(ه') - ما رواه عن الإمام عليّ بن الحسين
زين العابدين(عليهم السلام)
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
[قال الإمام(عليه السلام):] ولقد حضر رجل عند عليّ بن الحسين(عليهما السلام)، فقال له: ما تقول في رجل يؤمن بما أنزل اللّه علي محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وما أنزل [علي ] من قبله، ويؤمن بالآخرة، ويصلّي، ويزكّي، ويصل الرحم، ويعمل الصالحات.
[و]لكنّه مع ذلك يقول: لا أدري الحقّ لعليّ أو لفلان.
فقال له عليّ بن الحسين(عليهما السلام): ما تقول أنت في رجل يفعل هذه الخيرات كلّها إلّا أنّه يقول: لا أدري النبيّ محمّد أو مسيلمة؟
هل ينتفع بشي ء من هذه الأفعال؟
فقال: لا، قال: فكذلك صاحبك هذا، [ف']كيف يكون مؤمناً بهذه الكتب من لايدري أمحمّد النبيّ، أم مسيلمة الكذّاب.
وكذلك كيف يكون مؤمناً بهذه الكتب [وبالآخرة] أو منتفعاً (بشي ء من أعماله) من لا يدري أعليّ محقّ أم فلان.
( التفسير: 89، ح 48. عنه البحار: 285/65، س 21، ضمن ح 43. )
2 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [قال الإمام(عليه السلام):]
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) في قوله تعالي: (يَأَيُّهَا النَّاسُ ): يعني سائر [الناس ] المكلّفين من ولد آدم(عليه السلام).
(اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ) أي أطيعوا ربّكم من حيث أمركم من أن تعتقدوا أن لاإله إلّا اللّه وحده لا شريك له، ولا شبيه ولا مثل [له ]، عدل لا يجور، جواد لايبخل، حليم لا يعجل، حكيم لا يخطل.
وأنّ محمّداً عبده ورسوله(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وأنّ آل محمّد أفضل آل النبيّين، وأنّ عليّاً أفضل آل محمّد، وأنّ أصحاب محمّد المؤمنين منهم أفضل صحابة المرسلين، [وأنّ أُمّة محمّد أفضل أُمم المرسلين ].
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (الَّذِي خَلَقَكُمْ )، [اعبدوا الذي خلقكم ] من نطفة ( البقرة: 20/2. )
من ماء مهين، فجعله في قرار مكين إلي قدر معلوم فقدّره، فنعم القادر اللّه ربّ العالمين.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ النطفة تثبت في [قرار] الرحم أربعين يوماً نطفة، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً، ثمّ مضغة أربعين يوماً، ثمّ تجعل (بعده عظاماً)، ثمّ تكسي لحماً، ثمّ يلبس اللّه فوقه جلداً، ثمّ ينبت عليه شعراً، ثمّ يبعث اللّه عزّوجلّ إليه ملك الأرحام، فيقال له: اكتب أجله، وعمله، ورزقه، وشقيّاً يكون أوسعيداً، فيقول الملك: يا ربّ! أنّي لي بعلم ذلك؟
فيقال له: استمل ذلك من قرّاء اللوح المحفوظ، فيستمليه منهم.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): [و]إنّ ممّن كتب أجله وعمله ورزقه وسعادة خاتمته عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، كتبوا من عمله أنّه لا يعمل ذنباً أبداً إلي أن يموت.
قال: وذلك قول رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يوم شكاه بريدة، وذلك أنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بعث جيشاً ذات يوم لغزاة، أمّر عليهم عليّاً(عليه السلام).
وما بعث جيشاً قطّ فيهم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) إلّا جعله أميرهم، فلمّا غنموا رغب عليّ(عليه السلام) [في ] أن يشتري من جملة الغنائم جارية يجعل ثمنها في جملة الغنائم، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة، وبريدة الأسلمي وزايداه.
فلمّا نظر إليهما يكايدانه، ويزايدانه انتظر إلي أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك، فلمّا رجعوا إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) تواطئا علي أن يقول ذلك بريدة لرسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فوقف بريدة قدّام رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وقال: يا رسول اللّه! ألم تر أنّ عليّ بن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين، فأعرض عنه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ثمّ جاء عن يمينه فقالها، فأعرض عنه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، (فجاءه عن يساره وقالها، فأعرض عنه، وجاء من خلفه فقالها، فأعرض عنه)، ثمّ عاد إلي بين يديه فقالها.
فغضب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) غضباً لم ير قبله ولا بعده غضب مثله، وتغيّر لونه وتربّد، وانتفخت أوداجه، وارتعدت أعضاؤه، وقال: ما لك، يا بريدة! آذيت رسول اللّه منذ اليوم، أما سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ و لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)، قال بريدة: يا رسول اللّه! ما علمت أنّني قصدتك بأذي.
( الأحزاب: 57/33، و58. )
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أوتظنّ يا بريدة! إنّه لا يؤذيني إلّا من قصد ذات نفسي، أما علمت أنّ عليّاً منّي وأنا منه، وأنّ من آذي عليّاً فقد آذاني، [ومن آذاني ] فقد آذي اللّه، ومن آذي اللّه، فحقّ علي اللّه أن يؤذيه بأليم عذابه في نارجهنّم!
يا بريدة! أنت أعلم أم اللّه عزّ وجلّ؟ أنت أعلم أم قرّاء اللوح المحفوظ1خا قرّاء اللوح المحفوظ، 4؟ أنت أعلم أم ملك الأرحام؟
قال بريدة: بل اللّه أعلم! وقرّاء اللوح المحفوظ أعلم، وملك الأرحام أعلم.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فأنت أعلم يا بريدة! أم حفظة عليّ بن أبي طالب؟
قال: بل حفظة عليّ بن أبي طالب.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فكيف تخطّئه وتلومه وتوبّخه، وتشنّع عليه في فعله، وهذا جبرئيل أخبرني عن حفظة عليّ(عليه السلام) أنّه ما كتبوا عليه قطّ خطيئة منذ [يوم ] ولد.
وهذا ملك الأرحام حدّثني أنّهم كتبوا قبل أن يولد حين استحكم في بطن أُمّه أنّه لا يكون منه خطيئة أبداً.
وهؤلاء قرّاء اللوح المحفوظ أخبروني ليلة أسري بي أنّهم وجدوا في اللوح المحفوظ عليّ المعصوم من كلّ خطأ وزلّة.
فكيف تخطّئه [أنت ] يا بريدة! وقد صوّبه ربّ العالمين، والملائكة المقرّبون! يابريدة! لا تعرّض لعليّ بخلاف الحسن الجميل، فإنّه أميرالمؤمنين، وسيّد الوصيّين و[سيّد الصالحين ] وفارس المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وقسيم الجنّة والنار، يقول يوم القيامة للنار: هذا لي وهذا لك.
ثمّ قال: يا بريدة! أتري ليس لعليّ من الحق غ عليكم معاشر المسلمين ألّا تكايدوه ولا تعاندوه ولا تزايدوه، هيهات [هيهات ] إنّ قدر عليّ عند اللّه تعالي أعظم من قدره عندكم، أو لا أُخبركم؟ قالوا: بلي، يا رسول اللّه!
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فإنّ اللّه يبعث يوم القيامة أقواماً تمتلي ء من جهة السيّئات موازينهم، فيقال لهم: هذه السيئّات، فأين الحسنات، وإلّا فقد عطبتم، فيقولون: يا ربّنا! ما نعرف لنا حسنات، فإذا النداء من قبل اللّه عزّوجلّ: لئن لم تعرفوا لأنفسكم - عبادي - حسنات، فإنّي أعرفها لكم وأوفّرها عليكم.
ثمّ تأتي الريح برقعة صغيرة [و] تطرحها في كفّة حسناتهم، فترجح بسيّئاتهم بأكثر ممّا بين السماء والأرض، فيقال لأحدهم: خذ بيد أبيك وأُمّك وإخوانك وأخواتك وخاصّتك وقراباتك وأخدانك ومعارفك، فأدخلهم الجنّة، فيقول أهل المحشر: يا ربّنا! أمّا الذنوب فقد عرفناها، فماذا كانت حسناتهم؟
فيقول اللّه عزّ وجلّ: يا عبادي! مشي أحدهم ببقيّة دين عليه لأخيه إلي أخيه فقال: خذها فإنّي أُحبّك بحبّك لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فقال له الآخر: قد تركتها لك بحبّك لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ولك من مالي ما شئت.
فشكر اللّه تعالي ذلك لهما فحطّ به خطاياهما، وجعل ذلك في حشو صحائفهما وموازينهما، وأوجب لهما ولوالديهما ولذرّيّتهما الجنّة.
ثمّ قال: يا بريدة! إنّ من يدخل النار ببغض عليّ أكثر من حصي الخذف ( في الصحاح الخذف بالحصي: الرمي بها بالإصبع. مجمع البحرين: 42/5، (خذف). )
التي يرمي بها عند الجمرات، فإيّاك أن تكون منهم.
فذلك قوله تبارك وتعالي: (اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) [أي ] اعبدوه بتعظيم محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وعليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
(الَّذِي خَلَقَكُمْ ) نسماً وسوّاكم من بعد ذلك، وصوّركم فأحسن صوركم.
ثّم قال عزّ وجلّ: (وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) قال: وخلق الذين من قبلكم من سائر أصناف الناس (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
( البقرة: 21/2. )
قال: لها وجهان: أحدهما خلقكم وخلق الذين من قبلكم لعلّكم -كلّكم- تتّقون أيّ لتتّقوا، كماقال اللّه تعالي: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
( الذاريات: 56/51. )
والوجه الآخر اعبدوا [ربّكم ] الذي خلقكم، والذين من قبلكم أي اعبدوه لعلّكم تتّقون النار، ولعلّ من اللّه واجب، لأنّه أكرم من أن يعني عبده بلا منفعة ويطمعه في فضله، ثمّ يخيّبه، ألا تراه كيف قبّح من عبد من عباده إذا قال لرجل أخدمني لعلّك تنتفع بي وبخدمتي، ولعلّي أنفعك بها، فيخدمه، ثمّ يخيّبه ولا ينفعه، ف'[إنّ ] اللّه عزّ وجلّ أكرم في أفعاله، وأبعد من القبيح في أعماله من عباده.
( التفسير: 135، ح 68 - 71. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 44، س 4، قطعة منه، و456، س 6، بتفاوت، والبحار: 66/38، ح 6، و360/57، ح 49، و110/65، ح 21، و286، ح 44، قِطع منه، والبرهان: 66/1، ح 1، و337/3، ح 3، قطعتان منه، ومستدرك الوسائل: 410/13، ح 15752، قطعة منه، وإثبات الهداة: 151/2، ح 661، قطعة منه. )
3 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [قال الإمام(عليه السلام):] قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): ولقد حدّثني أبي، عن جدّي أنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، لمّا حملت إليه جنازة البراء بن معرور10 نّ رسول اللّه، لمّا حملت إليه جنازة البراء بن معرور.... الإمام عليّ بن الحسين ، 4، ليصلّي عليه.
قال: أين عليّ بن أبي طالب؟
قالوا: يا رسول اللّه! إنّه ذهب في حاجة رجل من المسلمين إلي قبا.
فجلس رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ولم يصلّ عليه، قالوا: يا رسول اللّه! مالك لاتصلّي عليه؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ اللّه عزّ وجلّ أمرني أن أُؤخّر الصلاة عليه إلي أن يحضر[ه ] عليّ، فيجعله في حلّ ممّا كلّمه به بحضرة رسول اللّه، ليجعل اللّه موته بهذا السمّ كفّارة له.
فقال بعض من كان حضر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وشاهد الكلام الذي تكلّم به البراء: يا رسول اللّه! إنّما كان مزحاً مازح به عليّاً(عليه السلام) لم يكن منه جدّاً، فيؤاخذه اللّه عزّ وجلّ بذلك؟!
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لو كان ذلك منه جدّاً لأحبط اللّه تعالي أعماله كلّها ولو كان تصدّق بمل ء مابين الثري إلي العرش ذهباً وفضّةً، ولكنّه كان مزحاً، وهو في حلّ من ذلك إلّا أنّ رسول اللّه يريد أن لا يعتقد أحد منكم أنّ عليّاً واجد عليه فيجدّد بحضرتكم إحلاله، ويستغفر له ليزيده اللّه عزّوجلّ بذلك قربة ورفعة في جنانه، فلم يلبث أن حضر عليّ(عليه السلام)، فوقف قبالة الجنازة، وقال: رحمك اللّه، يابراء! فلقد كنت صوّاماً [قوّاماً]، ولقد متّ في سبيل اللّه.
وقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لو كان أحد من الموتي يستغني عن صلاة رسول اللّه لاستغني صاحبكم هذا بدعاء عليّ(عليه السلام) له، ثمّ قام فصلّي عليه ودفن، فلمّا انصرف، وقعد في العزاء، قال: أنتم يا أولياء البراء! بالتهنئة أولي منكم بالتعزية، لأنّ صاحبكم عقد له في الحجب قباب من السماء الدنيا إلي السماء السابعة، وبالحجب كلّها إلي الكرسيّ إلي ساق العرش لروحه التي عرج بها فيها، ثمّ ذهب بها إلي روض الجنان، وتلقّاها كلّ من كان [فيها] من خزّانها، واطّلع عليه كلّ من كان فيها من حور حسانها، وقالوا بأجمعهم له: طوباك، [طوباك ] ياروح البراء! انتظر عليك رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) عليّاً(عليه السلام) حتّي ترحّم عليك عليّ، واستغفرلك.
أما إنّ حملة (عرش ربّنا حدّثونا) عن ربّنا أنّه قال: يا عبدي! الميّت في سبيلي، ولو كان عليك من الذنوب بعدد الحصي والثري، وقطر المطر، وورق الشجر، وعدد شعور الحيوانات ولحظاتهم وأنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم لكانت مغفورة بدعاء عليّ لك.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فتعرّضوا يا عباد اللّه! لدعاء عليّ لكم، ولاتتعرّضوا لدعاء عليّ(عليه السلام) عليكم، فإنّ من دعا عليه أهلكه اللّه، ولوكانت حسناته عدد ماخلق اللّه كما أنّ من دعا له أسعده [اللّه ]، ولوكانت سيّئاته [ب ]عدد ماخلق اللّه.
( التفسير: 179، ح 86. عنه البحار: 319/17، س 18، ضمن ح 15، بتفاوت.)
4 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): وكان نظيرها لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) مع جدّ بن قيس 10 ان نظيرها لعليّ بن أبي طالب مع جدّ بن قيس .... الإمام عليّ بن الحسين ، 4، وكان ( أي الحفيرة التي حفروها اليهود لوقوع رسول اللّه 6 ، وأصحابه فيها. )
تالي عبد اللّه بن أُبيّ في النفاق، كما أنّ عليّاً تالي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في الكمال والجمال والجلال، وتفرّد جدّ مع عبد اللّه بن أُبيّ - بعد هذه القصّة التي سلّم اللّه منها محمّداً وصحبه وقلبها علي عبد اللّه بن أُبيّ -.
فقال له: إنّ محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ماهر بالسحر، وليس عليّ(عليه السلام) كمثله فاتّخذ أنت ياجدّ لعليّ دعوة بعد أن تتقدّم في تنبيش أصل حائط بستانك، ثمّ يقف رجال خلف الحائط بخشب يعتمدون بها علي الحائط، ويدفعونه علي عليّ(عليه السلام) [ومن معه ] ليموتوا تحته.
فجلس عليّ(عليه السلام) تحت الحائط، فتلقّاه بيسراه ودفعه، وكان الطعام بين أيديهم، فقال عليّ(عليه السلام): كلوا بسم اللّه.
وجعل يأكل معهم حتّي أكلوا وفرغوا وهو يمسك الحائط بشماله - والحائط ثلاثون ذراعاً طوله في خمسة [عشر] ذراعاً سمكه في ذراعين غلظه -. فجعل أصحاب عليّ(عليه السلام) - وهم يأكلون - يقولون: يا أخا رسول اللّه! أفتحامي هذا؟ [وأنت ] تأكل فإنّك تتعب في حبسك هذا الحائط عنّا.
فقال عليّ(عليه السلام): إنّي لست أجد له من المسّ بيساري إلّا أقلّ ممّا أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني.
وهرب جدّ بن قيس وخشي أن يكون عليّ قد مات وصحبه، وإنّ محمّداً يطلبه لينتقم منه، واختبأ عند عبد اللّه بن أُبيّ فبلغهم أنّ عليّاً قد أمسك الحائط بيساره وهو يأكل بيمينه، وأصحابه تحت الحائط لم يموتوا.
فقال أبو الشرور وأبو الدواهي اللذان كانا أصل التدبير في ذلك: إنّ عليّاً قدمهر بسحر محمّد، فلا سبيل لنا عليه.
فلمّا فرغ القوم، مال عليّ(عليه السلام) علي الحائط بيساره، فأقامه وسوّاه ورأب صدعه، ولام شعبه، وخرج هو والقوم.
فلمّا رآه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، قال [له ]: يا أبا الحسن! ضاهيت اليوم أخي الخضر لمّا أقام الجدار، وما سهّل اللّه ذلك له إلّا بدعائه بنا أهل البيت.
( التفسير: 192، ح 90. عنه مدينة المعاجز: 483/1، ح 316، والبحار: 31/42، ح 9، وإثبات الهداة: 482/2، ح 288، أشار إليه.
المناقب لابن شهر آشوب: 293/2، س 12، قطعة منه. )

5 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): قوله عزّ وجلّ: (وَإِن كُنتُمْ ) أيّها المشركون واليهود وسائر النواصب [من ] المكذّبين لمحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في القرآن، [و]في تفضيله أخاه عليّاً المبرّز علي الفاضلين، الفاضل علي المجاهدين، الذي لا نظير له في نصرة المتّقين، وقمع الفاسقين، وإهلاك الكافرين، وبثّ دين اللّه في العالمين.
(إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَي عَبْدِنَا ) في إبطال عبادة الأوثان من دون اللّه، وفي النهي عن موالاة أعداء اللّه، ومعاداة أولياء اللّه، وفي الحثّ علي الإنقياد لأخي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، واتّخاذه إماماً، واعتقاده فاضلاً راجحاً لايقبل اللّه عزّ وجلّ إيماناً، ولا طاعةً إلّا بموالاته.
وتظنّون أنّ محمّداً تقوّله من عنده وينسبه إلي ربّه [فإن كان كما تظنّون ] (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ي ) مثل محمّد أُمّي، لم يختلف قطّ إلي أصحاب كتب وعلم، ولا تتلمذ لأحد ولا تعلّم منه، وهو من قد عرفتموه في حضره وسفره، لم يفارقكم قطّ إلي بلد ليس معه منكم جماعة يراعون أحواله، ويعرفون أخباره.
ثمّ جاءكم بعد بهذا الكتاب المشتمل علي هذه العجائب، فإن كان متقوّلاً كما تظنّون، فأنتم الفصحاء، والبلغاء، والشعراء، والأُدباء الذين لا نظير لكم في سائر [البلاد، و] الأديان، ومن سائر الأُمم.
فإن كان كاذباً فاللغة لغتكم، وجنسه جنسكم، وطبعه طبعكم، وسيتّفق لجماعتكم أو لبعضكم معارضة كلامه [هذا] بأفضل منه أو مثله، لأنّ ما كان من قبل البشر لا عن اللّه فلا يجوز إلّا أن يكون في البشر من يتمكّن من مثله، فأتوا بذلك لتعرفوه - وسائر النظائر إليكم في أحوالكم - أنّه مبطل كاذب [يكذب ] علي اللّه تعالي.
(وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ ) الذين يشهدون بزعمكم أنّكم محقّون، وأنّ ما تجيئون به نظير لما جاء به محمّد، وشهداءكم الذين تزعمون أنّهم شهداؤكم عند ربّ العالمين لعبادتكم لها، وتشفع لكم إليه(إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ) في قولكم أنّ محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) تقوّله.
( البقرة: 23/2. )
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ) هذا الذي تحدّيتكم به.
(وَلَن تَفْعَلُواْ ) [أي ] ولا يكون ذلك منكم ولا تقدرون عليه، فاعلموا أنّكم مبطلون، وأنّ محمّداً الصادق الأمين المخصوص برسالة ربّ العالمين، المؤيّد بالروح الأمين، وبأخيه أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين.
فصدّقوه فيما يخبركم به عن اللّه من أوامره ونواهيه، وفيما يذكره من فضل [عليّ ] وصيّه وأخيه.
(فَاتَّقُواْ ) بذلك عذاب (النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا - حطبها - النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) حجارة الكبريت أشدّ الأشياء حرّاً، (أُعِدَّتْ ) تلك النار (لِلْكَفِرِينَ ) بمحمّد والشاكّين في نبوّته، والدافعين لحقّ أخيه عليّ، ( البقرة: 24/2. )
والجاحدين لإمامته.
ثمّ قال تعالي: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ) باللّه، وصدّقوك في نبوّتك فاتّخذوك نبيّاً، وصدّقوك في أقوالك، وصوّبوك في أفعالك، واتّخذوا أخاك عليّاً بعدك إماماً، ولك وصيّاً مرضيّاً، وانقادوا لما يأمرهم به، وصاروا إلي ما أصارهم إليه، ورأوا له مايرون لك إلّا النبوّة التي أفردت بها.
وأنّ الجنان لا تصير لهم إلّا بموالاته وموالاة من ينصّ لهم عليه من ذرّيّته، وموالاة سائر أهل ولايته، ومعاداة أهل مخالفته وعداوته.
وأنّ النيران لا تهدأ عنهم، ولا تعدل بهم عن عذابها إلّا بتنكّبهم عن موالاة مخالفيهم، ومؤازرة شانئيهم.
(وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ ) من أداء الفرائض، واجتناب المحارم، ولم يكونوا كهؤلاء الكافرين بك، بشّرهم: (أَنَّ لَهُمْ جَنَّتٍ ) بساتين (تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ ) من تحت أشجارها ومساكنها (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا ) من تلك الجنان (مِن ثَمَرَةٍ ) من ثمارها (رِّزْقًا ) وطعاماً يؤتون به.
(قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ) في الدنيا، فأسماؤه كاسماء ما في الدنيا من تفّاح وسفرجل ورمّان [و]كذا وكذا.
وإن كان ماهناك مخالفاً لما في الدنيا فإنّه في غاية الطيب، وإنّه لايستحيل إلي ما تستحيل إليه ثمار الدنيا من عذرة، وسائر المكروهات من صفراء وسوداء ودم [وبلغم ] بل لا يتولّد من مأكولهم إلّا العرق الذي يجري من أعراضهم أطيب من رائحة المسك.
(وَأُتُواْ بِهِ ي ) بذلك الرزق من الثمار من تلك البساتين (مُتَشَبِهًا ) يشبه بعضه بعضاً بأنّها كلّها خيار لا رذل فيها [و]بأنّ كلّ صنف منها في غاية الطيب واللذّة ليس كثمار الدنيا [التي ] بعضها ني ء، وبعضها متجاوز لحدّ النضج، ( الني ء مهموز، وزان حِمل: كلّ شي ء شأنه أن يعالج بطبخ أو شيّ ولم ينضج، فيقال: لحم ني ء. المصباح المنير: 632، (الني ء). )
والإدراك إلي حدّ الفساد من حموضة ومرارة، وسائر ضروب المكاره، ومتشابهاً أيضاً متّفقات الألوان، مختلفات الطعوم.
(وَلَهُمْ فِيهَآ ) في تلك الجنان (أَزْوَجٌ مُّطَهَّرَةٌ ) من أنواع الأقذار والمكاره، مطهّرات من الحيض والنفاس، لا ولّاجات، ولا (خرّاجات، ولا دخّالات، ( يقال: خرّاج ولّاج: أي كثير الخروج والدخول. أقرب الموارد: 827/5، (ولج). )
ولاختّالات، ولا متغايرات)، ولا لأزواجهنّ فركات، ولا صخّابات، ( ختله ختلاً وخاتله: خدعه. المصدر: 18/2، (ختل). )
( الفروك: التي تبغض زوجها. المصدر: 157/4، (فرك).
الصخب شدّة الصوت واختلاط الأصوات، تقول: في البيت صخب. المصدر: 182/3، (صخب). )

ولاعيّابات، ولا فحّاشات، ومن كلّ العيوب والمكاره بريّات.
(وَهُمْ فِيهَا خَلِدُونَ ) مقيمون في تلك البساتين، والجنّات.
( البقرة: 25/2. )
( التفسير: 200، ح 92. عنه البحار: 139/8، ح 56، و299، ح 53، و216/17، س 4، ضمن ح 20، و18/64 س 19، و34/65، ح 71، و30/89، س 14، ضمن ح 33، قِطع منه، وتأويل الآيات الظاهرة: 45، س 18، و47، س 4، قطعتان منه، والبرهان: 68/1، ح 2، بتفاوت يسير، ومقدّمة البرهان: 321، س 20، قطعة منه. )
6 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [قال الإمام(عليه السلام):] قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): معاشر شيعتنا! أمّا الجنّة فلن تفوتكم سريعاً كان أو بطيئاً، ولكن تنافسوا في الدرجات، واعلموا! أنّ أرفعكم درجات، وأحسنكم قصوراً ودوراً وأبنية فيها، أحسنكم إيجاباً لإخوانه المؤمنين، وأكثركم مواساةً لفقرائهم.
إنّ اللّه عزّ وجلّ ليقرّب الواحد منكم إلي الجنّة بكلمة طيّبة يكلّم بها أخاه المؤمن الفقير بأكثر من مسيرة مائة ألف سنة تقدّمه، وإن كان من المعذّبين بالنار، فلاتحتقروا الإحسان إلي إخوانكم، فسوف ينفعكم [اللّه تعالي ] حيث لايقوم مقام ذلك شي ء غيره.
( التفسير: 204، ح 94. عنه البحار: 308/71، ح 61، بتفاوت يسير، والبرهان: 69/1، س 32، ضمن ح 2. )
7 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال رجل لعليّ بن الحسين(عليهما السلام): يا ابن رسول اللّه! أنا من شيعتكم الخلّص.
فقال له: يا عبد اللّه! فإذن أنت كإبراهيم الخليل(عليه السلام) الذي قال اللّه فيه: (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ ي لَإِبْرَهِيمَ * إِذْ جَآءَ رَبَّهُ و بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 5الصافّات إذ جاء ربّه بقلب سليم.... 84 ، 4 ).
( الصافّات: 83/37، و84. )
فإن كان قلبك كقلبه، فأنت من شيعتنا، وإن لم يكن قلبك كقلبه وهو طاهر من الغشّ والغلّ [فأنت من محبّينا]، وإلّا فإنّك إن عرفت أنّك بقولك كاذب فيه إنّك لمبتلي بفالج لا يفارقك إلي الموت أو جذام ليكون كفّارة لكذبك هذا.
( التفسير: 309، ح 155. عنه البحار: 156/65، س 9، ضمن ح 11، والبرهان: 22/4، س 5، ضمن ح 4، بتفاوت يسير. )
8 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن الحسين زين العابدين(عليهما السلام): يغفر اللّه للمؤمن كلّ ذنب،ويطهّره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقيّة، وتضييع حقوق الإخوان.
( التفسير: 321، ح 166. عنه وسائل الشيعة: 223/16، ح 214141، والبحار: 415/72، س 7، ضمن ح 68.
جامع الأخبار: 95، س 8، قطعة منه، مرسلاً. )

9 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن الحسين بن عليّ(عليهم السلام): إنّي أكره أن أعبد اللّه لا غرض لي إلّا ثوابه، فأكون كالعبد الطمع المطيع إن طمع عمل، وإلّا لم يعمل.
وأكره أن أعبده [لا غرض لي ] إلّا لخوف عقابه، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل، قيل له: فلم تعبده؟ قال: لما هو أهله بأياديه عليّ وإنعامه.
( التفسير: 328، ح 180. عنه البحار: 198/67، س 7، بتفاوت، و210، ح 33، ومستدرك الوسائل: 102/1، ح 95.
تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 427، س 16، مرسلاً. )

10 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): إن كان الأبوان إنّما عظم حقّهما علي أولادهما لإحسانهما إليهم فإحسان محمّد وعليّ(عليهما السلام) إلي هذه الأُمّة أجلّ وأعظم فهما بأن يكونا أبويهم أحقّ.
( التفسير: 330، ح 194. عنه البحار: 260/23، س 5، ضمن ح 8، و9/36، س 12، ضمن ح 11، والبرهان: 245/3، س 11، ضمن ح 3. )
11 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): حقّ قرابات أبوي دينتا محمّد وعليّ وأوليائهما أحقّ من قرابات أبوي نسبنا.
إنّ أبوي ديننا يرضيان عنّا أبوي نسبنا، وأبوي نسبنا لا يقدران أن يرضيا عنّا أبوي ديننا محمّد وعليّ(عليهما السلام).
( التفسير: 335، ح 205. عنه مستدرك الوسائل: 379/12، ح 14343، والبحار: 262/23، س 9، ضمن ح 8. )
12 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): أوحي اللّه تعالي إلي موسي(عليه السلام): حبّبني إلي خلقي، وحبّب خلقي إليّ.
قال: يا ربّ! كيف أفعل؟ قال: ذكّرهم آلائي ونعمائي ليحبّوني، فلئن تردّ آبقاًعن بابي أو ضالّاً عن فنائي أفضل لك من عبادة مائة سنة بصيام نهارها،وقيام ليلها.
قال موسي(عليه السلام): ومن هذا العبد الآبق منك؟
قال: العاصي المتمرّد.
قال: فمن الضالّ عن فنائك؟
قال: الجاهل بإمام زمانه، تعرّفه، والغائب عنه بعد ما عرفه، الجاهل بشريعة دينه، تعرّفه شريعته، وما يعبد به ربّه، ويتوصّل [به ] إلي مرضاته.
قال عليّ(عليه السلام): فأبشروا معاشر علماء شيعتنا! بالثواب الأعظم، والجزاء الأوفر.
( التفسير: 342، ح 219. عنه البحار: 4/2، ح 6، والفصول المهمّة للحرّ العامليّ: 601/1، ح 942، ومنية المريد:33، س 11، ومحجّة البيضاء: 31/1، س 8، ومستدرك الوسائل: 240/12، ح 13994، بتفاوت، و319/17، ح 21463، والجواهر السنيّة: 64، س 20، و207، س 19، قطعتان منه. )
13 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) لرجل: أيّما أحبّ إليك صديق كلّما رآك أعطاك بدرة دنانير، أو صديق كلّما رآك بصّرك بمصيدة من مصائد الشياطين 1ع الشياطين، 4، وعرّفك ما تبطل به كيدهم، وتخرق [به ] شبكتهم، وتقطع حبائلهم؟
قال: بل صديق كلّما رآني علّمني كيف أخزي الشيطان عن نفسي، وأدفع عنّي بلاءه.
قال(عليه السلام): فأيّهما أحبّ إليك، استنقاذك أسيراً مسكيناً من أيدي الكافرين، أو استنقاذك أسيراً مسكيناً من أيدي الناصبين؟
قال: يا ابن رسول اللّه! سل اللّه أن يوفّقني للصواب في الجواب.
قال(عليه السلام): «اللّهمّ! وفّقه».
قال: بل استنقاذي المسكين الأسير من يد الناصب، فإنّه توفير الجنّة عليه وإنقاذه من النار، وذلك توفير الروح عليه في الدنيا، ودفع الظلم عنه فيها، واللّه يعوّض هذا المظلوم بأضعاف مالحقه من الظلم، وينتقم من الظالم بما هو عادل بحكمه، قال(عليه السلام): وفّقت للّه أبوك! أخذته من جوف صدري لم تجزم ممّا قاله رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) حرفاً واحداً.
( التفسير: 348، ح 232. عنه البحار: 9/2، ح 18، بتفاوت يسير، ومقدّمة البرهان: 72، س 19، قطعة منه. )
14 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام): إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) (لمّا آمن به عبد اللّه بن سلام 10 نّ رسول اللّه لمّا آمن به عبد اللّه بن سلام.... الإمام السجّاد، 4 بعد مسائله التي سألها رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وجوابه) إيّاه عنها قال له: يا محمّد! بقيت واحدة، وهي المسألة الكبري، والغرض الأقصي من الذي يخلفك بعدك، ويقضي ديونك، وينجز عداتك، ويؤدّي أماناتك، ويوضح عن آياتك، وبيّناتك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أولئك أصحابي قعود فامض إليهم فسيدلّك النور الساطع في دائرة غرّة وليّ عهدي وصفحة خدّيه، وسينطق طومارك بأنّه هو الوصيّ، وستشهد جوارحك بذلك.
فصار عبد اللّه إلي القوم فرأي عليّاً(عليه السلام) يسطع من وجهه نور يبهر نور الشمس، ونطق طوماره وأعضاء بدنه كلّ يقول: يابن سلام! هذا عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) المالي ء جنان اللّه بمحبّيه، ونيرانه بشانئيه، الباثّ دين اللّه في أقطار الأرض وآفاقها، والنافي للكفر عن نواحيها وأرجائها.
فتمسّك بولايته تكن سعيداً، وأثبت علي التسليم له تكن رشيداً.
فقال عبد اللّه بن سلام: [يا رسول اللّه! هذا وصيّك الذي وعد في التوراة] أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله المصطفي، وأمينه المرتضي، وأميره علي جميع الوري.
وأشهد أنّ عليّاً أخوه وصفيّه، ووصيّه القائم بأمره المنجز لعداته، المؤدّي لأماناته، الموضّح لآياته وبيّناته، والدافع للأباطيل بدلائله ومعجزاته، وأشهدأنّكما اللذان بشّر بكما موسي ومن قبله من الأنبياء، ودلّ عليكما المختارون من الأصفياء.
ثمّ قال لرسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): قد تمّت الحجج، وانزاحت العلل، وانقطعت المعاذير، فلا عذر لي إن تأخّرت عنك، ولا خير فيّ إن تركت التعصّب لك.
ثمّ قال: يا رسول اللّه! إنّ اليهود قوم بهت، وأنّهم إن سمعوا بإسلامي (وقعوا فيّ) فاخبأني عندك، [فاطلبهم فإذا جاءوك فاسألهم عن حالي ورتبتي بينهم، لتسمع قولهم فيّ قبل أن يعلموا بإسلامي ] وبعده لتعلم أحوالهم، فخبّأه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في بيته، ثمّ دعا قوماً من اليهود، فحضروه وعرض عليهم أمره، فأبوا، فقال [رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)]: بمن ترضون حكماً بيني وبينكم؟
قالوا: بعبد اللّه بن سلام.
قال: وأيّ رجل هو؟ قالوا: رئيسنا وابن رئيسنا، وسيّدنا وابن سيّدنا، وعالمنا وابن عالمنا، وورعنا وابن ورعنا، وزاهدنا وابن زاهدنا.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أرأيتم إن آمن بي أتؤمنون؟
قالوا: قد أعاذه اللّه من ذلك، ثمّ أعادها، فأعادوها.
فقال: اخرج عليهم يا عبد اللّه [بن سلام ]! وأظهر ما قد أظهره اللّه لك من أمر محمّد، فخرج عليهم وهو يقول: أشهد أن لا إلّااللّه وحده لا شريك له، و[أشهد] أنّ محمّداً عبده ورسوله المذكور في التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب اللّه، المدلول فيها عليه، وعلي أخيه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فلمّا سمعوه يقول ذلك، قالوا: يا محمّد! سفيهنا وابن سفيهنا، وشرّنا وابن شرّنا، وفاسقنا وابن فاسقنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، كان غائباً عنّا فكرهنا أن نغتابه.
فقال عبد اللّه: فهذا الذي كنت أخافه يا رسول اللّه!
ثمّ إنّ عبد اللّه حسن إسلامه ولحقه القصد الشديد من جيرانه من اليهود، وكان رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في حمارّة القيظ في مسجده يوماً إذ دخل عليه ( الحَمّار ج حمّار: شدّة الحرّ، قاظ يقيظ قيظاً اليوم: اشتدّ حرّه. المنجد: 153، (حمر)، و666، (قيظ).)
عبداللّه بن سلام، و[قد] كان بلال أذّن للصلاة والناس بين قائم وقاعد وراكع وساجد، فنظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي وجه عبد اللّه فرآه متغيّراً، وإلي عينيه دامعتين فقال: مالك يا عبد اللّه!؟
فقال: يا رسول اللّه! قصدتني اليهود، وأساءت جواري، وكلّ ماعون لي استعاروه منّي كسروه وأتلفوه، وما استعرت منهم منعونيه، ثمّ زاد أمرهم بعد هذا فقد اجتمعوا وتواطؤوا، وتحالفوا علي أن لا يجالسني أحد منهم، ولايبايعني، ولايشاورني، ولا يكلّمني، ولا يخالطني، وقد تقدّموا بذلك إلي من في منزلي، فليس يكلّمني أهلي.
وكلّ جيراننا يهود، وقد استوحشت منهم، فليس غ لي [من ] أُنس بهم، والمسافة ما بيننا وبين مسجدك هذا ومنزلك بعيدة، فليس يمكنني في كلّ وقت يلحقني ضيق صدر منهم أن أقصد مسجدك أو منزلك، فلمّا سمع ذلك رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) غشيه ما كان يغشاه عند نزول الوحي عليه من تعظيم أمر اللّه تعالي، ثمّ سري عنه، وقد أنزل عليه: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ).
( المائدة: 55/5 و56. )
قال: يا عبد اللّه بن سلام! (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ) ناصركم اللّه علي اليهود القاصدين بالسوء لك (وَرَسُولُهُ و ) [إنّما] وليّك وناصرك (وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ -صفتهم أنّهم - يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَكِعُونَ ) أي وهم في ركوعهم.
ثمّ قال: يا عبد اللّه بن سلام! (وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ) من يتولّاهم ووالي أولياءهم، وعادي أعداءهم، ولجأ عند المهمّات إلي اللّه ثمّ إليهم (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ ) جنده (هُمُ الْغَلِبُونَ ) لليهود وسائر الكافرين أي فلايهمّنّك ياابن سلام، فانّ اللّه تعالي [هو ناصرك ] وهؤلاء أنصارك، وهو كافيك شرور أعدائك، وذائد عنك مكايدهم.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عبد اللّه بن سلام! أبشر فقد جعل اللّه لك أولياء خيراً منهم: اللّه ورسوله، (وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَكِعُونَ ).
فقال عبد اللّه بن سلام: [يا رسول اللّه!] من هؤلاء الذين آمنوا؟
فنظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي سائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئاً الآن؟
قال: نعم، ذلك المصلّي أشار إليّ بإصبعه أن خذ الخاتم، فأخذته فنظرت إليه وإلي الخاتم فإذا هو خاتم عليّ بن أبي طالب 1ت عليّ بن أبي طالب، 4(عليه السلام).
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): اللّه أكبر! هذا وليّكم [بعدي ]، وأولي الناس بالناس بعدي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
قال: ثمّ لم يلبث عبد اللّه إلّا يسيراً حتّي مرض بعض جيرانه، وافتقر وباع داره فلم يجد لها مشترياً غير عبد اللّه، وأُسر آخر من جيرانه، فألجي ء إلي بيع داره فلم يجد [لها] مشترياً غير عبد اللّه.
ثمّ لم يبق من جيرانه من اليهود أحد إلّا دهته داهية، واحتاج -من أجلها- إلي بيع داره، فملك عبد اللّه تلك المحلّة، وقلع اللّه شأفة اليهود، وحوّل عبد اللّه إلي تلك الدور قوماً من خيار المهاجرين، وكانوا له أنّاساً وجلّاساً، وردّ اللّه كيد اليهود في نحورهم، وطيّب اللّه عيش عبد اللّه بإيمانه برسول اللّه وموالاته لعليّ وليّ اللّه عليهما الصلاة والسلام.
( التفسير: 460، ح 301 عنه البحار: 326/9، س 11، ضمن ح 16، ومدينة المعاجز: 447/1، ح 299، قطعة منه. )
15 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): قال عليّ بن الحسين(عليها السلام): لمّا بعث اللّه محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بمكّة، وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساءوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنيّة - كانت لقوم من خيار أصحاب محمّد [وشيعته ]، وشيعة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) -.
كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعي هؤلاء المشركون في خرابها، وإيذاء محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وسائر أصحابه، وألجاؤه إلي ( في المصدر: «أذي»، ولعلّ الصحيح ما أثبتناه كما في البحار والبرهان. )
الخروج من مكّة إلي المدينة، التفت خلفه إليها، فقال: اللّه يعلم أنّي أُحبّك، ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك، لما آثرت عليك بلداً، ولا ابتغيت عنك بدلاً، وأنّي لمغتمّ علي مفارقتك.
فأوحي اللّه تعالي إليه: يا محمّد! إنّ العليّ الأعلي يقرأ عليك السلام، ويقول: سأردّك إلي هذا البلد ظافراً غانماً سالماً قادراً قاهراً، وذلك قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَي مَعَادٍ ) يعني إلي مكّة ظافراً غانماً، ( القصص: 85/28. )
وأخبر بذلك رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أصحابه فاتّصل بأهل مكّة فسخروا منه.
فقال اللّه تعالي لرسوله(صلي اللّه عليه و ال وسلم): سوف أظهرك بمكّة، وأجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين، حتّي لا يدخلها منهم أحد إلّا خائفاً أو دخلها مستخفياً من أنّه إن عثر عليه قتل.
فلمّا حتم قضاء اللّه بفتح مكّة، استوسقت له أمر عليهم عتاب بن أسيد، فلمّا اتّصل بهم خبره قالوا: إنّ محمّداً لا يزال يستخفّ بنا حتّي ولّي علينا غلاماً حديث السنّ، ابن ثمانية عشر سنة، ونحن مشايخ ذوو الأسنان، خدّام بيت اللّه الحرام 1ظ بيت اللّه الحرام، 4، وجيران حرمه الأمن، وخير بقعة له علي وجه الأرض.
وكتب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لعتاب بن أسيد عهداً علي [أهل ] مكّة، وكتب في أوّله: [بسم اللّه الرحمن الرحيم ]، من محمّد رسول اللّه 1أ محمّد رسول اللّه، 4(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي جيران بيت اللّه، وسكّان حرم اللّه.
أمّا بعد، فمن كان منكم باللّه مؤمناً، وبمحمّد رسول اللّه في أقواله مصدّقاً، وفي أفعاله مصوّباً، ولعليّ أخي محمّد رسوله وصفيّه ووصيّه وخير خلق اللّه بعده موالياً، فهو منّا وإلينا، ومن كان لذلك أو لشي ء منه مخالفاً فسحقاً وبعداً لأصحاب السعير، لا يقبل اللّه شيئاً من أعماله وإن عظم وكثر، ويصليه نار جهنّم خالداً مخلّداً أبداً.
وقد قلّد محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) عتاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم [قد] فوّض إليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم، وتقويم أود مضطّر بكم، وتأديب ( الأود: العوج، وأود الشي ء بالكسر يأود أوداً: أي اعوجّ. مجمع البحرين: 9/3، (أود). )
من زال عن أدب اللّه منكم، لما علم من فضله عليكم من موالاة محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ومن رجحانه في التعصّب لعليّ وليّ اللّه فهو لنا خادم، وفي اللّه أخ، ولأوليائنا موالٍ، ولأعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكيّة، وشمس مضيئة، وقمر منير.
قد فضّله اللّه تعالي علي كافّتكم بفضل موالاته، ومحبّته لمحمّد وعليّ والطيّبين من آلهما، وحكمته عليكم يعمل بما يريد اللّه، فلن يخليه من توفيقه كما أكمل [من ] موالاة محمّد وعليّ شرفه وحظّه، لا يؤامر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ولا يطالعه بل هو السديد الأمين، فليعمل المطيع منكم، وليف بحسن معاملته، ليسرّ بشريف الجزاء، وعظيم الحباء، وليوفّر المخالف له بشديد العقاب، وغضب الملك العزيزالغلاّب.
ولا يحتجّ محتجّ منكم في مخالفته بصغر سنّه، فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر، وهو الأكبر في موالاتنا، وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا، فلذلك جعلناه الأمير لكم، والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحباً به، ومن خالفه فلايبعد اللّه غيره.
قال: فلمّا وصل إليهم عتاب، وقرأ عهده وقف فيهم موقفاً ظاهراً، ونادي في جماعتهم حتّي حضروه، وقال لهم: معاشر أهل مكّة1ل أهل مكّة، 4! إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) رماني بكم شهاباً محرقاً لمنافقيكم، ورحمةً وبركةً علي مؤمنيكم، وإنّي أعلم الناس بكم وبمنافقيكم، وسوف آمركم بالصلاة فيقام لها، ثمّ اتخلّف أراعي الناس فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حقّ المؤمن علي المؤمن، ومن وجدته قد قعد عنها فتشته، فإن وجدت له عذراً أعذرته، وإن لم أجد له عذراً ضربت عنقه حتماً من اللّه مقضيّاً علي كافّتكم، لأُطهّر حرم اللّه من المنافقين.
فأمّا بعد فإنّ الصدق أمانة، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلّا ضربهم اللّه بالذلّ، قويّكم عندي ضعيف حتّي آخذ الحقّ منه، وضعيفكم عندي قويّ حتّي آخذ له الحقّ، اتّقوا اللّه، وشرّفوا بطاعة اللّه أنفسكم، ولا تذلّوها بمخالفة ربّكم، ففعل واللّه! كما قال، وعدل وأنصف وأنفذ الأحكام مهتدياً بهدي اللّه غير محتاج إلي مؤامرة ولا مراجعة.
ثمّ بعث رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بعشر آيات من (سورة براءة ) مع أبي بكر ابن أبي قحافة، وفيها ذكر نبذ العهود إلي الكافرين، وتحريم قرب مكّة علي المشركين، فأمر أبابكر بن أبي قحافة علي الحجّ ليحجّ بمن ضمّه الموسم، ويقرأ عليهم الآيات.
فلمّا صدر عنه أبوبكر، جاءه المطوّق بالنور جبرئيل(عليه السلام) فقال: يا محمّد! إنّ العليّ الأعلي يقرأ عليك السلام، ويقول: يا محمّد! إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك، فابعث عليّاً(عليه السلام)، ليتناول الآيات، فيكون هو الذي ينبذ العهود ويقرأ الآيات.
يا محمّد! ما أمرك ربّك بدفعها إلي عليّ(عليه السلام)، ونزعها من أبي بكر سهواً ولاشكّاً ولا استدراكاً علي نفسه غلطاً، ولكن أراد أن يبيّن لضعفاء المسلمين، أنّ المقام الذي يقومه أخوك عليّ(عليه السلام) لن يقومه غيره سواك يامحمّد! وان جلت في عيون هؤلاء الضعفاء من أُمّتك مرتبته، وشرفت عندهم منزلته، فلمّا انتزع عليّ(عليه السلام) الآيات من يده لقي أبوبكر - بعد ذلك - رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) فقال: بأبي [أنت ] وأُمّي (يارسول اللّه! أنت أمرت عليّاً أن أخذ هذه الآيات من يدي؟)
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لا، ولكنّ العليّ العظيم أمرني أن لا ينوب عنّي إلّا من هو منّي، وأمّا أنت فقد عوّضك اللّه بما قد حملك من آياته، وكلّفك من طاعاته الدرجات الرفيعة، والمراتب الشريفة، أما إنّك إن دمت علي موالاتنا ووافيتنا في عرصات القيامة، وفيّاً بما أخذنا به عليك [من ] العهود والمواثيق، فأنت من خيار شيعتنا، وكرام أهل مودّتنا. فسري بذلك عن أبي بكر.
قال: فمضي عليّ(عليه السلام) لأمر اللّه، ونبذ العهود إلي أعداء اللّه، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلي حرم اللّه، وكانوا عدداً كثيراً وجمّاً غفيراً غشاه اللّه نوره، وكساه فيهم هبة وجلالاً لم يجسروا معها علي إظهار خلاف ولاقصد بسوء، قال: فذلك قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَفِيهَا اسْمُهُ و ).
وهي مساجد خيار المؤمنين بمكّة لما منعوهم من التعبّد فيها بأن ألجاؤا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي الخروج عن مكّة.
(وَسَعَي فِي خَرَابِهَآ ) خراب تلك المساجد لئلّا تعمر بطاعة اللّه.
قال اللّه تعالي: (أُوْلَل-ِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَّا خَآلِفِينَ ) أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم إلّا خائفين من عدله، وحكمه النافذ عليهم - أن يدخلوها كافرين - بسيوفه وسياطه (لَهُمْ ) لهؤلاء المشركين (فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ) وهو طرده إيّاهم عن الحرم، ومنعهم أن يعودوا إليه (وَلَهُمْ فِي الْأَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
( البقرة: 114/2. )
( التفسير: 554، ح 329، و330. عنه البحار: 121/21، ح 20، قطعة منه، وفيه: قال الإمام [العسكريّ 7]، قال الحسن بن عليّ 8، وفي هامشه: عن الحسين بن عليّ 8، وكذا في هامش التفسير، و297/35 ح 21، قطعة منه، مرسلاً، و340/80، س 5، وس 13، قطعتان منه، والبرهان: 144/1، ح 1، أورده بتمامه عن الإمام العسكريّ 7، عن الحسن بن عليّ 8، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 438/3، ح 3947، قطعة منه، و346/9، س 15، ضمن ح 11046، أورد قطعة منه، عن الحسن بن عليّ 8، وإثبات الهداة: 395/1، ح 614، قطعة منه. )
16 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ ) الآية، قال: إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا فضّل عليّاً(عليه السلام) وأخبر عن جلالته عند ربّه عزّ وجلّ، وأبان عن فضائل شيعته وأنصار دعوته، ووبّخ اليهود والنصاري علي كفرهم وكتمانهم لذكر محمّد وعليّ وآلهما(عليهم السلام) في كتبهم بفضائلهم ومحاسنهم، فخرت اليهود والنصاري عليهم.
فقالت اليهود: قد صلّينا إلي قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة، وفينا من يُحيي الليل صلاة إليها، وهي قبلة موسي 1ض موسي، 4 التي أمرنا بها.
وقالت النصاري: قد صلّينا إلي قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة، وفينا من يُحيي الليل صلاة إليها، وهي قبلة عيسي 1خا قبلة عيسي، 4 التي أمرنا بها.
وقال كلّ واحد من الفريقين: أتري ربّنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلواتنا إلي قبلتنا لأنّا لا نتبع محمّداً علي هواه في نفسه وأخيه!
فأنزل اللّه تعالي: قل يا محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم): (لَّيْسَ الْبِرَّ ) الطاعة التي تنالون بها الجنان، وتستحقّون بها الغفران والرضوان.
(أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ ) بصلاتكم (قِبَلَ الْمَشْرِقِ ) أيّها النصاري (وَ ) قبل (الْمَغْرِبِ ) أيّها اليهود، وأنتم لأمر اللّه مخالفون، وعلي وليّ اللّه مغتاظون، (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ ) بأنّه الواحد الأحد الفرد الصمد يعظّم من يشاء، ويكرم من يشاء، ويهين من يشاء ويذلّه، لا رادّ لأمره، ولامعقّب لحكمه، (وَ ) آمن ب'(الْيَوْمِ الْأَخِرِ ) يوم القيامة التي أفضل من يوافيها محمّد سيّد ( البقرة: 177/2. )
المرسلين، وبعده عليّ أخوه، ووصيّه سيّد الوصيّين، والتي لا يحضرها من شيعة محمّد أحد إلّا أضاءت فيها أنواره، فسار فيها إلي جنّات النعيم هو وإخوانه وأزواجه وذرّيّاته، والمحسنون إليه، والدافعون في الدنيا عنه، ولا يحضرها من أعداء محمّد أحد إلّا غشيته ظلماتها، فيسير فيها إلي العذاب الأليم هو وشركاؤه في عقده ودينه ومذهبه، والمتقرّبون كانوا في الدنيا إليه لغير تقيّة لحقتهم [منه ].
والتي تنادي الجنان فيها: إلينا، إلينا أولياء محمّد وعليّ وشيعتهما! وعنّا، عنّا أعداء محمّد وعليّ وأهل مخالفتهما!
وتنادي النيران: عنّا، عنّا أولياء محمّد وعليّ وشيعتهما! وإلينا، إلينا أعداء محمّد وعليّ وشيعتهما! يوم تقول الجنان: يا محمّد! ويا عليّ! إنّ اللّه تعالي أمرنا بطاعتكما، وأن تأذنا في الدخول إلينا من تدخلانه، فاملآنا بشيعتكما مرحباً بهم وأهلاً وسهلاً، وتقول النيران: يا محمّد! ويا عليّ! إنّ اللّه تعالي أمرنا بطاعتكما، وأن يحرق بنا من تأمراننا بحرقه فاملآنا بأعدائكما.
(وَالْمَلَل-ِكَةِ ) ومن آمن بالملائكة بأنّهم عباد معصومون، لا يعصون اللّه عزّ وجلّ ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وإنّ أشرف أعمالهم في مراتبهم التي قد رتّبوا فيها من الثري إلي العرش الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين، واستدعاء رحمة اللّه ورضوانه لشيعتهم المتّقين، واللعن للمتابعين لأعدائهم المجاهرين والمنافقين.
(وَالْكِتَبِ ) ويؤمنون بالكتاب الذي أنزل اللّه مشتملاً علي ذكر فضل محمّد وعليّ(عليهما السلام) سيّد (المسلمين والوصيّين)، والمخصوصين بمالم يخصّ به أحداً من العالمين، وعلي ذكر فضل من تبعهما وأطاعهما من المؤمنين، وبغض من خالفهما من المعاندين والمنافقين.
(وَالنَّبِيِّينَ ) [ومن ] آمن بالنبيّين أنّهم أفضل خلق اللّه أجمعين، وأنّهم كلّهم دلّوا علي فضل محمّد سيّد المرسلين، وفضل عليّ سيّد الوصيّين، وفضل
شيعتهما علي سائر المؤمنين بالنبيّين، وبأنّهم كانوا بفضل محمّد وعليّ معترفين، ولهما بما خصّهما [اللّه ] به مسلّمين.
وإنّ اللّه تعالي أعطي محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من الشرف والفضل ما لم تسمّ إليه نفس أحد من النبيّين إلّا نهاه اللّه تعالي عن ذلك وزجره وأمره أن يسلّم لمحمّد وعليّ وآلهما الطيّبين فضلهم.
وإنّ اللّه قد فضّل محمّداً بفاتحة الكتاب علي جميع النبيّين، ما أعطاها أحداً قبله إلّا ما أعطي سليمان بن داود(عليهما السلام) منها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )، فرآها أشرف من جميع ممالكه التي أعطيها.
فقال: يا ربّ! ما أشرفها من كلمات إنّها لآثر عندي من جميع ممالكي التي وهبتها لي.
قال اللّه تعالي: يا سليمان! وكيف لا يكون كذلك وما من عبد ولا أمة سمّاني بها إلّا أوجبت له من الثواب ألف ضعف ما أوجب لمن تصدّق بألف ضعف ممالكك.
يا سليمان! هذه سبع ما أهبه لمحمّد سيّد النبيّين تمام فاتحة الكتاب إلي آخرها.
فقال: يا ربّ! أتأذن لي أن أسألك تمامها؟
قال اللّه تعالي: يا سليمان! اقنع بما أعطيتك فلن تبلغ شرف محمّد، وإيّاك أن تقترح عليّ درجة محمّد وفضله وجلاله، فأُخرجك عن ملكك كما أخرجت آدم عن تلك الجنان لمّا اقترح درجة محمّد في الشجرة التي أمرته أن لايقربها، يروم أن يكون له فضلهما.
وهي شجرة أصلها محمّد، وأكبر أغصانها عليّ، وسائر أغصانها آل محمّد علي قدر مراتبهم، وقضبانها شيعته وأُمّته علي [قدر] مراتبهم وأحوالهم.
إنّه ليس لأحد (يا سليمان! من درجات الفضائل عندي ما لمحمّد).
فعند ذلك قال سليمان: يا ربّ! قنّعني بما رزقتني؛ فأقنعه.
فقال: يا ربّ! سلّمت ورضيت وقنعت، وعلمت أن ليس لأحد مثل درجات محمّد.
(وَءَاتَي الْمَالَ عَلَي حُبِّهِ ي ) أعطي في اللّه المستحقّين من المؤمنين علي حبّه للمال وشدّة حاجته إليه يأمل الحياة، ويخشي الفقر لأنّه صحيح شحيح.
(ذَوِي الْقُرْبَي ) أعطي لقرابة النبيّ الفقراء هديّة أوبرّاً لا صدقة، فإنّ اللّه عزّوجلّ قد أجلّهم عن الصدقة، وآتي قرابة نفسه صدقة وبرّاً، وعلي أيّ سبيل أراد.
(وَالْيَتَمَي ) وآتي اليتامي من بني هاشم الفقراء برّاً لا صدقةً، وآتي يتامي غيرهم صدقةً وصلةً.
(وَالْمَسَكِينَ ) مساكين الناس، (وَابْنَ السَّبِيلِ ) المجتاز المنقطع به لانفقة معه، (وَالسَّآلِلِينَ ) الذين يتكفّفون ويسألون الصدقات.
(وَفِي الرِّقَابِ ) المكاتبين يعينهم ليؤدّوا فيعتقوا.
قال: فإن لم يكن له مال يحتمل المواساة فليجدّد الإقرار بتوحيد اللّه ونبوّة محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وليجهر بتفضيلنا والاعتراف بواجب حقوقنا أهل البيت، وبتفضيلنا علي سائر [آل ] النبيّين، وتفضيل محمّد علي سائر النبيّين، وموالاة أوليائنا ومعاداة أعدائنا والبراءة منهم كائناً من كان آباءهم وأُمّهاتهم،وذوي قراباتهم ومودّاتهم، فإنّ ولاية اللّه لا تنال إلّا بولاية أوليائه،ومعاداة أعدائه.
(وَأَقَامَ الصَّلَوةَ ) قال: والبرّ برّ من أقام الصلاة بحدودها، وعلم أنّ أكبر حدودها الدخول فيها، والخروج منها معترفاً بفضل محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) سيّد عبيده وإمائه، والموالاة لسيّد الأوصياء وأفضل الأتقياء، عليّ سيّد الأبرار، وقائد الأخيار، وأفضل أهل دار القرار بعد النبيّ الزكيّ المختار.
(وَءَاتَي الزَّكَوةَ ) الواجبة عليه لإخوانه المؤمنين، فإن لم يكن له مال يزكّيه فزكاة بدنه وعقله، وهو أن يجهر بفضل عليّ والطيّبين من آله إذا قدر، ويستعمل التقيّة عد البلايا إذا عمّت، والمحن إذا نزلت، والأعداء إذا غلبوا.
ويعاشر عباد اللّه بما لا يثلم دينه، ولا يقدح في عرضه، وبما يسلم معه دينه ودنياه، فهو باستعمال التقيّة يوفّر نفسه علي طاعة مولاه، ويصون عرضه الذي فرض اللّه [عليه ] صيانته، ويحفظ علي نفسه أمواله التي قد جعلها اللّه له قياماً ولدينه وعرضه وبدنه قواماً، ولعن المغضوب عليهم الآخذين من الخصال بأرذلها، ومن الخلال بأسخطها لدفعهم الحقوق عن أهلها، وتسليمهم الولايات إلي غير مستحقّها.
ثمّ قال: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَهَدُواْ ) قال: ومن أعظم عهودهم أن لايستروا ما يعلمون من شرف من شرّفه اللّه وفضل من فضّله اللّه، وأن لايضعوا الأسماء الشريفة علي من لا يستحقّها من المقصّرين والمسرفين الضالّين الذين ضلّوا عمّن دلّ اللّه عليه بدلالته، واختصّه بكراماته الواصفين له بخلاف صفاته، والمنكرين لما عرفوا من دلالاته وعلاماته الذين سمّوا بأسمائهم من ليسوا بأكفائهم من المقصّرين المتمرّدين.
ثمّ قال: (وَالصَّبِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ ) يعني في محاربة الأعداء، ولا عدوّ يحاربه أعدي من إبليس ومردته يهتف به، ويدفعه وإيّاهم بالصلاة علي محمّد وآله الطيّبين(عليهم السلام).
(وَالضَّرَّآءِ ) الفقر والشدّة، ولا فقر أشدّ من فقر المؤمن يلجأ إلي التكفّف من أعداء آل محمّد يصبر علي ذلك، ويري ما يأخذه من مالهم مغنماً يلعنهم به، ويستعين بما يأخذه علي تجديد ذكر ولاية الطيّبين الطاهرين.
(وَحِينَ الْبَأْسِ ) عند شدّة القتال يذكر اللّه، ويصلّي علي محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وعلي عليّ وليّ اللّه، ويوالي بقلبه ولسانه أولياء اللّه، ويعادي كذلك أعداء اللّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: (أُوْلَل-ِكَ ) أهل هذه الصفات التي ذكرها، الموصوفون بها (الَّذِينَ صَدَقُواْ ) في إيمانهم، فصدّقوا أقاويلهم بأفاعيلهم.
(وَأُوْلَل-ِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) لما أُمروا باتّقائه من عذاب النار، ولما أُمروا ( البقرة: 177/2. )
باتّقائه من شرور النواصب الكفّار.
( التفسير: 591، ح 353. عنه البحار: 55/8، ح 63، و187/9، ح 19، قطعتان منه، و381/24، ح 108، أورده بتمامه، بتفاوت يسير، و45/81، س 8، و257/89، ح 49، و61/91، ح 49، وح 50، و6/93، س 14، و69، ح 42، قِطع منه، ومستدرك الوسائل:340/5، ح 6045، وح 6046، و103/7، ح 7756، و107 ح 7770، و120، ح 7802، قِطع منه، ومقدّمة البرهان: 197، س 36، و211 س 5، و221، س 13، و265، س 34، قِطع منه. )
17 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَي 5البقرة يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي .... 178 ، 4 ) يعني المساواة، وأن يسلك بالقاتل طريق المقتول الذي سلكه به لمّاقتله، (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَي بِالْأُنثَي ) تقتل المرأة بالمرأة إذا قتلتها، (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ و مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ).
فمن عفي له - القاتل - ورضي هو ووليّ المقتول أن يدفع الدية وعفي عنه بها (فَاتِّبَاعُ م ) من الوليّ (المطالبة، و) تقاصّ(بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ ) من (المعفوّ له) القاتل (بِإِحْسَنٍ ) لا يضارّه ولا يماطله [لقضائها].
(ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) إذا أجاز أن يعفو وليّ المقتول عن القاتل علي دية يأخذها، فإنّه لو لم يكن له إلّا القتل أو العفو لقلّما طاب نفس وليّ المقتول بالعفو بلا عوض يأخذه، فكان قلّما يسلم القاتل من القتل.
(فَمَنِ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ ) من اعتدي بعد العفو عن القتل بما يأخذه من الدية فقتل القاتل بعد عفوه عنه بالدية التي بذلها، ورضي هو بها (فَلَهُ و عَذَابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة عند اللّه عزّ وجلّ، وفي الدنيا القتل بالقصاص لقتله من ( البقرة: 178/2. )
لايحلّ له قتله.
قال اللّه عزّ وجلّ (وَلَكُمْ ) يا أُمّة محمّد! (فِي الْقِصَاصِ حَيَوةٌ ) لأنّ من همّ بالقتل، فعرف أنّه يقتصّ منه فكفّ لذلك عن القتل، كان حياة للذي [كان ] همّ بقتله، وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل، وحياة لغيرهما من الناس إذا علموا أنّ القصاص واجب لا يجرأون علي القتل مخافة القصاص (يَأُوْلِي الْأَلْبَبِ )) أولي العقول (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
( البقرة: 179/2. )
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): عباد اللّه! هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا وتفنون روحه، أولا أُنبّئكم بأعظم من هذا القتل، وما يوجب [اللّه ] علي قاتله ممّا هو أعظم من هذا القصاص؟ قالوا: بلي، يا ابن رسول اللّه!
قال: أعظم من هذا القتل أن تقتله قتلاً لا ينجبر، ولا يحيي بعده أبداً.
قالوا: ما هو؟ قال: أن تضلّه عن نبوّة محمّد وعن ولاية عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما، وتسلك به غير سبيل اللّه، وتغويه باتّباع طريق أعداء عليّ(عليه السلام)، والقول بإمامتهم ودفع عليّ عن حقّه، وجحد فضله، ولا تبالي بإعطائه واجب تعظيمه، فهذا هو القتل الذي هو تخليد هذا المقتول في نار جهنّم خالداً مخلّداً أبداً، فجزاء هذا القتل مثل ذلك الخلود في نار جهنّم.
( التفسير: 597، ح 354. عنه البحار: 23/2، ح 69، قطعة منه، و388/101، ح 12، قطعة منه، ووسائل الشيعة: 54/29، ح 35136، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 273، س 32، قطعة منه.
الاحتجاج: 155/1، ح 189، قطعة منه. عنه البحار: 220/69، ح 7، و370/101، ح 4، والبرهان: 177/1، ح 1، ومقدّمة البرهان: 345، س 16، قطعة منه، ووسائل الشيعة: 53/29، ح 35134، قطعة منه. )

18 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ولقد جاء رجل يوماً إلي عليّ بن الحسين(عليهما السلام) برجل يزعم أنّه قاتل أبيه فاعترف فأوجب عليه القصاص، وسأله أن يعفو عنه ليعظّم اللّه ثوابه، فكأنّ نفسه لم تطب بذلك.
فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام) للمدّعي وليّ الدم المستحقّ للقصاص: إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك حقّاً فهب له هذه الجناية، واغفر له هذا الذنب.
قال: يا ابن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)! له عليّ حقّ، ولكن لم يبلغ [به ] أن أعفو له عن قتل والدي، قال: فتريد ماذا؟ قال: أُريد القود، فإن أراد لحقّه عليّ أن أُصالحه علي الدية صالحته وعفوت عنه، قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): فماذا حقّه عليك؟
قال: يا ابن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)! لقّنني توحيد اللّه، ونبوّة رسول اللّه، وإمامة عليّ بن أبي طالب والأئمّة(عليهم السلام).
فقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): فهذا لا يفي بدم أبيك! بلي، واللّه! هذا يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأوّلين والآخرين سوي [الأنبياء و] الأئمّة(عليهم السلام) إن قتلوا، فإنّه لا يفي بدمائهم شي ء، أو تقنع منه بالدية؟ قال: بلي!
قال عليّ بن الحسين(عليه السلام) للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتّي أبذل لك الدية فتنجو بها من القتل.
قال: يا ابن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)! أنا محتاج إليها، وأنت مستغن عنها، فإنّ ذنوبي عظيمة، وذنبي إلي هذا المقتول أيضاً بيني وبينه، لا بيني وبين وليّه هذا.
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): فتستسلم للقتل أحبّ إليك من نزولك عن ثواب هذا التلقين؟ قال: بلي، يا ابن رسول اللّه!
فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام) لوليّ المقتول: يا عبد اللّه! قابل بين ذنبه هذا إليك، وبين تطوّله عليك قتل أباك فحرّمه لذّة الدنيا وحرّمك التمتّع به فيها علي أنّك إن صبرت وسلّمت فرفيق أبيك في الجنان ولقّنك الإيمان، فأوجب لك به جنّة اللّه الدائمة، وأنقذك من عذابه الدائم، فإحسانه إليك أضعاف [أضعاف ] جنايته عليك، فإمّا أن تعفو عنه جزاءً علي إحسانه إليك! لأُحدّثكما بحديث من فضل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) خير لكما من الدنيا بما فيها.
وإمّا أن تأبي أن تعفو عنه حتّي أبذل لك الدية لتصالحه عليها، ثمّ أُحدّثه بالحديث دونك، ولما يفوتك من ذلك الحديث خير من الدنيا بما فيها لو اعتبرت به، فقال الفتي: يا ابن رسول اللّه! قد عفوت عنه بلا دية ولا شي ء إلّا ابتغاء وجه اللّه، ولمسألتك في أمره، فحدّثنا يا ابن رسول اللّه! بالحديث؟
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا بعث إلي الناس كافّة بالحقّ بشيراً ونذيراً وداعياً إلي اللّه بإذنه، وسراجاً منيراً، جعلت الوفود ترد عليه، والمنازعون يكثرون لديه، فمن مريد قاصد للحقّ، منصف متبيّن ما يورده عليه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من آياته ويظهر له من معجزاته، فلا يلبث أن يصير أحبّ خلق اللّه تعالي إليه وأكرمهم عليه.
ومن معاند يجحد ما يعلم ويكابره فيما يفهم فيبوء باللعنة علي اللعنة قد صوّره عناده، وهو من العالمين في صورة الجاهلين.
فكان ممّن قصد رسول اللّه لمحاجّته ومنازعته طوائف فيهم معاندون مكابرون، وفيهم منصفون متبيّنون متفهّمون، فكان منهم سبعة نفر يهود، وخمسة نصاري، وأربعة صابئون، وعشرة مجوس، وعشرة ثنويّة، وعشرة براهمة، وعشرة دهريّة معطّلة، وعشرون من مشركي العرب، جمعهم منزل قبل ورودهم علي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
وفي المنزل من خيار المسلمين نفر منهم عمّار بن ياسر، وخبّاب بن الأرت والمقداد بن الأسود، وبلال.
فاجتمع أصناف الكافرين يتحدّثون عن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وما يدّعيه من الآيات، ويذكر في نفسه من المعجزات.
فقال بعضهم: إنّ معنا في هذا المنزل نفراً من أصحابه، وهلمّوا بنا إليهم نسألهم عنه قبل مشاهدته، فلعلّنا أن نقف من جهتهم علي بعض أحواله في صدقه وكذبه، فجاءوا إليهم فرحبّوا بهم، وقالوا: أنتم من أصحاب محمّد؟
قالوا: بلي، نحن من أصحاب محمّد سيّد الأوّلين والآخرين 1أ محمّد سيّد الأوّلين والآخرين، 4، والمخصوص بأفضل الشفاعات في يوم الدين، ومن لو نشر اللّه تعالي جميع أنبيائه فحضروه لم يلقوه إلّا مستفيدين من علومه، آخذين من حكمته، ختم اللّه تعالي به النبيّين، وتممّ به المكارم، وكمّل به المحاسن.
فقالوا: فبما ذا أمركم محمّد؟ فقالوا: أمرنا أن نعبد اللّه وحده، لا نشرك به شيئاً، وأن نقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصل الأرحام، وننصف للأنام، ولانأتي إلي عباد اللّه بما لا نحبّ أن يأتوا به إلينا، وأن نعتقد ونعترف أنّ محمّداً سيّد الأوّلين والآخرين، وأنّ عليّاً(عليه السلام) أخاه سيّد الوصيّين 1ت عليّ، 4، وأنّ الطيّبين من ذرّيّته المخصوصين بالإمامة هم الأئمّة علي جميع المكلّفين الذين أوجب اللّه تعالي طاعتهم، وألزم متابعتهم وموالاتهم.
فقالوا: يا هؤلاء! هذه أُمور لا تعرف إلّا بحجج ظاهرة، ودلائل باهرة، وأُمور بيّنة ليس لأحد أن يلزمها أحداً بلا إمارة تدلّ عليها، ولا علامة صحيحة تهدي إليها، أفرأيتم له آيات بهرتكم، وعلامات ألزمتكم؟
قالوا: بلي، واللّه! لقد رأينا ما لا محيص عنه ولا معدل ولا ملجأ ولامنجا لجاحده من عذاب اللّه ولا موئل، فعلمنا أنّه المخصوص برسالات اللّه، المؤيّد ( قوله تعالي: (لن يجدوا من دونه موئلاً): 59/18، أي منجا وملجأ. مجمع البحرين: 489/5، (وأل). )
بآيات اللّه، المشرّف بما اختصّه اللّه به من علم اللّه.
قالوا: فما الذي رأيتموه؟
قال عمّار بن ياسر: أمّا الذي رأيته أنا فإنّي قصدته وأنا فيه شاكّ فقلت: يا محمّد! لا سبيل إلي التصديق بك مع استيلاء الشكّ فيك علي قلبي، فهل من دلالة؟ قال: بلي، قلت: ما هي؟
قال: إذا رجعت إلي منزلك فاسأل عنّي ما لقيت من الأحجار والأشجار تصدّقني برسالتي، وتشهد عندك بنبوّتي، فرجعت، فما من حجر لقيته ولاشجر رأيته إلّا ناديته يا أيّها الحجر! يا أيّها الشجر! إنّ محمّداً يدّعي شهادتك بنبوّته، وتصديقك له برسالته، فبماذا تشهد له؟
فنطق الحجر والشجر: أشهد أنّ محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) رسول ربّنا.
( التفسير: 596، ح 356. عنه البحار: 12/2، ح 24، و383/17، ح 51، قطعتان منه، وإثبات الهداة: 396/1، ح 616، قطعة منه.
الاحتجاج: 156/2، ح 190، قطعة منه. عنه وسائل الشيعة: 54/29، ح 35135. )

19 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) وهو واقف بعرفات للزهريّ 10 ل عليّ بن الحسين وهو واقف بعرفات للزهريّ.... الإمام العسكريّ ، 4: كم تقدّر ههنا من الناس؟
قال: أُقدّر أربعة آلاف ألف وخمسمائة ألف، كلّهم حجّاج، قصدوا اللّه بآمالهم، ويدعونه بضجيج أصواتهم.
[فقال(عليه السلام) له: يا زهريّ! ما أكثر الضجيج، وأقلّ الحجيج!
فقال الزهريّ: كلّهم حجّاج، أفهم قليل؟]
فقال له: يا زهريّ! أدن لي وجهك، فأدناه إليه فمسح بيده وجهه، ثمّ قال: انظر، [فنظر] إلي الناس!
قال الزهريّ: فرأيت أولئك الخلق كلّهم قردة لا أري فيهم إنساناً إلّا في كلّ عشرة آلاف واحداً من الناس، ثمّ قال لي: ادن منّي يا زهريّ! فدنوت منه، فمسح بيده وجهي، ثمّ قال: انظر! فنظرت إلي الناس.
قال الزهريّ: فرأيت أولئك الخلق كلّهم [خنازير، ثمّ قال لي: أدن لي وجهك، فأدنيت منه، فمسح بيده وجهي فإذا هم كلّهم ] ذئبة إلّا تلك الخصائص من الناس نفراً يسيراً.
فقلت: بأبي وأُمّي يا ابن رسول اللّه! قد أدهشتني آياتك وحيّرتني عجائبك!
قال: يا زهريّ! ما الحجيج من هؤلاء إلّا النفر اليسير الذين رأيتهم بين هذا الخلق الجمّ الغفير.
ثمّ قال لي: امسح يدك علي وجهك، ففعلت، فعاد أولئك الخلق في عيني ناساً كما كانوا أوّلاً.
ثمّ قال لي: من حجّ ووالي موالينا، وهجر معادينا، ووطّن نفسه علي طاعتنا، ثمّ حضر هذا الموقف مسلّماً إلي الحجر الأسود ما قلّده اللّه من أماناتنا، ووفيّاً بما ألزمه من عهودنا فذلك هو الحاجّ، والباقون هم من قدرأيتهم.
يا زهريّ! حدّثني أبي عن جدّي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أنّه قال: ليس الحاجّ المنافقين المعادين لمحمّد وعليّ ومحبّيهما الموالين لشانئهما، وإنّما الحاجّ المؤمنون المخلصون الموالون لمحمّد وعليّ، ومحبّيهما المعادون لشانئهما.
إنّ هؤلاء المؤمنين، الموالين لنا، المعادين لأعدائنا لتسطع أنوارهم في عرصات القيامة علي قدر موالاتهم لنا.
فمنهم من يسطع نوره مسيرة ألف سنة، ومنهم من يسطع نوره مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، وهو جميع مسافة تلك العرصات، ومنهم من يسطع نوره إلي مسافات بين ذلك يزيد بعضها علي بعض علي قدر مراتبهم في موالاتنا، ومعاداة أعدائنا يعرفهم أهل العرصات من المسلمين والكافرين بأنّهم الموالون المتولّون والمتبرّؤون، يقال لكلّ واحد منهم: يا وليّ اللّه! انظر في هذه العرصات إلي كلّ من أسدي إليك في الدنيا معروفاً، أو نفّس عنك كرباً، أو أغاثك إذ كنت ملهوفاً، أو كفّ عنك عدوّاً، أو أحسن إليك في معاملته، فأنت شفيعه.
فإن كان من المؤمنين المحقّين زيد بشفاعته في نعم اللّه عليه، وإن كان من المقصّرين كفي تقصيره بشفاعته، وإن كان من الكافرين خفّف من عذابه بقدر إحسانه إليه.
وكأنّي بشيعتنا هؤلاء يطيرون في تلك العرصات كالبزاة، والصقور فينقضّون علي من أحسن في الدنيا إليهم انقضاض البزاة، والصقور علي اللحوم تتلقّفها وتحفظها، فكذلك يلتقطون من شدائد العرصات من كان أحسن إليهم في الدنيا فيرفعونهم إلي جنّات النعيم.
[و]قال رجل لعليّ بن الحسين(عليهما السلام): يا ابن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)! إنّا إذا وقفنا بعرفات وبمني ذكرنا اللّه، ومجّدناه، وصلّينا علي محمّد وآله الطيّبين الطاهرين،وذكرنا آباءنا أيضاً بمآثرهم ومناقبهم وشريف أعمالهم، نريد بذلك قضاء حقوقهم.
فقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): أولا أُنبّئكم بما هو أبلغ في قضاء الحقوق من ذلك؟ قالوا: بلي، يا ابن رسول اللّه!
قال: أفضل من ذلك أن تجدّدوا علي أنفسكم ذكر توحيد اللّه والشهادة به، وذكر محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) رسول اللّه، والشهادة له بأنّه سيّد النبيّين، وذكر عليّ(عليه السلام) ولي اللّه، والشهادة له بأنّه سيّد الوصيّين، وذكر الأئمّة الطاهرين من آل محمّد الطيّبين بأنّهم عباد اللّه المخلصين.
إنّ اللّه تعالي إذا كان عشيّة عرفة، وضحوة يوم مني باهي كرام ملائكته بالواقفين بعرفات ومني، وقال لهم: هؤلاء عبادي وإمائي حضروني ههنا من البلاد السحيقة شعثاً غبراً قد فارقوا شهواتهم وبلادهم وأوطانهم، وإخوانهم ابتغاء مرضاتي، ألا فانظروا إلي قلوبهم، وما فيها فقد قوّيت أبصاركم يا ملائكتي! علي الاطّلاع عليها.
قال: فتطّلع الملائكة علي قلوبهم، فيقولون: يا ربّنا! اطّلعنا عليها، وبعضها سود مدلهمّة يرتفع عنها دخان كدخان جهنّم.
فيقول [اللّه ]: أولئك الأشقياء الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، تلك قلوب خاوية من الخيرات، خالية من الطاعات، مصرّة علي المرديات المحرّمات، تعتقد تعظيم من أهنّاه، وتصغير من فخّمناه وبجّلناه، لئن وافوني كذلك لأشدّدنّ عذابهم، ولأطيلنّ حسابهم.
تلك قلوب اعتقدت أنّ محمّداً رسول [اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)] كذب علي اللّه، أو غلط عن اللّه في تقليده أخاه ووصيّه إقامة أَوَد عباد اللّه، والقيام بسياساتهم حتّي ( الأَوَد: الاعوجاج. المنجد: 21، (آد).)
يروا الأمن في إقامة الدين في إنقاذ الهالكين، وتعليم الجاهلين، وتنبيه الغافلين الذين بئس المطايا إلي جهنّم مطاياهم.
ثمّ يقول اللّه عزّ وجلّ: يا ملائكتي! انظروا!
فينظرون فيقولون: يا ربّنا! قد اطّلعنا علي قلوب هؤلاء الآخرين، وهي بيض مضيئة ترفع عنها الأنوار إلي السماوات والحجب وتخرقها إلي أن تستقرّ عند ساق عرشك يا رحمن!
يقول اللّه عزّ وجلّ: أولئك السعداء الذين تقبّل اللّه أعمالهم، وشكر سعيهم في الحياة الدنيا، فإنّهم قد أحسنوا فيها صنعاً تلك قلوب حاوية للخيرات، مشتملة علي الطاعات، مدمنة علي المنجيات المشرفات تفتقد تعظيم من عظّمناه، وإهانة من أرذلناه، لئن وافوني كذلك لأثقلنّ من جهة الحسنات موازينهم، ولأخفّفنّ من جهة السيّئات موازينهم، ولأعظّمنّ أنوارهم، ولأجعلنّ في دار كرامتي، ومستقرّ رحمتي محلّهم وقرارهم.
تلك قلوب اعتقدت أنّ محمّداً رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) هو الصادق في كلّ أقواله، المحقّ في كلّ أفعاله، الشريف في كلّ خلاله، المبرّز بالفضل في جميع خصاله، وأنّه قد أصاب في نصبه أمير المؤمنين عليّاً إماماً وعلماً علي دين اللّه واضحاً، واتّخذوا أمير المؤمنين(عليه السلام) إمام هدًي واقياً من الردي، الحقّ ما دعا إليه، والصواب والحكمة ما دلّ عليه، والسعيد من وصل حبله بحبله، والشقّي الهالك من خرج من جملة المؤمنين به والمطيعين له.
نعم المطايا إلي الجنان مطاياهم، سوف ننزلّهم منها أشرف غرف الجنان، ونسقيهم من الرحيق المختوم من أيدي الوصائف والولدان، وسوف نجعلهم في دار السلام من رفقاء محمّد نبيّهم زين أهل الإسلام، وسوف يضمّهم اللّه تعالي إلي جملة شيعة عليّ القرم الهمام، فنجعلهم بذلك [من ] ملوك جنّات النعيم الخالدين في العيش السليم، والنعيم المقيم، هنيئاً لهم هنيئاً جزاءاً بما اعتقدوه، وقالوا بفضل [اللّه ] الكريم الرحيم نالوا مانالوه.
( التفسير: 606، ح 359. عنه البحار: 258/96، س 6، ضمن ح 36، وح 37، بتفاوت يسير، وإثبات الهداة: 152/2، ح 672، و22/3، ح 46، قطعتان منه، ومستدرك الوسائل: 39/10، ح 11405، بتفاوت يسير، ومقدّمة البرهان: 123، س 23، و176، س 35، و205، س 21، قِطع منه. )
20 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): عباداللّه، اجعلوا حجّتكم مقبولة مبرورة، وإيّاكم وأن تجعلوها مردودة عليكم أقبح الردّ، وأن تصدّوا عن جنّة اللّه يوم القيامة أقبح الصدّ.
ألا وإنّ ما يحلّها محلّ القبول ما يقترن بها من موالاة محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين، وإنّ ما يسفلها ويرذلها ما يقترن بها من اتّخاذ الأنداد من دون أئمّة الحقّ وولاة الصدق عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) والمنتجبين ممّن يختاره من ذرّيّته وذويه.
ثمّ قال: قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): طوبي للموالين عليّاً إيماناً بمحمّد، وتصديقاً لمقاله! كيف يذكرهم اللّه بأشرف الذكر من فوق عرشه؟
وكيف يصلّي عليهم ملائكة العرش والكرسيّ 1ع ملائكة ، 4 والحجب والسماوات والأرض والهواء وما بين ذلك وما تحتها إلي الثري؟
وكيف يصلّي عليهم أملاك الغيوم والأمطار وأملاك البراري والبحار، وشمس السماء وقمرها ونجومها وحصباء الأرض ورمالها وسائر ما يدبّ من الحيوانات؟ فيشرّف اللّه تعالي بصلاة كلّ واحد منها لديه محالّهم، ويعظّم عنده جلالهم حتّي يردوا عليه يوم القيامة.
وقد شهّروا بكرامات اللّه علي رؤوس الأشهاد، وجعلوا من رفقاء محمّد وعليّ صفيّ ربّ العالمين.
والويل للمعاندين عليّاً كفراً بمحمّد، وتكذيباً بمقاله، كيف يلعنهم اللّه بأخزي اللعن من فوق عرشه، وكيف يلعنهم حملة العرش والكرسيّ والحجب والسماوات والأرض والهواء وما بين ذلك وما تحتها إلي الثري.
وكيف يلعنهم أملاك الغيوم والأمطار وأملاك البراري والبحار، وشمس السماء وقمرها ونجومها وحصباء الأرض ورمالها، وسائر ما يدبّ من الحيوانات، فيسفل اللّه بلعن كلّ واحد منهم لديه محالّهم، ويقبح عنده أحوالهم حتّي يردوا عليه يوم القيامة.
وقد شهّروا بلعن اللّه ومقته علي رؤوس الأشهاد، وجعلوا من رفقاء إبليس ونمرود وفرعون [و]أعداء ربّ العالمين.
و[إنّ ] من عظيم ما يتقرّب به خيار أملاك الحجب والسماوات، الصلاة علي محبّينا أهل البيت، واللعن لشانئينا.
( التفسير: 615، ح 361. عنه البحار: 37/65، ح 79. )
21 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): ذمّ اللّه تعالي هذا الظالم المعتدي [من المخالفين ] وهو علي خلاف ما يقول منطوي والإساءة إلي المؤمنين مضمر، فاتّقوا اللّه عباد اللّه! [المنتحلين لمحبّتنا].
وإيّاكم والذنوب التي قلّ ما أصرّ عليها صاحبها إلّا أدّاه إلي الخذلان المؤدّي إلي الخروج عن ولاية محمّد وعليّ والطيّبين من آلهما، والدخول في موالاة أعدائهما.
فإنّ من أصرّ علي ذلك فأدّي خذلانه إلي الشقاء الأشقي من مفارقة ولاية سيّد أولي النهي، فهو من أخسر الخاسرين.
قالوا: يا ابن رسول اللّه! وما الذنوب المؤدّية إلي الخذلان العظيم؟
قال: ظلمكم لإخوانكم الذين هم لكم في تفضيل عليّ(عليه السلام)، والقول بإمامته وإمامة من انتجبه [اللّه ] من ذرّيّته موافقون، ومعاونتكم الناصبين عليهم، ولاتغترّوا بحلم اللّه عنكم، وطول إمهاله لكم، فتكونوا كمن قال اللّه عزّ وجلّ: (كَمَثَلِ الشَّيْطَنِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَنِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَلَمِينَ ).
( الحشر: 16/59. )
كان هذا رجل فيمن كان قبلكم في زمان بني إسرائيل يتعاطي الزهد والعبادة، وقد كان قيل له: إنّ أفضل الزهد، الزهد في ظلم إخوانك المؤمنين بمحمّد وعليّ(عليهما السلام) والطيّبين من آلهما، وإنّ أشرف العبادة، خدمتك إخوانك المؤمنين الموافقين لك علي تفضيل سادة الوري محمّد المصطفي، وعليّ المرتضي، والمنتجبين المختارين للقيام بسياسة الوري.
فعرف الرجل بما كان يظهر [من ] الزهد فكان إخوانه المؤمنون يودعونه فيدّعي [بها] أنّها سرقت ويفوز بها، وإذا لم يمكنه دعوي السرقة جحدهإ؛حچ ثثثثثثثثثپ وذهب بها.
وما زال هكذا والدعاوي لا تقبل فيه والظنون تحسن به، ويقتصر منه علي أيمانه الفاجرة إلي أن خذله اللّه تعالي.
فوضعت عنده جارية من أجمل النساء قد جنّت ليرقيها برقية فتبرأ أو يعالجها بدواء، فحمله الخذلان عند غلبة الجنون عليها علي وطيها فأحبلها.
فلمّا اقترب وضعها جاءه الشيطان فأخطر بباله أنّها تلد وتعرف بالزنا بها فتقتل، فاقتلها وادفنها تحت مصلّاك، فقتلها ودفنها، وطلبها أهلها، فقال: زاد بها جنونها، فماتت، فاتّهموه وحفروا تحت مصلّاه، فوجدوها مقتولة مدفونة حبلي مقربة، فأخذوه وانضاف إلي هذه الخطيئة دعاوي القوم الكثيرة الذين جحدهم، فقويت عليه التهمة، وضويق [عليه الطريق ] فاعترف علي نفسه بالخطيئة بالزنا بها وقتلها، فملي ء بطنه وظهره سياطاً، وصلب علي شجرة.
فجاءه بعض شياطين الإنس، وقال له: ما الذي أغني عنك عبادة من كنت تعبده، وموالاة من كنت تواليه من محمّد وعليّ والطيّبين من آلهما الذين زعموا أنّهم في الشدائد أنصارك، وفي الملمّات أعوانك.
وذهب ما كنت تؤمّل هباءاً منثوراً، وانكشفت أحاديثهم لك، وأطماعهم إيّاك من أعظم الغرور وأبطل الأباطيل، وأنا الإمام الذي كنت تدعي إليه، وصاحب الحقّ الذي كنت تدلّ عليه، وقد كنت باعتقاد إمامة غيري من قبل مغروراً فإن أردت أن أُخلّصك من هؤلاء، وأذهب بك إلي بلاد نازحة، وأجعلك هناك رئيساً سيّداً، فاسجد لي علي خشبتك هذه سجدة معترف بأنّي أنا الملك، لإنقاذك، لأُنقذك، فغلب عليه الشقاء والخذلان واعتقد قوله، وسجد له، ثمّ قال: أنقذني!
فقال له: (إِنِّي بَرِي ءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَلَمِينَ ).
( الحشر: 16/59. )
وجعل يسخر ويطنز به، وتحيّر المصلوب، واضطرب عليه اعتقاده، ومات بأسوأ عاقبة، فذلك الذي أدّاه إلي هذا الخذلان.
( التفسير: 618، ح 363. عنه البحار: 318/72، س 5، ضمن ح 41، ومستدرك الوسائل: 101/12، س 12، ضمن ح 13630، قطعة منه. )
22 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): وهؤلاء خيار من أصحاب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) عذّبهم أهل مكّة1ل أهل مكّة، 4، ليفتنوهم عن دينهم، منهم بلال وصهيب وخبّاب وعمّار بن ياسر وأبواه.
فأمّا بلال فاشتراه أبوبكر بن أبي قحافة بعبدين له أسودين، ورجع إلي النبيّ(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فكان تعظيمه لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أضعاف تعظيمه لأبي بكر.
فقال المفسدون: يا بلال! كفرت النعمة ونقضت ترتيب الفضل، أبوبكر مولاك الذي اشتراك وأعتقك وأنقذك من العذاب، ووفّر عليك نفسك وكسبك، وعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لم يفعل بك شيئاً من هذه، وأنت توقّر أباالحسن عليّاً بما لاتوقّر أبا بكر، إنّ هذا كفر للنعمة وجهل بالترتيب.
فقال بلال: أفيلزمني أن أُوقّر أبابكر فوق توقيري لرسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)؟
قالوا: معاذ اللّه!
قال: قد خالف قولكم هذا قولكم الأوّل، إن كان لا يجوز لي أن أُفضّل عليّاً(عليه السلام) علي أبي بكر لأنّ أبابكر أعتقني، فكذلك لا يجوز أن أفضّل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) علي أبي بكر، لأنّ أبا بكر أعتقني.
قالوا: لا سواء، إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أفضل خلق اللّه.
قال بلال: ولا سواء أيضاً أبوبكر وعليّ، إنّ عليّاً [هو] نفس أفضل خلق اللّه، فهو [أيضاً] أفضل خلق اللّه بعد نبيّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وأحبّ الخلق إلي اللّه تعالي لأكله الطير مع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) الذي دعا: «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك».
وهو أشبه خلق اللّه برسول اللّه، لمّا جعله أخاه في دين اللّه، وأبوبكر لايلتمس [منّي ] ما تلتمسون، لأنّه يعرف من فضل عليّ(عليه السلام) ما تجهلون، أي يعرف أنّ حقّ عليّ [عليّ ] أعظم من حقّه، لأنّه أنقذني من رقّ عذاب الذي لو دام عليّ وصبرت عليه لصرت إلي جنّات عدن، وعليّ أنقذني من رقّ عذاب الأبد، وأوجب لي بموالاتي له وتفضيلي إيّاه نعيم الأبد.
قال(عليه السلام): وأمّا صهيب، فقال: أنا شيخ كبير! لا يضرّكم كنت معكم أو عليكم، فخذوا مالي ودعوني وديني، فأخذوا ماله وتركوه.
فقال له رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) [لما جاء إليه ]: يا صهيب! كم كان مالك الذي سلّمته؟ قال: سبعة آلاف. قال: طابت نفسك بتسليمه.
قال: يا رسول اللّه! - والذي بعثك بالحقّ نبيّاً - لو كانت الدنيا كلّها ذهبة حمراء1ي ذهبة حمراء، 4 لجعلتها عوضاً عن نظرة أنظرها إليك، ونظرة أنظرها إلي أخيك ووصيّك عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا صهيب! قد أعجزت خزّان الجنان عن إحصاء مالك فيها بمالك هذا واعتقادك، فلا يحصيها إلّا خالقها.
وأمّا خبّاب بن الأرت، فكانوا قد قيّدوه بقيد وغلّ، فدعا اللّه تعالي بمحمّد وعليّ وآلهما الطيّبين، فحوّل اللّه تعالي القيد فرساً ركبه، وحوّل الغلّ سيفاً بحمائل تقلّده، فخرج [عنهم ] من أعمالهم.
فلمّا رأوا ما ظهر عليه من آيات محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، لم يجسر أحد، أن يقربه، وجرّد سيفه، وقال: من شاء فليقرب، فإنّي سألته بمحمّد وعليّ(عليهما السلام) أن لاأُصيب بسيفي أبا قبيس إلّا قددته نصفين فضلاً عنكم، فتركوه، فجاء إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
وأمّا [أبو عمّار] ياسر وأُمّ عمّار فقتلا في اللّه صبراً.
وأمّا عمّار فكان أبوجهل يعذّبه فضيّق اللّه عليه خاتمه في إصبعه، حتّي أضرعه وأذلّه وثقّل عليه قميصه، حتّي صار أثقل من بدنات حديد، فقال لعمّار: خلّصني ممّا أنا فيه، فما هو إلّا من عمل صاحبك، فخلع خاتمه من إصبعه وقميصه من بدنه، وقال: ألبسه ولا أراك بمكّة تفتّنها عليّ وانصرف إلي محمّد.
فقيل لعمّار: ما بال خبّاب نجا بتلك الآية، وأبواك أسلما للعذاب حتّي قتلا؟
قال عمّار: ذلك حكم من أنقذ إبراهيم(عليه السلام) من النار، وامتحن بالقتل يحيي وزكريّا(عليهما السلام).
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أنت من كبار الفقهاء، يا عمّار!
فقال عمّار: حسبي يا رسول اللّه! من العلم معرفتي بأنّك رسول ربّ العالمين، وسيّد الخلق أجمعين، وأنّ أخاك عليّاً وصيّك وخليفتك، وخير من تخلّفه بعدك، وأنّ القول الحقّ قولك وقوله، والفعل الحقّ فعلك وفعله.
وأنّ اللّه عزّ وجلّ ما وفّقني لموالاتكما ومعاداة أعدائكما إلّا وقد أراد أن يجعلني معكما في الدنيا والآخرة.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هو كما قلت، يا عمّار! إنّ اللّه تعالي يؤيّد بك الدين، ويقطع بك معاذير الغافلين، ويوضح بك عن عناد المعاندين، إذا قتلتك الفئة الباغية علي المحقّين.
ثمّ قال له: يا عمّار! بالعلم نلت ما نلت من هذا الفضل، فازدد منه تزدد فضلاً، فإنّ العبد إذا خرج في طلب العلم ناداه اللّه عزّ وجلّ من فوق العرش: مرحباً بك يا عبدي! أتدري أيّة منزلة تطلب؟ وأيّة درجة تروم مضاهاة ملائكتي المقرّبين لتكون لهم قريناً لأبلغنّك مرادك، ولأصلنّك بحاجتك.
قيل لعليّ بن الحسين(عليهما السلام): ما معني مضاهاة ملائكة اللّه عزّ وجلّ المقرّبين ليكون لهم قريناً؟
قال: أما سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ و لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَل-ِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآلِمَام بِالْقِسْطِ لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
( آل عمران: 18/3. )
فابتدأ بنفسه، وثنّي بملائكته، وثلّث بأُولي العلم الذين هم قرناء ملائكته [أوّلهم ] وسيّدهم محمّد1أ محمّد، 4(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وثانيهم عليّ(عليه السلام)، وثالثهم (أقرب أهله إليه) وأحقّهم بمرتبته بعده.
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): ثمّ أنتم معاشر الشيعة! العلماء لعلمنا، تالون لنا، مقرونون بنا وبملائكة اللّه المقرّبين، شهداء [ للّه ] بتوحيده وعدله وكرمه وجوده، قاطعون لمعاذير المعاندين من عبيده وإمائه، فنعم الرأي لأنفسكم رأيتم، ونعم الحظّ الجزيل اخترتم، وبأشرف السعادة سعدتم حين بمحمّد وآله الطيّبين(عليهم السلام) قرنتم، وعدول اللّه في أرضه شاهرين بتوحيده وتمجيده جعلتم، وهنيئاً لكم أنّ محمّداً لسيّد الأوّلين والآخرين، وأنّ آل محمّد خير آل النبيّين، وأنّ أصحاب محمّد الموالين لأولياء محمّد وعليّ(عليهما السلام) والمتبرّئين من أعدائهما أفضل صحابة المرسلين، وأنّ أُمّة محمّد الموالين لمحمّد وعليّ، المتبرّئين من أعدائهما أفضل أُمم المرسلين، وأنّ اللّه تعالي لا يقبل من أحد عملاً إلّا بهذا الاعتقاد، ولا يغفر له ذنباً، ولايقبل له حسنة، ولا يرفع له درجة إلّا به.
( التفسير: 621، ح 365. عنه البحار: 338/22، س 11، ضمن ح 50، قطعة منه، ومستدرك الوسائل: 249/17، ح 21251، قطعة منه، والبحار: 180/1، ح 68، أورد ذيله عن أمالي الطوسيّ، ولم نجده فيه. )
23 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): وبهذه الآية وغيرها احتجّ عليّ(عليه السلام) يوم ( البقرة: 208/2. )
الشوري علي من دافعه عن حقّه، وأخّره عن رتبته، وإن كان ما ضرّ الدافع إلّا نفسه، فإنّ عليّاً(عليه السلام) كالكعبة التي أمر اللّه باستقبالها للصلاة جعله اللّه ليؤتمّ به في أُمور الدين والدنيا كما لا ينقص الكعبة ولا يقدح في شي ء من شرفها وفضلها إن ولّي عنها الكافرون.
فكذلك لا يقدح في عليّ(عليه السلام) - إن أخّره عن حقّه - المقصّرون ودافعه عن واجبه الظالمون.
قال لهم عليّ(عليه السلام) يوم الشوري في بعض مقاله بعد أن أعذر وأنذر وبالغ وأوضح: معاشر الأولياء العقلاء! ألم ينه اللّه تعالي عن أن تجعلوا له أنداداً ممّن لايعقل ولا يسمع ولا يبصر ولا يفهم؟
أولم يجعلني رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لدينكم ودنياكم قوّاماً؟
أولم يجعل إليّ مفزعكم؟
أولم يقل لكم: عليّ مع الحقّ والحقّ معه؟
أولم يقل: أنا مدينة العلم وعليّ بابها؟
أولا تروني غنيّاً عن علومكم وأنتم إلي علمي محتاجون؟
أفأمر اللّه تعالي العلماء باتّباع من لا يعلم أم من لا يعلم باتّباع من يعلم.
يا أيّها الناس! لم تنقضون ترتيب الألباب، لم تؤخّرون من قدّمه الكريم الوهّاب؟
أوليس رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أجابني إلي ما ردّ عنه أفضلكم فاطمة لمّا خطبها؟
أوليس قد جعلني أحبّ خلق اللّه [إلي اللّه ] لمّا أطعمني معه من الطائر؟
أوليس جعلني أقرب الخلق شبهاً بمحمّد نبيّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)؟
أفأقرب الناس به شبهاً تؤخّرون وأبعد الناس به شبهاً تقدّمون.
ما لكم لا تتفكّرون ولا تعقلون؟!
قال: فما زال يحتجّ بهذا ونحوه عليهم، وهم لا يغفلون عمّا دبّروه، ولايرضون إلّا بما آثروه.
( التفسير: 627، س 18، ضمن ح 366. عنه البحار: 111/36، س 5، ضمن ح 59، ومقدّمة البرهان: 285، س 34، قطعة منه. )
24 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): طلب هؤلاء الكفّار الآيات، ولم يقنعوا بما أتاهم منها بما فيه الكفاية والبلاغ حتّي قيل لهم: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ) ( البقرة: 210/2. )
أي إذا لم يقنعوا بالحجّة الواضحة [الدافعة] فهل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه، وذلك محال لأنّ الإتيان علي اللّه لا يجوز.
وكذلك النواصب اقترحوا علي رسول اللّه في نصب أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) إماماً - واقترحوا - حتّي اقترحوا المحال.
وكذلك إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا نصّ علي عليّ(عليه السلام) بالفضيلة والإمامة وسكن [إلي ] ذلك قلوب المؤمنين، وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين، وشكّ في ذلك ضعفاء من الشاكّين، واحتال في السلم من الفريقين - من النبيّ وخيار أصحابه، ومن أصناف أعدائه - جماعة المنافقين، وفاض في صدورهم العداوة والبغضاء والحسد والشحناء حتّي قال قائل المنافقين: لقد أسرف محمّد في مدح [نفسه ثمّ أسرف في مدح ] أخيه عليّ، وما ذلك من عند ربّ العالمين، ولكنّه في ذلك من المتقوّلين، يريد أن يثبت لنفسه الرئاسة علينا حيّاً ولعليّ بعد موته.
قال اللّه تعالي: يا محمّد! قل لهم: وأيّ شي ء أنكرتم من ذلك هو عزيز حكيم كريم ارتضي عباداً من عباده، واختصّهم بكرامات لما علم من حسن طاعاتهم وانقيادهم لأمره، ففوّض إليهم أُمور عباده، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفّقهم له.
أولا ترون ملوك الأرض إذا ارتضي أحدهم خدمة بعض عبيده ووثق بحسن اضطلاعه بما يندب له من أُمور ممالكه، جعل ماوراء بابه إليه، واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه.
كذلك محمّد في التدبير الذي رفعه له ربّه، وعليّ من بعده الذي جعله وصيّه وخليفته في أهله، وقاضي دينه، ومنجز عداته، والمؤازر لأوليائه، والمناصب لأعدائه، فلم يقنعوا بذلك ولم يسلّموا، وقالوا: ليس الذي يسنده إلي ابن أبي طالب(عليه السلام) بأمر صغير إنّما هو دماء الخلق ونساؤهم وأولادهم وأموالهم وحقوقهم [وأنسابهم ] ودنياهم وآخرتهم، فليأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أما كفاكم نور عليّ المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول اللّه إلي منزله؟
أما كفاكم أنّ عليّاً جاز والحيطان بين يديه، ففتحت له وطرّقت ثمّ عادت والتأمت؟
أما كفاكم يوم غدير خم أنّ عليّاً لمّا أقامه رسول اللّه رأيتم أبواب السماء مفتّحة، والملائكة منها مطّلعين تناديكم: هذا وليّ اللّه، فاتّبعوه! وإلّا حلّ بكم عذاب اللّه، فاحذروه!
أما كفاكم رؤيتكم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وهو يمشي والجبال تسير بين يديه لئلّا يحتاج إلي الانحراف عنها، فلمّا جاز رجعت الجبال إلي أماكنها؟
ثمّ قال: «اللّهمّ! زدهم آيات فإنّها عليك سهلات يسيرات، لتزيد حجّتك عليهم تأكيداً».
قال: فرجع القوم إلي بيوتهم فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الأرض ومنعتهم ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتّي تؤمنوا بولاية عليّ(عليه السلام).
قالوا: آمنّا ! ودخلوا، ثمّ ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها، فثقلت عليهم ولم يقلّوها ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعنا حتّي تقرّوا بولاية عليّ(عليه السلام)، فأقرّوا ونزعوها، ثمّ ذهبوا يلبسون ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتّي تعترفوا بولاية عليّ(عليه السلام)، فاعترفوا، ثمّ ذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقمة، ومالم يثقل منها استحجر في أفواههم ونادتهم: حرام عليكم أكلنا حتّي تعترفوا بولاية عليّ(عليه السلام)، فاعترفوا، ثمّ ذهبوا يبولون ويتغوّطون فتعذّبوا وتعذّر عليهم، ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم: حرام عليكم السلامة منّا حتّي تعترفوا بولاية عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فاعترفوا
ثمّ ضجر بعضهم، وقال: (اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ).
( الأنفال: 32/8.)
قال اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) فإنّ عذاب الاصطلام العامّ إذا نزل، نزل بعد خروج النبيّ(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من بين أظهرهم.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )، ( الأنفال: 33/8. )
يظهرون التوبة والإنابة فإنّ من حكمه في الدنيا يأمرك بقبول الظاهر، وترك التفتييش عن الباطن لأنّ الدنيا دار إمهال وإنظار، والآخرة دار الجزاء بلا تعبّد.
قال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ ) وفيهم من يستغفر لأنّ هؤلاء لو أنّ فيهم من علم اللّه أنّه سيؤمن، أو أنّه سيخرج من نسله ذرّيّة طيّبة يجود ربّك علي أولئك بالإيمان وثوابه، ولا يقتطعهم باخترام آبائهم الكفّار، ولولا ذلك لأهلكهم، فذلك قول رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، كذلك اقترح الناصبون آيات في عليّ(عليه السلام) حتّي اقترحوا ما لا يجوز في حكم [ اللّه ] جهلاً بأحكام اللّه، واقتراحاً للأباطيل علي اللّه.
( التفسير: 630، ح 368. عنه البحار: 282/9، س 11، ضمن ح 5، و40/42، ح 14، قطعتان منه، وإثبات الهداة: 152/2، ح 673، وح 674، و483، ح 293، و483/2، ح 293، قطعتان منه. )
25 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال اللّه عزّ وجلّ: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْاْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ ) ... .
وقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): كان هؤلاء قوماً يسكنون علي شاطي ء بحر نهاهم اللّه وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت.
فتوصّلوا إلي حيلة ليحلّوا بها لأنفسهم ما حرّم اللّه، فخدّوا أخاديد، ( الأخدود: شقق في: الأرض مستطيل، جمعه أخاديد. مجمع البحرين: 42/3، (خدد).)
وعملوا طرقاً تؤدّي إلي حياض يتهيّأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، ولايتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالرجوع [منها إلي اللجج ].
فجاءت الحيتان يوم السبت جارية علي أمان اللّه [ لها] فدخلت الأخاديد، وحصّلت في الحياض والغُدران، فلمّا كانت عشيّة اليوم همّت بالرجوع منها إلي اللجج لتأمن صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر وابقيت ليلتها في مكان يتهيّأ أخذها [ يوم الأحد] بلا اصطياد لاسترسالها فيه، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها.
فكانوا يأخذونها يوم الأحد، ويقولون ما اصطدنا يوم السبت، إنّما اصطدنا في الأحد، وكذب أعداء اللّه بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتّي كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعّموا بالنساء وغيرهنّ لاتّساع أيديهم به.
وكانوا في المدينة نيّفاً وثمانين ألفاً، فعل هذا منهم سبعون ألفاً، وأنكر عليهم الباقون، كما قصّ اللّه تعالي: (وَسَْلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) الآية....
ثمّ قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): إنّ اللّه تعالي مسخ هؤلاء لاصطياد السمك، فكيف تري عند اللّه عزّ وجلّ [ يكون ] حال من قتل أولاد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وهتك حريمه؟
إنّ اللّه تعالي وإن لم يمسخهم في الدنيا، فإنّ المعدّ لهم من عذاب [ اللّه في ] الآخرة [ أضعاف ] أضعاف عذاب المسخ.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه! فإنّا قد سمعنا منك هذا الحديث، فقال لنا بعض النصّاب: فإن كان قتل الحسين(عليه السلام) باطلاً فهو أعظم من صيد السمك في السبت، أفما كان يغضب اللّه علي قاتليه كما غضب علي صيّادي السمك.
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): قل لهؤلاء النصّاب: فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك اللّه تعالي من شاء منهم كقوم نوح وفرعون، ولم يهلك إبليس وهو أولي بالهلاك، فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات، إلّا كان ربّنا عزّ وجلّ حكيماً بتدبيره، وحكمه فيمن أهلك وفيمن استبقي، فكذلك هؤلاء الصائدون [ للسمك ] في السبت، وهؤلاء القاتلون للحسين(عليه السلام) يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولي بالصواب والحكمة، لا يسأل عمّا يفعل، وهم يسألون.
ثمّ قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): أما إنّ هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لوكانوا حين همّوا بقبيح أفعالهم سألوا ربّهم بجاه محمّد وآله الطيّبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا اللّه عزّ وجلّ أن يعصمهم بجاه محمّد وآله الطيّبين لعصمهم.
ولكن اللّه تعالي لم يلهمهم ذلك، ولم يوفّقهم له، فجرت معلومات اللّه تعالي فيهم علي ماكان سطره في اللوح المحفوظ ....
( التفسير: 268، ح 136.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 574. )

26 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): ...
وقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان ....
وقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) لأصحابه، وقد قالوا له: يا ابن رسول اللّه! إنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) ذكر [من ] أمر المختار، ولم يقل متي يكون قتله، ولمن يقتل، فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام): صدق أمير المؤمنين(عليه السلام) أولا أُخبركم متي يكون؟
قالوا: بلي، قال: يوم كذا إلي ثلاث سنين من قوله هذا لهم، وسيؤتي برأس عبيداللّه بن زياد وشمر بن ذي الجوشن (عليهما اللعنة) في يوم كذا وكذا، وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر إليهما.
قال فلمّا كان في اليوم الذي أخبرهم أنّه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني أُميّة كان عليّ بن الحسين(عليهما السلام) مع أصحابه علي مائدة إذ قال لهم: معاشر إخواننا! طيّبوا نفساً [وكلوا] فإنّكم تأكلون وظلمة بني أُميّة يحصدون،قالوا: أين؟
قال(عليه السلام): في موضع كذا يقتلهم المختار، وسيؤتي بالرأسين يوم كذا [وكذا].
فلمّا كان في ذلك اليوم أُتي بالرأسين لمّا أراد أن يقعد للأكل، وقد فرغ من صلاته، فلمّا رآهما سجد وقال: الحمد للّه الذي لم يمتني حتّي أراني، فجعل يأكل وينظر إليهما، فلمّا كان في وقت الحلواء لم يؤت بالحلواء لما كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين، فقال ندماؤه: لم نعمل اليوم حلواء، فقال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): لانريد حلواء أحلي من نظرنا إلي هذين الرأسين.
ثمّ عاد إلي قول أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال(عليه السلام): وما للكافرين والفاسقين عنداللّه أعظم وأوفي.
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام): وأمّا المطيعون لنا فسيغفر اللّه ذنوبهم فيزيدهم إحساناً إلي حسناتهم. قالوا: يا أمير المؤمنين! ومن المطيعون لكم؟
قال: الذين يوحّدون ربّهم ويصفونه بما يليق به من الصفات ويؤمنون بمحمّد نبيّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ويطيعون اللّه في إتيان فرائضه، وترك محارمه ويحيون أوقاتهم بذكره، وبالصلاة علي نبيّه محمّد، وآله [ الطيّبين ]، وينفون عن أنفسهم الشحّ والبخل فيؤدّون ما فرض عليهم من الزكاة، ولا يمنعونها.
( التفسير: 544، ح 325.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 595. )

27 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) ... .
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام): هذا في عبّاد الأصنام، وفي النصاب لأهل بيت محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) نبيّ اللّه، هم أتباع إبليس، وعتاة مردته، سوف يصيرون إلي الهاوية.
( التفسير: 583، ح 346.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 604. )

28 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ في صفة الكاتمين لفضلنا أهل البيت: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَبِ ) المشتمل علي ذكر فضل محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) علي جميع النبيّين وفضل عليّ(عليه السلام) علي جميع الوصيّين....
قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) هذه أحوال من كتم فضائلنا، وجحد حقوقنا، وسمّي بأسمائنا، ولقّب بألقابنا، وأعان ظالمنا علي غصب حقوقنا، ومالأ علينا أعداءنا، والتقيّة [عليكم ] لا تزعجه والمخافة علي نفسه وماله وحاله لاتبعثه، فاتّقوا اللّه، معاشر شيعتنا! لا تستعملوا الهُوَينا، ولا تقيّة عليكم، ولا تستعملوا المهاجرة، والتقيّة تمنعكم، وسأُحدّثكم في ذلك بما يردعكم ويعظكم، دخل علي أمير المؤمنين(عليه السلام) رجلان من أصحابه فوطي أحدهما علي حيّة فلدغته، ووقع علي الآخر في طريقه من حائط عقرب فلسعته، وسقطا جميعاً، فكأنّهما لما بهما يتضرّعان ويبكيان، فقيل لأمير المؤمنين(عليه السلام). فقال: دعوهما فإنّه لم يحن حينهما، ولم تتمّ محنتهما، فحملا إلي منزليهما فبقيا عليلين أليمين في عذاب شديد شهرين.
ثمّ إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) بعث إليهما فحملا إليه، والناس يقولون: سيموتان علي أيدي الحاملين لهما، فقال لهما: كيف حالكما؟
قالا: نحن بألم عظيم، وفي عذاب شديد.
قال لهما: استغفرا اللّه من [ كلّ ] ذنب! أدّاكما إلي هذا، وتعوّذا باللّه ممّا يحبط أجركما، ويعظّم وزركما.
قالا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين!؟
فقال [عليّ ](عليه السلام): ما أصيب واحد منكما إلّا بذنبه أمّا أنت يا فلان! - وأقبل علي أحدهما - فتذكر يوم غمز علي سلمان الفارسيّ - رحمه اللّه - فلان، وطعن أما إنّ عليه لموالاته لنا فلم يمنعك من الردّ والاستخفاف به خوفاً علي نفسك ولاعلي أهلك ولا علي ولدك ومالك أكثر من أنّك استحييته، فلذلك أصابك،فإن أردت أن يزيل اللّه مابك، فاعتقد أن لا تري مزرئاً علي وليّ لنا تقدر علي نصرته بظهر الغيب إلّا نصرته إلّا أن تخاف علي نفسك أو أهلك أو ولدك أو مالك.
وقال للآخر: فأنت أفتدري لما أصابك ما أصابك؟
قال: لا، قال: أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي، وأنت بحضرة فلان العاتي فقمت إجلالاً له لإجلالك لي، فقال لك: وتقوم لهذا بحضرتي! فقلت له: ومابالي لاأقوم، وملائكة اللّه تضع له أجنحتها في طريقه فعليها يمشي.
فلمّا قلت هذا له قام إلي قنبر، وضربه وشتمه وآذاه وتهدّده وتهدّدني، وألزمني الأغضاء علي قذي، فلهذا سقطت عليك هذه الحيّة.
فإن أردت أن يعافيك اللّه تعالي من هذا فاعتقد أن لا تفعل بنا ولابأحد من موالينا بحضرة أعدائنا ما يخاف علينا وعليهم منه.
رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان مع تفضيله لي لم يكن يقوم لي عن مجلسه إذا حضرته كما [ كان ] يفعله ببعض من لا يعشر معشار جزء من مائة ألف جزء من إيجابه لي، لأنّه علم أنّ ذلك يحمل بعض أعداء اللّه علي ما يغمّه ويغمّني ويغمّ المؤمنين، وقد كان يقوم لقوم لا يخاف علي نفسه ولا عليهم مثل ما خاف عليّ لو فعل ذلك بي.
( التفسير: 587، ح 352.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 606. )

29 - الشيخ الصدوق(ره): [قال(عليه السلام):] قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام):
( تقدّم سند الحديث مع ترجمة الحسن بن عليّ الناصر في (ما رواه عن الإمام الحسين 7)، رقم 980. )
لمّا اشتدّ الأمر بالحسين بن عليّ بن أبي طالب(عليهما السلام)، نظر إليه من كان معه، فإذا هو بخلافهم، لأنّهم كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم، وارتعدت فرائصهم، ووجبت قلوبهم، وكان الحسين(عليه السلام) وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا، لا يبالي بالموت.
فقال لهم الحسين(عليه السلام): صبراً بني الكرام! فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلي الجنان الواسعة، والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلي قصر؟ وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلي سجن وعذاب.
إنّ أبي حدّثني، عن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلي جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلي جحيمهم، ما كَذبت ولاكُذّبت.
( معاني الأخبار: 288، س 19، ضمن ح 3. عنه البحار: 154/6، س 12، ضمن ح 9، و297/44، ح 2. )
30 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): وبالإسناد المقدّم ذكره عن ( تقدّم الإسناد في ج 3، رقم 375. )
أبي محمّد العسكريّ، عن عليّ بن الحسين زين العابدين(عليهم السلام) أنّه قال: كان أميرالمؤمنين(عليه السلام) قاعداً ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيّين المدّعين للفلسفة والطبّ، فقال له: يا أبا الحسن! بلغني خبر صاحبك، وأنّ به جنوناً وجئت لأعالجه فلحقته قد مضي لسبيله وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي: إنّك ابن عمّه وصهره، وأري بك صفاراً قد علاك، وساقين دقيقين، ولما أراهما تقلّانك، فأمّا الصفار فعندي دواؤه، وأمّا الساقان الدقيقان فلاحيلة لي لتغليظهما.
والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلّله ولا تكثره، وفيما تحمله علي ظهرك، وتحتضنه بصدرك أن تقلّلهما ولا تكثرهما فإنّ ساقيك دقيقان لايؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما.
وأمّا الصفار فدواؤه عندي وهو هذا - وأخرج دوائاً - وقال: هذا لايؤذيك ولايخيسك، ولكنّه يلزمك حميّة من اللحم أربعين صباحاً، ثمّ يزيل صفارك.
( خاست الثمرة: إذا تغيّرت وفسدت. مجمع البحرين: 68/4، (خيس).)
فقال له عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري، فهل تعرف شيئاً يزيد فيه، ويضرّه؟
فقال الرجل: بلي! حبّة من هذا - وأشار إلي دواء معه - وقال: إن تناوله إنسان، وبه صفار أماته من ساعته، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتّي يموت في يومه.
فقال عليّ(عليه السلام): فأرني هذا الضارّ، فأعطاه إيّاه.
فقال له: كم قدر هذا؟
قال: قدر مثقالين سمّ ناقع، قدر كلّ حبّة منه يقتل رجلاً.
فتناوله عليّ(عليه السلام) فقمحه وعرق عرقاً خفيفاً، وجعل الرجل يرتعد، ويقول في نفسه: الآن أؤخذ بابن أبي طالب، ويقال لي: قتلته، ولا يقبل منّي قولي: إنّه هو الجاني علي نفسه.
فتبسّم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وقال: يا عبد اللّه! أصحّ ما كنت بدناً الآن لم يضرّني مازعمت أنّه سمّ.
ثمّ قال: فغمّض عينيك، فغمّض، ثمّ قال: افتح عينيك! ففتح، ونظر إلي وجه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة، فارتعد الرجل لما رآه، وتبسّم عليّ(عليه السلام)، وقال: أين الصفار الذي زعمت أنّه بي؟
فقال: واللّه! لكأنّك لست من رأيت، قبل كنت مصفرّاً، فأنت الآن مورّد.
فقال عليّ(عليه السلام): فزال عنّي الصفار الذي تزعم أنّه قاتلي.
وأمّا ساقاي هاتان، ومدّ رجليه وكشف عن ساقيه، فإنّك زعمت أنّي أحتاج إلي أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلّا ينقصف الساقان، وأناأريك أنّ طبّ اللّه عزّ وجلّ علي خلاف طبّك، وضرب بيده إلي أسطوانة خشب عظيمةعلي رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، وفوقه حجرتان إحديهما فوق الأخري وحرّكها فاحتملها، فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي علي اليونانيّ.
فقال عليّ(عليه السلام): صبّوا عليه ماء، فصبّوا عليه ماء فأفاق، وهو يقول: واللّه، مارأيت كاليوم عجباً.
فقال له عليّ(عليه السلام): هذه قوّة الساقين الدقيقين واحتمالهما، أفي طبّك هذا يايونانيّ!؟ فقال اليوناني: أمثلك كان محمّداً؟
فقال عليّ(عليه السلام): وهل علمي إلّا من علمه، وعقلي إلّا من عقله، وقوّتي إلّا من قوّته، ولقد أتاه ثقفيّ وكان أطبّ العرب.
فقال له: إن كان بك جنون داويتك؟
فقال له محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أتحبّ أن أريك آية تعلم بها غناي من طبّك وحاجتك إلي طبّي؟ قال: نعم، قال: أيّ آية تريد؟
قال: تدعو ذلك العذق - وأشار إلي نخلة سحوق - فدعاه، فانقلع أصلها من الأرض، وهي تخدّ الأرض خدّاً حتّي وقفت بين يديه. فقال له: أكفاك؟
قال: لا، قال: فتريد ماذا؟
قال: تأمرها أن ترجع إلي حيث جائت منه، وتستقرّ في مقرّها الذي انقلعت منه، فأمرها، فرجعت، واستقرّت في مقرّها.
فقال اليونانيّ لأمير المؤمنين(عليه السلام): هذا الذي تذكره عن محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) غائب عنّي، وأنا أقتصر منك علي أقلّ من ذلك أنا أتباعد عنك فادعني، وأنا لا أختار الإجابة، فإن جئت بي إليك فهي آية.
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): إنّما يكون آية لك وحدك لأنّك تعلم من نفسك أنّك لم تردّه، وأنّي أزلت اختيارك من غير أن باشرت منّي شيئاً، أو ممّن أمرته بأن يباشرك، أو ممّن قصد إلي اختيارك، وإن لم آمره إلّا ما يكون من قدرة اللّه القاهرة، وأنت يا يونانيّ! يمكنك أن تدّعي ويمكن غيرك أن يقول: إنّي واطأتك علي ذلك، فاقترح إن كنت مقترحاً ما هو آية لجميع العالمين.
قال له اليونانيّ: إن جعلت الاقتراح إليّ فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرّقها وتباعد ما بينها تجمعها، وتعيدها كما كانت؟
فقال عليّ(عليه السلام): هذه آية وأنت رسولي إليها - يعني إلي النخلة - فقل لها: إنّ وصيّ محمّد رسول اللّه يأمر أجزائك أن تتفرّق وتتباعد.
فذهب فقال لها ذلك، فتفاصلت وتهافتت وتنثّرت وتصاغرت أجزائها حتّي لم ير لها عين ولا أثر، حتّي كأن لم تكن هناك نخلة قطّ.
فارتعدت فرائص اليونانيّ، وقال: يا وصيّ محمّد رسول اللّه! قد أعطيتني اقتراحي الأوّل، فأعطني الآخر، فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت.
فقال: أنت رسولي إليها! فعد وقل لها: يا أجزاء النخلة! إنّ وصيّ محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يأمرك أن تجتمعي كما كنت وأن تعودي.
فنادي اليونانيّ، فقال ذلك، فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور، ثمّ جعلت تجتمع جزؤ جزؤ منها حتّي تصوّر لها القضبان والأوراق وأصول السعف وشماريخ الأعذاق.
( الشمراخ بالكسر، والشمروخ بالضمّ: العثكال، وهو ما يكون فيه الرطب، والجمع شماريخ. مجمع البحرين: 436/2، (شمرخ). )
( والعذق بالكسر: الكباسة، وهي عنقود التمر. المصدر: 212/5، (عذق). )
ثمّ تألّفت وتجمّعت واستطالت وعرضت واستقرّ أصلها في مقرّها، وتمكّن عليها ساقها، وتركّب علي الساق قضبانها، وعلي القضبان أوراقها، وفي أمكنتهاأعذاقها، وكانت في الابتداء شماريخها متجرّدة لبعدها من أوان الرطب والبسر والخلال.
فقال اليونانيّ: وأخري أحبّها أن تخرج شماريخها أخلالها، وتقلّبها من خضرة إلي صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ إناه لتأكل وتطعمني ومن حضرك منها؟
فقال عليّ(عليه السلام): أنت رسولي إليها بذلك، فمرها به.
فقال لها اليونانيّ: ما أمره أمير المؤمنين(عليه السلام)، فأخلّت وأبسرت واصفرّت واحمرّت وترطّبت، وثقلت أعذاقها برطبها.
فقال اليونانيّ: وأُخري أُحبّها تقرّب بين يدي أعذاقها، أو تطول يدي لتنالها وأحبّ شي ء إليّ أن تنزل إليّ إحديهما، وتطول يدي إلي الأخري التي هي أختها.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): مدّ اليد التي تريد أن تنالها وقل: «يا مقرّب البعيد! قرّب يدي منها».
واقبض الأخري التي تريد أن ينزل العذق إليها، وقل: «يا مسهّل العسير! سهّل لي تناول ما يبعد عنّي منها».
ففعل ذلك، وقاله، فطالت يمناه، فوصلت إلي العذق وانحطّت الأعذاق الأُخر، فسقطت علي الأرض، وقد طالت عراجينها.
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام): إنّك إن أكلت منها، ولم تؤمن بمن أظهر لك من عجائبها عجّل اللّه عزّ وجلّ إليك من العقوبة التي يبتليك بها مايعتبر به عقلاء خلقه وجهّالهم.
فقال اليونانيّ: إنّي إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد، وتناهيت في التعرّض للهلاك، أشهد أنّك من خاصّة اللّه، صادق في جميع أقاويلك عن اللّه، فأمرني بما تشاء أُطعك.
قال عليّ(عليه السلام): آمرك أن تقرّ للّه بالوحدانيّة، وتشهد له بالجود والحكمة، وتنزّهه عن العبث والفساد، وعن ظلم الإماء والعباد.
وتشهد أنّ محمّداً الذي أنا وصيّه سيّد الأنام، وأفضل رتبة في دار السلام، وتشهد أنّ عليّاً الذي أراك ما أراك وأولاك من النعم ما أولاك خير خلق اللّه بعد محمّد رسول اللّه، وأحقّ خلق اللّه بمقام محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بعده، وبالقيام بشرايعه وأحكامه، وتشهد أنّ أوليائه أولياء اللّه، وأعدائه أعداء اللّه، وأنّ المؤمنين المشاركين لك فيما كلّفتك المساعدين لك علي ما به أمرتك خير أُمّة محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وصفوة شيعة عليّ.
وآمرك أن تواسي إخوانك المطابقين لك علي تصديق محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وتصديقي والانقياد له ولي ممّا رزقك اللّه وفضّلك علي من فضّلك به منهم تسدّ فاقتهم، وتجبر كسرهم وخلّتهم، ومن كان منهم في درجتك في الإيمان ساويته من مالك بنفسك، ومن كان منهم فاضلاً عليك في دينك آثرته بما لك علي نفسك حتّي يعلم اللّه منك أنّ دينه آثر عنك من مالك، وأنّ أوليائه أكرم عليك من أهلك وعيالك.
وآمرك أن تصون دينك وعلمنا الذي أودعناك، وأسرارنا التي حمّلناك، ولاتبد علومنا لمن يقابلها بالعناد، ويقابلك من أهلها بالشتم واللعن والتناول من العرض والبدن، ولا تفش سرّنا إلي من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا ولاتعرض أوليائنا لبوادر الجهّال.
وآمرك أن تستعمل التقيّة في دينك، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (لَّايَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَل-ةً ).
( آل عمران: 28/3. )
وقد أذنت لك في تفضيل أعدائنا [علينا] ان ألجاك الخوف إليه، وفي إظهار البراءة منّا إن حملك الوجل عليه، وفي ترك الصلوات المكتوبات إن خشيت علي حشاشتك الآفات والعاهات.
فإنّ تفضيلك أعدائنا علينا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرّنا، وإنّ إظهارك برائتك منّا عند تقيّتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا.
ولأن تبرّأت منّا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها وما لها الذي به قيامها وجاهها الذي به تماسكها، وتصون من عرف بذلك، وعرفت به من أوليائنا وإخواننا وأخواتنا من بعد ذلك بشهور وسنين إلي أن يفرّج اللّه تلك الكربة، وتزول به تلك الغمّة، فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرّض للهلاك، وتنقطع به عن عمل في الدين، وصلاح إخوانك المؤمنين.
وإيّاك ثمّ إيّاك أن تترك التقيّة التي أمرتك بها، فإنّك شائط بدمك ودماء إخوانك معرض لنعمك ونعمهم للزوال، مذلّ لهم في أيدي أعداء دين اللّه، وقد أمرك اللّه بإعزازهم، فإنّك إن خالفت وصيّتي كان ضررك علي نفسك وإخوانك أشدّ من ضرر الناصب لنا الكافر بنا.
( الاحتجاج: 547/1، ح 134. عنه إثبات الهداة: 342/1، ح 354، و448/2، ح 155، و449، ح 156، قِطع منه، والبحار: 221/71، ح 1، و418/72، ح 72، قطعتان منه.
التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ 7: 170، ح 84، بتفاوت يسير. عنه البحار:158/59، ح 2، قطعة منه، ومدينة المعاجز: 352/1، ح 228، بتفاوت، وحليةالأبرار: 164/2، ح 3، قطعة منه. وعنه وعن الاحتجاج، البحار: 70/10، ح 1، أورده بتمامه، وبتفاوت، و45/42، ح 18، قطعة منه، ووسائل الشيعة: 228/16، ح 21432، قطعة منه.
المناقب لابن شهرآشوب: 301/2، س 11، قطعة منه. )