واقعة غدير خم
(دراسة توثيقية)
د. محمد حسيني قزويني
أصل هذا الكتاب أطروحة علمية
تقدم بها الباحث لنيل درجة (الدكتوراه) في قسم
الأديان المقارنة، من الجامعة الحرة في هولندا، وحصل على تقدير ممتاز عام 2010
م بإشراف البروفيسور أكرم محمد عبد كسار.
هوية الكتاب
اسم الكتاب:..........................................
واقعة الغدير/ دراسة توثيقية
تأليف:...................................................
د. محمد الحسيني القزويني
الناشر:.........................
مؤسسة وليّ العصر (عج) للدراسات الإسلامية
رقم الإيداع الدولي:...................
1 ــ 37 ــ 8615 ــ 964 ــ 978
الطبعة:.......................................................
الأولى: 1434هـ ـ 2013م
عدد
النسخ:.................................................................... 3000
نسخة
من منطلق الإحساس بوجوب الشكر للمتفضّل، كما في الخبر
المروي عن الإمام الرضا(عليه السلام): >من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله تعالى<:
أتقدّم بجزيل شكري وجميل ثنائي وخالص امتناني إلى الجامعة الحرة الإسلامية في
هولندا التي هيّأت لنا فرصة تقديم هذه الاُطروحة.
كما أتقدّم بالشكر
الجزيل للأستاذ المشرف على هذه الاُطروحة: البروفيسور الدكتور أكرم محمّد عبد كسار
وكذلك الأستاذ المناقش: البروفسور علي ناصر فرحان التميمي.
وكذا أقدّم شكري
وامتناني الكبير للّجنة التي ستناقش هذه الاُطروحة.
ولا يفوتني أنْ أشكر
جميع الإخوة الذين قدّموا لي المشورة، خصوصاً: الدكتور السيد حاتم البخاتي والدكتور
فلاح الدوخي والدكتور حكمت الرحمة، وأشكر أيضاً السيد رضا البطاط الذي قام
بالمراجعة والتصحيح.
متمنياً وداعياً
للجميع بحسن العاقبة وخير الجزاء.
إلى المثل الأعلى
الذي أستلهم منه مبادئي وقيمي, إلى رمز العدالة، بل روحها وجوهرها، إلى سيّد الموحِّدين
وإمام المؤمنين، إلى مَن وطّد بجهده وجهاده أركان الإسلام، إلى المظلوم المضطهد في
سبيل عِزّ الدين, إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام), أهدي هذا
الجهد المتواضع, والبضاعة المزجاة، راجياً من الله تعالى القبول.
جاءت أطروحتي بعنوان (واقعة غدير خم/ دراسة توثيقية)
تناولت فيها حادثة الغدير، والتي حصلت بعد رجوع النبيّ(ص) من حجَّة الوداع، حيث
جاءه الأمر الإلهي بتبليغ الإمامة الإلهيَّة، وتنصيب الإمام علي(عليه السلام) بشكل
رسمي خليفة لرسول الله(ص)، وعلى مرأى ومسمع جمعٍ غفير من المسلمين.
وهذه الواقعة
التاريخية، كما لا يخفى، لها دلالة مهمّة جدّاً؛ لأنّها تعالج مسألة حسّاسة وخطيرة،
ولها مساس مباشر بحاضر الأمّة الإسلاميَّة ومستقبلها، وهي مسألة الإمامة؛ فلذا
جعلتها موضوعاً لأطروحتي، التي تكوّنت من مقدّمة وخمسة فصول وخاتمة وتوصيات:
ذكرت في المقدّمة؛ التعريف بعنوان الرسالة،
وبيان أهدافها، وأهميّة الموضوع، ومنهج البحث.
وتناولت في الفصل الأوَّل بعض المباحث الممهِّدة: كتعريف الغدير وبعض المفردات
المرتبطة به، وإعطاء تصوير مختصر لواقعة الغدير من الناحية التاريخية، مع بيان
أهميّة واقعة الغدير ودلالتها على الإمامة، التي تعدّ ركناً أساسيّاً في الكيان
التشريعي عند جميع المسلمين، كما قمت بتوثيق حادثة الغدير من الناحية الزمانيّة
والمكانيّة.
أمّا الفصل الثاني؛ فجاء بعنوان واقعة الغدير عند الشيعة، بيّنت فيه حديث
الغدير وخطبته عند محدّثي الطائفة، فخرّجت حديث الغدير وخطبته من الكتب الحديثيّة
للشيعة بطرقه المتعدِّدة, وأشرتُ إلى بعض الأبحاث السنديّة والرجاليّة، وتطرّقت
إلى موضوع حديث الغدير وأهل البيت(عليهم السلام)، ونقلت مواقف وأحاديث كلّ إمام من
أئمَّة أهل البيت(عليهم السلام) في خصوص هذا الحديث، كما تناولت حديث الغدير من
وجهة نظر متكلّمي الشيعة من المتقدّمين والمتأخِّرين, وأشرت إلى بعض أقوالهم
واستدلالاتهم به على الإمامة والخلافة، هذا، كما تحدّثت عن الغدير عند فقهاء
الشيعة، وبيّنت فيه بعض الشواهد الدالّة على استناد الفقهاء إلى حديث الغدير في
بعض المسائل الفرعية في الفقه؛ ممّا يدلّ على صحّته واعتباره عندهم.
وأمّا الفصل الثالث؛ فخصّصته لبحث حديث الغدير في كتب أهل السنّة، تناولت
فيه طرق حديث الغدير وعددها في مصادرهم, فخرّجت أربعة عشر طريقاً من هذه الطرق في كتبهم المعتبرة، مع تصحيح رجال أسانيدها،
وبيان تعليقات العلماء عليها، ونقلت أقوال علماء أهل السنّة وأحكامهم على سند الحديث،
وصنّفت هؤلاء العلماء إلى صنفين: الصنف الأوّل: العلماء القائلون بصحَّة حديث
الغدير وحُسنه، والصنف الثاني: القائلون باستفاضته أو تواتره، وبيّنت أنّ حديث
الغدير من الأحاديث المتّفق على صحَّتها وصدورها من النبيِّ(ص)، ولم يُخالف في ذلك
إلاّ من شذّ من العلماء، وعرضت أيضاً آراء علماء أهل السنَّة في دلالته ومضمونه، ورأيهم
في معنى كلمة (مولى) في هذا الحديث، وهي المفردة الأهمّ فيه، والتي تدور عليها رحى
البحث، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين: قسم ذهب إلى أنّ معنى المولى في الحديث هو
المحبّ والناصر والقريب وابن العمّ وما شاكل ذلك، وقسم فسّرها بمعنى الخلافة
والإمامة, وهؤلاء أيضاً من كبار علماء أهل السنّة، كما يتّضح من خلال ترجمة مختصرة
ذكرتها لكلّ واحد منهم، كما ذكرت بعض النماذج لمؤلَّفات مستقلَّة ألّفها كبار
علماء السنَّة في حديث الغدير.
أمّا
الفصل الرابع؛ فكان مخصَّصاً
لذكر أهمّ الشبهات والإشكالات التي وجّهت إلى حديث الغدير، وقسّمت هذه الشبهات إلى
شبهات سنديَّة وشبهات دلاليَّة وشبهات تاريخيَّة، وقبلها تحدَّثت عن الأساليب التي
مورست في كتمان ومحاربة فضائل عليّ(عليه السلام) وأهل البيت(عليهم السلام)، ومنها
حديث الغدير من قبل أعداء أهل البيت(عليهم السلام)، والمعاناة التي مرّ بها
العلماء والمحدّثون جرّاء ذلك، ثمّ تناولت الشبهات السنديَّة، وأجَبت عنها
بالإشارة إلى كثرة طرق حديث الغدير، وشهادة كبار العلماء بصحَّته وتواتره بما لا
يدع مجالاً للشكِّ في صحَّة الحديث.
وبعد ذلك تكلَّمتُ
عن الإشكالات والشبهات الدلاليَّة, وتطرّقت إلى أهم شبهة في هذا المجال، وهي شبهة
عدم دلالة ألفاظ حديث الغدير على الإمامة، فذكرت في مقام الجواب عن هذه الشبهة
تسعة شواهد وقرائن من داخل الحديث ومن خارجه تثبت دلالة الحديث وبشكل صريح عليها.
ومن الشبهات والإشكالات التي ذُكرت أيضاً هي عدم
دلالة مفردة المولى بخصوصها من الناحية اللغويّة والعرفيّة على الإمامة، وأنها لا
تعنى الأولى بالتصُّرف، وأثبتّ بطلان هذا القول من عدّة وجوه، أهمها هي شهادة أهل
اللغة بمجيء مولى بمعنى أولى، وتصريح كبار المفسِّرين بمجيئها كذلك، ومجيء كلمة
أولى وولي نفسها في طرق أخرى لحديث الغدير، واستعمال بعض الصحابة لكلمة مولى
للدلالة على الخلافة.
ثمّ بسطت الكلام فيه عن الشبهات التاريخيّة,
فذكرت الإشكال الأوّل، وهو إشكال الفخر الرازي القائل بأن عليّاً(عليه السلام) لم
يكن موجوداً في حجّة الوداع وإنّما كان في اليمن، وأجبت عنه بذكر عدد من الشواهد
التاريخيّة على التحاق أمير المؤمنين(عليه السلام) برسول الله(ص) في مكّة، وسقت
عدداً من أقوال علماء السنّة ممن ردّوا على الفخر الرازي.
ثمّ بعد ذلك تطرَّقت إلى الإشكال القاضي بأنّ حديث
الغدير يُخالف الواقع التاريخي؛ لأنّه ورد في الحديث >اللهم انصر من نصره، واخذل من خذله...< والحال أنّ عليّاً(عليه السلام) لم ينتصر في جميع
حروبه، كما أنّ من خذلوه قد حقّقوا الفتوحات والانتصارات، وبيّنت في الجواب أن هذا
الكلام يتضمن إنكاراً للسنّة النبويّة لثبوت الحديث وصحّته, هذا من جهة، ومن جهة
أخرى، يكشف عن عدم الفهم الحقيقي لمعنى النصر الإلهي، الذي لا يمكن قياسه بالنصر
المادي الآني في أرض المعركة فقط.
وكان آخر الإشكالات التي ذكرتها في هذا الفصل،
هو أنّ حديث الغدير جاء إثر شكوى وقعت من الجيش الذي أرسله النبيّ(ص) إلى اليمن
ضدّ علي(عليه السلام)، بسبب أمور وقعت بينهم، فأراد الرسول(ص) أن يبيّن مكانة علي(عليه
السلام) وإيمانه, وليس فيه دلالة على الإمامة، وأجبت عن هذه الشبهة بشكل مفصّل,
وحلّلت مسألة الشكوى, وبيّنت عدد المرّات التي خرج فيها الإمام عليّ(عليه السلام)
إلى اليمن، واختلاف الروايات في مسألة الشكوى، ومن هم الشكاة؟ وهل أنّ مكان الشكوى
هو المدينة أم مكّة؟ وأثبتّ بأنّه على جميع التقادير لم تكن تلك الشكوى هي السبب
في حديث الغدير.
وأمّا في الفصل الخامس والأخير؛ فذكرت مجموعة الدراسات المعاصرة التي تناولت حادثة
الغدير أو جانباً من جوانبها، وقسّمت البحث إلى ثلاثة أقسام: قسم يتعلّق بالدراسات
الغديريّة باللغة العربيّة, وقسم يتعلّق بالدراسات الغديريّة باللغة الفارسيّة،
والقسم الثالث تناول الدراسات الغديريّة باللغة الأورديّة ولغات أخرى، وكان من أهمّها
موسوعة الغدير للعلامة الأميني، وكتاب عبقات الأنوار للعلامة مير حُسين، وغيرهما
من الدراسات الكثيرة التي ذكرتُ نماذج منها فقط، ثم كانت خاتمة الأطروحة هي ذكر
مجموعة من النتائج والتوصيات التي خرجت بها من هذا البحث.
قد تواجه بعض المسائل في منظومتنا الدينيَّة، نوعاً من
الإهمال واللامبالاة، أو حتّى الرفض في بعض الأحيان؛ لافتقار هذه المسائل إلى
الرصيد الكافي من الوثائق والمستندات التي تجعلها تكتسب الواقعيَّة والمقبوليَّة،
وهو أمر له ما يبرِّره ضمن السياقات العلميَّة الصحيحة، وما تمّ التوافق عليه من آليات
وأساليب معروفة.
ولكن
المشكلة تكمن فيما لو تعرّضت مسألة من المسائل الحسَّاسة والمحوريَّة، إلى زخم من
الرفض وعدم القبول مع ما تكتنزه من أدلّة وشواهد كثيرة تجعل منها حقيقة ماثلة في
حيز الحقيقة والواقع، وذلك لأسباب وغايات تخرج عن الإطار العلمي، وتبتعد عن
الإنصاف والموضوعيَّة، فتغيب بذلك عن مسرح التاريخ حقائق وأمور لها مساس مباشر
بواقع المجتمع الإسلامي وبنيته الفكريَّة والدينيَّة، وحينئذٍ يتحتّم على الباحثين
المنصفين النهوض بمسؤوليَّة بيان الحقائق، ونفض غبار الغموض والتشويش عن وجهها؛
لتأخذ حجمها الحقيقي ومكانتها الطبيعيَّة في أرض الواقع، وذلك من خلال جمع الوثائق
والأدلّة وتنظيمها وترتيبها، ودفع الشبهات والإشكالات عنها.
عنوان الأطروحة هو:
واقعة الغدير دراسة توثيقيّة، والعنوان واضح إلى حدّ ما، فالمقصود بالواقعة هو
الحادثة، والغدير: يوم الغدير، وهو يوم معروف في التراث الإسلامي، والمقصود من
التوثيق لغة: الإحكام: «وَثُقَ
الشيْءُ بِالضم وَثَاقَةً قَوِيَ وَثَبَتَ فَهُوَ وَثِيقٌ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ،
وَأَوْثَقْتُهُ جَعَلْتُهُ وَثِيقاً»([1])، «والوَثِيقةُ في الأَمر إحْكامه»([2])، «واسْتَوْثَقَ منه: أخَذَ الوَثيقَةَ»([3])، «والوثيقة: بفتح الواو والقاف وكسر الثاء جمع وثائق، من وثق (بضم الثاء)
الشيء: ثبت وقوي وصار مُحكماً»([4])، «والوَثِيقة: الإحكام»([5]).
وبعد أن كان معنى التوثيق لغة هو الإحكام، فليس هناك
معنى اصطلاحي خاصّ له، إلا أنّه بحسب المناسبة العرفيّة يكون معنى التوثيق الذي
يقع صفة للدراسة (دراسة توثيقية) هو إحكامها، من خلال دعم الحادثة بالشواهد والأدلّة،
ومحاولة رفد الحادثة بما يعزِّز وجودها؛ ولذلك لن يقتصر البحث على مسائل تدوينيّة
فقط، بل سوف يتعدّى إلى دفع الشبهات التي قد تساهم في تشويش الحادثة وتؤثّر عليها
كحقيقة تأريخيّة, ولهذا سوف نعقد فصلاً مهمّاً في دفع الشبهات التي تناولت واقعة
الغدير بمزيد من التحليل والتدقيق.
لا شكّ أنّ واقعة مثل واقعة الغدير تحظى من الأهميّة
بأبعاد كثيرة، خصوصاً على مستوى الخلاف العقائدي، حيث ـ كما سوف نبيِّن في المباحث
التمهيدية ـ أنّ الواقعة تمثّل عند طائفة الشيعة دليلاً رئيساً من أدلّة ثبوت
الإمامة بالمعنى الشيعي، وبلا شكّ فهي مفصل أساس في الخلاف الشيعي السنّي. مع
العلم أنّ واقعة الغدير، ومنذ العصور الأولى للإسلام، كانت مثاراً للنزاع بين
المسلمين، وقد توسّع النزاع والخلاف من خلاف بدائي وبسيط إلى خلاف له حيثيات
كثيرة، وامتدّ إلى مواقع عديدة، فكثر السجال حوله وما تبعه من نتائج، ربّما وصل في
بعض الأحيان إلى أن ساهم في حراب طائفي.
ومن هنا يكتسب البحث عن
هذا الموضوع أهميّة كبيرة؛ من خلال جمع الوثائق التي من شأنها دعم واقعة الغدير
على الصعيد التاريخي، كما من شأنه أيضاً أنْ يرسّخ المدلول المعنوي للحادثة، وليس
ذلك انطلاقاً من توجّه مذهبي يسعى إلى تعزيز عقائده ومبانيه الفكريّة التي يؤمن
بها, بل سعياً إلى كشف الحقيقة بكلّ أبعادها بروح تتسم بالحياديّة والموضوعيّة والإنصاف
قدر المستطاع.
كثرت الدراسات حول واقعة الغدير بأبعاد وتوجُّهات مختلفة،
بل هناك مراكز علميّة تخصَّصت بهذا الموضوع([6])، فكانت هناك
دراسات قديمة ومعاصرة ـ وسوف نتعرَّض إلى المعاصرة منها في الفصل الخامس من هذه
الاُطروحةـ لكن يمكن القول إنّه لا توجد دراسة اختصّت بهذا النحو الذي نسعى
لتحقيقه، أو ربّما لم نعثر على ذلك، فما نسعى إليه هو دراسة شاملة موثّقة لكلّ أبعاد
واقعة الغدير التاريخيّة، على صعيد الثبوت وعلى مستوى الدلالة، نعم, ربّما كان
هناك اختصار في بعض البحوث، نتيجة قيود الاُطروحة العلميّة التي لا تنسجم مع الإسهاب،
وتعتمد الأسلوب المختصر حين تكون الفكرة واضحة.
هناك عدّة
مناهج اُعتمدتْ في صياغة هذا البحث، أوضحها هو المنهج الاستقرائي, حيث التتبع
الدقيق لما يصلح أن يكون وثيقة تدعم تأصيل الحادثة على المستوى التاريخي والدلالي،
كما وظّفنا أيضاً المنهج الوصفي؛ وهو عادة ما يكون مستنداً إلى الوصف الدقيق لشيء
فرغ عن وجوده وتحقّقه، وكذلك المنهج التحليلي والبرهاني، حيث قمنا بتحليل الكثير
من الشبهات التي أثيرت على الحادثة وبرهنا على عدم صحَّتها.
اشتملت هذه الاُطروحة
على مقدّمة وخمسة فصول وخاتمة وتوصيات:
أمّا المقدّمة: فذكرت فيها التعريف بعنوان الأطروحة، كما بيّنت أهداف
الأطروحة، ومنهجها، وسوابقها، وأهميّة الموضوع.
وأمّا الفصل الأوّل: فقد ذكرت فيه بعض المباحث
التي يجمعها عنوان، كونها تمهِّد للدخول في البحث الأساس، وقد تضمّنت خمسة مباحث:
المبحث
الأوّل: وكان يهتمّ بالتعريف اللغوي لغدير خم.
المبحث الثاني: وكان
يتعلّق بتصوير واقعة الغدير بشكل إجمالي.
المبحث الثالث: وكان
يتعلّق بتبيين أهميّة واقعة الغدير في العقيدة الإسلاميّة.
المبحث الرابع: وكان
يتعلّق بالتوثيق التأريخي والزماني للواقعة.
المبحث الخامس: وكان
يتعلّق بالتوثيق المكاني للواقعة.
أمّا
الفصل
الثاني:
فكان عنوانه: واقعة الغدير عند
الشيعة، وقد تضمّن أربعة مباحث رئيسة:
المبحث الأوّل: كان
البحث فيه حول حديث الغدير وخطبته عند المحدّثين.
المبحث الثاني: كان
يتعلّق بحديث الغدير وأئمّة أهل البيت(عليهم السلام).
المبحث الثالث: حول
المتكلّمين وحديث الغدير.
المبحث الرابع: يتعلّق
بالفقهاء وحديث الغدير.
أمّا
الفصل الثالث: فقد جاء تحت عنوان: حديث الغدير في كتب أهل السنّة، وقد تضمّن أربعة
مباحث:
المبحث الأوّل: يتعلّق
بحديث الغدير في الروايات والأخبار.
المبحث الثاني: وكان
يهتمّ باستعراض أقوال علماء أهل السنّة في سند حديث الغدير.
المبحث
الثالث: يتحدّث عن أقوال علماء السنّة في دلالة حديث الغدير.
المبحث
الرابع: يدور حول مؤلّفات مستقلّة تتعلّق بحديث الغدير.
أما الفصل الرابع: فقد جاء تحت عنوان: حديث الغدير: إشكالات وإجابات، وربّما يعدّ هذا الفصل
من أهمّ فصول الأطروحة, حيث أوليته اهتماماً خاصّاً، وقد صنّفت الإشكالات بحسب
نوعيّتها، فجاءت أربعة مباحث:
تصدرها المبحث الأوّل
بعنوان فضائل أهل البيت(عليهم السلام) في زمن بني أميّة، وكان يتناول جذور تلك الإشكالات ومناشئها بشكل عام.
ثم المبحث الثاني:
تناول الإشكالات السنديّة، وهي الإشكالات التي تعرّضت لسند حديث الغدير وحاولت
التقليل من القيمة السنديّة للواقعة.
المبحث الثالث: تناول
الإشكالات الدلاليّة، وهي الإشكالات التي فسَّرت دلالة الحديث بعيداً عن معناه
الحقيقي.
المبحث الرابع:
الإشكالات التاريخيّة، وهي الإشكالات التي تعرّضت لحديث الغدير من الزاوية
التاريخيّة؛ من قبيل أنّ عليّاً لم يكن موجوداً في مكّة في تلك السنة.
أمّا الفصل الخامس: فقد جاء تحت عنوان: الغدير في الدراسات المعاصرة، وقد تضمّن ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: يتعلّق
باستعراض الدراسات التي تناولت الغدير باللغة العربيّة.
المبحث الثاني: ويتعلّق
بالدراسات حول الغدير باللغة الفارسيّة.
المبحث الثالث: ويتعلّق
بالدراسات حول الغدير باللغة الأورديّة واللغات الأخرى.
وفيه خمسة
مباحث:
المبحث الأوّل:
غدير خم لغويّاً
المبحث الثاني:
قصّة واقعة الغدير إجمالاً
المبحث الثالث:
أهميّة واقعة الغدير في العقيدة الإسلاميّة
المبحث الرابع:
توثيق واقعة الغدير تاريخيّاً
المبحث الخامس:
توثيق واقعة الغدير مكانيّاً
نتعرّض في هذا البحث إلى تعريف غدير خم؛ رفعاً لأي غموض
في الموضوع، فنذكر تعريف معنى غدير ومعنى خم، وكذلك كلّ مفردة ارتبطت بالموضوع، من
قبيل الجحفة ونحوها، فنقول:
قال الراغب الإصفهاني (ت: 565هـ): «والْغَدِيرُ: الماء الذي يُغَادِرُهُ السيل في مستنقع
ينتهي إليه، وجمعه: غُدُرٌ وغُدْرَان»([7]).
قال الفيّومي (ت:
770هـ): «(الغَدِيرُ) النهْرُ
والْجَمْعُ (غُدْرَانٌ) و(الْغَدِيرَةُ) الذؤَابَةُ والْجَمْعُ (غَدَائِرُ)»([8]).
وسبب تسمية الغدير إمّا لأنّه اسم مفعول لمغادرة السيل
له، أي أنّ السيل عندما يملأ المنخفض بالماء يغادره، بمعنى يتركه بمائه.
أو أنّه اسم فاعل من
الغدر؛ لأنّه يخون وراده فينضب عنه، ويغدر بأهله، فينقطع عند شدّة الحاجة إليه([9]).
قال ابن منظور (ت: 711هـ): «خَم: غَديرٌ معروف بين مكة والمدينة بالجُحْفةِ، قال
ابن الأَثير: هو موضع بين مكّة والمدينة تَصُب فيه عين هناك، وبينهما مسجد سيدنا
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)»([10]).
قال ابن الأثير
(ت:606هـ): «خَم العين: أي:
كنسها وتنظيفها. إلى أن قال: وفيه ذكر «غدير خُم» موضع بين مكة والمدينة تصبُّ فيه
عين هناك، وبينهما مسجد للنبىِّ (صلى الله عليه وسلم)»([11]).
قال الحموي (ت:
626هـ): «قال الزمخشري: خم:
اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكّة والمدينة بالجحفة»([12]).
وقال الحازمي (ت:
584هـ): «خم: واد بين مكّة
والمدينة عند الجحفة، به غدير، عنده خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذا
الوادي موصوف بكثرة الوخامة»([13]).
وغدير خم يقع في منطقة يقال لها الجحفة، وقد سمّي في بعض
الروايات بغدير الجحفة، من باب تسمية الجزء باسم الكل، لأنّ خماً جزء من وادي
الجحفة الكبير، فقد روى ابن البطريق (ت: 600هـ)، عن زيد بن أرقم قال: «أقبل نبي الله’ من مكّة في حجّة
الوداع، حتى نزل بغدير الجحفة، بين مكة والمدينة»([14]).
وسوف نذكر لاحقاً في
البحث المكاني أن المقصود بالجحفة هو واديها لا نفس منطقة الجحفة التي تعدّ من
المواقيت.
قال صاحب القاموس المحيط: «الجحفة ميقات أهل الشام، وكانت قرية جامعة على اثنين
وثمانين ميلاً من مكة، وكانت تسمى مهيعة، فنزل بها بنو عبيل، وهم أخوة عاد وكان
أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل الجحاف فاجتحفهم؛ فسميت الجحفة»([15]).
وقد فسّرت الجحفة
بمهيعة في بعض الروايات, فقد روى الكليني بسنده عن الصادق(عليه السلام): >إنّ رسول الله’ وقّت لأهل المغرب الجحفة؛ وهي مهيعة<([16]).
وكذلك في رواية أخرى ذكرها
الصدوق, عن الصادق(عليه السلام): >إنّ الرسول’ وقّت لأهل الشام الجحفة, ويقال لها: مهيعة<([17]).
وفي المسالك والممالك: «أمّا الجحفة، فإنّها منزل عامر، وبينها وبين البحر نحو
من ميلين، وهي في الكبر ودوام العمارة نحو من فيد، وليس بين المدينة ومكّة منزل
يستقلّ بالعمارة والأهل إلا الجحفة»([18]).
وجاء في معجم البلدان:
«كانت قرية كبيرة ذات منبر على
طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وكان اسمها مهيعة، وإنما سميت الجحفة، لأن
السيل اجتحفها، وبينها وبين المدينة ست مراحل، وبينها وبين غدير خم ميلان، قال
السكري: الجحفة على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة»([19]).
وقال السمهودي: «الجحفة بالضم وسكون الحاء المهملة, أحد المواقيت, قرية
كانت كبيرة, ذات منبر, على نحو خمس مراحل وثلثي مرحلة من المدينة, وعلى نحو أربع
مراحل ونصف من مكّة, وكانت تسمّى أوّلاً مهيعة<([20]). وقال في
مهيعة: >إسم للجحفة, قال الحافظ
المنذري: لما أخرج العماليق بني عبيل أخي عاد من يثرب نزلوها, فجاءهم سيل الجحاف
بضم الجيم, فجحفهم وذهب بهم, فسميت حينئذٍ الجحفة, انتهى, وقال عياض: سميّت الجحفة
لأن السيول أجحفتها, وحملت أهلها, وقيل: إنها سميت بذلك من سنة سيل الجحاف سنة
ثمانين؛ لذهاب السيل بالحاج وأمتعتهم»([21]).
وفي نزهة المشتاق: «والجحفة منزل عامر آهل فيه خلق كثير لا سور عليه، وهو
ميقات أهل الشام، ومنه إلى البحر نحو أربعة أميال، ومن الجحفة إلى الأبواء سبعة
وعشرون ميلاً»([22]).
ومن الاسماء الاُخرى
لغدير خم: الخرّار، قال السكوني: «موضع غدير خم يقال له الخرّار»([23]).
ولكن ابن الأثير قال:
«(الخرّار) بفتح الخاء وتشديد
الراء الأولى: موضع قرب الجحفة بعث إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سعد بن
أبي وقاص (رضي الله عنه) في سريّة»([24]).
وهكذا ذكره ابن منظور
والزبيدي([25]).
ومن أسمائه الأخرى:
الغُربة، بضم الغين المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحدة، هكذا ضبطه
البلادي، وهو الاسم في الوقت الحاضر، قال البلادي: «يعرف غدير خم اليوم باسم «الغّرَبَة»، وهو غدير عليه
نخل قليل لأناس من البلاديّة من حرب، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على ثمانية
أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرّار»([26]).
من المناسب وقبل
الدخول بتفاصيل البحث أن نستعرض الواقعة بشكل إجمالي فنقول:
لقد حدثت تلك الواقعة حينما خرج رسول الله’ إلى
الحجّ في السنة العاشرة للهجرة بأمر من الله تعالى، وقد أعلن النبيّ’ أمام الناس
عن قصده للحجّ ذلك العام، وأذّن في الناس بذلك, حتّى أرسل رُسلاً إلى المناطق
الاُخرى؛ لكي يخبروا الناس، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك، التي
أطلق عليها حجّة الوداع، أو حجّة الإسلام، أو حجّة البلاغ، أو حجّة الكمال، أوحجّة
التمام([27])،
ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أنْ توفاه الله تعالى([28]).
فخرج الرسول’ من
المدينة مغتسلاً مترجّلاً، قد رافقه أهل بيته وعامّة المهاجرين والأنصار، وعدد
كبير من الناس وقد اجتمعوا حوله، وقيل: قد خرج معه تسعون ألفاً ويقال: مائة وأربع
وعشرون ألفاً، ويقال أكثر من ذلك([29]). وفي
كتاب حجّة الوداع للأندلسي: «وكان معه’ من الناس جموع لا يحصيها إلا خالقهم ورازقهم عزّ وجلّ»([30]).
وكان الإمام عليّ(عليه السلام) حينها في اليمن يقوم
بالتبليغ ونشر التعاليم السماويّة، وبعد أن علم بأمر الرسول’ قصد مكّة مع جمع من
اليمنيين؛ ليلتحقوا بالرسول’ قبل بدء المناسك([31]).
فلبس الرسول’ لباس الإحرام مع أصحابه
في ذي الحليفة، وهو ميقات الشجرة, ومن ثمّ بدأ بمناسك الحجّ.
و بعد انتهاء المناسك، وانصراف النبيّ’ راجعاً إلى
المدينة، وصل منطقة غدير خم([32]).
وعند منتصف الطريق في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة،
وقبل أن يتشعّب المصريّون والعراقيّون والشاميّون، نزل جبرائيل عن الله تعالى
بقوله: {يَا
أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا اُُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ إِن اللهَ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}([33]).
وهذه الآية، كما هو المعروف عند الشيعة وبعض علماء أهل
السنّةـ كما سيأتي ـ أمرت النبيّ’ أنْ يبلّغ الناس بما أُنزل في علي(عليه السلام)
فيما يتعلّق بولايته.
وقد كانوا قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله’ أن يردّ من
تقدّم ويحبس من تاخّر عنهم([34]).
فأمر النبيّ’ أصحابه
أن يهيّئوا له مكاناً تحت الأشجار، ويزيلوا الأشواك، ويجمعوا الاحجار من تحتها([35]).
وقد كان غدير خم من
أشد الأماكن حرارة في ذلك الوقت، وقد نودي إلى فريضة الظهر، فصلاها في تلك الحرارة
الشديدة، مع الجماعة الغفيرة التي كانت حاضرة، وقد ظللوا النبيّ’ من شدّة الحرارة
بوضع ثوب على شجرة من أشجار تلك المنطقة([36]).
في هذا الموقع الحساس
وضع رسول الله’ على نفسه أوزار المسير، ونهض في رمضاء الهجير، وبدأ بخطبته([37])
قائلاً:
«الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه... وأشهد أنْ
لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ـ أما بعدُ ـ أيها الناس، قد نبأني اللطيف
الخبير أني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟
قال الحاضرون: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله عنا
أفضل الجزاء.
ثم قال لهم: ألستم تشهدون أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده
ورسوله، وأنّ جنّته حق وناره حق وأن الموت حق؟
قالوا: نشهد بذلك، قال: اللهمّ اشهد على ما يقولون، ألا وإنّي
أشهدكم أنّي أشهد أن الله مولاي، وأنا مولى كلّ مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، فهل تقرّون لي بذلك، وتشهدون لي به؟ فقالوا: نعم, نشهد لك بذلك، فقال: ألا
من كنت مولاه فإن علياً مولاه، وهو هذا، ثم أخذ بيد علي(عليه السلام) فرفعها مع
يده حتّى بدت آباطهما.
ثم قال: اللهم وال من
والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
ثم قال: ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض، حوضي
غداً، وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا
وإني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي
حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي، فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين
تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟ قال: أمّا الثقل الأكبر، فكتاب
الله عزّ وجل، سبب ممدود من الله ومنّي في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر
بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف
القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته (عليهم السلام)، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض»([38]).
ولمّا تفرّقوا، حتى نزل
جبرائيل بقول من الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام
دِيناً}([39]).
فلمّا نزلت هذه الآية
قال النبيّ’: «الله أكبر
على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الله برسالتي ولولاية علي من بعدي»([40]).
وهنا بدأ القوم يهنّؤون
أمير المؤمنين، وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة أبو بكر وعمر، وقال عمر: >بخ بخ لك يا بن أبي طالب؛ أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ
مؤمن ومؤمنة<([41]).
وقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده، قال: «أنبأنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن
عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد
الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب،
عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو
يوم غدير خم، لما أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست
ولي المؤمنين، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر
بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أوّل يوم
نزل جبرئيل(عليه السلام) على محمّد (صلّى الله عليه وسلّم) بالرسالة»([42]).
فمن أمعن النظر في
تفاصيل الحادثة وظروفها الموضوعيّة والتاريخيّة، يجزم بتلك الأهميّة، فقد كانت تمثّل
نقطة الانطلاق والتأسيس المبرمج والمخطّط للحقبة الزمانيّة بعد النبوّة، تلك
الحقبة التي أسَّست لمجتمع تأطَّر بقواعد وتشريعات إلهيَّة نزل بها الوحي على
النبيّ’، فأراد النبيّ’ أن تستمر نتائج تلك التجربة الإسلاميّة الرائعة بعد وفاته’؛
من خلال استمرار التطبيق الصحيح للشريعة، فكان لا بدّ أنْ تكون هناك شخصيّة قد تربّت
وترعرعت في حياة النبيّ’، لتكون قادرة على تسنّم الخلافة والإمامة من بعده.
فالإمامة إذن، وبهذا
اللحاظ، تشكّل ركناً رئيساً من أركان العقيده والكيان الفكرى والاجتماعى للمسلمين.
ولخطورة هذه المسألة،
وتأثيرها المباشر على سلامة مسيرة الشريعة الإسلامية؛ كانت عناية رسول الله’ بها بالغة،
واهتمامه واسعاً ومتواصلاً فى بيان هذه المسألة، وتشخيص المستحق للإمامة من بعده
بصيغ مختلفة، ذلك لأنّ أحدى وظائف الإمامة خلافة النبيّ’ في حفظ الرسالة، وبيان
محتواها، والعمل بها، كما يحفظ وحدة الاُمّة وسلامة مسارها.
فقد حرص النبى’ على
مستقبل الاُمة، وحفظ مسيرتها منذ بدء الدعوة، فلم يكن ليدعها تتخبط فى الفوضى
والخلاف، وهو الحكيم المؤتمن على هذه الرسالة ومصيرها من بعده.
ولمّا كانت الفترة
التي عاشها النبي’ فترة قصيرة نسبياً، فلم تستطع أن تقلع كل الجذور والترسبات التي
عاشها المجتمع الجاهلي، فتلك الجذور قد تأصلت واستحكمت في كثير من النفوس، برغم أنّ
الإسلام قد عالج ورفع الكثير منها، لكنه بلا شك لم يقض عليها جميعاً، وهناك شواهد
كثيرة على ذلك([43]).
ومن تلك الترسبات
استمرار النزعة القبلية في مسألة الإمارة، فقد واجه النبي’ مسألة مهمة وخطيرة جداً،
وهي مسألة السلطة، أو ما يسمى بولاية الأمر من بعده، حيث كان يأبى البعض أن تكون
السلطة والخلافة خارجة عن قريش مثلاً حتى لو كان هناك من يكون أهلاً لها، أو كان
يرفض أن تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد، حتى لو توفرت الكفاءة العالية التي
تؤهل الشخص للقيادة بجميع امتيازاتها، فكان يعيش حالة الرفض في باطنه، ولو من
ناحية ظاهرية كان يبدي قبولاً لها.
ولهذا
حاول النبي’ التمهيد لهذه المسألة، بعد أن تقرر في علم الله تعالى أن يكون الإمام
علي(عليه السلام) هو من سيخلف النبي’ بعد وفاته؛ وتجلى التمهيد في موارد
متعددة، بحسب مقتضيات الزمان والمكان، وجاء ذلك في كثير من الأحاديث الصحيحة، ومن
تلك الموارد:
1ـ كانت بداية التصريح بها يوم دعا النبي الأكرم’
الأقربين إليه للإسلام، لما نزلت هذه الآية على رسول الله’: {وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}([44])، فجاء
ذلك مترافقاً مع بدايات التصريح بالدعوة إلى دين الإسلام.
وكانت هذه الدعوة في السنة الثالثة من البعثة، وهي أوّل
مرة أظهر فيها الرسول الدعوة إلى الإسلام، وشخص فيها الإمام من بعده وعرّفه
للأقربين إليه؛ حين قال النبيّ’ لعليّ(عليه السلام): «أنت وصيي وخليفتي بعدي»([45]).
فنلاحظ أن النبي’ قد ذكر الخلافة والإمامة في أول يوم
دعي فيه إلى التصريح بالدعوة إلى الإسلام، فنعرف حينئذٍ أن الإمامة جزء مهم من
الرسالة النبوية.
2ـ شرع بعد ذلك رسول الله’ في التصريح بها في مجتمع خاص
ولجماعة معينة وفي مناسبات عديدة، فهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي نقلت لنا
تؤكد ذلك، مثل حديث الثقلين المتواتر، الذي ورد ذكره في صحيح مسلم وصححه الحاكم
والذهبي وابن كثير في تفسيره، وذكره البغوي في المصابيح والألباني في الأحاديث
الصحيحة وغيرهم([46])، وكذلك
حديث المنزلة([47])، وغيرها
من الأحاديث([48])، التي صرّح
النبي’ فيها بالإمامة.
3ـ ثم انتقل
النبي’ إلى مرحلة التصريح لعموم المسلمين، والتي ولّدت للنبيّ’ بعض المخاوف؛
لمعرفته بطبيعة المجتمع آنذاك, وما يحمله من رواسب جاهلية قد تؤدي بالمجتمع
الإسلامي إلى رفض هذا الأمر، لكن الله تعالى أمره بالتصريح ونبذ مخاوفه جانباً,
فقال: {يا
أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ}([49])، فأعلن رسول الله’ هذا الأمر في الثامن عشر من ذي
الحجة، وكان معه من الصحابة والأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون
ألفاً([50])، وقد شهدوا معه حجة الوداع، وسمعوا منه حديث الغدير: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
ولعل المتمعن في آية
البلاغ يتبين له عظم وأهمية مسألة واقعة الغدير؛ وذلك من خلال التجسيد القرآني
هنا، فنجد أن الله تعالى قد حرص وبشدة على أن يتم تبليغ ما أمر النبي’ بتبليغه،
حتى وصلت أهميته إلى ربط كلّ جهوده’ وكلّ ما عمله من تبيلغ طيلة سنوات مضنية،
ربطها بهذا البلاغ، فأيّ بلاغ هذا الذي سيفصح عنه في يوم الغدير؟! وأي عظمة قد
اكتسب هذا البلاغ؟! وأى تبليغ هذا الذي يخشى النبي’ الناس فيه حتى يطمئنه الله
تعالى بأنه سوف يعصمه منهم؟ ثم لماذا يخبر الله تعالى نبيه’ إخباراً يستبطن في
واقعه تهديداً، بأنّ كلّ ما فعلته سيذهب سدى إن لم تبلغ هذا الأمر، إن كان حكماً من
الأحكام الشرعية أو فرضاً من الفروض الدينية فقط؟!!
ولم يجد النبيّ’
سبيلاً، بعد هذا الخطاب الإلهي، إلا أنْ يتقدّم للأمام في تبليغه، وهكذا جمع الناس
في وادي خم، وبلغهم مسألة الولاية والخلافة بعده, وأنّ علياً(عليه السلام) هو
وليهم، وهو أولى الناس بالتصرّف بهم، كما أنّه أولى من المؤمنين من أنفسهم.
وبقراءة سريعة لما
ذكرنا تتجلّى أبعاد واقعة الغدير، وأنّ أهميتها جاءت من أهميّة الأمر الرباني؛
الذي اُريد له أنْ يأخذ طريقه إلى أسماع الصحابة والمؤمنين آنذاك.
ومن هنا نفهم أيضاً
سبب الاهتمام التاريخي بحديث الغدير؛ إذ اهتم به الكثير من المؤرخين، وكُتبت فيه
الكثير من الكتب، كما سيأتي التعرض لذلك في البحوث اللاحقة.
ومن هنا يتضح أيضاً
أهمية الدراسة التوثيقية لأشهر النصوص، وأكثرها أهميّة فى الفكر والمعتقد والتاريخ
الإسلامي.
من الأمور التي لا بدّ
أنْ يبحث عنها هي التحديد الزمني لواقعة الغدير من جهة يومه الأسبوعي، بعد الاتفاق
على وقوع نص غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة الهجرية.
وهو بحث له صلة ببحث
تشخيص يوم عرفة أيضاً الذي قيل إنّ آية الإكمال قد نزلت فيه، وهو بحث مهم على صعيد
المضمون العقائدي؛ لارتباطه الوثيق بأحد أهم أدلة الإمامة والخلافة التي تقول بها
الشيعة.
فهذا البحث لا يخلو
من الفوائد العقائدية والكلامية والتاريخية، كما لا يخلو من فائدة فقهية، وذلك مثلاً:
لو ثبت أنّ يوم عرفة هو الجمعة، بضميمة عدم صلاة النبي الجمعة، فيثبت أن الصلاة
مشروطة بالحضر.
فأقول: لم يشكّك أحد
في أنّ واقعة الغدير كانت في الثامن عشر من ذي الحجة، في السنة العاشرة من الهجرة
المباركة، لكن وقع الخلاف في تعيين اليوم الذي حدثت فيه الواقعة، بمعنى أن الخلاف
منصب على تشخيص يومه الأسبوعي، فهل هو يوم الخميس أو يوم السبت أو الأحد أو غير
ذلك؟
ومن أحد طرق تشخيص
ذلك، هو البحث في تحديد يوم عرفة، الذي وقف فيه النبي’ في حجّة الوداع، وبتشخيص
يوم عرفة يمكن معرفة اليوم الذي حدثت فيه واقعة الغدير بعده بتسعة أيام.
وقد ذهب مشهور أهل
السنّة إلى أنّ يوم عرفة في آخر حجّة للنبيّ’ في تلك السنة كان يوم الجمعة،
واستشهدوا لذلك بروايات عندهم، من أهمها:
ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن طارق بن شهاب، عن
عمر بن الخطاب: «أن رجلاً من اليهود
قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت
لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإسلام دِيناً} قال عمر: قد
عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو قائم
بعرفة، يوم الجمعة»([51]).
وقد حاول جمع من
علماء أهل السنة أن يدعموا قول الخليفة عمر من خلال التصريح بأن يوم عرفة هو
الجمعة.
ومن خلال هذا التحديد
ليوم عرفة يمكننا إضافة تسعة أيام، فيكون يوم الغدير هو يوم الأحد.
لكن هذا الرأي معارض بكثير من الأمور، منها: خروج النبي’
وحركته من المدينة إلى مكة، يوم الخميس لخمس أو لأربع بقين من ذي القعدة.
فقد روى البخاري في
صحيحه وقت خروج النبيّ ’، قال: «وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطاف
بالبيت وسعى بين الصفا والمروة...»([52]).
وفي مورد آخر: «حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن
عمرة بنت عبد الرحمن انها سمعت عائشة (رضي الله عنها) تقول: خرجنا مع رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) لخمس ليال بقين من ذي القعدة»([53]).
ومن جانب آخر يقولون
بأن خروج النبي كان يوم الخميس، فقد جاء في السيرة الحلبية: «وكان خروجه (صلى الله عليه وسلم) يوم الخميس»([54]).
وقال ابن حجر في فتح
الباري: «وجزم ابن حزم بأن
خروجه كان يوم الخميس»([55]).
وقال الأندلسي في
عيون الأثر: «وخرج رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) إلى مكة عام حجة الوداع، التي لم يحج من المدينة منذ هاجر(عليه
السلام) إليها غيرها، فأخذ على طريق الشجرة, وذلك يوم الخميس»([56]).
من هنا نقول: بناءً
على كمال الشهر؛ أي كون شهر ذي القعدة ثلاثين يوماً، فيكون أول شهر ذي الحجة يوم
الأربعاء، وذلك للتلفيق بين كون الخروج لخمس بقين من ذي القعدة وبين كون ذلك يوم الخميس، فإنّ نتيجة ذلك أنْ يكون الخروج يوم
الخميس، المطابق للخامس والعشرين من ذي القعدة، ولحساب أوّل ذي الحجة نضيف خمسة
أيام مكمّلة الشهر: (الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء)، فيكون أول يوم من
شهر ذي الحجة هو يوم الأربعاء، ولكي نحسب يوم عرفة الذي هو يوم التاسع من ذي
الحجة: الخميس والجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس)،
فينتج أن يوم عرفة هو يوم الخميس، وليس الجمعة، كما يقول به أهل السنة.
وأما بناءً على نقصان
الشهر، كما احتمله ابن كثير بقوله: «وظن الراوي أن الشهر يكون تاماً فاتفق في تلك السنة نقصانه»([57]).
فيكون خروج النبيّ’
لخمس بقين من ذي القعدة في اليوم الخامس والعشرين يوم الخميس، فيبقى من الأيام
المكملة للشهر أربعة أيام: الجمعة والسبت والأحد والاثنين، فيكون حينئذٍ اليوم
الأوّل من شهر ذي الحجّة هو يوم الثلاثاء، فيتحدد يوم عرفة بيوم الأربعاء دون
الجمعة.
هذا وفق ما ورد من
طرق أهل السنة؛ من أنّ النبيّ خرج لحجّة الوداع من المدينة لخمس بقين من ذي
القعدة.
أمّا بناءً على ما
ورد من طرق الشيعة؛ بأنّ خروج النبيّ’ كان لأربع بقين من ذي القعدة، كما نقله ابن إدريس
عن الحسن بن محبوب في كتابه, قال: «خرج رسول الله’ لأربع بقين من ذي القعدة، ودخل مكة لأربع مضين من ذي الحجة،
دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفلها»([58]).
فأيضاً نقول بناءًً
على كمال الشهر سيكون أول ذي الحجة يوم الثلاثاء؛ لأن خروج النبي’ هو يوم الخميس،
المطابق للسادس والعشرين ـ بناءً على القول: لأربع بقين من ذي القعدة ـ وبإضافة
أربعة أيام مكملة الشهر: أي الجمعة والسبت والأحد والاثنين، سيكون أول ذي الحجة هو
الثلاثاء، وبإضافة ثمانية أيام لاحتساب يوم عرفة، سيكون عرفة يوم الأربعاء دون
الجمعة.
أما بناءً على نقصان الشهر، فسيكون أول ذي الحجة هو يوم
الاثنين، وبتبع ذلك يكون يوم عرفة يوم الثلاثاء دون الجمعة أيضاً، فيكون الغدير
يوم الخميس، كما سيأتي.
ويؤيّد كون خروجه من
المدينة يوم الخميس، ما ورد من أنّ النبي’ يحبّ أن يسافر يوم الخميس، وكان يبدأ
سفره به:
فقد أخرج البخاري عن
عبد الرحمن بن كعب عن أبيه: «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن
يخرج يوم الخميس»([59]).
وروى الصدوق: عن أبي
جعفر(عليه السلام)، قال: «كان رسول الله’ يسافر يوم الخميس»، و«يوم الخميس يوم يحبه
الله ورسوله وملائكته»([60]).
وفي الكافي عن أبي
عبد الله(عليه السلام)، قال: «كان النبي’ إذا خرج في الصيف من البيت خرج يوم الخميس، وإذا أراد أن يدخل
في الشتاء من البرد دخل يوم الجمعة»([61]).
وبهذا لن يكون هناك اطمئنان بما نقله أهل السنّة من أنّ
يوم عرفة هو يوم الجمعة، من خلال تطبيق أول ذي الحجة على يوم الخميس حتى يكون يوم
عرفة هو يوم الجمعة؛ سعياً لتصديق قول الخليفة عمر المتقدم من أن يوم عرفة هو يوم
الجمعة، بل إن روايات أهل السنة تشكك في هذا التحديد أيضاً، كما نقل ذلك البخاري
ومسلم في صحيحهما تشكيك سفيان؛ حينما قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية لو نزلت
فينا لاتخذناها عيداً, فقال عمر: >إنى لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين
أنزلت، يوم عرفة وأنا والله بعرفة، قال سفيان: وأشكّ كان يوم الجمعة أم لا»([62]).
وبهذا يكون تحديد يوم الغدير مختلفاً وفق الآراء، فبناءً
على مايراه أهل السنّة من أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، عندئذٍ لا محيص من أنْ يكون
يوم الغدير هو يوم الأحد، وبناءً على ماذهبنا إليه من كون عرفة يوم الأربعاء أو
الثلاثاء بناءً على تمامية الشهر أو نقصانه، سيكون يوم الغدير هو الأربعاء أو
الخميس. والظاهر أنّ الشهر كان ناقصاً، وعليه سيكون يوم عرفة هو الثلاثاء ويوم
الغدير هو الخميس؛ وذلك لتوافقه مع الروايات والأخبار المصرّحة بأنّ يوم الغدير هو
يوم الخميس، كما سيأتي.
هذا أحد الطرق في
توثيق يوم الغدير الإسبوعي، وهناك طرق أخرى يمكننا من خلالها التحديد:
منها: الاعتماد على
الروايات التي ذكرت هذا اليوم مباشرة.
فمن طرق الشيعة مثلاً: ما جاء في كتاب سليم بن قيس عن
أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: «سمعت أبا سعيد الخدري يقول: إنّ رسول الله’ دعا الناس بغدير خم، فأمر بما
كان تحت الشجرة من الشوك فقم، وكان ذلك يوم الخميس»([63]).
أمّا ما ورد من طرق
أهل السنّة، فإليك بعض النماذج:
1ـ رواية أبي نعيم الأصفهاني عن أبي سعيد الخدري (رضي
الله عنه): «أنّ النبيّ (صلّى
الله عليه وسلّم) دعا الناس إلى علي(عليه السلام) في غدير خم، وأمر بما تحت الشجر
من الشوك فقم، وذلك يوم الخميس»([64]).
وقال صاحب الغدير: «رواه الحافظ أبو سعيد السجستاني المتوفى 477، في كتاب
الولاية بطريق أبي نعيم»([65]).
2ـ رواية الخوارزمي،
وهي نفس مضمون رواية أبي نعيم: عن أبي سعيد الخدري أنه قال: «إن النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم دعا الناس إلى غدير
خم، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فَقُمَّ، وذلك يوم الخميس»([66]).
وهناك طريق آخر أيضاً
يمكن به تحديد يوم الغدير: وذلك من خلال تعيين يوم وفاة النبي’، فمن خلال الروايات
التي حددت يوم وفاة النبي’، فإنه لا إشكال في أنه توفي يوم الاثنين، وقد دلت عليه الروايات
الصحاح عن أهل البيت(عليهم السلام)، لكن الإشكال في تاريخ اليوم والشهر.
وهذا
بحث طويل جداً، وقد وقع فيه خلاف كبير، وفيه آراء متعددة، وسوف نغض الطرف عنه.
ونختم بهذا المقدار
من البحث، وقد تحقّق فيه غرضان مهمان:
الأول: أنّ يوم عرفة،
المرتبط بتشخيص يوم الغدير، ليس كما يذهب إليه أهل السنّة من كونه يوم الجمعة، بل
إنّ الأقرب فيه إمّا يوم الثلاثاء؛ بناءً على نقصان الشهر، أو يوم الأربعاء؛ بناءً
على تماميته.
والغرض
الثاني: أن يوم الغدير سيكون إمّا يوم الأربعاء أو الخميس, وقد عرفنا أنّ الأقرب كونه يوم الخميس.
كما أنّ للزمان
والتوثيق الزماني أهمية في فهم النصوص والوقائع كذلك المكان، فهو أحد البنى
الرئيسة التي يتشكل ضمنها الحدث، ولا يمكن تصور أحداث إلا بوجود مكان تتحقق فيه،
ومن داخل الفضاء المكاني تتم عملية تصور الحدث ومحاولة فهمه، فكل نص هو بحاجة إلى
عنصر مكاني كحاجته إلى العنصر الزماني، وكلا العنصرين يساهمان في خلق الفهم الصحيح
للنص.
والفضاء المكاني من خلال
امتداداته ومكوناته قد يساعد على فهم الشخصيات التي كانت آنذاك، من حيث الطبيعة
الاجتماعية والفكرية والثقافية، وبالتالي يمكننا من أن نفهم مجمل الأوضاع التي
كانت تسود مجتمع من المجتمعات، وهذا سيسهل علينا فهم النص بشكل أكبر مما لو لم
توجد تلك الرؤية عن المكان وشخصياته، فالرؤية التي ستقودنا نحو معرفة المكان تنعكس
في ذهن الراوي ويدركها وعيه قبل أن يعرضها علينا في نقله.
فدراسة بنية المكان
وأوصافه ومحتوياته، تسهم في فهم بنية مهمة وركن مهم في النص، وقد توجد وقائع لا
يمكن أن يفهمها القارئ ويحسها إلا إذا وضعنا أمامه المكان وحدوده وأوصافه.
وواقعة الغدير لا
تخرج عن هذا الإطار، بل يمكن أن يضاف لها بعداً تاريخياً، فإن موقع الغدير بات
يمثل عدة مواقف إسلامية من مواقف النبي’، بالإضافة لبيعة الغدير المشهورة لأمير
المؤمنين علي(عليه السلام)، فقد شهد الغدير موقفين مهمين: أحدهما تمثل في وقوعه في
طريق هجرة النبي’، وثانيهما وقوعه في طريق رجوع النبي’ من حجة الوداع.
وكلا الموقفين يشكلان
بُعداً مهماً في مسيرة التاريخ الإسلامي.
فالهجرة كانت البدء
لانتشار الدعوة الإسلامية وانطلاقها خارج ربوع مكة، ومن ثم إلى العالم كله. وحجة
الوداع والعودة منها إلى المدينة المنورة كانت ختم الرسالة; حيث كَمُل الدين فتمت
النعمة. وأما بيعة الغدير فهي ـ كما قلنا سابقاًـ تعد التمهيد لعهد الإمامة بعد
وفاة النبي’.
ومن هنا اكتسب موضع
(غدير خُم) أهميته الجغرافية في التراث الإسلامي، ومنزلته التكريمية كمَعْلَمة
مهمة من معالم التاريخ الإسلامي.
ولهذا من الأهمية
بمكان أن نسلِّط البحث على تحديد المكان الذي وقعت فيه الحادثة وإعطاء أوصافه،
التي ستجعل القارئ للحدث أكثر فهماً لتلك الحادثة من ناحية، وكذلك من ناحية اُخرى،
نوثق مكاناً يحظى ببعد تاريخي وحضاري إسلامي.
فنقول: لا خلاف في أنّ
موضع غدير خم يقع بين مكة والمدينة، وقد ذكرنا ذلك في المبحث اللغوي عن ابن منظور
في لسان العرب، حيث قال: «وخم: غدير
معروف بين مكة والمدينة، بالجحفة، وهو غدير خم»([67]).
وقال الفيروزآبادي في
القاموس المحيط: «وغدير خم: موضع على
ثلاثة أميال بالجحفة، بين الحرمين»([68]).
وفي النهاية، لابن
الأثير: «غدير خُم: موضع بين
مكة والمدينة»([69]).
وفي معجم البلدان: «وقال الحازمي: خُم: وادٍ بين مكة والمدينة»([70]).
وكذلك قال: «قال الزمخشري: خُم: اسم رجل صباغ، أُضيف إليه الغدير
الذي هو بين مكة والمدينة»([71]).
وقد وقع خلاف قليل في
تعيين مكانه بين مكة والمدينة في المسافة بينه وبين منطقة الجحفة.
ويريدون من الجحفة في
كلامهم في تعريف الغدير حينما يقولون بالجحفة أو في الجحفة: كما في لسان العرب، قال:
«وخَم: غدير معروف بين مكة
والمدينة بالجحفة».
أو قول الزمخشري
المتقدم في معجم البلدان: «خُم: اسم رجل صباغ، أُضيف إليه الغدير الذي بين مكة والمدينة بالجحفة»([72]).
أقول: يريدون الوادي
لا القرية التي هي الميقات؛ وذلك بقرينة ما سوف يأتي من ذكرهم تحديد المسافة بين
غدير خُم والجحفة، الذي يعنى أن غدير خُم غير الجحفة (القرية)؛ ولأن وادي الجحفة
يبدأ من الغدير وينتهي عند البحر الأحمر، فيكون الغدير جزءاً منه، ويشكل بداية
وادي الجحفة، وعليه لا معنى لتحديد المسافة بينه وبين الوادي الذي هو جزء منه.
فغدير خُم يكون على
يسرة طريق الحاج من المدينة إلى مكة، عند مبتدأ وادي الجحفة، حيث منتهى وادي
الخرار، ومن هنا أسماه بعضهم بالخرار ـ كما تقدم.
ويُؤيد هذا، ما ذكره
البكري في معجم ما استعجم للخرار، حيث قال: «قال الزبير: هو وادي الحجاز يصب على الجحفة»([73]).
وقد يُشير إلى هذا
قول الحموي في معجم البلدان: >الخرار... وهو موضع بالحجاز، يقال: هو قرب الجحفة<([74]).
وممّا يؤكّد لنا أنّ الغدير جزءاً من وادي الجحفة، ما
نقله الحموي: «ودون الجحفة على ميل
غدير خُم، وواديه يصب في البحر»([75])، والمقصود من
واديه: وادي الجحفة ; لأنه هو الذي يصب في البحر حيث ينتهي عنده.
قال البكري الأندلسي
(ت: 487هـ): «غدير خم على ثلاثة
أميال من الجحفة»([76]).
وقال الحموي (ت:
626هـ): «وغدير خم: بين مكة
والمدينة، بينه وبين الجحفة ميلان»([77]).
وقال الفيروزآبادي
(ت: 817): «وغدير خم: على ثلاثة
أميال بالجحفة بين الحرمين»([78]).
وقال الزبيدي (ت:
1205هـ): «وغدير خم: على ثلاثة
أميال هو بالجحفة، وقال نصر: دون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين»([79]).
وقال صفي الدين
البغدادي (ت: 739هـ): «غدير خم: وهو
بين مكة والمدينة، قيل: على ثلاثة أميال من الجحفة. وقيل: على ميل. وهناك مسجد
للنبي (صلى الله عليه وسلم)»([80]).
وقدر المسافة بميل كل
من نصر وعرام، ففي تاج العروس ـ (مادة خم): «وقال نصر: دون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين»([81]).
وفي معجم البلدان: «وقال عرام: ودون الجحفة على ميل غدير خم»([82]).
وهذا
التفاوت في المسافة من الميل إلى الاثنين إلى الثلاثة أمر طبيعي، لأنه يأتي، عادة،
من اختلاف الطريق الذي يسلك، وبخاصة أن وادي الجحفة يتسع بعد الغدير، ويأخذ
بالاتساع أكثر حتى قرية الجحفة ومن بعدها أكثر حتى البحر، فربما سلك أحدهم حافة
الجبال فتكون المسافة ميلاً، وقد يسلك أحدهم وسط الوادي فتكون المسافة ميلين،
ويسلك الآخر حافة الوادي من جهة السهل فتكون المسافة ثلاثة أميال.
احتفظ لنا التاريخ
بصورة تكاد تكون كاملة المعالم، متكاملة الأبعاد، لموضع غدير خم، فذكر أنّه يضم
المعالم الآتية:
1ـ العين
قال ابن الأثير: >هو موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك»([83]). وفي
معجم ما استعجم، و روض المعطار: «وهذا الغدير تصب فيه عين»([84]).
وفي معجم البلدان: «وخم: موضع تصب فيه عين»([85]).
2ـ الغدير
وهو الذي تصب فيه
العين المذكورة، كما هو واضح من النصوص المنقولة المتقدمة.
3ـ الشجر
ففي حديث الطبراني:
أنّ رسول الله’ خطب بغدير خم تحت شجرات([86]).
وفي حديث الحاكم: «لما رجع رسول الله’ من حجّة الوداع، ونزل غدير خم أمر
بدوحات فقممن»([87]).
وفي حديث الإمام
أحمد: «وظلل لرسول الله’ بثوب على شجرة
سمرة من الشمس»([88]).
وفي حديثه الآخر: «وكسح لرسول الله’ تحت شجرتين فصلى الظهر»([89]).
والشجر المشار إليه،
هنا، من نوع «السمر»، واحده «سمرة»، بفتح السين المهملة وضم الميم وفتح الراء
المهملة، وهو من شجر الطلح، وهو شجر عظيم، ولذا عبّر عنه بالدوح، واحده دوحة، وهي
الشجرة العظيمة المتشعبة، ذات الفروع الممتدة.
وهو غير «الغيضة»
الآتي ذكرها، لأنّه متفرّق في الوادي هنا وهناك.
4ـ الغيضة
وهي
الموضع الذي يكثر فيه الشجر ويلتف، وتجمع على غياض وأغياض، وموقعها حول الغدير،
كما ذكر البكري في معجم ما استعجم, قال: «وهذا الغدير تصب فيه عين، وحوله شجر كثير ملتف، وهي الغيضة»([90]).
5ـ النبات البري
ونقل ياقوت عن عرام
أنّه قال: «لا نبت فيه غير المرخ
والثلام والأراك والعشر»([91]).
6ـ المسجد
وذكروا أن فيه مسجداً شيد على المكان الذي وقف فيه رسول
الله’ وصلى وخطب، ونصب علياً للمسلمين خليفة وولياً, وعينوا موقعه بين الغدير
والعين، قال البكري في معجمه: «وبين الغدير والعين مسجد النبيّ’»([92]).
وفي معجم البلدان: أنّ صاحب المشارق قال: «وخم موضع تصب فيه عين، وبين الغدير والعين مسجد رسول
الله’»([93]).
وَصَفَه المقدَّم عاتق بن غيث البلادي، المؤرخ الحجازي
المعاصر، في كتابه معجم معالم الحجاز، قال: «ويعرف غدير خم اليوم باسم «الغربة»، وهو غدير عليه نخل
قليل لأناس من البلادية من حرب، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرار»([94]).
هناك طريقان يؤديان
إلى موقع غدير خم، أحدهما من الجحفة، والآخر من رابغ.
يبدأ من مفرق الجحفة
عند مطار رابغ سالكاً تسعة كيلو مترات مزفّتة إلى أول قرية الجحفة القديمة، حيث
شيدته الحكومة السعودية، بعد أن هدمت المسجد السابق وصار مكانه مسجداً كبيراً،
وحمامات للاغتسال، ومرافق صحية، ومواقف سيارات. ثم ينعطف الطريق شمالا وسط حجارة
ورمال كالسدود بمقدار خمسة كيلو مترات إلى قصر علياء، حيث نهاية قرية الميقات.
ثم ينعطف الطريق إلى
جهة اليمين، قاطعاً بمقدار كيلوين أكواماً من الحجارة وتلولاً من الرمال، وحرة
قصيرة المسافة، ثم يهبط من الحرة يمنة الطريق حيث وادي الغدير.
ويبدأ من مفرق طريق:
مكة ـ المدينة العام، الداخل إلى مدينة رابغ عند إشارة المرور، يمنة الطريق للقادم
من مكة، مارّاً ببيوتات من الصفيح، وأخرى من الطين يسكنها بعض بدو المنطقة.
ثم يصعد على طريق
قديم مزفت ينعطف به إلى اليسار، وهو الطريق العام القديم الذي تبدأ بقاياه من وراء
مطار رابغ وبعد مسافة عشرة كيلومتر، وعلى اليمين، يتفرع منه الفرع المؤدي إلى
الغدير، وهو طريق ترابي ممهد في أكثره، يلتقي عند مهبط الحرة بطريق الجحفة، حيث
ينزلان إلى وادي الغدير، ومسافته من رابغ إلى الغدير 26 كيلو متراً تقريباً.
وقد تبيَّن في ضوء ما تقدم:
أن غدير خم يقع من
ميقات الجحفة مطلع الشمس بحوالى ثمانية كيلو مترات، وجنوب شرقي رابغ بما يقرب من
ستة وعشرين كيلو متراً([95]).
ولا تزال آثار عين
الجحفة ماثلة للعيان، وتحد الغدير اليوم من الغرب والشمال الغربي آثار بلدة كان
لها سور حجري لا يزال ظاهراً، وأنقاض الآثار تدلّ على أنّ بعضها كان قصوراً أو
قلاعاً، وربّما كان هذا حياً من أحياء مدينة الجحفة، فالآثار هنا تتشابه كأنّ
الوادي فسيحاً جدّاً، تتخلله أشجار السمر منتشرة في أبعاده جميعها، ويقع بين سلسلة
جبال من جنوبه وشماله.
ومسيله
يمر مع سفوح جباله الجنوبية، وهي أعلى وأضخم من جباله الشمالية، وعلى المسيل من جهة سهل الوادي ثلاث كوم من النخيل، بين
كل كومة وأخرى حوالى عشرين متراً، وكلّ كومة لا تتجاوز الآحاد. ومن المظنون قوياً
أنّها نبتت هنا بفعل ما يرميه المارّون بالوادي من نوى التمر، وقريباً من منعطف
الوادي إلى جهة الغرب غيضة، وسطها عين جارية، قد تكون هي عين الغدير التاريخية.
أما الغدير فقد اختفت آثاره، وكذلك المسجد، ولعلهما عفيا بفعل تأثير عوامل التعرية
والإبادة من أمطار وسيول ورياح وما إليها.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول:
واقعة الغدير والمحدثين
المبحث الثاني:
واقعة الغدير وأئمة أهل البيت
المبحث الثالث:
المتكلمون وحديث الغدير
المبحث الرابع: الفقهاء وحديث
الغدير
لقد تعدَّدت مواقف علماء الشيعة وتعاملهم تجاه حديث الغدير والاستدلال به،
فمنهم من نقل حديث الغدير وخطبته في كتبه الحديثية، ومنهم من استدلّ به علی
الإمامة، ومنهم من دافع عن الاستدلال به ورد الشبهات الموجهة إليه، ومنهم من استدل
بحديث الغدير علی مسائل فرعية في الفقه، مما يكشف عن صحته واعتباره لديه؛
لذا يمكن تقسيم العلماء وفق تعاطيهم مع هذا الحديث إلى عدة أقسام، سنتطرق إليها
حسب المباحث التالية:
إن المحدثين من علماء
الشيعة قد رووا حديث الغدير وخطبته في مجامعهم الحديثية بالأسانيد والطرق
المتعددة، كالشيخ الكليني والصدوق والطوسي، وغيرهم, وسيأتي الحديث مفصلاً عن بعض
طرق وألفاظ حديث الغدير وخطبته في المصادر الحديثية عند الشيعة.
وقد شغل حديث الغدير
حيزاً كبيراً عند الشيعة واستحوذ على اهتمامهم؛ لأنّه يمثّل معلماً أساسياً من
معالم التشيع، لذا ورد في كتب الشيعة ومصادرهم الحديثية وغيرها بألفاظ وطرق متعددة,
بعضها أشار إليه بشكل مختصر، وبعضها ذكر خطبة النبي(ص) في ذلك الزمان والمكان
ونقلها بشكل مُفصّل، وسنقسم الموضوع إلى مطلبين:
المطلب الأول: صيغ
وألفاظ حديث الغدير، وسنكتفي بذكر بعض النماذج التي أخرجها المحدثون والعلماء
الشيعة دون الخوض في طرق وأسانيد هذه الأحاديث وتصحيحها؛ وذلك لكثرتها واستفاضتها.
المطلب الثاني: خطبة
الغدير، وسننقل هذه الخطبة مبسوطة في بعض المصادر الأساسية، مع القيام بدراسة
مستفيضة لأسانيد هذه الخطبة، والتعرض لرجالها بالجرح والتعديل، وذلك لأهميتها.
روي العلامة الكليني بسنده عن أبي جعفر(عليه السلام) في
صحيحة الفضيل بن يسار أنّه قال: «بني الإسلام على خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يناد
بشيء مثل ما نودي بالولاية يوم الغدير».
وروي بإسناد صحيح عن عمر
بن أذينة، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي
الجارود جميعاً، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي(عليه السلام)، وأنزل
عليه {إِنمَا وَلِيكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ
آمَنُواْ الذِينَ يُقِيمُونَ الصلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله
محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة
والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله تعالى ضاق بذلك صدره وراجع ربه، فأوحى الله
عز وجل [إليه]: {إِنمَا وَلِيكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ
وَالذِينَ آمَنُواْ الذِينَ يُقِيمُونَ الصلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ}.
فصدع بأمر الله تعالى،
فقام بولاية علي يوم غدير خم، فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد
الغائب.
قال عمر بن أذينة:
قالوا جميعاً ـ غير أبي الجارود ـ وقال أبو جعفر(عليه السلام): وكانت الفريضة تنزل
بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإسلام دِينًا}.
قال أبو جعفر(عليه
السلام): يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم دينكم»([96]).
قال الشيخ الصدوق: «حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات
بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال: حدثنا محمد بن ظهير قال: حدثنا عبد الله بن الفضل
الهاشمي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول
الله(ص): يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه
بنصب أخي علي بن أبي طالب(عليه السلام) علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم
الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً. ثم
قال: معاشر الناس، إن علياً مني وأنا من علي، خلق من طينتي، وهو إمام الخلق بعدي،
يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي، وهو أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين...»([97]).
وروى الصدوق أيضاً عن
الفيض بن المختار، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم
السلام) قال: «خرج رسول الله ذات
يوم، وخرج علي وهو يمشي، فقال: يا أبا الحسن، إما أن تركب، وإما أن تنصرف، فإن
الله عز وجل أمرني أن تركب إذا ركبت، وتمشي إذا مشيت، وتجلس إذا جلست، إلا أن يكون
حد من حدود الله لا بد لك من القيام والقعود فيه، وما أكرمني الله بكرامة إلا وقد
أكرمك بمثلها، وخصني بالنبوة والرسالة وجعلك وليي في ذلك، تقوم في حدوده وفي صعب
أموره... ولقد أنزل الله عز وجل إلي: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}
يعني في ولايتك يا علي {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}، ولو لم أبلغ ما أمرت به من
ولايتك لحبط عملي، ومن لقي الله بغير ولايتك فقد حبط عمله, وعد ينجز لي، وما أقول
إلا قول ربي تبارك وتعالى، وإن الذي أقول لمن الله عز وجل أنزله فيك»([98]).
وله روايات أخرى في
الغدير, روى أحدها في من لا يحضره الفقيه، عن حسان الجمال، يأتي تمامها فيما ذكره
الطوسي([99]).
وسيأتي ذكر خطبة
الغدير التي رواها في الخصال بسند صحيح([100]).
وذكر أيضاً ما يتعلق
بحديث الغدير في العلل([101]).
وهكذا في العيون([102]).
وفي كمال الدين([103]).
وفي معاني الأخبار
باب: (معنى قول النبي ’: من كنت مولاه فعلى مولاه)([104]).
قال الشيخ المفيد في الإرشاد: «ولما قضى رسول الله(ص) نسكه أشرك علياً(عليه السلام) في
هديه، وقفل إلى المدينة وهو معه والمسلمون، حتّى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير
خم، وليس بموضع إذ ذاك للنزول؛ لعدم الماء فيه والمرعى، فنزل(ص) في الموضع ونزل
المسلمون معه.
وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه
أمير المؤمنين(عليه السلام) خليفة في الأمة من بعده، وقد كان تقدم الوحي إليه في
ذلك من غير توقيت له، فأخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه، وعلم الله
سبحانه أنه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلادهم وأماكنهم
وبواديهم، فأراد الله تعالى أن يجمعهم لسماع النص على أمير المؤمنين(عليه السلام)
تأكيداً للحجة عليهم فيه.
فأنزل جلت عظمته
عليه: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} يعني في استخلاف علي بن أبي طالب
أمير المؤمنين(عليه السلام) والنص بالإمامة عليه {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته
والله يعصمك من الناس}، فأكد به الفرض عليه بذلك، وخوفه من تأخير الأمر فيه، وضمن
له العصمة ومنع الناس منه. فنزل رسول الله(ص) المكان الذي ذكرناه، لما وصفناه من
الأمر له بذلك وشرحناه، ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قائظاً شديد الحر، فأمر’
بدوحات هناك فقمّ ما تحتها، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان، ووضع بعضها على بعض،
ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة، فاجتمعوا من رحالهم إليه، وإن أكثرهم ليلفّ
رداءه على قدميه من شدّة الرمضاء.
فلمّا اجتمعوا صعد (عليه
وآله السلام) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا أمير المؤمنين(عليه السلام)
فرقى معه حتى قام عن يمينه، ثم خطب للناس، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في
الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، فقال عليه وآله السلام: (إني قد دعيت ويوشك أن
أجيب، وقد حان مني خفوف من بين أظهركم، وإنّي مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا
أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
ثم نادى بأعلى صوته:
(ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟) فقالوا: اللهمّ بلى، فقال لهم على النسق، وقد أخذ
بضبعي أمير المؤمنين(عليه السلام) فرفعهما حتّى رئي بياض إبطيهما، وقال: (فمن كنت
مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال مَن والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل
من خذله)»([105]).
وقال في المقنعة: «ويوم الغدير هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، نزل رسول
الله(ص) فيه مرجعه من حجة الوداع بغدير خم، وأمر أن ينصب له في الموضع كالمنبر من
الرحال، وينادى بالصلاة جامعة، فاجتمع سائر من كان معه من الحاج، ومن تبعهم لدخول
المدينة من أهل الأمصار، واجتمع جمهور أمته، فصلى ركعتين، ثمّ رقى المنبر، فحمد
الله، وأثنى عليه، ووعظ، وزجر، وأنذر، ونعى إلى الأمة في الخطبة نفسه، ووصاهم
بوصايا يطول شرحها فيما يجب الانتهاء إليه في حياته وبعد وفاته، ثم دعا علي بن أبي
طالب(عليه السلام)، فأمره أن يرقى معه الرحال، ثم أقبل على الناس بوجهه الكريم’،
فقررهم على فرض طاعته، وقال في تقريره لهم: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم)، فأجابته
الجماعة بالإقرار، فأخذ إذ ذاك بعضد أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثم أقبل عليهم
أجمعين، فقال: (فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه،
وانصر من نصره، واخذل من خذله)، فنص عليه بالإمامة من بعده، وكشف بقوله عن فرض
طاعته، وأوجب له بصريح اللفظ ما هو واجب له من الرياسة عليهم في الحال بإيجاب الله
تعالى ذلك له»([106]).
روى الطوسي عن محمد
بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن الحجال، عن عبد الصمد بن بشير عن حسان
الجمال، قال: «حملت أبا عبد الله(عليه
السلام) من المدينة إلى مكة، قال: فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة
المسجد، فقال: ذاك موضع قدم رسول الله’ حيث قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه)، ثم نظر في الجانب الآخر، فقال: هذا موضع فسطاط أبي
فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح، فلما أن رأوه رافعاً يده،
قال: بعضهم انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل(عليه السلام)
بهذه الآية: {وَإِن يَكَادُ الذِينَ كَفَرُوا
لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَما سَمِعُوا الذكْرَ وَيَقُولُونَ إِنهُ
لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ للْعَالَمِينَ} ثم قال: يا حسان، لولا أنك جمّالي لما حدثتك بهذا
الحديث»([107]).
قال: وعنه (أي:
السندي بن محمد) عن صفوان الجمال، قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): «لمّا نزلت هذه الآية في الولاية، أمر رسول الله(ص)
بالدوحات في غدير خم فقممن، ثم نودي: الصلاة جامعة، ثم قال: (أيها الناس، من كنت
مولاه فعلي مولاه، ألست أولى بكم من أنفسكم؟) قالوا: بلى، قال: (من كنت مولاه فعلي
مولاه رب وال من والاه، وعاد من عاداه) ثم أمر الناس يبايعون علياً، فبايعه لا يجيء
أحد إلا بايعه، لا يتكلم منهم أحد»([108]).
روى الشيخ الصدوق في الخصال
بعدّة أسانيد صحاح إلى ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي
الطفيل عامر ابن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: «لما رجع رسول الله(ص) من حجة الوداع ونحن معه، أمر
أصحابه بالنزول، فنزل القوم منازلهم، ثم نودي بالصلاة، فصلى بأصحابه ركعتين، ثمّ
أقبل بوجهه إليهم فقال لهم: إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنّي ميت وأنكم ميتون،
وكأني قد دعيت فأجبت، وإني مسؤول عما أرسلت به إليكم، وعما خلفت فيكم من كتاب الله
وحجته، وإنكم مسؤولون عما أرسلت به إليكم، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته،
وإنكم مسؤولون فما أنتم قائلون لربكم؟
قالوا: نقول: قد بلغت
ونصحت وجاهدت، فجزاك الله عنّا أفضل الجزاء. ثم قال لهم: ألستم تشهدون أن لا إله
إلا الله، وأني رسول الله إليكم، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث بعد الموت
حق؟
فقالوا: نشهد بذلك، قال: اللهمّ اشهد على ما يقولون، ألا وإنّي أشهدكم أني أشهد أن
الله مولاي وأنا مولى كل مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرون بذلك
وتشهدون لي به؟
فقالوا: نعم، نشهد لك
بذلك، فقال: ألا من كنت مولاه فإن علياً مولاه، وهو هذا، ثم أخذ بيد على فرفعها مع
يده حتى بدت آباطهما، ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ألا وإني فرطكم
وأنتم واردون علي الحوض [حوضي] غداً، وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح
من فضة، عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غداً، ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به
عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي حوضي؟ وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي؟ فانظروا
كيف خلفتموني فيهما حين تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟ قال: أما
الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله
والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة. وأما الثقل
الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته، وإنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض. قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر(عليه السلام) فقال:
صدق أبو الطفيل، هذا كلام وجدناه في كتاب علي وعرفناه»([109]).
ذكر الشيخ عدّة طرق
لهذه الخطبة نوردها فيما يأتي:
1ـ حدّثنا محمد بن
الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمّد
بن الحسين بن أبي الخطاب، ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد
الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد
الغفاري قال: >لمّا رجع رسول الله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) من حجّة الوداع...<.
2ـ بالسند السابق إلى
معروف بن خربوذ, قال: >فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر(عليه السلام) فقال: صدق أبو الطفيل (رحمه
الله) هذا الكلام وجدناه في كتاب علي(عليه السلام) وعرفناه<.
3ـ
وحدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي
عمير...
4ـ وحدثنا جعفر بن
محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله
بن عامر، عن محمد بن أبي عمير...
5ـ وحدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) قال:
حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن
محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر بن
واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري بمثل هذا الحديث سواء([110]).
1ـ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، أبو جعفر:
قال
فيه النجاشي: «شيخ القميين وفقيههم،
ومتقدمهم ووجههم، ويقال: إنه نزيل قم، وما كان أصله منها، ثقة، ثقة، عين، مسكون
إليه... مات سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة»([111]).
عدّه الشيخ في رجاله، ضمن من لم يرو عنهم، وقال فيه: «جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة»([112]).
وقال الطوسي: «جليل القدر عارف بالرجال موثوق به...»([113]).
وهو شيخ الصدوق، يروى عنه كثيراً في كتبه، وقد ذكره في
المشيخة في ما يقرب من مائة وأربعين مورداً، وكان يعتمد عليه ويتبعه فيما يذهب
إليه([114]).
2ـ محمّد بن الحسن
الصفار:
قال النجاشي: «محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، موسى بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله بن
السائب مالك بن عامر الأشعري أبو جعفر الأعرج, كان وجها في أصحابنا القميين، ثقة،
عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية. توفي بقم سنة تسعين ومائتين»([115]).
وعدّه الشيخ في رجاله
من أصحاب العسكري(عليه السلام) وقال فيه: «له إليه(عليه السلام) مسائل»([116]).
3ـ محمد بن الحسين بن
أبي الخطاب:
قال النجاشي: >محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب, أبو جعفر الزيات
الهمداني، وإسم أبي الخطاب زيد، جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة،
عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته<([117]).
وقال الشيخ في
الفهرست: «ثقة<([118]).
وعدّه في رجاله تارة في أصحاب الجواد(عليه السلام)
قائلاً: «ثقة»([119])، وأخرى: في أصحاب الهادي(عليه السلام) قائلاً: «ثقة، من أصحاب أبي جعفر الثاني(عليه السلام)»([120]).
وثالثة: في أصحاب أبي محمد العسكري(عليه السلام)([121]).
4ـ يعقوب بن يزيد:
قال النجاشي: «يعقوب يزيد بن حماد الأنباري السلمي أبو يوسف، روى عن
أبي جعفر الثاني وانتقل إلى بغداد، وكان ثقة صدوقاً»([122]).
قال الشيخ في
الفهرست: «كثير الرواية، ثقة»([123]).
وعده في رجاله: تارة
من أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً: «يعقوب بن يزيد الكاتب، هو ويزيد أبوه، ثقتان»([124]). وأخرى
من أصحاب الهادي(عليه السلام) قائلاً: «ثقة»([125]).
5ـ محمد بن أبي عمير:
قال النجاشي: «محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى، أبو أحمد الأزدي من موالي المهلب بن أبي
صفرة، وقيل مولى بني أمية، بغدادي الأصل والمقام، لقى أبا الحسن موسى(عليه السلام)،
وسمع منه أحاديث، كناه في بعضها، فقال: يا أبا أحمد! وروى عن الرضا(عليه السلام)،
جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين»([126]).
قال الشيخ في
الفهرست: «وكان من أوثق الناس
عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكاً وأورعهم وأعبدهم...»([127]).
وعدّه من رجاله من
أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً: «ثقة»([128]).
وعدّه البرقي من
أصحاب الكاظم(عليه السلام)([129]).
6ـ عبد الله بن سنان:
قال النجاشي: «عبد الله بن سنان بن طريف مولى بنى هاشم، يقال موسى بن
أبي طالب، ويقال مولى بنى العباس، كان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد،
كوفي ثقة، من أصحابنا جليل لا يطعن عليه في شيء»([130]).
قال الشيخ في
الفهرست: «ثقة، له كتاب...»([131]).
وقال الكشي: «... عبد الله بن سنان ، وكان (رحمه الله)، من ثقات
رجال أبي عبد الله(عليه السلام)»([132]).
7ـ معروف بن خربوذ:
عدّه الشيخ في رجاله
تارة في أصحاب السجاد(عليه السلام)([133])، وأخرى
في أصحاب الباقر(عليه السلام)([134])،
وثالثة: في أصحاب الصادق(عليه السلام)([135]).
وذكر الكشي في ترجمة
بريد بن معاوية: إجماع العصابة على تصديق جماعة من أصحاب أبي جعفر(عليه السلام)
وأصحاب أبي عبد الله(عليه السلام) وانقيادهم لهم بالفقه، وعدّ منهم معروف بن
خربوذ.
وأورده العلامة في
القسم الأول([136])، وهم
الذين اعتمد على روايتهم([137]).
8ـ أبو الطفيل عامر
بن واثلة:
عدّه الشيخ تارة: من
أصحاب رسول الله(ص) قائلاً: «أدرك ثماني سنين من حياة النبي(ص)، ولد عام أحد» ([138])، وأخرى: في أصحاب علي(عليه السلام) قائلاً: «من أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)»([139])،
وثالثة: في أصحاب الحسن(عليه السلام)([140]).
وعدّه البرقي من خواص
أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)، ومن أصحاب السجاد(عليه السلام) أيضاً([141]).
قال الوحيد البهبهاني في التعليقة: «في الخصال بعد ذكر حديث: قال معروف ابن خربوذ: فعرضت
هذا الكلام على أبي جعفر(عليه السلام)، فقال(عليه السلام) صدق أبو الطفيل (رحمهالله)،
وفي هذا شهادة على حسن حاله ورجوعه لو صح كونه كيسانياً»([142]).
وأورده الجزري في أسد
الغابة قائلاً: «أبو الطفيل عامر بن
واثلة. وقيل: عمرو بن واثلة، قاله معمر، والأول أصح.
ولد عام أحد، أدرك من
حياة رسول الله(ص) ثمانى سنين، نزل الكوفة، ثم إن أبا الطفيل صحب علي بن أبي طالب،
وشهد معه مشاهده كلّها.... وهو آخر من مات فيمن أدرك النبي. وكان فاضلاً، عاقلاً،
حاضر الجواب فصيحاً، وكان من شيعة علي»([143]).
9ـ حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو سرعة:
قال الشيخ: «صاحب النبي(ص)، وهو ابن آمنة»([144])، وذكره في أصحاب الحسن(عليه السلام)([145]).
وذكره البرقي، في أصحاب الحسن(عليه السلام)([146]).
وقد عدّه الكشي من حواري الحسن المجتبى(عليه السلام)([147]).
قال الجزري: «حذيفة بن أسيد بن خالد بن الأعور بن واقعة بن حرام بن غفار بن مليل، أبو
شريحة الغفارى، بايع تحت الشجرة ونزل الكوفة وتوفي بها»([148]).
قال ابن حجر: «شهد الحديبية... وروى أحاديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن<([149]). قال المزي: «له صحبة»([150]).
وحيث إنّ السند إلى معروف هو سند صحيح، رجاله ثقات,
يتبين صحّة هذه الرواية بقول الإمام الباقر(عليه السلام).
قال الطبرسي:
«احتجاج
النبيّ(ص) يوم الغدير على الخلق كلهم، وفي غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب(عليه
السلام)، ومن بعده من ولده من الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
حدّثني السيد العالم
العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني، قال: أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن
الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، قال: أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو
جعفر (قدس الله روحه) قال: أخبرني جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري،
قال: أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال: أخبرنا علي السوري قال: أخبرنا أبو محمّد
العلوي من ولد الأفطس وكان من عباد الله الصالحين قال: حدّثنا محمد بن موسى
الهمداني قال: حدّثنا محمد بن خالد الطيالسي قال: حدّثنا سيف بن عميرة وصالح بن
عقبة جميعاً عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي(عليه
السلام) أنّه قال:
حجّ رسول الله(ص) من
المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية فأتاه جبرئيل(عليه السلام)
فقال له: يا محمّد, إنّ الله جلّ اسمه يقرئك السلام ويقول لك إنّي لم أقبض نبياً
من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي, وقد بقي عليك من
ذلك فريضتان مما يحتاج أن تبلغهما قومك, فريضة الحج وفريضة الولاية والخلافة من
بعدك.
إلى أن قال: يا محمّد,
إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إنّه قد دنا أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على
ما لا بدّ منه ولا عنه محيص, فاعهد عهدك وقدّم وصيتك..
فقام رسول الله(ص)
فوق تلك الأحجار, ثمّ حمد الله وأثنى عليه, فقال: الحمد لله الذي علا في توحده،
ودنا في تفرده، وجلّ في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكلّ شيء علماً وهو في
مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيداً لم يزل محموداً لا يزال ـ إلى أن قال:
ـ أقرّ له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحى إلي حذراً من أن
لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته، لا إله إلا هو لأنّه
قد أعلمني أنّي إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى
العصمة وهو الله الكافي الكريم.
فأوحى إلي: {بسم الله
الرحمن الرحيم. يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته والله يعصمك من الناس} معاشر الناس، ما قصرت في تبليغ ما أنزله إلي، وأنا
مبين لكم سبب هذه الآية: إن جبرئيل هبط إلي مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي
وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي
ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي وهو وليكم بعد الله ورسوله.
وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آيةً من كتابه: {إنما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}،
وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال،
وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس، لعلمي بقلة المؤمنين
وكثرة المنافقين وأدغال الآثمين وختل المستهزءين بالإسلام، الذين وصفهم الله في
كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم،
وكثرة أذاهم لي غير مرة حتى سموني أذناً، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي
وإقبالي عليه حتى أنزل الله عز وجل في ذلك: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو
أذن قل أذن خير لكم..} الآية. ولو شئت أن أسمي القائلين بذلك بأسمائهم لسميت، وأن
أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت،
وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل الله إلي.
ثم تلا(ص): {يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ـ في علي ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله
يعصمك من الناس}، فاعلموا معاشر الناس: أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضةً
طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين بإحسان وعلى البادي والحاضر وعلى
الأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد،
ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، ومن صدقه فقد غفر
الله له ولمن سمع منه وأطاع له، معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد
فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز وجل هو وليكم وإلهكم، ثم من دونه
رسولكم محمد وليكم والقائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله
ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله عز اسمه ورسوله، لا حلال
إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الله الحلال والحرام وأنا
أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.
إلي أن قال: معاشر الناس، تدبروا القرآن وافهموا
آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فو الله لن يبين لكم زواجره ولا
يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلي وشائل بعضده، ومعلمكم أن من كنت
مولاه فهذا عي مولاه وهو علي بن أبي طالب، أخي ووصيي وموالاته من الله عز وجل
أنزلها على معاشر الناس، إن علياً والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر والقرآن هو
الثقل الأكبر، وكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض،
ألا إنهم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت ألا وقد بلغت ألا وقد
أسمعت ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل: ألا إنه
ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره, ثم ضرب
بيده على عضده فرفعه, وكان منذ أول ما صعد رسول الله درجةً دون مقامه فبسط يده نحو
وجه رسول الله(ص) وشال علياً حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله(ص) ثم قال:
معاشر الناس، هذا علي أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي
على أمتي، وعلى تفسير كتاب الله عز وجل، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه،
والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير
المؤمنين، والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول:
ما يبدل القول لدي بأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من
أنكره، واغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت عليّ أن الإمامة لعلي وليك عند
تبياني ذلك عليهم، ونصبي إياه، بما أكملت لعبادك من دينهم، وأتممت عليهم نعمتك،
ورضيت لهم الإسلام ديناً، فقلت: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين}، اللهم إني أشهدك أني قد بلغت، معاشر الناس، إنما أكمل الله
عز وجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم
القيامة والعرض على الله عز وجل فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، لا يخفف
عنهم العذاب ولا هم ينظرون... معاشر الناس، هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول
الله، وهو التقي النقي والهادي المهدي، نبيكم خير نبي، ووصيكم خير وصي، وبنوه خير
الأوصياء، معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي، معاشر الناس، إن
إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم.
إلى أن قال: معاشر الناس، السابقون إلى مبايعته
وموالاته والتسليم عليه بإمرة المؤمنين أولئك الفائزون في جنات النعيم، معاشر
الناس قولوا ما يرضى الله عنكم من القول، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فلن
تضروا الله شيئاً.. اللهم اغفر للمؤمنين وأعطب على الكافرين، والحمد لله رب
العالمين.
فنادته القوم: نعم، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله
بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا، وتداكوا على رسول الله’ وعلى علي(عليه السلام) وصافقوا
بأيديهم، ...، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء الآخرة في
وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسول الله’ يقول كلما بايع قوم: الحمد
لله الذي فضلنا على جميع العالمين، وصارت المصافقة سنةً ورسماً يستعملها من ليس له
حق فيها»([151]).
1ـ لكون عليّ السوري مجهولاً؛ حيث لم يكن
له ذكر في الجوامع الرجالية.
2ـ وكذلك أبو محمد العلوي من ولد
الأفطس، مجهولاً، ولم يُترجم له كسابقه،
والظاهر أن ما في السند: أنه من عباد الله الصالحين، من كلام السورى المجهول. وقال
السيد الخوئي: وهذا غير يحيى المكنى بأبى محمد العلوي وذلك لاختلاف الطبقة([152]).
3ـ ولضعف محمد بن
موسى الهمداني؛ لأنه هو محمد بن موسى بن عيسى السمان، كما صرّح به السيد الخوئي
والمحقق التستري([153]).
قال النجاشي: «ضعفه القميون بالغلو وكان ابن الوليد يقول: إنه كان يضع الحديث, والله أعلم»([154]).
وقال ابن الغضائري: «ضعيف، يروي عن الضعفاء ويجوز أنْ يخرج شاهداً»([155]).
قال السيد الخوئي: «إن ظاهر كلام النجاشي التوقف في ضعف محمد بن موسى بن
عيسى ووضعه الحديث؛ حيث نسب ذلك إلى القميين وابن الوليد»([156]).
4ـ ولضعف صالح بن عقبة؛ إذ ذكره النجاشي والشيخ من دون
مدح ولا ذم([157]).
وقال ابن الغضائري: «غال كذاب لا يلتفت إليه»([158]).
وأورده العلامة في
القسم الثاني المعد لمن ترك روايته أو توقف فيه([159]).
وذكره ابن داود في
القسم الثاني المعدّ للضعفاء ناقلاً عن ابن الغضائرى: «ليس بشيء كذاب غال، كثير المناكير»([160]).
وأمّا توثيق السيد
الخوئى إياه فمبني على عدم ثبوت انتساب كتاب رجال ابن الغضائرى إليه، وهو غير تام؛
لاعتماد العلامة وابن داود إليه، وقول المحقق التسترى بأنّه لم ير مثله في دقة
النظر.
ولكن مع ذلك كله,
فإنّ صالح بن عقبة لم ينفرد بالرواية, فقد رواها معه سيف بن عميرة، وتوثيقه يغني
عن ضعف صالح بن عقبة, فإنّهما رويا معاً عن قيس.
5ـ وكون قيس بن سمعان
مجهولاً؛ لعدم ورود شيء في مدحه وذمه.
قال السيد بن طاووس:
>الباب فيما نذكره عن هذا أحمد بن
محمد الطبري المعروف بالخليلي من روايته للكتاب الذي أشرنا إليه في حديث يوم
الغدير وتسمية مولانا علي(عليه السلام) فيه مراراً بلفظ أمير المؤمنين<.
ثم ذكر نفس الخطبة
التي ذكرها الطبرسي بتفاوت يسير بهذا السند:
قال السيد إبن طاووس في كتاب اليقين: «قال أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي في كتابه
أخبرني محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمان، قال: حدثني الحسن بن علي أبو محمد
الدينوري، قال:حدثنا محمد بن موسى الهمداني، قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي،
قال: حدثنا سيف بن عميرة عن عقبة عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي
جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام)...<([161]).
1ـ ضعف أحمد بن محمد الطبري، قال النجاشي: «ضعيف جداً لا يلتفت إليه»([162]).