مقدّمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وآله الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإنّ المسلم يعلم أنّ الحياة تنتهي بالموت، ثمّ يتقرر المصير: إما إلى الجنّة وإما إلى النار، ولا شك أنّ المسلم حريص على أن يكون من أهل الجنّة، لذا لا بدّ أن يعمل على إرضاء ربّه جلّ وعلا، وأن يبتعد عن كُلّ ما نـهى عنه، مما يوقع الإنسان في غضب الله ثمّ في عقابه، ولهذا نرى المسلم يحرص على طاعة ربّه وسلوك كُلّ ما يقرّبه إليه، وهذا دأب المسلم من عوام الناس، فكيف إذا كان من خواصهم؟

إنّ الحياة كما هو معلوم فيها سبل كثيرة ومغريات وفيرة، والعاقل من سلك السبيل الذي ينتهي به إلى الجنّة وإن كان صعباً، وأن يترك السبيل الذي ينتهي به إلى النار وإن كان سهلاً ميسوراً.

هذه رواية صيغت على شكل بحث، قلتها بلساني، وقيدتـها ببناني قصدت بـها وجه الله ونفع إخواني ما دمت حياً قبل أن أُدرج في أكفاني.

ولدت في كربلاء، ونشأت في بيئة شيعية في ظل والدي المتدين.

درست في مدارس المدينة حتّى صرت شاباً يافعاً، فبعث بي والدي إلى الحوزة العلمية النجفية أمّ الحوزات في العالم لأنـهل من علم فحول العلماء ومشاهيرهم في هذا العصر أمثال سماحة الإمام السيد محمّد آل الحسين كاشف الغطاء.

درسنا في النجف في مدرستها العلمية العلية، وكانت الأمنية أن يأتي اليوم الذي أصبح فيه مرجعاً دينياً أتبوأ فيه زعامة الحوزة، وأخدم ديني وأمتي وأنـهض بالمسلمين.

وكنت أطمح أن أرى المسلمين أمة واحدة، وشعباً واحداً، يقودهم إمام واحد، في الوقت عينه أرى دول الكفر تتحطم وتتهاوى صروحها أمام أمة الإسلام هذه، وهناك أمنيات كثيرة مما يتمناها كُلّ شاب مسلم غيور، وكنت أتساءل:

ما الذي أدّى بنا إلى هذه الحال المزرية من التخلف والتمزق والتفرق؟!

وأتساءل عن أشياء أخرى كثيرة تمر في خاطري، كما تمر في خاطر كُلّ شاب مسلم، ولكن لا أجد لهذه الأسئلة جواباً.

بهذه المقدمة بدأت الجزء الأول من كتابي لله ثمّ للتاريخ، وإنّي بحول الله وقوته أتابع الجزء الثاني منه راجياً من الله عزّ وجلّ أن يغفر لي ذنوبي وأن يكون عملي خالصاً لوجهه الكريم.

 

 

زيارة مفاجئة

ذات ليلة كنت جالساً أقرأ القرآن الكريم وإذا بأحدهم يدقّ باب بيتي، ففتحت الباب وإذا بصديقي الشيخ أبي عبد الرحمن ومعه شخصان لا أعرفهما، رحّبت بهم ودعوتهم للدخول فعرّفني الشيخ أبو عبد الرحمن على من معه  أنّهما أصدقاؤه ويسمّيان خالد وأحمد، وعرّفني بأنّي الشيخ حسين من العلماء، رحّبت به وبضيوفه ودعوتهم للجلوس.

جلسنا وبدأنا نتبادل أطراف الحديث ونشرب الشاي، وفي معرض حديثنا تناولنا الأوضاع السياسية في العالم وخصوصاً حول ما آلت إليه الأوضاع في العراق وإيران بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وكان الرأي المطروح والتساؤل حول الخطر الإيراني أبان تمكّن الخميني من إقامة دولة شيعية، وانعكاس ذلك الخطر على العراق ودول المنطقة، وهنا كان رأي الأخ أحمد بأنّه يعتقد بأنّ الخطر الإيراني الآن كبير جداً خصوصاً وأنّ الخميني قد كشف عن مخططاته الخبيثة فيما يخص تصدير الثورة إلى خارج إيران، وما لذلك من تأثير على الوضع الداخلي في العراق سيما على أهل السنّة خاصّة بعد قيام حركة محمّد باقر الصدر وبعدها محمّد صادق الصدر، والتوجه الخطير لدى شيعة العراق الذي نتج عن تأثرهم بقيام دولة شيعية مجاورة كان ردي بأننا بحمد لله انتهينا من هؤلاء وأنّه تمت السيطرة على أي توجه ثوري شيعي، وأنّه قد تم القضاء على الغوغائيين، وقلت لـه: الحمد لله، إنّ الرئيس القائد صدام حسين قد أبادهم وقضى على رؤوس الفتنة في العراق وأراحنا منهم، فتدخّل الأخ خالد قائلاً: وهل تعتقد بأنّ الشيعة سيسكتون على ما جرى أو أنّ إيران لن تعمل على دعمهم وامدادهم وإيجاد قيادات أُخرى جديدة؟ فقلت له: هذا أمر غيـبي ولا نستطيع أن نفعل حياله شيء، والحكومة العراقية واعية لهذا الجانب وستقضي على أي محاولات من هذا القبيل، ونحن ما علينا إلاّ الدعاء للحكومة بالتوفيق للقضاء عليهم وعلى ذلك الخطر القادم منهم، فقال لي الشيخ أبو عبد الرحمن: ألا تعتقد أنّه يجب علينا نحن العلماء أن نفعل شيئاً حيال ذلك الخطر الشيعي غير الدعاء؟

كان رأيي بأنّ نسبة الشيعة في العراق تفوق نسبة السنة، والواقع يفرض نفسه، فما الذي يمكننا فعله حيال تلك التركيبة الديموغرافية للمنطقة؟

فقال لي: بل يا عزيزي نستطيع أن نفعل الكثير .. فسألته كيف ذلك؟ فقال: هذا أمر يطول الحديث فيه وقد تأخّر الوقت وعلينا أن نذهب، ولكني أود أن أسألك قبل أن أذهب: لو أُتيحت لك الفرصة للمساهمة في عمل ينقذ الأمة الإسلامية من ذلك المدّ الشيعي فماذا أنت فاعل؟ فقلت له: وهل هذا الأمر يحتاج إلى سؤال؟ فقال لي: إذن غداً عشاؤكم عندي إن شاء الله ونكمل حديثنا على بركة الله، اسـتأذنوا وسلّموا على أن نلتقي في اليوم التالي لنكمل حديثنا.

ودّعتهم وبعدها جلست لوحدي في استغراب وتفكير حول تلك الإشارات التي كانوا يوحون بها من خلال حديثهم معي وتلك الزيارة المفاجئة أصلاً، خصوصاً وأنّي منذ فترة طويلة لم ألتقِ بالشيخ أبي عبد الرحمن!

 

 

من أين نشأت فكرة الكتاب ؟

 

في اليوم التالي توجّهت إلى منزل الشيخ أبي عبد الرحمن واجتمعت هناك للمرة الثانية بالأخ خالد والأخ أحمد وفتحنا نفس الموضوع وهو خطر التشيع، فبادرني الشيخ أبو عبد الرحمن بالسؤال مبتسماً: يا شيخ حسين، هل لا زلت مستعدّاً للمساهمة في التصدي للخطر الشيعي؟ فقلت لـه: بالتأكيد يا شيخنا العزيز، ولكن عندي سؤال حيّرني منذ الأمس.. فقال: تفضل سل ما تشاء، فقلت لـه: من الواضح أنّ لديكم مخططاً ما حيال هذا الأمر، وأنّي معني بشكل أو بآخر فيه، فلِمَ لا توضح لي الأمر وتعلمني ما الذي يمكنني فعله وما أنا إلاّ تلميذك يا شيخ؟

فقال الشيخ أبو عبد الرحمن: أنت كما عهدتك يا أخي حسين ذكي ولماح وعليه سأخبرك بالتفاصيل على أن تعاهدني بأن يكون الأمر محصوراً بيننا فقط، فأجبته فوراً: أعاهدك على ذلك يا شيخ.

فقال الشيخ أبو عبد الرحمن: دعني أعرّفك مرّة أُخرى على الأخوين أحمد وخالد بشكل أوضح، فهما أخوان عزيزان موفدان من قبل الأستاذ قصي صدام حسين، اتصلا بي منذ فترة وتعرفت عليهما لأجل العمل على مشروع نعمل من خلاله على ضرب الحوزة وتسقيط رموزها ونسف جذور التشيع وافقاد الثقة بعلماء الشيعة ورموزهم وعلى رأسهم الخميني، وضربهم من الداخل من خلال إثارة الشبهات بطريقة علمية غير مباشرة، وتبيان نشأة الشيعة والتشيع على حقيقتها، ومواجهة ذلك الخطر الشيعي الذي يدّعي الانتساب إلى أهل البيت رضوان الله عليهم للتأثير في عقول وقلوب ضعاف الناس، وهذا العمل نسعى من خلاله إلى بيان الحقيقة وتحذير الناس من ضلالات الشيعة، فقلت لـه: إنّ هنالك الكثير من الكتب التي بيّنت بطلان عقائد الشيعة فما الذي يمكننا نحن فعله زيادة على ما كتب؟

فقال لي: هذه المرّة سيكون مشروعنا كتاباً مختلفاً عن كُلّ ما كتب عن الشيعة والتشيع، فطلبت منه الإيضاح أكثر، فقال: الكتب التي ألّفت سابقاً في هذا المجال لم يقرأها إلاّ بعض علمائهم أما العوام فلم يطّلعوا عليها .. أما في هذا الكتاب فقد تمت فيه دراسة أحدث الأساليب المتطورة لاختراقهم وجعل عوامهم يطّلعون على الكتاب، بل دعني أقول لك: إنّ الشيعة والسنة بأجمعهم سيتناولون هذا الكتاب، ولكي أكون أكثر وضوحاً فإنّنا نسعى بأن يصل الكتاب إلى كُلّ بيت شيعي وسني، فوجدت أنّه يمكن ذلك من خلال تأليف كتاب باسم وهمي لمؤلف شيعي يفضح من خلاله علماءهم وعقائدهم وأن يكون من السادة لأنّ الشيعة يحترمون السادة، وأن يكون هذا المؤلف خريج حوزة يفضحهم من الداخل ويظهر ما خفي عن عوامهم، فقلت لـه: لكن هذا ليس بالأمر السهل فهم يعرفون بعضهم والناس ستكتشف هذا الأمر عاجلاً أم آجلاً؟! فردّ مبتسماً: وهذا هو المطلوب، فلمجرد البحث والتحقيق في هذا العمل حول شخصية الكاتب بحدّ ذاته سيشهر الكتاب وسيحدث ضجة كبيرة في الأوساط الشيعية والسنية، وبهذا نكون قد شهرنا الكتاب وذلك من خلال الاستنكار والرد على هذا الكتاب، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى ومع مرور الزمن سيتحوّل الكتاب والكاتب إلى حقيقة تاريخية بحيث لا يستطيع الشيعة أن يثبتوا العكس، لذلك رأينا أن نجعل هذا العمل خالصاً لله أولاً وللتاريخ ثانياً، وعلى هذا سيكون اسم الكتاب (لله ثمّ للتاريخ)، وقد رسمنا خطّة محكمة لتوزيع الكتاب بحيث يصل إلى يد الكثير من الناس سواء عبر الانترنت أو على أرض الواقع والترويج له في الأوساط الإعلامية وخاصّة الشيعية منها، حيث سيتم نشر الكتاب في أكثر من دولة في نفس الوقت، من خلال الكثير من أهل الخير في تلك الدول المستعدين لطبع الكتاب على نفقتهم وتوزيعه بكميّات ضخمة، ومن أهم الدول التي سيوزع فيها الكتاب بداية المملكة العربية السعودية لأنّ الشيعة وخصوصاً في المنطقة الشرقية متواجدون بكثرة، وكذلك في الكويت حيث إنّ الكويت أيضاً فيها نسبة لا بأس بها من الشيعة ولا تنس خيانتهم ومقاومتهم للقوات العراقية حينما دخلت الكويت، مما جعلهم مقرّبين للحكومة الكويتية بعد أن كانوا مبعدين، وأيضاً اليمن والتي تعتبر من أهم الدول التي سيتم توزيع الكتاب فيها بقوّة، لأنّه من المعلوم أنّ الزيدية طائفة شيعية تحمل أفكاراً خطيرة، ويحاولون بكُلّ جهودهم أن يكون الحكم للسادة في اليمن وهذا أمر خطير، والبحرين والتي تغلب فيها نسبة الشيعة على السنّة بشكل كبير، وكذلك المغرب والجزائر وتونس لما في دول المغرب من مدّ شيعي كبير وكذلك الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، يعني باختصار سنحاول أن نوصل الكتاب إلى أغلب المسلمين في العالم وخاصّة للأماكن التي للشيعة تأثير عليها ولا سيما إيران.

أما بالنسبة لمضمون الكتاب فقد وجدت أنّ أكثر الكتب الشيعية التي استطاعت التأثير على أهل السنّة وحثهم على قراءتها هما كتابي «المراجعات» و«ثم اهتديت» وكتب المتشيعين بشكل عام، لما فيها من إثارة والتي تحتوي غالباً على أسلوب حواري أو قصصي يجذب القارئ.

إذن سيكون اعتمادنا في تأليف الكتاب على الأسلوب القصصي الحواري في آن واحد. هذا بالإضافة إلى أننا سنجمع كُلّ المطاعن الموجودة في عقائدهم وعلى علمائهم لكي نبيّن حقيقتهم لعامة المسلمين، إضافة إلى هزّ ثقة الشيعة من الداخل بعلمائهم وسادتهم الذين يعتبرونهم مثلاً وقدوة ويبجّلونهم أيما تبجيل، ومن أهم المواضيع التي سنطرحها التقية والمتعة والخمس، وتحريف القرآن، والغلو في أهل البيت، وعلاقة الشيعة بعبد الله بن سبأ، ونظرة الشيعة الحقيقية للسنة، وطعنهم في الصحابة وأمهات المؤمنين...الخ.

فرحت كثيراً لكلام الشيخ أبي عبد الرحمن وسررت لهذا التوجّه الجديد والأسلوب الذكي لاختراق الشيعة، وأثنيت على ذلك فقلت له: إنّني لا أُخفي إعجابي الكبير بالفكرة ولكنّني أسألك: لماذا اخترتني أنا بالذات، فأنت أفضل منّي لهذا العمل خصوصاً وأنك العقل المدبّر لهذا العمل الخيري الكبير، ونحن تلاميذك يا شيخ؟

فقال لي: أنت تعلم بأنّني مشغول بإمامة المسجد وبحلقات الدرس لطلبة العلم وليس لدي وقت للبحث والتقصّي في كتب الشيعة وسيرة علمائهم، وأنت الشخص المناسب لكونك درست في كُليّة أصول الدين قسم الحديث في جامعة الإمام محمّد بن سعود في المملكة العربية السعودية ولديك اطلاع في علم الحديث والرجال، إضافة إلى أنّك موضع ثقتنا.

وبالفعل تم الاتفاق على بدء العمل تحت إشراف ودعم الشيخ أبي عبد الرحمن وبدعم من الأخوين خالد وأحمد، حيث إنّهما أبديا استعدادهما لتلبية أي شيء أطلبه في سبيل إنهاء هذا الكتاب بالصورة المطلوبة وبالسرعة الممكنة، سواء على الصعيد المادي أو المعنوي كالكتب والمصادر وجهاز كمبيوتر وأي أموال أحتاجها لدعم هذا العمل.

 

بداية العمل الجاد ورحلتي إلى النجف

في صباح اليوم التالي بدأت العمل على جمع المستلزمات اللازمة لهذا العمل الضخم من كتب ومصادر وبعض المتطلّبات الأُخرى التي تساعدني على البحث كجهاز كمبيوتر وبعض الأقراص الليزرية وغيرها، وهذا يستدعي سفري إلى النجف حيث إنّي أقيم في (مدينة الأعظمية)، فاتصلت بالشيخ أبي عبد الرحمن وأخبرته باحتياجاتي هذه وإلى بعض الكتب التي يصعب الحصول عليها إلاّ من النجف، خصوصاً وأنّ الكثير منها لم يكن من السهل الحصول عليها في المكتبات وكان ذلك يتطلّب جهداً كبيراً، لأنّها لا تتوفّر إلاّ في الأوساط الشيعية والتي يتداولونها بينهم سراً، بالإضافة إلى أنّ هذا كُلّه يتطلّب أموالاً.

فقال لي الشيخ: سأرسل لك مبلغاً يكفيك احتياجاتك وتكاليف سفرك ولا تتردد في طلب أي شيء للانتهاء من الكتاب على الوجه المطلوب، وبالفعل أرسلوا لي مبلغاً بيد شخص أقلّني بسيارته في اليوم التالي إلى النجف وبدأت رحلتي...

وحين وصولي إلى النجف استأجرت مكاناً للسكن وتوجّهت فوراً إلى القبر المنسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعلّي أتعرّف هناك على أحد يسهّل مهمّتي، دخلت الى الصحن المحيط بذلك القبر المنسوب وبدأت أتجوّل متأملاً بالوجوه، متحوقلاً من ممارسات الشيعة هناك من زيارة القبر وما إلى ذلك، داعياً الله تعالى أن يوفقني في عملي لنقضي على هذه البدع.

وبالفعل وأنا أتجوّل وجدت رجلاً يلبس عمامة سوداء يجلس جانباً لوحده وبيده كتاب يقرأ فيه، ولكنّي لم أستطع أن أخفي إعجابي بسماحة وجهه، فاقتربت منه وألقيت السلام وردّ عليّ فبادرته بالسؤال: هل لي أن آخذ من وقتك قليلاً؟ فقال لي: تفضل يا أخي على الرحب والسعة، عرّفته بنفسي أنّني من أهل السنّة والجماعة وأنّني ممّن يبحثون في مذهب الشيعة، فبادرني بالمزيد من الترحاب وأبدى استعداده لأيّة خدمة أحتاجها، فبادرته بالسؤال: ما هو الفرق بين مذهب الشيعة وأهل السنّة والجماعة؟ لم أرد أن أبيّن له بأنّي من طلبة العلم بل حاولت أن أظهر بأنّي رجل بسيط في تفكيره، فابتسم قائلاً: كُلّنا مسلمون ولله الحمد ونشترك بأمور أكثر مما نختلف فإلاهنا واحد، ونبيّنا واحد، وقرآننا واحد، وقبلتنا واحدة وجميعنا نصلّي ونحجّ ونصوم ونؤدي عباداتنا تقرّباً إلى الله، إنّما جوهر الخلاف بيننا وبين الأخوة السنّة هو في الإمامة والخلافة، فالسنة يأخذون سنة رسول الله 0 عن الصحابة، والشيعة يأخذونها عن أهل البيت رضي الله عنهم، هذا هو أصل الخلاف، فقلت لـه: لكن النبيّ 0 قال: «عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ»، فنظر إلى ساعته واعتذر قائلاً: إنّه تأخر وعليه الذهاب للغداء في المنزل، وسألني من أي منطقة أنت؟ فأجبته من بغداد، فدعاني للغداء في منزله، فقلت في نفسي: لعلّها فرصة جيدة لكي أصل إلى مطلبي الذي أتيت من أجله، فوافقت على الفور ولبّيت دعوته وذهبنا سوّياً إلى منزله، وفي الطريق عرّفني باسمه (سيد باقر) وعرفته بنفسي أنّ اسمي (حسين).

بعد أن انتهينا من الغداء قلت له: يا أخي باقر، كما أسلفت لك إنّني مهتم بمعرفة المزيد عن مذهب الشيعة فهلاّ ترشدني إلى مكان أستطيع أن أحصل فيه على بعض الكتب الشيعية التي أتعرف من خلالها على المذهب الشيعي؟ فأجابني قائلاً: إنّه عنده بعض الكتب التي يمكنه أن يعطيني إياها، وأنّه لا يعرف أي مكان تتوفّر فيه كتب شيعية، شعرت في تلك اللحظة أنّه متحفّظ وأنّه متخوّف منّي خاصّة في ظل الوضع الأمني آنذاك، فقام وأعطاني بعض كتب الأدعية وقال لي: هذا ما يمكنني تقديمه لك يا أخي، فشكرته واستأذنت منه للخروج.

 

ثم تجوّلت في مدينة النجف طوال اليوم لعلّي أتمكّن من الحصول على أي كتاب من كتب الشيعة المعتبرة، فلم أتمكن ولم يساعدني أحد في هذا الأمر، وذلك أمر طبيعي في ظل حصار أمني مكين على الشيعة، وعليه تيقّنت بأنّي لن أتمكن من الحصول على مطلبي في النجف فعدت وأدراجي إلى مدينتي، وكان الوقت متأخراً فلم أتمكن من الاتصال بالشيخ أبي عبد الرحمن لأخبره .

وفي صبيحة اليوم التالي اتصلت باكراً بالشيخ أبي عبد الرحمن وأخبرته أنّني لم أوّفق في سفرتي، فقال لي: إذن سأحاول أنا بنفسي أن أوفّر لك بعض الكتب، فطلبت منه أهم كتب الحديث عند الشيعة والتفاسير بالإضافة إلى الأقراص الليزرية التي فيها كتب الشيعة، فقال لي: إن شاء الله سأعطيك ما عندي من الكتب التي ترد على الشيعة كما وسأتصل بالأخ أحمد وأطلب منه تجهيز باقي الكتب المطلوبة فهم أقدر منّا على هذا الأمر، خصوصاً وأنّ أجهزة الدولة المعنية لديها الكثير من الكتب المصادرة الشيعية، وخلال أسبوع كانت جميع متطلباتي متوفرة، وقد أخبرني الشيخ أبو عبد الرحمن أنّه من ضمن الكتب التي أرسلها لي كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير وباقي الكتب التي أخبرني بها سابقاً، وأوصاني بالاعتناء بقراءتها وبالخصوص كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير لما عرف عنه من دراسته الشاملة والعميقة لعقائد الشيعة وقال لي: إنّها ستكون خير معين لك، وبالطبع كنت فرحاً بتلك المجموعة من كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير فهي ستوفر عليّ الكثير من عناء البحث.


 

 

منهج علمي .. أم .. كذب وافتراء !!

انكببت على القراءة والبحث وكنت أصل الليل بالنهار لكي أخرج بكتاب يفضح عقائد الشيعة بمنهج علمي دقيق، وبعد شهرين من العمل المتواصل والتي كان الشيخ أبو عبد الرحمن خلالها يتصل بي بين الحين والآخر ليطمئنّ على العمل ويشجعني كنت قد أتممت الجزء الأكبر من العمل.

وذات يوم وعلى غير موعد دقّ بابي الشيخ أبو عبد الرحمن ومعه الأخ أحمد وأخبراني أنّهما يودّان الاطلاع على ما انجزته حتّى الآن، كنت قد أنهيت الجزء الأكبر من الكتاب وكنت فرحاً بإثارة وبيان الكثير من عقائد الشيعة كحقيقة عبد اللة بن سبأ، والمتعة وما يتعلّق بها، والخمس، والقول بتحريف القرآن، والطعن بالخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين، ومباحث حول مهدي الشيعة، وما إلى ذلك من شبهات.

بعد أن اطّلع الشيخ أبو عبد الرحمن بشكل سريع على مسودة الكتاب أبدى إعجابه بما أنجزته وقال لي: ما كتبته إلى الآن ممتاز، ولكن عندي بعض النقاط التي هيّأتها لك حتّى يخرج الكتاب بالصيغة المطلوبة وهذه النقاط هي كالتالي:

1- عليك أن تصيغ الكتاب بشكل سيناريو وأن تدخل بعض الشخصيات العلمائية الشيعية البارزة فيه لكي يأخذ مصداقية وإثارة في آن واحد.

2- أن يكون بنفس الأسلوب القصصي والحواري الذي اتبعه التيجاني في كتابه ثمّ اهتديت، يعني من قبيل أنّك قابلت العالم الفلاني وحدّثت العالم الفلاني.. وهكذا.

3- يجب أن تختار اسماً لمؤلف الكتاب يدلّ على أنّه ينتمي إلى عائلة علمائية من السادة لأنّ الشيعة يحترمون السادة، وأن يكون قد تخرج من حوزة النجف على يد كبار العلماء، وذلك لإشعار الشيعة بضعف مذهبهم ولكي يعلموا أنّ علماءهم تركوا هذا المذهب وأقروا ببطلانه.

فسألته ما هو الاسم الذي تقترحه؟ فقال ليكن باسمك (حسين) فالشيعة يسمّون هذا الاسم كثيراً، فقلت له على الفور: ليكن الاسم (السيد حسين الموسوي) على أنّه شخص من كربلاء، وأنّه من خريجي الحوزة العلمية، وأنّه حاصل على درجة الاجتهاد من أحد كبار العلماء، وتم اقتراح أن يكون اسم ذلك العالم الذي درست على يديه هو محمّد الحسين آل كاشف الغطاء.

ثُمّ قال: أما بالنسبة لأسماء الشخصيات المراد فضحها من خلال هذا الكتاب فإنّ أهم شخصية لدينا هو الخميني، فأنت تعلم أنّه منذ قيام ثورته في إيران وإلى ما بعد ذلك وهو يستقطب الكثير من المسلمين في أنحاء العالم بما فيهم أهل السنّة والجماعة، سيما الحركات الإسلامية في فلسطين وفي لبنان وذلك من خلال حزب الله الذي استطاع أن يخترق قلوب الكثيرين من الجهّال بسبب تصدّيه لإسرائيل، وكذلك الأمر في مصر أيضاً وخصوصاً حركة الإخوان المسلمين التي بدأت ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، وغير ذلك من الدول التي بدأ يتسرّب إليها الفكر الشيعي، وهذا بحدّ ذاته جعل الكثيرين ينجرفون وراء هذا الفكر الفاسد بعد أن لم يكن للشيعة أي ذكر أو قوة تحسب في العالم، وعلى هذا يجب أن نسقط الخميني من أعين الشيعة قبل السنّة كي يفقدوا الثقة به وبفكره وآرائه وثورته المزيّفة، وذلك من خلال عدّة أُمور منها:

1- أن تذكر بأنّك كنت على صلة وثيقة بالخميني وأنّك كنت تزوره وكنت تسافر معه في رحلاته حينما كان في العراق وذلك بعد نفيه من إيران مما يمكنك أن تروي عنه وتنقل أفكاره.

2- أن تبيّن ممارساته اللاأخلاقية، وأن تختلق قصة ما جرت بحضورك بأنّه تمتّع بطفلة صغيرة مستنداً بذلك على إحدى فتاويه في كتابه تحرير الوسيلة التي يقول فيها: (لا بأس بالتمتّع بالرضيعة ضمّاً وتفخيذاً وتقبيلاً).

3- أن تظهر أنّه حاقد على أهل السنّة والجماعة، وأنّه يبيح أموالهم ودماءهم وأنّهم في نظره كفارٌ أنجاس شرّ من اليهود والنصارى أولاد بغايا يجب قتلهم وأخذ أموالهم.

4- أنّك ذهبت لزيارة الخميني لتهنئته أيام الثورة وأنّك اختليت به، وأنّه طلب منك تنفيذ وصايا الأئمة – بزعمه - بسفك دماء النواصب والذي يقصد بهم (السنة)، وقتل أبنائهم واستحلال نسائهم وأنّه لا يجب أن يفلت أحد منهم من العقاب وأن تؤخذ أموالهم للشيعة.

5- إنّ الخميني وعدك بأنّه سيمحو مكّة والمدينة من على وجه الأرض لأنّهما صارتا معقلا للوهابية، وأنّه يريد أن يحوّل القبلة ليجعلها في كربلاء.

هنا قاطعت الشيخ أبا عبد الرحمن قائلاً: صحيح نحن نختلف مع هذا الرجل ونود فضح عقائده ولكن يا شيخ ما تفضلت به يدخل في مسار آخر غير البحث العلمي فهذا كذب وافتراء، وأنا بإمكاني أن أُسقطه بأسلوب أرقى من ذلك، فرد الشيخ قائلاً: ألم أقل لك من البداية بأنّ اعتمادنا في الكتاب على ما يشوّق القارئ ويثيره ويشد انتباهه جنباً إلى جنب المادة العلمية، وأنّ هذا الأسلوب القصصي الذي يبدوكأنّه واقعي من شأنه أن يرسّخ المعلومة بذهن القارئ أكثر، فكم من كتب كتبت لفضح الشيعة ولم تلق ذلك الصدى المطلوب ولم تتداول بين العوام، أما مطلبنا هنا العالم الشيعي والعامي معاً.

هنا بدأت الأفكار تتضارب في رأسي وضمناً لم أكن مقتنعاً بهذا المنهج، فهذا ليس ما تعلّمناه في جامعة الإمام محمّد بن سعود في الممكلة العربية السعودية ولا في عاداتنا وتقاليدنا، فقلت لـه: يا شيخ أبا عبد الرحمن إذا كان العمل بهذه الطريقة فأرجو أن تعفيني لأنّي لست مقتنعاً بشرعيته.

هنا ساد الصمت لدقائق ولم يرد علي الشيخ وأخذ يتبادل النظرات بينه وبين الأخ أحمد، وفجأة قطع الأخ أحمد ذلك الصمت وصاح بصوت عال: ماذا يعني أنّك لست مقتنعاً؟ وبماذا يهمّنا اقتناعك؟ نحن هنا لا نلعب هنالك أموالاً دفعت وأوامر صدرت لا بدّ من تنفيذها، وضرب بيده على الطاولة موجهاً كلامه للشيخ أبي عبد الرحمن قائلاً: ما هذا يا شيخ! أهذا الشخص الذي أخترته وأخبرتنا أنّه أهل للثقة؟ فرد الشيخ قائلاً: لا عليك يا أخي أحمد أنت هدّئ من روعك وأنا سأتصرف، فرد عليه أحمد قائلاً: معك شهر من الآن يا شيخ أبا عبد الرحمن إن لم ينته هذا الكتاب فقد أعذر من أنذر، وخرج من البيت ضارباً الباب خلفه.

فالتفت إلي الشيخ أبو عبد الرحمن قائلاً: أتريد أن تخرب بيتنا أنت؟ ألا تعرف أنّ الأمر صدر من الأستاذ قصي؟ ألم أخبرك بذلك من البداية! ألا تعي ما يمكن أن يحصل إن رفضت تتمة الكتاب؟ فتنهدت قائلاً: أنت من وضعني في هذه المصيبة ولا بدّ أن تجد لي مخرجاً منها، فأنا لا يمكنني أن أعمل عملاً لست مقتنعاً به، فرد قائلاً: لا مخرج لك سوى اتمام الكتاب وبالطريقة التي أخبرتك بها .. هنا علمت أنّ الأمر أصبح واقعاً لا مفرّ منه، فطلبت من الشيخ أن يمهلني إلى الغد حتّى تهدأ نفسي لأنّي متوتر بعض الشيء، فقال لي: سأتركك لترتاح وغداً سأمرّ عليك لأجدك شارعاً في تنفيذ ما طلبناه منك، وأنا سأكمل لك باقي المطالب والمصادر التي تريدها، فقلت له: خيراً إن شاء الله.

في صباح اليوم التالي حضر الشيخ ومعه باقي الكتب التي أحتاج إليها وقال لي: أرجو أن تكون مستعدّاً للعمل وأن تكون نفسك قد هدأت، فلم أملك بعد ليلة طويلة من التفكير سوى أن أوحي له بأنّي فكرت بالموضوع ملياً ولم أجد فيه ما يريب لكي يطمئنّ من جانبي، وإلاّ فالعاقبة ستكون وخيمة.

 ثمّ جلست أنا والشيخ لنكمل الحديث حول النقاط المهمة المراد منّي إدراجها في الكتاب فسألته: من هي الشخصيات العلمائية الشيعية التي يجب تسقيطها؟ فأجاب قائلاً: كنت قد ذكرت لك سابقاً الخميني وأهم الأمور التي يجب إثارتها حوله، والآن سأخبرك ببقية الشخصيات سواء الموجودة في العراق أو خارج العراق، وهي كما يلي:

- السيستاني: فهو يعد من المرجعيات الأولى عند الشيعة وخصوصاً أنّه يقيم في العراق وممكن أن يشكّل علينا خطراً فهذا الشخص يجب اسقاطه من ناحيتين: الناحية الأولى هي: الخمس والذي هو مصدر الدعم الأول والأكبر للمراجع والذي يسيطرون من خلاله على الناس، فيجب أن نظهر السيستاني على أنّه يسرق أموال الناس باسم الخمس. والناحية الثانية: أن نفقد الناس الثقة به من خلال التشكيك بأخلاقياته على أنّه ما من بيت يدخله إلاّ ويستعير فرجاً من فروج هذا البيت .

- عبد الحسين شرف الدين: صاحب كتاب المراجعات، ولا يخفى عليك أنّ هذا الكتاب أثر على الكثير من أهل السنّة والجماعة سيما في دولة مصر، أما من الناحية الأخلاقية فلنبيّن أنّه أجاب أحد السائلين بجواز اللواط بالذكور، وأنّه كان يتمتع بالأوروبيات، وأنّه كان متزوّجاً من مسيحية مارونية.

هنا قاطعت الشيخ وقلت لـه: على رسلك يا شيخ ألا تشعر بأنّ تجويز اللواط بحاجة إلى دليل ليكتسب كلامنا المصداقية؟ فضحك الشيخ وقال: إرو لـه حديثاً عن جعفر الصادق يقول: «اذا طال بك السفر فعليك بنكح الذكر» وانفجر ضاحكاً . فقلت لـه: وماذا ساضع مصدر الحديث؟ فقال: قل إنّ عبد الحسين أخترعه من عنده ليتخلّص من إحراج السائل.

- أحمد الوائلي: من المعروف عند الشيعة أنّ أكثر الشخصيات التي تؤثر بالعوام هم الخطباء، وكما تعلم فإنّ الوائلي من أبرع خطبائهم وأكثرهم شعبية لدى الشيعة فيكفي أن تمرّر معلومة عنه أنّه كان صديقاً لك، وأنّه أخبرك بأنّه لا يأتي المرأة إلاّ من الدبر وكذلك الكثير من أصدقائه، وأختر بعض الأسماء وضعها معه.

- الشيرازي والصدر: لما لهما من شعبية كبيرة، وكذلك أضف إليهم بعض الأسماء المعروفة كالطباطبائي والقزويني والمدني، بيّن مثلاً أنّهم كانوا يكثرون من التمتّع بالنساء لما لها من ثواب، مستدلّاً ببعض الأخبار التي تناسب الموضوع.

- بيان فساد الحوزة العلمية وانتشار الانحلال الخلقي فيها عن طريق ذكر بعض الحوادث التي جرت أثناء تواجدك فيها من لواط وما شابه من الأمور اللا الأخلاقية.

- إظهار طعن الشيعة بالملك فهد وأنّهم يدّعون انّه متّع ابنته للسيد موسى الموسوي وأغراه بالمال لكي ينقلب على الشيعة، وبيان خطر الشيعة على الحكام العرب وأهل السنة، وأنّهم ينتظرون اللحظة المناسبة لإعلان الجهاد ضدهم وذلك لتخويف الحكام منهم والضغط على الشيعة في كُلّ الدول.

- دلدار علي النقوي: لما لـه من تأثير على شيعة الهند وباكستان فلا مانع أن تذكر سفرك إليه والالتقاء به وذلك لاحداث تشويق وجذب للقارئ، وأيضاً لجعل الهنود والباكستانيين يهتمّون للتعرف على ما في الكتاب .

- أحمد الكسروي: بيّن أنّ الشيعة قتلوه لأنّه خالفهم في عقيدتهم.

فقلت له: يا شيخ على رسلك، فقد قرأت عمن نقل عن كتبه أنّه ليس بمسلم، ويتهم الشيعة والسنة على السواء؟ فقال لي: لا عليك، أنت أذكر ذلك فقط.

هذا وقد هيأت لك بعض الأحاديث التي تتناول خرافات الشيعة كالحمار الذي يتكلّم، وبعض المطاعن على أهل البيت رضي الله عنهم من كتبهم، وكذلك في المتعة وفضائلها عندهم، وإعارة الفرْج، وتكفير الشيعة للسنة، والكثير من الأمور التي ذكرتها لك أمس ملخّصة في هذه الأوراق خذها وراجعها بنفسك، من دون النظر في سند الروايات، ثمّ ودعني وذهب.

وهنا اختليت بنفسي لا أعلم كيف أخرج من هذه الورطة ومن هذه الأكاذيب والافتراءات، وبدأت أقارن بين أسلوب الشيخ أبي عبد الرحمن وأسلوب ذلك السيد المعمم الذي تعرفت عليه عند القبر المنسوب إلى الإمام علي رضي الله عنه (باقر)، وكيف أنّه لم يحاول من قريب أو بعيد الطعن بأهل السنّة والجماعة، وكيف نحن نقف هذا الموقف البغيض!! طال بي التفكير ولم أجد مخرجاً، فأيادي أزلام قصي ستطالني إذا تهرّبت، وأصبحت متورطاً في الأمر رغماً عنّي، ولا مجال إلا أن أنتهي من هذا العمل بأسرع وقت لكي أخرج من هذه الدائرة التي أوقعت نفسي فيها.


 

 

تنقيح الكتاب لاستخراج المغالطات

وفي اليوم التالي عدت للعمل على الكتاب، محاولاً نسج القصة المطلوبة من خلال الأمور التي كنت قد أعددتها سابقاً، والملاحظات التي سلمني إياها الشيخ أبو عبد الرحمن، مستعيناً بالشخصيات التي طلب منّي إضافتها، وفي غضون أسبوعين كانت مواد الكتاب عندي شبه كاملة مع السيناريو، وقد سهّلت عليّ المهمّة بعض الكتب ككتب الشيخ إحسان إلهي ظهير والشيخ عبد الله الغفاري وموسى الموسوي وأحمد الكاتب وغيرها من الكتب التي بيّنت عقائد الشيعة، حيث إنّي استخرجت منها الكثير من المواد الهامة، وبالفعل أنهيت الكتاب ولم يبق عندي إلاّ مراجعته وتحقيقه وتنقيحه، خاصّة وأنّ هنالك بعض الشخصيات ممّن فرض عليّ الشيخ أبو عبد الرحمن إضافة أسمائهم على أنّني قابلتهم، وهذه كانت أصعب خطوة بالنسبة لي، فقد كان لزاماً عليّ أن أحسب أعمّارهم وتواريخ اللقاء بهم بحيث لا يتعارض الأمر مع عمري المفترض، وهنا خطرت لي فكرة وهي أن أعمل جدول بياني يبيّن تاريخ ولادة ووفاة كُلّ الشخصيات المطلوب ذكرها في الكتاب، أو تاريخ الالتقاء بهم مما يسهّل عليّ الأمر أكثر، وبالفعل وضعت هذه التفاصيل في جدول وكانت النتيجة أنّني أمام فرضيتين وهما كالتالي:

 

جدول يبـيّن أسماء وتواريخ ولادة ووفاة الشخصيات التي قابلتها

الفرضية الأولى: لقائي بكُلّ الشخصيات ابتداء من دلدار علي:

وهنا اتضح لي المفارقات التي لا تعقل بالطبع حيث إنّه لو افترضت أنّني التقيت بدلدار علي النقوي في سنة وفاته (1820م) وكان عمري ثلاثين سنة فسيترتب عليه التالي:

- سيكون عمري حين التقيت عبد الحسين شرف الدين مائة وستة وأربعين سنة.

- نلت درجة الاجتهاد وأنا بعمر مائة وأربعة وستين سنة.

- التقيت بالخميني وعمري 175 سنة وذلك حين أقام بالعراق عام (1965م).

- ساكون أكبر من الشاعر أحمد الصافي بمئة وست سنوات رغم أنّي كنت قد ذكرت أنّه يكبرني بما يقارب الثلاثين عاماً.

- التقيت بالخوئي وأنا بعمر مئتين وإثنين.

- سيكون عمري سنة صدور الكتاب (1999م) مئتين وتسع سنوات!! وهذا أمر لن يتقبّله أي قارئ .

الاســـــم

العمر المفترض عند اللقاء

تاريخ الولادة

تاريخ الوفاة

حسين الموسوي

 

1790 ميلادي

حي يرزق

دلدار علي النقوي

30 سنة العمر عند اللقاء

 

1820 ميلادي

عبد الحسين شرف الدين

146 سنة العمر عند اللقاء

1873 ميلادي

1958 ميلادي

محمد الحسين كاشف الغطاء

164 سنة نلت درجة الاجتهاد

1877 ميلادي

1954 ميلادي

الخميني

175سنة وجوده بالعراق 1965

 

 

أحمد الصافي النجفي

187 سنة العمر عند اللقاء

1896 ميلادي

1977 ميلادي

الخوئي

202 سنة العمر عند اللقاء

1899 ميلادي

1992 ميلادي

كتاب لله ثمّ للتاريخ الجزء الأول

209 سنة حين صدور الكتاب

1999 ميلادي

 

 

الفرضية الثانية: إنّ الشاعر أحمد الصافي يكبرني بثلاثين سنة:

أما الفرضية الثانية والتي افترضت فيها أنّ الشاعر أحمد الصافي النجفي المولود (1896) ميلادي والذي يكبرني بثلانين عاماً فقد وجدت فيها أكثر من مفارقة أيضاً، وأهم هذه المفارقات هي:

- أنّي نلت درجة الاجتهاد وأنا بعمر الثامنة والعشرين عاماً وهذا أمر بعيد.

- أنّني تلقّيت العلوم على يد الخميني بعد أن أصبحت مجتهداً بعشر سنوات، على اعتبار انّه أقام بالعراق بعد وفاة كاشف الغطاء بعشر سنوات أي سنة (1965م) ويكون عمري حينها 41 سنه.

- سيكون عمري حين التقيت بعبد الحسين شرف الدين صاحب كتاب المراجعات عشر سنوات، وهذا أيضاً أمرٌ لا يعقل لأنّي ذكرت أنّني كنت من ضمن الشخصيات الذين حضروا والتقوا به حين زار الحوزة في النجف.

- لن أستطيع أن أدّعي لقائي بدلدار علي النقوي لأنّي ساكون قد ولدت بعد وفاة دلدار علي بمائة وست سنوات.

الاســـــم

العمر المفترض عند اللقاء

تاريخ الولادة

تاريخ الوفاة

حسين الموسوي

 

1926 ميلادي

حي يرزق

دلدار علي النقوي

قبل الولادة بـ 106 سنوات

 

1820 ميلادي

عبد الحسين شرف الدين

10 سنوات العمر عند اللقاء

1873 ميلادي

1958 ميلادي

محمد الحسين كاشف الغطاء

28 سنة نلت درجة الاجتهاد

1877 ميلادي

1954 ميلادي

الخميني

41 سنة وجوده بالعراق 1965

 

 

أحمد الصافي النجفي

51 سنة العمر عند اللقاء

1896 ميلادي

1977 ميلادي

الخوئي

66 سنة العمر عند اللقاء

1899 ميلادي

1992 ميلادي

كتاب لله ثمّ للتاريخ الجزء الأول

73 سنة العمر حين صدور الكتاب

1999 ميلادي

 

 

بعد هذه الدراسة المفصّلة كان يجب أن أحذف أسماء بعض الشخصيات التي طلب مني ذكرها في الكتاب حتّى لا أقع في هذه المغالطات، حينها اتصلت بالشيخ أبي عبد الرحمن لأخبره بذلك، وقلت لـه: إنّ هنالك بعض الشخصيات التي لا بدّ من حذفها، فقاطعني دون أن يدعني أكمل كلامي ليفهم ما هو مقصدي وقال غاضباً: يا أخي أنت يومياً تخرج لنا بحجّة جديدة لكي لا تنهي الكتاب بالصورة التي طلبناها منك! أكمل الكتاب بدون حذف أي شخصية وسلّمني إياه وما عليك بالباقي.

عندما تكلم معي بتلك الطريقة انزعجت كثيراً وقلت في نفسي: إذن فليكن ما يريد سأسلّمه الكتاب كما هو بمغالطاته، وهم يتكفّلون بتحقيقه واستخراج مغالطاته وأنتهي من هذه المهمة التي كلّفت بها. قلت للشيخ أبي عبد الرحمن: لا تغضب يا شيخنا لك ما تريد، الكتاب جاهز يمكنك أن تأتي لتأخذه في أي وقت تريد.

وفي اليوم التالي جاءني الشيخ أبو عبد الرحمن ومعه أحمد وخالد واستلموا الكتاب بعد أن شكروني على جهودي وقدّموا لي ظرفاً فيه مبلغاً من المال وانصرفوا، وتنفست الصعداء لأنّي أتممت المهمة على أفضل وجه.


 

 

تداعيات ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق

بعد مرور شهرين على تسليمي إياهم للكتاب طبع الكتاب وأرسل لي الشيخ أبو عبد الرحمن نسخة منه، ولكن كانت صدمتي كبيرة حينما وجدت أنّهم لم يصحّحوا شيئاً من تلك المغالطات والأخطاء وأنّ الكتاب على ما يبدو طبع كما هو، ومن حسن حظي أنّ الشيخ أبا عبد الرحمن لم يلتفت لتلك المغالطات ولم يذكر لي شيئاً عنها، رغم اعتقادي بأنّهم سيتكلّفون بمراجعة الكتاب وتصحيح أخطائه.

ومرّت السنين وبدأت الحرب على العراق عام 2003 م لاسقاط النظام وحلول الاحتلال الأمريكي محلّه، وعندما انفتح العراق على العالم علمت أنّ الكتاب أخذ شهرة كبيرة وانتشار واسع حتّى أنّه طبع باللغة الفارسية ووزّع في إيران، وبدأت أدخل الشبكة العنكبوتية وشيئاً فشيئاً تعرّفت أكثر على مدى الصدى الكبير الذي أخذه الكتاب، والاهتمام الواسع به سيما من قبل الشيعة، وعلمت أنّ هنالك العديد من الكتب التي الفت للرد على الكتاب وبدأت أتتبع بعضها عبر الانترنت، وهنا لفت انتباهي كتاب باسم (لله وللحقيقه) للشيخ علي آل محسن، وكـم كانت صدمتي كبيرة عندما وجدت أنّ هنالك مغالطات كثيرة وردت في الكتاب غير التي كنت أعرفها والتي لم يراجعها الشيخ أبي عبد الرحمن حينها أيضاً.

أهم هذه المغالطات التي عقّب عليها آل محسن هي:

1- إنّي ردَدت كلمة (السادة) على شخصيات ليسوا منتسبين للسادة، وهذه كانت غلطة فادحة جدّاً خاصّة أنّ الشيعة يهتمّون ويفرّقون بين الشيخ والسيد... فقد وصفت الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء بأنّه سيِّد، في الصفحات 3، 5، 9، 32، 52، 53، 54 وغيرها، وذكرت اسمه تارة صحيحاً كما في ص 5، وتارة مغلوطاً كما في ص 3، حيث قلت: محمّد آل الحسين كاشف الغطاء، ووصفت أحمد الكاتب في ص6 بأنّه سيِّد، بينما هو ليس منتسباً إلى النبيّ 0، وكذلك شركته في السيادة مع السيد موسى الموسوي في ص 6، وكرَّرت الخطأ نفسه في ص 7.

ووصفت الميرزا علي الغروي في ص 7، 21 بأنّه سيد مع أنّه ليس سيداً أيضاً، ووصفت الشيخ محمّد جواد مغنية في ص 9- 13 بأنّه سيِد وهو شيخ كما عرف عنه، وذكرت في ص 48 الشيخ لطف الله الصافي ووصفته بأنّه سيِد، مع أنّه ليس كذلك أيضاً، وذكرت في ص 52 الشيخ أحمد الوائلي ووصفته بأنّه سيّد، مع أنّه ليس سيداً، وفي ص 105 وصفت شيخ الشيعة الشيخ الطوسي بأنّه سيَد، كما ووصفت الشيخ حسين الكركي العاملي بأنّه الشيخ الثقة السيد!!

ولعمري أنّي صدمت على هذه الزلاّت وكيف أنّي لم ألتفت اليها خاصّة وأنّ الشيعة لا يخطؤون بها أبداً، وهي من الأمور البديهيّة عندهم بعكسنا نحن أهل السنة.

2- إنّي في ص 20 صلّيت على النبيّ (0) بهذه الكيفية: (صلّى الله عليه وسلم وآله)، وهذه الصيغة لا يستعملها الشيعة، وفي نفس الصفحة صلّيت على النبيّ 1 مرّتين صلاةً بتراء حسب الرأي الشيعي، أي (صلى الله عليه وسلم وهذه الصيغة غير رائجه وغير جائزة عندهم كما هو الحال عندنا، كما ونسيت أن أذكر وآله، وفي ص 23 سلّمت على النبيّ 0 ولم أُصلّ عليه، فقلت: (إذ دخل عليها أي الزهراء عليها السلام أبوها عليه السلام)، وفي الصفحات 20، 22، 24، 30 وغيرها كررت (رسول الله صلوات الله عليه)، مع أنّ الشيعي لا يصلّي على النبيّ مجرداً عن ذكر الآل.

3- إننّي أكثرت الترضّي على أئمة أهل البيت عند الشيعة كما في الصفحات 10، 11، 12، 13، 14، 16، 15، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 33 وغيرها والشيعة لا يترضّون عليهم بل يسلّمون ويصلّون عليهم، إيماناً منهم بأنّ الصلاة والسلام تكون على النبيّ وآله وخاصة أنّي كنت أصلّي وأسلّم عليهم في مواضع أُخرى كقولي في ص 14: (إذ تذكر لنا تذمّر أهل البيت صلوات الله عليهم من شيعتهم... وتذكر لنا من الذي سفك دماء أهل البيت عليهم السلام)، وقلت في ص 17: (وقالت فاطمة الصغرى عليها السلام...) وغيرها في أكثر من موضع.

4- إنّني ذكرت في ص 31: اسم أحد الأئمة وهو (علي بن جعفر الباقر)، والمعروف أنّ الباقر هو محمّد بن علي، وأنّ جعفراً هو الصادق، وهذه كانت زلّة خطيرة لا أعرف كيف وقعت فيها.

5- في ص 98 أطلقت على كتب الحديث الشيعية المعروفة: (الصحاح الثمانية)، وفي ص 100 قلت: (إنّ صحاحنا طافحة بأحاديث زرارة)، وقلت: (ومن راجع صحاحنا وجد مصداق هذا الكلام)، وقلت في ص 102: (أحاديثه في الصحاح كثيرة جداً) مع أنّ الشيعة لا يطلقون على كتبهم الحديثية بالصحاح، فخالفوا بذلك أهل السنّة والجماعة الذين قسموا كتبهم إلى صحاح وغيرها.

6- في ص 115 قلت: (لقد صدرت في الآونة الأخيرة فتاوى بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات)، بينما لا تقام صلاة الجمعة في الحسينيات.

7- في ص 10 أطلقت اسم كتاب الكشي: (معرفة أخبار الرجال)، مع أنّ اسمه (اختيار معرفة الرجال)، وهذا ما لم يجب أن أقع به خاصّة وأنّه من المفروض أنّي عالم مجتهد.

8- إنّه في ص 13 نسبت كتاب (جامع الرواة) للمقدس الأردبيلي، مع أنّه لمحمد بن علي الأردبيلي الحائري.

9- في ص 13 ذكرت من ضمن المصادر التي ذكرتْ عبد الله بن سبأ كتاب التحرير ونسبته للطاووسي، مع أنّ الكتاب اسمه (التحرير الطاووسي) للشيخ حسن بن الشهيد الثاني صاحب المعالم.

10- في ص 13 طالبت القارئ بالنظر في كتب من جملتها كتاب (حل الإشكال) للسيد أحمد بن طاووس، مع أنّ هذا الكتاب لا وجود لـه في هذه الأزمان.

11- في ص 13 وصفت السيد مرتضى العسكري بأنّه من الفقهاء، وتبينّ أن العسكري ليس معروفاً بالفقاهة، وأنه معروفاً بكونه باحثاً محقّقاً متتبّعاً.

12- كما وسميت ابن أبي يعفور بابن أبي اليعفور (بالألف واللام) في ص 49، 79، وفي ص 50 قلت: (إنّ رواية أبي اليعفور...) والخطأ المتكرر في اسم هذا الراوي ليس من المفروض أن يقع من مجتهد مثلي حسب ما عرفت نفسي في بداية الكتاب، فالمفروض أنّي عرفت الرجال وضبطت اسماءهم.

13- في ص 65 نسبت كتاب (ضياء الصالحين) المشهور جداً عند الشيعة إلى الخوئي، مع أنّه كتاب معروف في الأدعية والزيارات لمحمّد صالح الجواهري، وكتاب الخوئي هو (منهاج الصالحين)، ولا أعلم كيف وقعت بهذا مع أنّ عوام الشيعة يعرفون ذلك.

14- ذكرت في ص 37 أنّي جلست مع الخوئي في مكتبه، فدخل شابان عندهما مسألة، والخوئي ليس عنده مكتب في النجف، وإنّما تبيّن لي أنّه كان يستقبل الناس في منزله في محلّة العمّارة في النجف، وكررت مثل هذا الخطأ في ص 52 حيث قلت: (وفي جلسة لي في مكتب (السيد) آل كاشف الغطاء...)، وتبين أنّ الشيخ كاشف الغطاء لا يوجد عنده مكتب يستقبل الناس فيه وليس سيداً، بل كان يستقبلهم في مدرسته بحي العمّارة في النجف.

15- عابوا علي أنّني لم أنقّح الأحاديث ولم أحتج بالصحيح منها، بل أخذت الأحاديث الضعيفة المروية في كتبهم التي رواها الضعفاء والمجاهيل فاحتججت بها، وأنّني اعتبرت مضامين الأحاديث التي سقتها أنّها عقائد للشيعة، معلّلين بذلك أنّ الشيعة لا يعتقدون بمضمون كُلّ حديث مروي في كتبهم، لأنّ منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو معارَض بغيره، والعقائد إنّما تُعرف من نصّ علماء الطائفة عليها في كتبهم المعروفة، لا من أحاديث ضعيفة متناثرة، وأنّني احتججت بكُلّ حديث رويته أو أي كتاب تلقّيته، بغض النظر عن كون الكتاب معتبراً أو لا، وكون كاتبه لـه ثقل علمي أو لا، وذلك صحيح حيث لم يكن يهمّني صحّة الحديث والثقة من علماء الشيعة لكي أنقل آراءهم، وإنّما ما كان يهمّني هو طرح الشبهة فقط.

16- إنّني تقصّدت تقطيع الأحاديث بما يُلائِم الغرض، حيث إنّني بترت ذيل بعض الأحاديث ليتوهّم القرَّاء أنّها كانت مسوقة لذمِّ الشيعة مع أنّها لمدحهم.

17- ذكرت في ص 33 حديثاً عن النبيّ 0 في فضل المتعة وثوابها، وهو قولـه: (مَنْ تَمَتَّعَ بامرأة مؤمنة كأنما زارَ الكعبةَ سبعين مرة)، والذي لم أذكر في حينها مصدراً لهذه المقولة والتي تبين أنّه لا أثر لها في كتب الشيعة أصلاً.

18- ذكرت ص 33 أيضاً عن الصادق أنّه قال: (إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا، ومَن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغيرِ ديننا)، ونسبت مصدرها إلى كتاب من لا يحضره الفقيه 3 :366 كما ورد في الملاحظات التي زوّدني بها الشيخ أبي عبد الرحمن، وقد تبيّن أنّ هذه المقولة لا توجد لا في هذا الكتاب ولا في غيره.

وبعد اطلاعي على تلك المغالطات وتحققي منها تبيّن لي أنّها فعلاً موجودة, ولم أكن أتصور أنّ أهم الكتب التي نقلت منها مثل كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير والشيخ عبد الله الغفاري وموسى الموسوي وأحمد الكاتب لم تكن تتمتّع بالمصداقية الكافية، إضافة إلى الملاحظات التي أعطاني إياها الشيخ أبو عبد الرحمن، ولم أكلّف نفسي عناء البحث فنقلتها كما هي، ولكن رغم هذا كنت أحدّث نفسي قائلاً: ماذا ستقدّم أو تؤخّر هذه الردود، المهم أنّ الكتاب انتشر ووصل المطلوب منه، وهذا أمر كان يسعدني برغم أي تحفظ كان لدي .

كانت الأوضاع جدّاً صعبه في العراق خصوصاً بعد تأزّم الوضع بين الحركات الجهاديه والأمريكان، وكنّا نحذر من الخروج ليلاً وذلك لانعدام الأمن، وذات ليلة طُرق باب بيتي وإذا بالشيخ أبي عبد الرحمن يستأذن بالدخول، فرحّبت به ودعوته للدخول، سألته عن حاله وأحواله وعن غيابه في هذه الفترة عنّا؟ فأجابني أنّه بخير وأنّ الوضع في العراق هو الذي شغله عنّي، وأخبرني أنّه مستعجل وإنّما أتى فقط ليدعوني على الغداء في اليوم التالي في بيته لأمر هام، وأنّنا سنتكلّم بالتفاصيل إن شاء الله.

بصراحة وعدته بالحضور إلاّ أنّي كنت متوجّساً بيني وبين نفسي إذ إنّي لم أنس تلك النبرة التي كلّمني بها أيام تأليف الكتاب عندما كنت أعترض على أي شيء، ولكني بنفس الوقت بتّ مطمئنّاً لأنّ موضوع الكتاب انتهى، وأنّه لا بدّ أنّ الشيخ لديه شيء آخر مهم، في اليوم الثاني ذهبت حسب الموعد، وحين دخلت بيت الشيخ وجدت أكثر من خمسة عشر شخصاً حاضراً، جلسنا للغداء وعندما انتهينا بدأ الشيخ أبو عبد الرحمن بالكلام وقال: إخواني المؤمنين الكثير منكم يتساءل عن سبب هذا الاجتماع وكلّكم يعلم أنّ الوضع الآن قد تغيّر بعد احتلال العراق، وبما أنّني وإياكم منذ زمن طويل على معرفة ببعضنا البعض أحببت أن أُبيّن لكم التداعيات الخطيرة التي آلت إليها الأُمور بعد الغزو الأمريكي، وخطورة ما سيجري على أهل السنّة والجماعة والخطر الشيعي المحدق بنا، ونحن مجتمعون اليوم لنتكلّم في هذا الأمر ونأخذ بعض الخطوات العملية للحيلولة دون انتشار ذلك الأخطبوط الشيعي بعد أن خرج من قمقم النظام السابق، فالشيعة الآن يعملون للسيطرة على زمام الأُمور في العراق، ونحن كأهل السنّة والجماعة أمامنا واجب شرعي يحتّم علينا أن نقف بوجه هؤلاء الرافضة كي لا يحققوا مآربهم، وكما هو معلوم للجميع أنّه ورغم انهيار نظام الرئيس صدام حسين واستشهاد نجليه قصي وعدي إلاّ أنّ الكثير من المخلصين للنظام ما زالوا موجودين ومتخفّين ومستعدّين لدعمنا، فالمال موجود، والسلاح موجود، وواجبنا يحتّم علينا مواجهة الرافضة والأمريكان معاً، والرافضة أولاً؛ لأنّهم كما وصفهم شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله شرٌّ من اليهود والنصارى، وعلى هذا يجب أن ننظم أنفسنا على شكل خلايا يكون كُلّ فرد منكم أميراً على خلية في المستقبل بعد أن نعدّكم إعدادا كاملاً، وقد اخترنا النخبة والثقات من إخواننا من أهل السنّة والجماعة، وكذلك بعض الأُخوة ممّن كانوا يعملون مع النظام السابق فهم أيضا لديهم خبرة كبيرة في أكثر من مجال، ولا سيما المجال العسكري، ويمكننا أن نستفيد من خبراتهم ودعمهم.

وأردف قائلاً: من يجد أنّه غير مستعد لهذا العمل فأرجو أن يخبرنا من الآن، وهنا علت الأصوات بالتكبير والتأييد، فابتسم الشيخ أبو عبد الرحمن وقال: إذن على بركة الله نسير، وأنا بدوري سأُبيّن لكم فيما يلي أهم الأهداف من وراء هذا العمل:

1- العمل على ضرب الشيعة والأمريكان أينما وجدوا كي لا تقوم لهم قائمة، وذلك من خلال استهداف أهم المراكز والتجمعات التي يتواجدون بها، وبالأخص المراقد والمساجد والحسينيات، وبالأخص المعمّمين والسياسيين والمثقّفين منهم لأنّهم الهدف الأول بالنسبة لنا.

2- العمل على تفريق الشيعة من الداخل، وذلك من خلال إصدار بيانات بعناوين شيعية وتوزيعها بين الفرقاء، نبيّن فيها الخطر المجوسي الإيراني على شيعة العراق وخطر علماء قم على علماء النجف، والعمل على استغلال بعض الخلافات في الآراء وتضخيمها وتحويلها إلى طعن ضد المرجعيات، وكذلك العمل على بيان الخطر الإيراني وولاية الفقيه وامتدادها إلى داخل العراق، وبيان أنّ الإيرانيين يعملون لبسط نفوذهم على شيعة العراق، وأنّ المخابرات الايرانية موجودة في كُلّ مكان في العراق، وأنّها هي من يدعم الحركات الجهادية، وذلك لإشغال الأمريكان بالوضع الداخلي في العراق كي لا يلتفتوا إلى إيران.

3- العمل على تضخيم الخلاف بين التيار الصدري (سيما وأنّهم يرفعون راية الجهاد) من جهة وباقي التيارات ولا سيما تيار السيستاني من جهة أُخرى، مع محاولـة إيجاد فتنة بينهم وذلك من خلال بث الشائعات، بل ولا مانع من قتل طرف من الأطراف والصاق التهمة بالطرف الآخر.

4- العمل على تحطيم النفسية الشيعية وإظهارها على أنّها عميلة للأمريكان وللغرب، وبالأخص كبيرهم السيستاني، وذلك لبيان صورتهم الحقيقية أمام العالم الإسلامي.

5- استغلال الخطّابات والفتاوى الشيعية وإيجاد ثغرات الخلاف فيها وإظهارها وتبيانها، وبالخصوص خطابات حسن نصر الله، وذلك لخلق بغض وكراهية لحزب الله على أنّه من المؤيّدين للرئيس صدام حسين ضد الأمريكان، وأنّه يحاول إيجاد حزب الله في العراق، وكذلك تسقيط قناة المنار والترويج بأنّها ضد مصلحة العراق وأنّها بوق من أبواق إيران.

6- بيان أنّ منظمة بدر عميلة لإيران وأنّها تعمل على قتل أهل السنّة والجماعة بشكل متستر.

واستمّر في كلامه إلى ما يقارب النصف ساعة، ثمّ قال:

لا شكّ أنّ هذه الأهداف وإن بدت لكم أنّها عدوانية لكنّها الحرب، وكما قال رسول الله 0: «الحرب خدعة»، ولعمري إنّها الحرب التي يجب علينا من خلالها القضاء على أهل البدعة والضلال، الرافضة الذين يسعون لنشر الفساد والرذيلة، فالهدف سام ونبيل وفي مصلحة الإسلام أولاً وأخيراً.

لذا لاقت هذه الخطّة قبولاً واسعاً منّا جميعاً، وهنا بدأ العمل لتوزيع الأدوار على كُلّ الحضور، وكان دوري هو عمل دراسة كاملة عن النجف والتعرف على مراكزها الحيوية ومنازل الشخصيات الهامّة من مراجع وسياسيين، وذلك لتسهيل ضربها في أي وقت، وكذلك التعرف على مناسبات الشيعة وأوقاتها لضرب التجمعات، ودراسة جميع الخلافات الشيعية الشيعية الداخلية للتحرك على استغلال هذه الثغرات واستخدامها لصالحنا، والتغلغل بين الشيعة وعمل صداقات معهم لتسهيل الحصول على المعلومات، واستغلال الفقراء منهم واغرائهم بالمال لتجنيدهم على أنّهم يعملون لمصلحة البلد. طبعاً أعطاني ورقة فيها كُلّ المتطلبات وزوّدني بظرف من الدولارات تكفيني لتحقيق المطلوب وتجنيد أي عدد من الأشخاص الذين أثق بهم.

وقد أخذني الشيخ أبو عبد الرحمن جانباً وقال لي: هل لديك معلومات عن كتابك ومدى الانتشار الكبير الذي لاقاه؟ فقلت لـه: نعم أطلعت مؤخراً من خلال الإنترنت على ذلك، ولكنّي صدمت حينما وجدت ردود الشيعة حوله وتلك المغالطات الكثيرة التي استخرجوها منه! فابتسم وقال: لا عليك الإخوة في بعض البلدان حاولوا وما زالوا يصحّحون الكثير من الأخطاء وإعادة نشره وتوزيعه بنسخة منقّحة قدر الإمكان وخصوصاً باللغة الفارسية منه، فقلت لـه: ولكن يا شيخ أنا كنت أتصوّر أنّك ستحقّق الكتاب، فقال لي: لا عليك لا عليك فالنجاح الذي حقّقناه أكبر من تلك الاخطاء العاديّة التي قد ترد في أي كتاب، وجزاك الله خيراً أنت لم تقصّر، ولا تشغل نفسك الآن في الكتاب خاصّة وأنّ الناس لم يتح لها المجال لقراءة ردود الشيعة كما أُتيح لها المجال لقراءة الكتاب، فنحن نشرناه في كُلّ مكان وبقوّة، ركّز أنت الآن في المهمّة الجديدة المطلوبة منك ودعنا نسمع منك الأخبار الطيبة.

 

الرحلة إلى النجف مجدداً والالتقاء بباقر

      وبعدها بيومين حزمت امتعتي وتوجّهت إلى النجف، ولكن يا للهول عندما دخلت مدينة النجف وتجوّلت في شوارعها وأسواقها أمر مذهل حقيقة، الشيعة وكأنّهم مارد كان محجوزاً في قمقم وخرج، إذ باتوا يتحرّكون بكامل حرّيتهم وبنشاطاتهم المختلفة من ممارسة طقوسهم، ومن انتشار المكتبات والكتب الشيعية، والمراكز والمؤسّسات الخاصة بهم التي لم يكن لها وجود عندما زرتها قبل سنوات، وكذلك صور مراجعهم وعلمائهم وساداتهم منتشرة في كُلّ مكان، وقد أذهلني ذلك كثيراً، وبينما كنت أتجّول مررت بمنطقة تذكّرت أنّ الأخ (باقر) الذي تعرّفت إليه في زيارتي السابقة للنجف يسكن في تلك المنطقة وقلت في نفسي: إنّه ربما استفيد منه في جمع بعض المعلومات، وبالفعل قصدت داره وعندما طرقت الباب فتح لي الباب وسلّم عليّ وملامح وجهه توحي أنّه لم يستطع أن يتذكّرني جيّداً وقال لي: أهلاً وسهلاً بك ونظر الي ثم قال: وجهك ليس غريباً عليّ، ولكنّي لا أستطيع أن أتذكر جيداً أين رأيتك؟ فذكّرته بنفسي وبضيافته لي على الغداء، وأنّي كنت مارّاً بالمنطقة فأحببت أن ألقي السلام على أخ كريم، فرحّب بي ودعاني للدخول إلى داخل منزله، وبالفعل دخلت وبدأنا نتذكر زيارتي السابقة له. وبدأ يسألني عن أحوالي وتحدّثنا عن تطورات الوضع في العراق وعبر لي عن فرحته بالتخلّص من نظام الرئيس صدام حسين، وسألني: هل لا زلت تبحث في مذهب أهل البيت رضي الله عنهم؟

فقلت لـه: نعم، أكيد فهذا أمر لطالما شغلني، فابتسم قائلاً: هذه المرّة لن تتعب في البحث عن الكتب في النجف، فقد امتلأت النجف بالمكتبات ويمكنك الحصول على ما تريد وليس كالمرّة السابقة، وقال لي: إذا أحببت فمساء اليوم عندنا اجتماع أنا وبعض الأخوة المؤمنين في بيتي في جلسة وديّة فهلاّ شرّفتني بالحضور، وأيضاً بإمكانك أن تحضر ما تشاء من الأسئلة وتطرحها على الأخوة وهم يجيبونك بكُلّ رحابة صدر إن شاء الله.

لقد سررت كثيراً بهذا العرض وكأنّ ما أردت من نزولي للنجف والدراسة التي أردت أن أحضرها أتتني على طبق ما أُريد، فرحبت بدعوة (باقر) وشكرته، ثمّ ودّعته على أمل اللقاء في المساء.

وفي المساء كنت على الموعد عند الأخ (باقر) وكان يجتمع معه ثلاثة أشخاص عرفني عليهم وهم الأخ مجتبى والأخ جواد والأخ كاظم.


 

 

 

عبد الله بن سبأ لمصلحة من أُوجد؟

بعد تناول العشاء جلسنا نتبادل الأحاديث ونحن نشرب الشاي، فقال الأخ باقر موجّهاً كلامه للأخ مجتبى والأخ جواد والأخ كاظم: كما أخبرتكم أنّ الأخ حسين من إخواننا السنة، وهو يبحث عن الفرق بين مذهب أهل البيت رضي الله عنهم ومذهب السنة، فقال الأخ جواد: تفضّل يا أخ حسين واطرح ما لديك من استفسارات ونحن بخدمتك .

فقلت لـه: قبل أن أطرح أسئلتي واستفساراتي أتمنّى عليكم أن تكونوا واسعي الصدر معي، فتبسّم الأخ مجتبى وقال: سل ما بدا لك ولا تهتم يا أخي، فقلت لهم: أنتم تدّعون أن عبد الله بن سبأ شخصيّة وهميّة، بينما كتب أهل السنّة وكتب الشيعة تؤكّد أنّها شخصية واقعية! فقال لي الأخ جواد: وما الذي سيغير في الأمر سواء كانت هذه الشخصية حقيقة أو وهمية؟!

فقلت لـه: حسب اطلاعي أنّ الشيعة تنتسب إلى عبد الله بن سبأ، ووجود هذه الشخصية في كتبكم يؤكّد هذه الحقيقة! فتبسّم الأخ جواد وطلب من الأخ باقر أن يأتيه بكتاب رجال الكشي، فجاءه بالكتاب، وأخذ يقرأ لي الرواية وهي: عن أبي عبد الله  قال: «لعن الله عبد الله بن سبأ، إنّه ادّعى الربوبيّة في أمير المؤمنين ، وكان والله أمير المؤمنين عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإنّ قوماً يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم» إختيار معرفة الرجال للكشي:7.

ثُمّ قال الأخ جواد: هذه هي الرواية التي في كتبنا، فكما سمعت الإمام أبي عبد الله  يلعن عبد الله بن سبأ، فكيف يكون الشيعة تبعاً لشخصٍ لعنه أئمتهم؟! ألا تجد أنّ هذا ينافي العقل والمنطق.

فقلت لـه: أوافقك الرأي، ولكن لماذا تدّعون أنّه شخصيّة وهميّة وهو موجود في كتبكم؟!

فقال الأخ جواد: من خلال مراجعتي للتاريخ الإسلامي تبيّن لي أنّ هذه الشخصيّة ذُكرت في موردين: الأول: إنّه ادّعى الألوهيّة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثاني: إنّه كان سبب الفتنة في مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وحينما بحثت في سيرة مقتل عثمان بن عفان لم أجد لـه وجود في أي حدث من أحداث مقتل عثمان، وكُلّ ما وجدته أنّ الفتنة تنسب إليه، ولعمري أنّ هذا الكلام لا يقبله أي عاقل، فإنّ الذين قتلوا عثمان جاءوا من بلدان متفرّقة، من مصر والعراق والمدينة ومن أماكن أُخرى ومن الصعب على شخص بإمكانيات عبد الله بن سبأ أن يجمع بين كُلّ هؤلاء في زمن كانت كُلّ أنواع الاتصالات شبه معدومة، هذا ناهيك أنّ مخابرات الحكّام تراقب كُلّ كبيرة وصغيرة تجري في كُلّ مكان.

ولكن دعني أطرح السؤال التالي: وهو لمصلحة من أوجد عبد الله بن سبأ؟

عندما راجعت المصادر التاريخية الموثّقة وجدت أنّ عبد الله بن سبأ، والروايات التي صوّرته ووضعت حوله كانت لأجل التغطية على أمرٍ عظيم وخطير، وهو ثورة الصحابة على الخليفة عثمان بن عفان، وقيامهم ضده وضد ملك بني أُمية حتّى قتلوه، فعرفت أنّ الصورة التي صوّروا بها عبد الله بن سبأ كانت لأجل إبقاء قتل الصحابة لعثمان بن عفان مسكوتاً عنه ومستوراً.

فقاطعته قائلاً: هل لك أن تؤكّد ما تفضّلت به بأحاديث وروايات صحيحة من كتبنا المعتبرة.

فقال: سأنقل لك الأحاديث التي ذكرت الحادثة على لسان المحدّثين والمؤرّخين:

قال الطبري في تاريخه 4: 367: «عن عبد الرحمن بن يسار أنّه قال: لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب محمّد 0 إلى من بالآفاق منهم، وكانوا قد تفرّقوا في الثغور: إنّكم خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ، تطلبون دين محمّد0، فإنّ دين محمّد قد أفسد من خلفكم وترك، فهلّموا فأقيموا دين محمّد 0، فاقبلوا من كُلّ أُفق حتّى قتلوه».

فالصحابة هم الذي قتلوا عثمان، ودعوا إخوانهم من الصحابة خارج المدينة إلى القدوم والجهاد معهم ضد عثمان بن عفان لأنّه أفسد في الدين كما يقولون.

واقرأ معي هذا النصّ الثاني قال الطبري3: 375: «كتب أصحاب رسول الله 0 بعضهم إلى بعض: أن أقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله 0 يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهى ولا يذبّ إلاّ نفر: زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك وحسّان بن ثابت، فاجتمع الناس وكلّموا عليّ بن أبي طالب فدخل على عثمان فقال: الناس من ورائي، وقد كلموني فيك.. فالله الله في نفسك، فإنّك والله ما تبصر من عمى.. وإنّ الطريق لواضح بيّن.. تعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدى وهدي».

وفي تاريخ ابن عساكر7: 201، وتاريخ الخلفاء:133: «قدم أبو الطفيل الشام يزور ابن أخ لـه من رجال معاوية، فأخبر معاوية بقدومه، فأرسل إليه فأتاه وهو شيخ كبير فلمّا دخل عليه قال لـه معاوية: أنت أبو الطفيل عامر بن واثلة؟

قال: نعم.

قال معاوية: أكنت ممّن قتل عثمان أمير المؤمنين؟

قال: لا، ولكن ممّن شهده فلم ينصره.

قال: ولِمَ؟

قال: لَم ينصره المهاجرون والأنصار».

فأهل المدينة كانوا من الثائرين على عثمان بن عفان، وبعضهم غير مناصر لـه، وبعضهم كتب إلى الأمصار بالقدوم إلى المدينة وأنّ الجهاد فيها.

وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى 67:3: قال: «أشرف عثمان على الذين حاصروه فقال: يا قوم، لا تقتلوني فإنّي والٍ وأخ مسلم.. فلمّا أبوا، قال: اللّهُمَّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً. قال مجاهد: فقتل الله منهم من قتل في الفتنة، وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرون ألفاً، فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون ما شاءوا لمداهنتهم».

فيا أخي حسين، كما ترى أنّ أهل المدينة وعلى رأسهم الصحابة هم الذين خرجوا على عثمان، فأغلبهم لم ينصره، فلهذا أرسل عليهم يزيد بن معاوية من يقتلهم ويسبي نساءهم ويستبيح أعراضهم.

وقال ابن سعد في الطبقات 3 :71: «كان المصريّون الذين حاصروا عثمان ستمائة، رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي, وكنانة بن بشر بن عتاب، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والذين أقاموا من الكوفة مئتين رأسهم مالك الأشتر، والذين قدموا من البصرة مائة رجل رأسهم حكيم بن جبلة العبدي.. وكان أصحاب النبيّ 0 الذين خذلوه كرهوا الفتنة».

وإلى الآن يا أخي حسين، لا وجود لعبد الله بن سبأ في الثورة على عثمان، وإنّما كُلّهم من الصحابة ومن المهاجرين والأنصار.

وأخرج الطبري في تاريخه 3: 402 قال: «كتب عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام:

بسم الله الرحمن الرحيم: أمّا بعد؛ فإنّ أهل المدينة قد كفروا (انظر كَفّرهم)، واخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة، فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كُلّ صعب وذلول، فلمّا جاء معاوية الكتاب تربص به وكره مخالفة أصحاب رسول الله 0، وقد علم اجتماعهم».

فهذه الرواية تفيدنا بأنّ الصحابة في المدينة هم الذين قاموا ضدّ عثمان بن عفان، وأرادوا خلعه من الخلافة.

وقد وصف الخليفة عثمان الصحابة الذين بالمدينة بأنّهم كفروا!! وأنّهم نكثوا البيعة، فلذلك استنجد بمعاوية لأجل مقاتلتهم؛ لأنّهم كفرة بنظره.

والموقف الآخر هو موقف معاوية بن أبي سفيان حيث لم يبعث بجيش إلى نصرة الخليفة عثمان بن عفان، وقد علّل ذلك بأنّه كره مخالفة أصحاب النبيّ 0، فهذا يعني يا أخي حسين، أنّ هناك شبه إجماع من الصحابة على قتل عثمان وخلعه عن الخلافة.

وقال الطبري في تاريخه 411:3 وهو يشير إلى مشاركة طلحة بن عبيد الله في قتل عثمان: «وكان ابن عديس هو وأصحابه هم الذين يحصرون عثمان، فكانوا خمسمائة، فأقاموا على حصاره تسعة وأربعين يوماً.

وسمعنا كلاماً: منهم من يقول: ما تنتظرون به، ومنهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع، فبينا أنا وهو واقفان إذ مرّ طلحة بن عبيد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: ها هوذا، قال: فجاءه ابن عديس، فناجاه بشيء ثمّ رجع إلى ابن عديس فقال: لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج..

قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثمّ قال عثمان: اللهم أكفني طلحة بن عبيد الله فإنّه حمل عليّ هؤلاء وألّبهم، والله إنّي لأرجو أن يكون منها صفراء، وأن يسفك دمه، إنّه انتهك منّي ما لا يحلّ لـه».

وأمّا كيفية قتله :

قال ابن سعد في الطبقات 3: 73: «إنّ محمّد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة.. فتقدّمهم محمّد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال: قد أخزاك الله يا نعثل! فقال عثمان: لست بنعثل ولكن عبد الله وأمير المؤمنين، فقال محمّد: ما أغنى عنك معاوية وفلان.

فقال عثمان: يا بن أخي، دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه، فقال محمّد: ما أُريد منك أشدّ من قبضي على لحيتك.. ثمّ طُعن في جبينه بمشقص في يده، ورفع كنانة بن بشر بن عتاب مشاقص كانت بيده فوجأ بها في أصل أُذن عثمان، فمضت حتّى دخلت في حلقه ثمّ علاه بالسيف حتّى قتله.

قال عبد الرحمن بن عبد العزيز فسمعت ابن أبي عوف يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبه، وضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خرّ لجنبه فقتله.

وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: أما ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهن لله، وأمّا ست فإنّي طعنت إيّاهن لما كان في صدري عليه» وأيضاً رواها الطبري في تاريخه3: 424.

وفي تاريخ ابن عساكر 35: 107: «عبد الرحمن بن عديس البلوي بن عمرو بن كلاب.. أبو محمّد البلوي لـه صحبة، وهو ممّن بايع تحت الشجرة، وكان ممّن سكن مصر وأعان على قتل عثمان رضوان لله عليه، فحبسه معاوية ببعلبك.. فهرب فأدرك بجبل لبنان من أعمال دمشق فقتل».

وقال ابن حجر في الإصابة 4: 281: « عبد الرحمن بن عديس بن عمرو بن كلاب أبو محمّد البلوي.

قال ابن سعد: صحب النبيّ 0 وسمع منه وشهد فتح مصر، وكان فيمن سار إلى عثمان. وقال ابن البرقي والبغوي وغيرهما: كان ممّن بايع تحت الشجرة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لـه صحبة، وكذا قال عبد الغني بن سعيد، وأبو علي بن السكن وابن حبّان. وقال ابن يونس: بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر، واختطّ بها، وكان من الفرسان، ثمّ كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان في الفتنة».

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد 6: 25 قال: « عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو.. من خزاعة صحب النبيّ 0، ونزل الكوفة وشهد مع عليّ رضي الله تعالى عنه مشاهده، وكان فيمن سار إلى عثمان وأعان على قتله، ثمّ قتله عبد الرحمن ابن أمّ الحكم بالجزيرة. أخبرنا محمّد بن عمرو، عن عيسى بن عبد الرحمن، عن الشعبي قال: أوّل رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق».

وقال ابن الأثير في أُسد الغابة 4 :101: «وكان – يعني عمرو بن الحمق – ممّن سار إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا، وصار بعد ذلك من شيعة علي، وشهد معه مشاهده كُلّها: الجمل وصفّين والنهروان، وأعان حجر بن عدي وكان من أصحابه، فخاف زياداً فهرب من العراق إلى الموصل.. أوّل رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق».

فلاحظ يا أخي حسين، أنّ عمرو بن الحمق الخزاعي رغم كونه من قتلة عثمان، بل وهو الذي طعنه تسع طعنات, إلا أنّه كان من قادة جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد معه حروبه كُلّها.

وقال الإمام الذهبي في كتابه الكاشف في معرفة من لـه رواية في كتب الستة 2: 75: «عمرو بن الحمق صحابي.. قتل بالموصل سنة 51 بعثمان». وراجع ترجمته في تهذيب التهذيب لابن حجر 8: 22 والإصابة 4: 515.

وقال الزركلي في الأعلام 5: 76: «عمرو بن الحمق بن كاهل الخزاعي الكعبي صحابي من قتلة عثمان، سكن الشام، ثمّ انتقل إلى الكوفة، ثمّ كان أحد الرؤوس الذين اشتركوا في قتل عثمان».

وفي كتاب الأوائل للطبراني: 107 قال: «عن هنيدة بن خالد الخزاعي، قال: أوّل رأس أُهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحمق أُهدي إلى معاوية، وقال: إسناده حسن رجاله ثقات».

 

 

الصحابة الذين حرّضوا الناس على قتل عثمان

1- الصحابي محمّد بن أبي حذيفة العبشمي :

قال ابن حجر في الإصابة 10:6: «إنّ ابن أبي حذيفة كان يكتب الكتب على ألسنة أزواج النبيّ 0 في الطعن على عثمان، كان يأخذ الرواحل فيحصرها ثمّ يأخذ الرجال الذين يريدون أن يبعث بذلك معهم فيجعلهم على ظهور بيت في الحرّ، فيستقبلون بوجوههم الشمس ليلوحهم تلويح المسافر، ثمّ يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق المدينة، ثمّ يرسلوا رسلاً يخبروا بقدومهم.. فيتلقّاهم ابن أبي حذيفة ومعه الناس، فيقول لهم الرسل: عليكم بالمسجد، فيقرأ عليهم الكتب من أمّهات المؤمنين: إنّا نشكو إليكم يا أهل الإسلام كذا وكذا من الطعن على عثمان، فيضجّ أهل المسجد بالبكاء والدعاء».

2- الصحابي عمرو بن زرارة بن قيس النخعي :

قال ابن حجر في الإصابة 2: 464 : إنّه من الصحابة: «وإنّه كان أوّل خلق الله تعالى خلع عثمان»، وفي 4: 520: «كان أوّل من خلع عثمان رضي الله تعالى عنه ».

3- الصحابي صعصعة بن صوحان :

في تاريخ ابن عساكر 24: 88 «قام صعصة بن صوحان إلى عثمان بن عفان وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين، ملت فمالت أُمّتك! اعتدل يا أمير المؤمنين تعتدل أُمّتك، وتكلّم وأكثر.

فقال عثمان: يا أيّها الناس، إنّ هذا البجباج النفاج ما يدري من الله ولا أين الله!

قال صعصعة: أمّا قولك ما أدري من الله فإنّ الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين، وأمّا قولك: لا أدري أين الله، فإنّ الله لبالمرصاد، ثمّ قرأ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}».

4- الصحابي حكيم بن جبلة:

كان حامل راية أهل البصرة الذين خروجوا على عثمان بن عفان. راجع ابن كثير البداية والنهاية 7: 194.

وقال الزركلي في الأعلام269:2: «حكيم بن جبلة العبدي، من بني عبد القيس: صحابي، كان شريفاً مطاعاً، من أشجع الناس . ولاّه عثمان إمرة السند، ولم يستطع دخولها فعاد إلى البصرة . واشترك في الفتنة أيّام عثمان . ولمّا كان يوم الجمل ( بين علي وعائشة ) أقبل في ثلاث مئة من بني عبد القيس وربيعة، فقاتل مع أصحاب علي ».

5- الصحابي هشام بن الوليد المخزومي:

قال ابن عساكر 43: 451: «قال: لمّا أصاب عمّار بن ياسر الذي أصابه، قال هشام بن الوليد بن المغيرة: لتقتلن به ضخم المنطقة من بني أُميّة قال: كأنّه عثمان بن عفان».

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب 2: 422: «وللحلف والولاء الذي بين بني مخزوم وبين عمّار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب، حتّى انفتق لـه فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان».

6- الصحابي زيد بن صوحان العبدي:

في تاريخ الطبري 3 :386، والبداية والنهاية لابن كثير 7: 194 قالا: «وخرج أهل الكوفة ـ أي على عثمان ـ في عدّتهم أربع رقاق أيضاً وأمراؤهم: زيد بن صوحان..»

7- الصحابي عبد الرحمن بن عوف:

الذي عيّن عثماناً خليفة كان أوّل الناقمين والثائرين عليه.

قال الطبري 4: 365: ونذكر الآن كيف قتل، وما كان بدء ذلك وافتتاحه، ومن كان المبتدئ والمفتتح للجرأة عليه قبل قتله.

قال: «قدمت إبل من الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فأرسل إلى المسور بن مخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن يغوث فأخذاها، فقسّمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار».

8- الصحابي جبلة بن عمروالساعدي الأنصاري:

قال الطبري 4: 365، وابن كثير في البداية والنهاية 7: 197: «مرّ عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره، ومعه جامعة فقال: يا نعثل، والله لأقتلنك، ولاحملنك على قلوص جرباء، ولاخرجنك إلى حرّة النار، ثمّ جاء مرّة أُخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه».

وقال أيضاً: «عن عامر بن سعد، قال: كان أوّل من اجترأ على عثمان بالمنطق السيّء جبلة بن عمرو الساعدي، مرّ به عثمان وهو جالس في ندى قومه، وفي يدي جبلة بن عمرو جامعة، فلمّا مرّ عثمان سلّم فردّ القوم فقال جلبة: لِمَ تردّون على رجل فعل كذا وكذا!

قال: ثمّ أقبل على عثمان فقال: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه.

قال عثمان: أي بطانة؟ فوالله إنّي لأتخيّر الناس!

فقال: مروان تخيّرته! ومعاوية تخيّرته! وعبد الله بن عامر بن كريز تخيّرته! وعبد الله بن سعد تخيّرته! منهم من نزل القرآن بذمّه، وأباح رسول الله 0 دمه».

9- الصحابي عمرو بن العاص:

الذي أخذ يطالب بدم عثمان مع أنّه المحرّض عليه!!

ذكر الطبري في تاريخه 4: 366 قال: «خطب عثمان الناس في بعض أيّامه، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إنّك قد ركبت نهابير (المهالك) وركبنا معك فتب إلى الله».

10- الصحابي جهجاه الغفاري:

قال الطبري في تاريخه 4: 366، وابن كثير في البداية والنهاية 7: 197: «خطب - عثمان- الناس، فقام إليه جهجاه الغفاري فصاح: يا عثمان، ألا إنّ هذه شارف قد جئنا بها، عليها عباءة وجامعة، فانزل فلندرعك العباءة، ولنطرحك في الجامعة، ولنحملك على الشارف، ثمّ نطرحك في جبل الدخان، فقال عثمان: قبّحك الله وقبّح ما جئت به».

وينقل الطبري أيضاً في نفس المصدر أنّ الجهجاه قال لعثمان: «قم يا نعثل، فانزل عن هذا المنبر، وأخذ العصا فكسّرها على ركبته اليمنى».

وفي نقل آخر يقول: «إنّ جهجاهاً الغفاري أخذ عصاً كانت في يد عثمان فكسّرها على ركبته..».

11- الصحابي سعد بن أبي وقّاص:

في تاريخ الطبري 3: 375 «عن أبي جبيه، قال نظرت إلى سعد بن أبي وقّاص يوم قتل عثمان دخل عليه ثمّ خرج من عنده وهو يسترجع ممّا يرى على الباب فقال لـه مروان: الآن تندم! أنت أشعرته (أي شهَّر به وطعن فيه)، فاسمع سعداً يقول: استغفر الله لم أكن أظنّ الناس يجترئون هذه الجرأة ولا يطلبون دمه».

الآن وبعد أن ذكرت لك أسماء الصحابة القائمين ضدّ عثمان، أريد أن أبيّن لك حقيقة تؤكّد ما ذكرته لك، وهو بالرغم من كون عثمان خليفة المسلمين لكن الصحابة بعدما قتلوه منعوا من دفنه في مقابر المسلمين، وأصرّوا على دفنه في مقبرة لليهود تسمّى (حش كوكب).

أين دفن الخليفة عثمان؟

1- قال الطبري في تاريخه 3: 412 «نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن، ثمّ إنّ حكيم بن حزام القرشي ثمّ أحد بن أسد بن عبد العزى، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف كلّما عليّاً في دفنه، وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل وأذن لهم علي، فلمّا سمع بذلك قعدوا لـه بالطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله، وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يقال لـه: (حش كوكب) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم.. فلمّا ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتّى أفضى به إلى البقيع».

2- وفي رواية أُخرى 3: 440 قال محمّد: «لبث عثمان بعدما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه، ثمّ حمله أربعة.. فَلّما وضع ليصلّى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي وأبو حية المازني في عدّة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع، فقال أبو جهم: ادفنوه...

فقالوا: لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبداً.

فدفنوه في حش كوكب، فلمّا ملكت بنو أُميّة أدخلوا ذلك الحش في البقيع فهو اليوم مقبرة بني أميّة».

3- وقال الطبري 3: 414: «لمّا قتل عثمان أرادوا حزّ رأسه، فوقعت عليه نائلة وأُمّ البنين فمنعنهم وصحن وضربن الوجوه.. فقال ابن عديس (وهو صحابي من أصحاب بيعة الرضوان): اتركوه، فأُخرج وأرادوا أن يصلّى عليه.. فأبت الأنصار وأقبل عمير بن ضابئ وعثمان موضوع على باب فنـزا عليه فكسر ضلعاً من أضلاعه وقال: سجنت ضائباً حتّى مات في السجن».

4- وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة أسلم بن بجرة الأنصاري 1: 214 «قال ابن عبد البّر: هو أحد من منع من دفن عثمان بالبقيع».

وقال ابن الأثير في الاستيعاب 1: 75 «أسلم بن أوس بن بجرة بن الحارث بن غياث.. الأنصاري الساعدي، قال هشام الكلبي: هو الذي منعهم من أن يدفنوا عثمان بالبقيع فدفنوه في حش كوكب».

وقال ابن شبه النميري في تاريخ المدينة 1: 112: «عن عروة بن الزبير، قال: منعهم من دفن عثمان بالبقيع أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، قال: فانطلقوا به إلى حش كوكب فصلّى عليه حكم بن حزام، وأدخل بنو أُميّة حش كوكب في البقيع».

5- وفي مجمع الزوائد 9 :95: «عن مالك –يعني ابن أنس – قال: قتل عثمان فأقام مطروحاً على كناسة بني فلان ثلاثاً، وأتاه اثنا عشر رجلاً منهم: جدّي مالك بن أبي عامر، وحويطب بن عبد العزّى، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن الزبير، وعائشة بنت عثمان، معهم مصباح في حُق، فحملوه على باب، وأنّ رأسه تقول على الباب: طق طق حتّى أتوا البقيع، فاختلفوا في الصلاة عليه..

ثمّ أرادوا دفنه، فقام رجل من بني مازن فقال: لئن دفنتموه مع المسلمين لأخبرنّ الناس غداً! فحملوه حتّى أتوا به حش كوكب.. قال: رواه الطبري وقال: الحش البستان ورجاله ثقات» وارجع إلى تهذيب الكمال 19 : 457 وتلخيص الحبير لابن حجر 5:275.

وفي كتاب مقتل عثمان للمدائني: 110: «إنّ طلحة منع من دفنه (يعني عثمان) ثلاثة أيام، وإنّ عليّاً لم يبايع الناس إلاّ بعد قتل عثمان بخمسة أيام، وإنّ حكيم بن حزام وجبير بن مطعم بن الحرث استنجدا بعليّ على دفنه، فأقعد طلحة لهم في الطريق ناساً بالحجارة، فخرج به نفر يسير من أهله، وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يعرف بحش كوكب، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلمّا صار هناك رجم سريره وهمّوا بطرحه، فأرسل عليّ إلى الناس يعزم عليهم ليكفّوا عنه، فكفّوا، فانطلقوا به حتّى دفنوه في حش كوكب».

فكان طلحة بن عبيد ذلك الصحابي المعدود من العشرة المبشّرين بالجنّة يمنع من دفن عثمان، ويقعد الصحابة لرمي الحجارة على حملة عثمان بعد أن توسّط علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك، وأرضاهم بدفنه.

فطلحة كان من قادة الثّوار على عثمان بن عفان، ولأجل ذلك قال الذهبي في طلحة بن عبيد: «الذي كان منه - يعني طلحة- في حقّ عثمان تمغفل وتأليب» سير أعلام النبلاء1: 35.

وقال البلاذري 5: 81 : «عن ابن سيرين لم يكن من أصحاب النبيّ 0 أشدّ على عثمان من طلحة».

وقال ابن كثير في البداية والنهاية 1: 191 وهو يعدّ عمّار بن ياسر من المحرّضين على عثمان: «وكان عمّاراً متعصّباً على عثمان بسبب تأديبه لـه، وضربه إيّاه في ذلك، وذلك بسبب شتمه عبّاس بن عتبة بن أبي لهب، فتآمر عمّار لذلك وجعل يحرّض الناس عليه».

وقال أيضاً: «لا خلاف أنّه دفن بحش كوكب شرقي البقيع, وقد بنى عليه زمان بني أُميّة قبّة عظيمة، وهي باقية إلى اليوم, وقد اعتنى معاوية في أيّام إمارته بقبر عثمان، ورفع الجدار بينه وبين البقيع وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله حتّى اتصلت بمقابر المسلمين».

وقال الطبري في تاريخه 3 :440: «عن أبي عامر، قال: كنت أحد حملة عثمان حين قتل, حملناه على باب وأنّ رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به، وأنّ بنا من الخوف لأمراً عظيماً حتّى واريناه في قبره في حش كوكب».

ومن هذه النصوص الكثيرة نفهم أنّ الصحابة عموماً سواء الذين كانوا في المدينة أو الذين كانوا خارج المدينة قد نقموا على عثمان بن عفان؛ لأجل تصرّفاته كما يذكرها المؤرّخون وكما تقدّم قسم منها، وهو أصرّ عليها ولم يغيّر منها شيئاً، فلذلك نقموا عليه، ووصل الحال بـهم إلى أن يكتبوا إلى الصحابة الذين خرجوا لمحاربة الروم والفرس والدفاع عن حدود الدولة الإسلاميّة ويدعوهم إلى المدينة وإلى أنّ الجهاد صار فيها ضدّ الخليفة عثمان بن عفان؛ لأنّه غيّر السنّة النبويّة كما قالوا، وسلّط بني أُميّة على رقاب المسلمين وفيهم الصحابة الأجلاّء، من البدريين ومن أصحاب بيعة الرضوان، ومن كبار المهاجرين والأنصار، فلذلك نقموا عليه، فجاءوا إلى الخليفة بجيوش جرّارة كالسيل العارم كما يصفها الطبري، وحاصروه لفترة طويلة من الزمن، ومنعوا عنه الأكل والشرب، وبعد ذلك دخلوا عليه وقتلوه وفيهم صحابة بدريين كعبد الرحمن بن عديس البلوي، وفيهم صحابة أجلاّء كعمرو بن الحمق الخزاعي، وطلحة بن عبيد الله، وعمير بن ضابئ، وأوس بن بجرة الساعدي، ومحمّد بن أبي حذيفة العبشمي، وجهجاه الغفاري، وعمرو ابن العاص وغيرهم الكثير.

فيا أخي حسين، هذه النصوص وغيرها الكثير تشهد على أنّ الثورة قام بها الصحابة أنفسهم على عثمان بن عفان، لمّا رأووه بدّل وغيّر سنّة رسول الله 0.

فقضيّة عبد الله بن سبأ تعدّ مهزلة أمام هذه الحقائق فإنّ التاريخ وتراجم الرواة وكتب السير أغلبها تتكلّم عن أنّ الثورة قادها الصحابة ضدّ عثمان بن عفان ولم يقدها أو يحرّض عليها عبد الله بن سبأ، أو حتّى إذا فرضنا أنّه حرّض عليها فهو واحد من الآلاف ـ رغم أنّه ليس لـه أي دور كما ذكرت المصادر ـ الذين نقموا على الخليفة عثمان ضعفه الذي جعله يخالف سنّة رسول الله 0.

والخلاصة التي أريد أن أوصلها لك يا أخي حسين أنّ الذي نستنتجه من البحث عدة أُمور:

1- إنّ الصحابة عموماً سواء من كان في المدينة أو من كان خارجها هم الذين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان.

2- إنّ هناك من الصحابة من كان بدريّاً وشهد بيعة الرضوان كعبد الرحمن بن عديس البلوي والذي قاد جيشاً ضدّ عثمان بن عفان والآخر الصحابي الرضواني جهجاه الغفاري كان من المحرّضين عليه.

3- كذلك في الصحابة بدريّون قاموا بالثورة على عثمان بن عفان كطلحة بن عبيد من العشرة المبشّرين بالجنّة وغيره.

4- إنّ الخليفة عثمان بن عفان كان يخالف السنّة النبويّة وسنّة الشيخين فلذلك قال عنه الصحابة: إنّ الجهاد ضدّه واجب.

5- إنّ الصحابة قتلوا الخليفة عثمان بن عفان وتركوه ثلاثة أيّام يمنعون من دفنه، وكان فيهم جماعة من الأنصار والمهاجرين.

6- إنّهم توسّلوا بعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لمنع الناس حتّى يدفن الخليفة.

7- إنّهم دفنوا الخليفة عثمان سرّاً؛ خوفاً من أن ينبش من شدّة نقمة الصحابة عليه.

8- إنّهم منعوه من أن يدفن في مقابر المسلمين، فلذلك دفنوه في حش كوكب، كانت مقبرة لليهود يدفنون فيها موتاهم، فدفن الخليفة معهم، ولمّا استولى معاوية على الحكم أدخل حش كوكب ضمن البقيع.

9- إنّ معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص من الثائرين على الخليفة عثمان بن عفان، فعمرو بن العاص كان يؤلّب العرب عليه حتّى الذين يسكنون في الجبال ولا يعرفون شيئاً، ومعاوية لم ينصر عثمان عندما طلب منه النصرة، وقال: إنّي أكره أن أُخالف أصحاب محمّد 0 الثائرين عليه.

فقلت لـه: يا أخي باقر، لكن عليّاً رضي الله عنه أرسل ولديه الحسن والحسين رضي الله عنهما للدفاع عن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه؟

فقال جواد: أوّلاً: إنّ هذه الرواية لا تصحّ سنداً، وهذه كتب السنّة أمامك أعطني حديثاً واحداً صحيحاً؟!

ثانياً: إذا كنت تعتقد أنّ عليّاً رضي الله عنه كان من المدافعين عن عثمان، فلماذا لم يعتقد نفس هذا الأمر معاوية وعائشة حيث إنهم اتّهموه بأنّه يأوي قتلة عثمان، وحاربوه في معركتي الجمل وصفّين؟! اللهمّ إلاّ إذا كنت أنت أعلم ممّن كان في ذلك الزمان.

هذا، ناهيك أنّه لم يثبت أنّ أحداً من الصحابة رفع سيفه دفاعاً عن عثمان، بل كان هنالك شبه إجماع على قتل عثمان. ودعني أزيدك من الشعر بيتاً: لقد ثبت أنّ عثمان قد حوصر لمدّة تترواح ما بين عشرين إلى أربعة وأربعين يوماً، فأين كان الصحابة والمسلمون عن خليفتهم؟! فعثمان لم يقتل غدراً، بل حوصر طول هذه المدّة ولم يجد وليّاً ولا نصيراً.

اعلم يا أخي حسين، أنّ ابن سبأ ادخلوه في هذه الفتنة كما يسمّيها الأخوة السنّة رغم أنّه لا يوجد أي دليل على اشتراكه فيها، ولكن خوفاً من انهيار نظرية عدالة الصحابة عند الأخوة السنّة الصقوا التهمة بشخصيّة عبد الله بن سبأ سواء كانت حقيقيّة أم وهميّة, هذا ناهيك عن اعتراف بعض علماء السنّة أنّه شخصيّة وهميّة لا وجود لها.

فأنت مثلاً تترضّى على كُلّ الصحابة، فهل تستطيع أن تقول: رضي الله عن عمرو بن الحمق الخزاعي وعن عبد الرحمن بن عديس البلوي اللذان شاركا في قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه؟!

هنا شعرت بالحرج الشديد أمام هذه المفارقة الكبيرة وتّهربت من الجواب بسؤاله: مَن مِن أهل السنّة قالوا: إنّه شخصيّة وهميّة؟

تبسّم جواد وكأنّه يريد أن يخبرني أنّه يعلم بالحرج الذي وقعت فيه وقال وهو يتناول كتاباً كان بجانبه :

قال الدكتور الأستاذ سهيل زكار محـقّق كتاب « المنتظم لابن الجوزي» في المجلّد الثالث من المنتظم هامش : 302 : «المرجّح أنّ ابن سبأ لم يوجد بالمرّة، بل هو شخصيّة مخترعة».

وقال الدكتور عبد العزيز الهلابي الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض في كتاب عبد الله بن سبأ : 71 : « الذي نخلص إليه في بحثنا هذا أنّ ابن سبأ شخصيّة وهميّة لم يكن لها وجود فإن وجد شخص بهذا الاسم فمن المؤكّد أنّه لم يقم بالدور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفرق، لا من الناحية السياسيّة ولا من ناحية العقيدة ».

وقال الكاتب أحمد عبّاس صالح في كتاب اليمين واليسار في الإسلام : 95 : «وهنا يتردّد اسم عبد الله بن سبأ، وهو شخص كان يهوديّاً وأسلم، تصوّره كتب التاريخ على أنّه كان الشيطان وراء الفتنة التي قتل فيها عثمان، بل وراء الأحداث جميعاً ... وقد وقف منه الكتّاب مواقف متعارضة فمنهم من ينكر وجوده أصلاً، ومنهم من يعتبره أساس كُلّ ما جرى، بل أساس ما دخل في الإسلام من مذاهب غريبة منحرفة.

وعبد الله بن سبأ شخص خرافي بغير شكّ، فأين هو من هذه الأحداث جميعاً ؟ وأين هو من الصراعات الناشئة في هذا العالم الكبير المتعدّد ..؟ وماذا يستطيع شخص مهما تكن قيمته أن يلعب بمفرده بين هذه التيّارات المتطاحنة؟

إنّ الأحداث السريعة العنيفة المتلاحقة لم تكن في حاجة إلى شخص ما حتّى ولو كان الشيطان نفسه، لأنّ أصولها بعيدة الغور، وقوّة اندفاعها لا قبل لأحد بالسيطرة عليها أو توجيهها، فضلاً عن تشابكها وتعدّدها بما لا يدع لأيّ قوّة أن تزيدها تعقيداً.

وساذج بغير شكّ التفكير الذي يتّجه إلى خلق شخصيّة خرافيّة كهذه ليعطيها أيّ أثر فيما حدث من أحداث، وأكثر سذاجة منه من يظنّ لهذا الرجل تأثيراً ما على كبار الصحابة، ومنهم أبو ذر الغفاري نفسه الذي لم يقـبل مناقشة من أبي هريـرة المحدّث المعروف، وضربه فشجّه قائلاً في ازدراء : «أتعلّمنا ديننا يابن اليهوديّة»، إنّما كُلّ ما حيك من قصص حول عبد الله بن سبأ هو من وضع المتأخّرين، فلا دليل على وجوده في المراجع القديمة فضلاً عن سخافة التفكير في احتمال وجوده أصلاً».

وهناك غيرهم ممّن شككّ في وجود هذه الشخصيّة كالباحث السلفي الشيخ حسن فرحان المالكي في كتابه نحو انقاذ التاريخ الإسلامي.


 

 

بين التوحيد والتجزيئ ( التجسيم )

أردت أن أغيّر الموضوع؛ لأنّي شعرت أنّ الموضوع لن يفيدني بشيء فقلت لـه: يا أخي جواد، لنترك عبد الله بن سبأ وندخل في أهمّ أصل عند المسلمين وهو التوحيد ودعني أسالك عن الفرق بين التوحيد عند الشيعة والسنّة؟

هنا تكلّم الأخ كاظم قائلاً: بعد إذن أخي جواد لو سمحت لي يا أخي حسين أن أدخل معك في هذا الموضوع , فاجبناه بكُلّ سرور تفضّل يا أخي .

قال الأخ كاظم: إنّ المسلمين شيعة وسنّة يعبدون إلاها واحداً لا يشركون به أحداً، وقد خالف في ذلك بعض المجسّمة من السلفيّة (الحنابلة) الذين جعلوا الله جسماً والعياذ بالله، وحينما نقرأ آيات القرآن الكريم ونمّر بأيّ صفة من صفات الله عزّ وجلّ فإنّنا نفهم منها الدلالة على قدرة الله سبحانه وتعالى، وقد اتّفق على ذلك الشيعة وقسم من السنّة إلاّ من شذّ من السلفيين (الحنابلة) .

وإليك بعض النماذج من تلك الروايات التي تأثّروا بها فوصفوا الله سبحانه وتعالى على طبقها:

1 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى على صورة شاب أمرد:

في طبقات الحنابلة 2 :45 عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله 0: «رأيت ربّي عزّ وجلّ شابّ أمرد جعد قطط عليه حلّة حمراء»([1])، وقد آمن بهذا الحديث كبار علماء السنّة ومنهم:

1- الإمام أحمد بن حنبل (الذي ينتسب إليه الحنابلة) كما في إبطال التأويلات 1: 145 حيث قال: «هذا الحديث رواه الكبّر، عن الكبّر، عن الكبّر، عن الصحابة عن النبيّ 0، فمن شكّ في ذلك أو في شيء منه فهو جهمي لا تقبل شهادته، ولا يسلّم عليه، ولا يعاد في مرضه».

2- الإمام أبو زرعة الدمشقي والإمام الدارقطني كما في إبطال التأويلات 1: 141: قال أبو يعلى الفراء: «وقد صحّحه أبو زرعة الدمشقي»، ونقل عن الدارقطني: «كُلّ هؤلاء الرجال معروفون لهم أنساب قويّة بالمدينة».

3- الإمام أبو الحسن بن بشار كما في إبطال التأويلات 1: 142 لمّا سئل عن الحديث، قال: «صحيح، فعارضه رجل فقال: هذه الأحاديث لا تذكر في مثل هذا الوقت؟ فقال لـه الشيخ: فيدرس الإسلام».

4- الإمام الطبراني كما في إبطال التأويلات 1: 143 قال أبو يعلى: «وأُبلغت أنّ الطبراني، قال: حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عبّاس عن النبيّ 0 في الرؤية صحيح».

5- أبو يعلى الفراء الحنبلي كما في إبطال التأويلات 1: 148 قال: «هذا الحديث صحيح»، وقال: «تلقّتها الأُمّة بالقبول، منهم من حملها على ظاهرها، وهم أصحاب الحديث.. وإذا تُلقّيت بالقبول اقتضت العلم من طريق الاستدلال».

6- أبو إسحاق الحنبلي كما في طبقات الحنابلة 2: 134، فقد نقل أبو يعلى أنّه صحّح الحديث وقبله وقال: «هذه الأحاديث تلقّاها العلماء بالقبول، فليس لأحد أن يمنعها ولا يتأوّلها..».

7- ابن حامد الحنبلي: قال أبو بكر الحصني الدمشقي في كتابه دفع شبه من شبّه وتمرّد : 12 «ومن أعظم فرية ممّن شبّه الله عزّ وجلّ بأمرد وعروس، وكان بعض الحنابلة يتوجّع ويقول: ليت ابن حامد هذا ومن ضاهاه لم ينسبوا إلى أنّهم من أتباع الإمام أحمد».

2 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى يستلقي:

قال أبو يعلى الفراء في إبطال التأويلات 1: 188 عن عبيد بن حنين قال: «بينما أنا جالس في المسجد إذ جاء قتادة بن النعمان فجلس يتحدّث وثاب إليه ناس، حتّى دخلنا على أبي سعيد فوجدناه مستلقياً رافعاً رجله اليمنى على اليسرى فسلّمنا عليه وجلسنا، فرفع قتادة يده إلى رجل أبي سعيد فقرصهما قرصة شديدة، فقال أبو سعيد: سبحان الله أخي أوجعتني؟! قال: ذاك أردت أنّ رسول الله 0 قال: إنّ الله لما قضى خلقه استلقى، ثمّ رفع إحدى رجليه على الأُخرى.

وقال بعده: إسناده كلّهم ثقات»([2]).

وقد آمن بهذه الحديث علماء الحنابلة:

1- أبو يعلى الفراء الحنبلي كما في إبطال التأويلات 189:1، فقد قال: «اعلم أنّ هذا الخبر يفيد أشياء منها: جواز اطلاق الاستلقاء عليه لا على وجه الاستراحة، بل على صفة لا نعقل معناها، إذ ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته.. بل نطلق ذلك كما أطلقنا صفة الوجه واليدين وخلق آدم بها، والاستواء..»

2- الإمام أبو محمّد الخلال كما في إبطال التأويلات 1: 188، قال: «هذا حديث إسناده كُلّهم ثقات، وهم مع ثقتهم شرط الصحيحين».

3- الإمام عبد المغيث الحنبلي كما في سير أعلام النبلاء 21: 160، قال الإمام الذهبي: «وصحّح حديث الاستلقاء..».

3 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى يجلس على الكرسي والسرير:

قال الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد: 198: « عن عبد الله بن أبي سلمة أنّ عبد الله بن عمر بن الخطّاب بعث إلى عبد الله بن العبّاس يسأله: هل رأى محمّد 0 ربّه؟ فأرسل إليه عبد الله بن العبّاس: أن نعم، فردّ عليه عبد الله بن عمر رسوله: أن كيف رآه؟ قال: فأرسل أنّه رآه في روضة خضراء، دونه فراش من ذهب، على كرسي من ذهب، يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، وملك في صورة أسد»([3]).

وقد صحّح الحديث وقَبِلهُ:

1- الإمام ابن خزيمة نفسه؛ لأنّه صرّح بأنّ كُلّ ما ينقله صحيح. كتاب التوحيد: 5.

2- ابن القيّم الجوزيّة كما في اجتماع الجيوش الإسلاميّة: 69، حيث قال: «في مسند الإمام أحمد من حديث ابن عبّاس: فأتي ربّي عزّ وجلّ فأجده على كرسيّه أو سريره جالساً».

4 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى لـه صورة كصورة الإنسان:

روى مسلم في صحيحه 32:8، عن النبيّ 0 أنّه قال: «إنّ الله خلق آدم على صورته»، وفي حديث آخر: «على صورة الرحمن» مجمع الزوائد 8: 106، فتح الباري 5: 133.

وآمنوا بأنّ لله صورة تشبه صورة الإنسان، وهذه كلماتهم:

1- قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: 215: «والذي عندي والله تعالى أعلم أنّ الصورة ليست بأعجب من اليدين والاصابع والعين..».

2- الإمام أحمد بن حنبل كما في نفح الطيب 190:5 عن التلمساني، قال: «بلغ أحمد أنّ أبا ثور قال في الحديث: « خلق آدم على صورته» أنّ الضمير لآدم، فهجره، فأتاه أبو ثور، فقال أحمد: أي صورة كانت لآدم يخلقه عليها؟ كيف تصنع بقوله: «خلق الله آدم على صورة الرحمن»؟ فاعتذر إليه وتاب بين يديه».

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 1: 600: «سمعت عبد الله بن أحمد يقول: قال رجل لأبي: إنّ فلاناً يقول في حديث رسول الله 0: «إنّ الله خلق آدم على صورته» فقال: على صورة الرجل، فقال أبي: كذب، هذا قول الجهميّة، وأيّ فائدة في هذا».

3- ابن القيّم الجوزيّة كما في إجتماع الجيوش الإسلاميّة :127، قال: «وحديث خلق الله آدم على صورته، وقوله: لا تقبّحوا الوجه فإنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن..».

4- الإمام ابن تيميّة كما في دقائق التفسير 3: 170، قال: «إنّ حديث خلق آدم على صورته أو على صورة الرحمن قد رواه هؤلاء الأئمّة، رواه الليث بن سعد... ورواه سفيان بن عينية».

5- إسحاق بن راهويه كما في إبطال التأويلات 80:1 قال: «قد صحّ أنّ رسول الله 0 أنّه قال: إنّ آدم خُلق على صورة الرحمن، وعلينا أن ننطق به».

6- الإمام الآجري كما في كتاب الشريعة: 314، بعد نقله لحديث خلق الله آدم على صورة الرحمن قال:«هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها، ولا يقال: كيف؟ ولِمَ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق وترك النظر».

7- الإمام عبد الوهّاب بن الحكم الحنبلي كما في طبقات الحنابلة 1 :210، قال: «من لم يقل إنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن فهو جهمي».

والجهمي يا أخي حسي،ن عندهم كافر, لا يسلّم عليه, ولا يصلّى عليه, ولا يناكح, ولا يدفن في مقابر المسلمين .

8- الإمام إبراهيم الحنبلي، طبقات الحنابلة 2 :130، قال: « خلق آدم على صورته، لا يتأوّل لآدم على صورة آدم؛ لما قال أحمد: وأيّ صورة كانت لآدم قبل خلقه؟ فقد فسد تأويلك من هذا الوجه، وفسر أيضاً بقول ابن عمر عن النبيّ 0: إنّ الله خلق آدم على صورة الرحمن».

5 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى يجلس على العرش:

وفي تاريخ بغداد 3: 232، عن مجاهد قال: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} الإسراء 79، قال: «يقعده معه على العرش».

وقد آمن علماء الحنابلة بهذا الحديث:

1- قال أبو بكر الخلال في كتاب السنّة:231: «وإنّ هذا الحديث (يعني حديث القعود) لا ينكره إلاّ مبتدع جهمي، فنحن نسأل الله العافية من بدعته وضلاله».

2- وقال ابن القيّم الجوزيّة في بدائع الفوائد 4 :840: «صنّف المروزي كتاباً في فضيلة النبيّ 0 وذكر فيه إقعاده على العرش، قال القاضي: وهو قول أبي داود، وأحمد بن أجرم، ويحيى بن أبي طالب، وأبي بكر بن حمّاد، وأبي جعفر الدمشقي، وعيّاش الدوري، وإسحاق بن راهويه، وعبد الوهّاب الورّاق، وإبراهيم الاسبهاني، وإبراهيم الحربي، وهارون بن معروف، ومحمّد بن إسماعيل السملي، ومحمّد بن مصعب العابدي، وأبي بكر بن صدقة، ومحمّد بن بشير بن شريك، وأبي قلابة».

3- الإمام أحمد بن حنبل، قال أبو يعلى الفراء في إبطال التأويلات2 :480: «عن ابن عمير: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث مجاهد يقعد محمّداً على العرش؟ فقال: تلقّته العلماء بالقبول».

4- الإمام ابن تيميّة، مجموع الفتاوى الكبرى 4: 374، قال: «حديث العلماء المرضيّون وأولياؤه المقبولون أنّ محمّداً رسول الله 0 يجلسه ربّه على العرش معه.. ولا يقول أحد: إنّ إجلاسه على العرش منكر! وإنّما أنكره بعض الجهميّة..».

5- إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي، قال أبو بكر الخلال في كتاب السنّة 237:1: «وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي: ومن ردّ حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله 0، ومن ردّ فضيلة الرسول فهو عندنا كافر مرتّد عن الإسلام».

انظر يا أخ حسين، فقد كفّروا من أنكر هذه الصفة التي تصوّر الله سبحانه وتعالى بأنّه شخص يجلس على كرسي ويجلس معه محمّد 0 إلى جانبه!

6- وعن علي بن داود القنطري كما في كتاب السنّة 1: 234 قال: «ولا يردّ حديث محمّد بن فضيل عن ليث عن مجاهد: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} قال: يقعده معه على العرش إلاّ جهمي، يُهجر ولا يكلّم، ويحذّر عنه وعن كُلّ من ردّ هذه الفضيلة، وأنا أشهد على هذا الترمذي أنّه جهمي خبيث..».

يعني كما ترى فقد كفّروا الإمام الترمذي صاحب السنن الكبرى وغيرها وهو من أئمّة الحديث؛ لكونه أنكر هذا الحديث فوصفوه بالجهمي والخروج عن الدين!!

7- وقال الإمام أبو داود السجستاني كما في كتاب السنّة 1: 235: «أرى أن يجانب كُلّ من ردّ حديث ليث عن مجاهد: يقعده على العرش، ويحذّر عنه حتّى يراجع الحقّ».

6 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى يجلس على عرشه ولـه أطيطٌ:

روى أبو داود في سننه، سنن أبي داود 4: 232، عن جبير بن مطعم، قال: «أتى رسول الله 0 أعرابي فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنّا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك. قال رسول الله 0: ويحكم أتدري ما تقول! وسبح رسول الله 0 فما زال يسبّح حتّى عرف بذلك في وجوه أصحابه ثمّ قال: ويحك، إنّه لا نستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله؟! إنّ عرشه على سماواته هكذا، وقال بأصابعه مثل القبّة عليه، وإنّه ليئطّ به أطيط الرحل بالراكب»([4]).

وأخرج عبد الله بن أحمد في كتاب السنّة: 301، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر رضي الله عنه، قال: «إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع لـه أطيط كأطيط الرحل الجديد».

وأخرج الطبراني في المعجم الكبير 8: 246، عن أبي أمامة، عن النبيّ 0 قال: «سلوا الله الفردوس، فإنّها سرّة الجنّة، وإنّ أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش».

وأخرج الطبري في تفسيره 10:3 لقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} عن عبد الله بن خليفة، قال: «أتت امرأة النبيّ 0 فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنّة، فعظّم الربّ تعالى ذكره، ثمّ قال: إنّ كرسيّه وسع السموات والأرض، وإنّه يقعد عليه، فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثمّ قال بأصابعه فجمعها، وإنّ لـه أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله».

7 ـ إنّ الله سبحانه يظهر بعضه لأهل الأرض:

قال عبد الله بن أحمد في كتاب السنّة: 470: «حدّثنا الأوزاعي عن عكرمة، قال: إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن يخوّف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض، فعند ذلك تزلزل، وإذا أراد أن تدمدم على قوم تجلّى لها».

وقال ابن تيميّة في مجموع الفتاوى الكبرى 5: 87: «فهذا اللفظ ـ يعني لفظ البعض ـ قد نطق به أئمّة الصحابة والتابعين وتابعيهم، ذاكرين وآثرين، قال أبو القاسم الطبراني في كتاب السنّة: حدّثنا حفص بن عمرو، حدّثنا عمرو بن عثمان الكلابي، حدّثنا موسى بن أعين، عن الأوزاعي، عن يحيى بن كثير، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: إذا أراد الله أن يخوّف عباده أبدى عن بعضه للأرض فعند ذلك تزلزلت، وإذا أراد أن يدمدم على قوم تجلّى لها عزّ وجلّ».

8  ـ إنّ الله عزّ وجلّ لـه وجه وعينان ويدان:

يعتقد الحنابلة بأنّ الله سبحانه وتعالى لـه وجه وعينان ويدان على نحو الحقيقة، وأنّه متّصف بها، وإليك كلماتهم يا أخي حسين:

1- قال الإمام أبو الحسن الأشعري في الإبانة عن أصول الديانة: 20-22: «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسّك بكتاب الله ربّنا عزّ وجلّ وبسنّة نبيّنا محمّد0، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمّة الحديث، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن حنبل نضّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون.. فإنّ لـه سبحانه وجهاً بلا كيف كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}».

2- وقال أبو بكر الخلال كما في العقيدة لأحمد بن حنبل برواية الخلال: 104: «ومذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنّ لله عزّ وجلّ وجهاً لا كالصورة والأعيان المخطّطة، بل وجه وَصَفَه بقوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، ومن غيّر معناه فقد ألحد، وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز.. ومن غيّر معناه فقد كفر.. وكان يقول: إنّ لله تعالى يدين، وهما صفة في ذاته..».

3- وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطيّة 255-271: «والوجه معناه معلوم، لكن كيفيّته مجهولة.. لكنّنا نؤمن بأنّ لـه وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام.. وهذا الوجه وجه عظيم..

وأجمع السلف على أنّ لله يدين اثنين فقط بدون زيادة..وأنّ لله تعالى عينين اثنين فقط..»

انظر لهذا الخلط يا أخي حسين، فنحن نفهم من معنى الوجه الذات وليس كما فهم المجسّمة أنّ لله وجهاً وإلاّ فإنّ قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}(القصص 88) يلزم منه على تفسيرهم أن تفنـى كُلّ الصفات ويبقى الوجه فقط!

4- وقال ابن تيميّة في مجموع الفتاوى الكبرى 4: 174: «إثبات جنس هذه الصفات قد اتّفق عليه سلف الأُمّة، وأئمّتها من أهل الفقه والحديث والتصوّف والمعرفة وأئمّة أهل الكلام من الكلابيّة والكراميّة والأشعريّة, كُلّ هؤلاء يثبتون لله صفة الوجه واليد ونحو ذلك, وقد ذكر الأشعري في كتاب المقالات أنّ هذا مذهب أهل الحديث، وقال: إنّه به يقول، فقال: في جملة مقالة أهل السنّة وأصحاب الحديث الإقرار بكذا وكذا، وأنّ الله على عرشه استوى، وأنّ لـه يدين بلا كيف كما قال: {خلقت بيدي}، وكما قال: {بل يداه مبسوطتان}، وأنّ لـه عينين بلا كيف كما قال: {تجري بأعيننا}، وأنّ لـه وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}».

اعلم يا أخي حسين، أنّ الموحّدين من الإماميّة وبعض السنّة يفسّرون معنى {خَلَقْتُ بيدَي} أيّ خلقت بقدرتي، واليد هنا تعبير مجازي عن القدرة, وأمّا قوله تعالى : {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أيّ نعمته مبسوطة, وأمّا قوله {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} يعني تجري بعلمنا، وهذا الكلام يجري على كُلّ الصفات التي يظهر منها تشبيه الله عزّ وجلّ.

5- وقال الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد: 42 – 53، في باب إثبات العين: «فواجب على كُلّ مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما أثبت لنفسه من العين، وغير مؤمن من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد يثبته في محكم تنزيله»، وقال في باب إثبات اليد: «باب ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جلّ وعلا والبيان أنّ الله تعالى لـه يدان كما أعلمنا في محكم تنزيله أنّه خلق آدم بيديه».

9 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى لـه أصابع:

أخرج الترمذي في سننه 5: 368 عن معاذ بن جبل قال: «أبطأ رسول الله 0 ذات غداة عن صلاة الصبح، حتّى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فثوّب في صلاته، فلمّا سلّم دعا بصوته، قال لنا: على مصافكم كما أنتم، ثمّ انفتل إلينا ثمّ قال: أما إنّي سأحدّثكم ما حبسني عنكم الغداة، إنّي قمت من الليل، فتوضّأت وصلّيت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتّى استثقلت، فإذا أنا بربّي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمّد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثاً. قال: فرأيته وضع كفّه بين كتفي حتّى وجدت برد أنامله بين ثديي..».

وفي صحيح مسلم 4: 2147، عن ابن مسعود، قال: «جاء حبر إلى النبيّ 0 فقال: يا محمّد أو يا أبا القاسم، إنّ الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع ظاهراً، والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثمّ يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الملك، فضحك رسول الله 0 تعجّباً ممّا قال الحبر تصديقاً لـه، ثمّ قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنّة: 525، عن يروى بن مالك، عن رسول الله 0: «إنّه قرأ هذه الآية {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا} قال: تجلّى بسط كفّه ووضع إبهامه على خنصره».

وقد آمن علماء الحنابلة بهذا الحديث وهذه كلماتهم:

1- الكرمي الحنبلي كما في أقاويل الثقات: 159، قال: «وذكر الأصابع لم يوجد في شيء من الكتاب والسنّة المقطوع بصحّتها، واعترض بأنّ ذلك ثابت في صحيح السنّة، لكن الواجب في هذا أن تمرّ كما جاءت، ولا يقال فيها: إنّ معناها النعم».

2- ابن البنا الحنبلي كما في المختار في أصول السنّة: 142، قال: «ولا يجوز أن يكون الإصبع هاهنا النعمة، ولا تقول إصبع كإصبعنا، ولا يد كأيدينا، ولا قبضة كقبضاتنا..».

3- أبو يعلى الفراء الحنبلي كما في إبطال التأويلات316:2، أثبت الأصابع لله سبحانه وتعالى وقال: «إعلم أنّه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الأصابع والسبابة والتي تليها على ما روي في حديث جابر، إذ ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته».

4- محمّد السفاريني الحنبلي كما في لوامع الأنوار 1: 236، قال: «أمّا قول الخطّابي: ذكر الأصابع لم يوجد في شيء من الكتاب والسنّة المقطوع بصحّتها، فهو عجيب منه، بل هو ثابت في صحيح السنّة المقطوع بصحّتها».

10 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى له ذراعان وصدر:

أخرج عبد الله بن أحمد كما في إبطال التأويلات 1: 221، عن عبد الله بن عمر، قال: «خلق الله عزّ وجلّ الملائكة من نور الذراعين والصدر».

وقال أبو يعلى الحنبلي كما في إبطال التأويلات 1: 222: «إعلم أنّ الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما: في إثبات الذراعين والصدر، والثاني: في خلق الملائكة من نوره. أمّا الفصل الأوّل فإنّه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الذراعين والصدر؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته ولا يخرجها عمّا تستحقّه؛ لأنّا لا نثبت ذارعين وصدراً هي جوارح وأبعاض، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا اليدين والوجه والعين والسمع والبصر، وإن لم نعقل معناه».

11 ـ إنّ الله عزّ وجلّ له لهوات:

قال أبو يعلى الفراء الحنبلي كما في إبطال التأويلات 1: 214: «وذكر أبو الحسن الدارقطني في الصفات عن أبي بكر النيسابوري..، عن الزبير أنّه سمع جابر سئل عن الورود، فذكر الحديث وقال فيه: فيقول الله عزّ وجلّ: أنا ربّكم، فيقولون: حتّى ننظر إليك، فيتجلّى لهم يضحك، قال: سمعت رسول الله 0 يقول: حتّى تبدو لهواته وأضراسه».

12 ـ إنّ الله سبحانه وتعالى يُرى يوم القيامة:

في صحيح البخاري 205:7، عن أبي هريرة، قال: « قال أناس: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول الله , قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول الله, قال: فإنّكم ترونه يوم القيامة كذلك, يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه, فيتبع من كان يعبد الشمس, ويتبع من كان يعبد القمر, ويتبع من كان يعبد الطواغيت, وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها, فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربّكم, فيقولون: نعوذ بالله منك, هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا, فإذا أتانا عرفناه, فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون, فيقول: أنا ربّكم, فيقولون: أنت ربّنا فيتبعون».

أقوال علماء السنّة في الرؤيا:

1- قال الطبري في صريح السنّة: 20: «وأمّا الصواب من القول في رؤية المؤمنين ربّهم عزّ وجلّ يوم القيامة, وهو ديننا الذي ندين الله به وأدركنا عليه أهل السنّة والجماعة فهو أنّ أهل الجنّة يرونه على ما صحّت به الأخبار عن رسول الله 0».

2- وقال ابن بطال المالكي كما في فتح الباري 426:13 : «ذهب أهل السنّة وجمهور الأُمّة إلى جواز رؤية الله في الآخرة, ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة».

3- قال النووي في شرحه لصحيح مسلم 15:3 : «اعلم أنّ مذهب أهل السنّة بأجمعهم أنّ رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة, وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة, وأنّ المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين, وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أنّ الله تعالى لا يراه أحد من خلقه, وأنّ رؤيته مستحيلة عقلاً, وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح, وقد تظاهرت أدلّة الكتاب والسنّة وإجماع الصحابة فمن بعدهم سلف الأمّة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين».

4- وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 167:2 : «وأمّا رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقّن تواترت به النصوص, جمع أحاديثها الدار قطني والبيهقي وغيرهما».

5- وقال ابن تيميّة في مجموع الفتاوى الكبرى 486:6 : «والذي عليه جمهور السلف أنّ من جحد رؤية الله في الدار الآخرة فهوكافر, فإن كان ممّن لم يبلغه العلم في ذلك عرف ذلك كما يعرف من لم تبلغه شرائع الإسلام, فإن أصرّ على الجحود بعد بلوغ العلم لـه فهوكافر, والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة, قد دوّن العلماء فيها كتباً مثل كتاب الرؤيا للدارقطني ولأبي نعيم وللآجري».

كما ترى يا أخي حسين، فقد اختلف السنّة في موضوع تأويل الصفات فمنهم من جسّم الله والعياذ بالله ومنهم من ذهب إلى التأويل، ولكنّهم أطبقوا جميعاً على أنّ الله يُرى يوم القيامة وذلك استناداً لقوله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}القيامة: 23.

وأمّا الشيعة الإماميّة فقد بيّنوا أنّه لا يمكن أن نراه بأعيننا وذلك لقوله تعالى : {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} سورة الأنعام: 103، فالله سبحانه وتعالى نفى إدراك الأبصار لـه بما يشمل من الرؤيا وغيرها, وأمّا ما نفهمه من قوله (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فيعني ناظرة أومتطلّعة إلى رحمته .

بعد هذا لا يسعني يا أخي حسين، إلاّ أن أطرح على هؤلاء المجسّمه بعض الأسئلة التي تدور في خلدي وهي :

1- يقولون: إن الله فوق العرش، ويقولون: إنّه ينزل إلى السماء الدنيا، فالسؤال : هل إذا نزل الله سبحانه يبقى الله فوق العرش أم يصبح العرش فوقه؟! وهل ستخلو السماء منه أم لا؟

2- يقولون: بأنّه لا يصحّ تأويل الصفات, بل يجب حملها على ظاهرها, ومن يؤوّلها فهو مبتدع, والسؤال : ماذا يقولون في قولـه تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} العنكبوت: 88، فهل تهلك يده ورجله وباقي الصفات ويبقى منه وجهه فقط, أم يؤوّلونها على معنى الذات ؟!

3- يقولون: بأنّه لا يوجد مجاز في القرآن, فكيف يفسّرون قوله تعالى : {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} فصّلت: 42، والسؤال : أين يدي القرآن الكريم؟!

نظرت إلى ساعتي فرأيت أنّ الوقت قد تأخّر, فاستأذنتهم في الذهاب على أن نلتقي في وقت آخر يحدّده الأخ باقر.

 

الطعن بالنبيّ محمّد

وفي اليوم التالي التقينا مجدّداً في بيت الأخ باقر, وابتدأت بالحوار قائلاً: كنت قد قرأت رواية في كتبكم تطعن بالنبيّ 0, فقال الأخ باقر مستغرباً: وما هذه الرواية التي قرأتها يا أخي حسين؟

فذكرت لـه رواية موجودة في بحار الأنوار كنت قد ذكرتها في الجزء الأوّل من كتابي لله ثمّ للتاريخ في صفحة 21, والتي مفادها أنّ النبيّ 0 كان نائماً بين علي وعائشة تحت لحاف واحد.

فتغيّر وجه الأخ جواد مستنكراً لهذا القول، ثمّ توجّه إلى مكتبته وجاء وفي يده كتاب, ثمّ قال : أوّلاً: يا أخي حسين، يجب أن نتقي الله عزّ وجلّ في رسوله الكريم، ولا يجب أن نتقبّل أي كلام من هذا القبيل حتّى وإن روي في كتب الشيعة أو السنّة, فالله عزّ وجلّ وصف نبيّه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم:4، فهذه الآيه تكفي لردّ أيّ حديث يطعن بالنبيّ 0.

ثانياً : وبعد مراجعتي للحديث تبيّن لي أنّه حديث مرسل لا يصحّ أبداً.

ثالثاً : هل تعلم يا أخي حسين، أنّ مصادر الأخوة السنّة قد ذكرت نفس الحديث بأسانيد صحيحة ومعتبرة!

النبيّ 0 وعائشة والزبير تحت لحاف واحد:

أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين 410:3، عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال : «أرسلني رسول الله 0 في غداة باردة, فأتيته وهو مع بعض نسائه في لحافه, فأدخلني في اللحاف فصرنا ثلاثة » قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي، وقد روى مثله الهيثمي في مجمع الزوائد 152:9 والبزّار في مسنده 183:3.

هنا تكلّم الأخ مجتبى قائلاً: اعلم يا أخي حسين، أنّ الشيعة لا يمكن أن يقبلوا بأيّ حديث يطعن بشخص النبيّ وآله الكرام صلوات ربّي وسلامه عليهم, أو حتّى أيّ نبيّ من أنبياء الله عزّ وجلّ, ولكن هل تعلم يا أخي، أنّ البخاري ومسلم وغيرهما قد ذكروا أحاديث صحيحة – وللأسف - تطعن بشخص الرسول 0, بل ويردّدها إخواننا السنّة بالرغم من ذلك, مع العلم أنّ أعداء الإسلام استفادوا من هذه الروايات للطعن بالنبيّ 0 وبالإسلام.

فقلت له: على رسلك يا أخ مجتبى، فنحن لا نقلّ عنكم تعظيماً للنبيّ 0.

فقال مجتبى : إذن دعني أذكر لك بعض تلك الروايات وأنت احكم :

النبيّ 0 كاشف عن فخذيه أمام أصحابه بحضور عائشة!!

1- في صحيح مسلم 117:7، عن ‏عائشة، ‏ ‏قالت:‏ «كان رسول الله ‏0 ‏‏مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه ‏ ‏أو ساقيه, ‏فاستأذن ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏فأذن لـه وهو على تلك الحال فتحدّث, ثمّ استأذن ‏ ‏عمر‏ ‏فأذن لـه وهو كذلك فتحدّث, ثمّ استأذن ‏ ‏عثمان ‏ ‏فجلس رسول الله‏‏0 ‏وسوّى ثيابه. ‏قال‏ ‏محمّد: ‏ ‏ولا أقول ذلك في يوم واحد ‏ ‏فدخل فتحدّث, فلمّا خرج، قالت ‏‏عائشة:‏ ‏دخل ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏فلم ‏تهتش ‏ ‏له ولم ‏ ‏تباله,‏ ‏ثمّ دخل ‏ ‏عمر ‏ ‏فلم ‏تهتش ‏ ‏له ولم ‏ ‏تباله, ‏ثمّ دخل ‏ ‏عثمان ‏ ‏فجلست وسوّيت ثيابك؟ فقال: ‏ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة».

النبيّ 0 يضع رأسه في حجر امرأة أجنبّية وهي تفلي رأسه!!

2- وفي صحيح البخاري 201:3، قال: «‏‏عن ‏‏أنس بن مالك ‏رضي الله عنه ‏أنّه سمعه يقول: ‏كان رسول الله ‏‏‏0 ‏يدخل على ‏أمّ حرام بنت ملحان ‏ ‏فتطعمه, وكانت ‏ ‏أمّ حرام ‏تحت ‏عبادة بن الصامت,‏ ‏فدخل عليها رسول الله ‏‏0 ‏فأطعمته وجعلت تفلي رأسه, فنام رسول الله ‏0 ثمّ استيقظ وهو يضحك, قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال:‏ ‏ناس من أمّتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ‏ ‏ثبج ‏ ‏هذا البحر ملوكاً على الأسّرة ‏أو مثل الملوك على الأسرِّة شك ‏ ‏إسحاق، ‏قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم, فدعا لها رسول الله ‏‏0، ‏ثُمّ وضع رأسه ثمّ استيقظ وهو يضحك, فقلت ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمّتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأوّل, قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأوّلين, فركبت البحر في زمان‏ ‏معاوية بن أبي سفيان ‏ ‏فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت».

النبيّ 0 يبول واقفاً !!

3- في صحيح البخاري 62:1، قال: « ‏عن ‏ ‏حذيفة، ‏ ‏قال ‏أتى النبيّ ‏‏0 ‏‏سباطة ‏ ‏قوم فبال قائماً, ثمّ دعا بماء فجئته بماء فتوضّأ».

النبيّ 0 يذكر اللاّت والعزّى في صلاته راجياً شفاعتهم !!

‏4- جاء في فتح الباري 333:8 ، «عن أبي بشر، عنه، قال : قرأ رسول الله 0 بمكّة (والنجم) فلمّا بلغ أفرأيتم (اللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأُخرى) ألقى الشيطان على لسانه : {تلك الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهن لترتجى}. فقال المشركون : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم, فسجد وسجدوا, فنزلت هذه الآية. وأخرجه البزّار وابن مردويه من طريق أميّة بن خالد، قال : في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس فيما أحسب، ثمّ ساق الحديث , وقال البزّار لا يروى متّصلاً إلاّ بهذا الإسناد, تفرّد بوصله أميّة بن خالد, وهو ثقة مشهور».

وقد أكّد صحّة هذا الحديث الشيخ ابن باز في فتاويه معلّلاً ذلك بقوله : «ولكن إلقاء الشيطان في قراءته0في آيات النجم وهي قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} الآيات، شيء ثابت بنصّ الآية في سورة الحجّ، وهي قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّإ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثمّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فقولـه سبحانه: إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أي : تلا، وقولـه سبحانه {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي : في تلاوته، ثمّ إنّ الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى، ويحكم آياته ابتلاءً وامتحاناً، كما قال سبحانه بعد هذا: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } الآيات ».

النبيّ 0 يحضر مجالس الغناء وأبو بكر ينهاه !!

5- في صحيح البخاري 3:2، قال: « ‏عن ‏ ‏عائشة‏ ‏رضي الله عنها: دخل عليّ رسول الله ‏‏0 ‏‏وعندي ‏جاريتان تغنيّان بغناء ‏‏بعاث,‏ ‏فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه, فدخل ‏ ‏أبو بكر‏ ‏فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله 0,‏ ‏فأقبل عليه رسول الله ‏0‏ ‏فقال: ‏دعهما، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا, قالت: وكان يوم عيد يلعب ‏ ‏السودان ‏ ‏بالدرق ‏والحراب فإمّا سألت رسول الله ‏‏0 ‏وإمّا قال تشتهين تنظرين، قلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده ويقول دونكم ‏ ‏بني أرفدة‏ ‏حتّى إذا مللت, قال: حسبك, قلت: نعم, قال: فاذهبي».

النبيّ 0 يستقبل بيت المقدس وهو يقضي حاجته!!

6- في البخاري 46:1 ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمر أنّه كان يقول: «‏ إنّ ناساً يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا ‏بيت المقدس؟ ‏ ‏فقال ‏ ‏عبد لله بن عمر: ‏ ‏لقد ‏ ‏ارتقيت ‏ ‏يوماً على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله ‏ ‏0 ‏ ‏على ‏ ‏لبنتين ‏ ‏مستقبلاً ‏ ‏بيت المقدس ‏ ‏لحاجته، وقال: لعلّك من الذين يصلّون على أوراكهم؟ فقلت: لا أدري والله» ‏.

النبيّ 0 يسبّ ويشتم أصحابه !!

7- في صحيح مسلم 25:8، عن‏ ‏عائشة،‏ ‏قالت: « ‏دخل على رسول الله‏0‏ ‏رجلان فكلّماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه, فلعنهما وسبّهما, فلمّا خرجا قلت: يارسول الله، ما أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان! قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما, قال: ‏أوما علمت ما شارطت عليه ربّي؟ قلت:‏ ‏اللهمّ إنّما أنا بشر فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً».

النبيّ 0 يشك بنبوته ويحاول الانتحار !!

8- في صحيح البخاري 68:8، عن‏ ‏عائشة‏ ‏رضي الله عنها‏ ‏أنّها قالت: «‏أوّل ما بدئ به رسول الله ‏ ‏0 ‏ ‏من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم .... إلى أن تقول: وفتر الوحي فترة حتّى حزن النبيّ ‏0‏ ‏فيما بلغنا حزناً غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال, فكلّما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى لـه ‏ ‏جبريل ‏ ‏فقال: يا ‏محمّد‏، ‏إنّك رسول الله حقّاً فيسكن لذلك‏ ‏جأشه‏ ‏وتقرّ نفسه فيرجع, فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك, فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له ‏ ‏جبريل ‏ ‏فقال له مثل ذلك ».

النبيّ 0 يمثّل بالمسلمين ويقتلهم !!

9- في صحيح البخاري أيضاً 138:2، عن‏ ‏أنس ‏رضي الله عنه: «إنّ ناساً من‏ ‏عرينة ‏اجتووا‏ ‏المدينة ‏ ‏فرخّص لهم رسول الله ‏0 ‏ ‏أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها, فقتلوا الراعي واستاقوا‏ ‏الذود‏, ‏فأرسل رسول الله‏0,‏ ‏فأتي بهم, فقطع أيديهم وأرجلهم‏ ‏وسمّر ‏أعينهم وتركهم ‏بالحرّة ‏يعضّون الحجارة».

النبيّ 0 يصلّي بدون وضوء!!

10- في البخاري 171:1، ‏عن ‏ابن عبّاس‏ ‏رضي الله عنهما‏، ‏قال: « ‏نمت عند ‏ميمونة‏ ‏والنبيّ‏ ‏0‏ ‏عندها تلك الليلة‏، ‏فتوضّأ ثمّ قام ‏يصلّي، فقمت على يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلّى ثلاث عشرة ركعة، ثمّ نام حتّى نفخ وكان إذا نام نفخ، ثمّ أتاه المؤذّن فخرج فصلّى ولم يتوضّأ‏».

النبيّ 0 يقيم الحدّ على أحد أصحابه شرب الخمر بالنعال!!

11- في البخاري 65:3، «حدّثنا ابن سلام، أخبرنا عبد الوهّاب الثقفي، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال: جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شارباً، فأمر رسول الله 0 من كان بالبيت أن يضربوه، قال: فكنت أنا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد».

ثُمّ قال لي: أمّا ما جاء من طعونات على الأنبياء عليهم السلام فسأذكر لك بعض تلك الأحاديث الصحيحة باختصار.

 

 

الطعن بالأنبياء عليهم السلام

النبيّ موسى يضرب ملك الموت!!

1- في صحيح البخاري 93:2، عن أبي هريرة، قال: « ‏أًرسل ملك الموت إلى ‏موسى‏ ‏عليهما السلام،‏ ‏فلمّا جاءه ‏ ‏صكّه, ‏فرجع إلى ربّه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت, فردّ الله عليه عينه وقال: ‏ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكُلّ ما غطّت به يده بكُلّ شعرة سنة, قال: أي ربّ ثمّ ماذا؟ قال: ثمّ الموت, قال: فالآن فسأل الله أن يدنيه من ‏ ‏الأرض المقدّسة‏ ‏رمية ‏بحجر, قال: قال رسول الله‏ ‏0: ‏فلوكنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند ‏ ‏الكثيب ‏ ‏الأحمر».

موسى يركض عرياناً أمام قومه !!

2- وفي صحيح البخاري 184:1، عن ‏ ‏أبي هريرة، ‏‏عن النبيّ 0‏ ‏قال: «‏كانت ‏ ‏بنو إسرائيل ‏ ‏يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان ‏موسى‏ عليه السلام ‏ ‏يغتسل وحده فقالوا: والله ما يمنع ‏ ‏موسى ‏ ‏أن يغتسل معنا إلا أنّه ‏ ‏آدر,‏ ‏فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر, ففرّ الحجر بثوبه, فخرج ‏ ‏موسى ‏ ‏في ‏ ‏إثره ‏ ‏يقول: ثوبي يا حجر، حتّى نظرت ‏بنو إسرائيل ‏ ‏إلى ‏موسى ‏ ‏فقالوا: والله ما ‏ ‏بموسى ‏ ‏من ‏ ‏بأس ‏ ‏وأخذ ثوبه ‏ ‏فطفق ‏ ‏بالحجر ضرباً. فقال ‏ ‏أبو هريرة :‏ ‏والله إنّه ‏ ‏لندب ‏ ‏بالحجر ستّة أو سبعة ضرباً بالحجر».

النبيّ سليمان يطوف بمئة امرأة !!

4- في صحيح البخاري 161:6، ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ،قال: «قال سليمان بن داود ‏ ‏عليهما السلام: ‏ ‏لأطوفنّ الليلة بمائة امرأة, تلد كُلّ امرأة غلاماً يقاتل في سبيل الله, فقال لـه الملك: قل: إن شاء الله, فلم يقل ونسي, فأطاف بهن, ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان. قال النبيّ ‏ ‏0: ‏‏لو قال إن شاء الله لم ‏ ‏يحنث, ‏‏وكان أرجى لحاجته».


 

 

 

الذبّ عن عرض النبيّ 0 وعن أمّهات المؤمنين

قاطعت الأخ مجتبى قائلاً: إذا كنتم لهذه الدرجة تحترمون النبيّ 0, فلماذا تطعنون بأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي زوجته؟ أولستم تدّعون أنّها قد ارتكبت الفاحشة؟

هبّ الأخ مجتبى من مكانه غاضباً وهو يقول: أعوذ بالله ممّا تدّعون, والله إنّ هذا الكلام ليغضب الله ورسوله, من أين تأتون بهذا الكلام؟! والله إنّي أتحدّى أيّ شخص يأتي بحديث واحد من كتب الشيعة يقول بذلك .

كانت صدمة كبيرة لي لما سمعته منه، لم أكن لأتوقّعها, فقلت لـه: أولستم تقولون إنّ عائشة خانت النبيّ 0؟

فردّ قائلاً: يا أخي حسين، اعلم هدانا الله وإياك أنّ الشيعة يقولون: إنّ نساء النبيّ0 لا يمكن لهنّ أن يرتكبن الفاحشة (الزنا)، ليس عصمة لهن، بل كرامة للأنبياء عليهم السلام, مع أنّه جائز عليهنّ الخطأ أو حتّى الكفر كما هو الحال في زوجتي نوح ولوط عليهما السلام وذلك بقول الله عزّ وجلّ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأةَ نُوحٍ وَامْرَأةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} التحريم: 10, ثمّ لاحظ قول الله سبحانه (فخانتاهما) وهذا لا يلزم منه الخيانة بمعنى الزنا - والعياذ بالله - بل بمعنى مخالفة أوامر الله ونبيّه, ولك أن ترجع إلى سورة التحريم التي نزلت في السيّدة عائشة والسيّدة حفصة والتي تهددهن وتتوعّدهن بالطلاق لتآمرهن على النبيّ وذلك بقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُو مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} التحريم: 4, وبقوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} التحريم:5.

وأمّا خلافنا مع السيّدة عائشة فيكمن في مخالفة أوامر الله ورسوله، فها هي السيّدة عائشة تخرج لمحاربة الإمام علي رضي الله عنه في معركة الجمل, مع أنّ الله نهاها عن ذلك بقولـه: {وقرن في بيوتكن} الأحزاب: 33، وكذلك نهاها رسول الله 0 عن الخروج فقال 0: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب» سير أعلام النبلاء للذهبي 2: 177، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

وقد كانت تكره عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كما في إرواء الغليل 1: 178 للشيخ الألباني، قال في ضمن حديث رسول الله 0: «ولكن عائشة لا تطيب لـه [لعلي بن أبي طالب] نفساً. وسنده صحيح».

هذه أهمّ الأُمور التي نخالف بها السيّدة عائشة, وأمّا ما نخالف به إخواننا السنّة فهي تلك الروايات الصحيحة التي في كتبهم والتي تنال من النبيّ 0 بل ومن نسائه, وللأسف أنّ أعداء المسلمين استفادوا منها أيّما استفادة للطعن بالإسلام وبالنبيّ 0, أذكر منها:

النبيّ 0 يجامع إحدى عشر زوجة في ساعة واحدة !!

1- في صحيح البخاري 72:1، عن‏ ‏أنس بن مالك، ‏ ‏قال: «‏كان النبيّ‏ ‏‏0‏ ‏يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قال: قلت ‏لأنس:‏ ‏أوكان يطيقه؟ قال: كنّا نتحدّث أنّه أعطي قوّة ثلاثين ».

النبيّ 0 لا يغتسل كسلاً، ويقول كنت أفعل كذلك أنا وعائشة !!

2- في صحيح مسلم 87:1، ‏عن ‏عائشة زوج النبيّ ‏0‏، ‏قالت: «‏إنّ رجلاً سأل رسول الله ‏0‏ ‏عن الرجل يجامع أهله ثمّ يكسل هل عليهما الغسل؟‏ ‏وعائشة‏ ‏جالسة فقال رسول الله ‏0:‏ ‏إنّي لأفعل ذلك أنا وهذه ثمّ نغتسل».

النبيّ 0 ينظر إلى امرأة فتحرّك شهوته !!

3- في صحيح مسلم 13:4،‏ ‏عن‏ ‏جابر قال: « إنّ رسول الله0‏ رأى امرأة, فأتى امرأته‏ ‏زينب‏ ‏وهي‏ ‏تمعس‏ ‏منيئة‏ ‏لها‏ ‏فقضى حاجته،‏ ‏ثم خرج إلى أصحابه فقال:‏ ‏إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان ‏ ‏وتدبر ‏في صورة شيطان, فإذا أبصر أحدكم امرأة ‏ ‏فليأت أهله ‏ ‏فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه‏».

النبيّ 0 يجامع زوجاته وهن حائضات!!

4- في صحيح البخاري 78:1، عن عائشة، قالت: «‏كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول الله ‏0‏ ‏أن يباشرها‏ ‏أمرها أن تتّزر في ‏‏فور ‏حيضتها ثمّ يباشرها, قالت: وأيّكم يملك‏ ‏إربة‏ ‏كما كان النبيّ ‏‏0‏ ‏يملك ‏إربة».

عائشة تغتسل لتعلّم أحد الصحابة كيفيّة الغسل!!

5- وفي صحيح البخاري 68:1، قال: حدّثني ‏ ‏أبو بكر بن حفص، ‏قال: «سمعت ‏ ‏أبا سلمة ‏ ‏يقول: ‏ ‏دخلت أنا وأخو ‏عائشة‏ ‏على‏ ‏عائشة فسألها أخوها عن غسل النبيّ‏‏0، ‏فدعت بإناء نحواً من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب».

النبيّ 0 يجيز رضاع الكبير !!

6- في صحيح مسلم 169:4، عن ‏حميد بن نافع ‏يقول: «سمعت زينب بنت أبي سلمة ‏تقول‏: ‏سمعت ‏أمّ سلمة زوج النبيّ ‏0‏ ‏تقول‏ ‏لعائشة:‏ ‏والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة ، ‏فقالت: لِمَ؟ قد جاءت‏ ‏سهلة بنت سهيل‏ ‏إلى رسول الله ‏0 ‏‏فقالت: يا رسول الله إنّي لأرى في وجه ‏ ‏أبي حذيفة ‏ ‏من دخول ‏ ‏سالم،  ‏قالت: فقال رسول الله ‏0‏: ‏أرضعيه، فقالت: إنّه ذو لحية؟ فقال:‏ ‏أرضعيه يذهب ما في وجه ‏أبي حذيفة،‏ ‏فقالت: والله ما عرفته في وجه ‏ ‏أبي حذيفة».

النبيّ 0 يقرأ القرآن في حجر عائشة وهي حائض!!

7- وفي صحيح البخاري 215:8، عن‏ ‏عائشة ‏قالت:« ‏كان النبيّ ‏‏0 ‏ ‏يقرأ القرآن ورأسه في حجري‏ ‏وأنا حائض».

ثمّ قال الأخ مجتبى: أكتفي بهذا القدر وإلاّ فالبخاري ومسلم فيه الكثير من هذه الأحاديث التي تطعن بالنبيّ 0 وزوجاته, وكم كنت أتمنّى من الأخوة السنّة أن يرفعوا مثل هذه الأحاديث التي لا يمكن أن تصدر عن النبيّ ولا حتّى عن نسائه, بل إنّي أجزم أنّ أعداء النبيّ وضعوا هذه الروايات وصحّحوها لأجل الطعن بالإسلام ولتبيان أنّ النبيّ كان جنسيّاً، وأنّه كان لا يراعي كثير من الأمور في تصرّفاته أو تصرّفات نسائه والعياذ بالله, فبالله عليك يا أخي حسين، هل ترضى أن تفعل أو تنقل مثل هذا الكلام عن زوجتك أمام أصحابك؟

كان كلامه ثقيلاً عليّ وكأنّه أراد أن يقول لي: نحن غيورون أكثر منكم على النبيّ 0 وزوجاته.


 

 

عدالة الصحابة أم الصحابة العدول ؟!

سألت الأخ مجتبى قائلاً: ذكرت أنّكم تحرصون على النبيّ 0 وزوجاته, فلماذا تطعنون إذن بأصحاب النبيّ 0؟

فقال الأخ مجتبى: اعلم يا أخي حسين، أنّنا لا نعتقد بعدالة كُلّ الصحابة كما هو الحال عندكم, بل نقول: إنّ هنالك من الصحابة من كان عادلاً، ومنهم من كان منافقاً, ومنهم من كان في نفسه مرض, حيث إنّ فيهم الزاني والسارق والقاتل والشارب للخمر, بل إنّنا نعتقد أنّ بعضهم كان يبطن الكفر وإنّما كان إسلامه كرهاً, وقد بيّن ذلك الله سبحانه وتعالى حال بعضهم بقوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثمّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة: 101.

وقال تعالى: {وَمَا محمّد إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران: 144.

فالله عزّ وجلّ بيّن أن هناك منافقين حول النبيّ 0 وأنّ هناك من سيرتدّ بعد وفاته, وقد أكّدت الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما هذا الكلام، وسأنقل لك بعض هذه الروايات:

موقف النبيّ 0 من بعض الصحابة يوم القيامة:

1- روى البخاري في صحيحه 7: 208، عن أبيّ أنّه كان يحدّث أنّ رسول الله0 قال: «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلون عن الحوض، فأقول: يا ربّ، أصحابي؟ فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى».

2- وروى البخاري7: 209، عن أبي هريرة، عن النبيّ 0 قال: «بينا أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم! فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله! قلت: وما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك القهقري، ثمّ إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم! قلت: أين؟ قال إلى النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم».

فانظر يا أخي حسين، كيف أنّ النبيّ 0 يبيّن أنّ من أصحابه من يدخلون النار, كما وبيّن أنّه لا يخلص منهم إلاّ القليل القليل وذلك بقوله: (فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم).

فقلت لـه: ولكنّ الله عزّ وجلّ قد رضي عن الذين بايعوا تحت الشجرة بقوله:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} الفتح: 18.

فقال الأخ مجتبى: يا أخي حسين، كنت قد ذكرت لك في مقتل عثمان أسماء الصحابة الذين شاركوا في قتل عثمان وكان فيهم ممّن بايع تحت الشجرة, وأنّ الآية الكريمة تتحدّث عن المؤمنين منهم, وفي ما يخصّ هذا الفعل ولا يعني ذلك أنّهم مرضي عليهم إلى آخر حياتهم, فمن نكث أو بدّل فلا يبقى من المرضي عنه، وقد بيّن الله عزّ وجلّ ذلك بقولـه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}الفتح: 10، وهذا ينطبق على أيّ آية فيها مديح لصحابة النبيّ 0, ودعني أنقل إليك ما قاله أحد الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة وذلك تأكيداً لما ذكرته لك .

3- في صحيح البخاري5: 95، عن العلاء بن المسيّب، عن أبيه، قال: «لقيت البراء بن عازب رضي الله عنه فقلت: طوبى لك صحبت النبيّ ‏0 وبايعته تحت الشجرة! فقال: يا بن أخي، إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده».

وقد أكّد هذه الحقيقة النبيّ‏0 كما ذكر مسلم في صحيحه وغيره أيضاً من مصادر الحديث:

4- ففي صحيح مسلم 8: 122، عن النبيّ 0 قال: «قال النبيّ 0 في أصحابي اثنا عشر منافقاً».

5- في مجمع الزوائد 9: 72، عن أمّ سلمة، قالت: «إنّي سمعت رسول الله0 يقول: إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه.. رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح».

6- في صحيح البخاري 4: 145، عن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ النبيّ 0 قال: «لتتّبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذارع، حتّى لو سلكوا حجر ضبّ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟! قال: فمن؟».

فيا أخي حسين، إن الصحابة أنفسهم لم يدّعوا أنّهم عدول وإلاّ لما جوّزوا لأنفسهم قتل بعضهم بعضاً، أو سبّ بعضهم بعضاً. وأنت تعلم يا أخي، كيف أنّ الكثير من الصحابة قتلوا في معارك خاضوها ضدّ بعضهم البعض كما حصل في معركة الجمل ومعركة صفّين، فقد قتل طلحة والزبير وهم يحاربان عليّاً، وكذلك استشهد عمّار بن ياسر رضوان الله عليه وهو يقاتل مع علي في معركة صفّين, فلا يمكن أن نقول: إنّ القاتل والمقتول كلاهما في الجنّه مع أنّ النبيّ قال لعمّار: «تقتلك الفئة الباغية» صحيح مسلم 186:8 , فأمّا حق وأمّا باطل, وإليك هذه الرواية التي تبيّن أنّ هذه النظرية غير صحيحة وباعتراف ابن عبّاس نفسه.

7- في مجمع الزوائد 1: 113، عن ابن عبّاس، قال: «يقول أحدهم: أبي صحب رسول الله 0، وكان مع رسول الله 0، ولنعل خلق خير من أبيه. رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح».

 

العداء الأموي للنبي 0 ولبني هاشم:

ثمّ قال الأخ مجتبى: ودعني أُبيّن لك الجاهليّة التي كانت في عقول بعضهم والتي جعلت في قلبهم الحقد على النبيّ وآله 0.

من المعروف أنّ بني هاشم وبني أُميّة أبناء عم وكلاهما من أبناء عبد مناف, وقد اشتهر بنو هاشم أنّهم أصحاب كرم وأخلاق فقد عرف عنهم السقاية والرفادة، هذا ناهيك أنّهم كانوا زعماء قريش ولهم كلمة بين العرب، حتّى إنّ الجاحظ وصف بني هاشم بانّهم ملح الأرض، وهناك أشعار كثيرة تمدح بني هاشم وتبيّن فضلهم بين العرب, بينما بني أُميّة لم يكن لهم تلك المكانة التي حظي بها بنو هاشم, وهذا بحدّ ذاته جعل في قلبهم الحقد والكراهية تجاههم, ولمّا جاء الإسلام وكان النبيّ هاشميّاً زاد حقد الأمويين على النبيّ وعلى بني هاشم, فكانوا أوّل من حارب النبيّ 0, وأخرجوه من مكّة بعد أن حاولوا قتله مرّات عديدة، ولكنّ الله أحبط تلك المحاولات ونصره بعمّه أبي طالب  وبعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبيّ 0، ولمّا دخل الكثير من العرب وغيرهم في الإسلام وظهرت قوّته قام النبيّ بفتح مكّة، ممّا اضطرّ أبو سفيان للاستسلام متظاهراً بالإسلام حتّى سمّاهم النبيّ 0 بالطلقاء, وبقوا مغمورين في مكّة يتربّصون الفرصة المناسبة للانتقام من النبيّ الهاشمي, ولما توفّي النبيّ 0 وتولّى أبو بكر الخلافة ظهر بنو أُميّة متمثلين بأبي سفيان ومعاوية, وكانوا من المقرّبين لأبي بكر, ولمّا تولّى عمر الخلافة عيّن معاوية والياً على الشام ومكّن لـه, ولمّا تولّى عثمان الخلافة قرّبهم إليه وجعلهم أقرب المقرّبين إليه إلى أن ثار الصحابة عليه فقتلوه بسبب ذلك, ولمّا تولّى الإمام علي رضي الله عنه الخلافة أظهر بنو أُميّة عداءهم لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بشكل صريح، وعاد البغض الأموي للهاشميين, وجاء وقت الانتقام, فحرّض معاوية طلحة والزبير لقتال علي رضي الله عنه, فكانت معركة الجمل التي قادتها السيّدة عائشة من على جملها, ثمّ بعد ذلك حارب معاوية الإمام علي رضي الله عنه في معركة صفّين التي قتل فيها كثير من الصحابة ابرزهم الصحابي الجليل عمّار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه, كما وكان معاوية يأمر بسبّ علي رضي الله عنه على المنابر، وقد استمرّ ذلك طوال سبعين عاماً، فقد روى ابن ماجة في سننه 45:1، بسنده عن سعد بن أبي وقّاص قال : «قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد وقال : تقول هذا لرجل سمعت رسول الله 0 يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، وسمعته يقول : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعـدي، وسمعتـه يقول : لأعطيـنّ الراية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله» ورواه ابن أبي شيبة في مصنّفه 366:6.

 

ولمّا استشهد الامام علي رضي الله عنه وتسلّم الامام الحسن رضي الله عنه, قتله معاوية بالسم، ثمّ جاء الإمام الحسين رضي الله عنه فوقف أيضاً في وجهه يزيد بن معاوية عليه لعائن الله إلى أن قتله وأهله وأصحابه في كربلاء وسبى عياله ونساءه، وأخذهم إلى الشام, ولمّا وصلت السبايا والرؤوس، إلى الشام أنشد يزيد فرحاً بالانتقام لاجداده الذين قُتلوا في مواجهة المسلمين في بدر قائلاً:

ليت أشياخي ببدر شهدوا
قد قتلنا القرم من ساداتكم
فأهلّوا واستهلّوا فرحا
لست من خندف إن لم أنتقم
لعبت هاشم بالملك فلا

 

 

جزع الخزرج من وقع الأسل
وعدلنا ميل بدر فاعتدل
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
من بني أحمد ما كان فعل
خبر جاء ولا وحي نزل([5])

 

ثمّ استمرّ الأمويّون في قتل الهاشميين من أبناء الرسول 0.

وهنا فاضت عينا الأخ مجتبى بالدموع وسكت عن الكلام، ثمّ عاود الكلام بقوله: والنتيجة يا أخي حسين، أنّ بني أميّة كانوا أعداء لبني هاشم من قبل الإسلام وإلى يومنا هذا .

 

منع النبيّ 0 من التأمين على الأمة من الضلال واتهامه بالهجر:

ثمّ تابع بقوله: إنّ من أكبر المصائب التي جرت على رسولنا الكريم حينما كان على فراش الموت وطلب من الصحابة أن يأتوه بكتف ودواة لكي يكتب لهم وصيّة لن يضلّوا بعدها, فاتّهموا النبيّ أنّه هجر (يهذي)! وحينما نراجع الروايات في البخاري ومسلم نجد أكثر من عشر أحاديث في خصوص الرزيّة، وكلّ الروايات تجمع أنّ الذي تزعّم منع النبيّ من كتابة وصيّته هو عمر بن الخطّاب .

1- في صحيح البخاري 138:5، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: «قال: لمّا حضر رسول الله0 وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب، قال النبيّ 0: هلّم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده, فقال عمر: إنّ النبيّ 0 قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبيّ 0 كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ 0 قال رسول الله 0: قوموا.

قال عبيد الله: فكان ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كُلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله 0 وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم».

2- وفي حديث آخر في صحيح البخاري 4: 31، قال النبيّ 0: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع، فقالوا: هجر رسول الله0، قال: دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحوما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة».

هنا قاطعت الأخ مجتبى بقولي: على رسلك يا أخي، الروايات لم تقل: إنّ عمر هو الذي قال إنّ النبيّ يهجر.

فقال الأخ مجتبى: لو راجعت الراويات يا أخي حسين، سيتبيّن لك أنّ من نقل الحديث حاول بكُلّ الطرق أن لا يذكر اسم عمر حينما يأتي بلفظ يهجر، وحينما يذكر اسم عمر يقول: إنّ عمر قال: غلب عليه الوجع, ولكن دعني أسالك يا أخي حسين, هل تعتبر أنّ كلمة يهجر هي طعن بالنبيّ؟ وماذا تقول فيمن يتّهم النبيّ 0 بالهجران؟

فقلت لـه على الفور: طبعاً كلمة يهجر هي طعن بالنبيّ 0, وأمّا من يتّهم النبيّ بالهجران فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فقال مجتبى: الذين كانوا عند النبيّ 0 صحابة أم منافقين؟

فقلت له: بلا شكّ إنّهم صحابة .

فضحك مجتبى وقال: إذن أنت لعنت الصحابة .

فقلت لـه: لكنّ الله أتمّ الدين بقوله:{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} المائدة: 3، فما الحاجة للوصيّة طالما أنّ الدين قد كمل؟ ثمّ إن كان هذا الأمر من الله فلماذا لم يبلّغه النبيّ 0 أوليس هذا اتّهام للنبيّ أنّه قصّر بالتبليغ؟

قال الأخ مجتبى:دعني أوضّح لك يا أخي, أمّا بالنسبة لما ذكرته من كلام الله عزّ وجلّ فلا نشكّ أنّ الله قد أتمّ الدين, ولكن هذه الآية لا تعني أن لا نسمع لكلام النبيّ؟ ولا تعني أن نتّهم النبيّ بالهجران؟ أولم يقل لهم النبيّ بعد حادثة الرزيّة «اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحوما كنت أجيزهم، وطلب تنفيذ جيش أُسامة» لماذا سمعوا له إذن ونفّذوا كلامه؟

انتبه يا أخي حسين، الله سبحانه وتعالى أمرنا بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الحشر:7، إذن قول النبيّ حجّة علينا إلى آخر لحظة من حياته, وأمّا أنّ النبيّ أراد أن يأتي بشيء جديد، فلا شكّ أنّ النبيّ لا ينطق عن الهوى فكُلّ ما يقولـه هو من عند الله عزّ وجلّ, ولم يكن ليأتي بأمر جديد إنّما أراد أن يكتب لهم أمراً سبق أن ذكره لهم؛ لأنّ الله علم أنّ هذه الأُمّة لن تلتزم بهذا القول، فلذلك أراد من نبيّه أن يكتب لهم هذا الكتاب, فالدين كامل ولا نشكّك فيه.

وأمّا قولك: لماذا لم يبلغ ما أمره به الله؟ فأقول: بما أنّنا سلّمنا أنّ النبيّ لا ينطق عن الهوى فلا شكّ أنّ الله أمره بكتابة الوصيّة, وحينما اتّهموا النبيّ بالهجران أمره الله أن لا يكتب هذا الوصيّة، لأنّه من غير المستبعد أن يتّهموا النبيّ بالجنون لطالما اتّهموه بالهجران, وبهذا ربّما ينهار الإسلام، ولكنّ الله أراد أن يترك هذه الحادثة عبر التاريخ لكي تبقى شاهداً إلى يوم القيامة على هؤلاء الذين طعنوا بالنبيّ 0 ومنعوه من كتابة الوصيّة، ولتبقى محل تساؤل لكُلّ باحث يبحث عن الحقّ.

فقلت لـه: برأيك ماذا كان النبيّ يريد أن يوصي؟

فقال : هذا أمر غيـبي, ولكن بما أنّك سألتني عن رأيي الشخصي والذي لا ألزم به أحداً فأقول:النبيّ كان يريد أن يؤمّن على الأمّة من الضلال وذلك بقوله: «أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده»، وإذا بحثنا في السنّة النبويّة عن الشيء الذي يؤمّن على الأُمة من الضلال فإنّنا لن نجد إلا حديث الثقلين بقوله: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

 

بيعة أبي بكر وهجوم عمر على بيت فاطمة:

ثمّ تابع قائلاً: بعد وفاة النبيّ 0 انشغل علي رضي الله عنه وبني هاشم بتجهيز النبيّ 0، بينما اجتمع نفر من الأنصار في سقيفة بني ساعدة, فسمع بعض المهاجرين بذلك, فانطلق بعضهم إلى السقيفة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وأبي عبيدة فوجدوا الأنصار مجتمعين لنصب خليفة، فاختلفوا فيما بينهم لعداوات قديمة، فاستغلّ أبو بكر ذلك الخلاف وقال: إنّ الخليفة لا بدّ أن يكون من قريش؛ لأنّ الخلافة في قريش وأنّها لا تصحّ في غيرهم، فأيّده المهاجرون وبعض الأنصار الذين في قلوبهم عداوة مع البعض الآخر من الأنصار، فبايع عمر أبا بكر بقولـه: أمدد يدك لأبايعك وكذلك النفر الموجودون.

ولعمري إنّها لمصيبة أُخرى حلّت على الإسلام فأيّ صحابة هؤلاء الذين يتركون جنازة نبيّهم مسجاة ويذهبون يتقاتلون على الخلافة في غياب وجوه المهاجرين والأنصار وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبني هاشم!! ثمّ خرجوا من السقيفة لا يمّرون على أحد إلاّ وضعوا يده في يد أبي بكر ليبايعه, فتفقّد عمر رجالاً من المهاجرين والأنصار وغيرهم ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر, فعلم أنّهم في بيت علي رضي الله عنه، فذهب إليهم لكي يجبرهم على البيعة، قال الطبري في تاريخه 233:2 : « حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب، قال: أتى عمر بن الخطّاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ! فخرج عليه الزبير مصلتاً السيف فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه».

وذكر ابن أبي شيبة في مصنّفه بسند صحيح 8: 572، قال: «حدّثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم أنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله 0 كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله 0، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر ابن الخطّاب خرج حتّى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله 0، والله ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلمّا خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين..»

فيا أخي حسين، بالله عليك أيّ صحابة هؤلاء الذين يأخذون البيعة بالتهديد والإكراه، حيث إنّهم لم يراعوا حرمة لرسول الله 0 ولم يراعوا حرمة لأهل بيته في مصابهم هذا ... فالهجوم على بيت فاطمة رضي الله عنها من الحقائق الثابتة عند المحدّثين والمؤرّخين وإليك جملة ممّا ذكره العلماء.

 

اعتراف علماء السنّة بهجوم عمر على بيت فاطمة:

1- قال أبو الفداء في تاريخه المختصر في أخبار البشر 156:1: « لما قبض الله نبيّه قال عمر بن الخطّاب: من قال إنّ رسول الله 0 مات علوت رأسه بسيفي هذا، وإنّما ارتفع إلى السماء !! فقرأ أبو بكر : {وَما محمّد إِلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَوقُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ}, فرجع القوم إلى قوله، وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبا بكر، وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع سنة إحدى عشرة خلا جماعة من بني هاشم، والزبير، وعتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد بن العاص، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبي ذر، وعمّار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، ومالوا مع علي بن أبي طالب ».

2- قال ابن تيميّة الحرّاني مؤكّداً هجوم عمر على بيت فاطمة رضي الله عنها في منهاج السنّة 8: 291: «إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقّه، ثمّ رأى أنّه لو تركه لهم لجاز، فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء».

3- قال الشيخ حسن بن فرحان المالكي في كتابه ( قراءة في كتب العقائد: 52): «ولكن حزب علي كان أقل عند بيعة عمر منه عند بيعة أبي بكر الصديق، نظراً لتفرّقهم الأوّل عن علي بسبب مداهمة بيت فاطمة في أوّل عهد أبي بكر وإكراه بعض الصحابة الذي كانوا مع علي على بيعة أبي بكر، فكانت لهذه الخصومة والمداهمة، وهي ثابتة بأسانيد صحيحة، ذكرى مؤلمة لا يحبّون تكرارها».

غضب فاطمة ابنة النبيّ 0 ودفنها سرّاً:

فقلت له: ألا تشعر أنّك تطعن في علي رضي الله عنه بقولك هذا، كيف كان ليسكت لهم وهو أسد من أسود الإسلام؟

فقال لي : أعذرك يا أخي حسين، فأنت تتصرّف بطبيعتك وبعصبيّتك، بينما الأنبياء والأوصياء لا ينظرون من هذا المنظار؛ لأنّهم أُرسلوا لنشر الدين لا لأجل الدفاع عن أنفسهم وأهاليهم، وإذا أردت أن أقيس على قياسك هذا فدعني أسالك: لماذا لم يجرّد النبيّ سيفه بوجه من اتّهموا السيّدة عائشة بالزنا والعياذ بالله؟ هل تعتبر هذا ضعف من سيّد الخلق، الذي هو أشجع من علي رضي الله عنه؟

- ماذا تقول عن موقف الإمام علي رضي الله عنه حينما كان عثمان محاصراً لمدّة تتجاوز الأربعين يوماً، ثمّ يقتل أمام أعين كُلّ الصحابة لماذا لم يدافع عنه علي بنفسه وهو أسد الإسلام ؟

- ماذا تقول عن موقف الإمام الحسين رضي الله عنه عندما أخذ أهله وأطفاله وعياله لمواجهة يزيد وأزلامه وهو يعلم أنهم مسبيين لا محال, هل كنت لتأخذ زوجتك وعيالك لمواجهة شخص يطعن بالإسلام وأنت عالم بما سيجري عليهم؟

- ماذا تقول عن نبيّ يريد أن يكتب كتاب ليؤمن على أُمّته من الضلال ويأتي شخص ويقول: حسبنا كتاب الله، أو أنّ النبيّ يهجر، وعلى أثرها النبيّ 0 لا يكتب الكتاب هل خاف منهم النبيّ والعياذ بالله؟

اعلم يا أخي حسين، أنّ هذه العاطفة والحميّة عند الأنبياء والأوصياء لا يمكن أن تكون مقدّمة على الرسالة التي أمر بها الله عزّ وجلّ، ولا يمكن أن نقيس الأُمور بهكذا قياس.

ثمّ استأنف قائلاً: وأمّا ما جرى بعد ذلك فهو أنّ فاطمة رضي الله عنها طالبت بإرثها في أرض فدك، فرفض أبو بكر أن يدفع لها حقّها، معلّلاً ذلك بأنّه سمع النبيّ يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث ما تركناه صدقة! وكما هو معروف يا أخي حسين، أنّ النبيّ 0 قال: إنّ غضب فاطمة هو غضبه، فقد ‏‏جاء في صحيح البخاري 210:4، ‏عن‏ ‏المسور بن مخرمة‏ ‏رضي الله عنهما ‏أنّ رسول الله‏‏0 ‏‏قال: «‏فاطمة ‏بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

بعد كُلّ ما رأته الزهراء منهم روحي لها الفداء غضبت عليهم ولم تكلّمهم حتّى ماتت, كما وأنّها طلبت من علي رضي الله عنه أن يدفنها سرّاً، وهذه الحقيقه ذكرها البخاري في صحيحه وكثير من المراجع الأُخرى، صحيح البخاري 83:5، ‏عن ‏عائشة، «‏إنّ ‏ ‏فاطمة ‏ ‏عليها السلام ‏بنت النبيّ ‏0 ‏‏أرسلت إلى ‏أبي بكر‏ ‏تسأله ميراثها من رسول الله‏ ‏0 ‏ ‏ممّا ‏ ‏أفاء ‏ ‏الله عليه ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏وفدك‏ ‏وما بقي من خمس‏ ‏خيبر!‏ ‏فقال‏ ‏أبو بكر:‏ ‏إنّ رسول الله 0 ‏‏قال‏: ‏لا نورّث ما تركنا صدقة إنّما يأكل آل ‏ ‏محمّد ‏ ‏0‏ ‏في هذا المال، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله‏ ‏0 من حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ‏0,‏ ‏ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ‏0,‏ ‏فأبى ‏ ‏أبو بكر‏ ‏أن يدفع إلى ‏فاطمة‏ ‏منها شيئاً, فوجدت‏ ‏فاطمة‏ ‏على‏ ‏أبي بكر‏ ‏في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت, وعاشت بعد النبيّ ‏0‏ ‏ستّة أشهر, فلمّا توفّيت دفنها زوجها ‏ ‏علي ‏ ‏ليلاً ولم يؤذن بها ‏ ‏أبا بكر، ‏ ‏وصلّى عليها, وكان‏ ‏لعلي ‏من الناس وجه حياة‏ ‏فاطمة, ‏فلمّا توفّيت استنكر ‏علي وجوه الناس فالتمس مصالحة ‏أبي بكر‏ ‏ومبايعته, ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر‏ ‏عمر,‏ ‏فقال‏ ‏عمر‏: ‏لا والله لا تدخل عليهم وحدك, فقال‏ ‏أبو بكر‏: ‏وما‏ ‏عسيتهم‏ ‏أن يفعلوا بي والله لآتينهم, فدخل عليهم ‏أبو بكر‏ ‏فتشهّد ‏علي ‏فقال: إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ‏ننفس‏ عليك خيراً ساقه الله إليك, ولكنّك‏ ‏استبددت‏ ‏علينا بالأمر، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله‏0».

لاحظ معي يا أخي حسين، كيف أنّ الزهراء لم تأذن لأبي بكر أن يحضر جنازتها، ولا حتّى لمن كانوا معه، كما وأنّ علي رضي الله عنه لم يبايع طيلة حياة فاطمة رضي الله عنها، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من المعلوم أنّ فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وهذا من المسلّمات والنبيّ 0 قال كما ورد في صحيح البخاري 87:8، عن ابن عبّاس عن النبيّ ‏0 قال: «من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنّه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية»، وأيضاً ورد في صحيح مسلم 22:6 قال رسول الله 0: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة».

فكيف تموت الزهراء رضي الله عنها وهي غاضبة على أبي بكر ولا تبايعه، وهو بحسب مفهوم الأخوة السنّة خليفة المسلمين؟ هل - والعياذ بالله - ماتت ميتة جاهليّة؟حاشى وكلاّ أن يكون كذلك.

فقاطعته قائلاً: وما أدراك أنّها لم تبايعه؟

فقال مجتبى : يا أخي حسين، لقد ذكرت لك الحديث وبيّنت لك أنّ الإمام علي رضي الله عنه لم يبايع طيلة حياة فاطمة رضي الله عنها فكيف تبايع وهي أصلاً غاضبة على أبي بكر ولم يكن علي رضي الله عنه قد بايع طيلة حياتها؟

ولو سأل كُلّ مسلم عاقل نفسه أين قبر فاطمة؟ ولأيّ الأمور تدفن سرّاً؟ لوصل للحقيقة.

ودعني أنقل لك هذا الحديث لترى ماذا كانت نظرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي بكر وعمر، فقد روى مسلم في صحيحه 5: 152، من حديث لعمر بن الخطّاب جاء فيه: «قال: فلمّا توفّي رسول الله 0 قال أبو بكر: أنا ولّي رسول الله 0، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله 0: «ما نورّث ما تركنا صدقة»، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم أنّه لصادق بار راشد تابع للحقّ,ثم توفّي أبو بكر وأنا ولّي رسول الله 0 وولّي أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنّي لصادق بار راشد تابع للحقّ».


 

الغلو في الصحابة

استمّر الحوار بيني وبين الأخوة لفترة كنّا نجتمع في بيت الأخ جواد، فسألت الأخ جواد ذات مرّة: ألا تعتقد أن الشيعة قد غالوا في حبّهم لأهل البيت رضي الله عنهم ؟

فقال الأخ جواد: الشيعة لم يغالوا في محبّتهم لأهل البيت رضي الله عنهم إنّما الأخوة السنّة لم يعرفوا مكانة أهل البيت الحقيقيّة, بينما نجد الأخوة السنّة يغالون جدّاً في الصحابة ودعني أعطيك بعض الأمثلة:

كرامات أبي بكر:

1- إخبار أبي بكر بالغيب، روى مالك في موطّئه 2: 75، عن عائشة زوجة النبيّ 0 أنّها قالت: «إنّ أبا بكر الصدّيق كان نحلها جاد عشرين وسقاً من ماله بالغابة، فلمّا حضرته الوفاة، قال: والله يا بنيّة ما من الناس أحد أحبّ إلي غنى بعدي منك، ولا أعزّ علي فقراً بعدي منك، وإنّي كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً، فلو كنت جددته واجزتيه كان لك، وإنّما هو اليوم مال وارث، وإنّما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله.

قالت عائشة: فقلت: يا أبت والله لو كان كذا أوكذا لتركته، وإنّما هي أسماء فمن الأخرى؟

فقال أبو بكر: ذو بطن بنت خارجة أراها جارية».

قال العلاّمة السبكي في طبقات الشافعيّة 2: 322 : «قلت: فيه كرامتان لأبي بكر:

إحداهما: إخباره بأنّه يموت في ذلك المرض، حيث قال: وإنّما هو اليوم مال وارث.

والثانية: إخباره بمولود يولد لـه، وهو جارية».

2- وفي نزهة المجالس 2: 184: «ذكر النسفي أنّ رجلاً مات بالمدينة فأراد النبيّ 0 أن يصلّي عليه، فنزل جبرائيل وقال: يا محمّد، لا تصلَّ عليه، فامتنع، فجاء أبو بكر فقال: يا نبيّ الله صلّ عليه فما علمت منه إلاّ خيراً، فنزل جبرئيل وقال: يا محمّد، صلَّ عليه، فإنّ شهادة أبي بكر مقدّمة على شهادتي».

3- وفي مصباح الظلام للجرداني: 25: «روي أنّ النبيّ 0 دفع خاتمه إلى أبي بكر وقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله، فدفعه أبو بكر إلى النقاش وقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله محمّد رسول الله، فلمّا جاء به أبو بكر إلى النبيّ 0 وجد عليه: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، فقال: ما هذه الزيادة يا أبا بكر؟ فقال: ما رضيت أن أفرّق اسمك عن اسم الله، وأمّا الباقي فما قلته، فنزل جبرئيل وقال: إنّ الله سبحانه وتعالى يقول: إنّي كتبت اسم أبي بكر؛ لأنّه ما رضي أن يفرّق اسمك عن اسمي، فأنا ما رضيت أن أفرّقه عن اسمك».

4- وفي نزهة المجالس 2: 184: «عن أنس بن مالك قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله، رأيت في المنام كأنّ النخلة التي في داري وقعت وزوجي في السفر؟ فقال: يجب عليك الصبر فلن تجتمعي به أبداً، فخرجت المرأة باكية فرأت أبا بكر فأخبرته بمنامها ولم تذكر لـه قول النبيّ 0، فقال: اذهبي فإنّك تجتمعين به في هذه الليلة, فدخلت إلى منزلها وهي متفكّرة في قول النبيّ 0 وقول أبي بكر، فلمّا كان الليل وإذا بزوجها قد أتى، فذهبت إلى النبيّ 0 وأخبرته بزوجها، فنظر إليها طويلاً فجاءه جبرائيل وقال: يا محمّد، الذي قلته هو الحق, ولكن لمّا قال الصديق: إنّك تجتمعين به في هذه الليلة استحيا الله منه أن يجري على لسانه الكذب؛ لأنّه صدّيق, فأحياه كرامة لـه».

 

كرامات عمر بن الخطّاب:

1- إنّه كان محدث: أخرج مسلم في صحيحه 116:7، عن عائشة: «عن النبيّ 0 إنّه كان يقول: قد كان يكون في الأُمم قبلكم محدّثون فإن يكن في أمّتي منهم أحد، فإنّ عمر بن الخطّاب منهم».

وقال ابن حجر في فتح الباري 7: 41، شارحاً للحديث: «وقوله : (وإن يك في أمّتي) قيل: لم يورد هذا القول مورد الترديد فإنّ أمّته أفضل الأُمم، وإذا ثبت أنّ ذلك في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى، وإنّما أورده مورد التأكيد، كما يقول الرجل: إن يكن لي صديق فإنّه فلان، يريد اختصاصه بكمال الصداقة».

2- في مسند أحمد 4: 154، عن عقبة بن عامر يقول: «سمعت رسول الله0 يقول: لوكان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب».

وقال ابن حجر في فتح الباري 7: 42 : «حديث لوكان بعدي نبيّ لكان عمر.. والحديث المشار إليه أخرجه أحمد والترمذي وحسّنه، وابن حبّان والحاكم.. وأخرجه الطبراني».

3- وفي مجمع الزوائد 9: 69، «عن أبي وائل، قال: قال أبو عبد الله: لو أنّ علم عمر وضع في كفّة الميزان، ووضع علم أهل الأرض في كفّة لرجح علمه بعلمهم.

قال وكيع: قال الأعمش: فأنكرت ذلك فأتيت إبراهيم فذكرته لـه!

فقال: وما أنكرت من ذلك، فوالله لقد قال عبد الله أفضل من ذلك، قال: إنّي لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر. رواه الطبراني بأسانيد ورجال هذا رجال الصحيح غير أسد بن موسى وهو ثقة».

4- وفي مجمع الزوائد 9: 69، «وعن ابن عمر أنّ رسول الله 0 قال: رأيت في النوم أنّي أعطيت عساً مملوءاً لبناً فشربت حتّى تملأت، حتّى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم، ففضلت منه فضلة فأعطيتها عمر بن الخطّاب فأولوها، قالوا: يا نبيّ الله، هذا علم أعطاكه الله فملأت منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطّاب، فقال: أصبتم. قلت: هو في الصحيح بغير سياقه، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح».

5- وفي البداية والنهاية لابن كثير 1: 28: «لمّا فتح عمرو بن العاص مصر أتى أهلها إليه حين شهر بؤنة من أشهر العجم (القبطية) فقالوا: أيّها الأمير إنّ لنيلنا هذا سنة لا يجري إلاّ بها، فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: كان لإثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثمّ ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إنّ هذا لا يكون في الإسلام، وإنّ الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤنة والنيل لا يجري إلاّ قليلاً ولا كثيراً.. فكتب عمرو إلى عمر بن الخطّاب بذلك، فكتب إليه عمر: إنّك قد أصبت بالذي فعلت، وإنّي قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل، فلمّا قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أمّا بعد؛ فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يجريك، فنسأل الله أن يجريك. فألقى عمرو البطاقة في النيل، فأصبح يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستّة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، وقطع الله السنّة عن أهل مصر إلى اليوم».

6- في الإصابة 3: 5: «وجّه عمر جيشاً ورأّس عليهم رجلاً يدعى سارية، فبينما عمر يخطب جعل ينادي: يا سارية الجبل ثلاثاً، ثمّ قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي: يا سارية الجبل ثلاثاً، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله تعالى، قال: قيل لعمر: إنّك كنت تصيح بذلك. وهكذا ذكره حرملة في جمعه لحديث ابن وهب, وهو إسناد حسن».

7- وفي التفسير الكبير 21: 88: «وقعت الزلزلة بالمدينة فضرب عمر الدرة على الأرض وقال: اسكتي بإذن الله فسكتت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك».

8- وفي صحيح البخاري 1: 105، عن أنس، قال: «قال عمر: وافقت ربّي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنّه يكلّمهن البّر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبيّ 0 في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية».

 

الكرامات وخوارق العادات على لسان علماء السنّة:

1- قال ابن تيميّة في مجموع الفتاوى 3: 156: «ومن أصول أهل السنّة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، ما يجري الله على أيديهم من خوارق العادة في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور من سائر الأمم».

وبعد أن ذكر ابن تيميّة بعض الكرامات قال في مجموع الفتاوى 11: 282: «وهذا باب واسع قد بسط في الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضوع، وأمّا ما نعرفه عن أعيان، ونعرفه في هذا الزمان فكثير».

وقال في مجموع الفتاوى 11: 205: «قد ثبت أنّ لأولياء الله مخاطبات ومكاشفات».

2- وقال ابن حجر الهيتمي المكّي في الفتاوى الحديثية: 107: «كرامات الأولياء حقّ عند أهل السنّة والجماعة خلافاً للمخاذيل المعتزلة والزيديّة»، ثمّ قال: «والحاصل أنّ كرامة الولي من بعض معجزات النبيّ 0 لكن لعظم اتباعه لـه أظهر الله بعض خواص النبيّ 0 على يدي وارثه ومتّبعه في سائر حركاته وسكناته».

3- وقال السفارييني الحنبلي في لوامع الأنوار البهيّة 2: 392: «في ذكر كرامات الأولياء التي يجب اعتقادها ولا يجوز نفيها وإهمالها»، ويقول أيضاً: «والحاصل إنّ الكرامة لا بدّ أن تكون أمراً خارقاً للعادة أتى ذلك الخارق عن امرئ صالح، وهو الولي العارف بالله وصافته حسب ما يمكن، المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي».

4- وقال النووي في شرح صحيح مسلم 11: 108: «ومنها إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل السنّة خلافاً للمعتزلة، وفيه أنّ كرامات الأولياء، قد تقع باختيارهم وطلبهم، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا المتكلّمين، ومنهم من قال لا تقع باختيارهم وطلبهم، وفيه أنّ الكرامات قد تكون بخوارق العادات على جميع أنواعها ومنعه بعضهم وادّعى أنّها تختصّ بمثل إجابة دعاء ونحوه وهذا غلط من قائله، وإنكار للحسّ، بل الصواب جريانها بقلب الأعيان، وإحضار الشيء من العدم ونحوه».

5- وقال إمام الحرمين الجويني في كتاب الإرشاد: 267: «وصار بعض أصحابنا إلى أنّ ما وقع معجزة لنبيّ لا يجوز وقوعه كرامة لولي، فيمنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر وتنقلب العصاة ثعباناً ويحيي الموتى كرامة لولي إلى غير ذلك من آيات الأنبياء عليهم السلام. وهذه الطريقة غير سديدة أيضاً، والمرضي عندنا تجويز جملة الخوارق العوائد في معارض الكرامات».

وقال في ص269: «فإن قيل فما الفرق بين الكرامة والمعجزة؟

قلنا: لا يفترقان في جواز العقل إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوّة».

6- أحمد بن حنبل، قال أبو بكر الخلال في العقيدة: 126: «وكان يذهب ـ يعني أحمد بن حنبل ـ إلى جواز الكرامات للأولياء ويفرّق بينها وبين المعجزة وذلك أنّ المعجزة توجب التحرّي إلى صدق من جرت على يدي ولي كتمها وأسرّها، وهذه الكرامة وتلك المعجزة وينكر على من ردّ الكرامات ويضلّله».

7- وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 17: 355: «وحكى أبو القاسم القشيري عنه ـ عن أبي إسحاق الإسفراييني ـ أنّه كان ينكر كرامات الأولياء ولا يجوزها. وهذه زلة كبيرة».

قول ابن تيميّة في إحياء الموتى على يد الأولياء :

1- قال ابن تيميّة في كتاب النبوّات: 298: «وقد يكون إحياء الموتى على يد أتباع الأنبياء عليهم السلام كما وقع لطائفة من هذه الأمّة».

وقال في النبوّات: 218، وهو يستعرض معجزات الأنبياء: «فإنّه لا ريب أنّ الله خصّ الأنبياء بخصائص لا توجد لغيرهم، ولا ريب أنّ من آياتهم ما لا يقدر أن يأتي به غير الأنبياء... كالناقة التي لصالح فإنّ تلك الآية لم تكن مثلها لغيره، وهو خروج ناقة من الأرض بخلاف إحياء الموتى فإنّه اشترك فيه كثير من الأنبياء والصالحين».


 

 

الإقرار بتحريف القرآن

وذات مرّة سالت الأخ جواد عن رأيه بمن يقول بتحريف القرآن؟

فقال: يا أخي حسين، اعلم هداني الله وإيّاك أنّه لا يوجد مسلم على وجه الأرض يقول: إنّ هذا القرآن محرّف، لا من الشيعة ولا من السنة، وإنّما هي روايات وجدت في كتب الفريقين, أمّا بالنسبة للروايات التي وردت في كتب الشيعة فهي أحاديث آحاد شاذّة إمّا ضعيفة أو موضوعة أو المقصود بها تحريف المعنى لا الزياده والنقصان، والذي طرح هذه الشبهة على الشيعة له غايتان لا ثالث لهما:

- إبعاد الناس عن قراءة الفكر الشيعي.

- أو للطعن بالإسلام والتشكيك في القرآن عند المسلمين.

لا شكّ أنّ هناك أيادٍ عميلة لها مصلحة لتدمير الإسلام من كُلّ جانب, ولا شكّ أنّك تذكر فتوى الإمام الخميني بإهدار دم سلمان رشدي الذي طعن بالقرآن الكريم، فكيف يفتي بذلك ويتحمّل هو والشعب الإيراني عواقب ذلك لاجل قرآن يعتقد أنّه محرّف؟

فقلت له: وما موقف الشيعة إذن ممّن يقولون بتحريف القرآن؟

فقال لي: دعني أبدأ أنا وأنت بالتسليم بأنّ هذا القرآن غير محرّف؟

فقلت لـه: بالنسبة لي هذا الأمر مسلّم عندي، وحاشى أن أقول: إنّ القرآن محرّف.

فقال مجتبى: هل الله عزّ وجلّ سيحاسبنا يوم القيامه على ما نؤمن به أم على ما في كتبنا؟

فقلت له: بلا شكّ على ما نؤمن به.

فقال: ما رأيك أنا وأنت أن نقسم بالله أنّ هذا القرآن الذي يطبع في المملكة العربيّة السعوديّة هو كتاب الله عزّ وجلّ وليس فيه أيّ زيادة أو نقصان.

فقلت له: بلا شكّ إنّي أُقسم على ذلك !

فقال لي: دعني أنا أُقسم قبلك وفعلاً أقسم بهذا القسم.

فقلت لـه: بارك الله فيك، وأردت أن أُقسم نفس القسم، فأوقفني عن القسم قائلاً:
قبل أن تقسم يا أخي حسين، عندي سؤال لك، فقلت تفض
ّل، فقال: إنّه من المعلوم أنّ القرآن فيه مائة وأربعة عشر سورة وكُلّ سورة تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فيما عدا سورة التوبة لا تبدأ بالبسملة، فهل أنت تعتبر أنّ البسملة هي جزء من كُلّ سورة في القرآن الكريم أو ليست كذلك؟

فقلت لـه: إنّ البسملة هي جزء من القرآن في سورة الفاتحة وفيما عدا ذلك فهي ليست من القرآن.

فتبسّم جواد قائلاً: بسم الله الرحمن الرحيم، فيها تسعة عشر حرفاً، وعدد سور القرآن الكريم مائة وأربعة عشر سورة ولو استثنينا سورة الفاتحة وسورة التوبة سيكون مجموع السور المتبقيّة مائة واثنا عشر سورة، فإذا ضربنا تسعة عشر حرفاً وهو عدد حروف البسملة بمائة واثني عشر وهي عدد السور التي بدون بسملة سيكون الناتج ألفان ومائة وثمانية وعشرون حرفاً فهل لك أن تقول لي: من أضاف هذه الأحرف للقرآن؟!

كان سؤاله بمثابة صدمة لي ولم أعرف بما أُجيبه فقلت لـه: كما هو وارد عندنا أنّ البسملة وضعت في باقي السور اجتهاداً من الصحابة أو للتبرّك أو للفصل بين السور.

فقال جواد:كيف تقول يا أخي، اجتهاد من الصحابة، وهذا القرآن هوكتاب الله وكلامه، أو ليس هذا إقرار منك بالزيادة في القرآن؟!

فقلت لـه: على رسلك يا أخي جواد فأهل السنّة في هذا الأمر اختلفوا، فمنهم من يقول: إنّها جزء من كُلّ سورة، ومنهم يقول: إنّها اجتهاد من الصحابة وضعوها للفصل بين السور أو للتبرّك.

فقال جواد: أمّا قولك: إنّهم وضعوها للفصل بين السور أو للتبرّك فإنّي أسألك لماذا وضعوها في بداية كُلّ السور ولم يضعوها في بداية سورة التوبة؟

لم أعرف ماذا أردّ عليه فقلت لـه: يا أخي جواد، كما أخبرتك إنّ أهل السنّة اختلفوا في هذا الأمر ويبقى الأمر اجتهاد.

فقال جواد: إذا كان كذلك فكيف كنت ستقسم أنّ هذا القرآن ليس فيه زيادة ولا نقصان! ثمّ هل أنت مستعدّ لتثبت لي حرصك على هذا القرآن وتكفيّر من قال إنّ البسملة ليست من القرآن؟

فقلت له: طبعا، لا أكفّر وكما أخبرتك هذا أمر اجتهادي.

فقال لي: إذا كنت قد عذرت علماء السنّة وأغلبهم يقول: إنّها ليست من القرآن فلماذا لا تعذرون الشيعة مع أنّهم يضربون بأيّ قول وبأيّ حديث يقول بأيّ زيادة أو نقصان عرض الجدار.

الاختلاف في جزئيّة البسملة عند السنّة:

1_قال ابن كثير في تفسيره15:1 : «وممّن حكي عنه أنّـها آية من كُلّ سورة إلاّ براءة ابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي, ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري، وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله، وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابـهما: ليست آية من القرآن ولا من غيرها من السور, وقال الشافعي في قول في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة وليست من غيرها, وعنه أنّـها بعض آية من أوّل كُلّ سورة وهما غريبان, وقال داود: هي آية مستقلّة في أوّل كُلّ سورة لا منها وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله ».

2_ وقال الشوكاني في نيل الأوطار208:2 : « وقد اختلفوا هل هي آية من الفاتحة فقط أو من كُلّ سورة أو ليست بآية ؟ فذهب ابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير وطاوس وعطاء ومكحول وابن المبارك وطائفة إلى أنّـها آية من الفاتحة ومن كُلّ سورة غير براءة, وحكي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد وجماعة من أهل الكوفة ومكّة وأكثر العراقيين، وحكاه الخطّابي عن أبي هريرة وسعيد بن جبير ورواه البيهقي في الخلافيات بإسناده عن علي بن أبي طالب والزهري وسفيان الثوري, وحكاه في السنن الكبرى عن ابن عبّاس ومحمّد بن كعب أنّـها من الفاتحة فقط, وحكي عن الأوزاعي ومالك وأبي حنيفة وداود وهو رواية عن أحمد أنّـها ليست آية في الفاتحة ولا في أوائل السور, وقال أبو البكر الرازي وغيره من الحنفيّة : هي آية بين كُلّ سورتين غير الأنفال وبراءة وليست من السور، بل هي قرآن مستقلّ كسورة قصيرة, وحكي هذا عن داود وأصحابه وهو رواية عن أحمد».

3_ قال الآلوسي في روح المعاني39:1 : « اختلف الناس في البسملة في غير النمل إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق على عشرة أقوال : (الأوّل) أنّـها ليست آية من السور أصلاً (الثاني) أنّـها آية من جميعها غير براءة (الثالث) أنـها آية من الفاتحة دون غيرها … الخ».

وأمّا الروايات التي تقول صراحة بالنقص والزيادة في القرآن في كتب السنّة فهي كثيرة أذكر منها :

ذهاب بعض القرآن :

1_قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد 275:4 : « وروى أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سيف، عن مجاهد قال : كانت الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول، ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآن كثير، ولم يذهب منه حلال ولا حرام».

2_ قال الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف 330:7: «قال سفيان الثوري: وبلغنا أنّ أناساً من أصحاب النبيّ 0 كانوا يقرؤون القرآن أصيبوا يوم مسيلمة فذهبت حروف من القرآن».

3_ وفي الدر المنثور422:6: « أخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطّاب، قال : قال رسول الله0 : القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف, فمن قرأه صابراً محتسباً فله بكلّ حرف زوجة من الحور العين».

وحروف القرآن الموجود اللآن بين أيدي جميع المسلمين هي ثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون حرفاً وستّمائة وواحد وسبعون حرفاً يعني ذهب أكثر القرآن.

4_ وأخرج عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّـف 345:7: « عن يوسف بن مهران أنّه سمع ابن عبّاس يقول : أمر عمر بن الخطّاب منادياً، فنادى : إنّ الصلاة جامعة, ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال : يا أيّها الناس، لا يجزعن من آية الرجم فإنّها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ولكنّها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمّد».

5_ وفي الدر المنثور298:2، عن ابن عمر قال : « لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه ! قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر».

التحريف في سورة الأحزاب:

1- أخرج أحمد بن حنبل في مسنده 123:5: « حدّثنا عبد الله، ثنا خلف بن هشام ثنا، حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ عن أبي بن كعب أنّه قال : كم تقرؤون سورة الأحزاب ؟ قلت : ثلاثاً وسبعين آية، قال : قط ! لقد رأيتها وأنّها لتعادل سورة البقرة وفيها آية الرجم ! قال زرّ: قلت: وما آية الرجم ؟ قال : (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)».

2- وفي الإتقان 25:2: «عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ 0 مائتي آية، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ ما هو الآن».

التحريف في آية الرجم:

1_ وأخرج النسائي في سننه الكبرى272:4: « أخبرنا العبّاس بن محمّد الدوري، قال: ثنا أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان, قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عبد الله، عن بن عبّاس، عن عبد الرحمن بن عوف، قال : خطبنا عمر فقال: ثمّ قد عرفت أنّ أناساً يقولون: إنّ خلافة أبي بكر كانت فلتة, ولكن وقى الله شرّها، وإنّه لا خلافة إلاّ عن مشورة، وأيما رجل بايع رجلاً مشورة لا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا. قال شعبة: قلت لسعد: ما تغرة أن يقتلا؟ قال: عقوبتهما أن لا يؤمر واحد منهما. ويقولون: والرجم؟ وقد رجم رسول الله 0 ورجمنا وأنزل الله في كتابه، ولولا أنّ الناس يقولون زاد في كتاب الله لكتبته بخطّي حتّى ألحقه بالكتاب».

2_ قال الزيلعي في نصب الراية318:3: « قلت: روى البخاري ومسلم عن ابن عبّاس أنّ عمر بن الخطّاب خطب فقال : إنّ الله بعث محمّداً 0 بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله 0 ورجمنا من بعده، وإنّي حسبت أن طال بالناس الزمان أن يقول قائل ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله فالرجم حقّ على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصناً إن قامت البيّنة أوكان حمل أو اعتراف، وأيم الله ! لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله عزّ وجلّ لكتبتها ».

3_ وفي السنن الكبرى 273:4: « عن الحسين بن إسماعيل بن سليمان، قال: ثنا حجّاج بن محمّد، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله يحدّث عن بن عبّاس، عن عبد الرحمن بن عوف، قال : ثمّ حجّ عمر فأراد أن يخطب الناس خطبته، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنّه قد اجتمع عندك رعاع الناس وسفلتهم فأخّر ذلك حتّى تأتي المدينة. قال: فلمّا قدم المدينة دنوت قريباً من المنبر فسمعته يقول: إنّي قد عرفت أنّ ناساً يقولون إنّ خلافة أبي بكر كانت فلتة, وإنّ الله وقى شرّها، إنّه لا خلافة إلاّ عن مشورة ولا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا، وأنّ ناساً يقولون: ما بال الرجم وإنّما في كتاب الله الجلد ؟ وقد رجم رسول الله 0 ورجمنا بعده، ولولا أن يقولوا أثبت في كتاب الله ما ليس فيه لأثبّتها كما أنزلت».

4_ وفي مصنّف عبد الرزّاق 345:7: « عن ابن عبّاس، قال: أمر عمر بن الخطّاب منادياً فنادى: إنّ الصلاة جامعة, ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: يا أيها الناس، لا تخدعنّ عن آية الرجم فإنّها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها, ولكنّها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمّد».

التحريف في آية الرضاع:

1_أخرج مسلم في صحيحه167:4، أنّ عائشة قالت: « كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن)، ثمّ نسخن (بخمس معلومات)، فتوفّي رسول الله0 وهن فيما يقرأ من القرآن».

قال الترمذي في السنن309:2: « وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبيّ0، وهو قول الشافعي وإسحاق وقال أحمد بحديث النبيّ 0 (لا تحرّم المصّة ولا المصّتان)، وقال:إن ذهب ذاهب إلى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قويّ وجبن عنه أن يقول فيه شيئاً».

2_ وأخرج عبد الرزّاق الصنعاني في مصنّفه496:7 : « أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت نافعاً يحدّث أنّ سالم بن عبد الله حدّثه : أنّ عائشة زوج النبيّ 0 أرسلت به إلى أختها أمّ كلثوم ابنة أبي بكر لترضعه عشر رضعات ليلج عليها إذا كبر, فأرضعته ثلاث مرّات, ثمّ مرضت فلم يكن سالم يلج عليها . قال : زعموا أنّ عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عزّ وجلّ عشر رضعات ثمّ ردّ ذلك إلى خمس، ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبيّ 0».

3_ وقد ذكرت عائشة بأنّ هذه الآية أكلها الداجن، قال ابن حزم في المحلّى235:11 : « ثمّ اتّفق القاسم بن محمّد وعمرة كلاهما عن عائشة أمّ المؤمنين، قال: لقد نزلت آية الرجم والرضاعة فكانتا في صحيفة تحت سريري فلمّا مات رسول الله 0 تشاغلنا بموته, فدخل داجن فأكلها . قال أبو محمّد -ابن حزم- : وهذا حديث صحيح».

4_ وفي سنن ابن ماجة عن عائشة625:1 : « لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً . ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله 0 وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها».

5_ وأخرج الطبراني في المعجم الأوسط 12:8 : « عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: نزلت آيه الرجم ورضاع الكبير عشراً فلقد كان في صحيفة تحت سريري فلمّا مات رسول الله0 تشاغلنا بـموته فدخل داجن فأكلها».

 

حذف المعوذتين من القرآن:

1_في مجمع الزوائد149:7: « عن زرّ قال: قلت لأبيّ : إنّ أخاك يحكّهما من الصحف ! قيل لسفيان: ابن مسعود، فلم ينكر، قال: سألت رسول الله 0 فقال : فقيل لي، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله».

2_وفي مصنّف ابن أبي شيبة538:1 « حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: رأيت عبد الله مـحا المعوذتين من مصاحفه، وقال: لا تخلطوا فيه ما ليس منه».

3_وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري743:8: « وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: ان ابن مسعود يحكّ المعوذتين من مصاحف ويقول: إنّـهما ليستا من كتاب الله».

4- وفي مسند أحمد 130:5: « حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي ثنا سفيان بن عيينة، عن عبدة وعاصم، عن زرّ قال: قلت لأبي: إنّ أخاك يحكّهما من المصحف ! فلم ينكر, قيل لسفيان: ابن مسعود، قال : نعم، وليسا في مصحف ابن مسعود كان يرى رسول الله0 يعوذ بـهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شيء من صلاته, فظنّ أنّـهما عوذتان وأصرّ على ظنّه, وتحقّق الباقون كونـهما من القرآن فأودعوهما إيّاه».

فقدان سورتين إحدهما تعدل التوبة والأُخرى المسبّحات:

1- روى مسلم في صحيحه100:3: « عن أبي الأسود ظالم بن عمرو، قال: بَعثَ أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجلٍ قد قرأوا القرآن, فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم, فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنّـا نقرأ سورةً كنّـا نشبِّهـها في الطّول والشدّة ببراءة، فأنْسيتُها، غير أنّي قد حفظت منها : (لوكان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ), وكنّا نقرأ سورةً كنّا نشبـّـهها بإحدى المسبِّحات فأنسيتها غير إنّي حفظت منها ( يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادةٌ في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة)».

2- وفي الدر المنثور105:1 « وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري، قال : نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدّة ثمّ رفعت وحفظت منها ( إنّ الله سيؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ) ».

3- وفي مجمع الزوائد302:5: « عن أبي موسى الأشعري، قال: نزلت سورة نحواً من براءة فرفعت فحفظت منها ( إنّ الله سيؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم)».

ودعني أذكر لك إقرار بعض علماء السلف تأكيداً على ما ذكرته لك:

أقوال علماء السنّة واعترافهم بالتحريف:

1- أقرّ الإمام أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء في تفسيره المسمّى بمعاني القرآن باعتقاد بعض السلف من الصحابة وغيرهم تحريف بعض المقاطع من القرآن، قال الفراء في كتابه483:3: « وقوله {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} قد اختلف فيه القرّاء، فقال بعضهم : هو لـحن, ولكنّا نمضي عليه لئلاّ نـخالف الكتاب, حدّثنا أبو العبّاس، قال: حدّثنا محمّد، قال: حدّثنا الفراء، قال: حدّثني أبو معاوية الضرير، عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنّـها سُئلت عن قوله في النساء {لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ … وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ}, وعن قوله في المائدة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}، وعن قوله {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}؟ فقالت: يابن أخي هذا كان خطأ من الكاتب, وقرأ أبو عمرو (إن هذين لساحران), واحتجّ أنّه بلغه عن بعض أصحاب محمّد 0 أنّه قال: إنّ في المصحف لـحناً وستقيمه العرب».

2_ اعترف الإمام أبو جعفر النحّاس أن ابن عبّاس كان يقول بوقوع التحريف في القرآن الكريم، كما في تفسير معاني القرآن516:4، «وقوله جلّ وعزّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(النور:27)، قال عبد الله بن عبّاس : إنّـما هو (حتّى تستأذنوا)».

3_اعترف الإمام العزّ بن سلام بإنكار ابن مسعود للمعوّذتين وأنّـهما في نظره ليستا من كتاب الله, قال في تفسير القرآن 509:3 : « وهي والتي بعدها معوّذتا الرسول0 حيث سرحته اليهوديّة, وكان يقال لهما: المشقشقتان, أي تبرآن من النفاق، وخالف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الإجماع بقوله هما عوذتان وليستا من القرآن الكريم ».

4_اعترف الإمام ابن الجوزي بإنكار بعض سلفهم الصالح قرآنيّة بعض كلمات القرآن كما ذكر ذلك في زاد المسير297:5 : « واختلفت القرّاء في قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ }(طه:63) فقرأ أبو عمرو بن العلاء ( إنَّ هذين ) على إعمال (إنّ)، وقال : إنّي لأستحي من الله أن أقرأ {هَذَانِ}».

فأمّا قراءة أبي عمرو فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روي عن عثمان وعائشة أنّ هذا غلط من الكاتب».

5_ اعترف القرطبي بقول بعض سلفهم الصالح بوقوع التحريف والخطأ في كتابة المصحف كما في الجامع لأحكام القرآن251:20 : « وقد خطّأها قوم حتّى قال أبو عمرو: إنّي لأستحي من الله أن أقرأ {وإِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ }، وروي عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنّـها سألت عن قوله تعالى: {لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } ثمّ قال: {وَالْمُقِيمِينَ}, وفي المائدة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}، {وإِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فقالت : يا بن أختي، هذا من خطأ الكُـتـّاب».

6_اعتراف ابن تيميّة بأنّ بعض السلف قال بالتحريف، قال في مجموع الفتاوى492:12: « وأيضا فإنّ السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل، واتّفقوا على عدم التكفير بذلك، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميّت يسمع نداء الحي, وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة, وأنكر بعضهم رؤية محمّد ربّه ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة .

وكان القاضي شريح يذكر قراءة من قرأ ( بل عجبتُ ) ويقول : إنّ الله لا يعجب! فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنّما شريح شاعر يعجبه علمه، وكان عبد الله أفقه منه، فكان يقول: ( بل عجبت ), فهذا قد أنكر قراءة ثابتة، وأنكر صفة دلّ عليها الكتاب والسنّة، واتّفقت الأمّة على أنّه إمام من الأئمّة, وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن, من إنكار بعضهم قوله: { أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا }(الرعد:31), وقال : إنّـما هي ( أولم يتبيّن الذين آمنوا )، وأنكر الآخر قراءة قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}(الإسراء:23) وقال: إنّـما هي ( ووصّى ربّك )، وبعضهم كان حذف المعوذتين، وآخر يكتب سورة القنوت.

وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر، ومع هذا فلم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجّة بالنقل المتواتر».

فقلت للأخ جواد: طالما أنّكم لا تقبلون أي تحريف فلماذا لا ينفي علماء الشيعة هذا الأمر ويكذّبوا هذا الادّعاء؟

علماء الشيعة ينّزهون القرآن عن أيّ زيادة أو نقصان:

قال الأخ جواد: قبل أن أذكر لك أقوال علماء الشيعة اعلم يا أخي حسين، أنّ الأحاديث التي وردت في كتب الشيعة وتفيد التحريف ما هي إلاّ أحاديث آحاد شاذّة، وهي إمّا ضعيفة أو موضوعة أو المقصود بها تحريف المعنى لا الزياده والنقصان, وأمّا أقوال علماء الشيعة في نفي التحريف عن القرآن الكريم - القدامى والمعاصرين - فهي كثيةه جداً ولا حصر لها، أذكر لك بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

1- قال السيّد الخميني رحمه الله في تهذيب الأصول 2 : 165 : «إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع القرآن وحفظه وضبطه قراءةً وكتابة يقف على بطلان تلك المزعومة (أيّ تهمة تحريف القرآن)، وما ورد فيها من أخبار – حسبما تمسّكوا – إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو مجعول تلوح عليه أمارات الجعل، أوغريب يقضي بالعجب، أمّا الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل والتفسير وأنّ التحريف إنّما حصل في ذلك لا في لفظه وعباراته».

2- قال السيّد السيستاني في فتواه المؤرّخة 26 شوال/1423هجري: «القول بالتحريف منقول عن الصحابة وعلماء السنّة، أمّا الصحابة فإنّ عمر بقي إلى آخر عمره مصرّاً على أنّ آية الرجم وآية إطاعة الوالدين جزء من القرآن، والمسلمون رفضوا ذلك، ومصحف عبد الله بن مسعود يختلف عن المصاحف المشهورة اختلافاً فاحشاً، وهناك سورتان مروّيتان في صحاح أهل السنّة ولم تردا في القرآن وهما سورتا الحفد والخلع، وأمّا الشيعة فالصحيح عندهم هو عدم التحريف، وقد أمر الأئمّة عليهم السلام بتلاوة القرآن كما هو المشهور، واستدلّوا بنفس هذه القراءات المشهورة، وأمّا الروايات فأكثرها ضعيفة وقسم منها مؤوّل بإرادة التفسير وغيره».

3- قال السيّد الخوئي رحمه الله في البيان في تفسير القرآن: 259: «إنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل، أومن ألجأه إليه حبّ القول به، والحبّ يعمي ويصمّ، أمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته».

4- وقال الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء رحمه الله في أصل الشيعة وأصولها صفحة 133، مبحث النبوة: «وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هوالكتاب الذي أنزله الله للإعجاز، والتحدّي وتمييز الحلال من الحرام، وأنّـه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة وعلى هذا إجماعهم».

5- وقال السيّد محسن الأمين العاملي رحمه الله في أعيان الشيعة 1 :46: « لا يقول أحد من الإماميّة لا قديماً ولا حديثاً إنّ القرآن مزيد فيه قليل أوكثير، بل كلّهم متّفقون على عدم الزيادة، ومن يعتدّ بقولهم متّفقون على أنّه لم ينقص منه ...» إلى أن يقول : « ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهوكاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله».

- وقال أيضاً في كتابه نقض الوشيعة : 198 : « ... إنّه اتّفق المسلمون كافّة على عدم الزيادة في القرآن، واتّفق المحقّقون وأهل النظر ومن يعتدّ بقوله من الشيعيين والسنّيين على عدم وقوع النقص، ووردت روايات شاذّة من طريق السنّيين ومن بعض طرق الشيعة تدلّ على وقوع النقص ردّها المحقّقون من الفريقين واعترفوا ببطلان ما فيها، وسبقها الإجماع على عدم النقص ولحقها فلم يبق لها قيمة».

6- قال السيّد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله في أجوبة مسائل جار الله: 34: «فإنّ القرآن العظيم والذّكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعيّاً عن أئمّة الهدى من أهل البيت - عليهم السلام - لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله 0 عن الله تعالى، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه، وظواهر القرآن الكريم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها عملاً بأوامر أئمّتهم - عليهم السلام - وكان القرآن مجموعاً أيام النبيّ 0 على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير».

- وقال أيضاً في كتابه الفصول المهمّة : 163، وهو يردّ على من يحاول إلصاق تهمة القول بتحريف القرآن المجيد إلى الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة: «وكلّ من نسب إليهم تحريف القرآن فإنّه مفتر عليهم ظالمٌ لهم؛ لأنّ قداسة القرآن الحكيم من ضروريّات دينهم الإسلامي ومذهبهم الإمامي، ومن شكّ فيها من المسلمين فهو مرتدّ بإجماع الإماميّة.

7- قال العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله في الميزان في تفسير القرآن 12 :101 عند تفسيره لقوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}: «...فهو ذكر حيّ خالد مصون من أن يموت وينسى من أصله، مصون من الزيادة عليه بما يبطل كونه ذكراً مصون من النقص كذلك، مصون من التغيير في صورته وسياقه، بحيث يتغيّر به صفة كونه ذكراً لله مبيّناً لحقائق معارفه، فالآية تدلّ على كونه كتاب الله محفوظاً من التحريف بجميع أقسامه بجهة كونه ذكراً لله سبحانه، فهو ذكر حيّ خالد...».

8- قال الشيخ محمّد بن علي بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله المتوفّى سنة «381 هـ» في رسالة الاعتقادات: 59 : «اعتقادنا في القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد 0 هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنّا نقول: إنّه أكثر من ذلك فهوكاذب».

9- قال الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد رحمه الله المتوفّى سنة «413 هـ» في أوائل المقالات : 55 : «وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل، والله أسأل توفيقه للصواب».

10- قال الشيخ محمّد بن الحسن أبو جعفر الطوسي رحمه الله ، الملّقب بشيخ الطائفة المتوفّى سنة «460 هـ» في تفسير التبيان: 3 : «وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمّما لا يليق به؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات».

11- قال الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي، الملقب بأمين الإسلام رحمه الله، المتوفّى سنة «548 هـ » في مجمع البيان 1 :15 : «... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة: أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى – قدّس الله روحه – واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيّات».

12- قال الشيخ بهاء الدين العاملي المعروف بالشيخ البهائي رحمه الله ، المتوفّى سنة «1030 هـ» في تفسير آلاء الرحمن: 26: «الصحيح أنّ القرآن الكريم محفوظ من ذلك زيادة أو نقصاناً ويدلّ عليه قوله تعالى :{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}».

13- قال السيّد محمّد هادي الميلاني رحمه الله المتوفّى سنة «1395هـ » جواباً على سؤال وجّه لـه، هل وقع تحريف في القرآن، في كتاب مئة وعشرة أسئلة: 5 : «أقول بضرس قاطع: إنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ تحريف لا بزيادة ولا بنقصان ولا بتغيير بعض الألفاظ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة لا في تغيير الألفاظ والعبارات».

14- قال العلاّمة أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي رحمه الله المتوفّى سنة «726هـ » في أجوبة المسائل المهنّاويّة : 121، حيث سئل ما يقول سيّدنا في الكتاب العزيز، هل يصحّ عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أوزيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لا يصحّ عندهم من ذلك؟ فأجاب: «الحقّ لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنّه لم يزد ولم ينقص ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك فإنّه يوجب التطـرّق إلى معجزة الرسول 0 المنقولة بالتواتر».

15- وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله في كتاب كشف الغطاء 2 :299 : «لا ريب في أنّه - القرآن - محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيان كما دلّ عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، وما ورد في أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها، ولا سيّما ما فيه نقص ثلث القرآن أو كـثير منه، فإنّه لوكان كذلك لتواتر نقله لتوفّر الدواعي عليه، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله، ثمّ كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه».

16- قال العلاّمة محمّد رضا المظفر رحمه الله المتوفّى سنة «1383 هـ» في كتاب عقائد الإماميّة 59 : «نعتقد أنّ القرآن هو الوحي الإلهي المنزّل من الله تعالى على لسان نبيّه الأكرم، فيه تبيان كُلّ شيء ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة، وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بأيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزّل على النبيّ، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أومغالط أو مشتبه، وكلّهم على غير هدى،فإنّه كلام الله الذي {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}».

17- قال محمّد بن محسن الشهير بالفيض الكاشاني رحمه الله المتوفّى سنة «1096 هـ» في تفسير الصافي 1 :51، المقدّمة السادسة: «إنّ ذكر بعض الروايات ممّا يوهم وقوع التحريف في كتاب الله ما ملخّصه : على هذا لم يبق لنا اعتماد بالنصّ الموجـود، وقـد قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَمِنْ خَلْفِهِ }، وقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ، وأيضاً يتنافى مع روايات العرض على القرآن، فما دلّ على وقوع التحريف مخالف لكتاب الله وتكذيب له، فيجب ردّه والحكم بفساده أوتأويله».

وقال في كتابه «علم اليقين» حينما تكلّم عن إعجاز القرآن المجيد وبعد أن نقل جملة من الروايات الموهمة بوقوع التحريف : «ويرد على هذا كلّه إشكال وهو أنّه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن، إذ على هذا يحتمل كُلّ آية منه تكون محرّفة ومغيّرة وتكون على خلاف ما أنزله الله، فلم يبق له حجّة أصلاً فتنقضي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصيّة به.

وأيضاً قـال عزّ وجل : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فكيف تطرّق إليه التحريف والنقصان والتغيير ؟! وأيضاً قـال الله عـزّ وجل : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وأيضاً قد استفاض عن النبيّ 0 وعن الأئمّة - عليهم السلام - عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله ليعلم صحّته بموافقته لـه وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذي بين أيدينا محرّفاً مغيّراً فما فائدة العرض؟ مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب لـه، فيجب ردّه والحكم بفساده أوتأويله، ويخطر بالبال في دفع الإشكال – والعلم عند الله – أنّ مرادهم - عليهم السلام - بالتحريف والتغيير والحذف إنّما هومن حيث المعنى دون اللفظ، أيّ حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله أيّ حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر، فمعنى قولهم: كذا أنزلت: أنّ المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره، وليس المراد أنّها نزلت كذلك في اللفظ فحذف ذلك إخفاءً للحقّ وإطفاءً لنور الله».

18- قال الشيخ لطف الله الصافي في كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة: 44-46 : «القرآن معجزة نبيّنا محمّد 0 الخالدة وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله وبمثل سورة وآية منه، وحيّر عقول البلغاء وفطاحل الأدباء، بيّن الله تعالى فيه أرقى المباني وأسمى المبادئ ، وأنزله على نبيّه دليلاً على رسالته ونوراً للناس وشفاء لما في الصدور ورحمة للمؤمنين».

وقال أيضاً : «هذا القرآن هو كُلّ ما بين الدّفتين وليس فيه شيء من كلام البشر، وكُلّ سورة من سوره وكُلّ آية من آياته متواتر مقطوع به ولا ريب فيه، دلّ عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر.

هذا القرآن عند الشيعة ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلاً عن الزيادة سبيل، ولا يرتاب في ذلك إلاّ الجاهل أو المبتلى بالشذوذ».

19- وقال العلاّمة الشيخ المجلسي رحمه الله المتوفّى سنة «1111 هـ » في كتاب بحار الأنوار 92 :75 بعد أن ذكر بعض الأحاديث الموهمة بنقصان القرآن ما نصّه : «فإن قال قائل: كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّتين هوكلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمّة عليهم السلام أنّهم قرأوا : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وكذلك : {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاًً} وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس ؟ قيل لـه: قد مضى الجواب على هذا وهو أنّ الأخبار التي جاءت بتلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما بيّناه، مع أنّه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين أحدهما ما تضمّنه المصحف والثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتّى...».

أتصوّر أنّ هذه الأقوال كافية يا حسين، لتبيّن لك رأي علماء الشيعة الصريح بتنزيه القرآن الكريم من أي زيادة أو نقصان, وهذا الأمر ليس بخافي على علماء السنّة وإنّما كان هذا الاتّهام من فئة حاقدة عجزت عن مواجهة الحقّ فاضطرّوا إلى استعمال الأساليب الخسيسة لتشويه صورة الشيعة وحجب فكرهم عن الآخرين، وإليك بعض ممّا قاله مجموعة من أكابر علماء السنّة ومثقّفيهم.

علماء السنّة المعتدلين يقّرون بأنّ الشيعة لا يقولون بالتحريف:

أوّلاً: الأزهر يجيز التعبّد بمذهب الإماميّة، فلو كانوا يعتقدون أنّ الشيعة يقولون بتحريف القرآن لما اعتبروا الشيعة مذهب خامس، هذا ناهيك عن تأكيد علماء السنّة بتكذيب من ادّعى على الشيعة ذلك:

1- الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر محمود شلتوت رحمه الله في فتواه بشأن جواز التعبّد بمذهب الشيعة الإماميّة، قيل لفضيلته: إنّ بعض الناس يرى أنّه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلّد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإماميّة ولا الشيعة الزيديّة، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة مثلاً؟

فأجاب فضيلته :

 1- إنّ الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه مذهب معيّن، بل نقول: إنّ لكُلّ مسلم الحقّ أن يقلّد بادي ذي بدء أيّ مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدوّنة أحكامها في كتبها الخاصّة، ولمن قلّد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره - أيّ مذهب كان - ولا حرج عليه في شيء من ذلك .

 2- إنّ مذهب الجعفريّة المعروف بمذهب الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة مذهب يجوز التعبّد به شرعاً كبقيّة مذاهب أهل السنّة.

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلّصوا من العصبيّة بغير الحقّ لمذاهب معيّنة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكُلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل  بما يقرّرونه في فقههم ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات .

2- قال الشيخ الأزهري الكبير محمّد الغزالي المصري رحمه الله في كتاب دفاع عن العقيدة والشريعة ضدّ مطاعن المستشرقين : 219- 22 : «إنّني آسف؛ لأنّ بعض من يرسلون الكلام على عواهنه، لا بل بعض من يسوقون التهم جزافاً غير مبالين بعواقبها دخـلوا في ميدان الفكر الإسلامي بهذه الأخلاق المعلولة فأساؤوا إلى الإسلام وأمّته شرّ إساءة، سمعت واحداً من هؤلاء يقول في مجلس علم: إنّ للشيعة قرآناً آخر يزيد أو ينقص عن قرآننا المعروف ! فقلت لـه: أين هذا القرآن؟

إنّ العالم الإسلامي الذي امتدّت رقعته في ثلاث قارّات ظلّ من بعثة محمّد 0 إلى يومنا هذا بعد أن سلخ من الزمن أربعة عشر قرناً لا يعرف إلاّ مصحفاً واحداً، مضبوط البداية والنهاية، معدود السور والآيات والألفاظ، فأين هذا القرآن الآخر؟!

ولماذا لم يطّلع الإنس والجن على نسخة منه من خلال هذا الدهر الطويل؟

ولحساب من تفتعل هذه الإشاعات وتلقى بين الأغرار ليسوء ظنّهم بإخوانهم وقد يسوء ظنّهم بكتابهم.

إنّ المصحف واحد يطبع في القاهرة فيقدّسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخه بين أيديهم وفي بيوتهم دون أن يخطر ببالهم شيء بتة إلاّ توقير الكتاب – جلّ شأنه – ومبلّغه – 0 - فلم الكذب على الناس وعلى الوحي؟

ومن هؤلاء الأفّاكين من روّج أنّ الشيعة أتباع علي، وأنّ السنّيين أتباع محمّد، وأنّ الشيعة يرون عليّاً أحقّ بالرسالة، أوأنّها أخطأته إلى غيره!

وهذا لغو قبيح وتزوير شائن، ولكن تصديق هذا اللغوكان الباعث على تلك المجزرة المخزية التي وقعت في أبناء الإسلام من سنّة وشيعة، فجعلتهم – وهو الأخوة في الدين– يأكل بعضهم بعضاً على هذا النحوالمهين.

إنّ الشيعة يؤمنون برسالة محمّد 0 ويرون شرف علي في انتمائه إلى هذا الرسول، في استمساكه بسنّته، وهم كسائر المسلمين لا يرون بشراً في الأوّلين والآخرين أعظم من الصادق الأمين ولا أحقّ منه بالاتّباع فكيف ينسب لهم هذا الهذر؟!

الواقع أنّ الذين يرغبون في تقسيم الأمّة طوائف متعادية لمّا لم يجدوا لهذا التقسيم سبباً معقولاً لجأوا إلى افتعال أسباب الفرقة، فاتّسع لهم ميدان الكذب حين ضاق ميدان الصدق.

لست أنفي أنّ هناك خلافات فقهيّة ونظريّة بين الشيعة والسنّة، بعضها قريب الغور وبعضها بعيد الغور، بيد أنّ هذه الخلافات لا تستلزم معشار الجفاء الذي وقع بين الفريقين، وقد نشب خلاف فقهي ونظري بين مذاهب السنّة نفسها بل بين أتباع المذهب الواحد منها، ومع ذلك فقد حال العقلاء دون تحوّل هذا الخلاف إلى خصام بارد أو ساخن».

3- وقال الشيخ الأزهري محمّد أبو زهرة رحمه الله في كتاب الإمام الصادق: 296 : «القرآن بإجماع المسلمين هوحجّة الإسلام الأولى وهو مصدر المصادر له، وهو سجل شريعته، وهو الذي يشتمل على كلّها وقد حفظه الله تعالى إلى يوم الدين كما وعد سبحانه إذ قال:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } وإنّ إخواننا الإماميّة على اختلاف منازعهم يرونه كما يراه كُلّ المؤمنين».

ثمّ ذكر في نفس المصدر :329: «إنّ الشريف المرتضى وأهل النظر الصادق من إخواننا الاثني عشريّة قد اعتبروا القول بنقص القرآن أو تغييره أو تحريفه تشكيكاً في معجزة النبيّ 0، واعتبروه إنكاراً لأمر علم من الدين بالضرورة».

4- وقال مصطفى الرافعي في كتاب إسلامنا : 57 : «والقرآن الكريم الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة ولا نقصان، وما ورد من أنّ الشيعة الإماميّة يقولون بأنّ القرآن قد اعتراه النقص ... هذا الإدّعاء أنكره مجموع علماء الشيعة ... فالقرآن الكريم – إذن – هوعصب الدولة الإسلامية، تتّفق مذاهب أهل السنّة مع مذهب الشيعة الإماميّة على قداسته ووجوب الأخذ به، وهو نسخة موحّدة لا تختلف في حرف ولا رسم لدى السنّة والشيعة الإماميّة في مختلف ديارهم وأمصارهم».

5- وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه بين الشيعة وأهل السنّة: 35: «يعتقد الشيعة الجعفريّة كما يعتقد أهل السنّة أنّ القرآن الكريم هوكلام الله عزّ وجلّ المنزل على رسوله المنقول بالتواتر والمدوّن بين دفتي المصحف بسوره وآياته المرتّبة بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وأنّه الجامع لأصول الإسلام عقائده وشرائعه وأخلاقه، والخلاف بيننا وبينهم في هذا الصدد يتمثّل في أمور شكليّة وجانبيّة لا تمسّ النصّ القرآني بزيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تبديل ولا تثريب عليهم في إعتقادها».

وقال أيضاً في نفس المصدر : 37 – 38 : «أمّا ما ورد في بعض مؤلّفاتهم من آراء تثير شكوكاً في النصّ القرآني وتنسب إلى بعض أئمّتهم، فإنّهم لا يقرّونها ويعتقدون بطلان ما تذهب إليه، وبطلان نسبتها إلى أئمّتهم، ولا يصحّ كما قلنا فيما سبق أن نحاسبهم على آراء حكموا ببطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمّتهم، ولا أن نعدها من مذهبهم، مهما كانت مكانة رواتها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها ... وقد تصدّى كثير من أئمّة الشيعة الجعفريّة أنفسهم لردّ هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمّتهم، وأنّها ليست من مذهبهم في شيء».

6- وقال البهنساوي وهو أحد مفكّري الإخوان المسلمين في كتاب السنّة المفترى عليها : 60 : «إنّ الشيعة الجعفريّة الاثني عشريّة يرون كفر من حرّف القرآن الذي أجمعت عليه الأمّة منذ صدر الإسلام ... وأنّ المصحف الموجود بين أهل السنّة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة».


 

 

نكاح المتعة

وذات مرّة كنّا نتبادل أطراف الحديث، قلت للأخ جواد: لماذا الشيعة يؤمنون بزواج المتعة مع أنّ الرسول 0 قد حرّمه؟

فقال الأخ جواد: ومن قال لك أنّ الرسول قد حرّمه ؟

الأدلّة الواردة في حلّيّة المتعة من القرآن والسنّة:

إنّ نكاح المتعة قد أحلّه الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم وعلى لسان نبيّه الأكرم 0، وذلك في قوله تعالى : {.. وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} النساء : 24

1- قال ابن كثير في تفسيره للآية 1 :475 : «وقد استدلّ بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ».

- وقال أيضا: «وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة».

2- وأخرج عبد الرزّاق في مصنّفه 7 :397، بسند صحيح عن ابن جريح قال: (أخبرني عطاء أنّه سمع ابن عبّاس يراها المتعة الآن حلالاً، وأخبرني أنّه كان يقرأ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ - إلى أجل - فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وقال ابن عبّاس : في حرف أبيْ (إلى أجل)».

3- وقال الطبري في تفسيره 5 :12 : «حدّثنا محمّد بن الحسين، قال : حدّثنا أحمد بن الفضل، قال : حدّثنا أسباط، عن السدي {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} فهذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ...».

4- وقال الطبري في تفسيره 5 :13 : «حدّثنا ابن المثنّى، قال : حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير أنّ ابن عبّاس قرأ : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ - إلى أجل مسمّى - ... }».

5- وجاء في صحيح مسلم 1022:2، عن قيس، قال: سمعت عبد الله يقول: «كنّا نغزوا مع رسول الله 0 ليس لنا نساء فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}([6]).

6- وفي صحيح مسلم 1022:2، عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: «خرج علينا منادي رسول الله 0 فقال : إنّ رسول الله قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء».

7- وفي صحيح مسلم 1022:2، وعن الربيع بن سبرة أنّ أباه غزا مع رسول الله 0 فتح مكّة قال : «فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين يوم وليلة) فأذن لنا رسول الله 0 في متعة النساء».

هذه الأدلّه تبيّن أنّ الله ورسوله قد رخّصوا لنا المتعة, وأمّا قولك: إنّ النبيّ قد حرّمها فهذا ليس بصحيح، فما ثبت في كتب إخواننا السنّة أنّ الذي حرمها هو عمر بن الخطّاب.

عمر بن الخطّاب اجتهد مقابل النصّ وحرّم المتعة:

1- وأخرج عبد الرزّاق في مصنّفه 7 :397، بسند صحيح: «...قال عطاء: وسمعت ابن عبّاس يقول : يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلاّ رخصة من الله عزّ وجل رحم بها أمّة محمّد 0 فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شقي، قال: كأنّي أسمع قولـه إلاّ شقي -عطاء القائل-، قال عطاء فهي التي في سورة النساء {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}».

2- في صحيح مسلم 1023:2، عن أبي الزبير، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول: «كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله 0 وأبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث».

3- في صحيح مسلم 1023:2، عن أبي نضرة، قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : «ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله 0 ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما».

4- في مسند أحمد 325:3، عن جابر، قال: «متعتان كانتا على عهد النبيّ 0 فنهانا عنهما عمر رضي الله تعالى عنه فانتهينا».

5- مسند أحمد 365:3، عن جابر قال : «تمتّعنا متعتين على عهد النبيّ 0 الحجّ والنساء فنهانا عمر عنهما فانتهينا».

6- في سنن البيهقي الكبرى 206:7، عن جابر، قال : «تمتّعنا مع رسول الله 0 ومع أبي بكر رضي الله عنه، فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال: إنّ رسول الله 0 هذا الرسول، وإنّ القرآن هذا القرآن، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله 0 وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، أحداها متعة النساء، ولا أقدر على رجل تزوّج إمراة إلى أجل إلاّ غيبته بالحجارة، والأُخرى: متعة الحج، افصلوا حجّكم من عمرتكم، فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم».

7- وأخرج عبد الرزّاق في المصنّف 499:7، عن ابن جريح، قال: أخبرني من أصدّق أنّ عليّاً قال بالكوفة: «لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطّاب ـ أو قال: من رأي ابن الخطّاب ـ لأمرت بالمتعة، ثمّ ما زنى إلا شقي».

8- في مسند أحمد 52:1، عن أبي قلابة، قال: «قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه متعتان كانتا على عهد رسول الله 0 أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء والحجّ».

9- وفي صحيح البخاري 1 :468 عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: «تمتّعنا على عهد رسول الله 0، فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء» (المقصود عمر).

العلماء الذين صرّحوا بأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي حرّم المتعة:

1- قال السرخسي في المبسوط 27:4: « وقد صحّ أنّ عمر نهى الناس عن المتعة فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله 0 وأنا أنهى عنهما: متعة النساء ومتعة الحج».

2- قال السيوطي في تاريخ الخلفاء :108: «فصل، في أوليات عمر رضي الله عنه، قال العسكري: هو أوّل من سمّي أمير المومنين، وأوّل من سنّ قيام شهر رمضان، وأوّل من حرّم المتعة».

3- قال ابن القيّم الجوزيّة في زاد المعاد 463:3: «فإن قيل: فما تصنعون فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله وأبي بكر حتّى نهانا عنها عمر في شأن عمرو بن حريث؟ وفيما ثبت عنه أنّه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما متعة النساء ومتعة الحج؟

قيل: للناس في هذا طائفتان طائفة تقول: إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون».

4- قال ابن حجر في فتح الباري 339:3، وهو يتحدّث عن متعة النساء: «فقال في آخره: (ارتأى رجل برأيه ما شاء) يعني عمر. وفي مسلم أيضاً أنّ ابن الزبير كان ينهى عنها، وابن عبّاس كان يأمر بها، فسألوا جابراً، فأشار إلى أنّ أوّل من نهى عنها عمر».

الصحابة والتابعين الذين بقوا على تحليل المتعة:

1- في مصنّف عبد الرزّاق 399:7، بسند صحيح، قال : «عن ابن جريح، قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: كانت إمرأة عراقيّة تنسك جميلة لها ابن يقال له أبو أميّة وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها، قلت : يا أبا عبد الله، ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة ؟ قال : إنّا قد نكحناها ذلك النكاح «للمتعة» قال: وأخبرني أنّ سعيداً قال له : هي أحل من شرب الماء للمتعة».

2- وقال ابن حزم في المحلّى 69:11 : «وقد ثبت على تحليلها – المتعة – بعد رسول الله 0 جماعة من السلف (رضي الله عنهم) منهم من الصحابة (رضي الله عنهم) أسماء بنت أبي بكر الصديق، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عبّاس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة، ومعبد أبناء أميّة بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدّة رسول الله، ومدّة أبي بكر وعمر إلى آخر خلافة عمر.

واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيه توقّف وعن عمر بن الخطّاب أنّه إنّما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين، ومن التابعين طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله».

3- وقال عبد الرزّاق في مصنّفه 493:7، وبسند صحيح أيضاً: «عن ابن جريح، قال : أخبرني عطاء أنّه سمع ابن عبّاس يراها - المتعة - الآن حلالاً وأخبرني أنّه كان يقرأ : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ - إلى أجل - فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }، وقال ابن عبّاس: في حرف أبي«إلى أجل»، قال عطاء : وأخبرني من شئت عن أبي سعيد الخدري، قال: لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقاً، وقال صفوان : هذا ابن عبّاس يفتي بالزنا، فقال ابن عبّاس : إنّي لا أفتي بالزنا، أفنسي صفوان أم أراكة، فوالله إن ابنها لمن ذلك، أفزناً هو؟ قال : واستمتع بها رجل من بني جمح ».

4- وقال ابن رشد القرطبي في كتاب بداية المجتهد 43:2 : «واشتهر عن ابن عبّاس تحليله - نكاح المتعة - وتبع ابن عبّاس على القول به أصحابه من أهل مكّة وأهل اليمن، ورووا أنّ ابن عبّاس كان يحتجّ لذلك بقوله تعالى : {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } وفي حرف عنه «إلى أجل مسمّى» وروي عنه : «ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله عزّ وجلّ رحم بها أمّة محمّد 0 ولولا نهي عمر رضي الله عنه عنها ما اضطرّ إلى الزنا إلاّ شقي».

5- وقال عبد الرزّاق في مصنّفه 397:7 : «وقال أبو الزبير: وسمعت جابر بن عبد الله يقول : استمتع معاوية بن أبي سفيان مقدمّة من الطائف على ثقيف بمولاة ابن الحضرمي يقال لها معانة، قال جابر : ثمّ أدركت معانة خلافة معاوية فكان معاوية يرسل إليها بجائزة في كُلّ عام حتّى ماتت».


 

 

زواج المتعة أم زواج الخديعة والنفاق ؟!

قال الأخ جواد: حينما حرّم عمر بن الخطّاب زواج المتعة حصل ثغرة وفجوة كبيرة عند الأخوة السنّة في هذا الجانب، ممّا أضطرّهم لا يجاد بدائل ابتدعوها من عندهم، وكلّ هذا لأجل سدّ الثغره التي أوجدها عمر، مع أنّه كان بامكانهم بكلّ بساطة أن يقولوا: إنّ عمر اجتهد وأخطأ، وإليك بعض من هذه الأنواع من الزواج:

- زواج المسيار – الزواج العرفي – زواج المصياف – الزواج بنيّة الطلاق وهذا أخطرهم على الإطلاق.

وسأكتفي بتبيان الزواج بنيّة الطلاق، فقد قال ابن قدامة في المغني 573:7، حول الزواج بنيّة الطلاق: « فصل:وإن تزوّجها بغير شرط إلاّ أنّ في نيّته طلاقها بعد شهر, أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد, فالنكاح صحيح في قول عامّة أهل العلم».

كما وأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز على سؤال في فتاوى اللجنة الدائمة بعنوان: (النكاح بنيّة الطلاق):

س 4 : سمعت لك فتوى على أحد الأشرطة بجواز الزواج في بلاد الغربة، وهو ينوي تركها بعد فترة معيّنة، لحين انتهاء الدورة أو الابتعاث، فما هو الفرق بين هذا الزواج وزواج المتعة، وماذا لو أنجبت زوجته طفلة، هل يتركها في بلاد الغربة مع أمّها المطلّقة أرجوالإيضاح؟

ج 4 : «نعم لقد صدر فتوى من اللجنة الدائمة وأنا رئيسها بجواز النكاح بنيّة الطلاق إذا كان ذلك بين العبد وبين ربّه، إذا تزوّج في بلاد غربة ونيّته أنّه متى انتهى من دراسته أومن كونه موظّفاً وما أشبه ذلك أن يطلّق فلا بأس بهذا عند جمهور العلماء، وهذه النيّة تكون بينه وبين الله سبحانه، وليست شرطاً.

والفرق بينه وبين المتعة : أنّ نكاح المتعة يكون فيه شرط مدّة معلومة كشهر أو شهرين أو سنة أو سنتين ونحوذلك، فإذا انقضت المدّة المذكورة انفسخ النكاح، هذا هونكاح المتعة الباطل أمّا كونه تزوّجها على سنّة الله ورسوله ولكن في قلبه أنّه متى انتهى من البلد سوف يطلّقها، فهذا لا يضّره، وهذه النيّة قد تتغيّر وليست معلومة وليست شرطاً بل هي بينه وبين الله فلا يضّره ذلك، وهذا من أسباب عفّته عن الزنى والفواحش، وهذا قول جمهور أهل العلم، حكاه عنهم صاحب المغني موفّق الدين ابن قدامة رحمه الله».

بناء على هذه الفتوى ممكن لأي شخص أن يطرق بابك ويتزوّج ابنتك ومن ثمّ يطلّقها بعد ساعة أو شهر ويقول لك الشرع حلّل لي ذلك, ولكن السؤال ماذا حلّ بالبنت وماذا حلّ بأهل البنت هل فكّر علماء السنّة في ذلك؟

أو ليس هذا خداع لأهل البنت وعائلتها حيث إنّها تزوّجت بعنوان زواج دائم ومن ثمّ اكتشفت أنّ الزوج في نيّته أن يطلّقها بعد مدّة وهذه النيّة مبيتة بينه وبين الله؟

بالله عليك أين الإنسانيّة في ذلك وأين الدين؟


 

 

من فقه الجنس

عندها خطر ببالي سؤال فقلت لـه: ما تقول بفتوى الخميني بجواز التمتّع بالرضيعة؟

فقال: يا أخي الكريم، إنّ المراد من فتوى السيّد الخميني رحمه الله ليس المتعة التي تعتقدها، وإنّما أراد أن يبيّن أنّه لا يجوز الدخول بالقاصرة عن سن البلوغ، أمّا التزويج فهو شيء غير الدخول، فلو سألتك مثلاً في أيّ سن يحقّ تزويج الطفلة؟

فقلت لـه: أمّا التزويج فيجوز منذ ولادة الطفلة وأمّا الدخول بها فلا يجوز إلاّ بعد البلوغ.

فقال لي: إذا تزوّجت من طفلة صغيرة فما هو حدّ العلاقة بها؟

فقلت له: كُلّ شيء إلاّ الدخول.

فقال لي: إذاً لماذا تسألون هذه الأسئلة طالما أنّكم تسلّمون بصحّتها أم تريدون فقط طرح الشبه؟

فقلت: معاذ الله يا أخي إنّما أنا فقط أستفسر.

فردّ قائلا: انتبه يا أخي حسين، إن مثل هذه الأسئلة من المعيب على أيّ مسلم أن يطرحها، فأنت تعلم أنّ السنّة يقولون: إنّ النبيّ 0 قد تزوّج بعائشة وهي صغيرة في سنّ السادسة بعكسنا نحن الشيعة, ولكن هذا لا يعني أن نبحث في الكتب على فتاوى في ظاهرها معيبة وفي مضمونها هي تبيان للشرع، فقول السيّد الخميني هو بيان حدّ الوطئ لا أكثر، وأنّه يحرّم قبل البلوغ وأراد أن يبيّن ما أجاز الشرع للرجل من المرأة التي تزوّجها.

وإن كنت أخجل أن أنقل مثل هذه الأمور إلاّ أنّي أذكرها من باب بيان أنّ ما في كتب السنّة من اجتهاد للعلماء فيه الكثير من الأمور التي لا يقبل بعضها العقل ومنها:

1 ـ النظر ولمس الرضيعة:

قال السرخسي في المبسوط 10: 155: «هذا فيما إذا كانت في حدّ الشهوة، فإن كانت صغيرة لا يشتهى مثلها فلا بأس بالنظر إليها ومن مسّها؛ لأنّه ليس لبدنها حكم العورة ولا في النظر والمسّ معنى خوف الفتنة».

 

2 ـ نكاح الرضيعة:

قال السرخسي في المبسوط 15: 109 «ولكن عرضية الوجود بكون العين منتفعاً بها تكفي لانعقاد العقد،كما لو تزوّج رضيعة صحّ النكاح».

وقال ابن قدامة في المغني 9: 159: «فأمّا الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فظاهر كلام الخرقي تحريم قبلتها ومباشرتها لشهوة قبل استبرائها, وهو ظاهر كلام أحمد وفي أكثر الروايات عنه، قال: تستبرأ وإن كانت في المهد, وروي عنه أنّه قال: إن كانت صغيرة بأيّ شيء تستبرأ إذا كانت رضيعة، وقال في رواية أُخرى: تستبرأ بحيضة إذا كانت ممّن تحيض وإلا بثلاثة أشهر إن كانت ممّن توطأ وتحبل, فظاهر هذا أنّه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها».

فتوى عبد الله الفقيه بجواز التمتّع بالصغيرة:

3- مركز الفتوى بإشراف د.عبد الله الفقيه فتوى رقم : 23672

بعنوان : حدود الاستمتاع بالزوجة الصغيرة، تاريخ الفتوى: 6 شعبان 1423السؤال : أهلي زوّجوني من الصغر صغيرة وقد حذّروني من الاقتراب منها، ما هو حكم الشرع بالنسبة لي مع زوجتي هذه وما هي حدود قضائي للشهوة منها وشكراً لكم؟

الفتوى : «الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أمّا بعد: فإذا كانت هذه الفتاة لا تحتمل الوطء لصغرها، فلا يجوز وطؤها؛ لأنّه بذلك يضرّها، وقد قال النبيّ 0 «لا ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وصحّحه الألباني.

وله أن يباشرها، ويضمّها ويقبّلها، وينزل بين فخذيها...».

1 ـ إرسال الوليدة للضيف:

في المحلّى لابن حزم 11: 257 قال ابن جريج: «وأخبرني عطاء بن أبي رباح قال : كان يفعل يحلّ الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وتحلّها المرأة لزوجها، قال عطاء : وما أحبّ أن يفعل وما بلغني عن ثبت قال: وقد بلغني أنّ الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه.

قال أبو محمّد رحمه الله : فهذا قول، وبه يقول سفيان الثوري، وقال مالك وأصحابه: لا حدّ في ذلك أصلاً».

2 ـ الزنا بالأُمّ والأخت والعمّة:

قال ابن حزم في المحلّى 11: 253 : « قد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة : من تزوّج أمّه أوابنته أوحريمته أو زنى بواحدة منهن فكلّ ذلك سواء, وهو كلّه زنا, والزواج كلا زواج إذا كان عالما بالتحريم, وعليه حدّ اًلزنا كاملاً، ولا يلحق الولد في العقد وهو قول الحسن، ومالك, والشافعي, وأبي ثور وأبي يوسف, ومحمّد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة إلاّ أنّ مالكاً فرق بين الوطء في ذلك بعقد النكاح وبين الوطء في بعض ذلك بملك اليمين فقال : فيمن ملك بنت أخيه، أو بنت أخته، وعمّته، وخالته، وامرأة أبيه، وامرأة ابنه بالولادة، وأمّه نفسه من الرضاعة، وابنته من الرضاعة، وأخته من الرضاعة، وهو عارف بتحريمهن وعارف بقرابتهن منه، ثمّ وطئهن كلّهن عالماً بما عليه في ذلك فإنّ الولد لاحقّ به ولا حدّ عليه، لكن يعاقب, ورأى إن ملك أمّه التي ولدته، وابنته وأخته بأنهن حرائر ساعة يملكهن فان وطئهن حدّ حدّ الزنا.

وقال أبو حنيفة لا حدّ عليه في ذلك كلّه ولا حدّ على من تزوّج أمّه التي ولدته، وابنته، وأخته، وجدّته، وعمّته، وخالته، وبنت أخيه، وبنت أخته، عالماً بقرابتهن منه, عالماً بتحريمهن عليه ووطئهن كُلّهن فالولد لاحقّ به, والمهر واجب لهن عليه وليس عليه إلاّ التعزير دون الأربعين فقط وهو قول سفيان الثوري».

3 ـ لا حدّ على من زنا بامرأة:

في المبسوط للسرخسي 9: 85، قال: «إذا رجل تزوّج امرأة ممّن لا يحلّ لـه نكاحها فدخل بها لا حدّ عليه سواء كان عالماً بذلك أو غير عالم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى, ولكنّه يوجع عقوبة إذا كان عالماً بذلك».

وقال في شرح معاني الآثار 3: 149: «حدّثنا سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن حمد عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة بذلك، حدّثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم, قال:سمعت سفيان يقول في رجل تزوّج محرّم منه فدخل بها قال: لا حدّ عليه».

4 ـ وطئ الميتة والأخت من الرضاع:

في الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة 10: 185: «وإن وطئ ميتة أو ملك أُمّه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحدّ أويعزّر ؟ على وجهين، إذا وطئ ميتة فعليه الحدّ في أحد الوجهين وهو قول الأوزاعي؛ لأنّه وطئ في فرج آدميّة أشبه وطئ الحيّة؛ ولأنّه أعظم ذنباً وأكثر إثماً؛ لأنّه أنضمّ إلى فاحشته هتك حرمة الميتة. الثاني: لا حدّ عليه وهو قول الحسن، قال أبو بكر: وبهذا أقول؛ لأنّ الوطئ في الميتة كلا وطئ؛ لأنّه عوض مستهلك, ولأنّها لا يشتهي مثلها وتعافها النفس فلا حاجة إلى تسرع شرع الزاجر عنها.

وأما إذا ملك أمّه أو أخته من الرضاع فوطئها فذكر القاضي عن أصحابنا أنّ عليه الحدّ؛ لأنّه فرج لا يستباح بحال, فوجب الحدّ بالوطئ فيه كفرج الغلام, وقال بعض أصحابنا: لا حدّ فيه, وهو قول أصحاب الرأي والشافعي؛ لأنّه وطئ في فرج مملوك لـه يملك المعاوضة عنه وأخذ صداقه، فلم يجب الحدّ عليه كالوطئ في الجارية المشتركة».

5 ـ لا حدّ على من لاط غلامه قياساً على أخته:

في طبقات الشافعية الكبرى 4: 43: «عن أحمد بن علي أبي سهل الأبيوردي، أحد أئمّة الدنيا علماً وعملاً. ذكره الأديب أبو المظفّر محمّد بن أحمد الأبيوردي في مختصر لطيف سمّاه نـهزة الحفّاظ ذكر فيه أنّه عزم على أن يضع تاريخ لنسا وكوفان وجيران وغيرها من أمّهات القرى بتلك النواحي، وأنّه سئل في عمل هذا المختصر ليفرد فيه ذكر الأئمّة الأعلام ممّن كان في العلم مفزوعاً إليه وفي الرواية موثوقاً به وقد طنت بذكره البلدان, وغنّت بمدحه الركبان, كفضيل بن عياض ومنصور بن عمّار وزهير بن حرب وذكر فيه جماعة من الأئمّة وأورد شيئاً من حديثهم وقال في الشيخ أبي سهل إذ ذكره: كان من أئمّة الفقهاء . سمعت جماعة من أصحابه يقولون كان أبو زيد الدبوسي يقول: لولا أبو سهل الأبيوردي لما تركت للشافعيّة بما وراء النهر مكشف رأس, وحدّثني أبو الحسن علي بن عبد الرحمن الحديثي وكان من أصحابه المبرزين في الفقه أنّه سمعه يقول: كنت أتبزّز في عنفوان شبابي فبينا أنا في سوق البزّازين بمرو، رأيت شيخين لا أعرفهما فقال أحدهما لصاحبه: لو اشتغل هذا بالفقه لكان إماماً للمسلمين . فاشتغلت حتّى بلغت فيه ما ترى.

ذكر القاضي الحسين في التعليقة أنّه حكي عن الشيخ أبي سهل وهو الأبيوردي كما هو مصرّح به في بعض نسخ التعليقة وصرّح به ابن الرفعة في الكفاية: أنّ الحدّ لا يلزم من يلوط مملوك لـه بخلاف مملوك الغير.

قال القاضي: وربّما قاسه على وطء أمته المجوسيّة أو أخته من الرضاع وفيه قولان انتهى.

وهذا الوجه محكي في البحر والذخائر وغيرهما من كتب الأصحاب لكن غير مضاف إلى قائل معيّن، وعلّله صاحب البحر بأنّ ملكه فيه يصير شبهة في سقوط الحدّ، والذي جزم به الرافعي تبعاً لأكثر الأصحاب، أنّه لا فرق بين مملوكه وغيره، نعم في اللواط من أصله قول إنّ موجبه التعزيز، قال الرافعي: إنّه مخرّج من القول بنظيره في إتيان البهيمة، قال: ومنهم من لم يثبته».

وقال ابن عقيل في فصوله كما في بدائع الفوائد لابن القيّم الجوزيّة4: 908 «فإن كان الوطء في الدبر في حقّ أجنبيّة وجب الحدّ الذي أوجبناه في اللواط، وعلى هذا فحدّه القتل بكلّ حال، وإن كان في مملوكه -أي عبده - فذهب بعض أصحابنا أنّه يعتق عليه وأجراه مجرى المثلة الظاهرة، وهو قول بعض السلف».

6 ـ الاستمناء حلال وادخال المرأة شيء في فرجها حلال:

وفي مصنّف عبد الرزّاق7: 391، قال: «أخبرنا ابن جريج، قال أخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد، قال: كان من مضى يأمرون شبّانهم بالاستمناء، والمرأة كذلك تدخل شيئاً. قلنا لعبد الرزّاق: ما تدخل شيئاً؟ قال: يريد السق. يقول تستغني به عن الزنا».

وقال ابن حزم في المحلّى 11: 393: «وأباحه - يعني الاستمناء -قوم كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزّاق نا ابن جريج، أخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن رجل، عن ابن عبّاس أنّه قال: وما هو إلا أن يعرك أحدكم زبّه حتّى ينزل الماء.... عن ابن عمر أنّه قال إنّما هو عصب تدلّكه، وبه إلى قتادة، عن العلاء بن زياد، عن أبيه أنّهم كانوا يفعلونه في المغازي، يعني الاستمناء يعبث الرجل بذكره يدلكه حتّى ينزل، قال قتادة: وقال الحسن في الرجل يستمني يعبث بذكره حتّى ينزل، قال: كانوا يفعلون في المغازي، وعن جابر بن زيد أبي الشعثاء، قال: هو ماؤك فأهرقه يعني الاستمناء، وعن مجاهد، قال: كان من مضى يأمرون شبّابهم بالاستمناء يستعفون بذلك. قال عبد الرزّاق: وذكره معمّر عن أيوب السختياني أو غيره، عن مجاهد عن الحسن أنّه كان لا يرى بأساً بالاستمناء. وعن عمرو ابن دينار: ما أرى بالاستمناء بأساً. قال أبو محمّد رحمه الله: الأسانيد عن ابن عبّاس وابن عمر في كلا القولين مغمورة، لكن الكراهة صحيحة عن عطاء، والإباحة المطلقة صحيحة عن الحسن، وعن عمرو بن دينار وعن زياد أبي العلاء وعن مجاهد، ورواه من رواه من هؤلاء عمّن أدركوا، وهؤلاء كبار التابعين الذين لا يكادون يروون إلاّ عن الصحابة رضي الله عنهم».

7 ـ يجوز الزنا بالخادمة:

وقال ابن حزم في المحلّى 11: 251: «يقول ابن الماجشون - فقيه مالكي وهو صاحب مالك -: إنّ المخدمة سنين كثيرة لا حدّ على المخدِم - بكسر الدال- إذا وطأها».

8 ـ الاكرنبج جائز وادخال الذكر في البطيخة جائز:

في بدائع الفوائد لابن قيّم الجوزيّة 905:4 «وإن كانت امرأة لا زوج لها واشتدّت غلمتها فقال بعض أصحابنا: يجوز لها اتخاذ الاكرنبج، وهو شيء يعمل من جلود على صورة الذكر فتستدخله المرأة أو ما أشبه ذلك من قثاء وقرع صغار».

وقال أيضاً: «وإن قور بطيخة أوعجيناً أو أديماً أو نجشاً في صنم إليه فأولج فيه فعلى ما قدمنا من التفصيل, قلت: وهو أسهل من استمنائه بيده، وقد قال أحمد فيمن به شهوة الجماع غالباً لا يملك نفسه ويخاف أن تنشق أنثياه أطعم, وهذا لفظ منّا حكاه عنه في المغنى ثمّ قال: أباح له الفطر لأنّه يخاف على نفسه فهوكالمريض يخاف على نفسه من الهلاك لعطش ونحوه، وأوجب الإطعام بدلاً من الصيام, وهذا محمول على من لا يرجو إمكان القضاء، فإن رجا ذلك فلا فدية عليه, والواجب انتظار القضاء وفعله إذا قدر عليه لقوله (فمن كان منكم مريضاً) الآية وإنّما يصار إلى الفدية عند اليأس من القضاء, فإن أطعم مع يأسه ثمّ قدر على الصيام احتمل أن لا يلزمه؛ لأنّ ذمّته قد برئت بأداء الفدية التي كانت هي الواجب فلم تعد إلى الشغل بما برئت منه واحتمل أن يلزمه القضاء؛ لأنّ الإطعام بدل إياس وقد تبيّنا ذهابه فأشبه المعتدّة بالشهور لليأس إذا حاضت في أثنائها».

9 ـ وطئ الحيوانات والغذاء بالإنسان المتولّد منها:

قال عبد الجليل بن عيسى فيما لا يجوز فيه الخلاف: 80: «لو أنّ رجلاً وقع على نعجة فحملت منه وولدت إنساناَ فكبر ذلك الإنسان وصار إمام جماعة وصلّى بالناس في يوم عيد الأضحى فهل لهم أن يضحّوا بالإمام الذي صلّى بهم - باعتبار أنّ أمّه نعجة- فيصحّ أن يكون من الأضاحي؟

يقول الفقيه : يجوز ذلك ويجزيهم».

10 ـ النظر إلى فرج امرأة أجنبيّة:

قال صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: 848: «ويشترط في النظر أُمور: ...الثالث: أن يرى نفس الفرج لا صورته المنطبعة في مرآة أو ماء، فلوكانت متّكئة ورأى صورة فرجها الداخل في المرآة بشهوة فإنّها لا تحرم، وكذا لوكانت كذلك على شاطئ ماء، أمّا إذا كانت موجودة في ماء صاف فرآه وهي في نفس الماء فإنّ الرؤيا على هذا تحرم؛ لأنّه رآه بنفسه لا بصورته».

11 ـ  نكاح الدبر:

في كتاب المغني لابن قدامة 225:7 قال : «ورويت إباحته (وطء الزوجة في الدبر) عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ...» وورد نحوه أيضاً في الشرح الكبير 130:8.

- وفي كتاب أحكام القرآن للجصاص 39:2 : «وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم عن مالك قال : ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ فيه أنّه حلال، يعني وطء المرأة في دبرها، ثمّ قرأ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال : فأيّ شيء أبين من هذا وما أشكّ فيه» وذكره أيضاً المنّاوي في فيض القدير 227:1، وابن قدامة في المغني 225:7، وفي الشرح الكبير 130:8، والطحّاوي في مختصر اختلاف العلماء 344:2.

- وفي أحكام القرآن للجصّاص 40:2، قال : «قال أبو بكر : المشهور عن مالك إباحة ذلك (إتيان المرأة في دبرها) وأصحابه ينفون عنه هذه المسألة لقبحها وشناعتها، وهي عنه أشهر من أن يندفع بنفيهم عنه».

- وفي أحكام القرآن للجصّاص : «وقد حكى محمّد بن سعيد، عن أبي سليمان الجوزجاني، قال: كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النكاح في الدبر فضرب بيده إلى رأسه وقال : الساعة اغتسلت منه».

- وقال المنّاوي في فيض القدير 227:1 : «وقد روى الطحّاوي عن محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم أنّه سمع الشافعي يقول : ما صحّ عن النبيّ 0 في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنّه حلال» وذكره الطحّاوي في مختصر اختلاف العلماء 343:2، والسيوطي في الدّر المنثور 638:1.

- وقال الطبري بسند صحيح في تفسيره 394:2 : «حدّثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا بن عون، عن نافع، قال : كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلّم، قال: فقرأت ذات يوم هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية ؟ قلت : لا، قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن».

بعد كُلّ ما ذكرته لك من أقوال علماء أهل السنّة هل نعيب على إخواننا أهل السنّة هذه الأقوال، أم أنّه من الخطأ أن نفتّش في مسائل فرعية فقهيّة قابلة للاجتهاد ولا يصحّ التشنيع على أحد من المسلمين بسببها؟!


 

 

تكفير المسلمين

قلت للأخ جواد: كنت قد قرأت أقوال لعلماء الشيعة يقولون فيه: إنّ الجاحد لإمامة علي رضي الله عنه وأهل البيت كافر، كما ويدّعي بعضهم أن السنّة نواصب فما تقول في هذا؟

فقال جواد: إنّ الأخوة السنّة يشهدون الشهادتين ويصلّون ويحجّون ويصومون....الخ فعلى أيّ أساس نكفّرهم؟

وأمّا قولك: إن الجاحد لإمامة أهل البيت رضي الله عنهم كافر، فالمقصود بالجاحد هو من ثبتت لـه إمامتهم وجحدها كمن يجحد آية من القرآن، والأخوة السنّة لم تثبت لهم، فلا ينطبق عليهم صفة الجحود.

وأمّا قولك: إنّنا نقول: إنّ الأخوة السنّة نواصب! فحاشى لله أن ندّعي ذلك فهم يحبّون أهل البيت رضي الله عنهم ومالهم ودمهم وعرضهم حرام علينا، فهم أُخوة لنا في الإسلام وهذا ما ندين الله به.

ولكن لو راجعت أقوال علماء السنّة والحنابلة بالخصوص لوجدت في كلماتهم عبارات التكفير لكل من هبّ ودبّ، بل إنّهم كفّروا وطعنوا في كبار علماء السلف وإليك هذه الأمثلة:

من قال بأن القرآن مخلوق فهوكافر ومن لم يكفره فهوكافر:

1- قال أحمد بن حنبل في كتاب العقيدة: 79: «والقرآن كلام الله تكلّم به، ليس بمخلوق ومن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأوّل، ومن زعم أنّ الفاظنا به وتلاوتنا لـه مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم فهو مثلهم».

2- وقال أيضاً في العقيدة 60: «وما في اللوح المحفوظ في المصحف وتلاوة الناس وكيفما وصف فهوكلام الله غير مخلوق، فمن قال: مخلوق، فهوكافر بالله العظيم، ومن لم يكفّر هؤلاء فهوكافر».

3- وقال ابن تيميّة في مجموع الفتاوى 12: 571: «أمّا الحروف هل هي مخلوقة أو غير مخلوقة فالخلاف في ذلك بين الخلق مشهور، فأمّا السلف فلم ينقل عن أحد منه أنّ حروف القرآن وألفاظه وتلاوته مخلوقة، ولا ما يدلّ على ذلك، بل قد ثبت عن غير واحد منهم الردّ على من قال: إنّ ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، قالوا: هو جهمي، ومنهم من كفّره، وفي لفظ بعضهم تلاوة القرآن، ولفظ بعضهم الحروف، وممّن ثبت ذلك عنه أحمد بن حنبل، وأبو الوليد الجارودي صاحب الشافعي، وإسحاق بن راويه، والحميدي، ومحمّد بن أسلم الطوسي..».

4- وفي طبقات الحنابلة 1: 322، وهو ينقل مذهب أحمد بن حنبل جاء فيه: «فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنّ الجهميّة افترقت ثلاث فرق، فقالت طائفة منهم: القرآن كلام الله مخلوق، وقالت طائفة: القرآن كلام الله وسكت، وهي الواقفة الملعونة، وقال بعضهم: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، فكلّ هؤلاء جهميّة كفّار يستتابون، فان تابوا وإلاّ قتلوا، وأجمع من أدركنا من أهل العلم أنّ من هذه مقالته إن لم يتب لم يناكح ولا يجوز قضاؤه ولا تؤكل ذبيحته».

5- قال الذهبي في تذكرة الحفّاظ 2: 729: «وقال أبو الوليد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله، ومن قال: إنّه مخلوق، فهو كافر، يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين».

6- قال ابن بطّة الحنبلي في كتاب الإبانة: 204: «فهوكلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، أو قال: كلام الله ووقف، أو شكّ، أو قال بلسانه وأضمره في نفسه فهو بالله كافر، حلال الدم، بريء من الله، والله منه بريء، ومن شكّ في كفره ووقف عن تكفيره فهوكافر».

7- قال الخطيب البغدادي في تاريخه 2: 31: «..سمعت محمّد بن يحيى يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته، وحيث يتصرّف، فمن لزم هذا استغنى عن اللفظ وعمّا سواه من الكلام في القرآن، ومن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد كفر وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأته يستتاب، فان تاب وإلاّ ضربت عنقه، وجعل ماله فيئاً بين المسلمين، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ومن وقف وقال: لا أقول مخلوق أو غير مخلوق فقد ضاهى الكفر، ومن زعم أنّ لفظي بالقرآن مخلوق فهذا مبتدع لا يجالس ولا يكلّم، ومن ذهب بعد مجلسنا هذا إلى محمّد بن إسماعيل البخاري فاتّهموه فإنّه لا يحضر مجسله إلاّ من كان على مثل مذهبه».

 

الطعن بأئمّة المذاهب وتكفير المسلمين:

1 ـ ما قالوه في أبي حنيفة:

قال البخاري في التاريخ الكبير 81:8: «كان مرجئاً، سكتوا عن رأيه وعن حديثه».

- وروى البخاري في تاريخه الصغير 93:2 : « أنّ سفيان لَمَّا نُعي أبو حنيفة، قال: الحمد لله، كان ينقض الإسلام عروة، ما وُلد في الإسلام أشأم منه».

- وقال ابن عبد البر في كتاب الانتقاء: 149: « ممّن طعن عليه وجرحه أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه في الضعفاء والمتروكين:أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حمّاد: إنّ يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استُتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين ».

- وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 390:13: « كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله، كان يهدم الإسلام عروةً عروة، ما وُلد في الإسلام مولود أشرّ منه. هذا ما ذكره البخاري ».

- وقال في الانتقاء: 150: « قال ابن الجارود في كتابه في الضعفاء والمتروكين: النعمان بن ثابت جُل حديثه وهم، وقد اختُلف في إسلامه.

وقال: وقد روي عن مالك رحمه الله أنّه قال في أبي حنيفة نحو ما ذكر سفيان: إنّه شرّ مولود وُلد في الإسلام، وإنّه لوخرج على هذه الأمّة بالسيف كان أهون.

قلت: ورواه الخطيب البغدادي أيضاً عن الأوزاعي وحمّاد ومالك ».

- وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 365:4 : « ضعَّفه النسائي من جهة حفظه، وابن عدي وآخرون ».

- وروى ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل 450:8 : « عن ابن المبارك أنّه قال: كان أبو حنيفة مسكيناً في الحديث. وعن أحمد بن حنبل أنّ أبا حنيفة ذُكِر عنده فقال: رأيه مذموم، وبدنه لا يذكر. وعن محمّد بن جابر اليمامي أنّه قال: سرَق أبو حنيفة كتب حمّاد منّي ».

- وذكر ابن سعد في الطبقات 368:6 : « عن محمّد بن عمر، قال: كان ضعيفاً (يعني أبا حنيفة) في الحديث ».

- وذكر أبو نعيم في حلية الأولياء 325:6، والخطيب في تاريخه 421:13 «أنّ مالك بن أنس ذَكَرَ أبا حنيفة، فقال: كاد الدين، ومَن كاد الدين فليس مِن أهله.

وعن الوليد بن مسلم، قال: قال لي مالك: يُذْكَر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت: نعم. قال: ما ينبغي لبلدكم أن تُسكَن ».

- وفي الأحكام في أصول الأحكام 323:6 « قال سفيان بن عيينة : مازال أمر الناس معتدلاً حتّى غيَّر ذلك أبو حنيفة بالكوفة، والبتي بالبصرة، وربيعة بالمدينة».

- وفي تاريخ بغداد 439:13 : « وقال أحمد بن حنبل : ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء ».

- وفي حلية الأولياء 103:10 :« قال الشافعي: نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة، أو ثلاثون ومائة ورقة، فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة، ووجدت فيه إمّا خلافاً لكتاب الله، أو لسنّة رسول الله 0، أو اختلاف قول، أو تناقض، أو خلاف قياس ».

- وفي تاريخ بغداد 394:13 : « روى الخطيب عن أبي بكر بن أبي داود أنّه قال لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتّفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصحّ من هذه. فقال: هؤلاء كلّهم اتّفقوا على تضليل أبي حنيفة ».

وقد قالوا أموراً كثيرة في أبي حنيفة أعرضنا عن ذكرها للاختصار.

2 ـ ما قالوه في مالك:

- ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ 210:1 : «أنّ مالكاً لم يشهد الجماعة خمساً وعشرين سنة ».

- وفي شذرات الذهب 289:1 : « عن ابن سعد، أنّ مالكاً كان يأتي المسجد ليشهد الصلوات والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ثمّ ترك الجلوس فيه، فكان يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز، فكان يأتي أصحابه فيعزّيهم، ثمّ ترك ذلك كلّه والصلاة في المسجد والجمعة».

- وفي شذرات الذهب 292:1: « أنّه بكى في مرض موته، وقال: والله لوددت أنّي ضُرِبتُ في كُلّ مسألة أفتيت بها، وليتني لم أُفتِ بالرأي ».

- وذكر الذهبي في سيرة أعلام النبلاء 77:8 : « عن الهيثم بن جميل، قال: سمعت مالكاً سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب عن اثنتين وثلاثين منها بـ(لا أدري).

وعن خالد بن خداش، قال: قدمتُ على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلاّ على خمس مسائل ».

- وروى الخطيب في تاريخ بغداد 445:13 : « عن أحمد بن حنبل أنّه سُئل عن مالك، فقال: حديث صحيح، ورأي ضعيف ».

- في فتاوى ابن الصلاح 13:1 : « عن مالك أيضاً أنّه ربّما كان يُسأل خمسين مسألة، فلا يجيب في واحدة منها».

- وفي جامع البيان لابن عبد البر 1080:2: «عن الليث بن سعد أنّه قال: أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلّها مخالفة لسُنة رسول الله 0 ممّا قال فيها برأيه، قال: ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك ».

- وفي جامع بيان العلم 1105:2: « وعن المروزي، قال: وكذلك كان كلام مالك في محمّد بن إسحاق لشيء بلَغَه عنه تكلّم به في نَسَبه وعلْمه».

- وفي جامع بيان العلم لابن عبد البر 1109:2، « وعن سلمة بن سليمان قال: قلت لابن المبارك: وضعتَ من رأي أبي حنيفة، ولم تضع من رأي مالك؟ قال: لم أره علماً ».

- وفي تاريخ بغداد 302:2 ، « وقال ابن عبد البر: وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة، كرهتُ ذِكره، وهو مشهور عنه، قاله إنكاراً لقول مالك في حديث البيِّعين بالخيار...».

وتكلّم في مالك أيضاً فيما ذكره الساجي في كتاب العلل: عبد العزيز بن أبي سلمة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن إسحاق، وابن أبي يحيى، وابن أبي الزناد، وعابوا عليه أشياء من مذهبه، وتكلّم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن إبراهيم، وروايته عن داود بن الحصين وثور بن زيد، وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسَداً لموضع إمامته، وعابَهُ قوم في إنكاره المسح على الخفَّين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفتياه إتيان النساء من الأعجاز، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول الله 0، ونسبوه بذلك إلى ما لا يحسن ذِكره.

- قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 403:3: « ويقال: إنّ سعداً وعظ مالكاً فوجد عليه، فلم يرو عنه... وقال أحمد بن البرقي: سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد أنّه كان يرى القدر وترك مالك الرواية عنه. فقال: لم يكن يرى القدر، وإنّما ترك مالك الرواية عنه؛ لأنّه تكلّم في نسب مالك، فكان مالك لا يروي عنه، وهو ثَبْت لا شكّ فيه».

3 ـ ما قالوه في الشافعي:

- في جامع بيان العلم وفضله 1083:2 : « قيل ليحيى بن معين: والشافعي كان يكذب؟ قال: ما أحبّ حديثه ولا ذِكْره ».

- وفي نفس المصدر 1114:2 : « واشتهر عن يحيى أنّه كان يقول عن الشافعي: إنّه ليس بثقة ».

- وفي توالي التأسيس: 77، « أخرج ابن حجر عن محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم أنّه قال: كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور مرضاً شديداً، حتّى ساء خُلُقه، فسمعته يقول: إنّي لآتي الخطأ وأنا أعرفه ».

- ذكر ابن حجر في لسان الميزان 67:6 : « عن معمّر بن شبيب أنّه سمع المأمون يقول: امتحنت الشافعي في كُلّ شيء فوجدته كاملاً، وقد بقيت خصلة، وهو أن أسقيه من الهندبا تغلب على الرجل الجسيد العقل. فحدّثني ثابت الخادم أنّه استدعى به فأعطاه رطلاً فقال: يا أمير المؤمنين، ما شربته قط. فعزم عليه فشربه، ثمّ والى عليه عشرين رطلاً فما تغيّر عقله، ولا زال عن حُجّة.

قلت: لعلّ الشافعي شربه تقيّة؛ لأنّه كان يرى التقية من الخلفاء ».

4 ـ ما قالوه في أحمد بن حنبل:

- جاء في سير أعلام النبلاء 227:11: « قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعتُ أبي يقول: وددتُ أنّي نجوت من هذا الأمر، لا عليَّ ولا لي ».

- وفي فتاوى ابن الصلاح 13:1: « عن أبي بكر الأثرم، قال: سمعت أحمد بن حنبل يُستفتَى، فيكثر أن يقول: لا أدري ».

- وفي مناقب الشافعي: 389، « قال الفخر الرازي: إنّه ـ يعني الإمام أحمد ـ ما كان في علم المناظرة والمجادلة قويّاً، وهو الذي قال: لولا الشافعي لبقيت أقفيتنا كالكرة في أيدي أصحاب الري ».

- وفي تهذيب التهذيب 304:7: « وقال ابن أبي خيثمة: قيل لابن معين: إنّ أحمد يقول: إنّ علي بن عاصم ليس بكذاب. فقال: لا والله، ما كان علي عنده قط ثقة، ولا حدَّث عنه بشيء، فكيف صار اليوم عنده ثقة؟ ».

- وفي تاريخ بغداد 65:8: « قال الحسين بن علي الكرابيسي في الطعن في أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي؟ إن قلنا: (مخلوق) قال: بدعة. وإن قلنا: (غير مخلوق) قال: بدعة».

ما ذكروه في الطعن ببعضهم البعض

1- قال الذهبي في تاريخ الإسلام 33: 57: قال الشيخ أبو إسماعيل: «لما قصدت الشيخ أبا الحسن الحرقاني الصوفي، وعزمت على الرجوع، وقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن حاموش الصوفي، وعزمت على الرجوع، وقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن حاموش الحافظ بالري، وألتقي به، وكان مقدّم أهل السنّة بالري، وذلك أنّ السلطان محمود بن سبكتكسين لمّا دخل الري وقتل الباطنيّة، منع سائر الفرق من الكلام على المنابر، غير أبي حاتم وكان من دخل الري من سائر الفرق يعرض اعتقاده عليه، فإن رضيه أذن لـه في الكلام على الناس وإلاّ منعه، فلمّا قربت من الري كان معي في الطريق رجل من أهلها، فسألني عن مذهبي؟ فقلت: أنا حنبلي! فقال: مذهب ما سمعت به وهذه بدعة، وأخذ بثوبي وقال: لا أفارقك حتّى أذهب بك إلى الشيخ أبي حاتم، فقلت: خيراً، فذهب بي إلى داره، وكان لـه ذلك اليوم مجلس عظيم فقال: هذا سألته عن مذهبه فذكر مذهباً لم أسمع به قط، قال: ما قال؟ قال: أنا حنبلي! فقال: دعه فكلّ من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم».

2- وفي طبقات الحنابلة 1: 13 قال الشافعي: «من أبغض أحمد بن حنبل فهوكافر، فقيل لـه: أتطلق عليه اسم الكفر؟!

فقال: نعم، من أبغض أحمد عاند السنّة، ومن عاند السنّة قصد الصحابة ومن قصد الصحابة أبغض النبيّ 0، ومن أبغض النبيّ 0 كفر بالله العظيم».

3- وفي طبقات الحنابلة: 8 قال: «من أبغض أحمد بن حنبل فقد كفر».

بالله عليك يا أخي حسين إذا كان أئمة أهل السنّة كفّروا بعضهم بعضاً فماذا تتوقّع أن تكون نظرتهم للشيعة؟! وإنّك يا أخي حسين، لو راجعت كُلّ كتب علماء الشيعة في هذا العصر لن تجد أحداً منهم يكفّر أهل السنّة، وإنما أشرت على علماء العصر لأنّنا نحن الشيعة لا نأخذ بالأحكام التي صدرت من العلماء الماضين، أو بعبارة أخرى نحن نقلّد الحي ولا نجوّز تقليد الميت.


 

 

العودة إلى بغداد مجدداً

وبعد عدّة أيّام من الحوار قرّرت أن أرجع إلى بغداد، وشكرت الأخوة على اهتمامهم وتبيانهم للكثير من الأمور التي كانت غائبة عنّي، حينئذ قدّم لي الأخ جواد مجموعة من كتب الشيعة.

وفي صباح اليوم التالي حزمت امتعتي وعدت إلى بغداد، وفي الطريق كانت تتقاذفني الأفكار وأتذكّر ما جرى بيني وبين الأخوة في النجف وكنت أسأل نفسي: لماذا نحن المسلمون نحارب بعضنا البعض؟ ولماذا كُلّ طرف يحاول أن يجد ثغرات سواء أصحّت أم لم تصحّ على الطرف الآخر؟ لماذا لا يحمل السنّة الشيعة على المحمل الحسن طالما أنّ في كتبنا ممّا ندّعي عليهم أكثر بكثير؟ أليس من الأولى أن نوجّه سلاحنا في وجه العدو الواحد وهو أمريكا وإسرائيل! أليس من الأولى أن نترك تنقيب كُلّ منّا لكتب الطرف الآخر ليثبت حقّاً لـه. كنت أشعر بالحزن الشديد على ما آلت إليه الأمور من حال الأمّة الإسلاميّة.

وبعد وصولي إلى بغداد وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت إلى الشيخ أبي عبد الرحمن والتقيت به مجدّداً وبيّنت لـه أنّني اطّلعت على وضع النجف، وأنّني أدّيت ما طلب منّي، ولكن الوقت لم يكن كافياً لكي أطّلع على كُلّ ما هو مطلوب.

واتّفقت أنا والشيخ أبو عبد الرحمن على أن نلتقي في اليوم التالي بحضور الأخوة، وفعلاً اجتمعنا في اليوم التالي مع باقي الأخوة، وبدأ الشيخ أبو عبد الرحمن يوزّع المهام على الحاضرين، وكنت استمع للشيخ أبي عبد الرحمن ولم أكن مقتنعاً في كثير من الأمور التي قالها، وبعد انتهاء الاجتماع بيّنت للشيخ أبي عبد الرحمن أنّه لدي ظروف تمنعني من التواجد معهم في الأسابيع المقبلة.

مرّ شهران اعتكفت فيهما في المنزل، وبدأت أطالع الكتب التي أهداني إيّاها الأخ جواد، فقرأت كتاب المراجعات وأعجبت بالأسلوب الراقي للحوار الذي جرى بين عبد الحسين شرف الدين وبين الشيخ سليم البشري رحمه الله مفتي الأزهر، كما وقرأت كتاب لماذا اخترت مذهب أهل البيت للشيخ مرعي الأنطاكي، ولعلّ أكثر ما شدّني هو كتاب بعنوان انتصار الحقّ للشيخ عصام العماد، وهو عبارة عن مناظرة جرت بينه وبين الشيخ عثمان الخميس من أهل السنّة والجماعة، والذي لفت انتباهي أنّ الشيخ عصام العماد هو من مشايخ السلفيّة سابقاً، كما وأنّه كان إمام جامع الأسطى في اليمن، وقد درس علم الحديث في جامعة الإمام محمّد بن سعود التي درست فيها, وقد كانت تلك المناظرة طويلة، ولكن الذي هوّن عليّ الأمر أنّ الكتاب مرفق بقرص ليزري فيه المناظرة كاملة صوتيّاً,لم أستطع أن أخفي إعجابي بالأسلوب العلمي والراقي والمؤدّب الذي اتّبعه الشيخ العماد ، ولعلّ أكثر ما صدمني في نهاية المناظرة إعلان الشيخ عثمان الخميس انسحابه من المناظرة دون أيّ مبّرر لذلك.

ولعلّ أهم الأحاديث التي تناولتها تلك الكتب التي كنّا نمّر عليها مرور الكرام من دون تأمّل في مضامينها ومحتوياتها هي:

 

في رحاب أهل البيت

1 ـ حديث الثقلين:

- صحيح مسلم 122:7:قال: «قام رسول الله 0 يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خـمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: أما بعد: ألا أيّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّى فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي».

- المعجم الكبير للطبراني 66:3 قال: عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله 0: إنّي لكم فرط، وإنّكم واردون عليّ الحوض، عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين. فقام رجل فقال: يا رسول الله، وما الثقلان؟ فقال رسول الله 0: الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسّكوا به لن تزلّوا ولا تضلّوا، والأصغر عترتي، وإنّهم لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، وسألت لهما ذاك ربّي، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلّموهما فإنّهما أعلم منكم».

 

- قال ابن كثير في تفسيره 122:4: «وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول الله0 قال في خطبته بغدير خم: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لم يفترقا حتّى يردا على الحوض».

- وقال الآلوسي في تفسيره 16:22 : «وأنت تعلم أنّ ظاهر ما صحّ من قوله0: «إنّي تارك فيكم خليفتين - وفي رواية - ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» يقتضي أنّ النساء المطهّرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين».

2ـ حديث الاثني عشر:

- صحيح مسلم 3:6، قال: عن جابر بن سمرة، قال سمعت النبيّ 0 يقول: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً، ثمّ تكلّم النبيّ 0 بكلمة خفيت عليّ فسألت أبى: ماذا قال رسول الله 0؟ فقال كلهم من قريش».

- صحيح البخاري 127:8، قال: «حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة، قال سمعت النبيّ 0 يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي: إنّه قال كلّهم من قريش».

3ـ حديث الكساء:

- صحيح مسلم 130:7 قال: قالت عائشة: «خرج النبيّ 0 غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء علي فأدخله، ثمّ قال: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركـم تطهيراً».

4 ـ عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ:

- أخرج أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي في مسنده318:2: قال : حدّثنا محمّد بن عبّاد المكّي ، حدّثنا أبو سعيد ، عن صدقة بن الربيع، عن عمّارة بن غزية ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه، قال : «كنّا عند بيت النبيّ 0 في نفر من المهاجرين والأنصار فخرج علينا فقال : ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا: بلى. قال: خياركم الموفون المطيبون، إنّ الله يحبّ الخفيّ التقيّ، قال: ومرّ عليّ بن أبي طالب، فقال: الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا»([7]).

5 ـ حديث الولاية:

- وجاء في صحيح ابن حبّان :373:15 ، قال النبيّ 0: عن علي رضي الله عنه: «علي وليّ كُلّ مؤمن بعدي» وهو حديث صحيح مخرّج في العديد من صحاح أهل السنّة([8]).

6 ـ حديث المنـزلة:

- وجاء في صحيح مسلم 1870:4، قال النبيّ 0 لعليّ رضي الله عنه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

ومنازل هارون من موسى عديدة، وقد أشار القرآن إليها، أهمّها أن يكون وزيره ويشدّ أزره به والشراكة في الأمر قال تعالى : {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}, ومن منازل هارون الخلافة يقول الله عزّ وجلّ على لسان موسى :{وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}.

7 ـ حديث الغدير:

- وجاء في المستدرك على الصحيحين 118:3 قال : «كأنّي قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ثمّ قال : إنّ الله عزّ وجل مولاي وأنا مولى كُلّ مؤمن ، ثمّ أخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فهذا وليّه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».

- وجاء في المعجم الكبير للطبراني 180:3: «أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنته حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور ؟ قالوا : بلى نشهد بذلك, قال : اللهم اشهد ، ثمّ قال : أيّها الناس، إنّ الله مولاي وأنا وليّ المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليّاً - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه, ثمّ قال : يا أيّها الناس، إنّي فرطكم وإنّكم واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة ، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدلّوا، وعترتي أهل بيتي ، فإنّه نبّأنّي اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضيا حتّى يردا عليّ الحوض».

- وقد ناشد الإمام علي رضي الله عنه الناس فشهدوا لـه بذلك ففي مجمع الزوائد للهيثمي 107:9، قال : «وعن عمرو بن ذي مر وسعيد ابن وهب وعن زيد بن يثيع قالوا : سمعنا عليّاً يقول : نشدت الله رجلاً سمع رسول الله قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بيد علي فقال : من كنت موالاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحبّ من أحبّه وأبغض من يبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله», قال الهيثمي : ( رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة).

8  ـ آية المباهلة:

- وجاء في صحيح مسلم 120:7: عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه، قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله 0 فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله 0 يقول لـه، خلّفه في بعض مغازيه فقال لـه على: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان، فقال لـه رسول الله 0: أما ترضى أن تكون منّى بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبوّة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي عليّاً، فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله 0 عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي».

9 ـ حديث السفينة:

- ذكر الحاكم النيسابوري 150:3، قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة: «من عرفني فأنا من عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبيّ 0 يقول: ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق».

كما وإنّ هنالك الكثير من الأحاديث الواردة في حقّ أهل البيت التي لا يسعني  ذكرها لكثرتها.

السنّة النبويّة بين أهل البيت والنواصب

ومن الأمور التي استوقفتني قول الإمام ابن تيميّة في منهاج السنة: 7: 529: «فليس في الأئمّة الأربعة، ولا غيرهم من أئمّة الفقهاء من يرجع إليه – يعني علي- في فقهه».

والأعجب من ذلك قول ابن حجر في تهذيب التهذيب 8: 411: «وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعة مطلقاً، ولا سيما أنّ عليّاً ورد في حقّه لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق».

ولما رجعت إلى البخاري ومسلم وغيرهم وجدتهم قد رووا عن النواصب ووثّقوهم من أمثال:

1- إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، راجع تهذيب التهذيب 1: 156.

2- حريز بن عثمان الرحبي، راجع تهذيب التهذيب 2: 207.

3- عكرمة البربري مولى ابن عبّاس، راجع تهذيب التهذيب: 7: 237.

4- حصين بن نمير الواسطي أبو محصن الضرير، راجع تهذيب التهذيب 2: 337.

5- عمران بن حطان، راجع تهذيب التهذيب 8: 113.

6- عبد الله بن سالم الأشعري اليحصبي، راجع تهذيب التهذيب 5: 200.

7- الوليد بن وليد المخزومي، راجع تهذيب التهذيب 11: 130.

هذا ناهيك عن العشرات من الرواة النواصب الذين أخرج لهم البخاري ومسلم وغيرهما ووثّقوهم وتركوا الرواية عن أهل البيت، فالبخاري لم يروِ في صحيحه عن الإمام جعفر الصادق مع أنّه عاصره!!

 

زرقاوي أم إرهابي ؟!

وبعد فترة قصيرة مرّ بي الشيخ أبو عبد الرحمن ليطمئنّ علي ويسألني عن أحوالي وما إذا كانت الظروف التي أمرّ بها قد انتهت ، وقال لي: إنّ الأخوة بحاجة إليّ الآن لأكون إلى جانبهم في هذه المرحلة، فقلت لـه: إلى أين وصلتم وما هو منهج العمل الآن؟ وبيّنت لـه أنّي أقترح أن نتريّث مرحليّاً حتّى يتّضح وضع الساحة حيث إنّه حسب ما نرى ونسمع هنالك تخبّط وتعدّد أحزاب إسلاميّة في الساحة، وبالتأكيد بعضهم عملاء للغرب ولهم مآرب وأهداف غير أهدافنا، فقال لي: كيف تقول هذا، فهذا هو وقت عملنا أكثر من أيّ وقت مضى، فالآن فرصة لنا للتخلّص من الشيعة ومن شركياتهم قاتلهم الله، خصوصاً وأنّ الساحة بيدنا الآن, فقلت لـه: ما رأيك بمقتدى الصدر أنا أرى أن نقف معه في هذه المحنة التي يمرّ بها وكونه يعمل على التخلّص من الأمريكان؛ لأنّه يحاربهم ويطالب بخروجهم ولديه السلاح والجيش ، فضحك عالياً وقال لي: وهل صدّقت أنّه فعلاً يريد خروج الأمريكان ، هؤلاء الشيعة مراوغين وآخر ما يفكّرون به هو إخراج الأمريكان الكفّار، وأردف قائلاً: بالعكس تماماً نحن ننتظر قليلاً إلى أن يضعف مقتدى وجيشه ، وقد سمعت أنّ هنالك مخطّطاً لنزع سلاح جيش المهدي التابع لهم، وحينها ننقضّ عليهم ونتخلّص من مقتدى وأعوانه حتّى لا يكونوا حجر عثرة في طريقنا.

وبدأ يحدّثني عن المخطّط للتخلّص من الشيعة من خلال تفجير الأماكن والمقدّسات الخاصّة بهم، وأماكن تجمّعاتهم وذلك للقضاء عليهم أينما وجدوا طالما الوضع متاح لقتلهم وتقطيع رؤوسهم إلى أن يقضى عليهم، ثم قال: بل أكثر من ذلك إن شاء الله بعد انتهائنا من العراق نتحوّل إلى ( الهلال الشيعي : إيران ، العراق ، سوريا ولبنان)، فعلى الصعيد الداخلي لا ندع أيّ مجال لأيّ تعاون بين شيعة العراق وبين إيران أو سوريا أو حتّى لبنان، والعمل جار على تثبيت فكرة أنّ المجاهدين يتمّ تدريبهم في سوريا وتمويلهم من إيران ودعمهم من حزب الله في لبنان، وذلك لكي لا تتقارب هذه الدول والعراق يبقى بينهم خلاف دائم.

إعلم يا أخي، أنّ كُلّ ما نقلته لك لم يكُ من عندي بل هو من توجيهات الشيخ أبي مصعب الزرقاوي – حفظه الله -، وكما تعلم بأنّ الشيخ أبا مصعب على اتصال مباشر مع الشيخ أًُسامة بن لادن – حفظه الله -، ولعلّك سمعت ما جرى في الآونة الأخيرة في بلاد الحرمين، حيث تمّ قتل بعض أزلام طواغيت آل سعود حينما كان أخواننا يدافعون عن أنفسهم ضدّ حملات أزلام الطواغيت، وإن شاء الله ستكون هذه العمليّات بداية لنهاية طغيان آل سعود.

ثُمّ ودّعني الشيخ أبو عبد الرحمن على أن نلتقي مجدّداً.


 

 

 

اللهم أحسن الخاتمة

وحينما غادر الشيخ أبو عبد الرحمن بدأت الحيرة تتملّكني والأفكار تتلاطم في رأسي، وروحي ضاقت، وعقلي تعب من كثرة التفكير، فانهمرت دموعي وأنا أُخاطب نفسي: إلى متى ستظلّ الأمّة الإسلاميّة يقتل بعضهم بعضاً؟ وكيف يستبيح المسلم السنّي دم المسلم السنّي أو دم المسلم الشيعي؟ لا وربّ الكعبة ليست هذه بأفعال المسلمين! رفعت يديّ إلى الله داعياً لـه أن يحفظ المسلمين في أرجاء العالم سنّة وشيعة ، وأن يوحّد قلوبهم لمواجهة أعداء الإسلام وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل رأس الكفر في العالم.

وبعد هذا لم يكن أمامي إلاّ أن أغير مكان إقامتي وأنتقل إلى مكان آخر لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ وبعض الخواص من أقربائي؛ كي أبتعد عن أيادي المتطرّفين من أمثال الزرقاوي وأتباعه، عاقداً النيّة على أن أبدأ من جديد، إنساناً آخر يرتضيه الله ورسوله وأهل بيته الكرام رضوان الله عليهم.

ولتعلم يا أخي القارئ، أنّي حينما ألّفت الجزء الأوّل من هذا الكتاب لم أختر اسم السيّد حسين الموسوي عبثاً فإنّ اسمي الحقيقي هو حسين، وأنّ نسبي يرجع إلى الإمام موسى الكاظم رضوان الله عليه، فنحن عائلة من الأشراف، أو كما يقول الشيعة من السادة، وها أنا قد ألّفت الجزء الثاني منه لأبيّن للعالم جريمة أُخرى تضاف لجرائم صدام وأتباعه.

واعلم أخي القارئ أنّ من يسمّى بالزرقاوي ما هو إلاّ عميل للصهيونيّة غايته تشويه صورة الإسلام بما يفعله من قطع للرؤوس على طريقة إمامه يزيد عليه لعائن الله, وأنّ أتباعه مغرّر بهم، فأغلبهم من الجهّال والمرتزقة، ولو كان هؤلاء شرفاء لرفعوا سلاحهم ووجّهوا بنادقهم للعدو الصهيوني، ولوقفوا إلى جانب إخواننا في فلسطين لتحرير القدس الشريف من أيدي اليهود المنافقين، لا كما هو الحال من قتلهم إخوانهم في بلاد الحرمين لشريفين أو في بلاد الرافدين أو في أيّ مكان في العالم الإسلامي.

وفي نهاية هذا الكتاب أُريد أن أُعلن للقارئ الكريم بأنّني وبعد بحث طويل قد توصّلت إلى أنّ التمسّك بأهل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم فريضة أمرنا بها الله ورسوله في الكتاب والسنّة، ويكفينا في ذلك حديث الثقلين.

وفي هذا المقام وبعد أن هداني الله إلى الحقّ لا يسعني إلا أن أتوجّه بالاعتذار من الله عزّ وجلّ والاعتذار لكُلّ من آذيتهم في الجزء الأوّل من كتابي السابق، راجياً الله تعالى أن يغفر لي تلك الأكاذيب والافتراءات التي نسبتها إلى علماء الشيعة، ولا سيما ما افتريته على الإمام الخميني رحمه الله.

وإنّي أقولها لله ثمّ للتاريخ:

 

 

أشهد أن لا إله إلاّ الله

وأشهد أنّ محمّداً رسول الله

وأشهد أنّ عليّاً وليّ الله


 

([1]) وقد ذكر الحديث في كتاب الرؤية للدارقطني: 9، المعجم الكبير للطبراني 25: 143 إبطال التأويلات لأخبار الصفات 1: 148 وغيرها من المصادر الكثيرة.

([2]) والحديث رواه الإمام الطبري في تفسيره 25: 7، والسنّة لأبي بكر بن عاصم 1: 248، المعجم الكبير للطبراني 19: 13، مجمع الزوائد 8: 10، وغيرها من المصادر.

([3]) وقد أخرج الحديث في كتاب العرش: 392، كتاب الشريعة للآجري: 494، كتاب السنّة: 42، إبطال التأويلات1: 137وغيرها.

([4]) وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 2: 128، الفردوس بمأثور الخطّاب 1: 165، الردّ على الجهميّة:49, الأسماء والصفات للبيهقي: 526, الدر المنثور 1: 74.

([5] ) الطبري في تاريخه: 8: 187.

([6]) المائدة : آية 78.

([7]) وهذا الحديث أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد235:7 وقال : ( رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ) ، وابن المغازلي في المناقب244، والمتقي الهندي في كنز العمّال 367:11، وابن عساكر في تاريخ دمشق449:42 .

([8] ) انظر حديث الولاية في المصادر التالية : سنن الترمذي 632:5 ، السنن الكبرى للنسائي 45:5 ، مسند أحمد بن حنبل 437:4 ، مسند أبي يعلى 293:1، وقال محقّقه الشيخ حسين أسد : ( رجاله رجال الصحيح ) ، مسند الطيالسي 111:1 ، المستدرك على الصحيحين 143:3، وقال الحاكم النيسابوري: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: (صحيح).