الفصل الرابع في العقائد

 ويشتمل هذا الفصل على أربعة أبواب، وتسعة عشر عنواناً

    الباب الأوّل:

    في التوحيد

    وهو يشتمل على ثلاثة عناوين:

   أ - معنى التوحيد:

     موسوعة الإِمام الجوادعليه السلام / ج ١

 العقائد  

 (٥۷۷) ١ - الشيخ الصدوق رحمه الله: حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضى الله عنه، قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن عبد الرحمان ابن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفر الثاني‏ عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهّم(١) شيئاً؟

 فقال: نعم! غير معقول ولامحدود؛ فما وقع وهمك عليه من شي‏ء، فهو خلافه، لايشبهه شي‏ء، ولاتدركه الأوهام؛ كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل، وخلاف ما يتصوّر في الأوهام؟! إنّما يتوهّم شي‏ء غير معقول ولامحدود(٢).

 (٥۷٨) ٢ - الشيخ الصدوق رحمه الله: حدّثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقّاق رضى اللّه عنهما قالا: حدّثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، ومحمد بن الحسن جميعاً، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام: ما معنى الواحد؟

 قال: الذي اجتمع الألسُن عليه بالتوحيد، كما قال اللّه عزّوجلّ: «ولئن سئلتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ اللَّه»(٣)(٤)

 (٥۷٩) ٣ - الشيخ الصدوق رحمه الله: حدّثنا أبي رضى الله عنه، قال: حدّثنا محمد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام: ما معنى الواحد؟

 فقال: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانيّة(٥)

 (٥٨٠) ٤ - أبو منصور الطبرسي رحمه الله: روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: «قل هو اللّه أحد»(٦)، ما معنى الأحد؟

 قال: المجمع عليه بالوحدانيّة، أما سمعته يقول: «ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخّر الشمس والقمر ليقولنّ اللّه(۷).»؛ ثمّ يقولون بعد ذلك: له شريك وصاحبة.

 فقلت: قوله: «لاتدركه الأبصار»؟(٨)

 قال: يا أبا هاشم! أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها،ولا تدرك ببصرك ذلك،فأوهام القلوب لاتدركه،فكيف تدركه الأبصار؟!(٩)

 ٥ - البرقي رحمه الله: ... عن أبي هاشم الجعفري، قال: أخبرني الأشعث بن حاتم أنّه سأل الرضاعليه السلام عن شي‏ء من التوحيد؟

 ... قال عليه السلام: إقرء «لاتدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار».

 فقرأت، فقال: ما الأبصار؟

 قلت: أبصار العين.

 قال: لا ! إنّما عنى الأوهام، لاتدرك الأوهام كيفيّته، و هو يدرك كلّ فهم.

 عنه عن محمد بن عيسى عن أبي هاشم عن أبى جعفر عليه السلام نحوه، إلاّ أنّه قال: الأبصار ههنا أوهام العباد، فالأوهام أكثر من الأبصار، و هو يدرك الأوهام، ولاتدركه الأوهام(١٠) .

 

 ب - صفاته وأسماؤه عزّوجلّ:

 (٥٨١)١- الشيخ الصدوق رحمه الله: حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقّاق‏ رحمه الله، قال: حدّثنا محمد بن أبي عبداللّه الكوفي، قال: حدّثني محمد بن بشر، عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل، فقال: أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى، له أسماء وصفات في كتابه؟ فأسماؤه وصفاته هي هو؟

 فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّ لهذا الكلام وجهين:

 إن كنت تقول: هي هو، أي أنّه ذو عدد وكثرة، فتعالى اللّه عن ذلك.

 وإن كنت تقول: لم تزل هذه الصفات والأسماء، فإنّ لم تزل يحتمل معنيين:

 فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها، فنعم.

 وإن كنت تقول: لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ اللّه أن يكون معه شي‏ء غيره؛ بل كان اللّه ولاخلق، ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه، يتضرّعون بها إليه، ويعبدونه، وهي ذكره وكان اللّه ولا ذكر، والمذكور بالذكر هو اللّه القديم الذي لم يزل.

 والأسماء والصفات مخلوقات المعاني، والمعني بها هواللّه الذي لايليق به الاختلاف والائتلاف، وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّئ فلايقال: اللّه مؤتلف، ولا اللّه كثير، ولا قليل، ولكنّه القديم في ذاته، لأنّ ما سوى الواحد متجزّئ، واللّه واحد لامتجزئ.

 ولا متوهّم بالقلّة والكثرة، وكلّ متجزّى‏ء ومتوهّم بالقلّة والكثرة، فهو مخلوق دالّ على خالق له.

 فقولك: إنّ اللّه «قدير» خبّرت أ نّه لايعجزه شي‏ء، فنفيت بالكلمة: العجز، وجعلت العجز سواه.

 وكذلك قولك: «عالم» إنّما نفيت بالكلمة: الجهل، وجعلت الجهل سواه، فإذا أفنى اللّه الأشياء أفنى الصور والهجاء، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالماً.

 قال الرجل: كيف سمّي ربّنا «سميعاً»؟

 قال: لأنّه لايخفى عليه ما يدرك بالأسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس.

 وكذلك سمّيناه «بصيراً» لأنّه لايخفى عليه ما يدرك بالأبصار، من لون وشخص وغير ذلك، ولم نصفه بنظر لحظ العين.

 وكذلك سمّيناه «لطيفاً» لعلمه بالشي‏ء اللطيف مثل البعوضة وأحقر من ذلك، وموضع الشقّ منها، والعقل والشهوة، والسفاد، والحدب(١١) على نسلها، وإفهام بعضها عن بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال، والمفاوز(١٢)، والأودية، والقفار، فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف، وإنّما الكيفيّة للمخلوق، المكيّف.

 وكذلك سمّي ربّنا «قويّاً» لابقوّة البطش المعروف من المخلوق، ولو كان قوّته قوّة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصاً كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزاً.

 فربّنا تبارك وتعالى لاشبه له ولا ضدّ، ولاندّ، ولاكيف، ولانهاية، ولا أقطار، محرّم على القلوب أن تمثّله، وعلى الأوهام أن تحدّه، وعلى الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أداة خلقه، وسمات بريّته، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً(١٣) .

 ٢ - السيّد بن طاووس رحمه الله: ... أبو الطيّب الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر الصباح القزويني ... وكان في المدرج قنوت موالينا الأئمّة عليهم السلام ... ودعا [محمد بن علي بن موسى‏] عليه السلام في قنوته:

 «اللهمّ أنت الأوّل بلا أوّليّة معدودة، والآخر بلا آخريّة محدودة، أنشأتنا لا لعلّة اقتساراً، واخترعتنا لا لحاجة اقتداراً، وابتدعتنا بحكمتك اختياراً، وبلوتنا بأمرك ونهيك اختباراً، وأيّدتنا بالآلات، ومنحتنا بالأدوات، وكلّفتنا الطّاقة، وجشّمتنا الطّاعة.

 فأمرت تخييراً، ونهيت تحذيراً، وخوّلت كثيراً، وسألت يسيراً، فعصى أمرك فحلُمت، وجهل قدرك فتكرّمت.

 فأنت ربّ العزّة والبهاء، والعظمة والكبرياء، والإحسان والنعماء، والمنّ والآلاء، والمنح والعطاء، والإنجاز والوفاء، ولا تحيط القلوب لك بكنهٍ، ولا تدرك الأوهام لك صفة، ولا يشبّهك شي‏ء من خلقك، ولا يمثّل بك شي‏ء من صنعتك.

 تباركت أن تحسّ أو تمسّ، أو تدركك الحواسّ الخمس، وأ نّى يدرك مخلوق خالقه.

 وتعاليت يا الهى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً ...»(١٤)

 ٣ - السيّد بن طاووس رحمه الله: ... فقال [أبو جعفر الثاني عليه السلام‏]:

 «اللهمّ! يامن يملك التدبير، وهو على كلّ شي‏ء قدير، يامن يعلم خائنة الأعين، وما تخفى الصدور، ويجنّ الضمير، وهو اللطيف الخبير ... .

 فإنّك الإله المجيب، الحبيب، والربّ القريب، وأنت بكلّ شي‏ء محيط»(١٥).

 ٤ - الشيخ الصدوق ‏رحمه الله: ... علي بن مهزيار قال: كتب أبو جعفر عليه السلام ...:

 «يا ذا الذي كان قبل كلّ شي‏ء، ثمّ خلق كلّ شي‏ء، ثمّ يبقى ويفنى كلّ شي‏ء، ويا ذا الذي ليس في السّموات العلى، ولا في الأرضين السفلى‏، ولا فوقهنّ ولابينهنّ ولاتحتهنّ إلهٌ يُعبد غيره»(١٦).

 ٥ - الشيخ الصدوق رحمه الله: ... يقول [محمد بن علي بن موسى عليهم السلام‏] في دعائه ‏عليه السلام:

 «يامَن لاشبيه له ولا مثال، أنت اللّه الذي لا إله إلاّ أنت، ولا خالق إلاّ أنت، تفني المخلوقين، وتبقي أنت.

 حلمت عمّن عصاك، وفي المغفرة رضاك»(١۷).

 ٦ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: ... عبد الرحمن بن أبي نجران، قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه السلام ... نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟

 قال: فقال عليه السلام: إنّ من عبد الاسم دون المسمّى بالأسماء، أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً، بل اعبداللّه الواحد الأحد الصمد المسمّى بهذه الأسماء دون الأسماء.

 إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه(١٨).

 (٥٨٢) ۷ - ابن شعبة الحرّاني رحمه الله: قال داود بن القاسم: سألته [أي أبا جعفر الثاني عليه السلام ]عن «الصمد»؟

 فقال عليه السلام: الذي لاسُرَّة له، قلت فإنّهم يقولون: إنّه الذي لا جوف له.

 فقال عليه السلام: كلّ ذي جوف له سُرَّة(١٩).

 ٨ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: ... داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك! ما «الصمد»؟

 قال: السيّد المصمود إليه في القليل والكثير(٢٠).

 (٥٨٣) ٩ - الشيخ الصدوق رحمه الله: حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقّاق رحمه الله، قال: حدّثنا محمد بن أبي عبداللّه الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، قال: سئل أبو جعفر الثاني عليه السلام: يجوز أن يقال للّه: إنّه شي‏ء؟

 فقال: نعم! يخرجه من الحدّين(٢١): حدّ التعطيل، وحدّ التشبيه(٢٢) .

١٠ - الشيخ الصدوق رحمه الله: ... عن الطيّب يعني علي بن محمد، وعن أبي جعفر الجواد عليهما السلام، أ نّهما قالا: من قال بالجسم، فلا تعطوه من الزكاة، ولا تصلّوا وراءه(٢٣).

١١ - حسين بن عبد الوهّاب رحمه الله: عن عمر بن فرج الرخجي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ... فقال لي: يقدر اللّه تعالى‏ أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضته من خلقه أم لا؟ قلت: نعم! يقدر ... (٢٤).

١٢ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: ... محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فقال: يا محمد! إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته ... (٢٥).

 

 ج - القضاء والقدر والمشيّة:

١ - النعماني ‏رحمه الله: ... أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري:... قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل يبدو للّه في المحتوم؟

 قال: نعم! ... (٢٦).

 ٢ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: ... محمد بن إسماعيل أو غيره، قال: قلت لأبي جعفرعليه السلام: جعلت فداك! الرجل يدعو للحبلى أن يجعل اللّه ما في بطنها ذكراً سوّياً؟

 قال: يدعو ما بينه وبين أربعة أشهر ... وميثاقه بين عينيه ينظر إليه، ولا يزال منتصباً في بطن أُمّه حتّى إذا دنا خروجه، بعث اللّه عزّوجلّ إليه، ملكاً فزجره زجرة، فيخرج، وينسى الميثاق (٢۷).