السائلة : مبينا صالحي
توضيح السؤال :
لماذا الرسول صلي الله عليه وآله لم یقتص من خالد بن الوليد من أجل انه قتل عدة من المسلمین من قبيلة بنی جذيمة ؟
اهل السنة ،یقیسون جرائم خالد فی قضية قتل مالك بن نويرة فی زمان ابی بكر و عدم قصاصه، بهذه المسألة.
الجواب :
لاشک فی أن خالد بن الوليد ، عند حربه مع مالك بن نويرة ،ارتکب جرائم عظيمة ؛ حتی ان الخليفة الثانی اعترض علیه بشدة ، لقّبه بعدو الله و قسم ب الله ان یرجم خالد بن الولید؛ لکن حسب ان الخليفة الاول لأجل تطور حکومته کان یتکل علی قدرة خالد و یحتاجه ، فحامی عنه و لم یجعل له من قصاص .
درسنا هذا المطلب بصورة مفصلة نرجوا المراجعة عبر هذا العنوان :
http://www.valiasr-aj.com/persian/shownews.php?idnews=5166
لکن فی حرب خالد مع بني جذيمة و قتلهم لابد من ذکر ثمة نکت ضروريات:
اولاً : العفو عن دم المقتول أو قصاص القاتل،بید ولي المقتول و لم یستطیع أحد؛ حتي النبی الأکرم صلي الله عليه وآله ، ابوبكر أو کل حاكم آخر،ان یعفو عن القصاص و لو اراد ولیّ الدم ان یقتص من القاتل ، من وظائف الحاكم الاسلامي ان یقتص منه و یجری حكم الاسلام ؛ لکن لو لم یرد ولیّ الدم القصاص و اراد اخذ الدية،بدل القصاص،الحاكم الاسلامي یعمل حسب رأی وليّ الدم.
فی قضية بني جذيمة ، الرسول صلي الله عليه وآله ، بعد اطلاعه و اخباره عنه ، ارسل اميرالمؤمنین عليه السلام الیهم و دفع تمام ما خسروه من الأموال ؛ حتي انه لیدی میلغة الکلب.
الطبري یقول :
فلما انتهي الخبر إلي رسول الله رفع يديه إلي السماء ثم قال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال يا علي اخرج إلي هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك.
فخرج حتي جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله به فودي لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتي إنه ليدي ميلغة الكلب حتي إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي عليه السلام حين فرغ منهم هل بقي لكم دم أو مال لم يود إليكم قالوا لا قال فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلي رسول الله فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت.
ثم قام رسول الله فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتي إنه ليري بياض ما تحت منكبيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات .
الطبري ، أبي جعفر محمد بن جرير (المتوفي310هـ) ، تاريخ الطبري ، ج 2 ، ص 164 ، ناشر : دار الكتب العلمية - بيروت .
الحميري المعافري ، عبد الملك بن هشام بن أيوب أبو محمد (المتوفي213هـ) ، السيرة النبوية ، ج 5 ، ص 96 ، تحقيق : طه عبد الرءوف سعد ، ناشر : دار الجيل ، الطبعة : الأولي ، بيروت 1411هـ .
الشيباني ، محمد بن الحسن (المتوفي198هـ) ، شرح كتاب السير الكبير ، ج 1 ، ص 260 ، ، تحقيق : د. صلاح الدين المنجد ، ناشر : معهد المخطوطات - القاهرة .
ثانياً : علاوة علی دفع الخسائر و جلب رضاية افراد القبيلة حسب امر الله : « فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنيّ ِ بَرِي ءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون ؛! » (شعراء 216) قام رسول الله فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتي إنه ليري بياض ما تحت منكبيه وهو يقول:
اللهم إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ .
البخاري الجعفي ، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله (المتوفي256هـ) ، صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 1157 و ج 4 ، ص 1577 ، ح4084 و ج 6 ، ص 2628 ، ح6766 ، تحقيق : د. مصطفي ديب البغا ، ناشر : دار ابن كثير ، اليمامة - بيروت ، الطبعة : الثالثة ، 1407 - 1987 .
ثالثاً : خالد بن الوليد فی قضية قتل مالك بن نويرة ، علاوة علی قتله هو و قبيلته ، ارتكب الزناء المحصنة ایضا و کان علی أبی بكر ان یجری علیه حکم الله؛ لأن اجراء حد الزانی ، من وظائف الحاكم ؛ لکن الخليفة بدل اجراء حکم الله ، شوّقه و حامی من عمله بشدة. مع ان المرأة التی یتوفی زوجها لابد ان تعتد بعدة خاصة حسب اتفاق المسلمین ؛ لکن خالد بن الوليد اهمل هذه المسألة و جامع زوجة مالک فی اللیلة التی قتله فیها.
الخليفة الثانی عند سماعه خبر قتل مالك و جماع خالد بزوجته ، قسم ب الله ان یرجم خالد.
الطبري و إبن اثير فی تواريخهم و أبو الفرج الإصفهاني فی الأغاني و النويري فی نهاية الأدب یقولون:
فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال عدو الله عدي علي امرئ مسلم فقتله ثم نزا علي امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتي دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال أرثاء قتلت امرأ مسلما ثم نزوت علي امرأته والله لأرجمنك بأحجارك .
الطبري ، أبي جعفر محمد بن جرير (المتوفي310هـ) ، تاريخ الطبري ، ج 2 ، ص 274 ، ناشر : دار الكتب العلمية - بيروت .
الإصبهاني ، أبو الفرج (المتوفي356هـ) ، الأغاني ، ج 15 ، ص 294 ، تحقيق : علي مهنا وسمير جابر ، ناشر : دار الفكر للطباعة والنشر ، بيروت .
الشيباني ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم (المتوفي630هـ) ، الكامل في التاريخ ، ج 2 ، ص 217 ، تحقيق : عبد الله القاضي ، ناشر : دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الثانية ، 1415هـ .
النويري ، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (المتوفي733هـ) ، نهاية الأرب في فنون الأدب ، ج 19 ، ص 52 ، ، تحقيق : مفيد قمحية وجماعة ، ناشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان ، الطبعة : الأولي ، 1424هـ - 2004م .
الذهبي یقول :
فلما قدم خالد قال عمر : يا عدو الله قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت علي امرأته .
الذهبي ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (المتوفي748هـ) ، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، ج 3 ، ص 36 ، تحقيق : د. عمر عبد السلام تدمري ، ناشر : دار الكتاب العربي - لبنان/ بيروت ، الطبعة : الأولي ، 1407هـ - 1987م .
و اما هذا السؤال : لماذا ابوبكر لم یجری حکم الله ، و حامی من جرائم خالد ؟ لابد ان نسمع الجواب من لسان علماء اهل السنة الذین یقولون : یعتبر ابوبكر خالدا مجتهد فبرأه فقال إنه تأول فأخطأ .
ابن خلكان و کثیر من علماء اهل السنة یقولون :
ولما بلغ الخبر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال عمر لأبي بكر رضي الله عنه إن خالدا قد زني فارجمه قال ما كنت لأرجمه فإنه تأول فأخطأ .
إبن خلكان ، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (المتوفي681هـ) ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، ج 6 ، ص 15 ، تحقيق : احسان عباس ، ناشر : دار الثقافة - بيروت ؛
أبو الفداء ، عماد الدين إسماعيل بن علي (المتوفي732هـ) المختصر في أخبار البشر ، ج 1 ، ص 108 .
جلال الدين السيوطي و المتقي الهندي نقلاً عن ابن سعد یقولا هکذا :
ادَّعي أَنَّ مَالكَ بْنَ نُوَيرَةَ ارْتَدَّ بِكَلاَمٍ بَلَغَهُ عَنْهُ ، فَأَنْكَرَ مَالِكٌ ذالِكَ ، وَقَالَ : أَنَا عَلي الإِسْلاَمِ مَا غَيَّرْتُ وَلاَ بَدَّلْتُ وَشَهِدَ لَهُ بِذالِكَ أَبُو قَتَادَةَ وَعَبدُ اللَّهِ بنِ عمرَ فَقَدَّمَهُ خَالِدٌ وَأَمَرَ ضِرَارَ بنَ الأَزْوَرِ الأَسدي فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، وَقَبَضَ خَالِدٌ امْرَأَتَهُ ، فَبَلَغَ ذالِكَ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ قَتْلَهُ ، فَقَالَ لأِبِي بَكْرٍ : ( إِنَّهُ قَدْ زَنَي فَارْجُمْهُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا كُنْتُ لأِرْجُمَهُ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ ، قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ قَتَلَ مُسْلِمَاً فَاقْتُلْهُ ، قَالَ : مَا كُنْتُ لأِقْتُلَهُ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ ، قَالَ : فَاعْزِلْهُ ، قَالَ : مَا كُنْتُ لأِشِيمَ سْيْفَاً سَلَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدَاً ) ( ابن سعد ) .
السيوطي ، الحافظ جلال الدين عبد الرحمن (المتوفي 911هـ) ، جامع الاحاديث (الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير) ، ج 13 ، ص 94 .
الهندي ، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (المتوفي975هـ) ، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، ج 5 ، ص 247 ، تحقيق : محمود عمر الدمياطي ، ناشر : دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة : الأولي ، 1419هـ-1998م .
لابد أن نسأل من الخليفة انه لو کان خالد مجتهدا و یستطیع ان یقتل عشیرة لأجل انهم لم یدفعوا الزکاة الی أبی بكر (لا انكار اصل وجوب الزكاة) و فی تلک اللیلة یجامع امرأة مسلمة قد قتل زوجها ، فلماذا لم یجوز الإجتهاد لمالك بن نويرة.
لو کان الصحابة کلهم مجتهدون ، فمالك بن نويرة ایضا مجتهد ؛ لماذا شخص یقتل لأجل اجتهاده و یزنی بزوجته فی تلک اللیلة ؛ لکن شخص آخر لأجل القتل عن عمد و الزناء المحصنة لم یوبخ ؛ بل یعطوه المکافأة ؟!
و لو افترضنا ان خالد اجتهد فی زمن رسول الله صلي الله عليه وآله و أخطأ و کان أبو بكر مطلعا من هذا العمل ، لماذا فی المرة الثانیة عند ارتکابه تلک الجریمة نفسها،لم یعاقبه؟ هل لشخص واحد ان یرتکب الجریمة نفسها مرة اخری ؟ هل نستطیع ان نبرر خطأ واحدا مرتین بواسطة الاجتهاد؟
هذا المطلب ایضا من المسلّمات ان خالد بن الوليد ، قتل مالك بن نويرة لأن کانت له إمرأة فی غایة الجمال ، لا لأجل عدم دفع الزكاة.
الذهبي فی تاريخ الإسلام و اليافعي فی مرآة الجنان ، ابن خلكان فی وفيات الأعيان و أبو الفداء فی المختصر في أخبار البشر یقولون :
فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر ، فكره كلامهما ، وقال لضرار بن الأزور : إضرب عنقه ، فالتفت مالك إلي زوجته وقال : هذه التي قتلتني ، وكانت في غاية الجمال ، قال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام ، فقال : أنا علي الإسلام ، فقال : إضرب عنقه ، فضرب عنقه وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام ، ثم تزوج خالد بالمرأة.
الذهبي ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (المتوفي748هـ) ، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، ج 3 ، ص 34 ، تحقيق : د. عمر عبد السلام تدمري ، ناشر : دار الكتاب العربي - لبنان/ بيروت ، الطبعة : الأولي ، 1407هـ - 1987م .
اليافعي ، أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان (المتوفي768هـ) ، مرآة الجنان وعبرة اليقظان ، ج 2 ، ص 119 ، ناشر : دار الكتاب الإسلامي - القاهرة - 1413هـ - 1993م.
بن خلكان ، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (المتوفي681هـ) ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، ج 6 ، ص 14 ، تحقيق : احسان عباس ، ناشر : دار الثقافة - لبنان .
أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي (المتوفي732هـ) المختصر في أخبار البشر ، ج 1 ، ص 108 .
و من الله التوفیق