عليه مع أنه إمام زمانها، وحارب أيضاً معاوية الذي تسمونه خال المؤمنين وكاتب الوحي، فإذا كنت تنفي أو تشكك في وجود أي خلاف أو مشكلة بين بنت رسول الله وابن عمه، وبين بعض الصحابة، أو أن مثل هذه الأمور هي من افتراءات الشيعة للإساءة إلى الصحابة؛ فهل بإمكانك أن تنفي تلك الحروب، ومع من ترى الحق فيها؟ هل مع من وضع روحه على كفه ليلة الهجرة ـ كما تقول ـ أم مع معاوية الذي قتل خيرة الصحابة كعمار بن ياسر وحجر بن عدي وأشباههم؟ فإذا كان الحق فيها مع الإمام ـ كما نعتقد ويعتقد جميع المسلمين ـ وهو الصحيح، فما هو مصير من قاتله وبغى عليه، وذهبت بسببه آلاف الأرواح البريئة من المسلمين وفيهم الكثير من الصحابة؟

([106]) إن كان قصدك من وأد الفتنة هو الكف عن إقامة هذه المجالس والمآتم فهذا شيء محال، لأنها من صميم المذهب وضروراته، وهو باقٍ ما بقي على الأرض إنسان، وليس في أغلبها إساءة لأحد، وإنما تتركز على المواعظ والحكم والتذكير بالآخرة، وحث الناس على التقوى والعمل الصالح، ومحاربة النفس والشيطان، وهكذا، فالمجالس في حقيقتها وفي عرف الشيعة مدارس سيّارة يستفيد منها الناس لأمر معاشهم ومعادهم، وإذا كنت في شكٍّ من كل ذلك فعليك بمتابعة القنوات الشيعية التي تبثها، واحكم بنفسك على ما نقول وعلى ما تقول، أيهما الواقع وأيهما الادعاء والتهويل؟

 وإن كان قصدك منها هو ألا نحمِّلكم أوزار ما فعله خلفائكم وكبرائكم، وأن نتعايش وفق ما أمر به القرآن من المحبة والألفة والتعاون على البر فهذا ما ندعو له ونحث عليه.

وإمّا إنْ كان قصدك أن نتغاضى عن التاريخ ونترك الماضي، فهذا يصح بالمقدار الذي لا يرتبط بصميم الدين والعقيدة، فكيف تفرض علي أنْ أقدِّس إنساناً أراه لم يسر على السنة النبوية الصحيحة، ومن الصحابة كثير من أولئك, فكيف يمكن أن أساوي بين معاوية وبين عمار, وماذا أصنع بقول النبي(ص) بأنّ معاوية وجماعته يدعون إلى النار، كما في صحيح البخاري, فهل في عقيدتك أن تقدِّس من يدعو إلى النار؟

([107]) الواقع الخارجي يثبت أن المنهج الشيعي ليس الثأر والحقد والكراهية، بل هم ضحية ذلك من خصومهم، حيث يتم قتل الطفل الشيعي والمرأة والشيخ الكبير وقطع رؤوسهم بطريقة بشعة وهمجية، انتقاماً وبغضاً لهم، وأقوى دليل هو الواقع.

أضف إلى ذلك؛ فنحن لا نحتج بأي كتاب ولا نتدين بما فيه إلا بعد أن نخضع أسانيده لقواعد الجرح والتعديل، فما صح إسناده لا نقبله أيضاً إلا بعد أن نعرضه على القرآن والسنة القطعية, فما لم يخالفهما أخذنا به, وإلا ضربنا به عرض الجدار، وأين هذا مما عند أهل السنة من الأخذ بكل رواية إذا وردت في صحيح البخاري أو صحيح مسلم وإن خالفت القرآن أو العقل أو السنة القطعية.

([108]) من المفترض بالدكتور (أبو شوارب) أن يتأمل قبل أنْ يقاطع، أنْ يتأمّل في الدليل ويضمّه إلى بقية الأدلة الأخرى التي ذكرناها، لا أنْ يكون النفي والتكذيب حاضراً من دون دراسة علمية, فليتأمّل وينظر ـ إن صحت الرواية ـ أنّ النار التي يراد إضرامها في بيت من؟ أليس ببيت بنت رسول الله(ص) وابن عمه؟ فهل يليق ـ بل هل يعقل ـ أن تعامل بنت رسول الله بهذه الطريقة من الاستخفاف؟ فهلا شملتهم ثقافة التسامح والعفو المفترض وجودها عند أعظم رجل في التاريخ!! والذي يتغنى بذكر فضائله الدكتور الهاشمي، في الوقت الذي يتفنن في تحريض أهل السنة ضد إخوانهم الشيعة ويصفهم بأنهم أهل الحقد والثأر والتعصب.

([109]) انظر: ابن قتيبة, الإمامة والسياسة: ج1 ص19.

([110]) بسبب عجز الهاشمي عن رد الروايتين اللتين ذكرهما الشيخ الخزاعي فقد لجأ كعادته إلى أسلوبه الذي اعتاد عليه، وهو التشويش على المتكلم سواء بالمقاطعة أو باتهامه بترويج الأباطيل، ولا ندري أين هي الأباطيل في هاتين الروايتين! هل هي في أمر الخليفة أبا بكر لعمر بمقاتلة ـ كما في تعبير الرواية الأولى ـ من في الدار وفيها علي وفاطمة ومن معهما، أو قبس النار الذي أتى به الخليفة عمر، ولا ندري ما الذي يفعله الخليفة بهذا القبس؟ أو تهديده بحرق بيت الرسالة والوحي والإمامة، واستنكار السيدة الزهراء لهذا الفعل الذي يعبر عنه سؤالها: أجئت لتحرق دارنا؟!! قال: نعم! أو قسم الخليفة عمر: والله لأحرقنها على من فيها، وغير ذلك من الحقائق والدلالات الواضحة التي تستوحى من الروايتين، والتي من الواجب على كل طلاب الحق والحقيقة، بل على كل ذي لب حليم الوقوف عندها والتأمل فيها طويلاً، وكان الأولى بالدكتور الهاشمي وبدلاً من سب الشيعة واتهامهم بأنهم أهل الحقد والثأر أو عديمي الحياء، أن يناقش ضيوفه في كل ما يقولون بدلاً من الردود الجاهزة، وأن يدافع عن الخليفتين برد الاتهام عنهم بالحجة والمنطق لا بالمدائح والخطب الحماسية؛ لأن هذه المدائح حتى لو ثبتت لا تغير من الحقيقة شيئاً، خصوصاً إذا ثبت بالدليل والبرهان أن تلك الأفعال قد صدرت منهم بالفعل.

 ولا يفوتنا القول أن علو منزلة أي إنسان وسمو مقامه لا ينفي بالضرورة إمكان أن يقوم مثل هذا الشخص بعمل يتنافى مع هذه المنزلة، خصوصاً ممن لم يدع فيه العصمة كعمر بن الخطاب أو غيره من الصحابة.

([111]) أليس من العجب يا سماحة الدكتور الهاشمي أن تفتح باباً للمناظرة القصد منها معرفة الحقيقة, ثم ترفض أن يتعرض أي شخص للخليفة وتعتبره أكبر زعيم إنساني, فما فائدة المناظرة إذن؟ وما هو الغرض منها؟ ولماذا تدعو لها الطرف المقابل؟ فإذا لم يكن قصدك بيان الحقيقية ولا تريد أن تسمع الطرف الآخر فعن أي حرية تتكلم؟ ثمّ لا ندري ما هي الأدلة التي تريدها حتى تثبت عندك هذه الواقعة وتصدق بها؟ أليس كل ذلك من كتب أهل السنة؟ أليس من نقل ذلك هم علماؤكم ومحدثوكم؟ أليس من الحق والأنصاف أن يذعن المرء للحق وإن كان مرّاً؟ أليس من عادة وطريقة المتناظرين أن يلزموا الخصم بما ألزم به نفسه؟ فأما أن تقبل بهذه الواقعة وتعترف بصحتها، وأما أن تكذب وترفض مصادرك وكتبك وصحاحك ومسانيدك التي نقلت هذه الأحداث وغيرها من الوقائع التي تدين الصحابة وتتهمهم بالتجاوز والظلم، أو التغيير والتبديل في دين الله وسنة رسول الله، وحينئذ لا نراه يسلم لك كتاب.

ثم لو كانت هذه الأحداث والوقائع كاذبة فلماذا تلوم الشيعة عندما يحتجون بها وتتهمهم بترويج الباطل والأكاذيب ولا تلوم الذين نقلوها من علمائك ومحدثيك وقد صححها البعض منهم.

ثم إنّ لنا هنا حق السؤال منك: إن كان كل هذا كذب وباطل، وهو بنظرك تجاوز وظلم بحق واحد من أكبر زعماء الإنسانية! فكيف ينقله علماء ورواة أهل السنة ممن يعتبرون عمر أفضل وأعدل وأكمل وأتقى وأنبل وأزكي وأطهر من في الأرض بعد الرسول(ص) وأبي بكر؟ فإذا كان كذباً في نظرهم كذلك فكيف ساغ لهم أن ينقلوا الأكاذيب؟ وهم مسؤولون أمام الله تعالى وأمام الأجيال المسلمة بنقل كل ما هو صحيح وموثق، وهذا هو قصدهم قطعاً. وإن كان في نظرهم صحيحاً ثم نقلوه معترفين بصدقه، مع علمهم ووثاقتهم وتضلعهم في الحديث والتاريخ وتقواهم وقرب زمنهم من تلك الوقائع والأحداث، فمن أنت حتى تأتي في القرن الخامس عشر لتكذبهم وترفض ما قالوه وبذلك تسقط عدالتهم ووثاقتهم؟ أليس في ذلك تجاوز منك على هؤلاء العظماء وعلى التاريخ وعلى الأجيال وعلى الحق وعلى الإنصاف؟ وأكثر من كل ذلك؛ أنك تغمط حقوق أهل البيت(علیهم السلام) الذين ظُلموا وغصب حقهم واعتدي عليهم، وليس لك من حجة إلا أنك لا تحب أن تسمع عمن تحب ما ينقص من قدره ولو تنازلت عن كل مبادئك وضروريات دينك ومذهبك.

 

([112]) نتمنى من الدكتور الهاشمي أن يسأل نفسه أولاً ثم محاوريه من السلفيين: من هم الذي يروجون لثقافة التكفير والتبديع والتعصب الطائفي المقيت؟ ومن هم الذين يستبيحون أعراض المسلمين ويحللون دماءهم وأموالهم؟ ومن هم الذين يصدرون الفتاوى تلو الفتاوى في تكفير أو تضليل وتفسيق عامة المسلمين من شيعة أو سنة من أشاعرة وماتُريدية أو صوفية؟ ومن هم الذين يتعاونون مع اليهود والنصارى على ضرب إخوانهم المسلمين ويمنعون حتى من الدعاء لهم؟ ومن هم الذين يعتبرون قتل الشيعة من أفضل القربات لله تعالى، فيغررون بالبسطاء والمغفلين ليفجروا أنفسهم في المساجد المملوءة بالمصلين ممن يذكرون الله تعالى ويتعبدون له ويتركون أعداء الله تعالى من يهود غاصبين أو نصارى حاقدين أو حتى أصحاب حانات الخمور والفجور من الفسقة المتهتكين؟ ومن هم الذين أشاعوا ثقافة القتل بين المسلمين؟ فلا يكاد يمر يوماً إلا ونسمع أخباراً عن أشلاء تُمزَّق، أو أجساد تُحرق، أو رؤوس تُقطع، لأناس أبرياء من كسبة أو عاطلين، يبحثون عن لقمة عيش يسدون به رمق من يعولون، أو تلاميذ في مدارسهم آمنين، أو شيوخاً عاجزين، أو نساء أو أطفال بريئين، ليس لهم ذنب إلا أنهم يحبون أهل البيت ويتولونهم، مع أن مذهبهم مذهب إسلامي معترف بصحة التعبد به عند جميع علماء المسلمين.

فعليك إذا أردت أن تروج لثقافة التسامح والسلام والحرية في المجتمعات الإسلامية أن تبدأ بهم أولاً، فتركز في محاوراتك ونقاشاتك معهم على نبذ هذه الثقافة التكفيرية الممقوتة التي تبيح قتل المسلمين، لا لذنب سوى أنهم لم يقلدوا ابن تيمية ومن بعده ابن عبد الوهاب في أصول الدين وفروعه، عسى أن يفتح الله تعالى على يديك، فيهدي منهم من هو أهل للهداية ومن في قلبه قليلاً من الإنصاف وحب الخير للمسلمين، لعلنا نعيش بوئام وسلام؛ فيعم الخير الجميع، بإذن الله تعالى.

 

([113]) لو تأمل المشاهد والقارئ العزيز أن الهاشمي لم يقدم في هذا الحوار من هو من أهل الخبرة؛ بل نعتقد أنهم قاصرون عن الاضطلاع بعلوم الحديث والشريعة لاسيما علم الدراية والرجال والجرح والتعديل وغير ذلك. ومن تابع حلقات هذا الحوار يرى عدم الأهلية لكل من شارك فيها من أهل السنة؛ إذن فكيف يمكن للدكتور الهاشمي أن يقنع المشاهد بان صباح الخزاعي أو الأخ (أبو شوارب) قد رد هذه الروايات مع أنهما يجهلان أبجديات علوم الحديث، هذا العلم الذي يحتاج إلى طي سنوات عديدة لفهم معانيه وألغازه وما يكتنفه من معضلات في حل بعض الروايات المتعارضة، إذن من السذاجة أن يدعي الهاشمي أن هذه الروايات قد ردت وانتهى الأمر بهذه العجالة.

([114]) في الحقيقة لم نر لحد الآن وجود أي رد علمي طبق قواعد علوم الحديث لما ذكرناه من الروايات، بل راينا مماطلات ولف دوران لا يسمن ولا يغني من جوع.

([115]) نقل الذهبي ذلك في سير أعلام النبلاء عن مالك بن أنس، انظر: ج6 ص331.

([116]) المزي, تهذيب الكمال: ج2 ص 530.

([117]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج2 ص268.

([118]) سير أعلام النبلاء، الذهبي: ج 10 ص 401.

([119]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج10 ص401.

([120]) ابن حبان، الثقات: ج7 ص480.

([121]) المزي، تهذيب الكمال: ج12 ص8، ترجمة سليمان بن طرخان التيمي.

([122]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج4 ص176.

([123]) العجلي، معرفة الثقات: ج1 ص430.

([124]) كنت أظنّ أنّ هذه الرؤية هي رؤية حقيقية، ثم تبيّن لي فيما بعد أنّ هذه الرؤية حصلت في المنام, فهو ليس بصحابي, لكنّه ثقة جليل القدر ومن سادات زمانه, وكان عهده قريب من تلك الفترة, ولو لم تكن الحادثة ثابتة عنده ومشتهرة في زمانه لما أرسلها إرسال المسلّمات.

([125]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج7 ص268.

([126]) ابن حبان، الثقات: ج 7 ص3. تاريخ البخاري الكبير: ج 5 ص 163.

([127]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص 443.

([128]) المزي، تهذيب الكمال: ج 25 ص 100,وقد نقلنا سابقاً بعض التوثيقات في حقّه فلا نعيد.

([129]) المصدر نفسه: ج 4 ص544.

([130]) المصدر نفسه: ج 28 ص400.

([131]) المزي، تهذيب الكمال: ج 9 ص 506.

([132]) الذهبي، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: ج1 ص412.

([133]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص220.

([134]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2ص 619. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص118. الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص62. الهيثمي، مجمع الزوائد: ج5 ص202.

([135]) المقدسي، الأحاديث المختارة: ج10 ص90.

([136]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج4 ص1405.

([137]) ابن حبان، الثقات: ج8 ص529. أضف إلى ذلك فقد ذكر الذهبي هذه الرواية بسند ليس فيه علوان هذا, فقال بعد أن أورد الرواية: “رواه هكذا وأطول من هذا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ”, الذهبي, تاريخ الإسلام: ج3 ص118.

([138]) الذهبي، الموقظة في علم مصطلح الحديث: ص79.

([139]) السيوطي، تدريب الراوي: ج1 ص108.

([140]) ابن حجر، لسان الميزان: ج2 ص308.

([141]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص118.

([142]) الرعد: 17.

([143]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج6 ص12.

([144]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج6 ص94.

([145]) ابن ماكولا، إكمال الكمال: ج 7 ص357.

([146]) مقدمة كتاب الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردّهم: ص 23.

([147]) الذهبي, سير أعلام النبلاء: ج 5 ص 197. ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج8 ص357.

([148]) ابن حجر العسقلاني، القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: ص50.

([149]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج5 ص228.

([150]) نهج البلاغة، شرح الشيخ محمّد عبده: ج4 ص71، خطبة رقم 292.

([151]) مسند أحمد: ج6 ص 274. مسند أبي يعلى: ج8 ص63. الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص441. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص477.

([152]) نهج البلاغة: ج2 ص185، شرح الشيخ محمد عبده.

([153]) نقلا عن ابن عقيل، النصائح الكافية: ص104.

([154]) مسلم، صحيح مسلم: ج7 ص121. الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص301.

([155]) عرفنا قبل قليل أنّ الروايات التي ذكرناها صحيحة من حيث السند, فعلى من ينكر هذه الحادثة والروايات التي نقلتها، أن يناقشها بصورة علمية, ويبيّن من هو هذا الفارسي الكذاب الذي وضع كل هذه الروايات!؟ أمّا إطلاق الدعاوى الفارغة المخالفة لأصول الحديث فهذه لا تجدي نفعاً في هكذا حوارات علميّة, وتدلل على أنّ صاحبها يفتقد الدليل والإثبات.

([156]) هذا هروب من أصل البحث إلى قضايا جانبية ليس لها ارتباط بالموضوع، وما ذلك إلا لقلة بضاعته بعلم الرجال والدراية، وإلا فإن البحث كل البحث في مناقشة أسانيد هذه الروايات ومعرفة حال رجالها من التوثيق أو التضعيف، ومن ثم يحكم على هذه الروايات أما بالصحة أو البطلان، فرفض هذه الروايات بدون دليل هو بضاعة العاجز، يا فضيلة الدكتور.

([157]) لكنّ هذه الروايات تؤكّد أنّهم هجموا على دارها وهددوها بحرق بيتها على من فيه! فهل هذا الأمر طبيعي عندكم؟ وهل يكشف عن وجود علاقة طيبة بين أهل البيت(علیهم السلام) وبين بعض الصحابة؟ إنّ الهجوم على الدار، والتهديد بحرقها على من فيها والقسم المغلظة على ذلك؛ بنفسه يكفي لنسف عقيدتكم المبتنية على تقديس الصحابة والقول بعدالتهم أجمع.

([158]) هذا مجرّد ادّعاء، فقد أثبتنا صحّتها وننتظر من يناقش في ذلك؟ ولكن لم نجد مجيباً!

([159]) إذا التزم السيد (أبو شوارب) بهذا المبني، وهو أن عدم اشتراط الصحة في المرويات عند الراوي يدل على عدم صحة كل ما يرويه، فمعنى هذا أن يلتزم بأن كل روايات مسند أحمد وموطأ مالك وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة والنسائي ضعيفة؛ لأنها لا يشترط فيها الصحة كما في البخاري ومسلم، بل إن البخاري ومسلم هما أيضاً لم يذكرا لهما شروطاً في صحيحهما؛ وإنما العلماء المتأخرين عنهم استنتجوا هذه الشروط وقالوا بها، فإذن أي كتاب يبقى صحيحاً عنده يمكن الاحتجاج به؟ وما نرى سبب لهذا الادعاء إلا قلة البضاعة التي يحملها عن هذا العلم.

فعدم الاشتراط لا يعني أنّه لا ينقل روايات صحيحة, بل ينقل الصحيح وغيره, وقد اثبتنا، بل وصرّح بعض علماء أهل السنّة بصحّة هذه الرواية، كما أسلفنا سابقاً.

([160]) لم نجد أحداً من هؤلاء صرح بذلك، ولعل هذه القاعدة من ابتكارات الدكتور (أبو شوارب)، فما نقل عنهم خضع لقواعد الجرح والتعديل، مع ملاحظة فقه الرواية ودلالتها، ومعلوم أن هناك قواعد لا بدّ من اتباعها في هذا الشأن للقبول والرد سواء في السند أو المتن.

([161]) لو كان الإمام علي(علیه السلام) ينكر ذلك ونحن نثبته لأمكنك القول بأنّنا ملكيين أكثر من الملك, فهذا المثال ليس له موضع هنا؛ لأنّ غاية ما تريد إثباته أنّ الإمام علي لم يذكر, أي لم يثبت عنه أنّه ذكر ذلك, وفرق كبير، كما تعلم، بين عدم ذكره لذلك وبين نفيه له.

 أضف إلى ذلك: إنّ عدم وجود ما يثبت ذلك لا يوجب القطع بعدم ذكره؛ لضياع قسم كبير من الروايات عند الفريقين، ولأنّ أكثر التاريخ كتب بأيدي أعداء أهل البيت، كما لا يخفى عليك, على أنّنا ذكرنا رواية سابقاً عن الإمام علي تدلّ على أنّ الأمة قد ظلمت الزهراء(سلام الله علیها).

([162]) ونضيف هنا ونقول: إنّه ليس المدار في قبول الرواية وعدمها أنه لابد فيه من نقل من وقع عليه ذلك الفعل، بل المعيار والملاك صحة هذه الرواية وعرضها على ميزان القواعد الرجالية والدرائية، ومن ثم الحكم عليها إثباتاً أو نفياً، وهذا ما دأب عليه السلف والخلف من المحدثين (رحمهم الله تعالى). وقد ذكرنا لك عدّة روايات وردت في كتب أهل السنّة, فضلاً عن الروايات الشيعية, أي أنّ هناك اتفاق من الفريقين على وقوع أصل الحادثة.

([163]) هذا خروج عن محل البحث، فإنّ موضوعنا ليس عن عدالة الصحابة, ونحن لا نقول أنّ جميع الصحابة مذمومين حتى تنقل لنا بعض الأخبار عن الأئمة, بل نحن نقول أنّ في الصحابة عدول وغير عدول, وما ورد عن أئمة أهل البيت(علیهم السلام) في الصحابة فهو محمول على الصحابة العدول، وهم كثر بحمد الله, فهل أنّ الذين اشتركوا في الجهاد والقتال، وقد استشهد بعضهم واثخن بالجراح بعض آخر, ودافعوا عن الإسلام ووقفوا مع النبي(ص) بكل تفاني وإخلاص, هل هؤلاء كانوا عشرة أو عشرين أو مائة أو مائتين, بل كانوا بالألاف، ونحن نجلّهم ونحترمهم ونقدرهم, وخلافنا معكم في مجموعة معيّنة لا غير.

 وأمّا ما ورد من روايات في مدح أشخاص معيّنين, فهي تعرض على القواعد الحديثية والرجالية كغيرها ـ مع العلم أن كل ذلك لم يثبت من طريق صحيح ـ وما ثبت منه فهو محمول على التقية؛ لأن زمانهم كان محكوماً بأمراء ظالمين، لا يتورعون عن قتل الإمام لو تطرق لذكر خلفائهم وقادتهم وسادتهم بسوء، وهناك من الشواهد ما يؤيد ما ذهبنا إليه؛ حيث إن الإمام يثني عليهم في المجالس العامة أما أمام الخواص فيتكلم بعكس ما نطق به أولاً خوفاً على نفسه الشريفة من القتل؛ وذلك لوجود عيون للسلطة تتربص به وتنقل كل ما يتفوه به للسلطة الظالمة.

(1) هذه الرواية موجودة في البحار: ج22 ص305, وهي عن أنس وليست عن علي, وهي رواية موضوعة, فيها أبو هدبة, وهو إبراهيم بن هدبة, ليس له ذكر في رجال الشيعة, وذكره علماء السنّة, فقال فيه ابو حاتم: “كذاب”, وقال ابن حبان: “دجال من الدجاجلة، وكان رقاصاً بالبصرة، يدعى إلى الأعراس فيرقص فيها. فلما كبر جعل يروى عن أنس، ويضع عليه”, انظر: الجرح والتعديل: ج2 ص144, المجروحين: ج1 ص115.

([165]) كان على الدكتور (أبو شوارب) بدلاً من هذا التطبيل والتطويل أن يثبت صحّة الرواية أوّلاً, فإنّ نهج البلاغة فيه الصحيح والضعيف، فكان لابد عليه أن يرجع ليرى هل أن الخطبة مسندة وصحيحة أم أنها مرسلة, هذا أوّلاً, وثانياً: نحن لا ننفي وجود عدد كبير من الصحابة الخلص الذين ذادوا عن الرسول وعن الإسلام, والإمام علي ناظر إلى هؤلاء وهم الأغلبية, ولم يكن نظره إلى كل صحابي صحابي, بدليل أن أمير المؤمنين(علیه السلام)، والذي يستدل السيد (أبو شوارب) بكلامه في مدح الصحابة، لضرب شيعته والمدافعين عن حقه وتأليب المسلمين عليهم، هو نفسه أيضاً وليس غيره وفي نفس هذه الخطبة وليس غيرها، والتي نقل السيد (أبوشوارب) منها ما يعجبه وتعامى عمّا لا يعجبه، قد حث أصحابه على قتال معاوية ـ الصحابي ـ معلناً بأنه على الباطل. فلاحظوا صدر الخطبة: «أما والذي نفسي بيده، ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم (معاوية) وإبطائكم عن حقي... إلى أن قال: وأحثكم على جهاد أهل البغي”، أضف إلى ذلك؛ فإنّ الأوصاف التي وردت في كلامه، من قبيل قوله(علیه السلام): “لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً... كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم..” لا يمكن أن تنطبق علي جميع الصحابة، من أمثال معاوية وغيره من الذين دخلوا دين الإسلام بقوة السيف.

([166]) هذه الروايات صحيحة عندك فقط فلا تلزمنا بها، فهل أنك تقبل برواياتنا وما صح عندنا حتى تطلب منا أن نصدق برواياتك ونعتقد بمضامينها؟

 ثم متى سارع الإمام إلى البيعة وصحاحكم تنقل أنه بقي ستة أشهر لم يبايع أبا بكر حتى توفيت الزهراء(سلام الله علیها)، وبعدما يأس من حقه وعلم أن لا فائدة من المطالبة؛ بايع بعد أن جفاه الناس وتنكروا له.

([167]) فرواية صحيح البخاري تؤكّد أنّه لم يبايع تلك الفترة, فهل يفسّر لنا (أبو شوارب) سبب رفض الإمام علي لبيعة أبي بكر منذ الأيّام الأولى, وهل أنّ البيعة كانت شرعية وعلي متخلّف عنها؟ وما حكمه لو مات ـ وهو أفقه الصحابة وأعلمهم حسب اعتقادكم ـ في هذه الفترة؟

([168]) ليس مستشاراً بالمعنى الاصطلاحي والمعمول به في الأوساط الحكومية؛ بل إنّ الخليفة يرجع له مرغماً عندما تعييه الحيلة عن حل المسائل والجواب عليها، أو معرفة صلاح الأمور, أو معرفة القضاء, ولهذا ورد عنه أنه قال: “لولا علي لهلك عمر”. انظر: ابن عبد البر, الاستيعاب: ج3 ص1103.

([169]) إنما يتوقع مثل هذا النمط من التفكير من ينطلق في مواقفه من نوازع النفس أو التعصب العنصري أو العصبية القبلية أو الهلع وراء السلطة والجاه، أما ممن تتلمذ علي يد رسول الله(ص)، والذي لو كشف له الغطاء ما ازداد يقيناً ـ كما يقول ـ فهو أبعد وأسمى وأرفع ما يكون عن ذلك، وعلى الإسلام السلام إذا كان تقييم الأخ (أبو شوارب) لخليفة المسلمين بهذا المستوى.

([170]) تعامل السيد (أبو شوارب) مع كلام أمير المؤمنين(علیه السلام) بطريقة عشوائية وانتقائية، هذا فضلاً عن تفسيره لكلام أمير المؤمنين حسب مشتهاه، ونحن ننقل هنا عين كلامه(علیه السلام) كما ورد في نهج البلاغة حتى يعرف القارئ كيفية ومدى الأمانة العلمية للسيد (أبو شوارب):

“وَمِنْ كَلامٍ لَهُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) وقَدْ شَاوَرَهُ عُمَرُ فِي الْخُرُوجِ إلى الرُّوم:

وَقَدْ تَوَكَّلَ اللَّهُ لأَهْلِ هَذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ وسَتْرِ الْعَوْرَةِ، والَّذِي نَصَرَهُمْ وهُمْ قَلِيلٌ لا يَنْتَصِرُونَ، ومَنَعَهُمْ وهُمْ قَلِيلٌ لا يَمْتَنِعُونَ، حَيٌّ لا يَمُوتُ. إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إلى هَذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ لا تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلادِهِمْ، لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إليه، فَابْعَثْ إليهم رَجُلاً مِحْرَباً، واحْفِزْ مَعَهُ أهل الْبَلاءِ والنَّصِيحَةِ، فإن أَظْهَرَ اللَّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ وأن تَكُنِ الأخرى كُنْتَ رِدْءاً لِلنَّاسِ ومَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ”. نهج البلاغة: ج2 ص18، شرح الشيخ محمد عبده.

ونشير هنا إلى مجموعة من النقاط:

أولاً: حتى لو صح هذا الفهم السطحي والمغلوط لكلام أمير المؤمنين من قبل السيد (أبو شوارب)، فإنه لا يصلح لرد مجمل الأدلة المعارضة التي ساقها المدافعون عن آل بيت النبي(ص)، سواء بخصوص موقفهم(علیهم السلام) من الخلفاء وحزبهم بشكل عام أو بخصوص موقف أمير المؤمنين من الخليفة عمر بشكل خاص، والتي تفوق ـ كماً ونوعاً ـ ما ذكره السيد (أبو شوارب)، لأنهما على أقل تقدير سيتعارضان، وحينئذٍ سيتساقطان، فما بنى عليه السيد (أبو شوارب) رأيه في خصوص موقف أمير المؤمنين المزعوم من عمر هو ترجيح بلا مرجح.

ثانياً: قضية المشورة وإسداء النصح بشكل عام هي أمر ديني وأخلاقي، فيجب على كل مسلم أن يدل المستشير ولو كان يهودياً إلى ما يصلحه، كما في قضية مشورة يوسف لملك مصر مع أنه كان كافراً، خصوصاً وأن المسألة المطروحة للاستشارة لم تكن مسألة شخصية، بل كانت تخص الإسلام والمسلمين.

ثالثاً: لم يكن الإمام(علیه السلام) يتعامل مع عمر بصفته الشخصية وإنما بصفته حاكم المسلمين، وبالتالي فإن الضرر المتوجه إليه يرجع إلى المسلمين. وبعبارة أخرى: لو قتل عمر وهو قائد المسلمين ـ كما أنه ليس ببعيد لعدم شجاعته ومهارته في القتال ـ وبقي المجتمع الإسلامي بلا قائد أو رئيس يرجعون إليه، كما في كلام علي(علیه السلام): «لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إليه» فإن هذا مما سوف يزيد من معنويات جيش الكافرين ويقوي شوكتهم، وبالتالي قد يؤدي إلى هزيمة المسلمين أو إلى محو الإسلام.

رابعاً: قول أمير المؤمنين(علیه السلام): «فَابْعَثْ إليهم رَجُلاً مِحْرَباً» فيه إشارة إلى عدم صلاحية عمر بن الخطاب لأن يكون أميراً للحرب، ويحسن بنا أن نذكّر هنا، أن صاحب ذي الفقار كان يخوض الحرب ويقودها بنفسه دون أن يستعين برجل محراب، كما أشار على عمر بن الخطاب.

خامساً: إسداء النصح من قبل أمير المؤمنين بخصوص مسألة معينة وفي موقف كهذا وبهذه الكيفية ليس بالضرورة تزكية لشخصية عمر، أو تصويب لكل مواقفه، كما أنه ليس فضيلة لعمر، بل صاحب الفضل والفضيلة هو أمير المؤمنين ـ كما هو واضح ـ وقد ورد في الحديث عن النبي(ص): “أن الله عز وجل ليؤيد هذا الدين برجال ما هم من أهله”. مجمع الزوائد، الهيثمي: ج 5 ص302.

سادساً: أما ما تحدث عنه السيد (أبو شوارب) بخصوص منزلة عمر وقدره عند أمير المؤمنين، وأنه(علیه السلام) يعتبره (عاصمة الإسلام، حصن الإسلام، مرجع المسلمين، عمود الإسلام) فمع شكنا بأن السيد (أبو شوارب) مقتنع بما يقول، ويقيننا بأن هذا الفهم المغلوط لكلام أمير المؤمنين ليس سوى إعلان تلفزيوني مدفوع الثمن، وإلا هل يمكن أو يعقل أن تكون لعمر هذه المنزلة عند أمير المؤمنين، في الوقت الذي يعتبره “كاذباً آثماً غادراً خائناً” كما ورد في صحيح مسلم: ج 5 ص152. أو “كراهية محضر عمر بن الخطاب” كما ورد فيه أيضاً: ج 5 ص154.

بقي أن ننوه إلى أن إمام المتقين(علیه السلام) كعادته ضرب من خلال هذا الموقف النبيل مثالاً رائعاً لما ينبغي أن يكون عليه الحاكم المسلم في إيثاره لمصلحة الدين على ما سواها، وهو ما لا نجد له أي إشارة ولو بسيطة في كلام الأخ (أبو شوارب).

([171]) لا بدّ أنْ يعرف القارئ بأنّ كتاب نهج البلاغة هو كتاب ألّف بالأساس لجمع الكلمات والخطب البلاغية للإمام علي(علیه السلام) أينما وجدت, سواء في مصدر شيعي أو سني, وفي هذه الخطب ما هو الصحيح وما هو الضعيف, فلا بد من مراجعة سند كل خطبة حتى يمكن الاستدلال بها, وهذه الخطبة المذكورة لم ترد في المصادر الشيعية, بل روتها كتب أهل السنّة, فحتّى لو كانت صحيحة لا يمكن الاستدلال بها علينا لأنّ من شروط المناظرة أنْ يحتج كلّ فريق على الآخر بما صح في كتبه, فكيف ذلك والخطبة ضعيفة سنداً عند أهل السنة لاشتمالها على ضعفاء، إضافة إلى الاضطراب الشديد في متنها, لذلك قال الدارقطني: “والثوري (رحمه الله) كان يضطرب فيه, ولم يثبت إسناده” العلل: ج4 ص86.

ولمناقشة الرواية من الناحية الدلالية؛ فإننا نوردها هنا كما وردت في كتاب ضعفاء العقيلي، قال: “حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا الحسن بن على الحلواني، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن الأسود، بن قيس العبدي، عن سعيد بن عمرو بن سفيان، عن أبيه، قال: خطب علي (رضي الله تعالى عنه)، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يعهد إلينا في الإمارة عهداً فآخذ به ولكنه رأى رأيناه، واستخلف أبو بكر فأقام واستقام، ثم استخلف عمر فأقام واستقام، حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواماً طلبوا الدنيا يعفوا الله عمن يشاء ويعذب من يشاء”.

 وهنا نقول: أن ما ذكر في صدر الرواية، ينافي الكثير من كلام أمير المؤمنين وخطبه في نهج البلاغة وغيره، والتي سنورد بعضاً منها ـ للمثال لا للحصر ـ ونترك للقارئ الكريم مقارنته مع ما ورد في صدر الخطبة التي استدل بها السيد (أبو شوارب):

1 ـ أن الولاية والوصيّة خاصة بآل محمد:

فقد صرح أمير المؤمنين وفي أول خطبة خطبها بعد مقتل عثمان قائلا: «لا يُقَاسُ بآلِ مُحَمَّد مِنْ هَذِهِ الأمة أحد... وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ. الآن إذ رَجَعَ الْحَقُّ إلى أَهْلِهِ ونُقِلَ إلى مُنْتَقَلِهِ»، نهج البلاغة: ج1 ص30، شرح الشيخ محمد عبده. القندوزي، ينابيع المودة: ج3 ص449، الناشر: دار الأسوة ـ بيروت.

وقال في خطبة أخرى: “إن الأئمة مِنْ قُرَيْش غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِم لا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ ولا تَصْلُحُ الْوُلاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ” نهج البلاغة: ج2 ص27، شرح الشيخ محمد عبده.

2 ـ عدّه أن الخلافة مغصوبة:

عن أبي الطفيل قال: سمعت علياً(علیه السلام) يقول: «اللهم إني أستعديك على قريش، فأنهم قطعوا رحمي، وغصبوني حقي، وأجمعوا على منازعتي أمراً كنت أولى به». ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 4 ص104. وقوله(علیه السلام): “وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً». الإمامة والسياسة بتحقيق الزيني: ج 1، ص 18. وقوله للحسن(ص): «وأيم اللّه يا بنيّ! ما زلت مبغياً عليّ منذ هلك جدّك». الإمامة والسياسة، تحقيق الزيني: ج1 ص49.

3 ـ عدّه بعض الصحابة أشراراً:

 وذلك في قوله(علیه السلام) في كتابه إلى مالك: «فإن هذا الدين قد كان أسيراً فى أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا». نهج البلاغة: ج3 ص95، شرح الشيخ محمد عبده. والسؤال، متى كان هذا الدين أسيراً، هل في عهد النبي(ص) أم في عهده هو(علیه السلام) ـ العياذ بالله وحاشاهما من ذلك ـ أم في عهد غيرهما؟؟!

د ـ عده بعض الصحابة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار:

وذلك في قوله: «ثمّ بقوا بعده، فتقربّوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولّوهم الأعمال، وجعلوهم حكّاماً على رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا». نهج البلاغة: ج2 ص189، شرح الشيخ محمد عبده. المعيار والموازنة، أبو جعفر الإسكافي: 302.

هـ ـ عده سيرة الناس بعد الرسول(ص) سيرة آل فرعون:

قال على(علیه السلام): «حتّى إذا قبض اللّه رسوله رجع قومٌ على الأعقاب وغالَتْهُم السبُلُ واتّكلوا على الوَلائج، ووصلوا غيرَ الرحِم وهَجَروا السببَ الذي أُمروا بمودّته، ونقلوا البِناء عن رَصّ أساسه فبنوه فى غير موضعه، معادنُ كلّ خطيئة، وأبوابُ كلّ ضارب فى غَمْرَة، قد مارُوا فى الحَيْرة وذَهَلوا فى السَكرة، على سُنّة من آل فرعونَ، من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مُفارق للدين مُباينِ». نهج البلاغة: ج2 ص36ـ 37، الخطبة 150، شرح الشيخ محمد عبده.

([172]) ليس كلّ ما ورد في كتبنا الروائية يؤخذ به، إلا إذا صحّ سنده, وأن لا يكون شاذاً مخالفاً لما عليه النقل الثابت المتفق عليه بين علماء الطائفة، هذا أولاً، وثانياً: هذه الرواية ليست في كتبنا, بل وردت من طرق أهل السنة، حيث رواها الأربلي عن أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه (صفوة الصفوة)، وقد أشار في مقدمة كتابه كشف الغمة إلى ذلك بقوله: “واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ، ليكون أدعى إلى تلقيه بالقبول، ووفق رأى الجميع متى وجهوا إلى الأصول؛ ولأن الحجة متى قام الخصم بتشييدها والفضيلة متى نهض المخالف بإثباتها وتقييدها ، كانت أقوى يداً، وأحسن مراداً، وأصفى مورداً... إلخ” كشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي، ج 1 ص 4.

 فالرواية إذن ليست حجة علينا، كما أنها ـ فضلاً عن ذلك ـ قد ذُكرت مرسلة عن عروة بن عبد الله عن علي بن الحسين(علیه السلام)، ولم يذكر الواسطة إلى ابن الزبير، أضف إلى ذلك؛ فإنّ عروة بن عبد الله مجهول عندنا، فالرواية إذن ساقطة عن مقام الاحتجاج.

ولو قلنا بصحة هذه الرواية ـ ولو على سبيل الفرض ـ لقلنا أنها صدرت عن الإمام(علیه السلام) تقية؛ لأنه كان يعيش في عهد بني أميه، والذين لا يخفى حقدهم على آل بيت النبي وظلمهم لهم، فقد صرح القرطبي حينما علق على حديث: “هلاك أمتي على يد غلمة من قريش”، قائلاً: «وبالجملة، فبنو أمية قابلوا وصية النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق, فسفكوا دماءهم, وسبوا نساءهم, وأسروا صغارهم, وخربوا ديارهم, وجحدوا فضلهم وشرفهم, واستباحوا لعنهم وشتمهم, فخالفوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في وصيته, وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فوا خجلتهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه» القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: ص1114ـ 1115, الناشر: مكتبة دار المنهاج.

وقد علق المناوي بعد نقله لكلام القرطبي السابق قائلاً: “وهذا الخبر من المعجزات”. المناوي: فيض القدير في شرح الجامع الصغير: ج6 ص459، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط 1415هـ، والحق أنه من المعجزات، وذلك لأمرين:

 الأول، اعتراف القرطبي بأن وصية الرسول(ص) قد قوبلت بالمخالفة والعقوق، عندما قال: “فبنو أمية قابلوا وصية المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق”.

الثاني: نفس نقل القرطبي لمثل هذا الكلام هو معجزة بحد ذاته.

وقال أبو عبد الرحمن المقرئ، وهو ثقة فاضل، كما قال ابن حجر: “كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه”، الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج 5 ص102، ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج7 ص281، والمزي، تهذيب الكمال: ج20 ص429، وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج41 ص481.

([173]) استند السيد (أبو شوارب) في رد وتضعيف إحدى الروايات التي أوردناها بشأن مظلومية الزهراء(سلام الله علیها) من كتاب الطبري؛ بأن الطبري لا يشترط الصحة في مروياته، وهو الآن ينقل عنه هذه الرواية!! كما أن الطبري نقل الخبر عن هشام بن محمّد الكلبي عن أبي مخنف، وكلاهما ضعيفان هالكان عند أهل السنّة, فكيف ساغ لك يا دكتور الاستناد إلى خبرهما, فأمّا هشام فقد ترجمه الذهبي بقوله: “قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه, وقال الدارقطني وغيره: متروك, وقال بن عساكر: رافضي ليس بثقة...” ثم قال الذهبي:”وهشام لا يوثق به” ميزان الاعتدال: ج4 ص305. وقال فيه ابن حجر أيضاً: “نقل أبو الفرج الأصبهاني عن أبي يعقوب الحزيمي قال: كان هشام بن الكلبي علامة نسابة ورواية للمثالب عليه فإذا رأى الهيثم بن عدي ذاب كما يذوب الرصاص، وذكر في ترجمة دريد بن الصمة عدة أخبار ثم ختمها بأن قال: وهذه الأخبار التي ذكرناها عن ابن الكلبي موضوعة كلها والتوليد في أشعارها ظاهر، إلى أن قال: ولعل هذا من أحاديث بن الكلبي، وقال يحيى بن معين: غير ثقة، وليس عن مثله يروى الحديث. وقال أبو حاتم: هو أحب إلي من أبيه. قلت: واتهمه الأصمعي وذكره العقيلي وابن الجارود وابن السكن وغيرهم في الضعفاء” لسان الميزان: ج6 ص197.

 وأمّا لوط بن يحيى, فقد ترجمه الذهبي فقال: “أبو مخنف أخباري تالف لا يوثق به تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء...”. الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص419ـ 420.

فإذن، يا أستاذ، أنتم ترون ضعف هذين الرجلين, فلا يحقّ لك الاستدلال بخبرهما. هذا فضلاً عن أنّ تاريخ الطبري ليس مصدراً شيعياً، بل هو من كتب أهل السنّة، فلا يصح الاحتجاج به علينا, وهذا من أبجديات الحوار.

ثمّ إنّ في تكملة الخبر ما يسوؤك, وهو إقرار زيد بأنّ الخلافة لأهل البيت واغتصبها الشيخان, فلماذا بترت هذه العبارة, فالنص يقول: “ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيراً. قالوا: فلم تطلب إذاً بدم أهل هذا البيت إلا أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم، فقال لهم زيد: إن أشد ما أقول فيما ذكرتم: إنا كنا أحق بسلطان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الناس أجمعين، وإنّ القوم استأثروا علينا، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً” تاريخ الطبري: ج5 ص498, فهل تعترف بمضمون هذا الكلام؟

([174]) ليس لدينا تعليق على ما قاله الأخ (أبو شوارب) سوى أننا ننقل خطبة الإمام الباقر ونترك التعليق للقارئ الكريم:

“روي أن المأمون بعدما زوج ابنته أم الفضل أبا جعفر، كان في مجلس وعنده أبو جعفر(علیه السلام) ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة. فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا بن رسول الله في الخبر الذي روي: (أنه نزل جبرئيل(علیه السلام) على رسول الله(ص) وقال يا محمد: إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك: سل أبا بكر: هل هو عني راض فإني عنه راضٍ؟). فقال أبو جعفر(علیه السلام): لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله(ص) في حجة الوداع: “قد كثرت علي الكذابة وستكثر بعدي فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به” وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، فالله عز وجل خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سره، هذا مستحيل في العقول. ثم قال يحيى بن أكثم: وقد روي: (أن مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء). فقال: وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه، لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عز وجل وإن أسلما بعد الشرك. فكان أكثر أيامهما الشرك بالله فمحال أن يشبههما بهما. قال يحيى: وقد روي أيضاً: (أنهما سيدا كهول أهل الجنة) فما تقول فيه؟ فقال(علیه السلام): وهذا الخبر محال أيضاً؛ لأن أهل الجنة كلهم يكونون شباباً ولا يكون فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله(ص) في الحسن والحسن(ص): بأنهما سيدا شباب أهل الجنة. فقال يحيى بن أكثم: وروي: (أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة). فقال(علیه السلام): وهذا أيضاً محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم ومحمد، وجميع الأنبياء والمرسلين، لا تضيء الجنة بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر. فقال يحيى: وقد روي: (أن السكينة تنطق على لسان عمر). فقال(علیه السلام): لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر: فقال ـ على رأس المنبر: أن لي شيطانا يعتريني، فإذا ملت فسددوني. فقال يحيى: قد روي: أن النبي(ص) قال: (لو لم أبعث لبعث عمر). فقال(علیه السلام): كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه، وكل الأنبياء(علیهم السلام) لم يشركوا بالله طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نبئت وآدم بين الروح والجسد”. الاحتجاج: ج2 ص245. علماً أن الإمام الذي جرت بينه وبين يحيي بن أكثم هذه المناظرة هو الإمام محمد بن على الجواد المكنى بأبي جعفر، وليس جعفر بن محمد كما ذكر السيد (أبو شوارب). ومن الواضح أنّ الإمام استخدم اسلوباً علميّاً هادئاً في نفي الفضائل التي نسبت زوراً وبهتاناً إلى الشيخين.

([175]) نقول: أولاً: إن هذه الرواية التي نقلها (أبو شوارب) عن الشوشتري، مقطوعة السند فهي رواية مرسلة.

ثانيا: أن (أبو شوارب) حذف ذيل الرواية والتي فيها ذم لأبي بكر وعمر، فرغم تحفظنا على اللغة التي نقلها الراوي عن الإمام الصادق، ولكن ننقلها لكي نوضح للقارئ أن الأمانة تقتضي أن ينقل تمام الكلام ومن ثم التعقيب عليه، لذا سننقل الرواية كاملة كما رواها التستري في الصوارم المهرقة قال: “روى أنه سأل رجل من المخالفين عن الإمام الصادق(علیه السلام) وقال: يا ابن رسول الله، ما تقول في أبي بكر وعمر: فقال(علیه السلام): هما إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة، فلما انصرف الناس قال له رجل من خاصته: يا بن رسول الله، لقد تعجبت مما قلت في حق أبي بكر وعمر! فقال: نعم، هما إماما أهل النار، كما قال الله سبحانه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}، وأما القاسطان، فقد قال الله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبا}، وأما العادلان فلعدولهم عن الحق، كقوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ}” الصوارم المهرقة: ص155، تحقيق: السيد جلال الدين المحدث.

نقول: إن الرواية ضعيفة سنداً وركيكة متناً ومعنىً. إذن فما يستشهد به (أبو شوارب) غير تام؛ لأن الرواية يجب أن تنقح رجالها وفقه دلالتها ومن ثم الحكم عليها، وهذا ما لا يلتزم به الدكتور (أبو شوارب) دائماً.

([176]) كان الأولى بالسيد (أبو شوارب) وبدلاً من الخوض في أمور جانبية لا صلة لها بأصل الموضوع، أن يرد الأدلة التي طُرحت من قبل المدافعين عن السيدة الزهراء(سلام الله علیها)، لا بطريقة عشوائية ودعائية بل بأسلوب علمي ومنطقي؛ لأن الأمور التي ذكرها حتى لو ثبتت، كلها أو بعضها، إنما هي متفرعة على أصل الموضوع وتقع في مرتبة لاحقة بالنسبة إليه. فإذا استطاع السيد (أبو شوارب) أن يرد كل الأدلة المطروحة التي تثبت على أقل تقدير غضب السيدة الصديقة على الخلفاء وعدم رضاها عنهم، أمكنه حينئذٍ أن يصب جام غضبه على كلّ من يعترض أو يتعرَّض للخلفاء أو غيرهم بسوء، ذلك أنّه ومع ثبوت الأدلّة الروائية التي تفصح بما لا يقبل الشك عن الظلم والاضطهاد الذي تعرض له آل بيت الرسول(ص)، خاصة بعد وفاته، ابتداءً بابنته الصديقة الزهراء(سلام الله علیها) وأمير المؤمنين ومروراً بالحسن المجتبى والحسين الشهيد(علیهم السلام)، والذي لم يسلم حتى رضيعه من القتل، وبقية عترته الطاهرة الذين تعرضوا لأنواع القتل والتشريد والتضييق والسجن في المطامير؛ يصبح من المتوقع, بل من الطبيعي, بل من الواجب على كل مسلم حر غيور أن تثور ثائرته وتتحرك غيرته الإنسانية، قبل أي شيء، للدفاع عن آل بيت النبي وعترته، وأنْ يتبرأ من قاتليهم وظالميهم والموالين لهم والراضين بفعلهم، تقرباً إلى الله تعالى؛ لأنّ الثابت عند جميع المسلمين وجوب محبّتهم ومودتهم, فموالاة ومحبة مبغضيهم قاتليهم لا تنسجم مع وجوب محبتهم يا فضيلة الدكتور العزيز.

([177]) إنّ من يريد أن يثبت عدالة جميع الصحابة، ويضفي عليهم هالة من القداسة, باعتبار أنهم نقلة الشريعة، عليه أن يرد الكثير من آيات القرآن الكريم، التي ذمت طائفة كبيرة منهم، ووصفتهم بالنفاق أو مرضى القلوب أو الفسق أو الفرار من الزحف أو الارتداد على الأعقاب بعد موت النبي(ص) مباشرة، أو غيرها من أوصاف الذم الكثيرة التي وردت في حق الكثير منهم.

 كما عليه أن يرد كذلك الكثير من الروايات الصحيحة المصرّحة الذامة للبعض منهم والمصرّحة بارتداد الكثير منهم، وأنهم يُذادون عن الحوض فلم ينج منهم إلا كمثل همل النعم ـ كناية عن القلة ـ، وأن منهم منافقون لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، وأن منهم من يكذب عليه متعمداً، ومنهم يخرج على إمامه الشرعي فيقاتله وهو ظالم له.. إلى ما هنالك من أوصاف الذم والتقريع التي أطلقها النبي(ص) على الكثير منهم.

أما التأويلات الباردة لكل هذه الآيات والروايات التي يتشبث بها السلفيون فلا تغنيهم شيئاً؛ لأنها عكس ظهور اللفظ، فلا يصار إلى هذه التأويلات إلا إذا لم يمكن الحمل على الظاهر، أما بقرينة صارفة أو للاستحالة العقلية، وهما منتفيان في المقام.

أما نحن فنقول: أن من نقل لنا الشريعة وحفظ لنا السنة ليس هم هؤلاء الذين اختلفوا فيما بينهم فقتل بعضهم بعضاً، ولا الذين ارتدوا على الأدبار فلم يخلص منهم إلا كمثل همل النعم، ولا من غيَّر وبدَّل في دين الله، ولا الذين حللوا حرام الله وحرموا حلاله؛ بل النقلة له هم أئمة معصومون منصَّبون من قبل الله تعالى, كما ورد ذلك في أحاديث نبوية عديدة، كحديث الثقلين المتواتر، وحديث السفينة الصحيح على ما عليه التحقيق، وحديث المولاة في يوم الغدير الصحيح أيضاً وغيرهما، ممّا هو عام في أهل البيت أو خاص في علي(علیه السلام), وليس هنا محلّ بحثه وبيانه.

([178]) الشيعة لا تختلف حول هذه المفاهيم، ولكن هناك حقائق ذكرها التاريخ، وهي أن الصحابة أناس كسائر البشر فيهم الصالح وغير الصالح، وفيهم المنافق والمؤمن، والقرآن ذكر مصاديق كثيرة لهؤلاء، فليس هناك جرح للشهود ومن ثم إبطال الكتاب والسنة، وهذا قول جزاف لا قيمة له، خصوصاً أنّ النجاة جعلها النبي بالتمسك بأهل بيته دون غيرهم.

([179]) السنن الصحيحة إنما وصلت إلينا عن طريق أهل البيت(علیهم السلام)، فأعداء الإسلام هم الذين يخالفون الله ورسوله في مخالفة أهل البيت، وذلك بإزاحتهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها، ويؤذون الله ورسوله في ظلمهم وسبهم وقتالهم وقتلهم، كما فعل معاوية أو كما فعل ابنه الفاسق الفاجر يزيد، وكما يفعل الآن متبعوه ومحبّوه في شيعة أهل البيت ومواليهم.

([180]) هذا الكلام غريب، فأولاً: هو يدعي أنه رجل أكاديمي وليس فقيهاً.

وثانياً: فهمه وتحليله ناشئ عن ردة فعل، إذن كيف يكون النقاش معه علمياً وموضوعياً.

([181]) لا يهمنا ولا يعنينا ما تصل إليه أنت من نتائج غير صحيحة, بقدر ما يهمّنا معرفة الحقيقة, ومعرفة المنهج الحق الذي يجب علينا اتباعه, فمضافا إلى أنّ الشريعة والرسالة محفوظة بحفظ أهل البيت لهما، وأنّ النجاة تتحقق باتباعهم, فإن انحراف أحد بل عشرة أو مئة من الصحابة, لا يعني إلغاء الشريعة، فهناك الكثير من الصحابة الأخيار الصلحاء الذين ذادوا عن الإسلام بكل ما يملكون, فلماذا تحاول قصر الدين والشريعة على رجلين اثنين, فكم هي روايات الخليفتين, وما الذي نقلاه حتّى تعتبر أنّ كلّ الإسلام الذي جاءا به باطلاً, وإن كان مقصودك الفتوحات، فالفتوحات وإن كانت في زمنهما إلا أنّها قامت على تضحيات الكثير من الصحابة والتابعين, فهم من كانوا يجاهدون ويفتحون البلدان ويحملون معهم مبادئ وقيم الإسلام الحنيف.

ثمّ نحن لم نخترع هذه القضية، ولم نتهم شخصاً ما, بقدر ما بيّنا حقائق تاريخية روتها كتب الفريقين، فلا يحقّ لك أن تلقي علينا تبعات ما وصلت إليه من نتائج عكس ما تحب أو تتصور؛ فلماذا لم تحمِّل المسؤولية لابن أبي شيبة أو البلاذري أو الطبري وغيرهم ممن نقل ما جرى من أحداث في تلك الفترة.

([182]) حقيقة أنّ هذا الكلام غريب جدّاً، ومن المؤسف أن يصدر عن إنسان يدّعي أنّه دكتور وباحث أكاديمي, فإنّه يصوّر أنّ القرآن والتاريخ والروايات كلها كانت متعلّقة بالخليفة السياسي, وإذا لا سامح الله انحرف الخليفة فإنّ كل شيء كتبه المسلمون ونقلوه في وقته فهو باطل, ونسي أو تناسى أنّ الأمة مليئة بالصلحاء والأخيار ولا يتعلق أمر نقل الدين بشخص واحد أو اثنين, خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ عليّا(علیه السلام) كان موجوداً في زمن الخلفاء، وأخذ على عاتقه الإرشاد والتوجيه وإصلاح الأمور قدر استطاعته, ثم استمر أهل بيته(علیهم السلام) على هذا المنهج وذادوا عن الإسلام بكل ما أوتوا، حتى أنّ الحسين(علیه السلام) حين رأى أنّ بيضة الإسلام في خطر, وأنّ سكوته سيؤدي إلى زوال الإسلام ثار على الحكم الفاسد، وضحى بنفسه الشريفة في سبيل الحفاظ على دين الإسلام من الزوال.

والغرض، فإنّه مضافاً لوجود صحابة عدول ذادوا عن الإسلام, فإنّ مهمة الحفاظ على الشريعة أسندت إلى أهل البيت(علیه السلام), وقاموا بحفظها على أتمّ وجه.

([183]) منهج شيعة أهل البيت(علیهم السلام) لا يقوم على السب والشتائم كما يريد أعداءه أن يصوروه، ذلك أنه متصل بمنبع الحق والحقيقة وهو كتاب الله وسنة نبيه الكريم وآل بيته الأبرار، نعم يحتاج إلى السب والشتائم من شايع وبايع معاوية وأمثاله، والذي جعل ـ كما ورد في صحيح مسلم ـ سب أمير المؤمنين علي(علیه السلام) على المنابر سنّة سيئة، عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين.

أمّا مسألة اللعن فهي مبدأ قرآني, ونحن لم نقل إنّنا نلعن الشيخين, بل قلنا إنّ الإمام علي(علیه السلام) نهى عن السب دون اللعن, وأعطانا الوجهة الصحيحة في التعامل مع المخطئ بعدم سبّه بل بذكر أفعاله وأعماله, وهذا هو موضع الشاهد في تعليقنا, فلا داعي لتحريف الكلام والتصيّد بالماء العكر.

([184]) أمّا اللطم فهو جائز في الإسلام، وقد ذكرنا أنّ السيدة عائشة قد قامت بهذا الفعل, على أنّ قضية الحسين وأهل البيت قضية خاصّة, فاللطم يمثل إظهار مظلوميتهم وبيان ما لاقوه من الظالمين، الذين لا زالوا يحضون بتقديس عند بعض الفرق, كما أنّ اللطم يمثل ثورة مستمرة تلهم الإنسان روح الحماس والتفاني في سبيل الدين.

ثمّ من قال إنّه من اللازم عليك أن تلطم، ومن أوجب عليك ذلك؟ فليس هو من أصول الدين ولا من فروعه الواجبة؛ بل هو يمثّل ـ مضافاً لما ذكرنا ـ علامة من علامات الحزن والجزع على قتل ابن بنت رسول الله وريحانته من الدنيا، وسيد شباب أهل الجنة، عطشاناً غريباً، هو وجميع أنصاره وولده وأخوته، وسبي نساءه سبي الترك والديلم من كربلاء إلى الشام. وهذا الأمر يتلاءم تماماً مع وجوب محبّتهم المتفق عليه بين الفريقين، فإنّ وجوب المحبّة يقتضي إظهار الحزن على مصائبهم وما حلّ بهم.

ثمّ نحن نقيم العزاء ونبكي اقتداءً برسولنا الكريم(ص) وأئمتنا(علیهم السلام)، حيث إنّهم أقاموا مجالس العزاء وأمروا شيعتهم بإقامتها على سيد الشهداء(علیه السلام)، كما أنه(ص) أقام العزاء وبكى كذلك على فقد ولده أبراهيم، وكذلك بكى وأمر النساء أن تبكي على عمه أسد الله وأسد رسوله حمزة(علیه السلام)، ولم يكن في بكاءه وعزاءه اعتراضاً على أمر الله، ولم يقل إنا لله وإنا إليه راجعون واكتفى بهذا، فهل أن الرسول(ص) لا يعلم أن ما حدث ويحدث في كل مصائب الدنيا أنه بقضاء الله وقدره ومن ثم يحزن ويبكي حتى تأتي أنت وتعترض على كل من يفعل ذلك؟ فإذا كنت لا تعلم سيرة المصطفى(ص) بخصوص البكاء وإقامة العزاء وسيرة أهل بيته الطاهرين، مع العلم أنها من بديهيات الأمور، فكيف سمحت لنفسك الاعتراض على الشيعة في هذا العمل؟ بل كيف تجرأت في الإقدام على هذه الأمر الخطير؟

([185]) قضية فدك، وعلى الرغم من أنها من القضايا المهمة في التاريخ الإسلامي، غير مطروحة للبحث في هذه المناظره، لكن نشير إلى ما أشار إليه أكثر المحققين، وذكرناه في موقعنا على الإنترنت، وهو أنه لم يكن لرسول الله بنتاً غير فاطمة، وأما المشهورتان بكونهما بنتا رسول الله فهما ربيبتا بيت رسول الله(ص)، وحتى لو فرض أنهما كانتا بنتاه، فإنهما توفيتا قبل وفاته؛ في حين أن رسول الله(ص) أعطى فدكاً لفاطمة في آخر حياته؛ فكيف يمكن إعطائهما فدكاً وهما متوفيتان؟ وأخيراً، فإنه ـ وخلافاً لما ذكره الخزاعي من أن رسول الله(ص) لم يعط شيئاً لزوجاته، فكيف يعطي فدكاً لفاطمه ـ نقول: أن رسول الله قد أوصى لزوجاته بمساكن، فعن عامر قال: “مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم يوص إلا بمسكن أزواجه وأرض”. الطبقات الكبرى: ج 2 ص 316.

([186]) ما دامت فدك ملكاً لرسول الله(ص) فهو أعرف لمن يعطيها, وليس لأبي بكر صلاحية التصرف في مال غيره, فالرسول(ص) إذا أعطاها لفاطمة فقد اصبحت ملكاً لها هي أحق به, وإذا لم يعطها ذلك فهي إرث لها أيضاً تملكها بعد وفاته, فكلامك يتنافى مع الأحكام الشرعية.

 ومايدريك، يا خزاعي، فقد تكون الحكمة والمصلحة الربانية التي انطلق منها النبي(ص) في منحه فدكاً لفاطمة الصديقة، هي علم الله ورسوله أنها ستكون دليلاً إضافياً على ظلامة آل النبي، وإلا ما يصنع آل البيت بفدك وغير فدك ـ كما يقول أمير المؤمنين ـ وإذا كان أبو بكر أراد إعادة الأرض إلى بيت المال، فهل أن السيدة الصديقة، بنت الوحي وزوج الوصي وأم الأئمة الأبرار، تريد أن تحتفظ بأموال المسلمين في بيتها؟ وهل الخليفة أحرص منها عليه؟!! ألا يستحي من يستدل بهذا الأسلوب الوضيع من نفسه، إذا لم يستح من الصديقة وأبيها؟ وإذا كان الأمر كما يقول خصوم الزهراء، أو من وضعوا أنفسهم في الخانة المضادة للسيدة الصديقة الطاهرة، فلماذا أعاد عمر الأرض إلى علي والعباس بعد موت أبي بكر؟ كل ما في الموضوع أن الخلفاء كانوا يخوضون صراعاً محموماً ضد السيدة الصديقة وكل معارضيهم من أهل بيت الوحي؛ لأنهم كانوا الخطر الذي يقض مضاجعهم، ويهدد عروشهم التي استولوا عليها دون وجه حق.

([187]) هنا اعتراف من الخزاعي أنه لا يوجد ترابط في كلامه فكيف يستفيد المشاهد من هكذا شخصيات، وكيف جاز له أن يتكلم في مواضع حساسة ومهمة؟! أترك التعليق للقارئ.

([188]) لا توجد علاقة لا عرفاً ولا شرعاً ولا عقلاً بين زواج أي شخص بزوجة الآخر بعد موته وبين حسن العلاقة بينهما؟ وما هو الغريب في أن تكون أسماء بنت عميس، هذه المرأة المؤمنة الفاضلة، زوجة لأبي بكر ثم تقوم بتمريض سيدة نساء العالمين، بعد أن عرفت من قدرها ومقامها ما لم يعرفه زوجها؟ بل لعل ندم أبي بكر على موقفه من الزهراء(سلام الله علیها) بعد ذلك هو الذي دعاه إلى أن يرسل زوجته لتمريضها، وللعلم أن ندمه لم ينفعه شيئاً بعدما ماتت(سلام الله علیها) وهي غاضبة عليه.

 ثمّ هل يعرف (أبو شوارب) عن محمّد بن أبي بكر شيئاً أم لا, هل يعلم أنّه كان من المشتركين في قتل عثمان وخاطبه بنعثل (النعثل في اللغة: الشيخ الأحمق), انظر العين: ج2 ص341، ثم وثب على صدره ومسك لحيته وطعنه في نحره, انظر: الطبراني, المعجم الكبير: ج1 ص83, كما أنّ محمداً هذا كان مع جيش الإمام علي وحارب أخته عائشة في حرب الجمل وكاد أن يقتلها لولا تدخل أمير المؤمنين فمنعه من ذلك.

([189]) ليس معنى اشتراكك في هذه المناظرات أن الله تعالى استجاب لدعوتك، فنحن نرى كل يوم من يشترك فيها وفي غيرها ويدعو بنفس دعائك ولكن تكون النتيجة أن ينطق الشيطان على لسانه، فالمصلحة والحكمة في اشتراكك أو عدم اشتراكك لا يعلمها إلا الله تعالى، ولعلّ منها أنْ تنكشف أمامك الحقيقة فتكون حجة عليك وليس لك عذر بعدها أمام الله تعالى، فالمسألة كلّ المسألة في قول الحق بعد أن يتبيّن، والقبول به ولو كان على خلاف نظرك وما تهواه نفسك.

([190]) كلّ هذه الآيات وكثير غيرها ممّا يستدلّ بها أهل السنة والسلفية على عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً قد أجبنا عنها مفصَّلاً، فمن أراد الوقوف على الحق فيها فعليه الرجوع إلى كتابنا (قصة الحوار الهادئ). ثم ما علاقة الآيتين الأخيرتين بالصحابة يا أستاذ؟

([191]) نعم، لا للطائفية والمذهبية، ولكن هناك حقائق سطرت في صفحات التاريخ والسنة النبوية، تذكرها الشيعة لدفع الشبهات التي يروج لها البعض وتصف التشيع بأمور خرافية، في حين أنها حقائق ثابتة وراسخة بل وضاربة في عمق التاريخ، وهذا هو الذي دعانا للدخول والمشاركة في هذه المناظرة.

([192]) انظر عزيزي القارئ إلى سذاجة هذا الرجل، كيف يقسم بالله على أمور هو غير مطلع عليها بشكل تفصيلي، أنه الجهل ولا شيء غيره.

([193]) لا يوجد عندنا موقفاً واحداً من الصحابة لأنّنا نرى أنّ فيهم الصالح وفيهم الطالح بحسب ما استفدناه من القرآن والسنّة النبوية والتاريخ الإسلامي، وما يتعلّق بخالد بن الوليد تجده في كتابنا (قصّة الحوار الهادئ) حيث تعرضنا هناك لمسألة قتله مالك بن نويرة ونزوه على زوجته وغير ذلك ممّا يتعلق به.

أمّا صلاح الدين الأيوبي، ولو أنه فتح القدس وطرد منها الصليبيين، إلا أنه في نفس الوقت أشاع القتل في شيعة مصر، لا لذنب سوى أنهم موالون لأهل البيت(علیهم السلام)، فأبادهم ولم يبق لهم من باقية، فكيف يا ترى نذكر من يقتل عشرات الآلاف من المسلمين بدون ذنب بخير؟ وهل أنّ دماء الشيعة رخيصة عندك إلى هذا الحد، وأنت تدعي أنك منهم، حتّى تثني عليه؟

([194]) وهذا من قلة بضاعة الرجل بعلم الحديث والرجال وعدم اطلاعه على مصادر المسلمين، وإلا فأي أنسان له أدني معرفة بكتب الحديث والتاريخ يعلم أن هذه الروايات وجدت في هذه المصادر قبل أن توجد الدولة الفاطمية بمصر وقبل نشوء الدولة الصفوية بإيران بمئات السنين!! ثمّ هل أنّ كتاب مصنف ابن أبي شيبة أو كتاب الأنساب للبلاذري وتاريخ الطبري وغيرها من كتبت أهل السنّة التي نقلت تلك الأمور قد كتبها الفاطميون أو الصفيون أو كتبت في زمنهم؟!!

([195]) هنا نرى تخبط لا أكثر ولا أقل, فلا حوار علمي ولا أدلّة, بل نرى مقايسة عجيبة بحيث يصور قتل الشيعة على يد صلاح الدين شبيه بقتل المقاومة للأمريكان!! على أنّه خلط خلطاً عجيباً؛ فإنّ المرفوض في العراق هو قتل الأبرياء بدعوة المقاومة ولم يُنكَر على أحد قتل أمريكياً.

([196]) المعروف بل والمفترض أنْ يكون الغرض من المناظرات هو معرفة الحقيقة تبعاً للأدلة, وليس ردّ الأدلة تبعاً للعقائد والقناعات المسبقة, ومن الواضح أنّ الهاشمي والفريق الذي معه يتبنون مسبقاً قداسة الصحابة وعلى رأسهم الشيخين, ولذا يستغربون من هذا الطرح ويصورون المسألة أنها مسألة محاكمة وما أشبه ذلك, وفي الحقيقة إنّما نحن فيه هو إعادة قراءة للتاريخ ليس إلا, وهو أحد العوامل التي يتبيّن من خلالها معرفة الحقيقة, فما يردده الهاشمي وغيره من عدم وجود أهلية لأي شخص حتّى يقوم بمحاكمة الشيخين هو كلام بعيد عن منطق أهل العلم، الذين هدفهم الأساس هو طلب الحقيقة، ومن ثم الإذعان لها مهما كانت أليمة، تبعاً لقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} الزمر18.

([197]) لا تدلُّ آية الغار التي أشار إليها الهاشمي ـ ويشير لها في كل مناسبة سانحة ويتغنى بها كأنها آية المباهلة أو آية التطهير أو آية الولاية أو آية إكمال الدين ـ بظهورها على أيِّ مدح للخليفة، بل يذهب بعضٌ إلى أنها في الذم أكثر ظهوراً؛ ذلك أنّ الخليفة أبا بكر كان متوجساً خيفة وحزيناً في موضع ليس من مواضع الحزن، ولذلك نهاه النبي(ص) عنه. وفي بقيّة الآية الشريفة ذماً آخر له ليس هنا محل بحثه.

([198]) هذه الفتوحات الإسلامية العظيمة، التي يستغلها الهاشمي كدعايات إعلامية في برنامجه للخليفة الثاني كلما سنحت له الفرصة، ما هي في حقيقتها إلا نتاج جهود الصحابة المخلصين والمسلمين الأوائل، الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل نشر الدعوة الإسلامية ونقل أنوار الإسلام لأغلب سكان المعمورة؛ كل هذه الفتوحات وغيرها من حروب المسلمين لم يشترك فيها عمر لا بضربة بسيف ولا طعنة برمح، فهو لم يكن قائداً مباشراً لهذه الجيوش ولا آمراً عليها، وكل ما في الأمر أن هذه الفتوحات حدثت في عهده.

ولا ندري كيف علم الهاشمي أنه كسب قلوب الإيرانيين؟ أم كيف أقنع المصريين بالإسلام وهم لم يروا له شخصاً أو يسمعوا منه حديثاً، بل كان يمنع الصحابة من التحديث بحديث رسول الله(ص)، كما تقدّم ذكره سابقاً، فأي إسلام هذا الذي ينقله الخليفة وهو يمنع التحديث، ويرفع شعار”حسبنا كتاب الله”؟ وهل يبقى هناك دين اسمه الإسلام إذا نفينا عنه السنة النبوية؟

فالذي أقنع هؤلاء بالإسلام ما رأوه من جيوش المسلمين من إيمان وتقوى وورع وذكر وتبتل وصلاة وصيام وطاعة للخالق تبارك وتعالى، وما أدركوا من تسامح الإسلام ورحمته ومساواته بين الناس، وأنه دين التوحيد والفطرة، ودين الأنبياء السابقين الذي يدعون إلى نبذ الشرك والأوثان وعبادة الواحد الأحد، وما سمعوا أو قرأوا من آيات القرآن الكريم معجزة النبي(ص) الخالدة، الذي لم ولن يستطع جميع البشر أن يأتوا بسورة من مثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

([199]) المذهب الشيعي قائم على الأدلّة القرآنية والروائية، فعدّة من الآيات وكثير من الروايات النبويةّ تؤكد وجوب التمسّك بأهل البيت(علیهم السلام)، فهذا هو أساس المذهب, وما سواه متفرّع عليه. ولم يكن أصل المذهب يوماً من الأيام قائم على العداء لشخص ما, ونحن نتعامل مع الصحابة بناءً على سيرة كل واحد منهم وما قدّمه للإسلام، بما في ذلك ملاحظة موقفه من أهل البيت(علیهم السلام).

([200]) لم نقل ذلك، ولكن نقول لك ولكل إخواننا المسلمين: إذا كنتم تصدقون بكلام أمير المؤمنين هذا، فعلى ماذا يدل من وجهة نظركم؟ خاصة إذا أضيف هذا الكلام إلى ما قدمناه من قرائن وأدلة أخرى من كتب الفريقين حول نفس الموضوع, والدكتور الهاشمي مستمر بالمغالطة وعلى عدم التفريق بين ثبوت أصل مظلوميتها وهضمها من قبل الصحابة, وبين تفاصيل ذلك. فخطبة الإمام علي تؤكد، بلا أدنى شكّ، أنّ هناك مظلومية صريحة وواضحة حصلت للزهراء من قبل الصحابة, وهذا لوحده كافٍ في تسجيل الإدانة بغض النظر عن نوع الظلم والاضطهاد الذي حل بها.

([201]) لو نظرنا إلى مفردات الدكتور الهاشمي فهي مجرد إنشاء غير متكئ على أدلة تاريخية أو روائية، وما هي في الحقيقة إلا مجرد إثارات لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

([202]) هذا تكرار ممل, فقد ذكرنا عدّة روايات ولم نر منكم أي جواب يذكر لحد الآن.

([203]) لم نذكر أكاذيب, بل ذكرنا عدّة روايات من كتب أهل السنّة, ولم تستطيعوا الجواب عنها.

([204]) نعم، نحن ندعو ونستغفر لمن سبقونا بالإيمان، ولكن لا يمكننا أن نعلم بما في القلوب من الإيمان، ، فالإسلام شيء والإيمان شيء آخر، وليس كل من أظهر الشهادتين وتلفظ بهما قد آمن قلبه أيضاً، لا توجد ملازمة عقلية بينهما، الله تعالى هو الأعلم بالسرائر، فأنتم قد اختلطت عليكم المفاهيم، ورحتم تقدّسون كل من رأى النبي ولو للحظة، وتركتم كتاب الله خلف أظهركم؛ الذي ذمّ كثيراً ممن رأى النبي ورآهم, فالرؤية ليست بمعيار عندنا, فهي ليست بأمر معجز يتحول الإنسان على ضوئه إلى أطهر مخلوق على وجه الأرض بعد النبي, بل المعيار عندنا هي ثبوت التقوى والعمل الصالح.

([205]) ونحن نسألك: هل تقول بإيمان من قاتل علي بن أبي طالب، مع أن رسول الله(ص) قد قال فيه: “لا يبغضك إلا منافق”؟ وهل انعكست الآية فأصبح الشيعة منافقون لبغضهم من قاتل علياً؟ وأمّا الثقلان: فكتاب الله هو الثقل الأكبر، وأهل البيت هم الثقل الأصغر، ونحن متبعون للثقلين؛ بحسب توجيهات النبي الأكرم(ص), أمّا أنتم فخلفتم الثقل الأصغر خلف أظهركم.

([206]) للرد على هذا الكلام نقول:

أولاً: إن نقل الحقائق التاريخية لا يسمّى إساءة وليس فيه جرح لمشاعر أحد.

وثانياً: ما نقلناه إنّما هو ما ذكره الطبري والبلاذري وابن أبي شيبة وغيرهم، وهم من كبار علمائكم، فهم من جرح مشاعركم إن كان هناك جرح.

واللازم في مثل هذه الحالة، مع ملاحظة صحّة ما نقلناه، هو أنْ تخطو الخطوة الأولى في تغيير قناعاتك وفق حقائق التاريخ لا أنْ تعتبر ما خالفها جرحاً للمشاعر.

([207]) أي كلام لنا تبرّأ منه الشيعة يا ترى؟ أهو دعوتنا للوحدة والتآخي بين المسلمين ورفضنا للعصبية المقيتة؟ أم دعوتنا لعدم طرح هذه المسائل التي تثير البغضاء والحقد بين المسلمين على شاشات القنوات الفضائية؟ أم براءتنا من تهمة سب الصحابة وتبرؤنا ممن يسبهم؟ أم في قولنا: (إن الإهانة شيء ونقل الروايات والوقائع التاريخية شيء آخر، فهذه الروايات، وللأسف، موجودة في تراثنا الديني، كما أن أكثر ما أنقله هو من كتب إخواني أهل السنة، فإذا ثبت أن هذه الروايات باطلة فهو ما نريده، وناقل الكفر ليس بكافر، وإلا فعلينا جميعاً أن نتقبل الحقائق مهما كانت مرة وأليمة، فنحن عندما نذكر الأحاديث والوقائع التاريخية كما وردت في بطون الكتب، والتي تكون في الغالب لعلماء أهل السنة، والتي قد تتضمن في بعض الأحيان مساً أو إساءة أو تجريحاً لهذه الشخصية أو تلك أو لهذا الصحابي أو ذاك إنما نهدف إلى إخضاعها للبحث والنقاش العلمي الموضوعي، والدين لا يتأتى إلا من أهل العلم والاختصاص والخبرة، ودون أن نتبنى بالضرورة كل ما ورد في هذه النصوص؛ لأن فيها الغث والسمين والصالح والطالح, بل نحن نخضع الروايات إلى القواعد الحديثية لنعرف الصحيح من غيره..).

ومن هنا فنحن نجدد الاعتذار إلى إخواننا الأعزاء من مختلف الفرق والمذاهب الإسلامية إذا كانت النصوص التي ننقلها تتضمن ما يتعارض مع مقدساتهم أو يسيء إلى أعلامهم, لكن نشدد بنفس الوقت على أنّ الحق أحق أن يتبع، وأنّ التقديس لابدّ أن يكون على ضوء الدليل.

([208]) كثيراً ما يستند المتحاورون مع الشيعة، سواء في هذه المناظرات أم في غيرها، إلى كتاب (البحار) للشيخ المجلسي، وهنا لا بد من التنويه على أمور:

1ـ أن كتاب البحار ليس من المصادر الحديثية المعتمدة والموثقة عند مشهور محققي الشيعة، بل هو كتاب جامع لروايات ومصنفات الشيعة, فهو من قبيل كتاب كنز العمال عند السنّة، حيث حاول مؤلّفه استيعاب الروايات وتقسيمها على الأبواب، وامتاز البحار بذكر أسانيد الروايات وطرقه إلى مؤلفيها, وحينئذٍ فإنّ كلّ رواية فيه خاضعة للموازين العلمية, فإن انطبقت عليها معايير الصحّة والقبول أخذ بها, وما لم تتوفر فيها شرائط القبول طرحت.

2ـ لا يوجد عندنا كتاب حديثي نقول بصحّة كل أحاديثه، كما عند إخواننا أهل السنة؛ وإنما تخضع جميع الروايات الموجودة في كتبنا الحديثية إلى الفحص والتدقيق بالنسبة لسنده ومتنه, فحتّى الكتب الأربعة المعروفة عند الشيعة لا نقبل جميع ما فيها, بل كلّها خاضعة للتقييم العلمي.

3ـ أنّ من نتائج القول بالاجتهاد، الذي يتبناه المذهب الشيعي؛ هو أنْ تتعدّد الآراء في المسألة الواحدة، فلا موجب أن نحكم على كل ما يقوله أحد المجتهدين أنه يمثل الرأي النهائي لعلماء المذهب، وعليه فلا يصح الاعتراض على أي حكم من الأحكام أو أي رأي من الآراء إلا الذي توافق عليه مشهور محققي الشيعة.

4ـ لو أردنا أن ننقض على إخواننا أهل السنة بكل رواية وجدت في كتبهم، كما يفعل (ابو شوارب) والحسيني هنا، فسنخرج لهم طامات لعلهم لم يسمعوا بها من قبل أو لم يتوقعوا وجودها في كتبهم ومصادرهم, فحتى ما يقولون بصحته مطلقاً كالبخاري ومسلم فيهما الكثير من الإساءات إلى النبي محمد(ص) وسائر الأنبياء الذين قبله, بل فيهما تجسيماً لربّ العالمين, فما بالك بغيرهما من الكتب التي امتلأت بالخرافات والأباطيل وبالإسرائيليات المسيئة لربّ العالمين والأنبياء(علیهم السلام).

([209]) اعتاد الأخوة المشاركين في هذه المناظرة على الخروج عن الموضوع الأصلي، وكل همهم هو الرد بالتكذيب المباشر للأدلة التي ساقها المدافعون عن ظلامات آل البيت بدون دليل، ومن ثم النقل للروايات بطريقة عشوائية أو التقاطية ومجتزأة، كما هو الحال مع هذه الرواية، التي سوف نكتفي بنقلها كما وردت في المصدر الذي نقل عنه الحسيني، ليتضح حقيقة ما نقوله عن منهجهم القائم على المغالطة والعشوائية والالتقاط والتزييف فضلاً عن التدليس المتعمد:

قال المجلسي: “أقول: وجدت بخط بعض الأفاضل نقلاً من خط الشهيد رفع الله درجته قال: قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت: جئت إلى حجّام بمنى ليحلق رأسي، فقال: ادن ميامينك، واستقبل القبلة، وسم الله، فتعلمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي، فقلت له: مملوك أنت أم حر؟ فقال: مملوك، قلت: لمن؟ قال: لجعفر بن محمد العلوي(علیه السلام)، قلت: أشاهد هو أم غائب؟ قال: شاهد، فصرت إلى بابه واستأذنت عليه، فحجبني، وجاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا، فأذن لهم، فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت له: يا ابن رسول الله، لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد(ص) فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم، فقال: لا يقبلون مني، فقلت: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله(ص)؟ فقال: أنت ممن لم يقبل مني، دخلت داري بغير إذني، وجلست بغير أمري، وتكلمت بغير رأيي، وقد بلغني أنك تقول بالقياس، قلت: نعم به أقول، قال: ويحك يا نعمان، أول من قاس إبليس حين أمره بالسجود لآدم(علیه السلام) وقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، أيّما أكبر يا نعمان، القتل أو الزنا؟ قلت: القتل، قال: فلم جعل الله في القتل شاهدين وفي الزنا أربعة؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: فأيما أكبر البول أو المني؟ قلت: البول، قال: فلم أمر الله في البول بالوضوء وفي المني بالغسل؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: فأيما أكبر الصلاة أو الصيام؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: فأيما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين، وللمرأة سهماً؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: فلم حكم الله تعالى فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع، وإذا قطع رجل يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم؟ أينقاس لك هذا؟ قلت: لا. قال: وقد بلغني أنك تفسر آية في كتاب الله وهي: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أنه الطعام الطيب والماء البارد في اليوم الصائف. قلت: نعم، قال له: دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيباً، وأسقاك ماء بارداً، ثم امتن عليك به، ما كنت تنسبه إليه؟ قلت: إلى البخل، قال: أ فيبخل الله تعالى؟! قلت: فما هو؟ قال: حبنا أهل البيت”. بحار الأنوار: ج10 ص220 رقم 20.

فلا يوجد في الرواية أنّ أصحاب الإمام هم من يسبّون, وهم من لا يأخذون بكلامه, بل لعلّ المراد هم أصحاب الرأي, ولذا قال الإمام لأبي حنيفة: انت ممّن لم يقبل مني....

أضف إلى ذلك فإنّ الرواية مرسلة لا سند لها, فهي غير صالحة للاحتجاج.

([210]) هذه دعوى لا دليل عليها، ويجب على الدكتور الهاشمي أن يسوق الدليل العلمي، ومن ثم يطعن أو يوجه النقد إلى الآخرين.

والغريب أنّ الهاشمي يتهم الدولة الصفوية بإجبار الناس على التشيّع بلا دليل, ويسكت عن ملاحقة صلاح الدين الأيوبي لشيعة أهل البيت تحت كل حجر ومدر، وقيامه بقتلهم وتشريدهم وتحويل مصر إلى دولة سنية بقوة السيف, مع أنّ الدليل قائم عليه والتاريخ يثبت ذلك.

([211]) الشيعة مستهدفون حيثما وجدوا لا لشيء إلا لأنهم يرفضون المنطق البليد القائل: سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين...، وذلك احتراماً لعقولهم وإنسانيتهم ـ قبل كل شيء ـ فالمسلمون الإيرانيون ـ مثلاًـ يستخدم ضدهم سلاح العنصرية المقيت، فيلفق عليهم بأنّهم يكرهون جميع الصحابة وينطلقون من أحقاد الماضي ونار المجوس التي أطفاها الخلفاء، وماشاكل ذلك، أما العراقيون، فلكونهم شيعة أيضاً توجّه لهم الاتهامات دون دليل منطقي أو استدلال صحيح، وذلك بسبب رفضهم لنفس المنهج الذي أشرنا إليه، والذي يحاول أعداء الحقيقة والإنسان أن يكبّلوا به عقول المسلمين، لكي يستمر أسيادهم في استعباد الشعوب وإذلالها ومصادرة حقها في الحياة الحرة والكريمة المبنية على العقل والعدل والحرية.

([212]) تعساً لهذا الاستدلال المبتني على المناطقيّة, وكأنّ جيش الإمام(علیه السلام) متكون من منطقة واحدة فقط! أو متكون من طائفة معيّنة, فإنْ كان جيش الإمام علي(علیه السلام) كله من الشيعة وقد ذمهم فقد اعترفتم إذن بأنّ السنّة لم يوالوا عليّاً ولم يكونوا ضمن جيشه، مع أنّه رابع الخلفاء الراشدين, وإنْ قلتم إنّ الجيش كان يتألف من السنّة والشيعة, فالكلام يعمّ الفريقين, هذا أولاً.

وثانياً: لم يكن الذم متوجهاً لاعتقادهم بإمامته, بل هو متفرع على ذلك, أي أنّ الإمام كان يرى نفسه هو الإمام وهو القائد ويذمّ من يتخلّف عن الطاعة، وهذا أمر خارج عن العقيدة, فحتّى اليوم لو كان الشيعي المعتقد بإمامة أهل البيت غير مطيع لهم ولم يلتزم بتوجيهاتهم فسينال عقابه وفق قانون العدل الإلهي.

 وعلى كلّ التقادير؛ فإنّ الخبر أعلاه، على فرض صحّته، فهو يذمّ السنّة أيضاً؛ إمّا لوجودهم في جيش الإمام وعدم طاعتهم له, أو لعدم انضوائهم تحت جيشه من الأساس.

مع العلم أنّ جيش الإمام كان يضمّ عدداً كبيراً من الصحابة والتابعين, فهم مشمولون بالخطاب أيضاً.

([213]) إذا كان الفرس من محبي صحابة النبيّ(ص) ولم يغيروا مذهبهم إلا قبل (350) سنة، فكيف تدعي أنّ هذه الروايات التي تدين الصحابة والتي وجدت في مصادر المسلمين قبل ألف سنة هي من صناعة فارسية؟ ثم ّكيف تتهمون الفرس دائماً أنهم من اخترع وروج لهذه الروايات لكي يثأروا من عمر بعد أن أذلهم وأزال ملكهم, والآن تقولون أنهم من أكثر محبي الخليفتين الأول والثاني؟ ألا يعد هذا تناقضاً صارخاً يا فضيلة الدكتور؟

([214]) أولاً: ليس سبّ الصحابة هو موضوع المناظرة حتى ترجع إليه, فهذا التفاف وهروب من الموضوع, وثانياً: عرفنا أنّ الرواية ضعيفة سنداً وليس فيها دلالة على المدّعى. وثالثاً: ما يقول الحسيني في أصحاب النبيّ الذين خالفوا أوامره في يوم أحد, وتركوه مع ثلة قليلة في صلاة الجمعة طمعاً في التجارة, وفروا من الزحف في حروب عديدة, أ فهل يتناسب الحبّ للنبيّ مع القيام بهذه الأعمال؟!

([215]) انظر أيّها القارئ الكريم إلى المراوغة والاستدلال الضعيف, فالآن يجعلون النسب معياراً لعدالة وقداسة أبي بكر, وفي نفس الوقت يقولون بكفر أمّ النبيّ وأبيه, فضلاً عن بقيّة أجداده, فلا نعرف بعد هذا ما ينفع التأمل القليل الذي يريده الحسيني؟ هل سيطعن في النبيّ بسبب نسبه, أم يطعن به لاختلاط نسبه بنسب أبي لهب, أم يكون أبو لهب طاهراً لاختلاط نسبه بنسب النبي(ص)!!.

([216]) هذه الرواية قد ذكرها العلامة المجلسي في عداد الروايات التي وجدها في كتب أهل السنة وليس لها سند شيعي؛ والكلّ يعرف أنّ كتاب (بحار الأنوار) ليس من المصادر الأساسية للرواية عند الشيعة، فهو يروي دائماً عن الكتب الأخرى، وقد روي هذه الرواية من كتاب (الدر المنثور) للسيوطي، وهي برقم (65)، فقال: “وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا”. بحار الأنوار ج 55 ص 276 رقم 74. فالرواية سنيّة وليست شيعية، وإن وردت بمصدر شيعي، فلا يصح لك الاحتجاج بها علينا.

([217]) ماذا تقول عن التقطيع الذي ذكرته لرواية قضية أبي حنيفة مع الإمام الصادق، ماذا يعتبر عند الأكاديميين؟ هل يعتبر ذكر لموضع الشاهد؟ أم نسيان؟ أم تغاضي عن الحقائق الدامغة التي عبر عنها الإمام بمنطقه الربّاني الحكيم، لكيلا يفتضح أمر أبي حنيفة، كما فعلت فيما نقل الشهرستاني مع النظام من مثالب عمر بن الخطاب، حينما اقتطعت من الرواية ما يخدم أهدافك، وأخفيت الباقي خوفاً من أن يطلع عليه الناس.

أما الرواية التي نقلناها عن الشهرستاني، فلم ندلّس فيها، كما كررنا ذلك مراراً، وإنما قلنا: إن الشهرستاني ناقل لكلام النظام.

([218]) ليس من شروط الوحدة الإسلامية أن نكتم الحقائق عن الأجيال, بل في توضيحها ونشرها بينهم وهم بعد ذلك أحرار مخيرون في قبولها أو رفضها، مع العلم أن نشر هذه الأمور وغيرها يجب أن يتم مع ذكر أدلتها من مصادرها الأولية المقبولة عند الطرف الآخر، وكل ادعاء خال من الدليل فهو مردود على صاحبه.

 وقد قمنا بكل ذلك، فقد نقلنا الروايات التي تثبت هذه الحادثة من كتب أهل السنة ثم أردفناها بتوثيق رواتها من كتبهم أيضاً، فمن يرفض هذه الروايات ولا يعتقد بصحتها؛ عليه أن يناقش في أسانيدها فيطرح ما هو ضعيف منها ويقبل ما هو صحيح، أما الاتهامات الجاهزة بأننا نفرق بعملنا هذا بين المسلمين، من غير رد لما قلنا بأسلوب علمي تحقيقي، فلا ينبغي أن يصدر من محاور مخلص في عمله هذا مع الله تعالى ومع نفسه ومع المشاهدين وكذلك مع الأجيال المسلمة.

([219]) فيما يتعلق بكونهما كافرين أو مسلمين، نقول: نحن لا نقول بكفرهما الصريح الذي يقابل الإسلام، فأي شخص ما دام قد تلفظ الشهادتين فهو مسلم ظاهراً، والنبي(ص) لم يُكفر من تلفظ الشهادتين حتى لو علم أنه منافق، وأما ما يتعلق بقضية تهديد دار الزهراء(سلام الله علیها)، والتهجم على دارها وتهديدها بالإحراق وغيره، فهو لا ينحصر بكتب الشيعة بل قد رُوي ذلك في كتب أهل السنة، وفيها ما هو صحيح السند, فعليه ينبغي أن يوجه الكلام إلى مصنفي تلك الكتب، وهم من كبار علمائه.

ثم إنّ الحوار لا يدار بهذه الطريقة، فنحن لا نعرف ما في قلوب القوم وما كان يدور في سرائرهم، بل ننقل ما يذكره التاريخ والحديث بأسانيد صحيحة، وغاية ما نثبته أنّ هذا الفعل لم يكن فعلاً صحيحاً، ويثبت أنّ العلاقة بين بعض الصحابة والعترة الطاهرة لم تكن علاقة ودية, بل كانت متشنجة, ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من توتر العلاقة بين الامام علي والشيخين حيث كان يراهما: كاذبين، آثمين, غادرين, خائنين. صحيح مسلم: ج5 ص153.

([220]) لم يأل الهاشمي جهداً في محاولة زج السيد السيستاني في مستنقع مناظراته المشبوهة، بالتصريح مرة وبالإيحاء والتلميح أخرى، وإلا فهو يعلم جيداً بأن مركز الأبحاث العقائدية ليس جهة رسمية ناطقة باسمه أو معبرة عن آرائه وعقائده، ولم نقف لحد الآن على السبب الذي يقف وراء هذا الاستهداف المتعمد له، ونظنه ـ والله العالم ـ أن السيد السيستاني قد حفظ ببصيرته النافذة وأنفاسه الروحانية الكريمة، دماء الناس في العراق من جحافل الظلام والإجرام التي اجتاحت العراق لقتل الناس في المساجد والشوارع والأماكن العامة، وهذه الحكمة التي رسمها سماحته قد تغيض الآخرين الذين يعتاشون على إذكاء الفتنة وترويجها بين عموم المسلمين.

ثم قلناها مراراً ونقولها الآن أنّ في المناظرة لا يصحّ الاحتجاج بأي قول, بل لا بد أن يكون الاحتجاج بمشهور المذهب, ومشهور المذهب يرى أن أهل السنّة برموزهم مسلمين, محقوني الدم والمال والعرض.

([221]) هناك خلطٌ ظاهر بين مقام الاحتجاج والاستدلال، فنحن لا نريد أن نستدل على عقيدة ما بكتبكم، بل عندنا مصادرنا الخاصة المعتبرة، بل نريد أن نحتج على أهل السنّة بكتبهم من باب الإلزام لهم, وهذا لا علاقة له بأن نراها باطلة أم صحيحة، ويفترض بهم أيضاً في مقام الاحتجاج أن يحتجوا علينا من كتبنا من باب الإلزام لنا، وهذا منهج معروف في باب المناظرات؛ وهو ما أشار له ابن حزم، يقول: “لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونا ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقها، وإنما يجب أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه”. الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم: ج 4 ص 94.

([222]) نقلنا لك سابقاً أنّ الدهلوي يرى صحّة رواية ابن أبي شيبة, والمقدسي يحسّن رواية أبي بكر التي يندم فيها على كبسه لدار فاطمة.

([223]) أولاً: الحوزة العلمية لم تحكم بضلالة السيد محمد حسين فضل الله، فهي ليست تكفيرية، كما يدعي الحسيني، ولا يمكن لك أن تتمسك بفتوى هنا وقول هناك وتنسبه إلى الحوزة، وثانياً: حق الاجتهاد عند شيعة أهل البيت محفوظ لأهله، مثلما أن حق الرد عليهم محفوظ لأهله أيضاً، وثالثاً: إن السيد فضل الله لم ينكر أصل الحادثة بل ناقش في بعض تفاصيلها مثل كسر ضلع السيدة الزهراء(سلام الله علیها)؛ ولهذا فقد ذكر بعض الروايات التي تؤكد الحادثة، لاسيما قولة عمر بن الخطاب التي أطلقها رداً على من قال له: (إن في البيت فاطمة)، فقال: (وإن)!!! والتي تدل على استخفافه بالزهراء(سلام الله علیها)، ولك أن تراجع ما كتبه حول هذا الموضوع. انظر: كتاب الزهراء القدوة، فضل الله: ص107ـ109، ط2، 1422هـ، دار الملاك، بيروت.

([224]) نحن لسنا مسؤولين عما يقوله الناس بخصوص أبي بكر وعمر، فكلّ له موقفه وقناعته التي يسوقه إليها الدليل من هذه الأحداث ومن غيرها، وعليه أن يجيب عن ذلك في يوم الحساب، والمهم عندنا والأصل الذي نتحاور عليه هو أن نعرض هذه الروايات عليكم ثم تقوموا أنتم بدراستها وتقييم حال رواتها فإن أثبتم لنا أنها روايات كاذبة وناقليها هم من الكذابين الوضاعين، وتأكد لنا ذلك ومن مصادركم الموثوقة؛ سنقوم بدورنا بمعالجة المسألة والإفتاء ببراءتهما وحرمة التعرض لهما بسبب هذا الأمر، وسنتحمل كلّ الاعتراضات أو الطعون التي تتوجه إلينا ممّن يخالفنا في الرأي أو يصر على اتهامهما بالقيام بهذا العمل.

أما إذا لم تثبتوا لنا ذلك بأدلة قاطعة، وتريدون منا أن ننفي عنهما هذه التهمة ونحكم ببراءتهما بدون دليل معتبر وواضح, فهذا ما لم يكن ولا يكون، لأن هذا الأمر وبهذه الخطورة يجب أن يكون خاضعاً للدليل لا للعواطف. 

([225]) ليس نحن الذين اخترعنا هذه القضية حتى تدعي أننا نتحمل إثمها ووزرها، ألم ينقل تلك الأحداث علماؤكم ومحدثوكم؟ ألم يصححها بعض علمائكم؟ ألم ننقل كل ذلك من كتبكم ومصادركم؟ فإذا كان في نقلها وزر فعليك توجيه هذا الاتهام إلى علمائك ومحدثيك، فهم أول من أصل لهذه الجريمة، وهم أول من أشاعها.

ثمّ إلى الآن لم نر منك جواباً علميّاً حول الروايات التي ذكرناها، فأنت تبتعد كثيراً عن أجواء المناظرة, وهذا يدلّ على أنّك غير قادر على دحض الروايات التي أوردناها حول القضيّة.

 

([226]) نحن في هذه القضية الحساسة والمهمة وفي كل القضايا الخلافية معكم نتبع الدليل القاطع والحجة الدامغة، فليس من حقك أن تطالبنا بنفي هذه التهمة عنهما بدون حجة واضحة ولا برهان بيِّن، سوى أنك تروم من وراء ذلك الحفاظ على كرامة الخلفاء خوفاً على عقائد الناس أن تتزلزل باعتبارهم من خيرة الصحابة الكرام، فإذا أقمتم الدليل على براءتهما وبشكل لا يقبل النقاش سننفذ لكم هذا الطلب ونصدع به في كل مناسبة وإن عارضنا في هذا المسعى من يعارض.

 

([227]) قلنا لكم سابقاً: أنه من البعيد جداً إن لم يكن من المستحيل أن ينقل علماء أهل السنة، وخاصة المتشددين منهم، كل تفاصيل القضية من كسر الضلع وإسقاط الجنين؛ فمن ينقل ذلك فقد حفر قبر وثاقته بيده، فأول شيء يواجهه هو اتهامه بالرفض والزندقة، فتسقط عدالته بينهم، كما اتهم سابقاً من ينقل ما هو أقل خطراً من هذه القضية، فكيف يجرء من يسمع هذا الكلام أن ينقل هذه التفاصيل، مع ما فيها من فظاعة لم تمر على أهل البيت أعظم منها إلا ما حدث من قتل للإمام الحسين(علیه السلام) وأهل بيته.

ولكن، ومع هذا الخطر الشديد، هناك من علماء أهل السنة من نقل كل تفاصيل القضية، كالجويني الشافعي في فرائد السمطين، حيث نقل رواية عن رسول الله(ص) يتنبأ فيها ما يحدث لابنته الوحيدة من مآسي، وهذا يتعاضد مع ما هو ثابت عندنا وصحيح، وقد نقلها علماء الشيعة جيل بعد جيل عن أئمتهم، ودونوها في مصنفاتهم الروائية حتى وصلت إلينا بأمانة تامة.

كما أشرنا أيضاً أن المهم عندنا في إدانتهما ليس فقط كسر الضلع أو إسقاط الجنين، مع ما لهما من شأن عظيم وجرم خطير، بل هو نفس التهديد بالإحراق، وهو ما تعترفون به ولا يمكنكم إنكاره، والذي يعبر عن استخفاف ما بعده استخفاف بأهل بيت النبوة.

ثم هل باستطاعتكم نكران أنها ماتت وهي غاضبة على أبي بكر، كما هو ثابت في صحيح البخاري، سواء أكان من هذا العمل أم من غيره؟ مع العلم أنها لا تغضب لأمر دنيوي حتماً ولا لأمر عادي أو بسيط، كما تحاولوا أن تصوروه دائماً، وستكون النتيجة أنهما قد أغضبا الله ورسوله، لأنّ الرسول(ص) قال: “فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني” صحيح البخاري: ج4 ص210, فلا نحتاج إلى أكثر من ذلك لنبين لكم تجاوزهما عليها وخطأهما معها.

 

 

([228]) هذا الإخراج المسرحي والدعائي إنما هو للتشويش على الأذهان، وحجب العقول المتحررة من التعرف على الحقائق الجوهرية والحساسة التي تمس كيان الأمة وهويتها، والتي محورها الأساس هو مسألة إقصاء آل بيت النبي وعترته الأبرار عن الموقع الطبيعي الذي اختاره الله تعالى وارتضاه رسوله الكريم(ص) لهم، والحد من عبودية الدولار والدرهم وتحرير العقول من قيود الجهل والتعصب والتحجر والأوهام الشيطانية، والدعوة إلى الفهم والتدبير والانحياز إلى الحق والحقيقة، والوفاء لنبي الرحمة الأمين وآله الصادقين الأبرار.

([229]) هذا المنطلق غريب، فهل الإنسان عندما يبحث في التاريخ أو في السنة النبوية عن حقيقة معينة بموضوعية وإنصاف، ويرى الأدلة والشواهد تسند وتدعم هذه الحقيقة، يرمى بأنه يفرق كلمة المسلمين.

لو كان الأمر كذلك لما بحث وكتب شيء، لأنه سرعان ما يكفر ويرمى بالشرك، وأنه مفرق للمسلمين وهكذا، ولعطلت جميع مراكز الحياة، وهذا ما لا يقول به عاقل فضلاً عن عالم.

([230]) اختيار هذه الرسالة دون غيرها من مئات الرسائل التي تصل إلى الهاشمي، كما يقول، يدخل في إطار منهج الشحن الطائفي والعنصري والدعاية الإعلامية، وإثارة الحقد والبغضاء ضد شيعة آل بيت الرسول(ص)؛ لأن إثارة الحقد والغضب والسخط يجعل الإنسان غير قادر على التعامل مع الحقائق التي أمامه بموضوعية وتجرد وحياد، وبالتالي غير قادر على استخلاص المعنى الحقيقي والمغزى الذي يريد صاحب هذه الرسالة إيصاله إلى المتلقي، وبالتالي لن يكون قادراً على تقييم ما يقرأ ويسمع من مثل هذه الرسالة وأمثالها بصورة متوازنة ومنطقية، نذكّر هنا أن الهاشمي وصف صاحب الرسالة قبل قليل بأنه العزيز الكريم المبجل! ولا ندري كيف يوصف بالمبجل والكريم من يطرح مثل هذا الكلام وفقاً لمنهج الهاشمي؟

([231]) كيف تكون التهمة باطلة ولم يأت الأخوة ـ وعلى سبيل المثال ـ بدليل واحد لرد تهمة التهديد بالحرق، أو على الأقل قضية الهجوم على الدار، وإذا فرض أن كل ما جاء به المدافعون عن آل بيت النبي من أدلة لا يثبت مسألة كسر الضلع وإسقاط الجنين، فهل يكفي عدم ثبوت ذلك في تبرئة الخليفة من الهجوم أو كبس البيت، كما يسميه ابن تيمية، أو التهديد بالحرق، أليس في ذلك هتك لحرمة بيت رسول الله وترويع لابنته الصديقة؟

([232]) هذه الرواية ضعيفة السند, ولم ترد من طرق الشيعة, وسيأتي ذكرها مرة أخرى من (أبو شوارب) وسنتعرض لها هناك فانتظر.

([233]) الروايات التي ذكرت صحيحة سنداً، ودلالتها على الأحداث التي جرت على الزهراء(سلام الله علیها) لا يمكن إنكارها، ولا يوجد فيها لا تناقضات ولا أكاذيب، ولم يجيبوا عليها إلى الآن.

([234]) الجويني، فرائد السمطين: ج2 ص34.

([235]) إذا كان أهل السنّة، كما يدعي الهاشمي، يعتبرون هذه الرواية (أحاديث مخترعة لا أصل لها) فهذا يحتاج إلى إثبات وفق مباني علم الرجال لا بالدعاية الإعلامية، وإذا كانوا يقبلون بها فإنّ قول الهاشمي: (إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليس بالضرورة أنّه يعلم الغيب، هو يقول: أنا لا أعلم الغيب) هو افتراء وجرأة على الله ورسوله، لأنه مادام النبي قد تكلم بهذا الأمر وأخبر عنه فلا بد من القبول بكلامه؛ لأنه الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى أن هو إلاّ وحي يوحى. كما أنه ـ أي كلام الهاشمي أيضاً ـ تحريف لكلام الله وتفسير بالرأي، لأن النبي ـ وبنص القرآن ـ قد أخبر عن الكثير من الوقائع قبل حدوثها حيث أخبره الله عنها، ثم كيف يمكن للهاشمي ومن يفكر بطريقته أن ينفي علم الغيب عن رسول الله مع أن أهل السنه يثبتونه لعلمائهم، بل حتى لأمثال ابن تيمية! وهذا مبثوث في كتبهم بشكل واضخ وغير خفي.

ثم يا ترى كيف يتعامل الهاشمي مع الأحاديث النبوية التي تنبئ عن الغيب بهذا الاستخفاف ويعتبرها كالعدم؟ في حين يطلب حديثاً ممن شهد الواقعة حتى يصدقها ويعترف بوقوعها، فمتى كان هؤلاء أصدق حديثاً ممن لا ينطق عن الهوى يامن تدعون انتسابكم للسنة النبوية ودفاعكم عن صاحبها؟!

ومن أوضح الأمثلة على إخبار النبي(ص) بالغيب هي روايات الحوض الشهيرة المعروفة المروية في صحيحي مسلم والبخاري والتي جاء فيها أنّ النبي(ص), قال: “إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا ثم قرأ: كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين. وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم, وأنّ أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال, فأقول: أصحابي أصحابي فُيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم...” صحيح البخاري: ج4 ص11, أفلا يرى الهاشمي أنّ هذا إخبار غيبيّ أم ماذا؟ وهل يردّ رواية البخاري بهذه الطريقة ويقول الأمر سهل لأنها إخبار غيبي, فلينطق الهاشمي ويقل: إنّ كل روايات البخاري ومسلم الدالة على الغيب ضعيفة وليرى شأنه بعد ذلك!

([236]) أخذ الهاشمي يقاطعنا كثيراً ويماطل ويغالط ويشعّب الكلام ويحاول أن يرد كلامنا بأية طريقة ولو بادّعاء أن الذهبي لا يمكن أن يكون تلميذ الجويني، لأن الفارق الزمني بينهما (300) سنة، فقال: الجويني هذا كان بينه وبين الذهبي (300) عام كاملة، فكيف يقول عنه الذهبي بأنه أُستاذه؟

مع العلم أن وفاة الجويني كانت في سنة 730 ه‍، ووفاة تلميذه الذهبي كانت في سنة 748 ه‍، فكيف يكون بينهما (300) سنة؟!!

وظل يكرر القول بأن كلام النبي في رواية الجويني هو توقعات للغيب ولا يمكن اعتماده في إثبات جريمة قتل! وأنه لم يُذكر في رواية الجويني اسم عمر بن الخطاب! ولكنه نسي أنه لو ضمّت الروايات التي تثبت ندم أبي بكر على كشفه لبيت الزهراء وغيرها من القرائن إلى هذه الرواية لثبت أن المتسبب في هذه الحادثة هم من أرسلهم أبو بكر للهجوم على بيت الزهراء، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب.

كما لم تنفع معه اعتراضاتنا على كثرة مقاطعتنا وإتلاف الوقت المخصص لنا وتضييعه، مع أن الهاشمي قد وعدنا بأن يعطينا نصف ساعة كاملة من الوقت بدون مقاطعة، ولما لم تفلح محاولاتنا في أن يسمحوا لنا بالكلام قلنا لهم: إذا كنتم تنكرون قتل فاطمة(سلام الله علیها) فماذا تقولون في قضية قتل عثمان بن عفان؟ فما كان من الهاشمي إلا أن وصف قتلة عثمان بالأوباش والمتمردين، وشبههم بالذين حاولوا الانقلاب في إيران بعد الثورة كجماعة مجاهدي خلق وحزب تودة الشيوعي! مع أن التاريخ يشهد بأن الذين شاركوا بقتل عثمان هم من الصحابة، وهذا أمر متواتر في كتب أهل السنة لا يمكنهم إنكاره، والسؤال: ألا يعتبر كلام الهاشمي هذا سباً للصحابة؟

وبعد كثرة المقاطعة من قبل الهاشمي، والأخذ والرد بينه وبيننا، وردّه لرواية الجويني بدون دليل علمي، طلب منا مرة أخرى أن نأتي برواية ابن أبي شيبة، التي تثبت التهديد بالإحراق، وهتك حرمة بيت الزهراء(سلام الله علیها).

([237]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج8 ص 572. هذه الرواية من الروايات التي وردت من طرق علماء أهل السنة، وهي صحيحة السند عندهم، وقد تضمنت جملة من الأمور المهمة كامتناع علي والزبير عن البيعة لأبي بكر، وإرادة عمر الهجوم على بيت فاطمة، وقسمه على تنفيذ ذلك، وقناعة الزهراء بأنه سيفعل ما هدد به وقسمها على ذلك، وتهديد عمر لفاطمة الزهراء(سلام الله علیها)، وجلب الصحابة إلى بيعة أبي بكر بالتهديد والترهيب والإكراه.

  ومن شأن هذه الأمور أن توقع أهل السنة في إشكال خطير؛ لأنه قد صح عن النبي(ص) أنه قال: “من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري: ج 6 ص 22، مسند أحمد، الإمام أحمد بن حنبل: ج 4 ص 446 ؛ فإما أن تكون فاطمة قد ماتت ميتة جاهلية ـ والعياذ بالله وحاشاها من ذلك ـ أو أنها لم تكن تعتبر أبا بكر إماماً شرعياً لها، ولذلك، وبسبب اشتمالها على هذه الأمور، فقد تعرضت للدّس والتحريف فضلاً عن الادعاء بأنها موضوعة، على الرغم من تصحيح سندها، حيث تم تضمينها أموراً، من قبيل مسألة إظهار عمر المحبة لبنت رسول الله، أو الادعاء بأن علي والزبير ومن معهم قد خرجوا من الدار وبايعوا أبا بكر، لتنتفي بذلك مسألة الإحراق، وهي أمور تخالف ما ورد في الصحيح عن البخاري ومسلم، حيث أن تلك الروايات تشير إلى أن علياً(علیه السلام) لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة(سلام الله علیها).

([238]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([239]) هذا ليس دائماً ثبات، بل في الإقرار أحياناً قد يُقبل نصف كلام المقرّ ويُرد نصفه الآخر، كما أقر شخص بأنه قد زنى بفلانة، فأنه يقبل كلامه فيما يتعلق بذاته فيثبت عليه حد الزنى لكن بالنسبة للمرأة لا يثبت عليها الحد.

([240]) هنا يتبيّن جهل الهاشمي وعدم تفريقه بين الاقرار والادعاء؛ فإنّ الاقرار يكون على النفس لا لها؛ كأنْ يعترف الشخص بالسرقة أو الزنا أو القتل وغيرها، وأمّا الادعاء فعادة ما يكون لصالح النفس لا عليها، فكلام الخليفة هنا من باب الادعاء لا الإقرار، فحتّى المنافقون يدّعون أنّهم يحبّون النبي(ص)! فهل نصدّقهم ونقول انهم أقروا على أنفسهم بحبّ النبي؟ أم نقول: إنّ هذا ادّعاء منهم فقط!؟

([241]) رفض ذيل الرواية لا يتنافى بالضرورة مع الاستدلال بصدرها، هذا بشكل عام، أما في المقام فإن الاستدلال بصدر الرواية مبني على كونها صحيحة أولا، وعلى كون ما ورد في صدرها مدعم بأدلة وروايات وقرائن كثيرة، كالتي مر ذكرها خلال المناظرة، خلافاً لذيلها الذي يتعارض مع ما رواه مسلم والبخاري، كما بينا، ولذلك تم رفضه وعدم قبوله.

أضف إلى ذلك؛ فإنّنا نتأتي بالرواية السنية ليس من باب الاستدلال بها, فإنّ كل فرقة تسدل لنفسها بما تملكه من أدلّة وتراث صحيح, لكننا نحتجّ عليهم بها باعتبارها صحيحة وفق مبانيهم, وحينئذ فإنّ صدر الرواية يمثل إقراراً بأنّ الخليفة هدّد بإحراق بيت فاطمة, أمّا ذيل الرواية فيمثل ادّعاءً بأنّ عليّاً بايع أبا بكر, ولذا فنحن نحتجّ عليكم بإقراركم, ولا يلزمنا دعواكم ولا يمكنكم الاحتجاج علينا به لأنّه وارد في كتبكم فقط.

([242]) هذه الرواية لا يصحّ الاستدلال بها لا من جهة السند ولا من جهة المتن, أمّا من جهة السند فهي ضعيفة مرسلة لا سند لها, رواها العاملي البياضي المتوفى (877هـ) من دون ذكر سندها, وأمّا من جهة المتن؛ فإنّ الإمام قد فسّر مراده من الكلام أعلاه, وننقل هنا نصّ الرواية ليتّضح الحال, قال البياضي: “وقيل للصادق عليه السلام: ما تقول في العمرين؟ فقال: إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق فرحمة الله عليهما، فلمّا خفّ المجلس سئل عن التأويل فقال: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} وعدلا عن الحقّ وهو علي، فالرحمة وهو النبيّ صلّى الله عليه وآله عليهما {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}”, البياضي, الصراط المستقيم: ج3 ص73.

وقد ذكرناها هنا لنبيّن لك الازدواجية التي تتعاملون بها في المناظرة, فهناك قبلتم الصدر وتركتم الذيل مع أنّ الذيل مفسّر للصدر وغير متعارض معه, وهنا في رواية ابن أبي شيبة تريدون التمسّك بكل الرواية مع أنّ الذيل غير منسجم مع الصدر.

([243]) هذه الرواية التي ردها (أبو شوارب) رجماً بالغيب دون أن يلاحظ سندها، هي رواية صحيحة، كما أنه لا يوجد في سندها اسم أبي مخنف أو الكلبي كما يدعي السيد (أبو شوارب)، ومن العجيب والطريف أن الرواية التي استشهدوا بها في الحلقة السادسة من المناظرة على موقف زيد بن علي بن الحسين من الخلفاء هي من كتاب تاريخ الطبري، الذي يقولون عنه أنه غير مقبول؛ لأنه لا يشترط الصحة في مروياته، كما أن راويها هو أبو مخنف والذي يصفه (أبو شوارب) مع هشام الكلبي بأنهما راويان شيعيان رافضيان متعصبان غاليان في تعصبهما، ولا ندري كيف صح الاستدلال بتلك الرواية على قضية زيد ولم يصح هنا؟!!

وعلى العموم فإنّ الرواية أعلاه حسّنها الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة, وقال: “هذا حديث حسن عن أبي بكر”, الضياء المقدسي، الأحاديث المختارة: ج1 ص90.

([244]) كتاب تاريخ الطبري فيه الصحيح وفيه الضعيف, وهذه الرواية من الصحيح الذي فيه, وأمّا ردّ الرواية بناء على المتن فهو مصادرة على الموضوع ورفض للنتائج بدرجة سابقة, فالمراد من الدراية هو ما يتعلق بمتن الرواية, وانتم الآن تريدون رواية صحيحة تبيّن تلك الحقيقة, ونحن حين أوردنا هذه الرواية عدت وقلت هناك رواية ودراية, فإذا كنت ترفض متن أي رواية تذكر الحادثة, فلماذا تطلب منّا أن نأتيك برواية في الموضوع, هذا كلام يدل على عدم المعرفة بأصول الحوار.

([245]) حسن بن فرحان المالكي، قراءة في كتب العقائد: ص52.

([246]) حافظ إبراهيم، ديوان حافظ إبراهيم: ج1 ص82.

([247]) عبد الفتاح عبد المقصود، الامام علي بن أبي طالب: ص225. وعنه في الغدير، الأميني: ج3 ص103.

([248]) سؤالنا إلى الأكاديمي والدكتور الهاشمي، الذي يريد إعادة قراءة التاريخ قراءة علمية وموضوعية، ويستلهم تراث الشعوب الأوربية في نقد تراثه الديني، هل يصح أن نستدل في نفي كلام الشيخ المالكي، والمتعلق بالخصومة بين آل البيت والشيخين، وخصوصاً ما ورد فيه من الإشارة إلى صحّة أسانيد الروايات التي تحدثت عن وجود الخلاف والخصومة وحصول المداهمة، بحجة وجود خلاف بينه وبين السلفيين؟ أم أن منهج البحث العلمي يوجب علينا أن نبحث في قوله وما استند إليه من روايات ونردها إنْ استطعنا.

ثم كيف استطعت أن تجعل كلام الحسيني و(أبو شوارب) وغيرهم مرجعاً في قبول أحداث تلك الفترة ولم تشأ ذلك للأستاذ المالكي!! تناقض وازدواجية عجيبة في التعامل بعيدة كل البعد عن الروح العلمية.

([249]) وهل عندكم تهديد بيت المصطفى جائز! وهل من يهدّد بحرق ذلك البيت المبارك يكون محبّاً للنبي(ص) ويكون على وئام مع أهل البيت؟ أسئلة عديدة لم نجد لها إجابات عندكم.

([250]) ثم أخذ الخزاعي يتكلم بكلام تنقصه الأدلة العلمية، ويقول: أنه لا توجد رواية صحيحة عن الإمام الصادق تخص هذا الموضوع. والسيد الخزاعي هذا، وكما صرح هو بنفسه، من أنه شخص غير متخصص في المسائل الدينية، أو كما سيقول لاحقاً: أنه ليس آية الله ولا يفقه في الدين ولا هم يحزنون! وهو ما يظهر بوضوح من خلال أسلوبه في الطرح والاستدلال، وهذا ما يضع أكثر من علامة استفهام عن السبب في دعوته للمشاركة في مناظرة من هذا النوع، والتحدث عن موضوع بهذا الحجم والأهمية، بل كيف يسمح هو لنفسه بالمشاركة أصلاً؟ والأدهى من كل ذلك: أنه يتكلم باسم الشيعة ويدعي أنه يمثلهم! إلاّ أن تكون لدى السيد الخزاعي مؤهلات خاصة وفي مجالات أخرى دفعت السيد الهاشمي إلى إقحامه في هذه المناظرة.

([251]) نهج البلاغة: ج182 ص182، شرح الشيخ محمد عبده.

([252]) حبيب الله الخوئي، منهاج البراعة: ج13 ص14.

([253]) الكليني، الكافي: ج1 ص459، الناشر: دار الكتب الاسلامية ـ طهران، ط5، 1363هـ ش. الطبري، دلائل الإمامة: ص 138، الناشر: مؤسسة البعثة ـ قم، ط1ـ 1413هـ. المفيد، الأمالي: ص282، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

([254]) عمر رضا كحاله، أعلام النساء: ج4 ص313، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([255]) خلافة علي بن أبي طالب: ص33، عن شرح إحقاق الحق للمرعشي النجفي: ج25 ص578.

([256]) مادام الأمر حساس والتهمة خطيرة، فما المانع من ذكر الأدلة التي تتعلق بنفس الموضوع؟ وما الذي يستدعي مقاطعة من يريد ذكر الأدلة على موضوع بهذه المواصفات لمن يريد معرفة الحقيقة؟ وهل كنا نتحدث في موضوع غير هذه التهمة الخطيرة؟ أليس كلام الهاشمي هذا هو محاولة لمنع المتكلم من ذكر الدليل أو التشويش عليه؟ ثمّ ما المانع من ذكر أقوال علماء السنّة ما دامت تؤيد أقوال علماء الشيعة، أليس في هذا إغناء للموضوع وهو ما يقتضيه منهج البحث العلمي؟

([257]) ابن جرير الطبري، دلائل الإمامة: ص134.

([258]) النجاشي، رجال النجاشي: ص7.

([259]) المصدر نفسه: ص439.

([260]) المصدر نفسه: ص379.

([261]) النجاشي، رجال النجاشي: ص76.

([262]) المصدر نفسه: ص82.

([263]) المصدر نفسه: ص235.

([264]) المصدر نفسه: ص241.

([265]) المصدر نفسه: ص214.

([266]) المصدر نفسه: ص441.

([267]) الكليني، الكافي: ج1 ص458.

([268]) النجاشي، رجال النجاشي: 303.

([269]) المصدر نفسه: 353.

([270]) الطوسي، الفهرست: ص151.

([271]) جواد التبريزي، صراط النجاة: ج3 ص441.

([272]) المجلسي، البحار: ج43 ص170، الباب السابع، الناشر: مؤسسة الوفاء ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

([273]) الاحتجاج، الطبرسي: ج1 ص414.

([274]) جعفر مرتضى العاملي، مأساة الزهراء: ج2 ص40 ـ150.

([275]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص237.

([276]) العجلي، معرفة الثقات، ج1 ص227.

([277]) المزي، تهذيب الكمال: ج4 ص322 وتهذيب التهذيب: ج 1، ص 448.

([278]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص358.

([279]) البخاري، تاريخ البخاري: ج2 ص159.

([280]) العجلي، معرفة الثقات: ج1 ص2577.

([281]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج9 ص573.

([282]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص364.

([283]) الذهبي سير أعلام النبلاء: ج 9 ص 570.

([284]) انظر: ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج11 ص385.

([285]) فقد نقلوا عنه أنّه كان يشتم عثمان ويشتم السلف وله اخبار في مثالب أعداء أهل البيت, لكنّه ثقة.

([286]) ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج5، ص 95.

([287]) السبب في ذكرنا لهذه الشواهد هو أن الهاشمي وفريقه جعلوا اتهام الشيعة بأنهم يسبون الصحابةـ وأنهم وضعوا صاحب رسول الله في الغار، وكذلك عمر فاتح بلاد فارس والشام وما بعدها في قفص الاتهام ـ جعلوها صلب الموضوع، لذلك أردنا أن نرد هذا الاتهام بالقول: أن الكثير من علماء أهل السنة كانوا يسبون بعض الصحابة ومنهم الخلفاء ومع ذلك وثقوا، فهل هذا خروج عن الموضوع؟ أما ما ذكره السيد (أبو شوارب)، بقوله: (إنّ الراوي إذا اجتمع فيه جرح وتعديل فالجرح مقدّم على التعديل) هذه القاعدة ليست صحيحة على إطلاقها، بل لها ضوابط وشروط وقد لا تقتضي أحياناً تقديم الجرح، على أنّها لا ربط لها بموضوعنا؛ لأن بعض من ذكرناهم هم من رواة البخاري ومسلم، وهم من جاز القنطرة، فهذه القاعدة لا تتم بهذا اللحاظ.

والغرض أنّ هناك من الرواة والعلماء عند أهل السنّة من سبّ وشتم الخلفاء وهم ثقات عندكم وليسوا زنادقة!

 

([288]) هذا ادعاء باطل لا دليل عليه، وكلام مجمل لا قيمة له؛ فقد ذكرنا مجموعة من الروايات وصححنا سندها، ودلالتها واضحة على ما نحن فيه.

([289]) السيد (أبو شوارب) يقيس أئمة أهل البيت(علیهم السلام) بنفسه أو بغيره من الناس العاديين، وهذه الجرأة البليدة نابعة من فهم سطحي لمسألة الخلافة والإمامة والولاية، ولذلك قد نعذره فيما يقول، فما دام المشرب الفكري الذي ينتمي إليه يعتبر أن ريحانة رسول الله الحسين الشهيد قتل بسيف جده، فما عسى السيد (أبو شوارب) وأمثاله أن يقولوا، وهل يتوقع منه غير ذلك، ومع هذا، فإذا كان الإمام الكاظم وأباه الإمام الصادق لم يحضرا الواقعة فإن أمير المؤمنين(علیه السلام) قد حضرها وكذلك سيدة نساء العالمين فاطمة الصديقة، فهل يا ترى قد تمعن السيد (أبو شوارب) فيما نقل عنهما سواء فيما يخص الموقف من الخلفاء عموماً أو من قضية السيدة الصديقة الزهراء على وجه الخصوص؟... وهل تدبر في قول أمير المؤمنين، الذي حضر الواقعة عندما دفن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله): وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها؟ أم اكتفى بالقول أنه لا يدل على الهجوم... وإذا كان لا يدل على ذلك، فإنه يدل حتماً على تجاسرهم عليها وعلى ظلمها وغصب حقوقها، فهل تقبلون بهذا؟

أضف إلى ذلك؛ فإنّه قد طلب منّا أنْ نأتي برواية تكون حجّة بيننا وبين الله, فهو أراد الرواية وفق عقيدتنا, ونحن نؤمن بأنّ الأئمة معصومون ويجب اتباعهم والانقياد لتوجيهاتهم, فما يقولونه يكون حجّة علينا, فبعد هذا لا معنى لأنْ يطلب رواية من كتبنا ثم يناقش في أصل الخلاف بيننا وبينهم وهي قضيّة الإمامة, فهذا لف ودوران وتخبط خارج عن صلب الموضوع.

([290]) وأيضاً فإنّ وجود الكثير من هؤلاء الرواة ممن يشتمون الصحابة في كلّ من صحيح البخاري ومسلم وغيرها من صحاح ومسانيد أهل السنة فيه أكثر من دلالة منها:

 1ـ أن هذه المسألة ليست بهذه الخطورة التي يصورها الأخوة المتحاورون، وإلا لو كان كلّ من يشتم الصحابة فهو زنديق أو كافر فكيف ينقل مثل البخاري المعروف بتشدده عن الزنادقة أو الكفار.

 2ـ أن الصحابة وخاصة في زمن تدوين الحديث ليس لهم هذه القداسة والعظمة التي يعتقد بها أهل السنة، وإنما نظِّر لها بعد ذلك لأجل الحفاظ على موروثهم الفكري فقط من دون النظر إلى واقعهم العملي.

3ـ أن في الصحابة من يستحق ذلك بسبب أعماله وتصرفاته التي تتصادم مع الدين أو تتعارض مع أحكامه ومقرراته، لذلك يتساهل علماء الحديث في النقل عن هؤلاء الرواة ولا يروا به بأساً.

4ـ أن قصدنا الأول والأخير في طرح مثل هكذا بحوث هو بيان الواقع الذي كان عليه الصحابة الأوائل، وكيفية تعاملهم مع بضعة نبيهم، وليس هدفنا هو التعريض بالصحابة أو شتمهم أو سبهم حتى يصح لكم اتهامنا بذلك، وعليه فلو كان لكم من اعتراض فليكن على رواة أحاديثكم ممن يتعرض لهم صراحة ودون مواربة، وكذلك على البخاري ومسلم وغيرهم من علماء الحديث لنقلهم عنهم واعتمادهم مروياتهم وأحاديثهم.

 

 

([291]) كلّما أصاب كلام المدافعين عن آل بيت الرسول(ص) كبد الحقيقة، ينفعل الهاشمي، ويبدأ فوراً بقطع حديث المتكلّم وتحريف ما قاله واتهامه بالتدليس والافتراء، كما حصل هنا، فنحن هنا، وخلافاً لما ذكر الهاشمي، لم نقل أن مسلماً والبخاري قد تحدثا عن كسر ضلع السيدة الصديقة وإسقاط جنينها، وإنما ذكرنا أنهما نقلا أنها ماتت وهي غاضبة على أبي بكر، فمن الذي يلبس الكلام بعضه ببعض، ومن الذي لا يلتزم بخلق الإمام علي(علیه السلام)، والذي أراد الهاشمي بهذه العبارة الإساءة إلى وجوده المقدس؟

ونشير هنا إلى كلام البخاري ومسلم، والذي سبق أن أشرنا إليه في هامشنا على الحلقات السابقة:

“فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَجَرَتْ أبا بَكْرٍ فلم تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حتى تُوُفِّيَتْ”. صحيح البخاري: ج 3 ص 1126، كتاب أبواب الخمس، باب فَرْضِ الْخُمُسِ الحديث رقم 2926، دار النشر: دار ابن كثير، اليمامة ـ بيروت، ط3ـ 1407 هـ، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.

وكذلك أيضاً قوله: “فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِى بَكْرٍ فِى ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌ لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أبا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِي مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِى بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ”. صحيح البخاري، كتاب الفرائض، بَاب قَوْلِ النبي(ص): (لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)، الحديث رقم 6346، ج4 ص 1549. صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، الحديث رقم 3998.

وكذلك: “فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فلم تُكَلِّمْهُ حتى مَاتَتْ”. صحيح البخاري، ج 6، ص 2474.

وكذلك ما رواه مسلم في صحيحه: “فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي، وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر”. صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير: ج5 ص154، طبعة دار الفكر بيروت، باب قول النبي(ص): (لا نورث ما تركنا فهو صدقة).

وقال ابن أبي الحديد: “والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبى بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يصليا عليها، وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما. وكان الأولى بهما إكرامها واحترام منزلها” شرح نهج البلاغة: ج6 ص50.

 

([292]) لم يفصح الهاشمي عن طبيعة الجواب الذي حصل عليه منا لسبب بسيط؛ وهو أنه لم يحصل على كلمة يستخدمها كمادة إعلامية دعائية لمزيد من التحريض والاتهام بالإساءة للصحابة والخلفاء.

([293]) لم ينقل أحد شيء عن السيد السيستاني، والمستهدف في هذه المناظرة من قبل الهاشمي بشكل غير طبيعي ومريب، وكأنه لديه مشكلة شخصية مع هذا السيد الجليل. كما لم ينقل أحد أن الكتاب المنشور على موقع مركز الأبحاث باطل بأجمعه، فليس من عادتنا الأحكام المطلقة إمّا كله صحيح أو كلّه باطل، خصوصاً في مجال الفكر والعقيدة، وكل ما قلناه هو أن الكتاب يعبر عن وجهة نظر مؤلفه فقط، وهو يتحمل مسؤولية الإجابة عما ورد فيه، وقلنا أيضاً ونقول ونكرر: أن السب والشتائم والكلام البذيء ليس من أخلاق الإسلام دين العدل والسماح، كما أن الإساءة إلى مقدسات المسلمين مهما كانت مبرراته هو أمر غير جائز، لأنه يضر بمصالح الإسلام ويخدم أعداءه، نعم نذكر هنا ونصر على الفرق الجوهري والأساسي بين الإساءة للمقدسات، وبين طرح الحقائق بحكمة وموضوعية وفقاً للمنهج الصحيح في الطرح والاستدلال.

([294]) حرص الدكتور صباح الخزاعي على التأكيد على كونه شيعياً، وأنه زار الأضرحة الشريفة، ولطم على الحسين وفعل كل شيء، يومئ إلى الهدف الحقيقي الذي حضر أو أحضر من أجله إلى هذه المناظرة، وهو قطعاً ليس الحوار والنقاش العلمي الموضوعي بهدف الوصول إلى الحقيقة، لأنه كما صرح بنفسه ليس آية الله ولا يفقه في الدين ولا هم يحزنون...؟

([295]) هذا الأسلوب في الاستدلال والمبني على الاستخفاف بعقول الناس وتسطيح وعيهم من قبيل قول الخزاعي: مستحيل على الاطلاق، أو قوله: أنا مطمئن وضميري مطمئن، يمكن أن نسميه الاستدلال الميكانيكي أو الآلي؛ لأن المستدل يبدو وكأنه تم تلقينه كلمات محددة ـ أو قل شهادة زور ـ لينطق بها في محكمة الهاشمي الكارتونية المفبركة، بطريقة أقرب ما تكون إلى الآلية، ذلك أنها غير مبنية على منطق معقول من دليل نقلي أو عقلي يدعم به المتكلم رأيه، ولذلك نجده قد حاز على رضا الهاشمي؛ لأنه لم يتعبه حيث قام بالمهمة الموكلة إليه على أكمل وجه.

([296]) اتهمنا السيد (أبو شوارب) بالتناقض جزافاً؛ من دون أن يبين أين هو هذا التناقض، هل في أسلوبنا في طرح الآراء أو الاستدلال عليها؟ أم في ردنا لأدلة الطرف المقابل؟ أم في الأدلة التي طرحناها وأغلبها من كتب أهل السنة؟ نذكر أن السيد (أبو شوارب) نفسه قد استدلّ برواية من كتاب تاريخ الطبري وفي سندها أبي مخنف في إثبات موقف زيد بن علي بن الحسين من أبي بكر وعمر، هذا في الوقت الذي استند في رده لإحدى الروايات التي طرحناها بالقول أن كتاب تاريخ الطبري لا يستدل به؛ لأن الطبري لا يشترط الصحة في مروياته، وأن في سند الرواية الكلبي وأبي مخنف؛ وهما شيعيان رافضيان متعصبان، ونترك للقارئ المنصف الذي يحكم بين الناس بالعدل أن يحدد من هو المدلس المخادع الذي يستخف بعقول الناس.

([297]) مع أنه قد تمت الإجابة على هذين الإشكالين في الحلقة الماضية إلاّ أن السيد (أبو شوارب) يصر على طرحهما مرة أخرى، ونظن أن سبب ذلك يعود إلى افتقاره إلى المادة العلمية التي يستطيع بها رد الأدلة التي قدمها المدافعون عن آل بيت النبي(ص)، فلا سبيل أمامه سوى تكرار المكررات، والتي أجبنا عنها بشكل مفصل في هذه المناظرة.

([298]) لم ننفل عن الكليني أو عن المجلسي شيئاً إلا كمؤيدات وشواهد ليس إلا، أما أصل بحثنا فكان الاستدلال بكتب السنة على ثبوت هذا الأمر، كما هو واضح لمن تابع هذه المناظرات من البداية حتى الآن، فما قاله الأخ (أبو شوارب) ما هو إلا افتراء محض.

([299]) لينظر القارئ إلى هذا المنهج الذي لا يراعي فيه مقدسات المسلمين، فسرعان ما اتهم طائفة من المسلمين بسقوط مذهبهم، ويا ليته قدم الدليل على ذلك سوى العاطفة، فكل ما طرحه في هذه المناظرة يفتقر إلى الموضوعية والعلمية؛ لأنه ليس من أهل هذا الفن، ومع ذلك كله يتطاول بصلف أن مذهب الشيعة ساقط، فننصح الأخ (أبو شوارب) بالتأمل والمراجعة، وأن يكون منصفاً وموضوعياً.

([300]) نترك التعليق للقارئ الكريم، فهو يضعّف الروايات التي عند الشيعة لأنّ رواتها روافض! وهذا يضحك الثكلى, فهل يريد (أبو شوارب) أن تكون الروايات في كتب الشيعة, ومع ذلك يكون جميع رواتها من أهل السنّة, فطبيعي أنّ روايات الشيعة يكون أغلب رواتها من الشيعة (الروافض على حدّ تعبيره) فإذا كان لا يعترف بروايات الروافض فكيف يريد روايات صحيحة عند الشيعة! إنّ هذا لمن الغباء العلمي.

([301]) تقدم منا ثبوت أن بعض الرواة قد سب الشيخين، وهؤلاء الرواة بعضهم من رواة الصحيحين، كإسماعيل بن عبد الرحمن السدي وغيره. فليس كما يصور الدكتور (أبو شوارب) من عدم قطعية هذا الأمر، ولكن نحن نعذره لجهله بهذه الأمور، فالأولى به ألا يتسرع ويقطع بالعدم. ونكرر له القول بأن يقرأ ويطالع أكثر لكي يكون مؤهلاً للبحث والمناقشة في هذه الموارد.

([302]) نحن نقول: أن عبد الرزاق، المحدث الكبير، قد نقل عن يحيى بن معين أنه ترك حديثه، والسبب هو أنه كان يصف الصحابة بالأنوك أو الأحمق، كما وصف عمر بن الخطاب، وكذلك ذمه لمعاوية، فأجابهم ابن معين: أنه لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه، وإليك بعض ما نقل في هذه المسالة عن العقيلي والذهبي والكلام للأول:

“سمعت علي بن عبد الله بن المبارك الصنعاني يقول: كان زيد بن المبارك لزم عبد الرزاق فأكثر عنه، ثم خرق كتبه ولزم محمد بن ثور، فقيل له في ذلك، فقال: كنا عند عبد الرزاق فحدثنا بحديث معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان الحديث الطويل، فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس: فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته من أبيها، قال عبد الرزاق: انظروا إلى الأنوك يقول تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها, ألا يقول: رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال زيد بن المبارك: فقمت فلم أعد إليه ولا أروى عنه حديثا أبداً”. والأنوك يعني الأحمق، فهو يصف عمر بن الخطاب بهذا الوصف لأنه لم يقل رسول الله وإنما كنّا عنه بالضمير.

وقال أيضاً: “حدثنا محمد بن أحمد قال: سمعت أبا صالح محمد بن إسماعيل الضراري يقول: بلغنا ونحن بصنعاء عند عبد الرزاق أن أصحابنا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهما تركوا حديث عبد الرزاق وكرهوه، فدخلنا من ذلك غم شديد، وقلنا قد أنفقنا ورحلنا وتعبنا، فلم أزل في غم من ذلك إلى وقت الحج فخرجت إلى مكة فلقيت بها يحيى بن معين فقلت له: يا أبا زكريا، ما نزل بنا من شيء بلغنا عنكم في عبد الرزاق، قال: ما هو؟ قلت بلغنا أنكم تركتم حديثه ورغبتم عنه، قال لي: يا أبا صالح، لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه”. ضعفاء العقيلي، ج3، ص110.

وذكر الذهبي أيضاً عن العقيلي: “حدثني أحمد بن زكير الحضرمي حدثنا محمد بن إسحاق بن يزيد البصري سمعت مخلداً الشعيري يقول: كنت عند عبد الرزاق فذكر رجل معاوية فقال: لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان”، ميزان الاعتدال في نقد الرجال: ج4 ص343.

 

([303]) مر تعليقنا على مثل هذا الكلام في الحلقة الرابعة ص83. وذكرنا هناك أن الشيعة ليس هم من يصورون الإمام علي بأنه رجل يحب السلطة ويقاتل عليها، بل بعض علماء أهل السنة كابن تيمية هو الذي يزعم ذلك، وكذلك نقلنا رواية في البخاري تفيد أن علياً كان يطمع بالخلافة، فراجع.

([304]) كعادة السيد (أبو شوارب) في كل مرة فقد دلّس هذه المرة أيضاً في الموارد التالية:

1ـ ادّعى أن هناك روايات لدى السنة والشيعة تدلّ على أن أمير المؤمنين بايع من أول يوم، ولكن كل الأدلة التي قدمها هي من كتب أهل السنة؛ أي كتابي البداية والنهاية وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

2ـ الروايات التي استشهد بها (أبو شوارب) لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى أن علي بن أبي طالب بايع من أول الأمر؛ نعم هي تشير إلى أنه(علیه السلام) لم يكن طالباً للإمارة، وهو أمر بديهي عندنا، بل عند كل من عطر قلبه وعقله بأدنى معرفه بشخصية ولي الله تعالى، فلسنا بحاجة إلى عبقرية (أبو شوارب) لندرك هذه المسألة.

3 ـ روايات الشيعة والسنة متواترة حول عدم قبوله(علیه السلام) لبيعة أبي بكر وعمر؛ منها ـ للمثال لا للحصر: ـ

“فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِى بَكْرٍ فِى ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌ لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أبا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِى بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ”. صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، الحديث رقم 3998، ج 4، ص 1549. صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النبي(ص): (لا نورث ما تركنا فهو صدقة).

وروى مسلم: “فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك قال فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي، وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر”. صحيح مسلم: ج 5 ص154، طبعة دار الفكر بيروت.

([305]) هذه الرواية التي نقلها ليس من خطب نهج البلاغة، بل هي من شرح ابن أبي الحديد، فقد نقل هذه الرواية عن ابن لهيعة عن أبي الأسود.

وعلى مبنى (أبو شوارب) أن (أبي الاسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) لم يعاصر علياً فالرواية مقطوعة، أضف إلى ذلك أن ابن لهيعة قال فيه ابن معين: كان ضعيفاً لا يحتج به، وقال الحاكم وأبو محمد: ذاهب الحديث، وقال البخاري: تركه يحيى بن سعيد. انظر: ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج1 ص377.

([306]) هذه القضية والتي استكثرها (أبو شوارب) على سيد الكائنات ونفاها عنه بطريقة غير مهذبة: (هل عنده جهاز سونار)!! نسبها أهل السنة لأبي بكر وعدوها كرامة له، فقد أخبر عن أمر غيبي، وحدد جنس المولود أيضاً والدليل:

أخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: “إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقاً من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلى غنى بعدي منك ولا أعز على فقراً بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله، قالت عائشة: فقلت: يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر: ذو بطن بنت خارجة أراها جارية”. موطأ مالك: ج2 ص752 ح1438. مصنف عبد الرزاق: ج9 ص 101، ح 16507. سنن البيهقي الكبرى: ج6 ص257 رقم 12267.

وغير ذلك من المصادر الكثيرة، مضافاً إلى أنه قد ورد أن عدداً من الصحابة كانت تحدثهم الملائكة فيخبرون بأمور غيبية، فقد روى أبو هريرة: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد كان فيما خلا قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد منهم فهو عمر بن الخطاب” السنة، عمر بن أبي عاصم: ص569، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، ط3ـ 1413هـ.

([307]) لم نعثر على كتاب باسم: المختصر من كتاب الموفق للزمخشري، الذي نقل عنه أبوشوارب؛ ولعله لم يوجد إلا في ذهنه فقط!! ومن المحتمل أنه رأى كلمة حسن في بعض الكتب فتخيّله محسناً؛ لأن ما هو موجود في روايات الفريقين أن النبي(ص) عق عن الحسن بكبش وعن الحسين بكبش، فقد روي عن عكرمة أنه قال: “أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا إسرائيل، عن جابر: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عق عن حسن وحسين كبشاً كبشاً... وعن محمد بن علي بن حسين، قال: حلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حسناً وحسيناً ثم تصدق بزنة أشعارهما فضة». طبقات ابن سعد: ص29 ترجمة الإمام الحسن(علیه السلام).

([308]) إذا كان السيد (أبو شوارب) يقصد بأهل العلم؛ علماء الشيعة؛ فأنهم مجمعون على أنه درج سقطاً في قضية الهجوم. وإذا كان يقصد علماء أهل السنة؛ فإن كثيراً منهم يقولون بأنه مات سقطاً.

ونقتصر على نقل بعض هذه الأقوال:

1ـ الحافظ جمال الدين المزي: “محسن(علیه السلام) درج سقطاً”. تهذيب الكمال ج 20 ص479.

2ـ النظام: “أن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن من بطنها”. الوافي بالوفيات: ج5 ص347.

3ـ ابن قتيبة, فقد نُقل عنه في كتب السنة والشيعة أنّه ذكر أن فاطمة(سلام الله علیها) أسقطت بعد النبي ذكراً كان سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محسناً. انظر: كفاية الطالب الكنجي الشافعي ص 412, الناشر: دار تراث أهل البيت. باب في ذكر عدد أولاده(علیه السلام).

ونقله عنه ابن شهر آشوب في المناقب قال: “وأولادها الحسن والحسين والمحسن سقط، وفي معارف القتيبي أن محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي”. مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 133, ويبدو أنّ الأيدي الأمينة قد تلاعبت في التاريخ, فإنّ ما هو موجود في كتاب ابن قتيبة هو: “وأما محسن بن علي فهلك وهو صغير”، المعارف: ص211.

4 ـ الجويني: وقد سبق أن ذكرنا روايته التي تقول: “وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذّل في بيتها وانتُهكت حُرمتُها وغُصِبَ حقّها ومُنِعَت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها”. فرائد السمطين ج2، ص 34 و35.

5 ـ محمّد بن طلحة الشافعي, حيث قال: “وأما محسن فدرج سقطاً”, مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الفصل الحادي عشر في اولاده(علیه السلام): ص46.

6 ـ الحسني الفاسي المكي: حيث ذكر عبارة الحافظ المزي: “والذين لم يعقبوا محسن(علیه السلام) درج سقطاً”, ولم يعقب عليها بشيء. العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين: ج 6 ص 203.

7 ـ إبراهيم الطرابلسي الحنفي, في الشجرة التي صنعها للناصر واستنسخت لخزانة صلاح الدين الأيوبي: “محسن بن فاطمة(سلام الله علیها) أسقط. وقيل درج صغيراً والصحيح أن فاطمة أسقطت جنيناً”. نقلاً عن مأساة الزهراء: ج2 ص132.

8ـ الصفوري الشافعي (المتوفى 894): “أولاد فاطمة خمسة: الحسن والحسين والمحسن كان سقطاً”. نزهة المجالس: ج 2 ص 194 (ط دار الجيل ص 579).

9 ـ الإمام جمال الدين يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي: “محسن، قيل: سقط، وقيل: بل درج صغيراً، والصحيح أنّ فاطمة(سلام الله علیها) أسقطته جنيناً”. الشجرة النبوية في نسب خير البرية ص 4, الناشر: المنتدى الاسلامي, حكومة الشارقة.

10 ـ محمد الصبان (المتوفى 1206): “وأمّا محسن فأدرج سقطاً”. إسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) ص93.

11 ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي، حيث قال: “وأما المحسن فأدرج سقطاً”. مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار: ص79, المطبعة العثمانية, ط1, 1307هـ.

([309]) هذه الرواية تدلّ على أنّ أبا بكر ترضّى فاطمة حتّى رضيت، والرواية ليست عن علي(علیه السلام)، بل الراوي لها هو الشعبي، وهي ضعيفة السند بالانقطاع لعدم معرفة الراوي الذي نقل عنه الشعبي فلعلّه نقلها عن الإمام علي ولعلّه سمعها من راو آخر عن علي، فلا يمكن الحكم بصحّة السند، فلعلّه نقلها عن تابعي ضعيف فالرواية منقطعة، هذا أوّلاً، وثانياً: أنّ الرواية حتى لو صحّت فهي ليست بحجّة علينا؛ لأنّها وردت من طرق أهل السنّة، فـ (أبو شوارب) يجهل أبسط مقومات المناظرة وهو الاحتجاج على الفريق الآخر من كتبه وبما صحّ عنده.

أضف إلى ذلك؛ أن الترضّي ـ في مفاد الرواية ـ يستبطن أنه هناك خصومةً قد حصلت، وإلا فلماذا هذا الترضي؟ على أنّ الرواية تتعارض مع ما جاء في الصحيحين من أنّ فاطمة ماتت وهي غاضبة وواجدة على أبي بكر، فكيف يقول الشعبي أنّها رضيت عنه! ومن ثمَّ هناك من يرى تقدم الأحاديث التي في الصحيحين على الأحاديث الخارجة عنهما عند التعارض.

ثمّ إنّ هذه الرواية تختلف عن رواية زيد القادمة فهما ليست رواية واحدة بل روايتين مختلفتين.

([310]) هذه الرواية أخرجها الخطيب في تاريخه (ج2 ص87) في ترجمة شخص اسمه (محمد بن بشر بن مروان) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً, بل لم يرو عنه إلا واحد فهو مجهول العين, ومحمّد هذا ليس القراطيسي وليس الصيرفي بدلالة ترجمة الخطيب لهما بعده, فالراوي مجهول العين إذن, ويكفي في الرواية ضعفاً وجود هذا الراوي في سندها, على أنّها حتّى لو صحّت فهي ليست بحجّة علينا لأنّها وردت عند أهل السنّة فقط ولم ترد في كتب الشيعة.

([311]) نعم، هناك روايات ذكرتها عائشة في فضل فاطمة(سلام الله علیها) وأيضاً في فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام)، وأم المؤمنين خديجة (سلام الله عليها)، غير أنه وللأسف فقد وردت روايات تتحدث عن مواقف للسيدة عائشة تناقض تماماً نفس تلك الروايات التي روتها بنفسها كهذه الرواية:

“... عن عائشة قالت: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيت ميمونة فاستأذن نساءه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) معتمداً على العباس وعلى رجل آخر ورجلاه تخطان في الأرض، وقال عبيد الله: فقال ابن عباس: أتدري من ذلك الرجل؟ هو علي بن أبي طالب، ولكن عائشة لا تطيب لها نفساً”. وفي المصنف: “لا تطيب لها نفسا بخير”. مسند أحمد: ج 6 ص 34. المصنف، عبد الرزاق الصنعاني: ج5 ص430، ح9754. ونذكر رواية أخرى عن البخاري: “حدثنا قتيبة بن سعد حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إياها”. صحيح البخاري: ج4 ص231.

([312]) سؤالنا إلى كل المنصفين من إخواننا أهل السنه: إذا لم تكن هناك أية مشكلة بين الصديقة الزهراء والخلفاء، كما يحاول الهاشمي والاخوة الاصرار عليه, فلماذا يأتي الخليفة لكي يسترضي الصديقة الطاهرة؟ على أنّا نرى رواية الاسترضاء ضعيفة السند, فقد عرفنا قبل قليل أنّ الرواية ليست عن علي بل عن الشعبي، وهي رواية ضعيفة بالانقطاع، ومعارضة لما في الصحيحين من أنّ فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر.

([313]) أوّلاً: أنّ حادثة الهجوم لم يتفرّد بها سليم بن قيس, بل روتها المصادر الشيعية والسنيّة الأخرى, وقد تقدّم سابقاً دراسة بعض الأسانيد وتبيّن صحّتها عند الفريقين, وثانياً: أنّ ثبوت كتاب سليم بن قيس الموجود حالياً ليس موضع اتّفاق, بل هو محل خلاف عند علماء الشيعة, فبعضهم لا يقول باعتباره, لكن عدم اعتباره لا يوجب سقوط حادثة الدار لأنّها مروية في غيره، كما أسلفنا، وبأسانيد صحيحة عند الفريقين. وثالثاً: أنّ (أبو شوارب) وكعادته في اعتماده التقطيع والتدليس لم يكمل الرواية، لأنّ تكملتها لا تتناسب مع هواه وتثبت أنّ علياً رفض حضورهما في الصلاة على فاطمة وتشييعها ودفنها, فقد جاء في الرواية: “فلمّا أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة (عليها السلام). فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة. فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها. فقال عمر: والله لا تتركون - يا بني هاشم - حسدكم القديم لنا أبداً. إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب، والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها. فقال علي (عليه السلام): والله لو رمت ذلك يا بن صهاك لأرجعت إليك يمينك. والله لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك، فرم ذلك...” كتاب سليم بن قيس: ص393.

فهل يجيبنا (أبو شوارب) عن سبب رفض الزهراء وعلي لهما للصلاة عليها وتشييعها ودفنها؟!

([314]) هنا ابتعد (أبو شوارب) من القضية، وقد أعياه الدليل لرد ما طرح في هذه المناظرة فلجأ إلى البحث عن مواضيع بعيدة عن أصل الحوار في ظلامة الزهراء(سلام الله علیها).

([315]) لم يتعرض السيد الخميني هنا لمسألة الزهراء(سلام الله علیها) فكيف استفاد (أبو شوارب) أنّه يثبت أنّ التهمة ملفقة؟! فعلى فرض صحّة ما نقله أبو شوارب فإنّ النتيجة التي توصل إليها الإمام الخميني إنّما نتجت من مجموع أعمالهم بما فيها موقفهم من الزهراء والخلافة.

على أنّنا نجزم، وبضرس قاطع، إنّ هذا ليس رأي السيد الخميني الفعلي وذلك واضح وسيأتي بيانه.

([316]) نقول للدكتور (أبو شوارب) ولغيره: إن ما طرحته من كلمات نقلتها عن السيد الخميني لا تعدو كونها إثارات، الغرض منها واضح، وهو إثارة النعرات الطائفية بين المسلمين.

أما مفرداته التي نقلتها؛ فالإمام كان بصدد جمع الروايات ومناقشتها، وليس المراد هو أن يتبنى ما جاء فيها من مفاهيم، فإن كتاب البيع هو مجموع لأبحاث طرحت في البحث الخارج، وقد دأب علماء المذهب الشيعي على مستوى هذا البحث طرح جميع الأقوال والروايات المتعلقة بالموضوع ثم مناقشتها، وليس بالضرورة أن يقول بها أو تعبر عن رأيه.

لذا لا يمكن أن يقول الإمام بهكذا رأي؛ والدليل عل ذلك سيرته العملية في الواقع المعاصر، حيث أن الإمام الخميني، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، اهتم بقضايا العالم الإسلامي وعلى رأسها قضية فلسطين، وكان له الدور الرائد في بث مفاهيم الوحدة الإسلامية والانسجام بين أبناء الأمة الواحدة، فكان يجسد ذلك عملياً، وكذلك من خلال طرحه وتدشينه لأسبوع الوحدة الإسلامية، وكذلك يوم القدس العالمي، والمتابع لخطاب الإمام الخميني يجده دائماً يكرر مفهومي (الوحدة والانسجام)، فهذين المفهومين يكاد يكونا الاستراتيجية الواضحة في جميع خطاباته، وكثيراً ما يردد مقولته: “على جميع الأخوة السنة والشيعة أن يتجنبوا أي خلاف بينهم”، وكذلك: “نحن جميعاً أتباع القرآن والرسول الأكرم، إننا جميعاً أخوة لنا وجهة واحدة ودين واحد وقرآن واحد”، إذن من خلال واقعه المعاش وكلماته في رص صفوف الأمة الإسلامية والالتزام بآفاق الوحدة بين الشعوب، فكيف ينسجم كل هذا مع ما ادعاه الدكتور (أبو شوارب) في أن الإمام يسب ويلعن الآخرين؟ وحاشاه من هذه التهمة. ويا ليته نظر إلى هذا الجانب من مواقفه وتصريحاته، وهو ما يؤيده واقعه العملي، قبل أن ينظر إلى تلك التصريحات التي خالفها قولاً وعملاً، فهل من الإنصاف النظر بعين واحدة إلى مثل هكذا أمور حساسة تمس واقع المسلمين، ونترك التعليق للقارئ الكريم على موقف (أبو شوارب) هذا ونقبل بما يصفه به!

([317]) لا يسقط الإسلام, بل تتضح الحقيقة، وأنّ المنبع الذي يجب الأخذ منه هم أهل بيت النبي, فهم من يمثلون السنة النبوية, كما يتّضح أنّ الهالة القدسية المضفاة على جميع الصحابة ليست بصحيحة.

([318]) تجد الإجابة على هذا الادعاء في موقعنا عبر الإنترنت، كما تمت الإجابة عليه في كتابنا (قصة الحوار الهادئ) مع الدكتور أحمد بن سعد حمدان الغامدي بشكل مفصّل.

([319]) نحن لا نقول بذلك وإنما نقول: إن بعض الصحابة قد ارتدوا حين وفاة رسول الله(ص)، وقد أشار إلى ذلك الكثير من العلماء والمحدثين، وعلى رأسهم البخاري ومسلم في صحيحيهما في روايات الحوض، أنظر: صحيح البخاري، البخاري: ج 8 ص 87، وكذلك: صحيح مسلم، مسلم النيسابوري: ج 7 ص 66، وكنموذج من ذلك ننقل كلام ابن كثير في البداية والنهاية حيث قال: “عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صل الله عليه وسلم ارتدت العرب قاطبة” ج6 ص330. وحينئذٍ نسال: العرب قاطبة من هم؟ أليس هم الصحابة: فنحن نعتقد أن جميع الصحابة مسلمون إلا من أعلن كفره وارتداده بإنكاره التوحيد أو النبوة أو ضرورة من ضرورات الإسلام. أضف إلى ذلك؛ أن لفظ الارتداد ليس من الضرورة أن يفسر بالارتداد الفقهي الاصطلاحي، كما هو عالق في ذهن الدكتور (أبو شوارب)، بل المراد منه هو الرجوع عن مرتبة من مراتب الإيمان، ونقصد من الإيمان هو الطاعة والتسليم لأوامر الرسول(ص) في إنفاذ وصيته قبل وفاته حينما قال: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”، وكذلك قوله: “إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي”.

([320]) الذي نقل قصة الإمام الصادق حول الشيخين هو السيد (أبو شوارب) وليس نحن، حيث دلس في نقله عندما نقلها ناقصة، وقد ذكرنا سابقا أنها غير مقبولة عندنا؛ لأن سندها ضعيف.

([321]) بيّنا أكثر من مرّة بأنّ المنهجية مختلفة, فالشيعة يرون أنّ السنّة النبوية الصحيحة عند أهل البيت, والإسلام وشريعته محفوظ بحفظ أهل البيت له, فذمّ الصحابة تبعاً للقرآن والسنّة النبوية لا يطيح بالإسلام, بل هو يدلّ على فهم الإسلام بصورة صحيحة.

([322]) ما ذكره (أبو شوارب) جناية على الحقيقة، وتعامي عن الواقع التاريخي والفعلي، فالإيرانيون دخلوا الإسلام عن قناعة ورضا واندمجوا مع إخوانهم المسلمين من مختلف القوميات والأعراق، ولهذا كانوا ممن حمل الإسلام وساهم في انتشاره والدفاع عنه، فكان منهم العلماء والقادة والجنود، كما أن العديد من أئمة المذاهب السنية وأصحاب الصحاح كالبخاري ومسلم النيسابوري، وأصحاب السنن والمسانيد والذين يقدسهم (أبو شوارب) نفسه هم من الإيرانيين كما يتضح من كناهم وألقابهم. نعم، ذنب البعض منهم أنهم رفضوا سياسة الطبقية والتمييز على أساس العنصر والجنس التي أرسى قواعدها بعض الخلفاء على حساب المبدأ الذي جاء به الإسلام: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، واتبعوا الحق الذي جاء به الرسول الأكرم(ص) بتنصيب علي(علیه السلام) خليفة على الأمة فآمنوا به ونصروه، فاتهموا بشتى التهم ومنها ما ساقها الآن (أبو شوارب)، الذي يردد ما زرعته الدولة الأموية من حقد على أمير المؤمنين علي(علیه السلام) وأتباعه ومواليه.

([323]) نحن لا نعلم كيف يتكلم هذا الرجل، الموضوع هو ما جرى على فاطمة الزهراء من ظلامات، وهو يتكلم بوادي فواصله بعيدة عن صلب الموضوع، والظاهر أنّ الدليل أعياه عن الورود فيما نحن بصدده.

أضف إلى ذلك؛ أن هذه الروايات كلها ضعيفة ومردودة عندنا، فالمفروض فيه أن ينظر إلى سندها أولا ومن ثم يناقشها.

([324]) هذه الروايات كلها ضعيفة كما أسلفنا، ولا حاجة للدخول في هذه الموارد؛ لأنها ليست في صلب موضوعنا.

([325]) هذه الروايات لا قيمة لها عندنا؛ فأسانيدها مرسلة أو مقطوعة، فلا اعتبار لها، ومحاولة (أبو شوارب) من هذا التهريج هو التأليب, وهذه ليست من موضوعنا وإلا فهناك روايات مثيلاتها عند أهل السنّة, لكن نحن دائماً ندعو إلى الحوار العلمي المدعوم بالدليل ولا نلجأ إلى التمسّك بروايات ضعيفة أو موضوعة, لأنّ غرضنا معرفة الحقيقة كما هي, ولا نفكر بتأليب الجمهور على هذه الطائفة أو تلك. ولكن ردّاً على كلام أبي شوارب فنحن نأتي برواية واحدة من كتب أهل السنّة للتدليل على ما ذكرناه, فقد أخرج ابن عساكر بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “ذكرت مصر عند رسول الله ( صلّى الله عليه وسلمّ ) فقال السوداء تربتها، المنتنة أرضها، الحلفاء نباتها، القبط أهلها، من دخل فيها وسكن فيها وأكل في آنيتها وغسل رأسه بطينها ألبسه الله الذل والهوان وأذهب عنه الغيرة...” تاريخ دمشق: ج54 ص116, فيا (أبو شوارب)، لا تجعل من أهل مصر الشرفاء عرضة للتشهير بسبب اعتمادك على الروايات الضعيفة والموضوعة.

([326]) هل طرح الأدلة بموضوعة وأمانة علمية تعتبر مراوغة وتقية، أترك للقارئ الكريم الحكم على هذه الأقوال.

([327]) هذا فهم سقيم لكلام السيد نعمة الله الجزائري, فهو لم يقل نحن لا نؤمن بالله ولا بنبيه... بل هو استخدم صيغة بلاغية تبيّن أنّ بعض ما تؤمنون به من عقائد هو مختلف عن عقائدنا, فنحن نؤمن بالله الواحد الأحد الذي أرسل محمّداً بشيراً ونذيراً, ونؤمن بأنّ خليفة النبي محمد هو علي وأهل البيت وليس أبو بكر وعمر وعثمان, فما تؤمنون به أنتم لا نؤمن به نحن, ونضيف ونقول: نحن نؤمن بالله الذي لا إله غيره والذي ليس بجسم ولا يشبهه شيء, وأنتم تؤمنون برب له يد ورجل تطقطق حين يدخلها في نيران جهنم, وتؤمنون أنّه ينزل ويصعد وغير ذلك مما يوجب التجسيم على رب العباد تبارك وتعالى عمّا تصفون, فهذا الرب الذي على شكل جسم نحن لا نؤمن به, نحن نؤمن برب العالمين الواحد الاحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء..

ثمّ إنّ كثيراً من آراء السيد نعمة الله الجزائري لا تمثّل رأي الشيعة، بل هي اجتهادات خاصة بصاحبها، وكثيرٌ من علماء الشيعة لا يقبلونها، بل إنّ بعضهم ـ كما سوف يأتي عن آية الله الانگجي أنه قد نقل أن هناك من ـ أفتى بحرمة قراءة بعض كتبه.

ولنا أنْ نسأل بعد ذلك: هل هذا هو موضوع المناظرة؟

([328]) من قال إننا نسب ونلعن الصحابة، هذه تهمة مفتراة ومختلقة، رأي الشيعة في الصحابة أنهم بشر يخطئون ويصيبون والعصمة لأهلها، فهناك من الصحابة من بذل الغالي والنفيس وقدموا أرواحهم في سبيل إعلاء راية الإسلام، وهناك من ارتد عن الإسلام، كما تقدم. وأمّا الدين فنحن نعتقد أنّ الدين يؤخذ من القرآن الكريم والنبيّ الأكرم، والنبيّ بدوره ـ وسنته واجبة الاتباع ـ أوصى بأهل بيته، وأمرنا باتباعهم واقتفاء أثرهم، فسنّة النبي متمثلة فيما يقوله ويفعله أهل بيته فقط، فهم الثقل الآخر مع القرآن، وهم سفينة نوح التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى، فمعرفة الدين إذن غير منحصرة بالصحابة، بل إنّ الطريق الصحيح والسليم لمعرفته هم أهل البيت(علیهم السلام).

ثمّ ليعلم الجميع: أننا لا نتحرج أن نأخذ ديننا عمّن ثبتت وثاقتهم من الصحابة العدول؛ إذا سلم من المعارض، واتصل السند برسول الله(ص)، ونقله لنا الثقات؛ كما يحاول بعض المغرضين أن ينفي عنا ذلك، ولكننا في الوقت نفسه نفتخر بأننا لا نأخذ ديننا عن كل من هب ودب من المنافقين، من مبغضي أمير المؤمنين(علیه السلام)، ومن النواصب الذين قاتلوه وقاتلوا أبنائه، ومن الذين يسبونه على منابر المسلمين، ومن الطلقاء وأبناء الطلقاء، ومن طرداء الرسول وأبنائهم، ومن الذين رآهم النبي الكريم(ص) في منامه وهم ينزون على منبره نزو القردة، ومن أمثالهم وأشباههم، والسائرين على نهجهم، والمقتفين آثارهم، ومن المدافعين عنهم والموثقين لهم؛ الذين يعتبرونهم من الصحابة العدول الذين لا يجوز لأحد التعرض لهم أو الطعن فيهم.

 

([329]) لقد اتهم أبو شوارب وكفَّر وأخرج عن ملة الإسلام كل من لا يتبع منهجه، والذي لا يقوم على أساس علمي صحيح، بل على التناقض والتهافت والتدليس، واختلاق روايات لا أصل لها، مع عدم اختصاصه بعلم الحديث.

([330]) لا نعلم كيف اكتشف الأخ صباح الخزاعي وهو لا يفقه شيئاً من علوم الحديث والسنن النبوية، باعترافه أكثر من مرة، أنه مضلل هو ومجموعة مفترضة، نعتقد أن هذا الكلام يشوه الكثير من الحقائق التاريخية والتي بحثنا فيها مفصلاً.

([331]) الرواية التي استدل بها (أبو شوارب) والتي ادعى أنها تمثل رأي السيد الخميني هي رواية ضعيفة؛ لأن في سندها علي بن العباس وهو غال ضعيف جداً، كما في تنقيح المقال، وفيها أيضاً الحسن بن عبد الرحمن وهو مجهول، كما في نفس المصدر؛ راجع كتاب الكافي ج 8 ص 285.

([332]) لم يقل الإمام ذلك، ولم يكن ذلك رأيه الخاص، ولكنه كان في معرض الإشارة وذكر الروايات التي استند إليها صاحب الحدائق ـ وهو من الإخباريين ـ في الحكم بجواز غيبة أبناء العامة، ومن ثم رأى أن ذلك مما لا ينبغي القيام به. انظر: المكاسب المحرمة، السيد الخميني: ج 1 ص 252.

([333]) قصدنا أنّ الإمام قد رد هذا الكلام عندما يصرح ـ في كثير من آرائه المتفرقة في كتبه ـ بطهارة أهل السنة وأنهم مسلمون ويجب احترامهم وعدم جواز الوقيعة بهم أو هتك حرمتهم، وهكذا هو رأي باقي علمائنا كالسيد السيستاني والسيد الخامنئي مثلاً.

([334]) أوّلاً: نحن نعتقد أنّ المنبع الصحيح للسنّة هو اتّباع منهج أهل البيت واقتفاء أثرهم اتباعاً منّا لتوصيات النبيّ الأكرم في ذلك, وثانياً: نحن لا عداء لنا مع الصحابة بل نتعامل معهم وفق واقعهم العملي ووفق ما تعامل معهم القرآن وكذا السنّة, فالمعيار هو التقوى والعمل الصالح والإخلاص للدين والإسلام, فنذمّ من ذمّهم القرآن والرسول ونمدح من مدحهم.

 وقد أجبنا عن كلامكم أعلاه سابقاً، وقلنا إن السيد الإمام كانت أبحاثه تنصب على جمع الروايات ومن ثم تنقيحها, وأوضحنا أن بعض هذه الروايات ضعيفة ومردودة.

 أضف إلى ذلك؛ أن الإمام سيرته الواقعية العملية تنافي مدعيات (أبو شوارب)، فهو من الداعين إلى وحدة المسلمين ورصّ صفوفهم، وهذا يعلمه الصغير والكبير، وقد نقلنا كلمات للسيد الإمام في هذا الصدد فليراجع.

([335]) السيد الخميني, كتاب الطهارة: ج3 ص316.

([336]) تقدّمت الإشارة إلى ذلك، وأنّ مثيل هذه الروايات موجودة عند أهل السنّة أيضاً, لكنّنا لا نتمسك بها ولا نحتج بها عليهم؛ لضعفها عند الفريقين.

([337]) سبقت الإشارة إلى نماذج من هذه الروايات والموجودة في الصحاح ومنها صحيح البخاري ومسلم، والتي تعرف بروايات الحوض والتي تقول: إن كثيراً من الصحابة ارتدوا على أدبارهم القهقرى. صحيح البخاري كتاب الرقاق باب روايات الحوض، ج 7 ص 208.