الفصل الثامن في الاحتجاجات والمكاتيب‏

    الباب الأوّل في احتجاجاته ومناظراته عليه السلام‏

 وهو يشتمل على ستّة عناوين:

      أ - على نسبه وعلمه‏ عليه السلام‏

     موسوعة الإِمام الجوادعليه السلام / ج ٢

 الاحتجاجات والمكاتيب  

  -١ أبو جعفر الطبري رحمه الله: ... عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام، قال: كان أبو جعفرعليه السلام شديد الأدمة، ولقد قال فيه الشاكّون المرتابون - وسنّه خمسة وعشرون شهراً - إنّه ليس هو من ولد الرضاعليه السلام.

 وقالوا لعنهم اللّه: إنّه من شُنيف الأسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ ... .

 فنطق ‏عليه السلام بلسان أرهف من السيف، وأفصح من الفصاحة، يقول‏عليه السلام: الحمد للّه الذي خلقنا من نوره بيده، واصطفانا من بريّته، وجعلنا أُمناءه على خلقه ووحيه.

 معاشر الناس! أنا محمد بن علي  الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي سيّد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء، وابن محمد المصطفى، (صلوات اللّه عليهم). ففي مثلي يشكّ، وعليّ وعلى‏ أبوي يفترى، وأُعرض على القافة!؟

 وقال: واللّه! إنّني لأعلم بأنسابهم من آبائهم. إنّي واللّه! لأعلم بواطنهم وظواهرهم، وإنّي لأعلم بهم أجمعين، وما هم إليه صائرون.

 أقوله حقّاً وأُظهره صدقاً، علماً ورّثناه اللّه قبل الخلق أجمعين، وبعد بناء السماوات والأرضين.

 وأيم اللّه! لولا تظاهر الباطل علينا، وغلبة دولة الكفر، وتوثّب أهل الشكوك والشرك والشقاق علينا، لقلت قولاً يتعجّب منه الأوّلون والآخرون... .

 ثمّ وضع يده على فيه، ثمّ قال: يا محمد! اُصمت كما صمت آباؤك... (١)

 

    ب - على إمامته في حداثة سنّه عليه السلام‏

 (٨٦٦) محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: قال علي بن حسّان لأبي جعفرعليه السلام: يا سيّدي! إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك!؟

 فقال‏عليه السلام: وما ينكرون(٢) من ذلك قول اللّه عزّوجلّ؛ لقد قال اللّه عزّوجلّ لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: «قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا ومن اتّبعني»(۳).

 فواللّه! ما تبعه إلّا علي عليه السلام(٤) وله تسع سنين، وأنا ابن تسع سنين(٥).

 (٨٦۷) محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي  بن سيف، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، قال: قلت له: إنّهم يقولون في حداثة سنّك!

 فقال‏ عليه السلام: إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبيّ، يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم.

 فأوحى اللّه إلى داودعليه السلام: أن خذ عصا المتكلّمين، وعصا سليمان، واجعلهما(٦) في بيت، واختم عليها بخواتيم القوم.

 فإذا(۷) كان من الغد، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة.

 فأخبرهم داودعليه السلام، فقالوا: قد رضينا وسلّمنا(٨)

 

    ج - مع المأمون‏

  -١ ابن الصبّاغ: ... اتّفق أنّ المأمون خرج يوماً يتصيّد، فاجتاز بطرف البلد، وثمّ صبيان يلعبون، ومحمد الجواد عليه السلام واقف عندهم.

 فلمّا أقبل المأمون فرّ الصبيان، ووقف محمد الجواد عليه السلام، وعمره إذ ذاك تسع سنين ... فقال له: يا غلام! ما منعك أن لاتفرّ كما فرّ أصحابك؟

 فقال له محمد الجواد عليه السلام مسرعاً: يا أمير المؤمنين! فرّ أصحابي فرقاً، والظنّ بك حسن، إنّه لايفرّ منك من لاذنب له، ولم يكن بالطريق ضيقاً ... .

 وساق جواده إلى نحو وجهته، وكان معه بزاة الصيد ... فلمّا دنا منه الخليفة، قال: يا محمد!

 قال لبّيك، يا أمير المؤمنين!

 قال: ما في يدي!؟

 فأنطقه اللّه تعالى بأن قال: إنّ اللّه تعالى خلق في بحر قدرته، المستمسك في الجوّ، ببديع حكمته، سمكاً صغاراً، فصاد منها بزاة الخلفاء كي يختبر بها سلالة بيت المصطفى.

 فلمّا سمع المأمون كلامه تعجّب منه وأكثر، وجعل يطيل النظر فيه، وقال: أنت ابن الرضا حقّاً ! ومن بيت المصطفى صدقاً... (٩)

 

      د - مع يحيى بن أكثم‏

 (٨٦٨) أبو منصور الطبرسي رحمه الله: وروي أنّ المأمون بعد ما زوّج ابنته أُمّ الفضل أبا جعفر عليه السلام كان في مجلس، وعنده أبو جعفر عليه السلام ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة.

 فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في الخبر الذي روي؛ أنّه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا محمد! إنّ اللّه عزّوجلّ يقرؤك السلام، ويقول لك: سل أبا بكر، هل هو عنّي راض! فإنّي عنه راض !!

 فقال أبو جعفرعليه السلام: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر، أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في حجّة الوداع: قد كثرت عليّ الكذّابة، وستكثر بعدي، فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث عنّي فأعرضوه على كتاب اللّه عزّوجلّ وسنّتي، فما وافق كتاب اللّه وسنّتي فخذوا به، وما خالف كتاب اللّه وسنّتي فلاتأخذوا به.

 وليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه، قال اللّه تعالى: «ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد»(١٠). فاللّه عزّوجلّ خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه؟!

 هذا مستحيل في العقول.

 ثمّ قال يحيى بن أكثم: وقد روي: أنّ مَثَل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء!!

 فقال عليه السلام: وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه، لأنّ جبرئيل وميكائيل ملكان للّه مقرّبان لم يعصيا اللّه قطّ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة.

 وهما قد أشركا باللّه عزّوجلّ، وإن أسلما بعد الشرك ، فكان أكثر أيّامهما الشرك باللّه

(١١)، فمحال أن يشبّههما بهما.

 قال يحيى: وقد روي أيضاً: أنّهما سيّدا كهول أهل الجنّة!! فما تقول فيه؟

 فقال عليه السلام: وهذا الخبر محال أيضاً، لأنّ أهل الجنّة كلّهم يكونون شبّاناً(١٢) ولايكون فيهم كهل.

 وهذا الخبر وضعه بنو أُميّة لمضادّة الخبر الذي قاله رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن والحسين عليهما السلام بأنّهما: سيّدا شباب أهل الجنّة.

 فقال يحيى بن أكثم: وروي: أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة!!

 فقال عليه السلام: وهذا أيضاً محال، لأنّ في الجنّة ملائكة اللّه المقرّبين، وآدم ومحمد وجميع الأنبياء والمرسلين صلوات اللّه عليهم، لاتضي‏ء الجنّة بأنوارهم حتّى تضي‏ء بنور عمر؟!

 فقال يحيى: وقد روي: أنّ السكينة تنطق على لسان عمر!!

 فقال عليه السلام: لست بمنكر فضل عمر، ولكنّ أبا بكر أفضل من عمر، فقال - على رأس المنبر : إنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا ملت فسدّدوني.

 فقال يحيى: قد روي أنّ النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم، قال: لو لم أُبعث لبعث عمر!!

 فقال عليه السلام: كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث، يقول اللّه في كتابه: «وإذ أخذنا من النبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح»     (١۳). فقد أخذ اللّه ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه؛ وكلّ(١٤) الأنبياء عليهم السلام لم يشركوا باللّه طرفة عين.

 فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك، وكان أكثر أيّامه مع الشرك باللّه؛ وقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: نبّئت وآدم بين الروح والجسد.

 فقال يحيى بن أكثم: وقد روي أيضاً، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ما احتبس عنّي الوحي قطّ إلّا ظننته قد نزل على آل الخطّاب!!

 فقال عليه السلام: وهذا محال أيضاً، لأنّه لايجوز أن يشكّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في نبوّته؛ قال اللّه تعالى: «اللّه يصطفي من الملائكة رُسلاً ومن الناس»(١٥). فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممّن(١٦) اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به.

 قال يحيى: روي أنّ النبي  صلى الله عليه وآله وسلم، قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلّا عمر!!

 فقال عليه السلام: وهذا محال أيضاً، إنّ اللّه تعالى يقول: «وما كان اللّه ليعذّبهم وأنت فيهم، وما كان اللّه معذّبهم وهم يستغفرون»(١۷). فأخبر(١٨) سبحانه أنّه لايعذّب أحداً مادام فيهم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وما داموا يستغفرون اللّه(١٩)(٢٠).

 (٨٦٩) ابن شعبة الحرّاني رحمه الله: قال المأمون ليحيى بن أكثم: اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضاعليهما السلام مسألة تقطعه فيها.

 فقال: يا أبا جعفر! ما تقول في رجل نكح امرأةً على زنا أيحلُّ أن يتزوّجها؟

 فقال‏ عليه السلام: يدعها حتّى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لايؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه.

 ثمّ يتزوّج بها إن أراد، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً، ثمّ اشتراها فأكل منها حلالاً.

 فانقطع يحيى.

 فقال له أبو جعفرعليه السلام: يا أبا محمد! ماتقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة، وحلّت له ارتفاع النهار، وحرمت عليه نصف النهار، ثمّ حلّت له الظهر، ثمّ حرمت عليه العصر، ثمّ حلّت له المغرب، ثمّ حرمت عليه نصف اللّيل، ثمّ حلّت له الفجر  (٢١)، ثمّ حرمت عليه ارتفاع النهار، ثمّ حلّت له نصف النهار؟

 فبقي يحيى والفقهاء بُلساً خرساً(٢٢).

 فقال المأمون: يا أبا جعفر! أعزّك اللّه، بيّن لنا هذا؟

 قال‏عليه السلام: هذا رجل نظر إلى مملوكة لاتحلّ له، اشتراها(٢۳) فحلّت له، ثمّ أعتقها فحرمت عليه، ثمّ تزوّجها فحلّت له.

 فظاهَرَ منها، فحرمت عليه، فكفّر الظهار(٢٤) فحلّت له، ثمّ طلّقها تطليقة فحرمت عليه، ثمّ راجعها فحلّت له، فارتدّ عن الإسلام فحرمت عليه، فتاب ورجع إلى الإسلام فحلّت له بالنّكاح الأوّل، كما أقرّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم على النكاح الأوّل(٢٥).

  -۳ محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله:... محمد بن أبي العلاء، قال: سمعت يحيى بن أكثم ... فقال: فبينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم.

 فرأيت محمد بن علي الرضا عليهما السلام يطوف به؛ فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إليّ... (٢٦).

  -٤ الشيخ المفيد رحمه الله: ... عن الريان بن شبيب، قال: لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أُمّ الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام، بلغ ذلك العبّاسيّين ... .

 فقالوا: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه، فإنّه صبيّ لامعرفة له ولافقه ... .

 واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، وهو قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لايعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك.

 وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع؟ فأجابهم إلى ذلك.

 فاجتمعوا في اليوم الذي اتّفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم، فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست، ويجعل له فيه مسورتان، ففعل ذلك.

 وخرج أبو جعفرعليه السلام وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر، فجلس بين المسورتين، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم.

 والمأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفرعليه السلام. فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين! أن أسأل أبا جعفرعليه السلام؟

 فقال له المأمون: استأذنه، في ذلك.

 فأقبل عليه يحيى بن أكثم، فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟

 قال له أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت!

 قال يحيى: ماتقول جعلني اللّه فداك! في محرم قتل صيداً؟

 فقال له أبو جعفر عليه السلام: قتله في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أم جاهلاً؟

 قتله عمداً أو خطأ؟ حُرّاً كان المحرم أم عبداً؟ صغيراً كان أم كبيراً؟

 مبتدئاً بالقتل أم معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟

 من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهاراً؟

 محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟

 فتحيّر يحيى بن أكثم، وبان في وجهه العجز والانقطاع، ولجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره ... .

 فقال له أبو جعفرعليه السلام : أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار، فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له.

 فلمّا زالت الشمس حرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر حلّت له، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له.

 ما حال هذه المرأة؟ وبماذا حلّت له وحرمت عليه؟

 فقال له يحيى بن أكثم: واللّه! ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولاأعرف الوجه فيه... (٢۷).

 

    ه - مع المعتصم‏

  -١ العيّاشي رحمه الله: عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد ... إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة [المعتصم‏] تطهيره بإقامة الحدّ عليه. فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمد بن علي عليهما السلام. فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟

 قال: فقلت: من الكرسوع ... .

 فالتفت إلى محمد بن علي عليهما السلام، فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر!؟

 فقال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين!

 قال: دعني ممّا تكلّموا به، أيّ شي‏ء عندك؟

 قال: اعفني عن هذا، يا أمير المؤمنين!

 قال: أقسمت عليك باللّه لما أخبرت بما عندك فيه؟

 فقال عليه السلام: أما إذا أقسمت عليّ باللّه، إنّي أقول: إنّهم أخطأوا فيه السنّة، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكفّ.

 قال: وما الحجّة في ذلك؟

 قال: قول رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين.

 فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها.

 وقال اللّه تبارك وتعالى: «وأنّ المساجد للّه». يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، «فلا تدعوا مع اللّه أحداً». وما كان للّه لم يقطع.

 قال: فأعجب المعتصم ذلك، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ...  (٢٨) .

 

  -٢ العيّاشي رحمه الله: عن أحمد بن فضل الخاقاني، من آل رزين، قال: قطع الطريق بجلولاء على السابلة، من الحجّاج وغيرهم، وأفلت القطّاع، فبلغ الخبر المعتصم ... فجمع الفقهاء وابن أبي دؤاد، ثمّ سأل الآخرين على الحكم فيهم؟ وأبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام، حاضر ... .

 فالتفت إلى أبي جعفر عليه السلام، فقال له: ما تقول فيما أجابوا فيه؟

 فقال: قد تكلّم هؤلاء الفقهاء والقاضي بما سمع أمير المؤمنين.

 قال: وأخبرني بما عندك؟

 قال عليه السلام: إنّهم قد أضلّوا فيما أفتوا به، والذي يجب في ذلك، أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق.

 فإن كانوا أخافوا السبيل فقطّ، ولم يقتلوا أحداً، ولم يأخذوا مالاً، أمر بإيداعهم الحبس، فإنّ ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل.

 وإن كانوا أخافوا السبيل، وقتلوا النفس، أمر بقتلهم.

 وإن كانوا أخافوا السبيل، وقتلوا النفس، وأخذوا المال، أمر بقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، وصلبهم بعد ذلك.

 قال: فكتب إلى العامل بأن يمثّل ذلك فيهم(٢٩) .

 

    و - مع أبي يزيد البسطامي‏

  -١ الحرّ العاملي رحمه الله: ... حكى أبو يزيد البسطامي، قال: خرجت من بسطام، قاصداً لزيارة البيت الحرام ... فرأيت في القرية تلّ تراب، وعليه صبيّ رباعي السنّ، يلعب بالتراب.

 فقلت في نفسي: هذا صبيّ إن سلمّت عليه، لمايعرف السلام، وإن تركت السلام، أخللت بالواجب؟!

 فأجمعت رأيي على أن أسلّم عليه، فسلّمت عليه.

 فرفع رأسه إلي وقال: والذي رفع السماء وبسط الأرض، لولا ما أمر اللّه به من ردّ السلام لما رددت عليك.

 استصغرت أمري واستحقرتني لصغر سنّي، عليك السلام، ورحمة اللّه وبركاته، وتحيّاته ورضوانه.

 ثمّ قال: صدق اللّه: «وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها»(۳٠) وسكت.

 فقلت: «أو ردّوها»؟

 فقال: ذاك فعل المقصّر مثلك... (۳١).