هل توجد آية فی القرآن الکریم حول عصمة الائمة عليهم السلام ؟
الجواب:
لعصمة الأئمة آيات عدیدة فی القرآن الکریم ؛ من جملتها :
1. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . احزاب / 33 .
من الآیات النازلة فی عظمة و فضل آل النبی (ص) و تبیین اهل البيت عليهم السلام و آل رسول الله ص هی هذه الآیة من القرآن الكريم فلنشیر الی شرح و توضيح منها ؛ و حسب ان طریقنا فی هذه المجموعة علی الاختصار فلهذا لشرح بقية الآيات راجع الکتب المدونة فی المباحث العقدية و ایضا كتب التفسير .
فی هذه الآیة قرائن عدیدة علی عصمة الأئمة فلنشیر الی قرائن منها علی سبیل الإختصار :
الإرادة تكوينية و لیست تشريعية
من القرائن التي تختص هذه الآیة بخمسة آل العباء ، نوع الإرادة المذکورة فی الآیة. من دون شك المراد من الإرادة فی هذه الآیة هی الإرادة التكوينية و لیس الإرادة التشريعية ؛ لأن الله تعالی یبدأ الآية بكلمة «انما» التی هی من أقوي اداة الحصر ، و یحصر اذهاب الرجس بخمسة آل العباء. لو کان المراد الإرادة التشريعية، فحصره بأهل البيت یکون لغوا ؛ لأن الإرادة التشريعية تشمل کل افراد البشر و لم تختص ب اهل البيت ؛ کما ان القرآن الكريم فی آية الوضوء یقول:
مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . مائدة / 6
من الواضح ان المراد من الإرادة فی هذه الآیة تشريعية و نزلت فی کل المؤمنين و لم تختص بأشخاص معينین ؛ بناء علی هذا ، من القطع الإرادة فی آية التطهير تكوينية. فإذا کانت الإرادة تكوينية ، تثبت عصمة اهل البيت و بقية افراد البشر ؛ من جملتهم أزواج رسول الله ، بني هاشم و ... یخرجون من هذه الدائرة .
آية التطهير نزلت بصورة مستقلة
النكتة التی لم یلفتوا الیها اهل السنة ، هی أن الآية :
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
نزلت بصورة مستقلة و لیست مع آيات لا قبلها و لا بعدها. هذا المطلب یستفاد مما یقرب من سبعین رواية التي فی هذا الباب. حتي فی هذه الروايات ، لم توجد و لا رواية واحدة تقول ان هذه الآیة نزلت مع الآيات التي تخاطب ازواج رسول الله (ص) و حتي لم یدعی هکذا احد من المفسرین . و الذین قالوا بأن الآية المذکورة تختص بأزواج رسول الله ص ؛ کعكرمة الخارجي ، لم یقولوا ان هذه الآية نزلت فی ضمن الآيات السابقة.
و لم یوجد دليل یثبت ان هذه الآیة نزلت مع الآيات السابقة و بعدها . اهل السنة لو ارادوا ان یثبتوا ان ازواج رسول الله تشملها «اهل البيت» لابد ان یثبتوا ان هذه الآیة نزلت مع الآيات السابقة و بعدها و نزلت دفعة واحدة ؛ الحال انه لم یوجد دليل علي هذا المطب.
فهذه الآیة حسب النزول لم تکن فی عداد الآيات المرتبطة بأزواج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تتصل بها. الحال إما بأمر من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وقعت بعد تلک الآيات ، و إما بعد وفاة الرسول (ص) کتبوه الأصحاب عند جمع القرآن فتطلب بحثا مفصلا.
علاوة علی هذه النكات، لم یکن للنبی الأکرم صلي الله عليه و آله و سلم زوجة واحدة و بیت واحد ؛ بل له ازواج عدیدة فلکل واحدة منها بیت مستقل ؛ بناء علی هذا لو کان المراد من «اهل البيت» فی هذه الآية ازواج النبی ، لابد ان یقول بدل اهل البيت «اهل البيوت» . کما ذکر فی بدایة الآية :
وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ .
و کما ذکر فی آية 53 من سورة الأحزاب:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ .
بناء علی هذا المراد من الآية لم یمکن ان یکون ازواج النبی (ص) .
لم تدّعی واحدة من ازواج النبی (ص) هکذا
من الجدیر انه لم تدعی واحدة من ازواج النبی(ص) ان هذه الآية تختص بها أو ان الآیة تشملهن. اکثر الروايات فی هذا الباب واردة عن قول عائشة و ام المؤمنين ام سلمة الذین یعتبرا بإصرار کثیر، ان هذه الآية تختص ب اهل الكساء .
اعتراف بعض من علماء اهل السنة علی اختصاص الآية بخمسة آل العباء .
کثیر من علماء اهل السنة رفضوا اللجاجة و العناد و نظروا الی الآیة بطلاقة من الرؤیة ، فاعترفوا ان المراد من هذه الآیة لیس الا اهل الكساء و لم تشمل الآیة ازواج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اصلا.
الطحاوي من کبار علماء اهل السنة فی كتاب تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار ج 8 ، ص470 -471 فی باب «بيان مشكل ما روي عنه (عليه السلام) في المراد بقول الله: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) من هم ؟ » یقول :
عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم السلام) فقال : اللهم هؤلاء أهلي .
ثم یقول :
ففي هذا الحديث أن المرادين بما في هذه الآية هم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين .
ثم ینقل هذا الحديث هکذا:
عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً .
و بعدها یقول :
ففي هذا الحديث مثل الذي في الأول .
و ایضا بعد نقل الروايات عن طريق ام المؤمنين أم سلمة یقول :
فدل ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي أم سلمة مما ذكر فيها لم يرد به أنها كانت ممن أريد به ما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأن المرادين فيها هم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسن وحسين (عليهم السلام) دون من سواهم .
و ایضا العلامة أبو بكر الحضرمي في كتاب رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي یقول:
والذي قال به الجماهير من العلماء وقطع به أكابر الأئمة وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم سيدنا علي وفاطمة وابناهما، وما تخصيصهم بذلك منه (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا عن أمر إلهي ووحي سماوي .
رشفة الصادي 13- 14، الباب الأول .
و فی الإستمرار یقول :
والأحاديث في هذا الباب كثيرة وبما أوردته منها يعلم قطعا أن المراد بأهل البيت هم علي وفاطمة وابناهما رضوان الله تعالي عليهم ولا التفات إلي ما ذكره صاحب روح البيان من أن تخصيص الخمسة المذكورين (عليهم السلام) بكونهم من أهل البيت من أقوال الشيعة، لأن ذلك محض تهوّر يقتضي بالعجب، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين .
و اهم من کل هذه العلامة الشوكاني من فحول اهل السنة فی الجواب عن الذین قالوا ان هذه الآیة نزلت فی نساء النبی ص ، یقول:
ويجاب عن هذا بأنه ورد بالدليل الصحيح أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين .
إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق في علم الأصول ، ص 83 البحث الثامن من المقصد الثالث.
و السمهودي من کبار اهل السنة یقول:
وهؤلاء هم أهل الكساء فهم المراد من الآيتين [آية المباهلة وآية التطهير] .
جواهر العقدين ، ص 204 الباب الأول .
و توجد آيات أخر فی القرآن الكريم یمکن الاستناد الیها فی اثبات عصمة النبی الأکرم و الائمة المعصومين فلأجل الاطلاع علی طریق الاستدلال بهذه الآيات راجع الی كتب التفسير عند الشيعة ؛ من جملتها تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي.
2 . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ . النساء / 59 .
من الآیات التی تثبت عصمة النبی الأکرم ص و الائمة عليهم السلام ، هذه الآیة الکریمة ؛ لأن الله تعالی فی هذه الآیة ، أوجب طاعة الرسول الاعظم و « اولي الأمر » بصورة مطلقة ؛ يعني لابد من التعبد بکل أمر ،أمروه فی أی مجال من دون أی مناقشة.
لو لم یکن« اولي الأمر » من المعصومین یمكن أن یأمروا عمداً أو سهواً بأمر یخالف أمر الله أو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ففی هذه الصورة لو أطاع الله و رسوله ، یعصی أمر «اولي الأمر » ، و هذا یخالف صريح الآیة ؛ لأن فی هذه الآیة ، اوجب طاعتهم بصورة مطلقة . و لو اطاع « اولي الأمر » ، لعصی امر الله .
حل هذه التناقض لایمکن الا بصورة ان « اولي الأمر » یکونوا معصومین من کل خطأ و اشتباه .
حتي فخر الرازي ، المفسر المعروف لاهل السنة فهم من هذه الآیة ایضا عصمة « اولي الأمر ». و ذيل هذه الآية یقول:
فثبت أن الله تعالي أمر بطاعة أولي الأمر علي سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته علي سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما .
تفسير الرازي - الرازي - ج 10 - ص 144 .
3 . وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .البقره / 124 .
هذه الآیة من الآيات التي تثبت ان مقام الإمامة مقام الهی ، فضل مقام الإمامة علی مقام النبوة هو ایضا عصمة الامام ؛ لأن نبی ابراهيم عليه السلام مع انه کان نبیا ، عندما وصل الی مقام الامامة و رأی عظمة و علوّ هذا المقام ، سأل من الله هذا المقام لذريته و ابناءه ؛ لکن الله تعالی فی جواب خليله بصورة مطلقة قال:
لا ینال عهدی الظالمین
يعني هذا المقام یختص بالذین لم یظلموا فی حیاتهم طرفة عین. و کما تعلمون ، من الظم ، الظلم علی النفس و الذنب یعد من اتم مصادیق الظلم علی النفس ؛
الله تعالی فی القرآن یقول :
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ . الطلاق / 1 .
اقل مراتب الذنب، الظلم علی النفس . يعني لو ان شخصا یذنب فی کل عمره مرة واحدة ، یعد مصداقا للظالم. و العهد الالهي الذی هو الامامة لم یناله الظالم ؛ من هذا المنطلق لابد ان یکون الامام معصوما.
کثیر من المفسرین و علماء اهل السنة اعترفوا ان المراد من « عهدي » هو مقام الامامة ؛ من جملتهم فخر الرازي فی تفسيره یقول :
(لاَ يَنَالُ عَهْدِي) جواباً لقوله (وَمِن ذُرِّيَّتِي) وقوله (وَمِن ذُرِّيَّتِي) طلب للإمامة التي ذكرها الله تعالي فوجب أن يكون المراد بهذا العهد هو الإمامة ليكون الجواب مطابقاً للسؤال .
تفسير الرازي ، ج4 ، ص46 .
و البيضاوي ، احد المفسرین من اهل السنة فی تفسير « لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » یقول:
إجابة إلي ملتمسه وتنبيهه علي انه قد يكون من ذريته ظلمه وأنهم لا ينالون الإمامة لأنها أمانة من الله تعالي وعهداً والظالم لا يصلح لها .
تفسير البيضاوي ، ج1 ، ص397، ط دار الفكر بيروت .
و ابن كثير الدمشقي السلفي ایضا فی تفسير هذه الآية یقول:
لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ يقول تعالي منبهاً علي شرف إبراهيم خليله (عليه السلام) وان الله جعله إماما للناس .
تفسير ابن كثير ، ج1 ، ص169 .
و الطبري فی تفسير جامع البيان ذیل تفسير « لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » یقول:
حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا ينال عهدي الظالمين قال: لا يكون إماماً ظالماً .
جامع البيان ، ج2 ، ص738 ، ط دار الفكر .
و روايات عدیدة وردت عن طريق اهل السنة بهذه المضامين : « لا يكون إماما ظالماً » و « لا اجعل إماما ظالماً يقتدي به » .
راجع: صحيح البخاري ، ج1 ، ص215 ، كتاب الأحكام و صحيح مسلم ، ج6 ، ص8 ، باب فضيلة الإمام العادل وباب خيار الأئمة وأشرارهم و جامع البيان ، الطبري ج1 ص738 و الدر المنثور ، السيوطي ، ج1 ص118.
فریق الإجابة عن الشبهات
و من الله التوفیق