الفصل الرابع: ما رواه عن الأئمّة(عليهم السلام)
وفيه ثلاثة عشر موضوعاً

(أ) - ما رواه عن الإمام عليّ بن أبي طالب
أميرالمؤمنين(عليهما السلام)
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال [الإمام(عليه السلام)]: وإنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) قال: الرحمن هو العاطف علي خلقه بالرزق.
قال: ومن رحمته أنّه لمّا سلب الطفل قوّة النهوض والتغذّي، جعل تلك القوّة في أُمّه ورقّقها عليه لتقوم بتربيته وحضانته، فإن قسا قلب أُمّ من الأُمّهات أوجب تربية هذا الطفل [وحضانته ] علي سائر المؤمنين، ولمّا سلب بعض الحيوانات قوّة التربية لأولادها والقيام بمصالحها، جعل تلك القوّة في الأولاد لتنهض حين تولد، وتسير إلي رزقها المسبّب لها.
قال(عليه السلام) وتفسير قوله عزّ وجلّ: (الرَّحْمَنِ)، أنّ قوله: الرحمن مشتقّ من الرحمة.
سمعت رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يقول: قال اللّه عزّ وجلّ: أنا الرحمن، وهي [من ] الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته.
ثمّ قال عليّ(عليه السلام): أوتدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن، ومن قطعها قطعه الرحمن؟
فقيل: يا أمير المؤمنين! حثّ بهذا كلّ قوم علي أن يكرموا أقرباءهم ويصلواأرحامهم.
فقال لهم: أيحثّهم علي أن يصلوا أرحامهم الكافرين وأن يعظّموا من حقّره اللّه، وأوجب احتقاره من الكافرين؟
قالوا: لا! ولكنّه حثّهم علي صلة أرحامهم المؤمنين.
قال: فقال: أوجب حقوق أرحامهم لاتّصالهم بآبائهم وأُمّهاتهم؟
قلت: بلي، يا أخا رسول اللّه!
قال: فهم إذن إنّما يقضون فيهم حقوق الآباء والأُمّهات؟
قلت: بلي، يا أخا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)!
قال: فآباؤهم وأُمّهاتهم إنّما غذّوهم في الدنيا، ووقوهم مكارهها، وهي نعمة زائلة ومكروه ينقضي، ورسول ربّهم ساقهم إلي نعمةٍ دائمة لا تنقضي، ووقاهم مكروهاً مؤبّداً لا يبيد، فأيّ النعمتين أعظم؟
قلت: نعمة رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أعظم وأجلّ وأكبر.
قال: فكيف يجوز أن يحثّ علي قضاء حقّ من صغّر [ اللّه ] حقّه، ولايحثّ علي قضاء حقّ من كبّر [ اللّه ] حقّه؟ قلت: لا يجوز ذلك!
قال: فإذا حقّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أعظم من حقّ الوالدين، وحقّ رحمه أيضاً أعظم من حقّ رحمهما، فرحم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أولي بالصلة، وأعظم في القطيعة، فالويل كلّ الويل لمن قطعها، والويل كلّ الويل لمن لم يعظّم حرمتها.
أوما علمت أنّ حرمة رحم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) حرمة رسول اللّه، وأنّ حرمة رسول اللّه حرمة اللّه تعالي، وأنّ اللّه أعظم حقّاً من كلّ منعم سواه، وأنّ كلّ منعم سواه إنّما أنعم حيث قيّضه لذلك ربّه، ووفّقه له.
أما علمت ما قال اللّه تعالي، لموسي بن عمران؟
قلت: بأبي أنت وأُمّي! ما الذي قال له؟
قال(عليه السلام): قال اللّه تعالي: يا موسي! أتدري ما بلغت برحمتي إيّاك؟
فقال موسي: أنت أرحم بي من أبي وأُمّي.
قال اللّه تعالي: يا موسي! وإنّما رحمتك أُمّك لفضل رحمتي، فأنا الذي رقّقتها عليك، وطيّبت قلبها لتترك طيّب وسنها لتربيتك، ولو لم أفعل ذلك بها لكانت ( وَسِنَ وَسَناً وسِنَة: أخذ في النعاس، والسنة: النعاس وهو مبدء النوم. المعجم الوسيط: 1033، (وسن). )
هي وسائر النساء سواء.
يا موسي! أتدري أنّ عبداً من عبادي يكون له ذنوب وخطايا تبلغ أعنان السماء فأغفرها له ولا أُبالي؟
قال: يا ربّ! وكيف لا تبالي؟
قال تعالي: لخصلة شريفة تكون في عبدي أُحبّها، وهي أن يحبّ إخوانه الفقراء المؤمنين، ويتعاهدهم، ويساوي نفسه بهم، ولا يتكبّر عليهم، فإذا فعل ذلك غفرت له ذنوبه ولا أُبالي.
يا موسي! إنّ الفخر ردائي، والكبرياء إزاري، من نازعني في شي ء منهما عذّبته بناري.
يا موسي! إنّ من إعظام جلالي إكرام العبد الذي أنلته حظّاً من [حطام ] الدنيا عبداً من عبادي مؤمناً، قصرت يده في الدنيا، فإن تكبّر عليه فقد استخفّ بعظيم جلالي.
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام): إنّ الرحم التي اشتقّها اللّه عزّ وجلّ من رحمته بقوله: أنا الرحمن، هي رحم محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وإنّ من إعظام اللّه إعظام محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وإنّ من إعظام محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إعظام رحم محمّد.
وإنّ كلّ مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمّد، وإنّ إعظامهم من إعظام محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم). فالويل لمن استخفّ بشي ء من حرمة محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وطوبي لمن عظّم حرمته وأكرم رحمه ووصلها.
( التفسير: 34، ح 12. عنه البحار: 183/4، س 14، ضمن ح 10، و266/23، ح 12، قطعتان منه، و248/89، س 7، ضمن ح 48، وتأويل الآيات الظاهرة: 26، س 2، و238، س 17، قطعتان منه، ومستدرك الوسائل: 30/12، ح 13426، و377، ح 14340، قطعتان منه، والجواهر السنيّة: 58، س 21، قطعة منه. )
2 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): وأمّا قوله تعالي: (الرَّحِيمِ ) (فإنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قال): رحيم بعباده ( الفاتحة: 3/1. )
المؤمنين، ومن رحمته أنّه خلق مائة رحمة، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلّهم، فبها يتراحم الناس، وترحم الوالدة ولدها، وتحنو الأُمّهات من الحيوانات علي أولادها.
فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة [ الواحدة] إلي تسعة وتسعين رحمة، فيرحم بها أُمّة محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ثمّ يشفّعهم فيمن يحبّون له الشفاعة من أهل الملّة حتّي أنّ الواحد ليجي ء إلي مؤمن من الشيعة، فيقول: اشفع لي.
فيقول: وأيّ حقّ لك عليّ؟ فيقول: سقيتك يوماً ماءً.
فيذكر ذلك فيشفع له، فيشفّع فيه، ويجيئه آخر فيقول: إنّ لي عليك حقّاً فاشفع لي، فيقول: وما حقّك عليّ؟ فيقول: استظللت بظلّ جداري ساعة في يوم حارّ، فيشفع له، فيشفّع فيه، ولايزال يشفع حتّي يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه، فإنّ المؤمن أكرم علي اللّه ممّا تظنّون.
( التفسير: 37، ح 13. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 26، س 12، والبحار: 44/8، ح 44، و250/89، س 4، ضمن ح 48. )
3 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال [الإمام(عليه السلام)]: وقال أميرالمؤمنين(عليه السلام): (يَوْمِ الدِّينِ ) هو يوم الحساب. ( الفاتحة: 4/1.)
وقال: سمعت رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يقول: ألا أُخبركم بأكيس الكيّسين وأحمق الحمقي؟ قالوا: بلي، يا رسول اللّه! قال: أكيس الكيّسين من حاسب نفسه، وعمل لما بعد الموت، وإنّ أحمق الحمقي من اتّبع نفسه هواها، وتمنّي علي اللّه تعالي الأمانيّ. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! وكيف يحاسب الرجل نفسه؟
قال: إذا أصبح ثمّ أمسي رجع إلي نفسه، فقال: يا نفس! إنّ هذا يوم مضي عليك لا يعود إليك أبداً، واللّه تعالي يسألك عنه فيما أفنيته، فما الذي عملت فيه؟ أذكرت اللّه أم حمدتيه؟ أقضيت حوائج مؤمن؟
أنفّست عنه كربة؟ أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلّفيه؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أأعنت مسلماً؟ ما الذي صنعت فيه؟ فيذكر ما كان منه فإن ذكر أنّه جري منه خير حمد اللّه تعالي وكبّره علي توفيقه، وإن ذكر معصيةً أو تقصيراً استغفر اللّه تعالي، وعزم علي ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين، وعرض بيعة أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) علي نفسه، وقبوله لها، وإعادة لعن أعدائه وشانئيه ودافعيه عن حقّه.
فإذا فعل ذلك قال اللّه عزّ وجلّ: لست أُناقشك في شي ء من الذنوب مع موالاتك أوليائي ومعاداتك أعدائي.
( التفسير: 38، ح 14. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 27، س 17، قطعة منه، والبحار: 69/67، ح 16، قطعة منه، بتفاوت، و250/89، س 18، ضمن ح 14، ووسائل الشيعة: 98/16، ح 21081، قطعة منه. )
4 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال: سئل أميرالمؤمنين(عليه السلام) من العظيم الشقاء؟ قال: رجل ترك الدنيا للدنيا ففاتته الدنيا وخسر الآخرة، ورجل تعبّد واجتهد وصام رئاء الناس، فذاك الذي حرّم لذّات الدنيا، ولحقه التعب الذي لوكان به مخلصاً لاستحقّ ثوابه، فورد الآخرة وهو يظنّ أنّه قد عمل ما يثقل به ميزانه فيجده هباءاً منثوراً.
قيل: فمن أعظم الناس حسرة؟ قال: من رأي ماله في ميزان غيره، وأدخله اللّه به النار وأدخل وارثه به الجنّة.
قيل: فكيف يكون هذا؟ قال: كما حدّثني بعض إخواننا عن رجل دخل إليه، وهو يسوق فقال له: ياأبافلان! ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق ما أدّيت منها زكاة قطّ ولاوصلت منها رحماً قطّ؟
قال: فقلت: فعلام جمعتها؟ قال: لجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة، وتخوّف الفقر علي العيال، و لروعة الزمان، قال: ثمّ لم يخرج من عنده حتّي فاضت نفسه.
ثمّ قال عليّ(عليه السلام): الحمد للّه الذي أخرجه منها ملوماً [مليماً] بباطل جمعها ومن حقّ منعها جمعها فأوعاها وشدّها فأوكاها، قطع فيها المفاوز القفار، ولجج البحار، أيّها الواقف لا تخدع كما خدع صويحبك بالأمس، إنّ [من ] أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من رأي ماله في ميزان غيره أدخل اللّه عزّ وجلّ هذا به الجنّة وأدخل هذا به النار.
( التفسير: 39، ح 16. عنه البحار: 142/70، ح 21، و251/89، س 15، ضمن ح 48، قطعتان منه، وتنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 414، س 13، ومستدرك الوسائل: 272/15، ح 18219، قطعة منه.
عدّة الداعي: 103، س 10، مرسلاً، وبتفاوت. )

5 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): أمر اللّه عزّ وجلّ عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم، وهم النبيّون والصدّيقون والشهداء والصالحون وأن يستعيذوا به من طريق المغضوب عليهم، وهم اليهود الذين قال اللّه تعالي فيهم: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ) وأن يستعيذوا ( المائدة: 60/5. )
به من طريق الضالّين، وهم الذين قال اللّه تعالي فيهم: (قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لَاتَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ ّ وَلَاتَتَّبِعُواْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ ) وهم النصاري.
( المائدة: 77/5. )
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام): كلّ من كفر باللّه فهو مغضوب عليه، وضالّ عن سبيل اللّه عزّ وجلّ ....
( التفسير: 50، ح 23.
يأتي الحديث بتمامه في ج 5، رقم 1080. )

6 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام أبومحمّد الحسن(عليه السلام): قال أمير المؤمنين(عليه السلام): فاتحة الكتاب هذه أعطاها اللّه محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وأُمّته، بدأ فيها بالحمد للّه والثناء عليه، ثمّ ثنّي بالدعاء للّه عزّوجلّ، ولقد سمعت رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يقول: قال اللّه عزّ وجلّ: قسّمت الحمد بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل.
إذا قال العبد: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) قال اللّه عزّ وجلّ: بدأ عبدي باسمي، حقّ عليّ أن أُتمّ'[م ] له أُموره وأُبارك له في أحواله.
فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ ّ الْعَلَمِينَ ) قال اللّه عزّ وجلّ: حمدني عبدي، وعلم أنّ النعم التي له من عندي، وأنّ البلايا التي اندفعت عنه فبتطوّلي، أُشهدكم ياملائكتي! أنّي أضيف له نعيم الدنيا إلي نعيم الآخرة، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا.
فإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) قال اللّه عزّ وجلّ: شهد لي عبدي بأنّي الرحمن الرحيم، أشهدكم لأُوفّرنّ من رحمتي حظّه، ولأجزلنّ من عطائي نصيبه.
فإذا قال: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قال اللّه تعالي: أشهدكم كما اعترف بأنّي أنا المالك [ ل']يوم الدين لأسهلنّ يوم الحساب عليه حسابه، ولأتقبّلنّ حسناته، ولأتجاوزنّ عن سيّئاته.
فإذا قال العبد: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) قال اللّه تعالي: صدق عبدي إيّاي يعبد، أُشهدكم لأُثيبنّه علي عبادته ثواباً يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي.
فإذا قال: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) قال اللّه عزّ وجلّ: بي استعان عبدي وإليّ التجأ، أُشهدكم لأُعيننّه [علي أمره، ولأُغيثنّه ] علي أمره، ولأُغيثنّه في شدائده، ولآخذنّ بيده يوم نوائبه، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ ) إلي آخرها، قال اللّه عزّ وجلّ: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل [و]قد استجبت لعبدي، وأعطيته ما أمّل، وأمنته ممّا منه وجل.
قيل: يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أهي من فاتحة الكتاب؟
فقال: نعم! كان رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يقرؤها، ويعدّها آية منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني، فضّلت ب'(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) وهي الآية السابعة منها.
( التفسير: 58، ح 30. عنه مستدرك الوسائل: 228/4، ح 4562، بتفاوت يسير، والبحار: 227/89، ح 4، قطعة منه.
عيون أخبار الرضا7: 300/1، ح 59، بتفاوت، مسنداً. عنه نور الثقلين: 4/1، ح 9.
وعنه وعن التفسير، البحار: 59/82، ح 47، بتفاوت يسير، ووسائل الشيعة: 59/6 ح 7345، قطعة منه.
أمالي الصدوق: 147، ح 1، بتفاوت يسير. عنه وعن التفسير، والعيون، البحار: 226/89، ح 3، ومستدرك الوسائل: 327/4 ح 4799، بتفاوت يسير.
الجواهر السنيّة: 109، س 6، قطعة منه. )

7 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وسئل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن النفقة في الجهاد10 ئل أمير المؤمنين عن النفقة في الجهاد.... الإمام العسكريّ ، 4 إذا لزم أو استحبّ؟
فقال: أمّا إذا لزم الجهاد بأن لا يكون بإزاء الكافرين من ينوب عن سائر المسلمين، فالنفقة هناك الدرهم بسبعمائة ألف.
فأمّا المستحبّ الذي هو قصد[ه ] الرجل، وقد ناب عنه من سبقه واستغني عنه، فالدرهم بسبعمائة حسنة، كلّ حسنة خير من الدنيا، ومافيها مائة ألف مرّة، وأمّا القرض، فقرض درهم كصدقة درهمين، سمعته من رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) فقال: هو الصدقة علي الأغنياء.
( التفسير: 80، ح 41. عنه مستدرك الوسائل: 20/11، ح 1230، و364/12، ح 14312، وح 14313، قطعتان منه، والبحار: 57/97، ح 1، و140/100، ح 13، قطعتان منه. )
8 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال: وجاء رجل إلي أميرالمؤمنين(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين! إنّ بلالاً كان يناظر اليوم فلاناً، فجعل [بلال ] يلحن في كلامه، وفلان يعرب ويضحك من بلال.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): يا عبد اللّه! إنّما يراد إعراب الكلام وتقويمه لتقويم الأعمال وتهذيبها، ماذا ينفع فلاناً إعرابه وتقويمه لكلامه إذا كانت أفعاله ملحونة أقبح لحن، وما يضرّ بلالاً لحنه في كلامه إذا كانت أفعاله مقوّمة أحسن تقويم، مهذّبة أحسن تهذيب.
قال الرجل: يا أمير المؤمين! وكيف ذاك؟
قال: حسب (بلال) من التقويم لأفعاله والتهذيب لها أنّه لا يري أحداً نظيراً لمحمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ثمّ لا يري أحداً بعده نظيراً لعليّ بن أبي طالب، وأنّه يري أنّ كلّ من عاند عليّاً فقد عاند اللّه ورسوله، ومن أطاعه فقد أطاع اللّه ورسوله.
وحسب فلان من الإعوجاج واللحن في أفعاله التي لا ينتفع معها بإعرابه لكلامه بالعربيّة، وتقويمه للسانه أن يقدّم الأعجاز علي الصدور، والأستاه علي الوجوه، وأن يفضّل الخلّ في الحلاوة علي العسل، والحنظل في الطيب، والعذوبة علي اللبن.
يقدم علي وليّ اللّه عدوّ اللّه الذي لا يناسبه في شي ء من الخصال فضله، هل هو إلّا كمن قدّم مسيلمة علي محمّد في النبوّة والفضل، ماهو إلّا من الذين قال اللّه تعالي: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَلاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَوةِالدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (هل هو إلّا من ( الكهف: 103/18، و104. )
إخوان) أهل حروراً.
( التفسير: 90، ح 50. عنه تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 420، س 23، قطعة منه، بتفاوت.
المناقب لابن شهرآشوب: 183/3، س 23، عن تفسير القشيريّ، بتفاوت.
عنه البحار: 326/33، ضمن ح 573. )

9 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في قول اللّه عزّ وجلّ: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَشًا )، إنّ اللّه تعالي لمّا خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن ( البقرة: 22/2.)
يخلق السماوات والأرض، وذلك قوله عزّ وجلّ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ و عَلَي الْمَآءِ ) [ يعني وكان عرشه علي ( هود: 7/11. )
الماء] قبل أن يخلق السماوات والأرض.
[قال:] فأرسل الرياح علي الماء، فبخّر الماء من أمواجه، وارتفع عنه الدخان وعلا فوقه الزبد، فخلق من دخانه السماوات السبع، وخلق من زبده الأرضين [السبع ]، فبسط الأرض علي الماء، وجعل الماء علي الصفا، والصفا علي الحوت، والحوت علي الثور، والثور علي الصخرة التي ذكرها لقمان لإبنه [فقال:] (يَبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ).
( لقمان: 16/31. )
والصخرة علي الثري، ولا يعلم ما تحت الثري إلّا اللّه.
فلمّا خلق اللّه تعالي الأرض دحاها من تحت الكعبة ثمّ بسطها علي الماء فأحاطت بكلّ شي ء، ففخرت الأرض وقالت: أحطت بكلّ شي ء فمن يغلبني؟! وكان في كلّ أُذن من آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرونة الطرف بالعرش، فأمر اللّه الحوت، فتحرّك فتكفّأت الأرض بأهلها كما تتكفّأ السفينة علي وجه الماء، [و] قد اشتدّت أمواجه ولم تستطع الأرض الامتناع، ففخر الحوت وقال: غلبت الأرض التي أحاطت بكلّ شي ء فمن يغلبني؟!
فخلق اللّه عزّ وجلّ الجبال فأرساها وثقّل الأرض بها، فلم يستطع الحوت أن يتحرّك، ففخرت الجبال وقالت: غلبت الحوت الذي غلب الأرض فمن يغلبني؟!
فخلق اللّه عزّ وجلّ الحديد فقطعت به الجبال، ولم يكن عندها دفاع ولاامتناع، ففخر الحديد وقال: غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني؟!
فخلق اللّه عزّ وجلّ النار، فألانت الحديد وفرّقت أجزاءه ولم يكن عند الحديد دفاع ولا امتناع، ففخرت النار وقالت: غلبت الحديد الذي غلب الجبال فمن يغلبني؟!
فخلق اللّه عزّ وجلّ الماء فأطفأ النار ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع، ففخر الماء وقال: غلبت النار التي غلبت الحديد فمن يغلبني؟!
فخلق اللّه عزّ وجلّ الريح، فأيبست الماء، ففخرت الريح، وقالت: غلبت الماء الذي غلب النار فمن يغلبني؟!
فخلق اللّه عزّ وجلّ الإنسان، فصرف الريح عن مجاريها بالبنيان، [ففخر الإنسان ] وقال: غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني؟!
فخلق اللّه عزّ وجلّ ملك الموت، فأمات الإنسان، ففخر ملك الموت وقال: غلبت الإنسان الذي غلب الريح فمن يغلبني؟!
فقال اللّه عزّ وجلّ: أنا القهّار الغلّاب الوهّاب، أغلبك وأغلب كلّ شي ء، فذلك قوله تعالي: (إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ و ).
( هود: 123/11. )
قال: فقيل: يا رسول اللّه! ما أعجب هذه السمكة، وأعظم قوّتها، لمّا تحرّكت حركت الأرض بما عليها حتّي لم تستطع الامتناع.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أولا أُنبّئكم بأقوي منها وأعظم وأرحب؟
قالوا: بلي، يا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)!
قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا خلق العرش، خلق له ثلاثمائة وستّين ألف ركن، وخلق عند كلّ ركن ثلاثمائة وستّين ألف ملك، لو أذن اللّه تعالي لأصغرهم [ف'] التقم السماوات السبع والأرضين السبع، ما كان ذلك بين لهواته إلّا كالرملة في المفازة الفضفاضة.
( الفضفاض: الواسع من ثوب أو عيس، وأرض فضفاض: علاها الماء من كثرة المطر.
المنجد: 586، (فضفض). )

فقال اللّه تعالي [ لهم ]: يا عبادي! احملوا عرشي هذا فتعاطوه، فلم يطيقوا حمله ولا تحريكه.
فخلق اللّه تعالي: مع كلّ واحد منهم واحداً فلم يقدروا أن يزعزعوه.
( الزعزعة: تحريك الشي ء، وتزعزع: حرّكه ليقلعه. لسان العرب: 141/8، (زعع). )
فخلق اللّه مع كلّ واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحرّكوه.
فخلق [ اللّه تعالي ] بعدد كلّ واحد منهم مثل جماعتهم، فلم يقدروا أن يحرّكوه، فقال اللّه عزّ وجلّ لجميعهم: خلّوه عليّ أُمسكه بقدرتي، فخلّوه، فأمسكه اللّه عزّ وجلّ بقدرته.
ثمّ قال لثمانية منهم: احملوه أنتم، فقالوا: [ يا] ربّنا! لم نطقه نحن وهذا الخلق الكثير والجمّ الغفير، فكيف نطيقه الآن دونهم؟!
فقال اللّه عزّ وجلّ: إنّي أنا اللّه المقرّب للبعيد، والمذلّل للعنيد، والمخفّف للشديد، والمسهّل للعسير، أفعل ما أشاء وأحكم [ب'] ما أريد، أعلّمكم كلمات تقولونها يخفّف بها عليكم، قالوا: وما هي يا ربّنا!؟
قال: تقولون: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، وصلّي اللّه علي محمّد وآله الطيّبين»، فقالوها، فحملوه وخفّ علي كواهلهم كشعرة نابتة علي كاهل رجل جلد قويّ.
فقال اللّه عزّ وجلّ لسائر تلك الأملاك: خلّوا علي [ كواهل ] هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه، وطوفوا أنتم حوله، وسبّحوني ومجدّوني وقدّسوني، فإنّي أنااللّه القادر علي ما رأيتم و[ أنا] علي كلّ شي ء قدير.
فقال أصحاب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ما أعجب أمر هؤلاء الملائكة حملة العرش في قوّتهم وعظم خلقهم!
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هؤلاء مع قوّتهم لا يطيقون حمل صحائف تكتب فيها حسنات رجل من أُمّتي.
قالوا: ومن هو يا رسول اللّه! لنحبّه ونعظّمه ونتقرّب إلي اللّه بموالاته؟
قال: ذلك الرجل، رجل كان قاعداً مع أصحاب له فمرّ به رجل من أهل بيتي مغطّي الرأس [ف']لم يعرفه.
فلمّا جاوزه التفت خلفه فعرفه، فوثب إليه قائماً حافياً حاسراً، وأخذ بيده فقبّلها، وقبّل رأسه وصدره وما بين عينيه، وقال: بأبي أنت وأُمّي ياشقيق رسول اللّه! لحمك لحمه، ودمك دمه، وعلمك من علمه، وحلمك من حلمه، وعقلك من عقله، أسأل اللّه أن يسعدني بمحبّتكم أهل البيت.
فأوجب اللّه [ له ] بهذا الفعل، وهذا القول من الثواب ما لو كتب تفصيله في صحائفه لم يطق حملها جميع هؤلاء الملائكة الطائفين بالعرش والأملاك الحاملين له، فقال له أصحابه لمّا رجع إليهم: أنت في جلالتك وموضعك من الإسلام ومحلّك عند رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، تفعل بهذا ما نري!
فقال لهم: أيّها الجاهلون! وهل يثاب في الإسلام إلّا بحبّ محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وحبّ هذا؟! فأوجب اللّه [ له ] بهذا القول مثل ما كان أوجب له بذلك الفعل والقول أيضاً.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ولقد صدق في مقاله، لأنّ رجلاً لو عمّره اللّه عزّوجلّ مثل عمر الدنيا مائة ألف مرّة، ورزقه مثل أموالها مائة ألف مرّة، فأنفق أمواله كلّها في سبيل اللّه، وأفني عمره صائم نهاره قائم ليله، لا يفتر شيئاً [منه ] ولا يسأم، ثمّ لقي اللّه تعالي منطوياً علي بغض محمّد أو بغض ذلك الرجل الذي قام إليه هذا الرجل مكرماً إلّا أكبّه اللّه علي منخريه في نار جهنّم ولردّ اللّه عزّوجلّ أعماله عليه وأحبطها.
[قال:] فقالوا: ومن هذان الرجلان يا رسول اللّه!؟
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أمّا الفاعل ما فعل بذلك المقبل المغطّي رأسه، فهو هذا- فتبادر القوم إليه ينظرونه فإذا هو سعد بن معاذ الأوسيّ الأنصاريّ -. وأمّاالمقول له هذا القول، فهذا الآخر المقبل المغطّي رأسه، فنظروا فإذا هو عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
ثمّ قال: ما أكثر من يسعد بحبّ هذين، وما أكثر من يشقي ممّن يحلّ حبّ أحدهما وبغض الآخر، إنّهما جميعاً يكونان خصماً له، ومن كانا له خصماً، كان محمّد له خصماً، ومن كان محمّد له خصماً، كان اللّه له خصماً، [و] فلج عليه وأوجب (اللّه عليه عذابه).
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عباد اللّه! إنّما يعرف الفضل أهل الفضل.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): (لسعد أبشر) فإنّ اللّه يختم لك بالشهادة ويهلك بك أُمّة من الكفرة ويهتزّ (عرش الرحمن) لموتك، ويدخل بشفاعتك الجنّة مثل عدد [شعور] الحيوانات كلّها.
قال: فذلك قوله تعالي: (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَشًا ) تفترشونها لمنامكم ومقيلكم، (وَالسَّمَآءَ بِنَآءً ) سقفاً محفوظاً أن تقع علي الأرض بقدرته، تجري فيها شمسها وقمرها وكواكبها مسخّرة لمنافع عباده وإمائه.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع علي الأرض، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يحفظ ما هو أعظم من ذلك، قالوا: وما هو؟
قال: أعظم من ذلك ثواب طاعات المحبّين لمحمّد وآله.
ثمّ قال: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً ) يعني المطر ينزل مع كلّ قطرة ملك يضعها في موضعها الذي يأمره به ربّه عزّ وجلّ. فعجبوا من ذلك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أوتستكثرون عدد هؤلاء؟!
[ إنّ عدد الملائكة المستغفرين لمحبّي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أكثر من عدد هؤلاء] وإنّ عدد الملائكة اللاعنين لمبغضيه أكثر من عدد هؤلاء.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (فَأَخْرَجَ بِهِ ي مِنَ الثَّمَرَتِ رِزْقًا لَّكُمْ ) ألا ترون ( البقرة: 22/2. )
كثرة [عدد] هذه الأوراق والحبوب والحشائش؟
قالوا: بلي، يا رسول اللّه، ما أكثر عددها؟!
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أكثر عدداً منها ملائكة يبتذلون لآل محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في خدمتهم، أتدرون فيما يبتذلون لهم؟
[يبتذلون ] في حمل أطباق النور عليها التحف من عند ربّهم فوقها مناديل النور، [و] يخدمونهم في حمل ما يحمل آل محمّد منها إلي شيعتهم ومحبّيهم، وأنّ طبقاً من تلك الأطباق يشتمل من الخيرات علي ما لا يفي بأقلّ جزء منه جميع أموال الدنيا.
( التفسير: 144، ح 73 - 76. عنه البحار: 97/27، ح 60، و87/54، ح 73، و33/55، ح 53، و379/56، ح 18، و191/90، ح 32، قِطع منه، وتأويل الآيات الظاهرة: 44، س 15، و453، س 11، و17، قِطع منه. )
10 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): تواطأت اليهود علي قتله [أي محمّد رسول اللّه 1أ محمّد رسول اللّه، 4(صلي اللّه عليه و ال وسلم)] في طريقه علي جبل حراء وهم سبعون رجلاً، فعمدوا إلي سيوفهم فسمّوها، ثمّ قعدوا له ذات [ يوم ] غلس في طريقه علي ( في الحديث: كان النبيّ 6 يغلس بالفجر، إذا اختلط بضوء الصباح، يقال: غلس بالصلاة يريد: صلاّها بالغَلَس، والغَلَس بالتحريك: الظلمة آخر الليل. مجمع البحرين: 90/4، (غلس). )
جبل حراء، فلمّا صعده صعدوا إليه وسلّوا سيوفهم، وهم سبعون رجلاً من أشدّ اليهود وأجلدهم، وذوي النجدة منهم.
فلمّا أهووا بها إليه ليضربوه بها، التقي طرفا الجبل بينهم وبينه فانضمّا وصار ذلك حائلاً بينهم وبين محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وانقطع طمعهم عن الوصول إليه بسيوفهم فغمدوها، فانفرج الطرفان بعد ما كانا انضمّا، فسلّوا بعد سيوفهم وقصدوه، فلمّا همّوا بإرسالها عليه انضمّ طرفا الجبل وحيل بينهم وبينه فغمدوها، ثمّ ينفرجان فيسلّونها إلي أن بلغ إلي ذروة الجبل.
وكان ذلك سبعاً وأربعين مرّة، فصعدوا الجبل وداروا خلفه ليقصدوه بالقتل، فطال عليهم الطريق، ومدّ اللّه عزّ وجلّ الجبل فأبطأوا عنه حتّي فرغ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من ذكره وثنائه علي ربّه واعتباره بعبره.
ثمّ انحدر عن الجبل فانحدروا خلفه، ولحقوه وسلّوا سيوفهم عليه ليضربوه بها، فانضمّ طرفا الجبل وحال بينهم وبينه فغمدوها، ثمّ انفرج فسلّوها، ثمّ انضمّ فغمدوها، وكان ذلك سبعاً وأربعين مرّة، كلّما انفرج سلّوها فإذا انضمّ غمدوها.
فلمّا كان في آخر مرّة وقد قارب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) القرار سلّوا سيوفهم عليه، فانضمّ طرفا الجبل وضغطهم [ الجبل ] ورضّضهم، ومازال يضغطهم حتّي ( الضغطة بالضمّ: الشدّة والمشقّة، في الحديث: قلّ من يسلم من ضغطة القبر: [بالفتح ] أي من عصرته وشدّته. المصدر: 260/4، (ضغط). )
( الرضّ: الدقّ الجريش: المصدر: 206، (رضص).)
ماتوا أجمعين.
ثمّ نودي: يا محمّد! انظر خلفك إلي بغاتك بالسوء ماذا صنع بهم ربّهم.
فنظر فإذا طرفا الجبل ممّا يليه منضّمان، فلمّا [نظر] انفرج الطرفان [و] سقط أولئك القوم، وسيوفهم بأيديهم، وقد هشّمت وجوههم وظهورهم وجنوبهم وأفخاذهم وسوقهم وأرجلهم وخرّوا موتي، تشخب أوداجهم دماً.
وخرج رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من ذلك الموضع سالماً مكفيّاً مصوناً محفوظاً، تناديه الجبال وما عليها من الأحجار والأشجار: هنيئاً لك يا محمّد نصرة اللّه عزّوجلّ لك علي أعدائك بنا.
وسينصرك [ اللّه ] إذا ظهر أمرك علي جبابرة أُمّتك وعتاتهم بعليّ بن أبي طالب وتسديده لإظهار دينك وإعزازه وإكرام أوليائك وقمع أعدائك [و] سيجعله تاليك وثانيك ونفسك التي بين جنبيك وسمعك الذي به تسمع، وبصرك الذي به تبصر، ويدك التي بها تبطش، ورجلك التي عليها تعتمد، وسيقضي عنك ديونك، ويفي عنك عداتك، وسيكون جمال أُمّتك وزين أهل ملّتك، وسيسعد ربّك عزّ وجلّ به محبّيه، ويهلك به شانئيه.
( التفسير: 161، ح 80. عنه البحار: 313/17، س 6، ضمن ح 14، بتفاوت يسير، ومدينة المعاجز: 297/1، ح 184. )
11 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): يا معشر شيعتنا! اتّقوا اللّه، واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطباً، وإن لم كونوا باللّه كافرين، فتوقّوها بتوقّي ظلم ( أي (النار التي وقودها الناس والحجارة)، البقرة: 24/2. )
إخوانكم المؤمنين.
فإنّه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلّا ثقّل اللّه في تلك النار سلاسله وأغلاله، ولم يفكّه منها إلّا شفاعتنا، ولن نشفع إلي اللّه تعالي إلّا بعد أن نشفع له إلي أخيه المؤمن فإن عفا عنه شفعنا [ له ]، وإلّا طال في النارمكثه.
( التفسير: 204، ح 93. عنه البحار: 315/72، ح 39، بتفاوت، والبرهان: 69/1، س 29، ضمن ح 2، ومستدرك الوسائل: 101/12، ح 13630، بتفاوت يسير. )
12 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقيل لأميرالمؤمنين، و[ إمام المتّقين، ويعسوب الدين، وقائد الغرّ المحجّلين، ووصّي رسول ربّ العالمين: إنّ ] فلاناً مسرف علي نفسه بالذنوب الموبقات، وهو مع ذلك من شيعتكم؟!
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قد كتبت عليك كذبة أو كذبتان إن كان مسرفاً بالذنوب علي نفسه يحبّنا ويبغض أعداءنا فهو كذبة واحدة هو من محبّينا لامن شيعتنا، وإن كان يوالي أولياءنا ويعادي أعداءنا وليس [هو] بمسرف علي نفسه [في الذنوب ] كما ذكرت فهو منك كذبة لأنّه لا يسرف في الذنوب، وإن كان [ لا] يسرف في الذنوب ولا يوالينا ولا يعادي أعداءنا فهو منك [كذبتان ].
( التفسير: 307، ح 151. عنه البحار: 155/65، س 7، ضمن ح 11، والبرهان: 21/4، س 23، ضمن ح 4، بتفاوت يسير. )
13 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): التقيّة من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين، وقضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتّقين، يستجلب مودّة الملائكة المقرّبين وشوق الحور العين.
( التفسير: 320، ح 163.
عنه البحار: 414/72، س 18، ضمن ح 68، ووسائل الشيعة: 222/16، ح 21411. )

14 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال عليّ(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ من فوق عرشه: يا عبادي! اعبدوني فيما أمرتكم به، ولاتعلّموني ما يصلحكم، فإنّي أعلم به ولا أبخل عليكم بمصالحكم.
( التفسير: 327، ح 176. عنه البحار: 184/68، س 7، ضمن ح 44، والبرهان: 121/1، س 24، ضمن ح 12، بتفاوت يسير.
تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 427، س 10، مرسلاً. )

15 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): سمعت رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يقول: أنا وعليّ أبوا هذه الأُمّة10 ا وعليّ أبوا هذه الأُمّة.... رسول اللّه ، 4، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم، فإنّا ننقذهم - إن أطاعونا - من النار إلي دار القرار، ونلحقهم من العبوديّة بخيار الأحرار.
( التفسير: 330، ح 190. عنه البحار: 259/23، س 17، ضمن ح 8، و9/36، س 2، ضمن ح 11، و343/66، س 18، ومقدّمة البرهان: 328، س 36، بتفاوت، والبرهان: 121/1، س 27، ضمن ح 13، و245/3، س 3، ضمن ح 3. )
16 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنّا لنبشّر في وجوه قوم، وإنّ قلوبنا لتقليهم ( القلاء بالفتح والمدّ: البغض؛ مجمع البحرين: 349/1، (قلي). )
أولئك أعداء اللّه نتّقيهم علي إخواننا، لا علي أنفسنا.
( التفسير: 354، ح 242. عنه البحار: 401/72، س 11، ضمن ح 42، ومستدرك الوسائل: 261/12، ح 14062، بتفاوت. )
17 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال الإمام(عليه السلام): دخل جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ علي أمير المؤمنين 10 ل جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ علي أمير المؤمنين.... الإمام العسكريّ ، 4(عليه السلام)، فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): ياجابر! قوام هذه الدنيا بأربعة: عالم يستعمل علمه، وجاهل لايستنكف أن يتعلّم، وغنيّ جواد بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره.
يا جابر! من كثرت نعم اللّه عليه كثرت حوائج الناس إليه. فإن فعل ما يجب للّه عليه عرّضها للدوام والبقاء وإن قصّر فيما يجب للّه عليه عرّضها للزوال والفناء.
وأنشأ يقول شعراً:
ما أحسن الدنيا وإقبالها
إذا أطاع اللّه من نالها من لم يواس الناس من فضله
عرّض للإدبار إقبالها
فاحذر زوال الفضل يا جابر
وأعط من (الدنيا لمن) سالها
فإنّ ذي العرش جزيل العطاء
يضعّف بالجنّة أمثالها
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام): فإذا كتم العالم (العلم أهله)، وزها الجاهل في تعلّم ما لابدّ منه، وبخل الغنيّ بمعروفه، وباع الفقير دينه بدنيا غيره حلّ البلاء، وعظم العقاب.
( التفسير: 402، ح 274. عنه البحار: 178/1، ح 59، و72/2، س 21، ضمن ح 37، قطعتان منه. )
18 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): وأمّا نظيره لعليّ بن أبي طالب، فإنّ رجلاً من محبّيه كتب إليه من ( أي الطمس لأموال قوم فرعون. )
الشام: ياأميرالمؤمنين! أنا بعيالي مثقل، وعليهم إن خرجت خائف، وبأموالي التي -أخلّفها إن خرجت- ضنين، وأحبّ اللحاق بك، والكون في جملتك، والحفوف في خدمتك، فجد لي ياأمير المؤمنين!
فبعث إليه عليّ(عليه السلام): اجمع أهلك وعيالك، وحصّل عندهم مالك، وصلّ علي ذلك كلّه علي محمّد وآله الطيّبين، ثمّ قل: «اللّهمّ! هذه كلّها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليّك عليّ بن أبي طالب»، ثمّ قم وانهض إليّ.
ففعل الرجل ذلك، وأُخبر معاوية بهربه إلي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فأمر معاوية أن يسبي عياله، ويسترقّوا، وأن ينهب ماله.
فذهبوا فألقي اللّه تعالي عليهم شبه عيال معاوية، وشبه أخصّ حاشية ليزيد ابن معاوية، يقولون: نحن أخذنا هذا المال، وهو لنا، وأمّا عياله فقد استرققناهم وبعثناهم إلي السوق.
فكفّوا لمّا رأوا ذلك، وعرّف اللّه عياله أنّه قد ألقي عليهم شبه عيال معاوية وعيال خاصّة يزيد، فأشفقوا من أموالهم أن يسرقها اللصوص.
فمسخ اللّه المال عقارب وحيّات كلّما قصد اللصوص ليأخذوا منه لدغوا ولسعوا، فمات منهم قوم، وضني آخرون، ودفع اللّه عن ماله بذلك إلي أن قال عليّ(عليه السلام) يوماً للرجل: أتحبّ أن يأتيك عيالك ومالك؟ قال: بلي!
قال عليّ(عليه السلام): «اللّهمّ! ائت بهم»، فإذا هم بحضرة الرجل لا يفقد من جميع عياله وماله شيئاً، فأخبروه بما ألقي اللّه تعالي من شبه عيال معاوية وخاصّته، وحاشية يزيد عليهم، وبما مسخه من أمواله عقارب وحيّات تلسع اللصّ الذي يريد أخذ شي ء منه.
قال عليّ(عليه السلام): إنّ اللّه ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته، ولبعض الكافرين ليبالغ في الإعذار إليه.
( التفسير: 423، ح 289. عنه البرهان: 194/2، ح 2، بتفاوت يسير، والبحار: 39/42، ح 13، والمناقب لابن شهرآشوب: 329/2، س 14، بتفاوت يسير. )
19 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنّ اللّه تعالي أخبر رسوله بما كان من إيمان اليهود1ل اليهود، 4 بمحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) قبل ظهوره، ومن استفتاحهم علي أعدائهم بذكره، والصلاة عليه وعلي آله.
قال(عليه السلام): وكان اللّه عزّ وجلّ أمر اليهود في أيّام موسي وبعده إذا دهمهم أمر، ودهتهم داهية أن يدعوا اللّه عزّ وجلّ بمحمّد وآله الطيّبين، وأن يستنصروا بهم، وكانوا يفعلون ذلك حتّي كانت اليهود من أهل المدينة1ل أهل المدينة، 4 قبل ظهور محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بسنين كثيرة يفعلون ذلك، فيكفون البلاء والدهماء والداهية، وكانت اليهود قبل ظهور محمّد النبيّ(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بعشر سنين يعاديهم أسد، وغطفان -قوم من المشركين- ويقصدون أذاهم، وكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربّهم بمحمّد وآله الطيّبين حتّي قصدهم في بعض الأوقات أسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلي بعض قري اليهود حوالي المدينة، فتلقّاهم اليهود، وهم ثلاثمائة فارس، ودعوا اللّه بمحمّد وآله الطيّبين الطاهرين، فهزموهم وقطعوهم.
فقال أسد وغطفان بعضهما لبعض: تعالوا نستعين عليهم بسائر القبائل، فاستعانوا عليهم بالقبائل وأكثروا حتّي اجتمعوا قدر ثلاثين ألفاً وقصدوا هؤلاء الثلاثمائة في قريتهم، فألجأوهم إلي بيوتها، وقطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلي قراهم، ومنعوا عنهم الطعام، واستأمن اليهود منهم، فلم يؤمّنوهم، وقالوا: لا إلّا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم.
فقالت اليهود بعضها لبعض: كيف نصنع؟
فقال لهم أماثلهم وذوو الرأي منهم: أما أمر موسي(عليه السلام) أسلافكم ومن بعدهم بالاستنصار بمحمّد وآله؟ أما أمركم بالابتهال إلي اللّه تعالي عند الشدائد بهم؟ قالوا: بلي، قالوا: فافعلوا.
فقالوا: «اللّهمّ! بجاه محمّد وآله الطيّبين لمّا سقيتنا، فقد قطعت الظلمة عنّا المياه حتّي ضعف شبّاننا، وتماوتت ولداننا، وأشرفنا علي الهلكة».
فبعث اللّه تعالي لهم وابلاً هطلاً سحّاً ملأ حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم، فقالوا: هذه إحدي الحسنيين، ثمّ أشرفوا من سطوحهم علي العساكر المحيطة بهم، فإذا المطر قد آذاهم غاية الأذي، وأفسد [عليهم ] أمتعتهم وأسلحتهم وأموالهم، فانصرف عنهم لذلك بعضهم، وذلك أنّ المطر أتاهم في غير أوانه - في حمارّة القيظ حين لا يكون مطر-.
( حمارّة القيظ بتشديد الراء لا غير: شدّة حرّه، وربّما خفّفت لضرورة الشعر. مجمع البحرين: 276/3، (حمر). )
فقال الباقون من العساكر: هبكم سقيتم، فمن أين تأكلون؟ ولئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتّي نقهركم علي أنفسكم وعيالاتكم وأهاليكم وأموالكم، ونشفي غيظنا منكم.
فقالت اليهود: إنّ الذي سقانا بدعائنا بمحمّد وآله، قادر علي أن يطعمنا، وإنّ الذي صرف عنّا من صرفه، قادر علي أن يصرف الباقين، ثمّ دعوا اللّه بمحمّد وآله أن يطعمهم، فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل وبغل وحمار موقّرة حنطةً ودقيقاً، وهم لا يشعرون بالعساكر، فانتهوا إليهم، وهم نيام، ولم يشعروا بهم، لأنّ اللّه تعالي ثقّل نومهم حتّي دخلوا القرية ولم يمنعوهم، وطرحوا فيها أمتعتهم، وباعوها منهم فانصرفوا وأبعدوا، وتركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف، فلمّا أبعدوا انتبهوا ونابذوا اليهود الحرب، وجعل يقول بعضهم لبعض: ألوحا، ألوحا، فإنّ هؤلاء اشتدّ بهم الجوع وسيذلّون لنا.
( ألوحا ألوحا، بالمدّ والقصر: أي السرعة، وهو منصوب بفعل مضمر. مجمع البحرين: 432/1، (وحا). )
قال لهم اليهود: هيهات! بل قد أطعمنا ربّنا وكنتم نياماً، جاءنا من الطعام كذا وكذا، ولو أردنا قتالكم في حال نومكم لتهيّأ لنا، ولكنّا كرهنا البغي عليكم فانصرفوا عنّا وإلّا دعونا عليكم بمحمّد وآله، واستنصرنا بهم أن يخزيكم كما قدأطعمنا وأسقانا، فأبوا إلّا طغياناً، فدعوا اللّه بمحمّد وآله، واستنصروا بهم، ثمّ برز الثلاثمائة إلي (الناس للقاء) فقتلوا منهم وأسروا وطحطحوهم، واستوثقوا منهم بأُسرائهم، فكانوا لا ينداهم مكروه من جهتهم، لخوفهم علي من لهم ( يقال: ما نديت بشي ء من فلان، أي ما نلت منه نداً، أي خيراً ... ما نديني من فلان شي ء أكرهه، أي ما أصابني. المنجد: 799، (ندو). )
في أيدي اليهود.
فلمّا ظهر محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) حسدوه، إذ كان من العرب، فكذّبوه.
( التفسير: 393، ح 269.
عنه مستدرك الوسائل: 236/5، ح 5769، قطعة منه، والبحار: 10/91، س 14، ضمن ح 11، والبرهان: 126/1، س 11، ضمن ح 1، بتفاوت. )

20 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال
أميرالمؤمنين(عليه السلام): وكان قضاء الحوائج و إجابة الدعاء إذا سئل اللّه بمحمّد وعليّ وآلهما(عليهم السلام) مشهوراً في الزمن السالف حتّي أنّ من طال به البلاء، قيل: هذا طال بلاؤه لنسيانه الدعاء للّه بمحمّد وآله الطيّبين.
ولقد كان من عجيب الفرج بالدعاء بهم فرج ثلاثة نفر كانوا يمشون في صحراء إلي جانب جبل فأخذتهم السماء فألجأتهم إلي غار كانوا يعرفونه، فدخلوه يتوقّون به من المطر، وكان فوق الغار صخرة عظيمة تحتها مدرة ( المدر جمع مدرة كقصب وقصبة، وهو التراب الملبّد، وعن الأزهريّ: المدر: قطع الطين. مجمع البحرين: 479/3، (مدر). )
هي راكبتها فابتلّت المدرة، فتدحرجت الصخرة، فصارت في باب الغار فسدّته وأظلم عليهم المكان.
وقال بعضهم لبعض: قد عفا الأثر ودرس الخبر، ولا يعلم بنا أهلونا، ولوعلموا لما أغنوا عنّا شيئاً لأنّه لا طاقة للآدميّين بقلب هذه الصخرة عن هذا الموضع، هذا واللّه قبرنا الذي فيه نموت، ومنه نحشر.
ثمّ قال بعضهم لبعض: أوليس موسي بن عمران(عليه السلام) ومن بعده من الأنبياء أمروا أنّه إذا دهتنا داهية أن ندعوا اللّه بمحمّد وآله الطيّبين؟
قالوا: بلي، قالوا: فلا نعرف داهية أعظم من هذه.
فقالوا: [تعالوا] ندعوا اللّه بمحمّد الأشرف الأفضل، وبآله الطيّبين، ويذكر كلّ واحد منّا حسنة من حسناته التي أراد اللّه بها، فلعلّ اللّه أن يفرّج عنّا.
فقال أحدهم: اللّهمّ! إن كنت تعلم أنّي كنت رجلاً كثير المال، حسن الحال أبني القصور والمساكن والدور، وكان لي أُجراء، وكان فيهم رجل يعمل عمل رجلين، فلمّا كان عند المساء عرضت عليه أُجرة واحدة فامتنع، وقال: إنّما عملت عمل رجلين فأنا أبتغي أُجرة رجلين؟
فقلت له: إنّما اشترطت عمل رجل، والثاني فأنت به متطوّع لا أجرة لك.
فذهب وسخط ذلك وتركه عليّ، فاشتريت بتلك الأجرة حنطة فبذرتها، فزكّت، ونمت، ثمّ أعدت ما ارتفع في الأرض، فعظم زكاؤها ونماؤها، ثمّ أعدت بعد ما ارتفع - من الثاني - في الأرض، فعظم النماء والزكاء ثمّ ما زلت هكذا حتّي [ إنّي ] عقدت به الضياع والقصور والقري والدور والمنازل والمساكن وقطعان الإبل والبقر والغنم وصوار العير والدوابّ والأثاث والأمتعة والعبيد والإماء والفرش والآلات والنعم الجليلة والدراهم والدنانير الكثيرة، فلمّا كان بعد سنين مرّ بي ذلك الأجير وقد ساءت حاله، وتضعضعت واستولي عليه الفقر، وضعف بصره، فقال لي: يا عبد اللّه! أما تعرفني أنا أجيرك الذي سخطت أجرة واحدة ذلك اليوم، وتركتها لغنائي عنها، وأنا اليوم فقير، [وقد صرت كما تري ]، وقد رضيت بها فأعطنيها؟
فقلت له: دونك هذه الضياع والقري والقصور والدور والمنازل والمساكن وقطعان الإبل والبقر والغنم وصوار العير والدوابّ والأثاث والأمتعة والعبيد والإماء والفرش والآلات والنعم الجليلة والدراهم والدنانير الكثيرة، فتناولها إليك أجمع مباركاً، فهي لك، فبكي وقال لي: يا عبد اللّه! سوّفت حقّي ما سوّفت، ثمّ أنت الآن تهزأ بي؟!
فقلت: ما أهزأ بك، وما أنا إلّا جادّ مجدّ، هذه كلّها نتائج أُجرتك تلك توّلدت عنها، فالأصل كان لك، فهذه الفروع كلّها تابعة للأصل، فهي لك، فسلّمتها إليه أجمع.
اللّهمّ! إن كنت تعلم أنّي إنّما فعلت هذا رجاء ثوابك وخوف عقابك، فافرج عنّا بمحمّد الأفضل الأكرم، سيّد الأوّلين والآخرين 1أ محمّد الأفضل الأكرم، سيّد الأوّلين والآخرين، 4 الذي شرّفته، وبآله أفضل آل النبيّين، وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين، وأُمّته خير الأُمم أجمعين». قال(عليه السلام): فزال ثلث الحجر ودخل عليهم الضوء.
وقال الثاني: اللّهمّ! إن كنت تعلم أنّه كانت لي بقرة أحتلبها، ثمّ أروح بلبنها علي أُمّي، ثمّ أروح بسؤرها علي أهلي وولدي، فأخّرني عائق ذات ليلة، فصادفت أُمّي نائمة فوقفت عند رأسها لتنبّه لا أنبّهها من طيب وسنها، وأهلي وولدي يتضاغون من الجوع والعطش، فما زلت واقفاً لا أحفل بأهلي وولدي ( تضاغي: تضوّر من الجوع أوالضرب، وصاع. المنجد: 452، (ضغا). )
حتّي انتبهت هي من ذات نفسها، فسقيتها حتّي رويت، ثمّ عطفت بسؤرها علي أهلي وولدي.
اللّهمّ! إن كنت تعلم أنّي إنّما فعلت ذلك رجاء ثوابك، وخوف عقابك، فافرج عنّا بحقّ محمّد الأفضل الأكرم، سيّد الأوّلين والآخرين الذي شرّفته بآله أفضل آل النبيّين، وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين، وأُمّته خير الأُمم أجمعين،قال(عليه السلام): فزال ثلث آخر من الحجر، [ودخل عليهم الضوء]، وقوي طمعهم في النجاة.
وقال الثالث: اللّهمّ! إن كنت تعلم أنّي هويت أجمل امرأة من بني إسرائيل فراودتها عن نفسها فأبت عليّ إلّا بمائة دينار، ولم أكن أملك شيئاً فما زلت أسلك برّاً وبحراً وسهلاً وجبلاً، وأباشر الأخطار، وأسلك الفيافي والقفار، وأتعرّض للمهالك والمتالف أربع سنين حتّي جمعتها وأعطيتها إيّاها، ومكنّتني من نفسها، فلمّا قعدت منها مقعد الرجل من أهله ارتعدت فرائصها، وقالت لي: يا عبد اللّه! إنّي جارية عذراء فلا تفض خاتم اللّه إلّا بأمر اللّه عزّوجلّ، فإنّه إنّما حملني علي أن أمكّنك من نفسي الحاجة والشدّة، فقمت عنها وتركتها وتركت المائة دينار عليها.
اللّهمّ! إن كنت تعلم أنّي إنّما فعلت ذلك رجاء ثوابك، وخوف عقابك، فافرج عنّا بحقّ محمّد الأفضل الأكرم، سيّد الأوّلين والآخرين الذي شرّفته بآله أفضل آل النبيّين، وأصحابه أكرم أصحاب المرسلين، وأُمّته خير الأُمم أجمعين.

صفحه بندي مجدد شد 83/8/7 (محمود)

بررسي شد 26 - 8 - 83.

66 - السيّد الشريف الرضيّ(ره): حدّثني أبو محمّد هارون بن موسي، قال: حدّثني أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عبيد اللّه بن أحمد بن عيسي بن المنصور، قال: حدّثني أبو موسي عيسي بن أحمد بن عيسي بن المنصور، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر(عليهم السلام)، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني أبي محمّد، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني أبي موسي، قال: حدّثني أبي جعفر، قال: حدّثني أبي محمّد، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، عن أبيه، أمير المؤمنين عليهم السلام والصلاة، قال:
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عليّ! مثلكم في الناس مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، فمن أحبّكم يا عليّ! نجا، ومن أبغضكم ورفض محبّتكم هوي في النار.
ومثلكم يا عليّ! مثل بيت اللّه الحرام، من دخله كان آمناً، فمن أحبّكم ووالاكم كان آمناً من عذاب النار، ومن أبغضكم ألقي في النار،
قال: فزال الحجر كلّه، وتدحرج، وهو ينادي بصوت فصيح بيّن يعقلونه ويفهمونه: بحسن نيّاتكم نجوتم، وبمحمّد الأفضل الأكرم سيّد الأوّلين والآخرين (المخصوص بآل أفضل النبيّين، وأكرم أصحاب المرسلين) وبخير أُمّة سعدتم، ونلتم أفضل الدرجات.
( التفسير: 398، ح 271. عنه البحار: 13/91، س 11، ضمن ح 11. )
21 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): إنّ اللّه تعالي ذكر بني إسرائيل في عصر محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أحوال آبائهم الذين كانوا في أيّام موسي(عليه السلام) كيف أخذ عليهم العهد والميثاق لمحمّد وعليّ وآلهما الطيّبين المنتجبين للخلافة علي الخلائق ولأصحابهما وشيعتهما وسائر أُمّة محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ ) اذكروا إذ أخذنا ميثاق آبائكم.
(وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) الجبل لمّا أبوا قبول ما أريد منهم والاعتراف به (خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَكُم ) أعطيناكم (بِقُوَّةٍ ) [ يعني ] بالقوّة التي أعطيناكم تصلح [لكم ] لذلك (وَاسْمَعُواْ ) أي أطيعوا فيه.
(قَالُواْ سَمِعْنَا ) بآذاننا (وَعَصَيْنَا ) بقلوبنا.
فأمّا في الظاهر فأعطوا كلّهم الطاعة داخرين صاغرين.
ثمّ قال: (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) عرّضوا لشرب العجل ( البقرة: 93/2. )
الذي عبدوه حتّي وصل ما شربوه من ذلك إلي قلوبهم.
وقال: إنّ بني إسرائيل لمّا رجع إليهم موسي - وقد عبدوا العجل - تلقّوه بالرجوع عن ذلك، فقال لهم موسي: من الذي عبده منكم حتّي أنفّذ فيه حكم اللّه خافوا من حكم اللّه الذي ينفّذه فيهم.
فجحدوا أن يكونوا عبدوه، وجعل كلّ واحد منهم يقول: أنا لم أعبده وإنّما عبده غيري، ووشي بعضهم ببعض، - فكذلك ما حكي اللّه عزّ وجلّ عن موسي من قوله للسامريّ: (وَانظُرْ إِلَي إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ و ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ و فِي الْيَمِ ّ نَسْفًا )-.
( طه: 97/20. )
فأمره اللّه فبرّده بالمبارد، وأخذ سُحالته فذرأها في البحر العذب، ثمّ قال ( السحالة [بالضمّ ]: ما سقط من الذهب والفضّة ونحوهما إذا بردا. لسان العرب: 329/11، (سحل)، ونحوه في مجمع البحرين: 394/5. )
لهم: اشربوا منه، فشربوا، فكلّ من كان عبده اسودّت شفتاه وأنفه، (ممّن كان أبيض اللون، ومن كان منهم أسود اللون) ابيضّت شفتاه وأنفه.
فعند ذلك أنفذ فيهم حكم اللّه.
ثمّ قال اللّه تعالي للموجودين من بني إسرائيل في عصر محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) علي لسانه: (قُلْ ) يا محمّد! لهؤلاء المكذّبين بك بعد سماعهم ما أخذ علي أوائلهم لك ولأخيك عليّ ولآلكما ولشيعتكما.
(بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ ي إِيمَنُكُمْ ) أن تكفروا [بمحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ] وتستخفوا بحقّ عليّ وآله وشيعته (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )كما تزعمون بموسي(عليه السلام) والتوراة.
( البقرة: 93/2. )
قال(عليه السلام): وذلك أنّ موسي(عليه السلام) [ كان ] وعد بني إسرائيل أنّه يأتيهم من عنداللّه بكتاب يشتمل علي أوامره ونواهيه وحدوده وفرائضه بعد أن ينجّيهم اللّه تعالي من فرعون وقومه.
فلمّا نجّاهم اللّه وصاروا بقرب الشام جاءهم بالكتاب من عند اللّه كماوعدهم، وكان فيه: إنّي لا أتقبّل عملاً ممّن لم يعظّم محمّداً وعليّاً وآلهما الطيّبين، ولم يكرّم أصحابهما وشيعتهما ومحبّيهما حقّ تكريمهم.
يا عبادي! ألا فاشهدوا بأنّ محمّداً خير خليقتي، وأفضل بريّتي، وأنّ عليّاً أخوه وصفيّه ووارث علمه، وخليفته في أُمّته، وخير من يخلفه بعده، وأنّ آل محمّد أفضل آل النبيّين، وأصحاب محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أفضل أصحاب المرسلين، وأُمّة محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) خير الأُمم أجمعين.
فقال بنو إسرائيل: لا نقبل هذا يا موسي! هذا عظيم، ثقيل علينا، بل نقبل من هذه الشرائع ما يخفّ علينا، وإذا قبلناها قلنا: إنّ نبيّنا أفضل نبيّ، وآله أفضل آل وصحابته أفضل صحابة، ونحن أُمّته أفضل من أُمّة محمّد، ولسنا نعترف لقوم بالفضل لا نراهم ولا نعرفهم.
فأمر اللّه تعالي جبرئيل، فقطع بجناح من أجنحته من جبل من جبال فلسطين 1ظ جبال فلسطين، 4 علي قدر معسكر موسي(عليه السلام) وكان طوله في عرضه فرسخاً في فرسخ.
ثمّ جاء به فوقه علي رؤوسهم، وقال: إمّا أن تقبلوا ما أتاكم به موسي(عليه السلام)، وإمّا وضعت عليكم الجبل فطحطحتكم تحته، فلحقهم من الجزع والهلع ( يقال: طحطح بهم الدهر: بدّدهم وأهلكهم. المعجم الوسيط: 552 (طحطح). )
مايلحق أمثالهم ممّن قوبل هذه المقابلة، فقالوا: يا موسي! كيف نصنع؟
قال موسي: اسجدوا للّه علي جباهكم، ثمّ عفّروا خدودكم اليمني ثمّ اليسري في التراب، وقولوا: «يا ربّنا سمعنا وأطعنا وقبلنا واعترفنا وسلّمناورضينا».
قال: ففعلوا هذا الذي قال لهم موسي قولاً وفعلاً، غير أنّ كثيراً منهم خالف قلبه ظاهر أفعاله وقال بقلبه (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) مخالفاً لما قاله بلسانه، وعفّروإ؛لاًيگثثثثثثثثثپ خ خدودهم اليمني [بالتراب ]، وليس قصدهم التذلّل للّه عزّوجلّ، والندم علي ماكان منهم من الخلاف، ولكنّهم فعلوا ذلك ينظرون هل يقع عليهم الجبل أم لا، ثمّ عفّروا خدودهم اليسري ينظرون كذلك، ولم يفعلوا ذلك كما أمروا.
فقال جبرئيل لموسي(عليه السلام): أما أنّ أكثرهم للّه تعالي عاصون، ولكنّ اللّه عزّوجلّ أمرني أن أزيل عنهم هذا الجبل عند ظاهر اعترافهم في الدنيا.
فإنّ اللّه تعالي إنّما يطالبهم في الدنيا بظواهرهم لحقن دمائهم، وإبقاء الذمّة لهم، وإنّما أمرهم إلي اللّه في الآخرة يعذّبهم علي عقودهم وضمائرهم.
فنظر القوم إلي الجبل، وقد صار قطعتين، قطعة منه صارت لؤلؤة بيضاء فجعلت تصعد وترقي حتّي خرقت السماوات، وهم ينظرون إليها إلي أن صارت إلي حيث لا تلحقها أبصارهم، وقطعة صارت ناراً ووقعت علي الأرض بحضرتهم فخرقتها، ودخلتها وغابت عن عيونهم.
فقالوا: ما هذان المفترقان من الجبل، فرق صعد لؤلؤاً، وفرق انحطّ ناراً؟
قال لهم موسي: أمّا القطعة التي صعدت في الهواء، فإنّها وصلت إلي السماء وخرقتها إلي أن لحقت بالجنّة.
فأضعفت أضعافاً كثيرةً لا يعلم عددها إلّا اللّه، وأمر اللّه أن تبني منها للمؤمنين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومنازل، ومساكن مشتملة علي أنواع النعم التي وعد بها المتّقين من عباده، من الأشجار والبساتين والثمار والحور الحسان، والمخلّدين من الولدان كاللآلي المنثورة، وسائر نعيم الجنّة وخيراتها.
وأمّا القطعة التي انحطّت إلي الأرض فخرقتها، ثمّ التي تليها إلي أن لحقت بجهنّم، فأضعفت أضعافاً كثيرةً.
وأمر اللّه تعالي أن تبني منها للكافرين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومساكن ومنازل مشتملة علي أنواع العذاب التي وعدها للكافرين من عباده من بحار نيرانها، وحياض غسلينها وغسّاقها، وأودية قيحها ودمائها وصديدها، وزبانيتها بمرزباتها وأشجار زقّومها وضريعها وحيّاتها [وعقاربها] وأفاعيها وقيودها وأغلالها وسلاسلها وأنكالها وسائر أنواع البلايا والعذاب المعدّ فيها.
ثمّ قال محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لبني إسرائيل: أفلا تخافون عقاب ربّكم في جحدكم لهذه الفضائل التي اختصّ بها محمّداً وعليّاً وآلهما الطيّبين.
( التفسير: 425، ح 291. عنه البحار: 165/8، ح 108، قطعة منه، و238/13، س 19، ضمن ح 48، بتفاوت يسير. )
22 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قيل لأمير المؤمنين(عليه السلام): يا أميرالمؤمنين! فهذه آية موسي 10 ل لأمير المؤمنين: يا أمير المؤمنين! فهذه آية موسي.... الإمام العسكريّ، 4 في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ماأمروا به، فهل كان لمحمّد آية مثلها؟
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): إي والذي بعثه بالحقّ نبيّاً! ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم إلي أن انتهي إلي محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلّا وقد كان لمحمّد مثلها، وأفضل منها.
ولقد كان لرسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) نظير هذه الآية إلي آيات أُخر ظهرت له.
وذلك أنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا أظهر بمكّة دعوته وأبان - عن اللّه عزّوجلّ- مراده، رمته العرب عن قسيّ عداوتها بضروب إمكانهم، ولقد قصدته يوماً -وإنّي كنت أوّل الناس إسلاماً بعث يوم الإثنين 1ق يوم الإثنين، 4، وصلّيت معه يوم الثلاثاء، وبقيت معه أصلّي سبع سنين حتّي دخل نفر في الإسلام، وأيّد اللّه تعالي دينه من بعد- فجاءه قوم من المشركين، فقالوا له: يا محمّد تزعم أنّك رسول ربّ العالمين!؟
ثمّ إنّك لا ترضي بذلك حتّي تزعم أنّك سيّدهم وأفضلهم، ولئن كنت نبيّاً فأتنا بآية كما تذكره عن الأنبياء قبلك مثال نوح الذي جاء بالغرق، ونجا في سفينته مع المؤمنين.
وإبراهيم الذي ذكرت: أنّ النار جعلت عليه برداً وسلاماً.
وموسي الذي زعمت أنّ الجبل رفع فوق رؤوس أصحابه حتّي انقادوا لمادعاهم إليه صاغرين داخرين.
وعيسي الذي كان ينبئهم بما يأكلون و ما يدخّرون في بيوتهم.
وصار هؤلاء المشركون فرقاً أربعة، هذه تقول: أظهر لنا آية نوح(عليه السلام)، وهذه تقول: أظهر لنا آية موسي(عليه السلام)، وهذه تقول: أظهر لنا آية إبراهيم(عليه السلام)، وهذه تقول: أظهر لنا آية عيسي(عليه السلام).
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّما أنا نذير مبين أتيتكم بآية مبيّنة هذا القرآن الذي تعجزون أنتم، والأُمم وسائر العرب عن معارضته، وهو بلغتكم فهو حجّة بيّنة عليكم، وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح علي ربّي، فما علي الرسول إلّا البلاغ المبين إلي المقرّين بحجّة صدقه وآية حقّه، وليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجّة علي ربّه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لايعلمون هل الصلاح أو الفساد فيمايقترحون.
فجاءه جبرئيل(عليه السلام) فقال: يا محمّد! إنّ العليّ الأعلي يقرأ عليك السلام ويقول: إنّي سأظهر لهم هذه الآيات، وإنّهم يكفرون بها إلّا من أعصمه منهم، ولكنّي أريهم زيادة في الإعذار، والإيضاح لحججك.
فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح: امضوا إلي جبل أبي قبيس، فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح، فإذا غشيكم الهلاك، فاعتصموا بهذا، وبطفلين يكونان بين يديه.
وقل للفريق [ الثاني ] المقترحين لآية إبراهيم(عليه السلام): امضوا إلي حيث تريدون من ظاهر مكّة فسترون آية إبراهيم في النار، فإذا غشيكم البلاء فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها، فتعلّقوا به لتنجّيكم من الهلكة، وتردّ عنكم النار.
وقل للفريق الثالث: وأنتم المقترحين لآية موسي امضوا إلي ظلّ الكعبة، فسترون آية موسي(عليه السلام)، وسينجّيكم هناك عمّي حمزة.
وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل: وأنت يا أبا جهل! فاثبت عندي ليتّصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاثة، فإنّ الآية التي اقترحتها أنت تكون بحضرتي.
فقال أبو جهل للفرق الثلاثة: قوموا فتفرّقوا ليتبيّن لكم باطل قول محمّد.
فذهبت الفرقة الأولي إلي حضرة جبل أبي قبيس، فلمّا صاروا [في الأرض ] إلي جانب الجبل نبع الماء من تحتهم، ونزل من السماء الماء من فوقهم من غيرغمامة ولا سحاب، وكثر حتّي بلغ أفواههم فألجمها وألجأهم إلي صعود الجبل إذ لم يجدوا ملجاً سواه، فجعلوا يصعدون الجبل، والماء يعلو من تحتهم إلي أن بلغوا ذروته، وارتفع الماء حتّي ألجمهم وهم علي قلّة الجبل، وأيقنوا بالغرق إذ لم يكن لهم مفرّ.
فرأوا عليّاً(عليه السلام) واقفاً علي متن الماء فوق قلّة الجبل وعن يمينه طفل وعن يساره طفل، فناداهم عليّ(عليه السلام): خذوا بيدي أُنجيكم، أو بيد من شئتم من هذين الطفلين، فلم يجدوا بدّاً من ذلك، فبعضهم أخذ بيد عليّ(عليه السلام)، وبعضهم أخذ بيد أحد الطفلين، وبعضهم أخذ بيد الطفل الآخر، وجعلوا ينزلون بهم من الجبل والماء ينزل، وينحطّ من بين أيديهم حتّي أوصلوهم إلي القرار، والماء يدخل بعضه في الأرض، ويرتفع بعضه إلي السماء حتّي عادوا كهيئتهم إلي قرار الأرض.
فجاء عليّ(عليه السلام) [بهم ] إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وهم يبكون ويقولون: نشهد أنّك سيّد المرسلين، وخير الخلق أجمعين، رأينا مثل طوفان نوح، وخلّصنا هذا وطفلان كانا معه لسنا نراهما الآن.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أما أنّهما سيكونان هما الحسن والحسين سيولدان لأخي هذا، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة، وأبوهما خير منهما.
اعلموا أنّ الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها خلق كثير، وأنّ سفينة نجاتها آل محمّد عليّ هذا وولداه اللذان رأيتموهما سيكونان وسائر أفاضل أهلي، فمن ركب هذه السفينة نجا ومن تخلّف عنها غرق.
[ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم):] وكذلك الآخرة جنّتها، ونارها كالبحر، وهؤلاء سفن أُمّتي يعبرون بمحبّيهم وأوليائهم إلي الجنّة.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أسمعت هذا يا أبا جهل!؟
قال: بلي حتّي أنظر إلي الفرقة الثانية والثالثة.
وجاءت الفرقة الثانية يبكون، ويقولون: نشهد أنّك رسول ربّ العالمين وسيّد الخلق أجمعين، مضينا إلي صحراء ملساء ونحن نتذاكر بيننا قولك، فنظرنا إلي السماء قد تشقّقت بجمر النيران تتناثر عنها، ورأينا الأرض قد تصدّعت، ولهب النيران يخرج منها.
فما زالت كذلك حتّي طبّقت الأرض وملاتها، ومسّنا من شدّة حرّها حتّي سمعنا لجلودنا نشيشاً من شدّة حرّها وأيقنّا بالاشتواء والاحتراق، [وعجبنا ( النشيش: صوت الماء وغيره إذا غلي. مجمع البحرين: 155/4، (نشش). )
بتأخّر رؤيتنا] بتلك النيران.
فبينا نحن كذلك إذ رفع لنا في الهواء شخص امرأة قد أرخت خمارها فتدلّي طرفه إلينا بحيث تناله أيدينا.
وإذا منادٍ من السماء ينادينا: إن أردتم النجاة فتمسّكوا ببعض أهداب هذا الخمار، فتعلّق كلّ واحد منّا بهدبة من أهداب ذلك الخمار، فرفعتنا في الهواء ونحن نشقّ جمر النيران ولهبها لا يمسّنا شررها، ولا يؤذينا جمرها، ولا نثقل علي الهدبة التي تعلّقنا بها، ولا تنقطع الأهداب في أيدينا علي دقّتها.
فما زالت كذلك حتّي جازت بنا تلك النيران، ثمّ وضع كلّ واحد منّا في صحن داره سالماً معافي، ثمّ خرجنا فالتقينا فجئناك عالمين بأنّه لا محيص عن دينك، ولامعدل عنك، وأنت أفضل من لجي ء إليه، واعتمد بعد اللّه عليه، صادق في أقوالك، حكيم في أفعالك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لأبي جهل: هذه الفرقة الثانية قد أراهم اللّه آياته.
قال أبو جهل: حتّي أنظر الفرقة الثالثة وأسمع مقالتها.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لهذه الفرقة الثانية لمّا آمنوا: يا عباد اللّه! إنّ اللّه أغاثكم بتلك المرأة أتدرون من هي؟
قالوا: لا، قال: تلك تكون ابنتي فاطمة، وهي سيّدة نساء العالمين.
إنّ اللّه تعالي إذا بعث الخلائق من الأوّلين والآخرين نادي منادي ربّنا من تحت عرشه: يا معشر الخلائق! غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء العالمين علي الصراط.
[فيغضّ الخلائق كلّهم أبصارهم، فتجوز فاطمة علي الصراط]، لا يبقي أحد في القيامة إلّا غضّ بصره عنها إلّا محمّد وعليّ والحسن والحسين والطاهرون من أولادهم، فإنّهم محارمها.
فإذا دخلت الجنّة بقي مرطها ممدوداً علي الصراط طرف منه بيدها وهي في ( المرط [بكسر الميم ]: كساء من صوف أو خزّ كان يؤتزر به. مجمع البحرين: 273/4، (مرط). )
الجنّة، وطرف في عرصات القيامة.
فينادي منادي ربّنا: يا أيّها المحبّون لفاطمة! تعلّقوا بأهداب مرط فاطمة سيّدة نساء العالمين.
فلا يبقي محبّ لفاطمة إلّا تعلّق بهدبة من أهداب مرطها حتّي يتعلّق بها أكثر من ألف فئام، وألف فئام، [وألف فئام ].
قالوا: وكم فئام واحد يا رسول اللّه؟
قال: ألف ألف من الناس.
قال: ثمّ جاءت الفرقة الثالثة باكين يقولون: نشهد يا محمّد! أنّك رسول ربّ العالمين، وسيّد الخلق أجمعين، وأنّ عليّاً أفضل الوصيّين، وأنّ آلك أفضل آل النبيّين، وصحابتك خير صحابة المرسلين، وأنّ أُمّتك خير الأُمم أجمعين، رأينا من آياتك ما لا محيص لنا عنها، ومن معجزاتك ما لا مذهب لنا سواها.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وما الذي رأيتم؟
قالوا: كنّا قعوداً في ظلّ الكعبة نتذاكر أمرك ونستهزي ء بخبرك، وأنّك ذكرت أنّ لك مثل آية موسي، فبينا نحن كذلك إذا ارتفعت الكعبة عن موضعها وصارت فوق رؤوسنا فركدنا في مواضعنا ولم نقدر أن نريمها.
فجاء عمّك حمزة فتناول بزجّ رمحه - هكذا - تحتها فتناولها واحتبسها -علي عظمها- فوقنا في الهواء.
ثمّ قال لنا: اخرجوا، فخرجنا من تحتها، فقال ابعدوا، فبعدنا عنها، ثمّ أخرج سنان الرمح من تحتها فنزلت إلي موضعها واستقرّت، فجئنا لذلك مسلّمين.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لأبي جهل: هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتك بما شاهدت.
فقال أبو جهل: لا أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا؟ أم حقّق لهم أم خيّل إليهم؟ فإن رأيت أنا ما أقترحه عليك من نحو آيات عيسي بن مريم فقد لزمني الإيمان بك وإلّا فليس يلزمني تصديق هؤلاء.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أبا جهل! فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء علي كثرتهم وشدّة تحصيلهم، فكيف تصدّق بمآثر آبائك وأجدادك ومساوي أسلاف أعدائك، وكيف تصدّق عن الصين والعراق والشام إذا حدّثت عنها.
هل المخبرون عنها إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها منهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون علي باطل يتخرّصونه إلّا كان بإزائهم من يكذّبهم ويخبر بضدّ أخبارهم ألا وكلّ فرقة من هؤلاء محجوجون بماشاهدوا، وأنت يا أبا جهل! محجوج بما سمعت ممّن شاهد.
ثمّ أقبل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) علي الفرقة الثالثة، فقال لهم: هذا حمزة عمّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بلّغه اللّه تعالي المنازل الرفيعة، والدرجات العالية، وأكرمه بالفضائل لشدّة حبّه لمحمّد وعليّ بن أبي طالب، أما إنّ حمزة (عمّ محمّد) لينحّي جهنّم يوم القيامة عن محبّيه كما نحّي عنكم اليوم الكعبة أن تقع عليكم.
قالوا: وكيف ذلك يا رسول اللّه!؟
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّه ليري يوم القيامة إلي جانب الصراط جمّ كثير من الناس لا يعرف عددهم إلّا اللّه تعالي، هم كانوا محبّي حمزة، وكثير منهم أصحاب الذنوب والآثام، فتحول حيطان [ النار] بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلي الجنّة، فيقولون: يا حمزة قد تري ما نحن فيه؟!
فيقول حمزة لرسول اللّه ولعليّ بن أبي طالب(عليه السلام): قد تريان أوليائي كيف يستغيثون بي؟!
فيقول محمّد رسول اللّه لعليّ وليّ اللّه: يا عليّ! أعن عمّك علي إغاثة أوليائه، واستنقاذهم من النار، فيأتي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء اللّه تعالي في الدنيا فيناوله إيّاه، ويقول: يا عمّ رسول اللّه وعمّ أخي رسول اللّه! ذد الجحيم عن أوليائك برمحك هذا (الذي كنت) تذود به عن ( الذود: الطرد والدفع. لسان العرب: 167/3، (ذود). )
أولياء اللّه في الدنيا أعداء اللّه.
فيناول حمزة الرمح بيده فيضع زجّه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وبين العبور إلي الجنّة علي الصراط، ويدفعها [دفعة] فينحّيها مسيرة خمسمائة عام، ثمّ يقول لأوليائه والمحبّين الذي كانوا له في الدنيا: اعبروا.
فيعبرون علي الصراط آمنين سالمين، قد انزاحت عنهم النيران، وبعدت عنهم الأهوال، ويردون الجنّة غانمين ظافرين.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لأبي جهل: يا أبا جهل! هذه الفرقة الثالثة قدشاهدت آيات اللّه، ومعجزات رسول اللّه، وبقي الذي لك فأيّ آية تريد؟
قال أبو جهل: آية عيسي بن مريم كما زعمت أنّه كان يخبرهم بما يأكلون ومايدّخرون في بيوتهم، فأخبرني بما أكلت اليوم، وما ادّخرته في بيتي، وزدني علي ذلك بأن تحدّثني بما صنعته بعد أكلي لمّا أكلت، كما زعمت أنّ اللّه زادك في المرتبة فوق عيسي.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أمّا ما أكلت وما ادّخرت فأُخبرك به، وأُخبرك بمافعلته في خلال أكلك، وما فعلته بعد أكلك، وهذا يوم يفضحك اللّه عزّوجلّ فيه باقتراحك، فإن آمنت باللّه لم تضرّك هذه الفضيحة، وإن أصررت علي كفرك أُضيف لك إلي فضيحة الدنيا وخزيها خزي الآخرة الذي لا يبيد، ولا ينفد ولا يتناهي، قال: وما هو؟
قال رسول اللّه: قعدت يا أبا جهل! تتناول من دجاجة مسمّنة اسمطتها، فلمّا وضعت يدك عليها استأذن عليك أخوك أبو البختريّ بن هشام، فأشفقت عليه أن يأكل منها وبخلت، فوضعتها تحت ذيلك، وأرخيت عليها ذيلك، حتّي انصرف عنك.
فقال أبو جهل: كذبت يا محمّد! ما من هذا قليل ولا كثير، ولا أكلت من دجاجة، ولا ادّخرت منها شيئاً، فما الذي فعلته بعد أكلي الذي زعمته؟
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): كان عندك ثلاثمائة دينار لك، وعشرة آلاف دينار ودائع الناس، عندك المائة والمائتان والخمسمائة والسبعمائة والألف، ونحو ذلك إلي تمام عشرة آلاف مال، كلّ واحد في صرّة، وكنت قد عزمت علي أن تختانهم، وقد كنت جحدتهم ومنعتهم، واليوم لمّا أكلت من هذه الدجاجة أكلت زورها وادّخرت الباقي، ودفنت هذا المال أجمع مسروراً فرحاً باختيانك عباد اللّه، واثقاً بأنّه قد حصل لك، وتدبير اللّه في ذلك خلاف تدبيرك.
فقال أبو جهل: وهذا أيضاً يا محمّد!فما أصبت منه قليلاً ولا كثيراً، ما دفنت شيئاً، ولقد سرقت تلك العشرة آلاف دينار الودائع التي كانت عندي.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أبا جهل! ما هذا من تلقائي فتكذّبني، وإنّما هذا جبرئيل الروح الأمين غ يخبرني به عن ربّ العالمين، وعليه تصحيح شهادته وتحقيق مقالته.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هلّم يا جبرئيل! بالدجاجة التي أكل منها! فإذا الدجاجة بين يدي رسول اللّه.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أتعرفها يا أبا جهل!؟
فقال أبو جهل: ما أعرفها وما أخبرت عن شي ء، ومثل هذه الدجاجة المأكول بعضها في الدنيا كثير.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أيّتها الدجاجة! إنّ أبا جهل قد كذّب محمّداً علي جبرئيل وكذّب جبرئيل علي ربّ العالمين، فاشهدي لمحمّد بالتصديق وعلي أبي جهل بالتكذيب.
فنطقت وقالت: أشهد يا محمّد! أنّك رسول ربّ العالمين وسيّد الخلق أجمعين، وأنّ أبا جهل هذا عدوّ اللّه المعاند الجاحد للحقّ الذي يعلمه أكل منّي هذا الجانب وادّخر الباقي، وقد أخبرته بذلك، وأحضرتنيه، فكذّب به، فعليه لعنة اللّه ولعنة اللاعنين، فإنّه مع كفره بخيل، استأذن عليه أخوه فوضعني تحت ذيله إشفاقاً من أن يصيب منّي أخوه، فأنت يا رسول اللّه أصدق الصادق من الخلق أجمعين، وأبوجهل الكذّاب المفتري اللعين.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): [ أما] كفاك ما شاهدت! آمن لتكون آمناً من عذاب اللّه عزّ وجلّ؟
قال أبو جهل: إنّي لأظنّ أنّ هذا تخييل وإيهام.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فهل تفرّق بين مشاهدتك لهذا وسماعك لكلامها وبين مشاهدتك لنفسك، ولسائر قريش العرب وسماعك لكلامهم؟
قال أبو جهل: لا، قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فما يدريك أنّ جميع ما تشاهد، وتحسّ بحواسّك تخييل؟ قال أبو جهل: ما هو تخييل.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ولا هذا تخييل، وإلّا فكيف تصحّح أنّك تري في العالم شيئاً أوثق منه؟
[قال:] ثمّ وضع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يده علي الموضع المأكول من الدجاجة، فمسح يده عليها، فعاد اللحم عليه أوفر ما كان.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أبا جهل! أرأيت هذه الآية؟
قال: يا محمّد! [قد] توهّمت شيئاً ولا أوقنه.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا جبرئيل! فأتنا بالأموال التي دفنها هذا المعاند للحقّ لعلّه يؤمن.
فإذا هو بالصرر بين يديه كلّها، [في كلّ صرّة] ما كان رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) قاله إلي تمام عشرة آلاف دينار وثلاثمائة دينار، فأخذ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) -وأبوجهل ينظر إليه - صرّة منها، فقال: ائتوني بفلان بن فلان. فأُتي به -وهوصاحبها -.
فقال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هاكها، يا فلان [هذا] ما قد اختانك فيه أبو جهل، فردّ عليه ماله، ودعا بآخر ثمّ بآخر حتّي ردّ العشرة آلاف كلّها علي أربابها، وفضح عندهم أبوجهل، وبقيت الثلاثمائة دينار بين يدي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال رسول اللّه: الآن آمن لتأخذ الثلاثمائة دينار، ويبارك اللّه لك فيها حتّي تصير أيسر قريش.
فقال: لا أُومن ولكن آخذها وهي مالي، فلمّا ذهب ليأخذها صاح النبيّ(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بالدجاجة: دونك أبا جهل فكفّيه عن الدنانير وخذيه.
فوثبت الدجاجة علي أبي جهل فتناولته بمخالبها، ورفعته في الهواء وطارت به إلي سطح لبيته، فوضعته عليه.
ودفع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) تلك الدنانير إلي بعض فقراء المؤمنين.
ثمّ نظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي أصحابه فقال لهم: معاشر أصحاب محمّد! هذه آية أظهرها ربّنا عزّ وجلّ لأبي جهل فعاند، وهذا الطير الذي حيي يصير من طيور الجنّة الطيّارة عليكم فيها، فإنّ فيها طيوراً كالبخاتي عليها من [جميع ] أنواع المواشي تطير بين سماء الجنّة وأرضها.
فإذا تمنّي مؤمن محبّ للنبيّ وآله الأكل [من شي ء] منها، وقع ذلك بعينه بين يديه فتناثر ريشه، وانسمط وانشوي، وانطبخ، فأكل من جانب منه [قديداً، ومن جانب منه ] مشويّاً بلا نار، فإذا قضي شهوته ونهمته، وقال: الحمد للّه ربّ العالمين، عادت كما كانت، فطارت في الهواء، وفخرت علي سائر طيور الجنّة، تقول: من مثلي وقد أكل منّي وليّ اللّه عن أمر اللّه.
( التفسير: 429، ح 292. عنه البحار: 68/8، ح 12 و13، و141، ح 58، قطعتان منه، و239/17، ح 2، بتفاوت، و281/22، ح 37، قطعة منه.
الاحتجاج: 68/1، ح 23، بتفاوت. عنه البحار: 249/17، س 1، أشار إليه، و209/38، ح 5، قطعة منه، وإثبات الهداة: 326/1، ح 308، قطعة منه. )

23 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (وَقَالُواْ ) يعني اليهود والنصاري، قالت اليهود: (لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا ) أي يهوديّاً.
وقوله: (أَوْ نَصَرَي ) يعني وقالت النصاري: لن يدخل الجنّة إلّا من كان نصرانيّاً، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): وقد قال غيرهم: قالت الدهريّة: الأشياء لابدء لها وهي دائمة، ومن خالفنا في هذا ضالّ مخطي ء [مضلّ ].
وقالت الثنويّة: النور والظلمة هما المدبّران، ومن خالفنا في هذا ضلّ.
وقال مشركوا العرب: إنّ أوثاننا آلهة، من خالفنا في هذا ضلّ.
فقال اللّه تعالي: (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ) التي يتمنّونها، (قُلْ - لهم - هَاتُواْ بُرْهَنَكُمْ) علي مقالتكم (إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ).
( البقرة: 111/2. )
( التفسير: 526، ح 321. عنه البحار: 255/9، ح 1، والبرهان: 143/1، ح 1. )
24 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ(عليه السلام): وإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان كلّما أراد غزوة ورّي بغيرها إلّا ( ورّيت الخبر تورية: إذا سترته وأظهرت غيره، وكان 7 إذا أراد السفر أوري أي ألقي البيان وراء ظهره لئلّا ينتهي خبره إلي مقصده، فيستعدّوا للقتال. مجمع البحرين: 436/1، (وري). )
غزاة تبوك، فإنّه عرّفهم أنّه يريدها، وأمرهم أن يتزوّدوا لها.
فتزوّدوا لها دقيقاً يختبزونه في طريقهم، ولحماً مالحاً وعسلاً وتمراً، وكان زادهم كثيراً، لأنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان حثّهم علي التزوّد لبعد الشقّة، وصعوبة المفاوز، وقلّة ما بها من الخيرات، فساروا أيّاما، وعتق طعامهم، وضاقت من ( المفازة: ج مفازات ومفاوز: المهلكة، الفلاة لا ماء فيها. المنجد: 599، (فوز). )
بقاياه صدورهم، فأحبّوا طعاماً طريّاً، فقال قوم منهم: يا رسول اللّه قد سئمنا هذا الذي معنا من الطعام، فقدعتق وصار يابساً، وكان يريح ولا صبر لنا عليه.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وما معكم؟ قالوا: خبز ولحم قديد مالح، وعسل وتمر، فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فأنتم الآن كقوم موسي لمّا قالوا له: (لَن نَّصْبِرَ عَلَي طَعَامٍ وَحِدٍ ) فما الذي تريدون؟
( البقرة: 61/2. )
قالوا: نريد لحماً طريّاً قديداً ولحماً مشويّاً من لحوم الطير، ومن الحلواء المعمول.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ولكنّكم تخالفون في هذه الواحدة بني إسرائيل لأنّهم أرادوا البقل والقثّاء والفوم والعدس والبصل، فاستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير، وأنتم تستبدلون الذي هو أفضل بالذي هو دونه، وسوف أسأله لكم ربّي.
قالوا: يا رسول اللّه! فإنّ فينا من يطلب مثل ما طلبوا من بقلها وقثّائها وفومها وعدسها وبصلها.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فسوف يعطيكم اللّه ذلك بدعاء رسول اللّه، فآمنوا به، وصدّقوه.
ثمّ قال لهم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عباد اللّه! إنّ قوم عيسي لمّا سألوا عيسي أن ينزّل عليهم مائدة من السماء، قال اللّه تعالي: (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ و عَذَابًا لَّآ أُعَذِّبُهُ و أَحَدًا مِّنَ الْعَلَمِينَ ) فأنزلها عليهم، ( المائدة: 115/5. )
فمن كفر بعد منهم مسخه اللّه إمّا خنزيراً، وإمّا قرداً، وإمّا دبّاً وإمّا هرّاً وإمّا علي صورة بعض من الطيور وادوابّ التي في البرّ والبحر حتّي مسخوا علي أربعمائة نوع من المسخ.
فإنّ محمّداً رسول اللّه لا يستنزل لكم ما سألتموه من السماء حتّي يحلّ بكافركم ما حلّ بكفّار قوم عيسي(عليه السلام).
وإنّ محمّداً أرأف بكم من أن يعرضكم لذلك.
ثمّ نظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي طائر في الهواء، فقال لبعض أصحابه: قل لهذا الطائر: إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يأمرك أن تقع علي الأرض فقالها، فوقع.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أيّها الطائر! إنّ اللّه يأمرك أن تكبر، وتزداد عظماً، فكبر، فازداد عظماً حتّي صار كالتلّ العظيم.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لأصحابه: أحيطوا به، فأحاطوا به، وكان عظم ذلك الطائر أنّ أصحاب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وهم فوق عشرة آلاف، اصطفّوا حوله فاستدار صفّهم.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أيّها الطائر! إنّ اللّه يأمرك أن تفارقك أجنحتك وزغبك وريشك، ففارقه ذلك أجمع، وبقي الطائر لحماً علي عظم وجلده فوقه.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ اللّه يأمرك أن يفارقك - أيّها الطائر - عظام بدنك ورجليك ومنقارك، ففارقه ذلك أجمع، وصار حول الطائر، والقوم حول ذلك أجمع.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ اللّه تعالي يأمر هذه العظام أن تعود قثّاءً، فعادت كما قال، ثمّ قال: إنّ اللّه تعالي يأمر هذه الأجنحة والزغب والريش أن تعود بقلاً وبصلاً وفوماً وأنواع البقول، فعادت كما قال.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عباد اللّه! ضعوا الآن أيديكم عليها، فمزّقوا منها بأيديكم، وقطّعوا منها بسكاكينكم، فكلوه، ففعلوا.
فقال بعض المنافقين وهو يأكل: إنّ محمّداً يزعم [ أنّ ] في الجنّة طيوراً يأكل منها الجناني من جانب له قديداً ومن جانب [ له ] مشويّاً، فهلاّ أرانا نظير ذلك في الدنيا!؟
فأوصل اللّه علم ذلك إلي قلب محمّد، فقال: عباد اللّه ليأخذ كلّ واحد منكم لقمته، وليقل: بسم اللّه الرحمن الرحيم، وصلّي اللّه علي محمّد وآله الطيّبين، وليضع لقمته في فيه، فإنّه يجد طعم ما يشاء قديداً، وإن شاء مشويّاً وإن شاءمرقاً طبيخاً، وإن شاء سائر ما شاء من ألوان الطبيخ، أو ما شاء من ألوان الحلواء.
ففعلوا ذلك، فوجدوا الأمر كما قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) حتّي شبعوا.
فقالوا: يا رسول اللّه! شبعنا ونحتاج إلي ماء نشربه.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أولا تريدون اللبن؟ أولا تريدون سائر الأشربة؟ قالوا: بلي، يا رسول اللّه! فينا من يريد ذلك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ليأخذ كلّ واحد منكم لقمة منها، فيضعها في فيه، وليقل: بسم اللّه الرحمن الرحيم، وصلّي اللّه علي محمّد وآله الطيّبين، فإنّه يستحيل في فيه ما يريد إن أراد ماءً أو لبناً أو شراباً من الأشربة.
ففعلوا، فوجدوا الأمر علي ما قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ اللّه يأمرك - أيّها الطائر - أن تعود كما كنت، ويأمر هذه الأجنحة والمنقار والريش والزغب التي قد استحالت إلي البقل والقثّاء والبصل والفوم أن تعود جناحاً وريشاً وعظماً كما كانت علي قدر قالبها، فانقلبت وعادت أجنحة وريشاً وزغباً وعظاماً، ثمّ تركّبت علي قدر الطائر كماكانت.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أيّها الطائر! إنّ اللّه يأمر الروح التي كانت فيك، فخرجت، أن تعود إليك، فعادت روحها في جسدها.
ثمّ قال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أيّها الطائر! إنّ اللّه يأمرك أن تقوم فتطير كما كنت تطير.
فقام فطار في الهواء وهم ينظرون إليه، ثمّ نظروا إلي ما بين أيديهم، فإذا لم يبق هناك من ذلك البقل والقثّاء والبصل والفوم شي ء.
( التفسير: 563، س 16. عنه البحار: 235/14، ح 8، قطعة منه، و240/21، س 16، ضمن ح 24، وقصص الأنبياء للجزائريّ: 408 س 1، ومستدرك الوسائل: 170/16، ح 19482، قطعة منه. )
25 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ: (أَوْضَعِيفًا أَوْ لَايَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَفَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ و بِالْعَدْلِ ).
( البقرة: 282/2. )
قال: (ضَعِيفًا ) في بدنه لا يقدر أن يملّ، أو ضعيفاً في فهمه وعلمه لايقدر أن يملّ ويميّز الألفاظ التي هي عدل عليه، وله من الألفاظ التي هي جور عليه، أو علي حميمه.
(أَوْ لَايَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ ) يعني بأن يكون مشغولاً في مرمّة لمعاش، أو تزوّد لمعاد، أو لذّة في غير محرّم، فإنّ تلك [هي ] الأشغال التي لا ينبغي لعاقل أن يشرع في غيرها.
قال: (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ و بِالْعَدْلِ ) يعني النائب عنه، والقيّم بأمره بالعدل بأن لايحيف علي المكتوب له، ولا علي المكتوب عليه.
( التفسير: 634، ح 369. عنه البحار: 101، ح 10. )
26 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [قال:] ولقد مرّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) علي قوم من أخلاط المسلمين ليس فيهم مهاجريّ ولا أنصاريّ، وهم قعود في بعض المساجد في أوّل يوم من شعبان 1ق شعبان، 4 إذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره ممّا اختلف الناس فيه، قد ارتفعت أصواتهم، واشتدّ فيه محكهم وجدالهم.
فوقف عليهم فسلّم، فردّوا عليه، وأوسعوا، وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم، فلم يحفل بهم.
ثمّ قال لهم - وناداهم -: يا معشر المتكلّمين! فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم، ألم تعلموا أنّ للّه عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عيّ ولا بكم، وإنّهم لهم ( عيي بالأمر: لم يهتد لوجهه. المصباح المنير: 441، (عيي). )
الفصحاء العقلاء الألبّاء العالمون باللّه وأيّامه.
ولكنّهم إذا ذكروا عظمة اللّه انكسرت ألسنتهم، وانقطعت أفئدتهم، وطاشت عقولهم، وهامت حلومهم، إعزازاً للّه وإعظاماً وإجلالاً له.
( الطيش: الخفّة. المصدر: 383، (طيش).)
( الهيام: الجنون من العشق. المنجد: 882، (هيم). )
فإذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلي اللّه بالأعمال الزاكية، يعدّون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وأنّهم براء من المقصرين والمفرّطين إلّا أنّهم لا يرضون للّه بالقليل، ولا يستكثرون للّه الكثير، ولا يدلّون عليه بالأعمال، فهم متي ما رأيتهم مهمومون مروّعون خائفون مشفقون وجلون.
فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين! ألم تعلموا أنّ أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه، وأنّ أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه.
يا معشر المبتدعين! هذا يوم غرّة شعبان الكريم، سمّاه ربّنا شعبان، لتشعّب الخيرات فيه، قد فتح ربّكم فيه أبواب جنانه، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان، وأسهل الأمور، فأبيتموها. وعرض لكم إبليس اللعين بشعب شروره وبلاياه.
فأنتم دائباً تنهمكون في الغيّ والطغيان، وتتمسّكون بشعب إبليس، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه.
هذه غرّة شعبان، وشعب خيراته، الصلاة، والصوم، والزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبرّ الوالدين، والقرابات، والجيران، وإصلاح ذات البين، والصدقة علي الفقراء والمساكين، تتكلّفون ما قد وضع عنكم، وما قدنهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر اللّه التي من فتّش عنها كان من الهالكين.
أما إنّكم لو وقفتم علي ما قد أعدّه ربّنا عزّ وجلّ للمطيعين من عباده في هذا اليوم، لقصرتم عمّا أنتم فيه، وشرعتم فيما أمرتم به.
قالوا: يا أمير المؤمنين! وما الذي أعدّ اللّه في هذا اليوم للمطيعين له؟
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): لا أحدّثكم إلّا بما سمعت من رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، لقدبعث رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) جيشاً ذات يوم إلي قوم من أشدّاء الكفّار فأبطأ عليه خبرهم، وتعلّق قلبه بهم، وقال: ليت [ لنا] من يتعرّف أخبارهم، ويأتينا بأنبائهم.
بينا هو قائل هذا إذ جاءه البشير، بأنّهم قد ظفروا بأعدائهم، واستولوا [عليهم ] وصيّروهم بين قتيل، وجريح وأسير، وانتهبوا أموالهم، وسبوا ذراريهم وعيالهم.
فلمّا قرب القوم من المدينة، خرج إليهم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بأصحابه يتلقّاهم، فلمّا لقيهم ورئيسهم زيد بن حارثة، وكان قد أمّره عليهم -فلمّا رأي زيد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)- نزل عن ناقته، وجاء إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وقبّل رجله، ثمّ قبّل يده، فأخذه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وقبّل رأسه.
[ثمّ نزل إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) عبد اللّه بن رواحة، فقبّل يده ورجله، وضمّه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي نفسه.
ثمّ نزل إليه قيس بن عاصم المنقريّ، فقبّل يده ورجله، وضمّه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إليه ]، ثمّ نزل إليه سائر الجيش، ووقفوا يصلّون عليه، وردّ عليهم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) خيراً، ثمّ قال لهم: حدّثوني خبركم، وحالكم مع أعدائكم؟
وكان معهم من أسراء القوم وذراريهم وعيالاتهم، وأموالهم من الذهب والفضّة وصنوف الأمتعة شي ء عظيم.
فقالوا: يا رسول اللّه! لو علمت كيف حالنا لعظم تعجّبك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لم أكن أعلم ذلك حتّي عرّفنيه الآن جبرئيل(عليه السلام)، وما كنت أعلم شيئاً من كتابه، ودينه أيضاً حتّي علّمنيه ربّي، قال اللّه عزّوجلّ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَبُ وَلَاالْإِيمَنُ - إلي قوله - صِرَطٍ مُّسْتَقِيمٍ ).
( الشوري: 52/42. )
ولكن حدّثوا بذلك إخوانكم هؤلاء المؤمنين لأُصدّقكم [فقد أخبرني جبرئيل بصدقكم ].
فقالوا: يا رسول اللّه! إنّا لمّا قربنا من العدوّ بعثنا عيناً لنا، ليعرف أخبارهم وعددهم لنا، فرجع إلينا يخبرنا أنّهم قدر ألف رجل، وكنّا ألفي رجل، وإذا القوم قد خرجوا إلي ظاهر بلدهم في ألف رجل، وتركوا في البلد ثلاثة آلاف، يوهموننا أنّهم ألف، وأخبرنا صاحبنا أنّهم يقولون فيما بينهم نحن ألف، وهم ألفان، ولسنا نطيق مكافحتهم، وليس لنا إلّا التحاصن في البلد حتّي تضيق صدورهم من منازلتنا فينصرفوا عنّا، فتجرّأنا بذلك عليهم، وزحفنا إليهم، فدخلوا بلدهم وأغلقوا دوننا بابه، فقعدنا ننازلهم.
فلمّا جنّ علينا الليل، وصرنا إلي نصفه فتحوا باب بلدهم، ونحن غارّون ( الغرّة بالكسر: الغفلة، مجمع البحرين: 422/3، (غرر). )
نائمون، ما كان فينا منتبه إلّا أربعة نفر زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلّي ويقرأ القرآن، وعبداللّه بن رواحة في جانب آخر يصلّي ويقرأ القرآن، وقتادة بن النعمان في جانب آخر يصلّي ويقرأ القرآن، وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلّي ويقرأ القرآن.
فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة، ورشقونا بنبالهم، وكان ذلك بلدهم وهم بطرقه ومواضعه عالمون، ونحن بها جاهلون.
فقلنا فيما بيننا: دهينا وأوتينا هذا ليل مظلم، لا يمكننا أن نتّقي النبال لأنّا لانبصرها، فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوءاً خارجاً من في قيس بن عاصم المنقريّ كالنار المشتعلة.
وضوءاً خارجاً من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري.
وضوءاً خارجاً من في عبد اللّه بن رواحة، كشعاع القمر في الليلة المظلمة.
ونوراً ساطعاً من في زيد بن حارثة أضوء من الشمس الطالعة، وإذا تلك الأنوار قد أضاءت معسكرنا حتّي أنّه أضوء من نصف النهار، وأعداؤنا في ظلمة شديدة فأبصرناهم، وعموا [عنّا].
ففرّقنا زيد بن حارثة عليهم حتّي أحطنا بهم، ونحن نبصرهم، وهم لايبصروننا، ونحن بصراء وهم عميان، فوضعنا عليهم السيوف، فصاروا بين قتيل، وجريح، وأسير.
ودخلنا بلدهم فاشتملنا علي الذراري والعيال والأثاث [والأموال ] وهذه عيالاتهم، وذراريهم، وهذه أموالهم.
وما رأينا يا رسول اللّه! أعجب من تلك الأنوار من أفواه هؤلاء القوم التي عادت ظلمة علي أعدائنا حتّي مكّنّا منهم.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): قولوا: الحمد للّه ربّ العالمين علي ما فضّلكم به من شهر شعبان، هذه كانت [ ليلة] غرّة شعبان، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام، وهذه الأنوار بأعمال إخوانكم هؤلاء في غرّة شعبان، أسلفوا بها أنواراً في ليلتها قبل أن يقع منهم الأعمال.
قالوا: يا رسول اللّه! وما تلك الأعمال لنثابر عليها؟
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أمّا قيس بن عاصم المنقريّ فإنّه أمر بمعروف في يوم غرّة شعبان، وقد نهي عن منكر، ودلّ علي خير، فلذلك قدّم له النور في بارحة يومه عند قرأته القرآن، وأمّا قتادة بن النعمان فإنّه قضي ديناً كان عليه في [ يوم ] غرّة شعبان، فلذلك أسلفه اللّه النور في بارحة يومه.
وأمّا عبد اللّه بن رواحة فإنّه كان برّاً بوالديه، فكثرت غنيمته في هذه الليلة فلمّا كان من غد قال له أبوه: إنّي وأُمّك لك محبّان، وإنّ امرأتك فلانة تؤذينا وتعنّينا، وإنّا لا نأمن من أن تصاب في بعض هذه المشاهد، ولسنا نأمن أن تستشهد في بعضها فتداخلنا هذه في أموالك، ويزداد علينا بغيها وعنتها.
فقال عبد اللّه: ماكنت أعلم بغيها عليكم وكراهتكما لها، ولو كنت علمت ذلك لأبنتها من نفسي، ولكنّي قد أبنتها الآن لتأمنا ما تحذران فما كنت بالذي أحبّ من تكرهان، فلذلك أسلفه اللّه النور الذي رأيتم.
وأمّا زيد بن حارثة الذي كان يخرج من فيه نور أضوء من الشمس الطالعة، وهو سيّد القوم وأفضلهم، فقد علم اللّه ما يكون منه فاختاره وفضّله علي علمه بما يكون منه أنّه في اليوم الذي ولي هذه الليلة التي كان فيها ظفر المؤمنين بالشمس الطالعة من فيه جاءه رجل من منافقي عسكره يريد التضريب بينه وبين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وإفساد ما بينهما.
فقال [ له ]: بخّ بخّ أصبحت لا نظير لك في أهل بيت رسول اللّه وصحابته هذا بلاؤك وهذا الذي شاهدناه نورك.
فقال له زيد: يا عبد اللّه! اتّق اللّه ولا تفرط في المقال! ولا ترفعني فوق قدري! فإنّك [ للّه ] بذلك مخالف، و [به ] كافر وإنّي إن تلقّيت مقالتك هذه بالقبول لكنت كذلك، يا عبد اللّه! ألا أُحدّثك بما كان في أوائل الإسلام وما بعده حتّي دخل رسول اللّه المدينة، وزوّجه فاطمة(سلام اللّه عليه)، وولد له الحسن والحسين(عليهما السلام)؟ قال: بلي.
قال: إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان لي شديد المحبّة حتّي تبنّاني لذلك فكنت أُدعي زيد بن محمّد إلي أن ولد لعليّ الحسن والحسين(عليهم السلام)، فكرهت ذلك لأجلهما، وقلت - لمن كان يدعوني - أحبّ أن تدعوني زيداً مولي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) فإنّي أكره أن أُضاهي الحسن والحسين(عليهما السلام).
فلم يزل ذلك حتّي صدّق اللّه ظنّي، وأنزل علي محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم): (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ي )، يعني قلباً يحبّ محمّداً وآله ويعظّمهم، وقلباً يعظّم به غيرهم كتعظيمهم، أو قلباً يحبّ به أعداءهم، بل من أحبّ أعداءهم فهو يبغضهم ولا يحبّهم، [ومن سوّي بهم مواليهم فهو يبغضهم ولا يحبّهم ]. ثمّ قال: (وَمَا جَعَلَ أَزْوَجَكُمُ الَِّي تُظَهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ - إلي قوله تعالي - وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَبِ اللَّهِ ) يعني الحسن والحسين(عليهما السلام) أولي بنبوّة رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في كتاب اللّه وفرضه.
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفْعَلُواْ إِلَي أَوْلِيَآلِكُم مَّعْرُوفًا ) إحساناً وإكراماً لا يبلغ ذلك محلّ الأولاد (كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَبِ مَسْطُورًا).
( الأحزاب: 4/33 - 6. )
فتركوا ذلك وجعلوا يقولون: زيد أخو رسول اللّه، فما زال الناس يقولون لي هذا [وأكرهه ] حتّي أعاد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) المؤاخاة بينه وبين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
ثمّ قال زيد: يا عبد اللّه! إنّ زيداً مولي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) كما هو مولي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) فلا تجعله نظيره، ولا ترفعه فوق قدره، فتكون كالنصاري لمّا رفعوا عيسي(عليه السلام) فوق قدره، فكفروا باللّه [ العليّ ] العظيم.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فلذلك فضّل اللّه زيداً بما رأيتم وشرّفه بما شاهدتم، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً! إنّ الذي أعدّه اللّه لزيد في الآخرة ليصغر في جنبه ماشاهدتم في الدنيا من نوره، أنّه ليأتي يوم القيامة، ونوره يسير أمامه وخلفه ويمينه ويساره وفوقه وتحته، من كلّ جانب مسيرة ألف سنة.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أولا أُحدّثكم بهزيمة تقع في إبليس وأعوانه وجنوده أشدّ ممّا وقعت في أعدائكم هؤلاء؟
قالوا: بلي، يا رسول اللّه!
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): والذي بعثني بالحقّ نبيّاً! إنّ إبليس إذا كان أوّل يوم من شعبان بثّ جنوده في أقطار الأرض 1ظ الأرض، 4 وآفاقها يقول لهم: اجتهدوا في اجتذاب بعض عباد اللّه إليكم هذا اليوم.
وإن اللّه عزّ وجلّ بثّ الملائكة في أقطار الأرض وآفاقها، يقول [ لهم ]: سدّدوا عبادي وأرشدوهم، فكلّهم يسعد بكم إلّا من أبي وتمرّد وطغي، فإنّه يصير في حزب إبليس وجنوده.
إنّ اللّه عزّ وجلّ إذا كان أوّل يوم من شعبان أمر بأبواب الجنّة فتفتح، ويأمر شجرة طوبي فتطلع أغصانها علي هذه الدنيا.
[ثمّ يأمر بأبواب النار فتفتح، ويأمر شجرة الزقّوم فتطلع أغصانها علي هذه الدنيا].
ثمّ ينادي منادي ربّنا عزّ وجلّ: يا عباد اللّه! هذه أغصان شجرة طوبي فتمسّكوا بها ترفعكم إلي الجنّة، وهذه أغصان شجرة الزقّوم، فإيّاكم وإيّاها لاتؤدّيكم إلي الجحيم.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فوالذي بعثني بالحقّ نبيّاً! إنّ من تعاطي باباً من الخير والبرّ في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة طوبي، فهو مؤدّيه إلي الجنّة، ومن تعاطي باباً من الشرّ في هذا اليوم، فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزقّوم، فهو مؤدّيه إلي النار.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فمن تطوّع للّه بصلاة في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، ومن صام في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، [ومن عفا عن مظلمة، فقد تعلّق منه بغصن ].
ومن أصلح بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده، أو القريب وقريبه، أو الجار وجاره، أو الأجنبيّ أو الأجنبيّة، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن خفّف عن معسر من دينه، أو حطّ عنه، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن نظر في حسابه فرأي ديناً عتيقاً قد أيس منه صاحبه فأدّاه، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن كفل يتيماً فقد تعلّق منه بغصن.
ومن كفّ سفيهاً عن عرض مؤمن، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن قرأ القرآن أو شيئاً منه، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن قعد يذكر اللّه ونعماءه ويشكره عليها، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن عاد مريضاً، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن شيّع فيه جنازة، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن عزّي فيه مصاباً، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن برّ والديه أو أحدهما في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن.
ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم، فأرضاهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، وكذلك من فعل شيئاً من [سائر] من أبواب الخير في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): والذي بعثني بالحقّ نبيّاً! وإنّ من تعاطي باباً من الشرّ والعصيان في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزقّوم، فهو مؤدّيه إلي النار.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): والذي بعثني بالحقّ نبيّاً! فمن قصّر في صلاته المفروضة وضيّعها، فقد تعلّق بغصن منه.
[ومن كان عليه فرض صوم، ففرّط فيه وضيّعه، فقد تعلّق بغصن منه ].
ومن جاءه في هذا اليوم فقير ضعيف يعرف سوء حاله، وهو يقدر علي تغيير حاله من غير ضرر يلحقه، وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه، فتركه يضيع ويعطب ولم يأخذ بيده، فقد تعلّق بغصن منه.
( عطب الهدي عطباً، من باب تعب: هلك. مجمع البحرين: 124، (عطب). )
ومن اعتذر إليه مسي ء فلم يعذره ثمّ لم يقتصر به علي قدر عقوبة إساءته بل أربي عليه، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن ضرب بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده، أو الأخ وأخيه، أو القريب وقريبه، أو بين جارين، أو خليطين، أو أجنبيّين، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن شدّد علي معسر وهو يعلم إعساره فزاد غيظاً وبلاء، فقد تعلّق بغصن منه، ومن كان عليه دين فكسره علي صاحبه، وتعدّي عليه حتّي أبطل دينه، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن جفا يتيماً وآذاه وتهضّم ماله، فقد تعلّق بغصن منه، ومن وقع في عرض أخيه المؤمن وحمل الناس علي ذلك، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن تغنّي بغناء حرام يبعث فيه علي المعاصي، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن قعد يعدّد قبائح أفعاله في الحروب، وأنواع ظلمه لعباد اللّه ويفتخر بها، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن كان جاره مريضاً، فترك عيادته استخفافاً بحقّه، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن مات جاره، فترك تشييع جنازته تهاوناً به، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن أعرض عن مصاب وجفاه إزراءً عليه واستصغاراً له، فقد تعلّق بغصن منه، ومن عقّ والديه أو أحدهما، فقد تعلّق بغصن منه.
ومن كان قبل ذلك عاقّاً لهما، فلم يرضهما في هذا اليوم، و [هو] يقدر علي ذلك، فقد تعلّق بغصن منه.
وكذا من فعل شيئاً من سائر أبواب الشرّ، فقد تعلّق بغصن منه.
والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، إنّ المتعلّقين بأغصان شجرة طوبي، ترفعهم تلك الأغصان إلي الجنّة، [وإنّ المتعلّقين بأغصان شجرة الزقّوم، تخفضهم تلك الأغصان إلي الجحيم ].
ثمّ رفع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) طرفه إلي السماء مليّاً، وجعل يضحك ويستبشر، ثمّ خفض طرفه إلي الأرض فجعل يقطب ويعبس، ثمّ أقبل علي أصحابه فقال: والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً! لقد رأيت شجرة طوبي ترتفع [ أغصانها]، وترفع المتعلّقين بها إلي الجنّة، ورأيت منهم من تعلّق منها بغصن، ومنهم من تعلّق منها بغصنين، أو بأغصان علي حسب اشتمالهم علي الطاعات.
وإنّي لأري زيد بن حارثة قد تعلّق بعامّة أغصانها، فهي ترفعه إلي أعلي عاليها، فلذلك ضحكت واستبشرت، ثمّ نظرت إلي الأرض فوالذي بعثني بالحقّ نبيّاً! لقد رأيت شجرة الزقّوم تنخفض أغصانها، وتخفض المتعلّقين بها إلي الجحيم، ورأيت منهم من تعلّق بغصن، ورأيت منهم من تعلّق منها بغصنين، أو بأغصان علي حسب اشتمالهم علي القبائح.
وإنّي لأري بعض المنافقين قد تعلّق بعامّة أغصانها، وهي تخفضه إلي أسفل دركاتها، فلذلك عبست وقطبت.
قال: ثمّ أعاد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بصره إلي السماء ينظر إليها مليّاً، وهو يضحك ويستبشر، ثمّ خفض طرفه إلي الأرض، وهو يقطب ويعبس.
ثمّ أقبل علي أصحابه فقال: يا عباد اللّه! أما لو رأيتم ما رآه نبيّكم محمّد، إذا لأظمأتم للّه بالنهار أكبادكم، ولجوّعتم له بطونكم، ولأسهرتم له ليلكم، ولأنصبتم فيه أقدامكم وأبدانكم، ولأنفدتم بالصدقة أموالكم، وعرّضتم للتلف في الجهادأرواحكم.
قالوا: وما هو يا رسول اللّه! فداؤك الآباء والأُمّهات والبنون والبنات والأهلون والقرابات؟
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): والذي بعثني بالحقّ نبيّاً! لقد رأيت تلك الأغصان من شجرة طوبي عادت إلي الجنّة، فنادي منادي ربّنا عزّ وجلّ خزّانها: ياملائكتي! انظروا كلّ من تعلّق بغصن من أغصان طوبي في هذا اليوم، فانظروا إلي مقدار منتهي ظلّ ذلك الغصن، فأعطوه من جميع الجوانب مثل مساحته قصوراً ودوراً وخيرات، فأعطوا ذلك، فمنهم من أُعطي مسيرة ألف سنة من كلّ جانب، [ومنهم من أُعطي ضعفه ]، ومنهم من أُعطي ثلاثة أضعافه، وأربعة أضعافه، وأكثر من ذلك علي قدر [قوّة] إيمانهم وجلالة أعمالهم.
ولقد رأيت صاحبكم زيد بن حارثة أُعطي ألف ضعف ما أُعطي جميعهم علي قدر فضله عليهم في قوّة الإيمان، وجلالة الأعمال، فلذلك ضحكت واستبشرت.
ولقد رأيت تلك الأغصان من شجرة الزقّوم، عادت إلي جهنّم، فنادي منادي ربّنا خزّانها: يا ملائكتي! انظروا من تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزقّوم في هذا اليوم فانظروا إلي منتهي مبلغ حدّ ذلك الغصن وظلمته، فابنوا له مقاعد من النار من جميع الجوانب مثل مساحته قصور النيران، وبقاع غيران، وحيّات، وعقارب، وسلاسل، وأغلال، وقيود، وأنكال يعذّب بها.
فمنهم من أعدّ له فيها مسيرة سنة، أو سنتين، أو مائة سنة، أو أكثر علي قدر ضعف إيمانهم وسوء أعمالهم.
ولقد رأيت لبعض المنافقين ألف ضعف ما أُعطي جميعهم علي قدر زيادة كفره وشرّه، فلذلك قطبت وعبست.
ثمّ نظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي أقطار الأرض وأكنافها، فجعل يتعجّب تارةً وينزعج تارةً، ثمّ أقبل علي أصحابه فقال: طوبي للمطيعين! كيف يكرمهم اللّه بملائكته، والويل للفاسقين كيف يخذلهم اللّه، ويكلهم إلي شياطينهم.
والذي بعثني بالحقّ نبيّاً! إنّي لأري المتعلّقين بأغصان شجرة طوبي كيف قصدتهم الشياطين ليغووهم، فحملت عليهم الملائكة يقتلونهم، ويثخنونهم، ويطردونهم عنهم، فناداهم منادي ربّنا: يا ملائكتي! ألا فانظروا كلّ ملك في الأرض إلي منتهي مبلغ نسيم هذا الغصن الذي تعلّق به متعلّق، فقاتلوا الشياطين عن ذلك المؤمن، وأخّروهم عنه، فإنّي لأري بعضهم وقد جاءه من الأملاك من ينصره علي الشياطين، ويدفع عنه المردة.
ألا فعظّموا هذا اليوم من شعبان بعد تعظيمكم لشعبان، فكم من سعيد فيه، وكم من شقيّ فيه، لتكونوا من السعداء فيه، ولا تكونوا من الأشقياء.
( التفسير: 635، ح 371. عنه البحار: 265/3، ح 30، و166/8، س 22، ضمن ح 111، و79/22، ح 31، و357/73، ح 26، و262/76، ح 8، قِطع منه، و55/94، ح 1، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 133/1، ح 189، و542/7، ح 8848، و29/9، ح 10119، و71، ح 10235، و250/12، ح 14025، قِطع منه، والفصول المهمّة للحرّ العامليّ: 253/1، ح 255، قطعة منه. )
27 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ) قال: من أحراركم من ( البقرة: 282/2. )
المسلمين [ العدول ].
قال(عليه السلام): استشهدوهم، لتحوطوا بهم أديانكم وأموالكم، ولتستعملوا أدب اللّه ووصيّته فإنّ فيهما النفع والبركة، ولا تخالفوهما، فيلحقكم الندم حيث لاينفعكم الندم.
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام): سمعت رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، يقول: ثلاثة لايستجيب اللّه لهم بل يعذّبهم ويوبّخهم.
أمّا أحدهم فرجل ابتلي بامرأة سوء فهي تؤذيه، وتضارّه، وتعيب عليه دنياه، وتنغّصها، وتكدّرها، وتفسد عليه آخرته، فهو يقول: «اللّهمّ! ياربّ، خلّصني منها»
يقول اللّه تعالي: يا أيّها الجاهل! قد خلّصتك منها، جعلت بيدك طلاقها، والتفصّي منها، طلّقها وانبذها عنك نبذ الجورب الخلق الممزّق.
والثاني رجل مقيم في بلد قد استوبله ولا يحضره له فيه [ كلّ ] مايريده، ( استوبلت الأرض والبلد: استوخمتها، استوبلت الأرض إذا لم يستمري ء بها الطعام ولم توافقه في مطعمه، وإن كان محبّاً لها. لسان العرب: 720/11، (وبل). )
وكلّ ما التمسه حرمه، يقول: «اللّهمّ [ يا ربّ ] خلّصني من هذا البلد الذي قداستوبلته».
يقول اللّه عزّ وجلّ: يا عبدي! قد خلّصتك من هذا البلد، وقد أوضحت لك طريق الخروج منه، ومكنّتك من ذلك، فأخرج منه إلي غيره تجتلب عافيتي وتسترزقني.
والثالث رجل أوصاه اللّه تعالي أن يحتاط لدينه بشهود وكتاب، فلم يفعل ذلك، ودفع ماله إلي غير ثقة بغير وثيقة، فجحده أو بخسه، فهو يقول: «اللّهمّ [ يا ربّ ] ردّ عليّ مالي».
يقول اللّه عزّ وجلّ [ له ]: يا عبدي! قد علّمتك كيف تستوثق لمالك، ليكون محفوظاً لئلّا يتعرّض للتلف، فأبيت، فأنت الآن تدعوني وقد ضيّعت مالك وأتلفته، وخالفت وصيّتي، فلا أستجيب لك.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): [ ألا] فاستعملوا وصيّة اللّه تفلحوا وتنجوا، ولاتخالفوها فتندموا.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أما إنّ اللّه عزّ وجلّ كما (أمركم) أن تحتاطوا لأنفسكم، وأديانكم، وأموالكم باستشهاد الشهود العدول عليكم، فكذلك قداحتاط علي عباده، ولهم في استشهاد الشهود عليهم.
فللّه عزّ وجلّ علي كلّ عبد رقباء من خلقه، ومعقّبات من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه من أمر اللّه، ويحفظون عليه ما يكون منه من أعماله وأقواله وألفاظه وألحاظه، فالبقاع التي تشتمل عليه، شهود ربّه له أو عليه، والليالي والأيّام والشهور شهود عليه أو له، وساير عباد اللّه المؤمنين شهود له أو عليه، وحفظته الكاتبون أعماله شهود له أو عليه.
فكم يكون يوم القيامة من سعيد بشهادتها له، وكم يكون يوم القيامة من شقيّ بشهادتها عليه.
إنّ اللّه عزّ وجلّ يبعث يوم القيامة عباده أجمعين وإماءه، فيجمعهم في صعيد واحد، فينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، ويحشر الليالي والأيّام، وتستشهد البقاع، والشهور علي أعمال العباد.
فمن عمل صالحاً، شهدت له جوارحه وبقاعه وشهوره وأعوامه وساعاته وأيّامه وليالي الجمع وساعاتها وأيّامها، فيسعد بذلك سعادة الأبد.
ومن عمل سوءً شهدت عليه جوارحه وبقاعه وشهوره وأعوامه وساعاته [وأيّامه ] وليالي الجمع وساعاتها وأيّامها، فيشقي بذلك شقاء الأبد.
ألا فاعملوا [ اليوم ] ليوم القيامة، وأعدّوا الزاد ليوم الجمع، يوم التناد، وتجنّبوا المعاصي فبتقوي اللّه يرجي الخلاص.
فإنّ من عرف حرمة رجب وشعبان ووصلهما بشهر رمضان، شهر اللّه الأعظم، شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها، وينادي مناد: يا رجب، ويا شعبان، ويا شهر رمضان! كيف عمل هذا العبد فيكم؟ وكيف كانت طاعته للّه عزّ وجلّ؟
فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربّنا! ما تزوّد منّا إلّا استعانة علي طاعتك واستمداداً [ لموادّ] فضلك، ولقد تعرّض بجهده لرضاك، وطلب بطاقته محبّتك، فيقول للملائكة الموكّلين بهذه الشهور: ماذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد؟
فيقولون: يا ربّنا! صدق رجب وشعبان وشهر رمضان، ما عرفناه إلّا متقبّلاً في طاعتك، مجتهداً في طلب رضاك، صائراً فيه إلي البرّ والإحسان، ولقد كان بوصوله إلي هذه الشهور فرحاً مبتهجاً، وأمّل فيها رحمتك، ورجي فيها عفوك ومغفرتك، وكان عمّا منعته فيها ممتنعاً، وإلي ما ندبته إليه فيها مسرعاً، لقد صام ببطنه، وفرجه، وسمعه، وبصره، وسائر جوارحه [ويرجو درجة] ولقد ظمأ في نهارها، ونصب في ليلها، وكثرت نفقاته فيها علي الفقراء والمساكين، وعظمت أياديه وإحسانه إلي عبادك، صحبها أكرم صحبة، وودّعها أحسن توديع، أقام بعد انسلاخها عنه علي طاعتك، ولم يهتك عند إدبارها ستور حرماتك، فنعم العبد هذا.
فعند ذلك يأمر اللّه تعالي بهذا العبد إلي الجنّة، فتلقاه الملائكة بالحباء والكرامات، ويحملونه علي نجب النور، وخيول البراق، ويصير إلي نعيم لاينفد، ودار لا تبيد، ولا يخرج سكّانها، ولا يهرم شبّانها، ولا يشيب ولدانها، ولا ينفد سرورها وحبورها، ولا يبلي جديدها، ولا يتحوّل إلي الغموم سرورها، ( الحَبْر والحَبَر والحَبْرة والحبُور، كلّه: السرور. لسان العرب: 158/4، (حبر). )
لايمسّهم فيها نصب، ولا يمسّهم فيها لغوب، قد أمنوا العذاب، وكفّوا سوء الحساب، كرم منقلبهم ومثواهم.
( التفسير: 651، ح 372، و373. عنه مستدرك الوسائل: 401/13، ح 15727، و282/15، ح 18245، قطعتان منه، والبحار: 315/7، ح 11، و38/94، ح 23، و305/101، س 7، ضمن ح 10، قِطع منه، والبرهان: 262/1، ح 3، قطعة منه. )
28 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ: (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ 5البقرة فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان.... 282 ، 4 )، قال: عدلت امرأتان في الشهادة برجل واحد فإذا كان رجلان أو رجل وامرأتان، أقاموا الشهادة قضي بشهادتهم.
قال أمير المؤمنين(عليه السلام) كنّا نحن مع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) - وهو يذاكرنا بقوله تعالي: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ).
( البقرة: 282/2. )
قال: أحراركم دون عبيدكم، فإنّ اللّه تعالي قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمّل الشهادات وعن أدائها، وليكونوا من المسلمين منكم.
فإنّ اللّه عزّ وجلّ [ إنّما] شرّف المسلمين العدول بقبول شهاداتهم، وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم، ومن ثواب دنياهم قبل أن يصلوا إلي الآخرة.
إذ جاءت امرأة فوقفت قبالة رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وقالت: بأبي أنت وأُمّي يارسول اللّه! أنا وافدة النساء إليك، ما من امرأة يبلغها مسيري هذا إليك إلّإ؛غِ م ثثثثثثثثثو سرّها ذلك.
يا رسول اللّه! إنّ اللّه عزّ وجلّ ربّ الرجال والنساء، وخالق الرجال والنساء، ورازق الرجال والنساء، وإنّ آدم أبو الرجال والنساء، وإنّ حوّاء أُمّ الرجال والنساء، وإنّك رسول اللّه إلي الرجال والنساء، فما بال امرأتين برجل في الشهادة والميراث؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): [ يا] أيّتها المرأة! إنّ ذلك قضاء من ملك [عدل حكيم ] لايجور ولايحيف ولايتحامل، لاينفعه ما منعكنّ، ولاينقصه مابذل لكنّ، يدبّر الأمر بعلمه، يا أيّتها المرأة! لأنكنّ ناقصات الدين والعقل.
قالت: يا رسول اللّه! وما نقصان ديننا؟
قال: إنّ إحداكنّ تقعد نصف دهرها لا تصلّي بحيضة، وإنّكنّ تكثرن اللعن، وتكفرن النعمة، تمكث إحداكنّ عند الرجل عشر سنين فصاعداً يحسن إليها وينعم عليها، فإذا ضاقت يده يوماً أو خاصمها، قالت له: ما رأيت منك خيراً قطّ، فمن لم يكن من النساء هذا خلقها، فالذي يصيبها من هذا النقصان محنة عليها لتصبر، فيعظّم اللّه ثوابها، فابشري.
ثمّ قال لها رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ما من رجل ردّي إلّا والمرأة الردّية أردي منه، ولا من امرأة صالحة إلّا والرجل الصالح أفضل منها.
وما ساوي اللّه قطّ امرأة برجل إلّا ما كان من تسوية اللّه فاطمة بعليّ(عليهما السلام)، وإلحاقها به، وهي امرأة تفضل نساء العالمين.
وكذلك ما كان من الحسن والحسين، وإلحاق اللّه إيّاهما بالأفضلين الأكرمين لمّا أدخلهم في المباهلة.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فألحق اللّه فاطمة بمحمّد، وعليّ في الشهادة، وألحق الحسن والحسين بهم(عليهم السلام).
( التفسير: 656، ح 374. عنه مستدرك الوسائل: 256/14، ح 16639، قطعة منه، والبحار: 48/37، ح 27، و259/100، ح 11، قطعتان منه، و306/101، س 1، ضمن ح 10، بتفاوت يسير، ووسائل الشيعة: 272/27، ح 33756، و350، ح 33908، و399، ح 34053، قِطع منه، والبرهان: 263/1، ح 4، بتفاوت. )
29 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ ) ممّن ترضون دينه ( البقرة: 282/2. )
وأمانته وصلاحه وعفّته وتيقّظه فيما يشهد به، وتحصيله وتمييزه، فما كلّ صالح مميّز، ولامحصّل، ولا كلّ محصّل مميّز صالح.
وإنّ من عباد اللّه لمن هو أهل [ الجنّة1ل أهل الجنّة، 4] لصلاحه وعفّته، لو شهد لم تقبل شهادته لقلّة تمييزه، فإذا كان صالحاً عفيفاً مميّزاً محصّلاً مجانباً للمعصية، والهوي والميل والتحامل، فذلكم الرجل الفاضل، فيه فتمسّكوا وبهديه فاقتدوا، وإن انقطع عنكم المطر فاستمطروا به، وإن امتنع عليكم النبات، فاستخرجوا به النبات، وإن تعذّر عليكم الرزق فاستدرّوا به الرزق، فإنّ ذلك ممّن لايخيب طلبه، ولا تردّ مسألته.
وقال: كان رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يحكم بين الناس بالبيّنات، والأيمان في الدعاوي، فكثرت المطالبات والمظالم.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أيّها الناس! إنّما أنا بشر وأنتم تختصمون، ولعلّ بعضكم يكون ألحن بحجّته [من بعض ]، وإنّما أقضي علي نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حقّ أخيه بشي ء فلا يأخذنّه، فإنّما أقطع له قطعة من النار.
وكان رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إذا تخاصم إليه رجلان في حقّ، قال للمدّعي: لك بيّنة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها ويعرفها، أمضي الحكم علي المدّعي عليه، وإن لم يكن له بيّنة، حلف المدّعي عليه باللّه، ما لهذا قبله ذلك الذي ادّعاه ولا شي ء منه، وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شرّ.
قال للشهود: أين قبائلكما؟ فيصفان. أين سوقكما؟ فيصفان. أين منزلكما؟ فيصفان، ثمّ يقيم الخصوم والشهود بين يديه.
ثمّ يأمر فيكتب أسامي المدّعي والمدّعي عليه والشهود، ويصف ما شهدوا به، ثمّ يدفع ذلك إلي رجل من أصحابه الخيار، ثمّ مثل ذلك إلي [رجل ] آخر من خيار أصحابه، فيقول: ليذهب كلّ واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلي قبائلهما وأسواقهما أو محالّهما، والربض الذي ينزلانه، فليسأل عنهما، فيذهبان ويسألان، فإن أتوا خيراً أو ذكروا فضلاً رجعا إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فأخبراه به، وأحضر القوم الذين أثنوا عليهما، وأحضر الشهود، وقال للقوم المثنين عليهما: هذا فلان بن فلان وهذا فلان بن فلان، أتعرفونهما؟ فيقولون: نعم.
فيقول: إنّ فلاناً وفلاناً جاءني منكم فيهما بنبأ جميل، وذكر صالح، أفكما قالا؟ فإذا قالوا: نعم! قضي حينئذ بشهادتهما علي المدّعي عليه، وإن رجعا بخبر سيّ ء ونبأ قبيح، دعا بهم فقال لهم: أتعرفون فلاناً وفلاناً؟
فيقولون: نعم، فيقول: اقعدوا حتّي يحضرا، فيقعدون فيحضرهما.
فيقول للقوم: أهما، هما؟ فيقولون: نعم، فإذا ثبت عنده ذلك، لم يهتك ستر الشاهدين ولا عابهما ولا وبخّهما، ولكن يدعو الخصوم إلي الصلح، فلايزال بهم حتّي يصطلحوا، لئلّا يفتضح الشهود ويستر عليهم.
وكان رءوفاً عطوفاً متحنّناً علي أُمّته.
فإن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون، ولا قبيلة لهما ولاسوق ولا دار، أقبل علي المدّعي عليه، فقال: ما تقول فيهما؟
فإن قال: ما عرفت إلّا خيراً غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ، أنفذ عليه شهادتهما، فإن جرحهما، وطعن عليهما أصلح بين الخصم وخصمه، وأحلف المدّعي عليه، وقطع الخصومة بينهما.
( التفسير: 672، ح 375، و376. عنه وسائل الشيعة: 233/27، ح 33665، و239، ح 33678، و399، ح 34054، قِطع منه. )
30 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال أميرالمؤمنين(عليه السلام) في قوله: (أَن تَضِلَّ إِحْدَلهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَلهُمَا الْأُخْرَي )10 ل أمير المؤمنين في قوله: أن تضلّ إحديهما فتذكّر إحديهما.... الإمام العسكريّ، 4.
( البقرة: 282/2. )
قال: إذا ضلّت إحداهما عن الشهادة ونسيتها، ذكّرت إحداهما بها الأُخري، فاستقامتا في أداء الشهادة، عدل اللّه شهادة امرأتين بشهادة رجل لنقصان عقولهنّ ودينهنّ.
ثمّ قال(عليه السلام): معاشر النساء خلقتنّ ناقصات العقول، فاحترزن من الغلط في الشهادة، فإنّ اللّه تعالي يعظّم ثواب المتحفّظين والمتحفّظات في الشهادة.
ولقد سمعت محمّداً رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يقول: ما من امرأتين احترزتا في الشهادة، فذكّرت إحداهما الأُخري حتّي تقيما الحقّ وتنفيا الباطل، إلّا إذا بعثهما اللّه يوم القيامة عظّم ثوابهما، ولا يزال يصبّ عليهما النعيم، ويذكّرهما الملائكة ماكان من طاعتهما في الدنيا، وما كانتا فيه من أنواع الهموم فيها، و [ما] أزاله اللّه عنهما حتّي خلّدهما في الجنان.
وإنّ فيهنّ لمن تبعث يوم القيامة فيؤتي بها قبل أن تعطي كتابها، فتري السيّئات بها محيطة، وتري حسناتها قليلة، فيقال لها: يا أمة اللّه! هذه سيّئاتك، فأين حسناتك، فتقول: لا أذكر حسناتي.
فيقول اللّه لحفظتها: يا ملائكتي! تذاكروا حسناتها، وتذكّروا خيراتها.
فيتذاكرون حسناتها، يقول الملك الذي علي اليمين للملك الذي علي الشمال: أما تذكر من حسناتها كذا وكذا؟
فيقول: بلي، ولكنّي أذكر من سيّئاتها كذا وكذا، فيعدّد.
فيقول الملك الذي علي اليمين له: أفما تذكر توبتها منها؟
قال: لا أذكر! قال: أما تذكر أنّها وصاحبتها تذاكرتا الشهادة التي كانت عندهما، حتّي اتّفقتا وشهدتا [بها] ولم يأخذهما في اللّه لومة لائم؟
فيقول: بلي، فيقول الملك الذي علي اليمين للذي علي الشمال: أما إنّ تلك الشهادة منهما توبة ماحية لسالف ذنوبهما، ثمّ تعطيان كتابهما بأيمانهما، فتجدان حسناتهما كلّها مكتوبة [فيه ] وسيّئاتهما كلّها.
ثمّ تجد في آخره: يا أمتي! أقمت الشهادة بالحقّ للضعفاء علي المبطلين، ولم تأخذك في اللّه لومة لائم، فصيّرت لك ذلك كفّارة لذنوبك الماضية، ومحواً لخطيئاتك السالفة.
( التفسير: 675، ح 377. عنه البحار: 307/101، س 2، ضمن ح 10، بتفاوت، ووسائل الشيعة: 335/27، ح 33871، قطعة منه. )
31 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ: (وَلَايَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ5البقرة ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا.... 282 ، 4 ).
قال: من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها، وليقمها، ولينصح فيها، ولا يأخذه فيها لومة لائم. وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر.
وفي خبر آخر (وَلَايَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ ). قال: نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبي، ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده.
(وَلَاتَكْتُمُواْ الشَّهَدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ و ءَاثِمٌ قَلْبُهُ و ) يعني كافر قلبه.
( البقرة: 282/2. )
( التفسير: 676، ح 378، و379. عنه البحار: 313/101، ح 22 و23، ووسائل الشيعة: 314/27، ح 33821، و33822. )
32 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ... نظر أمير المؤمنين [عليّ ](عليه السلام) إلي رجل [فرأي ] أثر الخوف عليه، فقال: ما بالك؟
قال: إنّي أخاف اللّه.
قال: يا عبد اللّه! خف ذنوبك، وخف عدل اللّه عليك في مظالم عباده، وأطعه فيما كلّفك، ولا تعصه فيما يصلحك، ثمّ لا تخف اللّه بعد ذلك. فإنّه لايظلم أحداً، ولايعذّبه فوق استحقاقه أبداً إلّا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغيّر أو تبدّل، فإن أردت أن يؤمنك اللّه سوء العاقبة، فاعلم أنّ ما تأتيه من خير فبفضل اللّه وتوفيقه، وما تأتيه من شرّ فبإمهال اللّه، وإنظاره إيّاك وحلمه عنك.
( التفسير: 264، ح 133.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 571. )

33 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ ليهود المدينة: واذكروا (وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ ي إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً )... .
قال(عليه السلام): فلمّا استقرّ الأمر عليهم، طلبوا هذه البقرة، فلم يجدوها إلّا عند شابّ من بني إسرائيل أراه اللّه عزّ وجلّ في منامه محمّداً وعليّاً وطيّبي ذرّيّتهما، فقالا له: إنّك كنت لنا [وليّاً] محبّاً ومفضّلاً، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا فإذا راموا شراء بقرتك، فلا تبعها إلّا بأمر أُمّك، فإنّ اللّه عزّوجلّ يلقّنها ما يغنيك به وعقبك، ففرح الغلام....
( التفسير: 273، ح 140.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 575. )

34 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
فلمّا بهر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) هؤلاء اليهود بمعجزته ... .
[قالوا: بلي، قال ]: هلمّوا إلي بدر فإنّ هناك الملتقي والمحشر، وهناك البلاء الأكبر ...، فلم يخف ذلك علي أحد منهم، ولم يجبه إلّا عليّ بن أبي طالب وحده، وقال: نعم! بسم اللّه....
( التفسير: 291، ح 142.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 577. )

35 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ... قال(عليه السلام):
إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان يمشي بمكّة، وأخوه عليّ(عليه السلام) يمشي معه، وعمّه أبولهب خلفه - يرمي عقبه بالأحجار....
فقال بعضهم: يا عليّ! ألست المتعصّب لمحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، والمقاتل عنه، والشجاع الذي لا نظير لك مع حداثة سنّك، وأنّك لم تشاهد الحروب، مابالك لاتنصر محمّداً ولا تدفع عنه؟! فناداهم عليّ(عليه السلام): معاشر أوباش قريش! لا أطيع محمّداً بمعصيتي له، لو أمرني لرأيتم العجب، وما زالوا يتّبعونه حتّي خرج من مكّة، فأقبلت الأحجار علي حالها تتدحرج....
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أبا الحسن! قد سمعت اقتراح الجاهلين، وهؤلاء عشرة قتلي كم جرحت بهذه الأحجار التي رمانا بها القوم، ياعليّ!؟
قال عليّ(عليه السلام): جرحت (أربع جراحات).
وقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): قد جرحت أنا ستّ جراحات، فليسأل كلّ واحد منّا ربّه أن يحيي من العشرة بقدر جراحاته، فدعا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لستّة منهم، فنشروا، ودعا عليّ(عليه السلام) لأربعة منهم فنشروا ....
[و] إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا كان بمكّة قالوا: يا محمّد! إنّ ربّنا هبل الذي يشفي مرضانا، وينقذ هلكانا، ويعالج جرحانا ....
قالوا: يا محمّد! فإن كان لك ربّ تعبده لا ربّ سواه، فاسأله أن يضربنا بهذه الآفات التي ذكرناها لك حتّي نسأل نحن هبل أن يبرأنا منها، لتعلم أنّ هبل هو شريك ربّك الذي إليه تومي وتشير، فجاءه جبرئيل(عليه السلام) فقال: ادع أنت علي بعضهم، وليدع عليّ(عليه السلام) علي بعض، فدعا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) علي عشرين منهم، ودعا عليّ(عليه السلام) علي عشرة، فلم يريموا مواضعهم حتّي برصوا، وجذموا، وفلجوا، ولقوا، وعموا، وانفصلت عنهم الأيدي والأرجل، ولم يبق في شي ء من أبدانهم عضو صحيح إلّا ألسنتهم وآذانهم.
فلمّا أصابهم ذلك صيّر بهم إلي هبل ودعوه ليشفيهم، وقالوا: دعا علي هؤلاء محمّد وعليّ، ففعل بهم ما تري فاشفهم.
فناداهم هبل: يا أعداء اللّه! وأيّ قدرة لي علي شي ء من الأشياء، والذي بعثه إلي الخلق أجمعين، وجعله أفضل النبيّين والمرسلين، لو دعا عليّ لتهافتت أعضائي، وتفاصلت أجزائي ...، فلمّا سمعوا ذلك من هبل ضجّوا إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وقالوا: قد انقطع الرجاء عمّن سواك، فأغثنا، وادع اللّه لأصحابنا، فإنّهم لايعودون إلي أذاك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): شفاؤهم يأتيهم من حيث أتاهم داؤهم عشرون عليّ، وعشرة علي عليّ، فجاءوا بعشرين، فأقاموهم بين يديه، وبعشرة أقاموهم بين يدي عليّ(عليه السلام).
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) للعشرين: غضّوا أعينكم، وقولوا: «اللّهمّ بجاه من بجاهه ابتليتنا، فعافنا بمحمّد وعليّ والطيّبين من آلهما».
وكذلك قال عليّ(عليه السلام) للعشرة الذين بين يديه....
( التفسير: 371، ح 260 - 264.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 585. )

36 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): ...
وقال أميرالمؤمنين(عليه السلام): فهؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطّة، وأنتم يا معشر أُمّة محمّد! نصب لكم باب حطّة أهل بيت محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وأمرتم باتّباع هداهم، ولزوم طريقتهم، ليغفر [لكم ] بذلك خطاياكم وذنوبكم، وليزداد المحسنون منكم، وباب حطّتكم أفضل من باب حطّتهم لأنّ ذلك [كان ] باب خشب، ونحن الناطقون الصادقون المرتضون الهادون الفاضلون، كما قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ النجوم في السماء أمان من الغرق، وإنّ أهل بيتي أمان لأُمّتي من الضلالة في أديانهم لا يهلكون (فيها مادام فيهم) من يتّبعون هديه وسنّته.
أما إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) قد قال: من أراد أن يحيا حياتي، وأن يموت مماتي، وأن يسكن الجنّة التي وعدني ربّي، وأن يمسك قضيباً غرسه بيده، وقال له: كن،فكان، فليتولّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وليوال وليّه، وليعاد عدوّه، وليتولّ ذرّيّته الفاضلين المطيعين للّه من بعده، فإنّهم خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذّب بفضلهم من أمّتي القاطعين فيهم صلتي لاأنالهم اللّه شفاعتي.
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): فكما أنّ بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا، وبعضهم عصوا فعذّبوا، فكذلك تكونون أنتم.
قالوا: فمن العصاة يا أمير المؤمنين!؟
قال(عليه السلام): الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت وتعظيم حقوقنا، فخالفوا ذلك وعصوا وجحدوا حقوقنا واستخفّوا بها، وقتلوا أولاد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) الذين أُمروا بإكرامهم ومحبّتهم.
قالوا: يا أمير المؤمنين! وأنّ ذلك لكائن؟
قال(عليه السلام): بلي! خبراً حقّاً وأمراً كائناً سيقتلون ولدي هذين الحسن [و] الحسين(عليهما السلام)، ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام) وسيصيب [ أكثر] الذين ظلموا رجزاً في الدنيا بسيوف [بعض ] من يسلّط اللّه تعالي عليهم للانتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني إسرائيل الرجز، قيل: ومن هو؟
قال: غلام من ثقيف يقال له: المختار بن أبي عبيد ... .
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام): وأمّا المطيعون لنا فسيغفر اللّه ذنوبهم، فيزيدهم إحساناً إلي حسناتهم.
قالوا: يا أمير المؤمنين! ومن المطيعون لكم؟
قال: الذين يوحّدون ربّهم ويصفونه بما يليق به من الصفات ويؤمنون بمحمّد نبيّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ويطيعون اللّه في إتيان فرائضه، وترك محارمه، ويحيون أوقاتهم بذكره، وبالصلاة علي نبيّه محمّد، وآله [ الطيّبين ]، وينفون عن أنفسهم الشحّ والبخل فيؤدّون ما فرض عليهم من الزكاة ولا يمنعونها.
( التفسير: 544، ح 325.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 595. )

37 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الحسن أبو محمّد الإمام(عليه السلام):... إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: إنّ قوله: أعوذ باللّه أي أمتنع باللّه السميع لمقال الأخيار والأشرار، ولكلّ المسموعات من الأعلان والأسرار.
العليم بأفعال الأبرار والفجّار، وبكلّ شي ء ممّا كان وما يكون وما لايكون، أن لو كان كيف كان يكون، من الشيطان الرجيم.
(والشيطان) هو البعيد من كلّ خير، الرجيم: المرجوم باللعن، المطرود من بقاع الخير....
( التفسير: 16، ح 3.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 617. )

38 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال الحسن بن عليّ(عليهما السلام): إنّ رجلاً جاع عياله، فخرج يبغي لهم ما يأكلون، فكسب درهماً فاشتري به خبزاً وإداماً، فمرّ برجل وامرأة من قرابات محمّد وعليّ(عليهما السلام) ، فوجدهما جائعين.
فقال: هؤلاء أحقّ من قراباتي، فأعطاهما إيّاه ... .
فرأي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وعليّاً(عليه السلام) فقالا له: كيف تري إغناءنا لك لمّا آثرت قرابتنا علي قرابتك.
[ثمّ ] لم يبق بالمدينة ولا بمكّة ممّن عليه شي ء من المائة ألف دينار إلّا أتاه محمّد وعليّ في منامه، وقالا له: إمّا بكّرت بالغداة علي فلان بحقّه من ميراث ابن عمّه وإلّا بكّرنا عليك بهلاكك واصطلامك، وإزالة نعمك، وإبانتك من حشمك، فأصبحوا كلّهم، وحملوا إلي الرجل ما عليهم حتّي حصل عنده مائة ألف دينار، وما ترك أحد بمصر ممّن له عنده مال إلّا وأتاه محمّد وعليّ(عليهما السلام) في منامه وأمراه أمر تهدّد بتعجيل مال الرجل أسرع ما يقدر عليه.
وأتي محمّد وعليّ(عليهما السلام) هذا المؤثر لقرابة رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في منامه، فقالا له: كيف رأيت صنع اللّه لك قد أمرنا من في مصر أن يعجّل إليك مالك، أفنأمرحاكمها بأن يبيع عقارك وأملاكك، ويسفتج إليك بأثمانها لتشتري بدلها من المدينة؟
قال: بلي، فأتي محمّد وعليّ(عليهما السلام) حاكم مصر في منامه، فأمراه أن يبيع عقاره والسفتجة بثمنه إليه، فحمل إليه من تلك الأثمان ثلاثمائة ألف دينار، فصار أغني من بالمدينة....
( التفسير: 337، ح 212.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 671. )

39 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
ولقد أصبح رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يوماً، وقد غصّ مجلسه بأهله، فقال: أيّكم أنفق اليوم من ماله ابتغاء وجه اللّه تعالي؟ فسكتوا.
فقال عليّ صلوات اللّه عليه: أنا خرجت، ومعي دينار أريد أن أشتري به دقيقاً، فرأيت المقداد بن الأسود، وتبيّنت في وجهه أثر الجوع فناولته الدينار.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وجبت ...، ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فأيّكم دفع اليوم عن أخيه المؤمن بقوّته [ضرواً]؟
فقال عليّ(عليه السلام): أنا مررت في طريق كذا فرأيت فقيراً من فقراء المؤمنين قدتناوله أسد فوضعه تحته وقعد عليه، والرجل يستغيث بي من تحته، فناديت الأسد خلّ عن المؤمن، فلم يخلّ، فتقدّمت إليه، فركلته برجلي، [فدخلت رجلي ] في جنبه الأيمن وخرجت من جنبه الأيسر، وخرّ الأسد صريعاً.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وجبت هكذا، يفعل اللّه بكلّ من آذي لك وليّاً يسلّط اللّه عليه في الآخرة سكّاكين النار وسيوفها يبعج بها بطنه، ويحشي ناراً، ثمّ يعاد خلقاً جديداً أبد الآبدين، ودهر الداهرين.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فأيّكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن؟
فقال عليّ(عليه السلام): أنا! قال: صنعت ماذا؟
قال: مررت بعمّار بن ياسر، وقد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهماً كانت له عليه. فقال عمّار: يا أخا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)! هذا يلازمني ولا يريد إلّا أذاي وإذلالي لمحبّتي لكم أهل البيت، فخلّصني منه بجاهك؟
فأردت أن أكلّم له اليهوديّ، فقال: يا أخا رسول اللّه! إنّك أجلّ في قلبي وعيني من أن أبذلك لهذا الكافر، ولكن اشفع لي إلي من لا يردّك عن طلبة، ولو أردت جميع جوانب العالم أن يصيّرها كأطراف السفرة [ لفعل ]، فاسأله أن يعينني علي أداء دينه، ويغنيني عن الاستدانة.
فقلت: اللّهمّ افعل ذلك به، ثمّ قلت له: اضرب بيدك إلي ما بين يديك من شي ء حجر أو مدر، فإنّ اللّه يقلّبه لك ذهباً إبريزاً فضرب، يده فتناول حجراً فيه أمنان، فتحوّل في يده ذهباً. ثمّ أقبل علي اليهوديّ فقال: وكم دينك؟
قال: ثلاثون درهماً، فقال: كم قيمتها من الذهب؟
قال: ثلاثة دنانير...، ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فأيّكم أدّي زكاته اليوم؟
قال عليّ(عليه السلام): أنا يا رسول اللّه!.
فأسرّ المنافقون في أُخريات المجلس بعضهم إلي بعض يقولون: وأيّ مال لعلي(عليه السلام) حتّي يؤدّي منه الزكاة؟!
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عليّ! أتدري ما يسرّه هؤلاء المنافقون في أُخريات المجلس؟
قال عليّ(عليه السلام): بلي! قد أوصل اللّه تعالي إلي أُذني مقالتهم يقولون: وأيّ مال لعليّ(عليه السلام) حتّي يؤدّي زكاته، كلّ مال يغتنم من يومنا هذا إلي يوم القيامة فلي خمسه بعد وفاتك يا رسول اللّه! وحكمي علي الذي منه لك في حياتك جائز فإنّي نفسك، وأنت نفسي.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): كذلك [هو] يا عليّ! ولكن كيف أدّيت زكاة ذلك؟
فقال عليّ(عليه السلام): يا رسول اللّه! علمت بتعريف اللّه إيّاي علي لسانك أنّ نبوّتك هذه سيكون بعدها ملك عضوض وجبريّة فيستولي علي خمسي من السبي والغنائم، فيبيعونه فلا يحلّ لمشتريه، لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي فيه لكلّ من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم من منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم، ولا يكون أولادهم أولاد حرام...
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فأيّكم دفع اليوم عن عرض أخيه المؤمن؟
قال عليّ(عليه السلام): أنا يا رسول اللّه! مررت بعبداللّه [بن أُبيّ ]، وهو يتناول عرض زيد بن حارثة، فقلت له: اسكت! لعنك اللّه! فما تنظر إليه إلّا كنظرك إلي الشمس، ولا تتحدّث عنه إلّا كتحدّث أهل الدنيا عن الجنّة، فإنّ اللّه قد زادك لعائن إلي لعائن بوقيعتك فيه، فخجل واغتاظ، فقال: يا أبا الحسن! إنّما كنت في قولي مازحاً.
فقلت له: إن كنت جاداً فأنا جادّ وإن كنت هازلاً فأنا هازل....
( التفسير: 83، ح 44.
تقدّم الحديث بتمامه في رقم 869. )

40 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وقد مرّ معه بحديقة حسنة، فقال عليّ(عليه السلام): ماأحسنها من حديقة؟!
فقال: يا عليّ! لك في الجنّة أحسن منها. إلي أن مرّ بسبع حدائق كلّ ذلك يقول عليّ(عليه السلام): ما أحسنها من حديقة؟!
ويقول رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لك في الجنّة أحسن منها.
ثمّ بكي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بكاءً شديداً، فبكي عليّ(عليه السلام) لبكائه، ثمّ قال: مايبكيك يا رسول اللّه!؟
قال: يا أخي [ يا] أبا الحسن! ضغائن في صدور قوم يبدونها لك بعدي.
قال عليّ(عليه السلام): يا رسول اللّه! في سلامة من ديني؟
قال: في سلامة من دينك.
قال: يا رسول اللّه! إذا سلم ديني فلا يسؤني ذلك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لذلك جعلك اللّه لمحمّد تالياً، وإلي رضوانه وغفرانه داعياً، وعن أولاد الرشد والغيّ بحبّهم لك، وبغضهم [عليك مميّزاً] منئباً، وللواء محمّد يوم القيامة حاملاً، وللأنبياء والرسل والصابرين تحت لوائي إلي جنّات النعيم قائداً....
( التفسير: 408، ح 279.
تقدّم الحديث بتمامه في رقم 889. )

41 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ...
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لعليّ(عليه السلام): أرضيت أن أطلب فلا أوجد وتوجد، فلعلّه أن يبادر إليك الجهّال فيقتلوك؟
قال: بلي، يا رسول اللّه! رضيت أن تكون روحي لروحك وقاء، ونفسي لنفسك فداء، بل قد رضيت أن تكون روحي ونفسي فداء لأخ لك أو قريب أو لبعض الحيوانات تمتهنها، وهل أُحبّ الحياة إلّا لخدمتك، والتصرّف بين أمرك ونهيك ولمحبّة أوليائك، ونصرة أصفيائك، ومجاهدة أعدائك، لولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة ...
فلمّا جاء أبو جهل والقوم شاهرون سيوفهم ...، فكشف(عليه السلام) عن رأسه فقال: ما ذا شأنكم، وعرفوه، فإذا هو عليّ(عليه السلام)، فقال لهم أبو جهل: أماترون محمّداً كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به، وينجو محمّد لاتشتغلوا بعليّ المخدوع ...
فقال عليّ(عليه السلام): ألي تقول هذا؟ يا أبا جهل! بل اللّه تعالي قد أعطاني من العقل مالو قسّم علي جميع حمقاء الدنيا ومجانينها لصاروا به عقلاء، ومن القوّة مالو قسّم علي جميع ضعفاء الدنيا لصاروا به أقوياء، ومن الشجاعة مالو قسّم علي جميع جبناء الدنيا لصاروا [به ] شجعاناً، ومن الحلم ما لوقسّم علي جميع سفهاء الدنيا لصاروا به حلماء.
ولولا أنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أمرني أن لاأحدث حدثاً حتّي ألقاه لكان لي ولكم شأن ولأقتلنّكم قتلاً.
ويلك يا أبا جهل - عليك اللعنة - إنّ محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) قد استأذنه في طريقه السماء والأرض والبحار والجبال في إهلاككم فأبي إلّا أن يرفق بكم، ويداريكم ليؤمن من في علم اللّه أنّه يؤمن منكم.
ويخرج مؤمنون من أصلاب وأرحام كافرين وكافرات، أحبّ اللّه تعالي أن لا يقطعهم عن كرامته باصطلامهم، ولو لا ذلك لأهلككم ربّكم.
إنّ اللّه هو الغنيّ، وأنتم الفقراء، لا يدعوكم إلي طاعته وأنتم مضطرّون، بل مكّنكم ممّا كلّفكم، فقطع معاذيركم....
( التفسير: 465، ح 303.
تقدّم الحديث بتمامه في رقم 891. )

42 - الشيخ الصدوق(ره): حدّثنا محمّد بن القاسم المفسّر، المعروف بأبي الحسن الجرجانيّ(رضي اللّه عنه)، قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد، وعليّ بن محمّد ابن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه، عليّ بن محمّد، عن أبيه محمّد ابن عليّ، عن أبيه الرضا عليّ بن موسي، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر ابن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أخيه الحسن بن عليّ(عليهم السلام)، قال:
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): إنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
سمعت رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، يقول: إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لي: يا محمّد (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ ) فأفرد الأمتنان عليّ بفاتحة ( الحجر: 87/15. )
الكتاب، وجعلها بازاء القرآن العظيم.
وأنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وأنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سليمان(عليه السلام)، فإنّه أعطاه منها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
يحكي عن بلقيس حين قالت: (أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَبٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ و مِن سُلَيْمَنَ وَإِنَّهُ و بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 5النمل إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرحمن الرحيم.... 30 ، 4 ).
( النمل: 29/27، و30. )
ألا فمن قرأها معتقداً لموالاة محمّد وآله الطيّبين، منقاداً لأمرها، مؤمناً بظاهرهما وباطنهما، أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ حرف منها حسنة، كلّ واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومن استمع إلي قاري ء يقرئها كان له بقدر ما للقاري، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنّه غنيمة لا يذهبنّ أوانه، فتبقي قلوبكم في الحسرة.
( عيون أخبار الرضا7: 301/1، ح 60.
الأمالي للصدوق: 148، ح 2. عنه وعن العيون، البحار: 227/89، ح 5، ونور الثقلين: 5/1، ح 10، والبرهان: 41/1، ح 3، و353/2، ح 2.
التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ 7: 29، ح 10. عنه البحار: 128/14، ح 14، قطعةمنه، و245/89، س 7 ضمن ح 48، وتأويل الآيات الظاهرة: 25، س 4، قطعة منه، ومستدرك الوسائل: 328/4، س 10، ضمن ح 4799. وعنه وعن الأمالي والعيون، وسائل الشيعة: 59/6، ح 7344، و190، ح 7699، قطعتان منه. )

43 - الشيخ الصدوق(ره): حدّثنا محمّد بن قاسم الأستراباديّ(رضي اللّه عنه)، قال: حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه عن محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن موسي الرضا(عليه السلام)، عن أبيه موسي ابن جعفر، عن آبائه، عن عليّ(عليهم السلام)، قال: إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا أتاه جبرئيل بنعي النجاشي 10 نّ رسول اللّه لمّا أتاه جبرئيل بنعي النجاشي.... الإمام عليّ، 4 بكي بكاء حزين عليه، وقال: إنّ أخاكم أصحمة - وهو اسم النجاشي - مات ثمّ خرج إلي الجبّانة وكبّر سبعاً فخفض اللّه له كلّ مرتفع حتّي رأي جنازته، ( الجبّانة: الصحراء، وتسمّي بها المقابر ...، ومنه الحديث: إنّما الصلاة يوم العيد علي من خرج إلي الجبّانة. مجمع البحرين: 224/6، (جبن). )
وهوبالحبشة.
( عيون أخبار الرضا7: 279/1، ح 19. عنه مستدرك الوسائل: 274/2، ح 1953.
الخصال: 359، ح 47. عنه وسائل الشيعة: 107/3، ح 3150. وعنه وعن العيون، البحار: 418/18، ح 3، و346/78، ح 13. )

44 - الشيخ الصدوق(ره): حدّثني محمّد بن القاسم المفسّر المعروف بأبي الحسن الجرجانيّ(رضي اللّه عنه) قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه عليّ بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه الرضا عليّ ابن موسي، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه زين العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام):
إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا جاءه جعفر بن أبي طالب من الحبشة10 نّ رسول اللّه 6 لمّا جاءه جعفر بن أبي طالب من الحبشة.... الإمام عليّ، 4 قام إليه واستقبله اثنتي عشرة خطوة، وعانقه وقبّل مابين عينيه وبكي، وقال: لاأدري بأيّهما أنا أشدّ سروراً بقدومك يا جعفر! أم بفتح اللّه علي أخيك خيبر!؟ وبكي فرحاً برؤيتة.
( الخصال: 484، ح 58.
عيون أخبار الرضا7: 254/1 ح 4. عنه وعن الخصال، البحار: 24/21، ح 19، ووسائل الشيعة: 226/12، ح 16153. )

45 - الشيخ الصدوق(ره): ... يوسف بن محمّد بن زياد، وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ بن محمّد(عليهم السلام): ...
قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، وهم الذين قال اللّه عزّ وجلّ: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَل-ِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّلِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَل-ِكَ رَفِيقًا ) وحكي هذا بعينه عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) ....
( النساء: 71/4. )
( معاني الأخبار: 36، ح 9.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 538. )

46 - الشيخ الصدوق(ره): ... أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد، وأبوالحسن عليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ بن محمّد(عليهم السلام) ...، قال: فلمّا بعث اللّه محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وأظهره بمكّة، ثمّ سيّره منها إلي المدينة، وأظهره بها، ثمّ أنزل إليه الكتاب، وجعل افتتاح سورته الكبري ب'(الم) يعني؛ (الم * ذَلِكَ الْكِتَبُ ) وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أنّي سأنزله عليك يا محمّد! (لَا رَيْبَ فِيهِ ) ...
فجاء إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) منهم جماعة، فولّي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) عليّاً(عليه السلام)، فخاطبهم، فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) حقّاً، لقد علمناكم قدر ملك أُمّته، هو إحدي وسبعون سنة: الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون.
فقال عليّ(عليه السلام): فما تصنعون ب'(المص )، وقد أنزل عليه؟
قالوا: هذه إحدي وستّون ومائة سنة.
قال: فماذا تصنعون ب'(الر )، وقد أُنزلت عليه؟
فقالوا: هذه أكثر، هذه مائتان وإحدي وثلاثون سنة.
فقال عليّ(عليه السلام): فما تصنعون بما أُنزل عليه (المر )؟
قالوا: هذه مائتان وإحدي وسبعون سنة.
فقال عليّ(عليه السلام): فواحدة من هذه له أو جميعها له؟
فاختلط كلامهم، فبعضهم قال له: واحدة منها، وبعضهم قال: بل يجمع له كلّها وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، ثمّ يرجع الملك إلينا يعني إلي اليهود.
فقال عليّ(عليه السلام): أكتاب من كتب اللّه نطق بهذا، أم آراؤكم دلّتكم عليه؟
قال بعضهم: كتاب اللّه نطق به، وقال آخرون منهم: بل آراؤنا دلّت عليه.
فقال عليّ(عليه السلام): فأتوا بالكتاب من عند اللّه ينطق بما تقولون! فعجزوا عن إيراد ذلك، وقال للآخرين: فدلّونا علي صواب هذا الرأي.
فقال: صواب رأينا دليله أنّ هذا حساب الجمل.
فقال علي(عليه السلام): كيف دلّ علي ما تقولون، وليس في هذه الحروف إلّا مااقترحتم بلا بيان؟!
أرأيتم إن قيل لكم: إنّ هذه الحروف ليست دالّة علي هذه المدّة لملك أُمّة محمّد، ولكنّها دالّة علي أنّ كلّ واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب، أو أنّ عدد ذلك لكلّ واحد منكم ومنّا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو أنّ لعليّ علي كلّ واحد منكم دين عدد ماله مثل عدد هذا الحساب؟
قالوا: يا أبا الحسن! ليس شي ء ممّا ذكرته منصوصاً عليه في (الم ) و (المص ) و(الر ) و (المر ).
فقال عليّ(عليه السلام): ولا شي ء ممّا ذكرتموه منصوص عليه في (الم ) و(المص) و(الر ) و(المر ) فإن بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت.
فقال خطيبهم ومنطيقهم: لا تفرح يا عليّ! بأن عجزنا عن إقامة حجّة فيما تقولهنّ علي دعوانا، فأيّ حجة لك في دعواك إلّا أن تجعل عجزنا حجّتك، فإذا ما لنا حجّة فيما نقول، ولا لكم حجّة فيما تقولون.
قال عليّ(عليه السلام): لا سواء، إنّ لنا حجّة، هي المعجزة الباهرة، ثمّ نادي جمال اليهود: يا أيّتها الجمال! أشهدي لمحمّد ولوصيّه.
فتبادر الجمال: صدقت، صدقت، يا وصيّ محمّد! وكذب هؤلاء اليهود.
فقال عليّ(عليه السلام): هؤلاء جنس من الشهود، يا ثياب اليهود! التي عليهم، أشهدي لمحمّد و لوصيّه.
فنطقت ثيابهم كلّها: صدقت، صدقت، يا عليّ! نشهد أنّ محمّد رسول اللّه حقّاً، وأنّك يا عليّ! وصيّه حقّاً، لم يثبت محمّداً قدماً في مكرمة إلّا وطأت علي موضع قدمه بمثل مكرمته، وأنتما شقيقان من أشراق أنوار اللّه، فميّزتما إثنين، وأنتما في الفضائل شريكان إلّا أنّه لا نبيّ بعد محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)....
( معاني الأخبار: 24، ح 4.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 539. )

47 - الشيخ المفيد(ره): ومن كلامه [ أي الإمام عليّ ( قال العلاّمة المجلسيّ؛: وقال القطب الراونديّ [في شرحه علي هذه الخطبة من نهج البلاغة]: أخبرنا بهذه الخطبة جماعة عن جعفر الدوريستيّ، عن أبيه محمّد بن العبّاس، عن محمّد بن عليّ بن موسي، عن محمّد بن عليّ الأستراباديّ، عن عليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبيه، عن الحسن العسكريّ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين:.البحار: 240/32، س 3. )
أميرالمؤمنين ](عليه السلام) حين قتل طلحة وانفضّ أهل البصرة1ل أهل البصرة، 4: بنا تسنّمتم الشرف، وبنا انفجرتم عن السرار، وبنا اهتديتم في الظلماء.
وقر سمع لم يفقه الواعية، كيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة، ربط جنان لم يفارقه الخفقان، ما زلت أتوقّع بكم عواقب الغدر، وأتوسّمكم بحلية المغترّين، سترني عنكم جلباب الدين، وبصّرنيكم صدق النيّة، أقمت لكم الحقّ حيث تعرفون ولا دليل، وتحتفرون ولا تمتهون، اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان، غرب فهم امري ء تخلّف عنّي ما شككت في الحقّ منذ أريته.
كان بنوا يعقوب علي المحجّة العظمي حتّي عقّوا أباهم، وباعوا أخاهم، وبعد الإقرار كان توبتهم، وباستغفار أبيهم وأخيهم غفر لهم.
( الإرشاد للمفيد: 135، س 8. عنه البحار: 236/32، ح 190، بتفاوت يسير. )
48 - السيّد الشريف الرضيّ(ره): وبهذا الإسناد [وهو هذا: حدّثني أبومحمّد هارون بن موسي، قال: حدّثني أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عبيداللّه ابن أحمد بن عيسي بن المنصور، قال: حدّثني أبو موسي عيسي بن أحمد بن عيسي بن المنصور]، عن أبي محمّد(عليه السلام) مرفوعاً إلي الحسن بن عليّ(عليهما السلام)، قال: حدّثني أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال:
دعاني رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ودعا الناس في مرضه، فقال: من يقضي عنّي ديني وعداتي، ويخلفني في أهلي وأُمّتي من بعدي؟
فكفّ الناس عنه، وانتدبت له، فضمنت ذلك، فدعا لي بناقته الغضباء، وبفرسه المرتجز، وببغلته، وحماره، وسيفه، وذي الفقار، وبدرعه ذات الفضول، وجميع ما كان يحتاج إليه في الحرب.
ففقد عصابة كان يشدّ بها بطنه في الحرب، فأمرهم أن يطلبوها ودفع ذلك إليّ، ثمّ قال: يا عليّ! اقبضه في حياتي لئلّا ينازعك فيه أحد بعدي، ثمّ أمرني فحوّلته إلي منزلي.
( خصائص الأئمّة: 78 س 1. )
49 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): وبهذا الإسناد عن أبي محمّد ( تقدّم الإسناد: ج 3، رقم 375. )
الحسن العسكريّ(عليه السلام) قال: قال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلي نور العلم الذي حبوناه به، جاء يوم القيامة وعلي رأسه تاج من نور يضي ء أهل جميع العرصات، وحلّة لايقوّم لأقلّ سلك منها الدنيا بحذافيرها.
( إعطاء الدنيا بحذافيرها: أي بأسرها ...، ومنه الخبر: الخير بحذافيره من الجنّة، أي بأسره وأجمعه. مجمع البحرين: 262/3، (حذفر). )
ثمّ ينادي مناد: يا عباد اللّه! هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمّد، ألافمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله، فليتشبّث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلي نزهة الجنان.
فيخرج كلّ من كان علّمه في الدنيا خيراً، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلاً، أو أوضح له عن شبهة.
( الاحتجاج: 10/1، ح 3. عنه عوالي اللئالي: 17/1، ح 2، قطعة منه.
التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ 7: 339، ح 215. عنه الفصول المهمّة للحرّ العامليّ: 600/1، ح 938، ومستدرك الوسائل: 317/17، ح 21459. وعنه وعن الاحتجاج، البحار: 2/2، ح 2.
منية المريد: 31، س 21.
محجّة البيضاء: 29/1، س 16.
الصراط المستقيم: 55/3، س 7، عن مشكاة الأنوار، بتفاوت يسير، ولم نعثر عليه. )

50 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): وقال أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ(عليهما السلام): قال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): من قوّي مسكيناً في دينه، ضعيفاً في معرفته علي ناصب مخالف، فأفحمه، لقّنه اللّه تعالي يوم يدلي في قبره أن يقول: اللّه ربّي، ومحمّد نبيّي، وعليّ وليّي، والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدّتي، والمؤمنون إخواني.
فيقول اللّه: أدليت بالحجّة، فوجبت لك أعالي درجات الجنّة، فعند ذلك يتحوّل عليه قبره أنزه رياض الجنّة.
( الاحتجاج: 17/1، ح 14. عنه وعن التفسير، البحار: 7/2، ح 14.
التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ 7: 346، ح 228. عنه البحار: 228/6، ح 31، بتفاوت، والبرهان: 122/1، س 22، ضمن ح 17.
الصراط المستقيم: 57/3، س 22، عن مشكاة الأنوار، ولم نعثر عليه. )

51 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): وبالإسناد المتكرّر عن [ الإمام ] الحسن العسكريّ(عليه السلام) أنّه قال: ... ولقد ورد علي أمير المؤمنين(عليه السلام) أخوان له مؤمنان، أب وابن، فقام إليهما، وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما.
ثمّ أمر بطعام، فأحضر، فأكلا منه.
ثمّ جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل لييبس، وجاء ليصبّ علي يد الرجل ماءاً، فوثب أمير المؤمنين(عليه السلام) فأخذ الإبريق ليصبّ علي يد الرجل فتمرّغ الرجل في التراب، وقال: يا أمير المؤمنين! اللّه يراني، وأنت تصبّ علي يدي؟!
قال: اقعد، واغسل يدك! فإنّ اللّه عزّ وجلّ يراك وأخوك الذي لا يتميّز منك، ولا يتفضّل عليك يخدمك يريد بذلك خدمةً في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، وعلي حسب ذلك في ممالكه فيها.
فقعد الرجل، فقال له عليّ(عليه السلام): أقسمت عليك بعظيم حقّي الذي عرفته، وبجلته وتواضعك للّه بأن ندبني لما شرّفك به من خدمتي لك، لما غسلت [يدك ] مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصابّ عليك قنبراً، ففعل الرجل.
فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفيّة، وقال: يا بنيّ! لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت علي يده، ولكنّ اللّه يأبي أن يسوّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب علي الأب، فليصبّ الابن علي الابن ....
( الإحتجاج: 517/2، ح 340.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 3، رقم 704. )

52 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): قال أبو محمّد الحسن العسكريّ(عليه السلام): لقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) علي العقبة، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فما قدروا علي مغالبةربّهم ... .
فلمّا خلّفه أكثر المنافقون الطعن فيه، فقالوا: ملّه وسئمه وكره صحبته، فتبعه عليّ(عليه السلام) حتّي لحقه وقد وجد [غمّاً شديداً] ممّا قالوا فيه.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ما أشخصك [ يا عليّ!] عن مركزك؟
قال: بلغني عن الناس كذا كذا، فقال له: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.
فانصرف عليّ إلي موضعه فدبّروا عليه أن يقتلوه، وتقدّموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعاً، ثمّ غطوّها بحصر رقاق، ونثروا فوقها يسيراً من التراب بقدر ماغطّوا به وجوه الحصر.
وكان ذلك علي طريق عليّ(عليه السلام) الذي لابدّ له من سلوكه ليقع هو ودابّته في الحفيرة التي قد عمقوها ...
فلمّا بلغ عليّ(عليه السلام) قرب المكان لوي فرسه عنقه وأطاله اللّه فبلغت جحفلته اذنيه، وقال: يا أمير المؤمنين! قد حفر [ لك ] هيهنا، ودبّر عليك الحتف، - وأنت أعلم - لا تمرّ فيه.
فقال له عليّ(عليه السلام): جزاك اللّه من ناصح خيراً كما تدبّر بتدببريّ، فإنّ اللّه عزّوجلّ لا يخلّيك من صنعه الجميل.
وسار حتّي شارف المكان، توقّف الفرس خوفاً من المرور علي المكان.
فقال عليّ(عليه السلام): سر بإذن اللّه سالماً سويّاً عجيباً شأنك بديعاً أمرك.
فتبادرت الدابّة، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد متّن الأرض، وصلّبها، ولأم حفرها [كأنّها لم تكن محفورة] وجعلها كسائر الأرض.
فلمّا جاوزها عليّ(عليه السلام) لوي الفرس عنقه ووضع جحفلته علي أُذنه، ثمّ قال: ما أكرمك علي ربّ العالمين، أجازك علي هذا المكان الخاوي.
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): جازاك اللّه بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتني بها، ثمّ قلب وجه الدابّة إلي مايلي كفلها، والقوم معه بعضهم كان أمامه، وبعضهم [كان ] خلفه.
وقال: اكشفوا عن هذا المكان، فكشفوا عنه فإذا هو خاو [و]لا يسير عليه أحد إلّا وقع في الحفرة فأظهر القوم الفزع والتعجّب ممّا رأوا [منه ].
فقال عليّ(عليه السلام) للقوم: أتدرون من عمل هذا؟ قالوا: لا ندري!
قال(عليه السلام): لكن فرسي هذا يدري، وقال للفرس: يا أيّها الفرس! كيف هذا ومن دبّر هذا؟ فقال الفرس: يا أمير المؤمنين(عليه السلام)! إذا كان اللّه عزّ وجلّ يبرم مايروم جهّال القوم نقضه أو كان ينقض مايروم جهّال الخلق إبرامه فاللّه هو الغالب، والخلق هم المغلوبون، فعل هذا يا أمير المؤمنين! فلان وفلان إلي أن ذكر العشرة بمواطاة من أربعة وعشرين هم مع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في طريقه.
ثمّ دبّروا رأيهم علي أن يقتلوا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) علي العقبة، واللّه عزّوجلّ من وراء حياطة رسول اللّه، ووليّ اللّه لا يغلبه الكافرون.
فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام): بأن يكاتب رسول اللّه بذلك، ويبعث رسولاً مسرعاً، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): إنّ رسول اللّه إلي محمّد رسوله أسرع، وكتابه إليه أسبق، فلا يهمّنّكم هذا [ إليه ].
فلمّا قرب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من العقبة التي بإزائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة، ثمّ جمعهم، فقال لهم: هذا جبرئيل، الروح الأمين يخبرني أنّ عليّاً دبّر عليه كذا وكذا، فدفع اللّه عزّ وجلّ عنه بألطافه وعجائب معجزاته بكذا وكذا.
إنّه صلّب الأرض تحت حافر دابّته، وأرجل أصحابه، ثمّ انقلب علي ذلك الموضع عليّ(عليه السلام)، وكشف عنه، فرأيت الحفيرة، ثمّ إنّ اللّه عزّ وجلّ لأمها كما كانت لكرامته عليه، وأنّه قيل له: كاتب بهذا وأرسل إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال [عليّ ]: رسول اللّه إلي رسول اللّه أسرع، وكتابه إليه أسبق....
( الاحتجاج: 116/1، ح 31.
تقدّم الحديث بتمامه في رقم 908. )

53 - الراونديّ(ره): وقال الحسن بن عليّ العسكريّ(عليهما السلام) ...
وسئل عليّ(عليه السلام) عن ذي القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟
فقال: سخّر له السحاب، ومدّ له الأسباب، وبسط له النور، وكان الليل والنهار عليه سواء....
( الخرائج والجرائح: 1174/3، ح 68.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 2، رقم 510. )

54 - الكفعميّ(ره): مناجاة أمير المؤمنين(عليه السلام) مرويّة عن العسكريّ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ(عليهم السلام):
«إلهي صلّ علي محمّد وآل محمّد، وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري، وامتحي من المخلوقين ذكري، وصرت في المنسيّين كمن قدنسي.
إلهي كبرت سنّي، ورقّ جلدي، ودقّ عظمي، ونال الدهر منّي، واقترب أجلي، ونفدت أيّامي، وذهبت شهواتي، وبقيت تبعاتي.
إلهي ارحمني إذا تغيّرت صورتي، وامّحت محاسني، وبلي جسمي، ( محا يمحو ويمحي محواً: أذهب أثره وأزاله، فهو ممحّي وممحّو ...، امتحي الشي ء: ذهب أثره وزال (وامتحي لغة ضغيفة في امحّي)، المنجد: 750، (محو). )
وتقطّعت أوصالي، وتفرّقت أعضائي.
إلهي أفحمتني ذنوبي، وقطّعت مقالتي، فلا حجّة لي ولا عذر، فأنا المقرّ بجرمي المعترف بإساءتي الأسير بذنبي، المرتهن بعملي، المتهوّر في بحور خطيئتي، المتحيّر عن قصدي، المنقطع بي، فصلّ علي محمّد وآل محمّد، وارحمني برحمتك، وتجاوز عنّي يا كريم بفضلك.
إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي، فقد كبر في جنب رجائك أملي.
إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروماً، وكان ظنّي بك، ( الخيبة: الحرمان والخسران: مجمع البحرين: 53/2، (خيب). )
وبجودك أن تقلبني بالنجاة مرحوماً، إلهي لم أسلّط علي حسن ظنّي بك قنوط الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين.
إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر ذنبي إذ كنت المطالب به إلّا أنّي إذا ذكرت كبير جرمي، وعظيم غفرانك، وجدت الحاصل لي من بينهما عفو رضوانك، إلهي إن دعاني إلي النار بذنبي مخشيّ عقابك، فقد ناداني إلي الجنّة بالرجاء حسن ثوابك.
إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك، فقد آنستني باليقين مكارم عطفك، إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك، فقد أنبهتني المعرفة، يا سيّدي بكريم آلائك.
إلهي إن عزب لبّي عن تقويم ما يصلحني، فما عزب إيقاني بنظرك ( لبّ: بشدّة الباء الموحدّة، وهو العقل، سمّي بذلك لأنّه نفس ما في الإنسان وما عداه كأنّه قشر. المصدر: 164، (لبب). )
لي فيما ينفعني، إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي أيّامي، فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.
إلهي جئتك ملهوفاً قد أُلبست عدم فاقتي، وأقامني مقام الأذلّاء بين يديك ضرّ حاجتي، إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤّالك، وجدت بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك.
( النوال: العطاء، والنوائل: العطايا. مجمع البحرين: 488/5، (نول). )
إلهي مسكنتي لا يجبرها إلّا عطاؤك، وأُمنيّتي لا يغنيها إلّا جزاؤك.
إلهي أصبحت علي باب من أبواب منحك سائلاً، وعن التعرّض لسوائك بالمسألة عادلاً، وليس من جميل امتنانك ردّ سائل ملهوف، ومضطرّ لانتظار خيرك المألوف.
إلهي أقمت علي قنطرة من قناطر الأخطار مملوّاً بالأعمال والإعتبار، فأنا الهالك إن لم تعن عليها بتخفيف الأثقال.
إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي، أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي.
إلهي إن حرمتني رؤية محمّد صلّي اللّه عليه وآله في دار السلام، وأعدمتني تطواف الوصفاء من الخدّام، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام فغير ذلك منّتني نفسي منك، يا ذا الفضل والإنعام.
إلهي وعزّتك وجلالك لو قرنتني في الأصفاد طول الأيّام، ومنعتني ( الأصفاد: القيود والأغلال التي توثق بها الأرجل، المصدر: 87/3، (صفد). )
سيبك من بين الأنام، وحلت بيني وبين الكرام ما قطعت رجائي منك، ولاصرفت وجه انتظاري للعفو عنك.
إلهي لو لم تهدني للإسلام ما اهتديت، ولو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت، ولو لم تبيّن لي شديد عقابك ما استجرت.
إلهي أطعتك في أحبّ الأشياء إليك، وهو التوحيد، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك، وهو الكفر فاغفر لي بينهما.
إلهي أحبّ طاعتك، وإن قصّرت عنها، وأكره معصيتك، وإن ركبتها فتفضّل عليّ بالجنّة وإن لم أكن من أهلها، وخلّصني من النار وإن استوجبتها.
إلهي إن أقعدني التخلّف عن السبق مع الأبرار، فقد أقامتني الثقة بك علي مدارج الأخيار.
( في الحديث: إيّاكم والتعريس في بطون الأودية، فإنّها مدارج السباع تأوي إليها: هي جمع مدرج بفتح الميم والراء: الطريق. مجمع البحرين: 299/2، (درج). )
إلهي قلب حشوته من محبّتك في دار الدنيا كيف تطلع عليه نار محرقة في لظي.
إلهي نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلّها بين أطباق نيرانك.
إلهي لسان كسوته من تماجيدك أنيق أثوابها كيف تهوي إليه من النار مشتعلات التهابها.
إلهي كلّ مكروب إليك يلتجي، وكلّ محزون إيّاك يرتجي.
إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا، وسمع الزاهدون بسعة رحمتك فقنعوا، وسمع المولّون عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا.
وسمع المؤمنون بكرم عفوك، وفضل عوارفك فرغبوا حتّي ازدحمت مولاي ببابك عصائب العصاة من عبادك، وعجّت إليك منهم عجيج الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكلّ أمل قد ساق صاحبه إليك محتاجاً، وقلب تركه، وجيب خوف المنع منك مهتاجاً، وأنت المسؤول الذي ( اهتاج: ثار لمشقّة أوضرر. المعجم الوسيط: 1002، (هاج). )
لاتسودّ لديه وجوه المطالب، ولم ترزأ بنزيله قطيعات المعاطب.
( رزأته رزيئة بفتح راء وكسر زاي ...: أصابته مصيبة، والرزء بالضمّ: المصيبة بفقد الأعزّ، والجمع أرزاء. مجمع البحرين: 183/1، (رزأ). )
إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها، فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.
إلهي إن كانت نفسي استسعدتني متمرّدة علي ما يرديها، فقد استسعدتها الآن بدعائك علي ما ينجيها.
إلهي إن عداني الاجتهاد في ابتغاء منفعتي، فلم يعدني برّك بما فيه مصلحتي.
إلهي إن قسطت في الحكم علي نفسي بما فيه حسرتها، فقد أقسطت الآن بتعريفي إيّاها من رحمتك إشفاق رأفتها.
إلهي أجحف بي قلّة الزاد في المسير إليك، فقد وصلته الآن بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك، إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت إليها وجوه وسائلي، وإذا ذكرت سخطتك بكت عليها عيون مسائلي.
إلهي فاقض بسجلّ من سجالك علي عبد بائس قد أتلفه الظمأ، ( البأس: الشدّة في الحرب والعذاب. المصدر: 50/4، (بأس). )
وأحاط بخيط جيده كلال الوني.
( الونا: الفترة في الأعمال والأمور. لسان العرب: 415/15، (وني).)
إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه، وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.
إلهي كيف أردّ عارض تطلّعي إلي نوالك، وإنّما أنا في استرزاقي لهذا البدن أحد عيالك، إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي، وقد ( كلّمته حتّي أفحمته، إذا أسكته في خصومة أو غيرها. مجمع البحرين: 130/6، (فحم). )
أقلقني ما أبهم عليّ من مصير عاقبتي.
إلهي قد علمت حاجة نفسي إلي ما تكفّلت لها به من الرزق في حياتي، وعرفت قلّة استغنائي عنه من الجنّة بعد وفاتي، فيا من سمح لي به متفضّلاً في العاجل لاتمنعنيه يوم فاقتي إليك في الآجل، فمن شواهد نعماء الكريم استتمام نعمائه، ومن محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه.
إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي، ولولا ما ذكرت من التفريط ما سفحت عبراتي.
إلهي صلّ علي محمّد وآل محمّد، وامح مثبتات العثرات بمرسلات العبرات، وهب كثير السيّئات لقليل الحسنات.
إلهي إن كنت لا ترحم إلّا المجدّين في طاعتك فإلي من يفزع المقصّرون، وإن كنت لا تقبل إلّا من المجتهدين فإلي من يلتجي ء المفرّطون، وإن كنت لاتكرم إلّا أهل الإحسان فكيف يصنع المسيئون، وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلّا المتّقون فبمن يستغيث المجرمون.
إلهي إن كان لا يجوز علي الصراط إلّا من أجازته براءة عمله، فأنّي بالجواز لمن لم يتب إليك قبل انقضاء أجله.
إلهي إن لم تجد إلّا علي من قد عمر بالزهد مكنون سريرته، فمن للمضطرّ الذي يرضيه بين العالمين سعي نقيبته.
إلهي إن حجبت عن موحّديك نظر تغمّدك لجناياتهم أوقعهم غضبك بين المشركين في كرباتهم.
إلهي إن لم تنلنا يد إحسانك يوم الورود اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.
إلهي فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك، واستصف ما كدّرته الجرائر منها بصفو صلاتك.
إلهي ارحمنا غرباء إذا قضمتنا بطون لحودنا، وغمّت باللّبن سقوف ( القضم: الأكل بأطراف الأسنان، إذا أكل يابساً. مجمع البحرين: 140/6، (قضم). )
بيوتنا، وأضجعنا مساكين علي الأيمان في قبورنا، وخلّفنا فرادي في أضيق المضاجع، وصرعتنا المنايا في أعجب المصارع، وصرنا في دار قوم كأنّها مأهولة وهي منهم بلاقع.
( البلقع والبلقعة: الأرض القفر التي لا شي ء بها. لسان العرب: 21/8، (بلقع). )
إلهي إذا جئناك عراةً حفاةً مغبرّةً من ثري الأجداث رؤوسنا، وشاحبة من تراب الملاحيد وجوهنا، وخاشعةً من أفزاع القيامة أبصارنا، وذابلةً من شدّة العطش شفاهنا، وجائعة لطول المقام بطوننا، وبارزة هنالك للعيون سوءاتنا، وموقّرة من ثقل الأوزار ظهورنا، ومشغولين بما قد دهانا عن أهالينا وأولادنا، فلا تضعّف المصائب علينا بإعراض وجهك الكريم عنّا، وسلب عائدة ما مثّله الرجاء منّا.
إلهي ما حنّت هذه العيون إلي بكائها، ولا حادت متشرّبةً بمائها، ولا أشهدها بنحيب الثاكلات فقد عزائها إلّا لما أسلفته من عمدها وخطئها، وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر يا عزيز علي كشف غمّائها.
إلهي إن كنّا مجرمين فإنّا نبكي علي إضاعتنا من حرمتك ما نستوجبه، وإن كنّا محرومين فإنّا نبكي إذ فاتنا من جودك ما نطلبه.
إلهي شب حلاوة ما يستعذبه لساني من النطق في بلاغته بزهادة ما ( شاب الشي ء شوباً: خلطه. المصدر: 510/1، (شوب). )
يعرفه قلبي من النصح في دلالته، إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولي به من المأمورين، وأمرت بصلة السؤال، وأنت خير المسؤولين.
إلهي كيف ينقل بنا اليأس إلي الإمساك عمّا لهجنا بطلابه، وقد ادّرعنا من تأميلنا إيّاك أسبغ أثوابه.
إلهي إذا هزّت الرأفة أفنان مخافتنا انقلعت من الأصول أشجارها، وإذا تنسّمت أرواح الرغبة منّا أغصان رجائنا أينعت بتلقيح البشارة أثمارها.
إلهي إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أسفنا، وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا، فنحن بين أمرين فلا سخطتك تؤمننا ولا رحمتك تؤيسنا.
إلهي إن قصرت مساعينا عن استحقاق نظرتك، فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.
إلهي إنّك لم تزل علينا بحظوظ صنائعك منعماً، ولنا من بين الأقاليم مكرماً وتلك عادتك اللطيفة في أهل الحقيقة في سالفات الدهور، وغابراتها وخاليات الليالي وباقياتها، إلهي اجعل ما حبوتنا به من نور ( الغابر: الباقي، ومنه حديث: واخلف علي أهله في الغابرين: أي في الباقين. مجمع البحرين: 419/3، (غبر). )
هدايتك درجات نرقي بها إلي ما عرّفتنا من رحمتك.
إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا، وكيف تلتئم في غمراتها أمورنا، وكيف يخلص لنا فيها سرورنا، وكيف يملكنا باللهو واللعب غرورنا، وقد دعتنا باقتراب الآجال قبورنا.
إلهي كيف نبتهج في دار قد حفرت لنا فيها حفائر صرعتها، وفتلت بأيدي المنايا حبائل غدرتها وجرعتنا مكرهين جرع مرارتها، ودلّتنا النفس علي انقطاع عيشها لولا ما أصغت إليه هذه النفوس من رفائع ( الرفاعة بالضمّ: ثوب ترفع به المرأة الرسحاء عجيزتها، تعظّمها به، والجمع الرفائع. لسان العرب: 129/8، (رفع). )
لذّتها، وافتتانها بالفانيات من فواحش زينتها.
إلهي فإليك نلتجي ء من مكائد خدعتها، وبك نستعين علي عبور قنطرتها، وبك نستفطم الجوارح عن أخلاف شهوتها، وبك نستكشف جلابيب حيرتها، وبك نقوّم من القلوب استصعاب جهالتها.
إلهي كيف للدور أن تمنع من فيها من طوارق الرزايا، وقد أصيب في كلّ دار سهم من أسهم المنايا، إلهي ما تتفجّع أنفسنا من النقلة عن الديار إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الأبرار.
إلهي ما تضرّنا فرقة الإخوان، والقربات إن قرّبتنا منك يا ذا العطيّات.
إلهي ما تجفّ من ماء الرجاء مجاري لهواتنا إن لم تحم طير الأشائم ( الشؤم: خلاف اليمن ... ويقال: هذا طائر أشأم وطير أشأم، والجمع الأشائم. المصدر: 314/12 و 315، (شأم). )
بحياض رغباتنا، إلهي إن عذّبتني فعبد خلقته لما أردته فعذّبته، وإن رحمتني فعبد وجدته مسيئاً فأنجيته.
إلهي لا سبيل إلي الإحتراس من الذنب إلّا بعصمتك، ولا وصول إلي عمل الخيرات إلّا بمشيئتك فكيف لي بإفادة ما أسلفتني فيه مشيئتك، وكيف لي بالاحتراس من الذنب ما لم تدركني فيه عصمتك.
إلهي أنت دللتني علي سؤال الجنّة قبل معرفتها فأقبلت النفس بعد العرفان علي مسألتها أفتدلّ علي خيرك السؤال، ثمّ تمنعهم النوال، وأنت الكريم المحمود في كلّ ما تصنعه، يا ذا الجلال والإكرام.
إلهي إن كنت غير مستوجب لما أرجو من رحمتك، فأنت أهل التفضّل عليّ بكرمك، فالكريم ليس يصنع كلّ معروف عند من يستوجبه.
إلهي إن كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك، فأنت أهل أن تجود علي المذنبين بسعة رحمتك.
إلهي إن كان ذنبي قد أخافني، فإنّ حسن ظنّي بك قد أجارني.
إلهي ليس تشبه مسألتي مسألة السائلين لأنّ السائل إذا منع امتنع عن السؤال، وأنا لا غني بي عمّا سألتك علي كلّ حال.
إلهي ارض عنّي فإن لم ترض عنّي فاعف عنّي، فقد يعفو السيّد عن عبده وهو عنه غير راض، إلهي كيف أدعوك، وأنا أنا، أم كيف أيأس منك، وأنت أنت.
إلهي إنّ نفسي قائمة بين يديك وقد أظلّها حسن توكّلي عليك، فصنعت بها ما يشبهك وتغمّدتني بعفوك.
إلهي إن كان قد دنا أجلي ولم يقرّبني منك عملي، فقد جعلت الاعتراف بالذنب إليك وسائل عملي، فإن عفوت فمن أولي منك بذلك، وإن عذّبت فمن أعدل منك في الحكم هنالك.
إلهي إن جرت علي نفسي في النظر لها، وبقي نظرك لها فالويل لها إن لم تسلم به.
إلهي إنّك لم تزل بي بارّاً أيّام حياتي، فلا تقطع برّك عنّي بعد وفاتي.
إلهي كيف أيأس من حسن نظرك لي بعد مماتي، وأنت لم تولّني إلّاالجميل في أيّام حياتي.
إلهي إنّ ذنوبي قد أخافتني ومحبّتي لك قد أجارتني، فتولّ من أمري ما أنت أهله، وعد بفضلك علي من غمره جهله، يا من لا تخفي عليه خافية صلّ علي محمّد وآل محمّد، واغفر لي ما قد خفي علي الناس من أمري.
إلهي سترت عليّ في الدنيا ذنوباً ولم تظهرها وأنا إلي سترها يوم القيامة أحوج، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها للعصابة من المسلمين فلا تفضحني بها يوم القيامة علي رؤوس العالمين.
إلهي جودك بسط أملي، وشكرك قبل عليّ فسرّني بلقائك عند اقتراب أجلي.
إلهي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني عن قبول عذره، فاقبل عذري يا خير من اعتذر إليه المسيئون.
إلهي لا تردّني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك وهي المغفرة.
إلهي لو أردت إهانتي لم تهدني، ولو أردت فضيحتي لم تسترني فمتّعني بما له قد هديتني، وأدم لي ما به سترتني.
إلهي ما وصفت من بلاء ابتليتنيه أو إحسان أوليتنيه، فكلّ ذلك بمنّك فعلته، وعفوك تمام ذلك إن أتممته.
إلهي لولا ما قرفت من الذنوب ما فرقت عقابك، ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك، وأنت أولي الأكرمين بتحقيق أمل الآملين، وأرحم من استرحم في تجاوزه عن المذنبين.
إلهي نفسي تمنّيني بأنّك تغفر لي، فأكرم بها أمنيّة بشّرت بعفوك، وصدّق بكرمك مبشّرات تمنّيها، وهب لي بجودك مدمّرات تجنيها.
إلهي ألقتني الحسنات بين جودك وكرمك، وألقتني السيّئات بين عفوك ومغفرتك، وقد رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين مسي ء ومحسن.
إلهي إذا شهد لي الإيمان بتوحيدك، وانطلق لساني بتمجيدك، ودلّني القرآن علي فواضل جودك، فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعودك.
إلهي تتابع إحسانك إليّ يدلّني علي حسن نظرك لي، فكيف يشقي امرؤ حسن له منك النظر، إلهي إن نظرت إليّ بالهلكة عيون سخطتك، فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.
إلهي إن عرّضني ذنبي لعقابك، فقد أدناني رجائي من ثوابك.
إلهي إن عفوت فبفضلك، وإن عذّبت فبعدلك، فيا من لا يرجي إلّا فضله ولا يخاف إلّا عدله، صلّ علي محمّد وآل محمّد، وامنن علينا بفضلك، ولا تستقص علينا في عدلك.
إلهي خلقت لي جسماً، وجعلت لي فيه آلات أطيعك بها، وأعصيك، وأغضبك بها، وأرضيك، وجعلت لي من نفسي داعية إلي الشهوات، وأسكنتني داراً قد ملئت من الآفات ثمّ قلت لي انزجر فبك أنزجر وبك أعتصم، وبك أستجير، وبك أحترز، وأستوفقك لما يرضيك، وأسألك يامولاي فإنّ سؤالي لا يحفيك.
إلهي أدعوك دعاء ملحّ لا يملّ دعاءه مولاه، وأتضرّع إليك تضرّع من قد أقرّ علي نفسه بالحجّة في دعواه.
إلهي لو عرفت اعتذاراً من الذنب في التفضّل أبلغ من الاعتراف به لأتيته فهب لي ذنبي بالاعتراف، ولا تردّني بالخيبة عند الانصراف.
إلهي سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها، وفتحت أفواهها نحو نظرة منك لاتستوجبها، فهب لها ما سألت، وجد عليها بما طلبت، فإنّك أكرم الأكرمين بتحقيق أمل الآملين.
إلهي قد أصبت من الذنوب ما قد عرفت، وأسرفت علي نفسي بما قد علمت فاجعلني عبداً إمّا طائعاً، فأكرمته وإمّا عاصياً فرحمته.
إلهي كأنّي بنفسي، وقد أُضجعت في حفرتها، وانصرف عنها المشيّعون من جيرتها، وبكي الغريب عليها لغربتها، وجاد بالدموع عليهإ؛ هثثثثثثثثثپ پ المشفقون من عشيرتها، وناداها من شفير القبر ذوو مودّتها، ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها، ولم يخف علي الناظرين إليها عند ذلك ضرّ فاقتها، ولا علي من رآها قد توسّدت الثري عجز حيلتها، فقلت: ملائكتي فريد نأي عنه الأقربون، ووحيد جفاه الأهلون نزل بي قريباً، وأصبح في اللحد غريباً، وقد كان لي في دار الدنيا داعياً، ولنظري إليه في هذا اليوم راجياً، فتحسن عند ذلك ضيافتي، وتكون أرحم بي من أهلي وقرابتي.
إلهي لو طبقت ذنوبي ما بين السماء إلي الأرض، وخرقت النجوم، وبلغت أسفل الثري ما ردّني اليأس عن توقّع غفرانك، ولا صرفني القنوط عن ابتغاء رضوانك.
إلهي دعوتك بالدعاء الذي علّمتنيه، فلا تحرمني جزاءك الذي وعدتنيه، فمن النعمة أن هديتني لحسن دعائك، ومن تمامها أن توجب لي محمود جزائك.
إلهي وعزّتك وجلالك لقد أحببتك محبّة استقرّت حلاوتها في قلبي، وما تنعقد ضمائر موحّديك علي أنّك تبغض محبّيك.
إلهي أنتظر عفوك كما ينتظره المذنبون، ولست أيأس من رحمتك التي يتوقّعها المحسنون، إلهي لا تغضب عليّ فلست أقوي لغضبك، ولا تسخط عليّ فلست أقوم لسخطك.
إلهي أللنار ربّتني أُمّي فليتها لم تربّني، أم للشقاء ولدتني فليتها لم تلدني.
إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي، وما لها لا تنهمل، ولا أدري إلي ما يكون مصيري، وعلي ماذا يهجم عند البلاغ مسيري، وأري نفسي تخاتلني، وأيّامي تخادعني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، ( ختله يختله: إذا خدعه ... والتخاتل: التخادع، مجمع البحرين: 362/5، (ختل). )
ورمقتني من قريب أعين الفوت، فما عذري وقد حشا مسامعي رافع الصوت.
إلهي لقد رجوت ممّن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته ألاّ يعريني منه بين الأموات بجود رأفته، ولقد رجوت ممّن تولاّني في حياتي بإحسانه أن يشفعه لي عند وفاتي بغفرانه، يا أنيس كلّ غريب، آنس في القبر غربتي.
ويا ثاني كلّ وحيد، ارحم في القبر وحدتي، ويا عالم السرّ والنجوي، وياكاشف الضرّ والبلوي كيف نظرك لي بين سكّان الثري، وكيف صنيعك إليّ في دار الوحشة والبلاء، فقد كنت بي لطيفاً أيّام حياة الدنيا.
يا أفضل المنعمين في آلائه، وأنعم المفضلين في نعمائه، كثرت أياديك عندي فعجزت عن إحصائها، وضقت ذرعاً في شكري لك بجزائها.
فلك الحمد علي ما أوليت، ولك الشكر علي ما أبليت، يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، بذمّة الإسلام أتوسّل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك، وبحقّ محمّد وآل محمّد أتقرّب إليك.
فصلّ علي محمّد وآل محمّد، وأعرف ذمّتي التي رجوت بها قضاء حاجتي، برحمتك يا أرحم الراحمين».
ثمّ أقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) علي نفسه يعاتبها، ويقول:
«أيّها المناجي ربّه بأنواع الكلام، والطالب منه مسكناً في دار السلام، والمسوّف بالتوبة عاماً بعد عام ما أراك منصفاً لنفسك من بين الأنام، فلودافعت يومك يا غافلاً بالصيام، واقتصرت علي القليل من لعق الطعام، وأحييت مجتهداً ليلك بالقيام كنت أحري أن تنال أشرف المقام، أيّها النفس اخلطي ليلك، ونهارك بالذاكرين لعلّك أن تسكني رياض الخلد مع المتّقين، وتشبّهي بنوس قد أقرح السهر رقّة جفونها، ودامت في الخلوات شدّة حنينها، وأبكي المستمعين عولة أنينها، وألان قسوة الضمائر ضجّة رنينها، فإنّها نفوس قد باعت زينة الدنيا، وآثرت الآخرة علي الأولي، أُولئك وفد الكرامة يوم يخسر فيه المبطلون، ويحشر إلي ربّهم بالحسني، والسرور المتّقون».
( مصباح الكفعميّ: 484، س 2.
البلد الأمين: 311، س 18. عنه البحار: 99/91، ح 14. )

55 - العلّامة المجلسيّ(ره): قال: وروي عن الحسن بن عليّ(عليهما السلام) أنّ أميرالمؤمنين، قال للحسن والحسين(عليهما السلام): إذا وضعتماني في الضريح فصلّيا ( الضريح: الشقّ في وسط القبر، واللحد في الجانب، فعيل بمعني مفعول، والجمع ضرائح. مجمع البحرين: 391/2، (ضرح). )
ركعتين قبل أن تهيلا عليّ التراب، وانظرا ما يكون.
( هلت الدقيق في الجراب من باب ضرب، أي صببته من غير كيل ...، وهيّله فتهيّل: سبّه فانصبّ. المصدر: 501/5، (هيل). )
فلمّا وضعاه في الضريح المقدّس فعلا ما أمرا به، ونظرا وإذا الضريح مغطّي بثوب من سندس، فكشف الحسن(عليه السلام) ممّا يلي وجه أمير المؤمنين فوجد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وآدم، وإبراهيم يتحدّثون مع أميرالمؤمنين(عليه السلام)، وكشف الحسين ممّا يلي رجليه، فوجد الزهراء، وحواء، ومرم، وآسية عليهنّ السلام، ينحن علي أمير المؤمنين(عليه السلام)، ويندبنه.
( البحار: 301/42، ومدينة المعاجز: 77/3 ح 741، كلاهما عن مشارق أنوار اليقين، ولم نعثر عليه. )
56 - سبط بن الجوزيّ: أخبرنا أبو طاهر الخزيميّ، أنبأنا أبوعبداللّه الحسين بن عليّ، أنبأنا عبد اللّه بن عطاء الهرويّ، أنبأنا عبد الرحمن بن عبيد الثقفيّ، أنبأنا الحسين بن محمّد الدينوريّ، أنبأنا عبد اللّه بن إبراهيم الجرجانيّ، أنبأنا محمّد بن عليّ بن الحسين العلويّ، أنبأنا أحمد بن عبد اللّه الهاشميّ.
حدّثنا الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ(عليهم السلام) قال:
( في البحار: قال الحسين 7: خطب أمير المؤمنين 7 خطبة بليغة في مدح رسول اللّه 6.... )
خطب أبي أمير المؤمنين يوماً بجامع الكوفة خطبة بليغة في مدح رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) فقال: بعد حمد اللّه؛ لمّا أراد اللّه أن ينشي ء المخلوقات، ويبدع الموجودات أقام الخلايق في صورة قبل دحو الأرض، ورفع السماوات، ثمّ أفاض نوراً من نور عزّه، فلمع قبساً من ضيائه وسطع، ثمّ اجتمع في تلك الصورة، وفيها هيئة نبيّنا(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال له تعالي: أنت المختار، وعندك مستودع الأنوار، وأنت المصطفي، المنتخب الرضاء، المنتجب المرتضي، من أجلك أضع البطحاء، وأرفع السماء، وأجري الماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنّة والنار.
وأنصب أهل بيتك علماً للهداية، وأودع أسرارهم من سري بحيث لايشكل عليهم دقيق، ولا يغيب عنهم خفي. وأجعلهم حجّتي علي بريّتي، والمنبهين علي قدري، والمطّلعين علي أسرار خزائني.
ثمّ أخذ الحقّ سبحانه عليهم الشهادة بالربوبيّة، والإقرار بالوحدانيّة، وإنّ الإمامة فيهم، والنور معهم.
ثمّ إنّ اللّه أخفي الخليفة في غيبه، وغيّبها في مكنون علمه، ونصب العوالم، وموّج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفأ عرشه علي الماء.
ثمّ أنشأ الملائكة من أنوار ابتدعها، وأنواع اخترعها.
ثمّ خلق اللّه الأرض وما فيها، ثمّ قرن بتوحيده نبوّة نبيّه محمّد وصفيّه، فشهدت السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسيّ والشمس والقمر والنجوم، وما في الأرض له بالنبوّة.
فلمّا خلق آدم أبان للملائكة فضله، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم، فجعله محراباً وقبلة لهم، فسجدوا له، وعرفوا حقّه.
ثمّ بيّن لآدم حقيقة ذلك النور، ومكنون ذلك السرّ، فلمّا حانت أيّامه أودعه شيئاً، ولم يزل ينتقل من الأصلاب الفاخرة إلي الأرحام الطاهرة إلي أن وصل إلي عبد المطّلب، ثمّ إلي عبد اللّه، ثمّ إلي نبيّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سرّاً وعلانية، واستدعي الفهوم إلي القيام بحقوق ذلك السرّ اللطيف، وندب العقول إلي الإجابة لذلك المعني المودع في الذرّ قبل النسل، فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور، واهتدي إلي السرّ، وانتهي إلي العهد المودع في باطن الأمر، وغامض العلم، ومن غمرته الغفلة، وشغلته المحنة استحقّ البعد.
ثمّ لم يزل ذلك النور ينتقل فينا، ويتشعشع في غرائزنا، فنحن أنوار السماوات والأرض، وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور، وبمهديّنا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمّة1ص الأئمّة، 4، ومنقذ الأُمّة، ومنتهي النور، وغامض السرّ، فليهنّ من استمسك بعروتنا، وحشر علي محبّتنا.
( تذكرة الخواصّ: 121، س 16. عنه البحار: 298/74، ح 6، بتفاوت يسير. )