الباب الرابع:

    في معجزاته عليه السلام‏

   وهو يشتمل على ستّة عشر عنواناً، وخمسين موضوعاً

   أ - معجزته عليه السلام في أيّام طفولته‏

 ويشتمل هذا العنوان على ثلاثة موضوعات:

   الأوّل - كلامه عليه السلام عند ولادته:

   -١   (٣٦٨) أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثني أبو المفضّل محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني أبو النجم بدر بن عمّار، قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي، قال: حدّثني عبد اللّه بن أحمد، عن صفوان، عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى عليه السلام، قالت: كتبت لمّا علقت أُمّ أبي جعفر عليه السلام به: خادمتك قد علقت. فكتب إليّ: إنّها علقت ساعة كذا، من يوم كذا، من شهر كذا، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيّام.

 قالت: فلمّا ولدته، قال: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه»(٢٣٣)

 فلمّا كان اليوم الثالث، عطس، فقال: «الحمد للّه، وصلّى اللّه على محمد وعلى الأئمّة الراشدين»(٢٣٤)

  -٢ ابن شهر آشوب رحمه الله: حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما السلام قالت: ... فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست، وإذاً عليه شي‏ء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت، فأبصرناه ... فلمّا كان في اليوم الثالث، رفع بصره إلى السماء، ثمّ نظر يمينه ويساره، ثمّ قال: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمداً رسول اللّه».

 فقمت ذعرةً فزعةً، فأتيت أبا الحسن عليه السلام، فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبيّ عجباً !

 فقال: وما ذاك؟ فأخبرته الخبر. فقال: يا حكيمه! ماترون من عجائبه أكثر(٢٣٥)

 

 الثاني - خطبته البليغة:

 -١   (٣٦٩) أبو جعفر الطبري رحمه الله: وحدّثني أبو المفضّل محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني جعفر [بن محمد ]بن مالك الفزاري، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام، قال: كان أبو جعفر شديد الأُدمة .(٢٣٦) ولقد قال فيه الشاكّون المرتابون - وسنّه خمسة وعشرون شهراً - : إنّه ليس هو من ولد الرضا عليه السلام.

 وقالوا لعنهم اللّه: إنّه من شُنيف(٢٣٧) الأسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ؛ وإنّهم، أخذوه، والرضا عند المأمون، فحملوه إلى القافة، وهو طفل بمكّة في مجمع من الناس بالمسجد الحرام، فعرضوه عليهم، فلمّا نظروا إليه، وزرقوه(٢٣٨) بأعينهم، خرّوا لوجوههم سجّداً، ثمّ قاموا.

 فقالوا لهم: يا ويحكم! مثل هذا الكوكب الدرّي، والنور المنير، يعرض على أمثالنا، وهذا واللّه، الحسب الزكي، والنسب المهذّب الطاهر، واللّه ما تردّد إلّا في أصلاب زاكية، وأرحام طاهرة، وواللّه ما هو إلّا من ذرّيّة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، ورسول اللّه، فارجعوا واستقيلوا اللّه، واستغفروه، ولاتشكّوا في مثله.

 وكان في ذلك الوقت سنّه خمسة وعشرين شهراً؛ فنطق بلسان أرهف(٢٣٩) من السيف، وأفصح من الفصاحة، يقول:

 الحمد للّه الذي خلقنا من نوره بيده، واصطفانا من بريّته، وجعلنا أُمناءه على خلقه ووحيه.

 معاشر الناس! أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي سيّد العابدين بن الحسين الشهيد بن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء، وابن محمد المصطفى. ففي مثلي يشكّ، وعليّ وعلى أبوىّ يفترى، وأُعرض على القافة !؟

 وقال: واللّه! إنّني لأعلم بأنسابهم من آبائهم، إنّي واللّه لأعلم بواطنهم وظواهرهم، وإنّي لأعلم بهم أجمعين، وما هم إليه صائرون، أقوله حقّاً، واُظهره صدقاً، علماً ورّثناه اللّه قبل الخلق أجمعين، وبعد بناء السماوات والأرضين.

 وأيم اللّه! لولا تظاهر الباطل علينا، وغلبة دولة الكفر، وتوثّب أهل الشكوك والشرك والشقاق علينا، لقلت قولاً يتعجّب منه الأوّلون والآخرون.

 ثمّ وضع يده على فيه، ثمّ قال: يا محمد! اصمت، كما صمت آباؤك «فاصبر كما صبر اُولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم»(٢٤٠). إلى آخر الآية.

 ثمّ تولّى الرجل إلى جانبه، فقبض على يده ومشى يتخطّى رقاب الناس، والناس يفرجون له.

 قال: فرأيت مشيخة ينظرون إليه، ويقولون: «اللّه أعلم حيث يجعل رسالته»(٢٤١)

 فسألت عن المشيخة؟

 قيل: هؤلاء قوم من حيّ بن هاشم، من أولاد عبد المطّلب.

 قال: وبلغ الخبر، الرضا علي بن موسى عليهما السلام، وما صنع بابنه محمد.

 فقال: الحمد للّه! ثمّ التفت إلى بعض من بحضرته من شيعته، فقال: هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطيّة، وما ادّعى عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم؟!

 قالوا: لا، يا سيّدنا ! أنت أعلم، فخبّرنا؟ لنعلم.

 قال: إنّ مارية لمّا أُهديت إلى جدّي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، أُهديت مع جوار قسّمهنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه، وظنّ بمارية من دونهنّ، وكان معها خادم يقال له «جريح» يؤدّبها بآداب الملوك، وأسلمت على يد رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم، وأسلم جريح معها، وحسن إيمانهما وإسلامهما، فملكت مارية قلب رسول اللّه فحسدها بعض أزواج رسول اللّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم.

 فأقبلت زوجتان من أزواج رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبويهما تشكوان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فعله وميله إلى مارية، وإيثاره إيّاها عليهما، حتّى سوّلت لهما أنفسهما أن يقولا: إنّ مارية إنّما حملت بإبراهيم من جريح، وكانوا لايظنّون جريحاً خادماً زمناً(٢٤٢).

 فأقبل أبواهما إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس في مسجده، فجلسا بين يديه، وقالا: يا رسول اللّه! ما يحلّ لنا ولايسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة واقعة بك.

 قال: وماذا تقولان؟

 قالا: يا رسول اللّه! إنّ جريحاً يأتي من مارية الفاحشة العظمى، وإنّ حملها من جريح، وليس هو منك يا رسول اللّه!

 فأربد(٢٤٣) وجه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، تلوّن لعظم ماتلقّياه به؛ ثمّ قال: ويحكما ! ماتقولان؟!

 فقالا: يا رسول اللّه! إنّنا خلّفنا جريحاً ومارية في مشربة، وهو يفاكهها(٢٤٤) ويلاعبها، ويروم منها ماتروم الرجال من النساء، فابعث إلى جريح فإنّك تجده على هذه الحال، فأنفذ فيه حكمك وحكم اللّه تعالى.

 فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحسن! خذ معك سيفك ذا الفقار، حتّى تمضي إلى مشربة مارية، فإن صادفتها وجريحاً كما يصفان، فأخمدهما ضرباً.

 فقام علي ‏عليه السلام واتّشح بسيفه، وأخذه تحت ثوبه، فلمّا ولّى ومرّ من بين يدي رسول اللّه أتى إليه راجعاً، فقال له: يا رسول اللّه ! أكون فيما أمرتني كالسكّة المحماة في النار، أو الشاهد يرى مالا يرى الغائب؟

 فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: فديتك يا علي! بل الشاهد يرى مالايرى الغائب.

 قال: فأقبل علي وسيفه في يده حتّى تسوّر(٢٤٥) من فوق مشربة مارية، وهي جالسة وجريح معها، يؤدّبها بآداب الملوك، ويقول لها: أعظمي رسول اللّه، وكنّيه، وأكرميه، ونحواً من هذا الكلام حتّى نظر جريح إلى أميرالمؤمنين وسيفه مشهر بيده، ففزع منه جريح وأتى إلى نخلة في دار المشربة، فصعد إلى رأسها، فنزل أميرالمؤمنين إلى المشربة، وكشف الريح عن أثواب جريح، فانكشف ممسوحاً، فقال: أنزل يا جريح!

 فقال: يا أميرالمؤمنين! آمن على نفسي؟

 قال: آمن على نفسك.

 قال: فنزل جريح، وأخذ بيده أميرالمؤمنين، وجاء به إلى رسول اللّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأوقفه بين يديه، وقال له: يا رسول اللّه! إنّ جريحاً خادم ممسوح.

 فولّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه إلى الجدار، وقال: حلّ لهما - يا جريح! - واكشف عن نفسك حتّى يتبيّن كذبهما. ويحهما ! ما أجرأهما على اللّه وعلى رسوله!

 فكشف جريح عن أثوابه، فإذاً هو خادم ممسوح كما وصف. فسقطا بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وقالا: يا رسول اللّه! التوبة، استغفر لنا، فلن نعود.

 فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: لا تاب اللّه عليكما، فما ينفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة على اللّه وعلى رسوله.

 قالا: يا رسول اللّه! فإن استغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربّنا، وأنزل اللّه الآية التي فيها: «إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللّه لهم»(٢٤٦)

 قال الرضا علي بن موسى عليهما السلام: الحمد للّه الذي جعل في وفي ابني محمد، أُسوة برسول اللّه وابنه إبراهيم.

 ولمّا بلغ عمره ستّ سنين وشهور قتل المأمون أباه وبقيت الطائفة في حيرة، واختلفت الكلمة بين الناس، واستُصغِرَ سنّ أبي جعفر عليه السلام وتحيّر الشيعة في سائر الأمصار(٢٤٧).

 

 الثالث - إنّه عليه السلام أُوتي الحكم صبيّاً:

 -١  (٣٧٠) محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: الحسين بن محمد، عن معلّي بن محمد، عن علي بن أسباط، قال: رأيت أبا جعفرعليه السلام وقد خرج عليّ، فأخذت ُ(٢٤٨) النظر إليه، و جعلت أنْظُر إلى رأسه ورجليه(٢٤٩) لأصف قامته لأصحابنا بمصر.

 فبينا أنا كذلك حتّى قعد، فقال(٢٥٠): يا علي(٢٥١)! إنّ اللّه احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة.

 فقال(٢٥٢): «وآتيناه الحكم صبيّاً»(٢٥٣)، و:«لمّا بلغ أشدّه»(٢٥٤)، «وبلغ أربعين سنةً»(٢٥٥)، فقد يجوز أن يؤتي الحكمة وهو صبي، ويجوز أن يؤتاها(٢٥٦) وهو ابن أربعين سنة(٢٥٧)

   -٢(٣٧١) محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: علي بن محمد وغيره عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن مصعب، عن مسعدة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه‏ عليه السلام، قال أبو بصير: دخلت إليه ومعي غلام خماسي(٢٥٨) لم يبلغ، فقال لي: كيف أنتم إذا احتجّ عليكم بمثل سنّه؟

 أو قال: سيلي عليكم بمثل سنّه(٢٥٩)

 

    ب - استجابة دعائه عليه السلام‏

 ويشتمل هذا العنوان على ستّة موارد:

 الأوّل - لأبي هاشم الجعفري:

 -١  (٣٧٢) أبو علي الطبرسي رحمه الله: قال أبو هاشم(٢٦٠): ودخلت معه ذات يوم بستاناً، فقلت له(٢٦١): جعلت فداك! إنّي مولع بأكل الطين، فادفع اللّه لي.

 فسكت، ثمّ قال لي بعد أيّام - ابتداء منه - : يا أبا هاشم! قد أذهب اللّه عنك أكل الطين.

 قال أبو هاشم: فما شي‏ء أبغض إليّ(٢٦٢) منه(٢٦٣) .

 

 الثاني - لدفع الزلازل بالأهواز:

  -١ الشيخ الصدوق ‏رحمه الله: ... عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه السلام وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز ترى لنا التحوّل عنها؟

 فكتب‏ عليه السلام: لاتتحوّلوا عنها، وصوموا الأربعاء والخميس، والجمعة؛ واغتسلوا وطهّروا ثيابكم، وابرزوا يوم الجمعة وادعوا اللّه، فإنّه يرفع عنكم.

 قال: ففعلنا، فسكنت الزلازل.

 قال: ومن كان منكم مذنب فيتوب إلى اللّه سبحانه وتعالى، (ودعا لهم بخير)(٢٦٤).

 

 الثالث - لصهر بكر بن صالح:

  -١ الشيخ المفيد رحمه الله: ... عن بكر بن صالح، قال: كتب صهر لي، إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ أبي ناصب خبيث الرأى، وقد لقيت منه شدّة وجهداً، فرأيك - جعلت فداك - في الدعاء لي؟

 فكتب ‏عليه السلام: قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدَع الدعاء لك إن شاء اللّه، والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسراً، فاصبر فإنّ العاقبة للمتّقين، ثبّتك اللّه على ولاية من تولّيت، نحن وأنتم في وديعة. اللّه الذي لاتضيع ودائعه.

 قال بكر: فعطف اللّه بقلب أبيه [عليه‏] حتّى صار لايخالفه في شي‏ء(٢٦٥) .

 

 

 الرابع - على أُمّ الفضل:

  -١ المسعودي رحمه الله: ... فلمّا انصرف أبو جعفرعليه السلام إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون ويعملون في الحيلة في قتله.

 فقال جعفر لأخته أُمّ الفضل ... فقال ‏عليه السلام لها: ما بكاؤك؟ واللّه! ليضربنّك اللّه بفقر لاينجي، وبلاء لا ينستر.

 فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناسوراً ينتقض عليها في كلّ وقت. فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة، حتّى احتاجت إلى رفد الناس ... (٢٦٦) .

   -٢(٣٧٣) ابن شهر آشوب رحمه الله: وروى: أنّ امرأته أُمّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل، فلمّا أحسّ بذلك،

 قال [ابو جعفرعليه السلام‏] لها: «أبلاك اللّه بداء لا دواء له».

 فوقعت الآكلة في فرجها، وكانت تنتصب للطّبيب فينظرون إليها، ويسرّون بالدواء عليها( ، (٢٦٧ فلا ينفع ذلك حتّى ماتت من علّتها(٢٦٨) .

 

 الخامس - على عمر بن الفرج الرخجي:

 -١  (٣٧٤) محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد اللّه، عن محمد بن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال: يا محمد! حدث بآل فرج حدث؟ فقلت: مات عمر.

 فقال: الحمد للّه(٢٦٩)! حتّى أحصيت له أربعاً وعشرين مرّة(٢٧٠)

 فقلت: يا سيّدي! لو علمت أنّ هذا يسرّك لجئت حافياً أعدو إليك.

 قال: يا محمد! أو لاتدري(٢٧١) ما قال لعنه اللّه لمحمد بن علي، أبي؟

 قال: قلت: لا!

 قال: خاطبه في شي‏ء فقال: أظنّك سكران!

 فقال أبي عليه السلام: «اللهمّ! إن كنت تعلم أ نّي أمسيت لك صائماً فأذقه طعم (٢٧٢) الحرب(٢٧٣)، وذلّ الأسر».

 فواللّه! إن ذهبت(٢٧٤) الأيّام حتّى حُرب ماله وما كان له، ثمّ اُخذ أسيراً وهو ذا قد مات - لا رحمه اللّه - وقد أدال اللّه عزّ وجلّ منه ومازال يديل أولياءه من أعدائه(٢٧٥) .

 

 السادس - على المعتصم ووزرائه:

 -١  (٣٧٥) الراوندي رحمه الله: روي عن ابن أُورمة(٢٧٦) أ نّه قال: إنّ المعتصم دعا بجماعة من وزرائه، فقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى‏عليهم السلام زوراً، واكتبوا أ نّه أراد أن يخرج، ثمّ دعاه، فقال: إنّك أردت أن تخرج عليّ؟!

 فقال: واللّه! ما فعلت شيئاً من ذلك.

 قال: إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً شهدوا عليك، وأُحضروا.

 فقالوا: نعم! هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك.

 قال: وكان جالساً في بهو(٢٧٧)، فرفع أبو جعفرعليه السلام(٢٧٨) يده، فقال: «اللهمّ! إن كانوا كذبوا عليّ، فخذهم».

 قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يزحف(٢٧٩) ويذهب ويجي‏ء، وكلّما قام واحد وقع.

 فقال المعتصم: يا ابن رسول اللّه! إنّي تائب ممّا فعلت. فادع ربّك أن يسكّنه.

 فقال: اللهمّ! سكّنه(٢٨٠)، وإنّك تعلم أ نّهم أعداؤك وأعدائي، فسكن(٢٨١).

 

    ج - طيّ الأرض له ‏عليه السلام

 ويشتمل هذا العنوان على أربعة موضوعات:

 الأوّل - إلى خراسان لتجهيز أبيه عند شهادته ‏عليهما السلام:

 -١  (٣٧٦) ابن بابويه القميّ رحمه الله: محمد بن موسى، عن محمد بن قتيبة، عن مؤدّبٍ كان لأبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: كان بين يدي يوماً يقرأ في اللوح، إذ رمى اللوح من يده، وقام فزعاً وهو يقول: «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون»، مضى - واللّه - أبي ‏عليه السلام.

 فقلت: من أين علمت؟

 قال: دخلني من إجلال اللّه وعظمته شي‏ء لم أعهده(٢٨٢). فقلت: وقد مضى؟

 فقال: دع عنك ذا(٢٨٣)، ائذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك، واستعرضني أيّ القرآن شئت، أفِ لك بحفظه(٢٨٤ ).

 فدخل البيت، فقمت ودخلت في طلبه إشفاقاً منّي عليه، فسألت عنه؟

 فقيل: دخل هذا البيت وردّ الباب دونه، وقال: لا تؤذنوا عليّ أحداً(٢٨٥) حتّى أخرج إليكم.

 فخرج مغبرّاً(٢٨٦) وهو يقول: «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون»، مضى - واللّه - أبي.

 فقلت: جعلت فداك! وقد مضى؟

 فقال: نعم! وولّيت(٢٨٧) غسله وتكفينه ، وما كان ذلك ليلي منه غيري.

 ثمّ قال لي: دع عنك هذا استعرضني أيّ القرآن شئت أف لك بحفظه(٢٨٨) .

 فقلت: الأعراف؟

 فاستعاذ باللّه من الشيطان الرجيم، ثمّ قرء :

 بسم اللّه الرحمن الرحيم : «وإذ نتقنا الجبل فوقهم كانّه ظلّة وظنّوا أ نّه واقع بهم» (٢٨٩)

 فقلت: «المص»(٢٩٠)

 فقال: هذا أوّل السورة، وهذا ناسخ، وهذا منسوخ، وهذا محكم، وهذا متشابه، وهذا خاصّ، وهذا عامّ، وهذا ما غلط به الكتّاب، وهذا ما اشتبه على الناس(٢٩١)(٢٩٢)

   -٢(٣٧٧) المسعودي رحمه الله: روى علي بن محمد الخصيبي، قال: حدّثني محمد بن إبراهيم الهاشمي ، قال: حدّثني عبد الرحمان بن يحيى، قال: كنت يوماً بين يدي مولاي الرضا عليه السلام في علّته التي مضى فيها؛ إذ نظر إليّ، فقال لي: يا عبد الرحمان! إذا كان في آخر يومي هذا، وارتفعت الصيحة، فإنّه سيوافيك ابني محمد، فيدعوك إلى غسلي، فإذا غسّلتموني، وصلّيتم عليّ فأعلم هذا الطاغية لئلّا ينقص عليّ شيئاً، ولن يستطيع ذلك.

 قال: فواللّه! إنّي بين يدي سيّدي يكلّمني، إذ وافى المغرب، فنظرت فإذا سيّدي قد فارق الدنيا، فأخذتني حسرة وغصّة شديدة ، فدنوت إليه، فإذا قائل من خلفي يقول: مه يا عبدالرحمن! فالتفتّ فإذا الحائط قد انفرج، فإذا أنا بمولاي أبي جعفرعليه السلام وعليه درّاعة(٢٩٣) بيضاء، معمّم بعمامة سوداء.

 فقال: يا عبد الرحمن! قم إلى غسل مولاك، فضعه على المغتسل؛ وغسّله بثوبه كغسل رسول اللّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا فرغ صلّى وصلّيت معه عليه، ثمّ قال لي: يا عبد الرحمان! أعلم هذا الطاغي ما رأيت، لئلّا ينقص عليه شيئاً، ولن يستطيع ذلك. ولم أزل بين يدي سيّدي إلى أن انفجر عمود الصبح؛ فإذا أنا بالمأمون قد أقبل في خلق كثير، فمنعتني هيبته أن أبدأ بالكلام.

 فقال: يا عبد الرحمن بن يحيى! ما أكذبكم، ألستم تزعمون أنّه ما من إمام يمضي إلّا وولده القائم مكانه يلي أمره؟ هذا علي بن موسى بخراسان، ومحمد ابنه بالمدينة.

 قال: فقلت: يا أميرالمؤمنين! أمّا إذا ابتدأتني فاسمع، أنّه لمّا كان أمس، قال لي سيّدي كذا وكذا، فواللّه! ما حضرت صلاة المغرب حتّى قضى فدنوت منه.

 فإذا قائل من خلفي يقول: مه يا عبد الرحمان! وحدّثته الحديث.

 فقال: صفه لي! فوصفته له بحليته، ولباسه، وأريته الحائط الذي خرج منه، فرمى بنفسه إلى الأرض، وأقبل يخور كمايخور الثور، وهو يقول: ويلك يا مأمون! ما حالك ، وعلى ما أقدمت! لعن اللّه فلاناً وفلاناً، فإنّهما أشارا عليّ بما فعلت(٢٩٤) .

   -٣(٣٧٨) الشيخ الصدوق رحمه الله: حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن موسى المتوكّل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني وأحمد بن علي بن إبراهيم ابن هاشم والحسين بن إبراهيم بن تاتانه والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب وعلي بن عبد اللّه الورّاق رضي اللّه عنهم، قالوا: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت الهروي، قال: بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما السلام، إذ قال لي: ياأبا الصلت! أدخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون، وائتني بتراب من أربعة جوانبها. قال: فمضيت فأتيت به، فلمّا مثّلت بين يديه.

 فقال لي: ناولني هذا التراب وهو من عند الباب، فناولته، فأخذه، وشمّه ثمّ رمى به.

 ثمّ قال: سيحفر لي هيهنا، فتظهر صخرة لو جمع عليها كلّ معول(٢٩٥) بخراسان لم يتهيّاء قلعها، ثمّ قال: في الذي عند الرجل والذي عند الرأس مثل ذلك، ثمّ قال: ناولني هذا التراب، فهو من تربتي.

 ثمّ قال: سيحفر لي في هذا الموضع، فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل، وأن يشقّ لي ضريحة؛ فإن أبوا إلّا أن يلحدوا، فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً.

 فإنّ اللّه سيوسّعه مايشاء؛ فإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة، فتكلّم بالكلام الذي أُعلمك، فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلي اللحد، وترى فيه حيتانا صغاراً؛ ففتّ لها الخبز الذي أُعطيك؛ فإنّها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شي‏ء خرجت منه حوتة كبيرة، فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لايبقي منها شي‏ء، ثمّ تغيب.

 فإذا غابت فضع يدك على الماء، ثمّ تكلّم بالكلام الذي أُعلمك، فإنّه ينضب الماء ولا يبقى منه، ولا تفعل ذلك إلّا بحضرة المأمون.

 ثمّ قال عليه السلام: يا أبا الصلت! غداً أُدخل على هذا الفاجر، فان أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلّم! أُكلّمك، وإن أنا خرجت و أنا مغطّى الرأس فلاتكلّمني.

قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد، لبس ثيابه وجلس فجعل في محرابه ينتظر، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أَجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي وأنا أتّبعه حتّى دخل المأمون، وبين يديه طبق عليه عنب، وأَطباق فاكهة، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه.

 فلمّا أبصر بالرضا عليه السلام وثب إليه، فعانقه وقبّل مابين عينيه، وأجلسه معه، ثمّ ناوله العنقود؛ وقال: يا ابن رسول اللّه! ما رأيت عنباً أحسن من هذا !

 فقال له الرضا عليه السلام: ربّما كان عنباً حسناً يكون من الجنّة.

 فقال له: كُل منه.

 فقال له الرضا عليه السلام: تعفيني منه.

 فقال: لابدّ من ذلك، وما يمنعك منه لعلّك تتّهمنا بشي‏ء.

 فتناول العنقود فأكل منه، ثمّ ناوله، فأكل منه الرضا عليه السلام ثلاث حبّات؛ ثمّ رمى به وقام، فقال المأمون: إلى أين؟

 فقال: إلى حيث وجّهتني.

 فخرج‏ عليه السلام مغطّي الرأس، فلم أُكلّمه حتّى دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب، فغلق ثمّ نام عليه السلام على فراشه، ومكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً.

 فبينما أنا كذلك، إذ دخل عليّ شابّ حسن الوجه، قطط(٢٩٦) الشعر، أشبه الناس بالرضا عليه السلام، فبادرت إليه، فقلت له: من أين دخلت، والباب مغلق؟!

 فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار، والباب مغلق.

 فقلت له: ومن أنت؟

 فقال لي: أنا حجّة اللّه عليك، يا أبا الصلت! أنا محمد بن علي، ثمّ مضى نحو أبيه عليهما السلام؛ فدخل وأمرني بالدخول معه، فلمّا نظر إليه الرضا عليه السلام وثب إليه، فعانقه وضمّه إلى صدره، وقبّل ما بين عينيه، ثمّ سحبه سحباً(٢٩٧) إلى فراشه وأكبّ عليه محمد بن علي عليه السلام يقبّله ويسارّه بشي‏ء لم أفهمه.

 ورأيت على شفتي الرضا عليه السلام زبداً أشدّ بياضاً من الثلج، ورأيت أبا جعفرعليه السلام يلحسه بلسانه، ثمّ أدخل يده بين ثوبيه وصدره، فاستخرج منه شيئاً شبيهاً بالعصفور، فابتلعه أبو جعفر عليه السلام ومضى الرضا عليه السلام.

 فقال أبوجعفر عليه السلام: قم يا أبا الصلت! ايتني بالمغتسل والماء من الخزانة.

 فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، وقال لي: ايته إليّ ما آمرك به.

 فدخلت الخزانة؛ فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته، وشمّرت ثيابي لأُغسّله.

 فقال لي: تنحّ يا أبا الصلت! فإنّ لي من يعينني غيرك، فغسّله.

 ثمّ قال لي: ادخل الخزانة، فاخرج إليّ السفط(٢٩٨) الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت، فإذاً أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قطّ، فحملته إليه، فكفّنه وصلّى عليه.

 ثمّ قال لي: ايتني بالتابوت. فقلت: أمضي إلى النجّار حتّى يصلح التابوت؟

 قال: قم! فإنّ في الخزانة تابوتاً. فدخلت الخزانة فوجدت تابوتاً لم أره قطّ، فأتيته به، فأخذ الرضا عليه السلام بعد ما صلّى عليه، فوضعه في التابوت، وصفّ قدميه، وصلّى ركعتين لم يفرغ منهما حتّى علا التابوت وانشقّ السقف؛ فخرج منه التابوت ومضى.

 فقلت: يا ابن رسول اللّه! الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا عليه السلام، فما نصنع؟

 فقال لي: اسكت! فإنّه سيعود يا أبا الصلت! ما من نبيّ يموت بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلّا جمع اللّه بين أرواحهما وأجسادهما، وما أتمّ الحديث حتّى انشقّ السقف ونزل التابوت.

 فقام عليه السلام، فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت، ووضعه على فراشه كأنّه لم يغسّل ولم يكفّن.

 ثمّ قال لي: يا أبا الصلت! قم فافتح الباب، للمأمون.

 ففتحت الباب، فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكياً حزيناً قد شقّ جيبه، ولطم رأسه، وهو يقول: يا سيّداه! فجعت بك يا سيّدي!

 ثمّ دخل، فجلس عند رأسه، وقال: خذوا في تجهيزه، فأمر بحفر القبر، فحفرت الموضع، فظهر كلّ شي‏ء على ما وصفه الرضا عليه السلام.

 فقال له بعض جلسائه: ألست تزعم أنّه إمام؟

 فقال : بلى! لا يكون الإمام إلّا مقدّم الناس؛ فأمر أن يحفر له في القبلة.

 فقلت له: أمرني أن يحفر له سبع مراقي، وأن أشقّ له ضريحة.

 فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد.

 فلمّا رأى ما ظهر له من النداوة والحيتان وغير ذلك، قال المأمون: لم يزل الرضا عليه السلام يرينا عجائبه في حياته، حتّى أراناها بعد وفاته أيضاً !

 فقال له وزير كان معه: أتدري ما أخبرك به الرضا عليه السلام؟

 قال: لا! قال: انّه قد أخبرك انّ ملككم يا بني العبّاس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان حتّى إذا فنيت آجالكم، وانقطعت آثاركم، وذهبت دولتكم، سلّط اللّه تعالى عليكم رجلاً منّا فأفناكم عن آخركم.

 قال له: صدقت.

 ثمّ قال لي: يا أبا الصلت! علّمني الكلام الذي تكلّمت به.

 قلت: واللّه! لقد نسيت الكلام من ساعتي وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي، ودفن الرضا عليه السلام.

 فحبست سنة، فضاق عليّ الحبس، وسهرت الليلة، ودعوت اللّه تبارك وتعالى بدعاء ذكرت فيه محمداً وآل محمد صلوات اللّه عليهم، وسألت اللّه بحقّهم أن يفرّج عنّي، فما استتمّ دعائي حتّى دخل عليّ أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام.

 فقال لي: يا أبا الصلت! ضاق صدرك؟

 فقلت: اي واللّه!

 قال: قم! فأخرجني، ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت عليّ، ففكّها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلّموني، وخرجت من باب الدار.

 ثمّ قال لي: امض في ودائع اللّه، فإنّك لن تصل إليه ولايصل إليك أبداً.

 فقال أبو الصلت: فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت(٢٩٩)

    -٤(٣٧٩) الإربلي رحمه الله: عن معمّر بن خلّاد(٣٠٠)، عن أبي جعفر عليه السلام - أو عن رجل عن أبي جعفر، الشكّ من أبي علي - قال(٣٠١): قال أبو جعفر عليه السلام: يا معمّر! اركب. قلت: إلى أين؟ قال: اركب كما يقال لك.

 قال: فركبت(٣٠٢) فانتهيت إلى واد، او إلى وهدة(٣٠٣) - الشكّ من أبي علي - .

 فقال لي: قف ها هنا! قال: فوقفت فأتاني(٣٠٤)

 فقلت له: جعلت فداك! أين كنت؟

 قال: دفنت أبي الساعة، وكان بخراسان(٣٠٥)

 

 الثاني - إلى بيت المقدس:

 -١  (٣٨٠) أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا أبو عمر هلال بن العلاء الرقّي، عن أبي النصر أحمد بن سعيد، قال: قال لي منخل بن علي(٣٠٦)  لقيت محمد بن علي عليهما السلام بسرّ من رأى، فسألته النفقة إلى بيت المقدس؟ فأعطاني مائة دينار، ثمّ قال لي: غمّض عينك(٣٠٧) فغمّضتها(٣٠٨)؛ ثمّ قال لي: افتح.

 فإذاً أنا ببيت المقدس تحت القبّة، فتحيّرت في ذلك(٣٠٩)

 

 الثالث - مع رجل شامي ونجاته عن الحبس:

 -١  (٣٨١) الرواندي رحمه الله: ما روى أبو القاسم بن قولويه، عن محمد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسّان، عن علي بن خالد، قال:

 كنت بالعسكر(٣١٠)، فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً، أتى به من ناحية الشام مكبولاً(٣١١) [بالحديد ]وقالوا: إنّه تنبّأ.

 فأتيت الباب، وداريت(٣١٢) البوّابين حتّى وصلت إليه، فإذاً رجل له فهم وعقل، فقلت له: ما قصّتك؟

 قال: إنّي رجل كنت بالشام أعبد اللّه في الموضع الذي يقال: إنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر اللّه إذ رأيت شخصاً (بين يدىّ، فنظرت) إليه، فقال [لي‏]: قم.

 فقمت معه فمشى بي قليلاً، فإذا أنا في مسجد الكوفة.

 فقال لي: أتعرف هذا المسجد؟ قلت: نعم! هذا مسجد الكوفة.

 فصلّى وصلّيت معه، ثمّ انصرف، وانصرفت معه. فمشى [بي‏] قليلاً، وإذاً نحن بمسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وسلمّت، وصلّى وصلّيت معه، ثمّ خرج وخرجت معه.

 فمشى بي قليلاً، فإذا نحن بمكّة، فطاف بالبيت وطفت معه، وخرج فخرجت معه.

 فمشى [بي‏] قليلاً، فإذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام، وغاب الشخص عن عيني، فتعجّبت ممّا رأيت.

 فلمّا كان في العام المقبل، رأيت ذلك الشخص، فاستبشرت به، ودعاني فأجبته، ففعل كما فعل في العام الأوّل، فلمّا أراد مفارقتي بالشام، قلت: سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت، من أنت؟

 قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر.

 فحدّثت من كان يصير إليّ بخبره، فرقي ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيّات(٣١٣)، فبعث إليّ فأخذني، وكبّلني في الحديد، وحملني إلى العراق، وحبست كما ترى، وادّعى علي المحال.

 فقلت له: أرفع عنك قصّة إلى محمد بن عبد الملك الزيّات؟ قال: افعل.

 فكتبت عنه قصّة، شرحت أمره فيها، ورفعتها إلى الزيّات، فوقّع في ظهرها: قل للّذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة [و] إلى المدينة [و] إلى مكّة أن يخرجك من حبسي هذا.

 قال علي بن خالد: فغمّني ذلك من أمره، ورققت له، وانصرفت محزوناً فلمّا كان من الغد، باكرت الحبس لأعلمه بالحال، وآمره بالصبر والعزاء.

 فوجدت الجند، وأصحاب الحرس، وصاحب السجن، وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون، فسألت (عنهم وعن حالهم)؟

 فقيل: المحمول من الشام المتنبّي، افتقد البارحة من الحبس، فلا يدرى خسفت الأرض به، أو اختطفته الطير؟

 وكان هذا الرجل - أعني: علي بن خالد - زيديّاً، فقال بالإمامة لمّا رأى ذلك وحسن اعتقاده(٣١٤)

 الرابع - مع أبي يزيد البسطامي:

 -١  (٣٨٢) الحرّ العاملي رحمه الله: روى الحافظ أبو نعيم من علماء أهل السنّة في كتاب «حلية الأولياء»، على ما وجدته منقولاً عنه بخطّ بعض أصحابنا، قال:

 حكى أبو يزيد البسطامي قال: خرجت من بسطام(٣١٥) قاصداً لزيارة البيت الحرام، فمررت بالشام إلى أن وصلت إلى دمشق، فلمّا كنت بالغوطة(٣١٦) مررت بقرية من قراها، فرأيت في القرية تلّ تراب، وعليه صبي، رباعي السنّ يلعب بالتراب.

 فقلت في نفسي: هذا صبي إن سلّمت عليه لما يعرف السلام، وإن تركت السلام أخللت بالواجب، فأجمعت رأيي على أن أُسلّم عليه، فسلّمت عليه.

 فرفع رأسه إليّ وقال: والذي رفع السماء وبسط الأرض، لولا ما أمر اللّه به من ردّ السلام لما رددت عليك، استصغرت أمري، واستحقرتني لصغر سنّي!؟ عليك السلام ورحمة اللّه وبركاته وتحيّاته ورضوانه.

 ثمّ قال: صدق اللّه: «وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها»(٣١٧). وسكت.

 فقلت: «أو ردّوها». فقال: ذاك فعل المقصّر مثلك.

 فعلمت أنّه من الأقطاب المؤيّدين.

 فقال: يا أبا يزيد! ما أقدمك إلى الشام من مدينتك بسطام؟

 فقلت: يا سيّدي! قصدت بيت اللّه الحرام - إلى أن قال - : فنهض، وقال: أعلى وضوء أنت؟ قلت: لا!

 فقال: اتّبعني! فتبعته قدر عشر خطا، فرأيت نهراً أعظم من الفرات.

 فجلس وجلست، وتوضّأ أحسن وضوء وتوضّأت.

 وإذا قافلة مارّة، فتقدّمت إلى واحد منهم، وسألته عن النهر؟

 فقال: هذا جيحون(٣١٨). فسكت.

 ثمّ قال لي الغلام: قم! فقمت معه، ومشيت معه عشرين خطوة، وإذاً نحن على نهر أعظم من الفرات وجيحون.

 فقال لي: اجلس! فجلست ومضى.

 فمرّ عليّ أناس في مركب لهم، فسألتهم عن المكان الذي أنا فيه؟

 فقالوا: نيل مصر(٣١٩)، وبينك وبينها فرسخ أو دون فرسخ، ومضوا؛ فما كان غير ساعة إلّا وصاحبي قد حضر، وقال لي: قم! قد عزم علينا.

 فقمت معه قدر عشرين خطوة، فوصلنا عند غيبوبة الشمس إلى نخل كثير، وجلسنا، ثمّ قام، وقال لي: امش!

 فمشيت خلفه يسيراً، وإذاً نحن بالكعبة - إلى أن قال - : فسألت الرجل الذي فتح الكعبة، فقال: هذا سيّدي محمد الجواد صلّى اللّه عليه.

 فقلت: اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته(٣٢٠)

 

 الخامس - طىّ الأرض له عليه السلام إلى مكّه :

  -٢ أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا أبو عمر هلال بن العلاء الرقّي، قال: حدَّثنا هِشام بن محمد، قال: قال محمد بن العلاء: رأيت محمد بن علي‏ عليه السلام يحُجُّ بلا راحلة ولا زاد من ليلته و يرجِع، و كان لي أخ بمكَّة لي عنده خاتَم، فقلت له: تأخذ لي منه علامة، فرجع من ليلته و معه الخاتَم(٣٢١).

 

    د - شفاء الأمراض‏

 ويشتمل هذا العنوان على خمسة موضوعات:

 الأوّل - شفاء العين:

 -١  (٣٨٣) أبو عمرو الكشّي رحمه الله: حمدويه، قال: حدّثنا أبو سعيد الآدمي، عن محمد بن مرزبان، عن محمد بن سنان، قال:

 شكوت إلى الرضاعليه السلام وجع العين! فأخذ قرطاساً فكتب إلى أبي جعفرعليه السلام(٣٢٢)، وهو أقلّ من نيّتي(٣٢٣).

 فدفع الكتاب إلى الخادم، وأمرني أن أذهب معه، وقال: اكتم!

 فأتيناه وخادم قد حمله.

 قال: ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفرعليه السلام .

 فجعل أبو جعفرعليه السلام ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء، ويقول ناج (٣٢٤)، ففعل ذلك مراراً.

 فذهب كلّ وجع في عيني، وأبصرت بصراً، لايبصره أحد، قال: فقلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلك اللّه شيخاً على هذه الأُمّة كما جعل عيسى بن مريم شيخاً على بني اسرائيل!

 قال: ثمّ قلت له: يا شبيه صاحب فطرس!

 قال: وانصرفت وقد أمرني الرضا عليه السلام أن أكتم، فما زلت صحيح البصر حتّى أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمر عيني، فعاودني الوجع، قال: قلت لمحمد بن سنان: ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس؟

 فقال: إنّ اللّه تعالى غضب على ملك من الملائكة يدعى فطرس، فدقَّ جناحه ورمي في جزيرة من جزاير البحر، فلمّا ولد الحسين عليه السلام بعث اللّه عزّ وجلّ جبريل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليهنّئه بولادة الحسين عليه السلام، وكان جبريل صديقاً لفطرس فمرّ به وهو في الجزيرة مطروح، فخبّره بولادة الحسين‏ عليه السلام وما أمر اللّه به، فقال له: هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي وأمضي بك إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليشفع لك؟

 قال: فقال فطرس: نعم! فحمله على جناح من أجنحته حتّى أتى به محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فبلّغه تهنئة ربّه تعالى، ثمّ حدّثه بقصّة فطرس.

 فقال محمدصلى الله عليه وآله وسلم لفطرس: امسح جناحك على مهد الحسين وتمسّح به. ففعل ذلك فطرس، فجبر اللّه جناحه، وردّه إلى منزله مع الملائكة(٣٢٥)

   (٣٨٤) الراوندي رحمه الله: عن محمد بن ميمون، أنّه كان مع الرضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان، قال:

 قلت له: إنّي أُريد أن أتقدّم إلى المدينة، فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفرعليه السلام.

 فتبسّم وكتب، فصرت إلى المدينة، وقد كان ذهب بصري، فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السلام إلينا يحمله من المهد، فناولته الكتاب.

 فقال‏ عليه السلام لموفّق الخادم: فضّه وانشره!

 ففضّه ونشره بين يديه، فنظر فيه، ثمّ قال لي: يا محمد! ما حال بصرك(٣٢٦)؟

 قلت: يا ابن رسول اللّه! اعتلّت عيناى، فذهب بصري كما ترى.

 فقال: اُدن منّي، فدنوت منه، فمدّ يده فمسح بها على عيني، فعاد إليّ بصري كأصحّ ما كان.

 فقبّلت يده ورجله، وانصرفت من عنده، وأنا بصير(٣٢٧)(٣٢٨)

   (٣٨٥) أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد، قال:

 قال لي عمارة بن زيد: رأيت امرأة قد حملت ابناً لها مكفوفاً إلى أبي جعفر محمد بن علي ‏عليهما السلام.

 فمسح يده عليه، فاستوى قائماً يعدو كأن لم يكن بعينه ضرر(٣٢٩)

 

 الثاني - شفاء ريح الركبة:

 -١  (٣٨٦) الراوندي رحمه الله: روى عن أبي بكر بن إسماعيل(٣٣٠)، قال: قلت لأبي جعفر، ابن الرضا عليهما السلام: إنّ لي جارية تشتكي من ريح بها.

 فقال عليه السلام: ائتني بها. فأتيت بها(٣٣١).

 فقال لها: ما تشتكين يا جارية!؟

 قالت: ريحاً في ركبتي.

 فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب، فخرجت الجارية من عنده ولم تشتك وجعاً بعد ذلك(٣٣٢).

   -٢(٣٨٧) أبو جعفر الطبري رحمه الله: روى العبّاس بن السندي الهمداني، عن بكر (٣٣٣)، قال: قلت له: إنّ عمّتي    (٣٣٤) تشتكي من ريح بها. فقال: ائتني بها. قال: فأتيته بها، فدخلت عليه.

 فقال لها: ممّ تشتكين؟ قالت: ركبتي، جعلت فداك!

 قال: فمسح يده على ركبتها(٣٣٥) من وراء الثياب، و تكلّم بكلام، فخرجت ولا تجد شيئاً من الوجع(٣٣٦) .

 

 الثالث - شفاء العرق المدني:

  -١ الرواندي رحمه الله: ... محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه السلام ... فلمّا صرت في (بطن مرّ)، ضرب على رجلي، وخرج بي العرق، فما زلت شاكياً أشهراً، وحججت في السنة الثانية.

 فدخلت عليه فقلت: جعلني اللّه فداك! عوّذ رجلي، وأخبرته أنّ هذه التي توجعني.

 فقال عليه السلام: لا بأس على هذه! واعطني رجلك الأخرى الصحيحة.

 فبسطتها بين يديه، فعوّذها، فلمّا: قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة، فرجعت إلى نفسي، فعلمت أ نّه عوّذها من الوجع، فعافاني اللّه بعده(٣٣٧) .

 

 الرابع - شفاء البهق ووجع الخاصرة:

 -١  (٣٨٨) ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن محمد بن عمر(٣٣٨) بن واقد الرازي، قال: دخلت على أبي جعفر محمد الجواد ابن الرضاعليهم السلام ومعي أخي به بَهْقٌ(٣٣٩) شديد، فشكا إليه ذلك البَهْق، فقال عليه السلام: عافاك اللّه ممّا تشكو.

 فخرجنا من عنده وقد عوفي، فما عاد إليه ذلك البهق إلى أن مات.

 قال محمد بن عمر: وكان يُصيبني وجعٌ في خاصرتي في كلّ أُسبوع، فيشتدّ ذلك بي أيّاماً، فسألته أن يدعو لي بزواله عنّي.

 فقال ‏عليه السلام: وأنت، فعافاك اللّه، فما عاد إلى هذه الغاية(٣٤٠) .

 

 الخامس - شفاء الأصمّ:

 -١  (٣٨٩) ابن شهرآشوب رحمه الله: أبو سلمة، قال: دخلت على أبي جعفرعليه السلام وكان بي صمم(٣٤١) شديد، فخبّر بذلك لمّا أن دخلت عليه. فدعاني إليه، فمسح يده على اُذني ورأسي. ثمّ قال: اسمع وعه!

 فواللّه! إنّي لأسمع الشي‏ء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته(٣٤٢) .

 

    ه - تغيير حالات جسده الشريف عليه السلام‏

 -١  (٣٩٠) أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثني أبو المُفضّل محمد بن عبد اللّه، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحسين، عن أبيه، قال: وحدّثني أحمد بن صالح، عن عسكر مولى أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام، قال: دخلت عليه وهو جالس في وسط إيوان له، يكون عشرة أذرع(٣٤٣)، قال: فوقفت بباب الإيوان، وقلت في نفسي: يا سبحان اللّه! ما أشدّ سمرة مولاي، وأضوأ جسده!

 قال: فواللّه ما استتممت هذا القول في نفسي، حتّى عرض في جسده وتطاول، وامتلأ به الإيوان إلى سقفه مع جوامع حيطانه، ثمّ رأيت لونه قد أظلم حتّى صار كالليل المظلم، ثمّ ابيضّ، حتّى صار كأبيض ما يكون من الثلج الأبيض، ثمّ احمرّ، فصار كالعلق المحمرّ، ثمّ اخضرّ، حتّى صار كأعظم شي‏ء يكون في الأعواد المورقة الخضر.

 ثمّ تناقص(٣٤٤) جسده حتّى صار في صورته الأُولى، وعاد لونه إلى اللون الأوّل، فسقطت لوجهي لهول ما رأيت.

 فصاح بي: يا عسكر! كم تشكّون(٣٤٥) فينا، وتضعفون قلوبكم، واللّه لا يصل(٣٤٦) إلى حقيقة معرفتنا إلّا من منّ اللّه بنا عليه، وارتضاه(٣٤٧) لنا وليّاً.

 قال عسكر: فآليت أن لا أُفكّر في نفسي إلّا بما ينطق به لساني(٣٤٨) .

 

    -٢(٣٩١)أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا عمارة بن زيد، قال: حدّثني إبراهيم بن سعد (٣٤٩)، قال:

 رأيت محمد بن علي الرضا عليهما السلام وله شعرةٌ - أو قال: وفرة - مثل حلك الغراب مسح يده عليها فاحمرّت، ثمّ مسح عليها بظاهر كفّه فابيضّت(٣٥٠). ثمّ مسح عليها بباطن كفّه، فعادت سوداء كما كانت.

 فقال لي: يا ابن سعد! هكذا تكون آيات الإمام.

 فقلت: رأيت أباك عليه السلام يضرب بيده إلى التراب، فيجعله دنانير ودراهم.

 فقال: في مصرك قوم يزعمون: أنّ الإمام يحتاج إلى مال، فضرب بيده لهم ليبلّغهم أنّ كنوز الأرض بيد الإمام(٣٥١)        (٣٥٢).

 

    و - معجزته عليه السلام في الحيوانات‏

 ويشتمل هذا العنوان على خمسة موضوعات:

   الأوّل - معرفته عليه السلام بمنطق الشاة:

 -١  (٣٩٢) ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن علي بن أسباط، قال: خرجت مع أبي جعفرعليه السلام من الكوفة، وهو راكب على حمار، فمرّ بقطيع غنم، فتركت شاة الغنم(٣٥٣) وعدت إليه وهي ترغو(٣٥٤)، فاحتبس عليه السلام، وأمرني أن أدعو الراعي إليه. ففعلت.

 فقال أبو جعفر عليه السلام: أيّها الراعي! إنّ هذه الشاة تشكوك وتزعم أنّ لها رجلين، وأنّك تحيف عليها بالحلب، فإذا رجعت إلى صاحبها بالعشي لم يجد معها لبناً، فإن كففت من ظلمها، وإلّا دعوت اللّه تعالى أن يبتر عمرك.

 فقال الراعي: إنّي أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمداً رسول اللّه، وأنّك وصيّه، أسألك لما أخبرتني من أين علمت هذا الشأن؟!

 فقال أبو جعفر عليه السلام: نحن خزّان اللّه على علمه، وغيبه، وحكمته، وأوصياء أنبيائه، وعباد مكرمون(٣٥٥) .

 

 الثاني - معرفته عليه السلام بمنطق الثور:

 -١  (٣٩٣) أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا قطر بن أبي قطر، عن عبد اللّه بن سعيد، قال: قال لي محمد بن علي بن عمر التنوخي: رأيت محمد بن علي عليهما السلام وهو يكلّم ثوراً، فحرّك الثور رأسه.

 فقلت: لا! ولكن تأمر الثور أن يكلّمك.

 فقال: و «علّمنا منطق الطير، واُوتينا من كلّ شي‏ء»(٣٥٦)

 ثمّ قال للثور: قل: «لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له» و مسح بكفّه على رأسه.

 فقال الثور: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له(٣٥٧) .

 

 الثالث - تكلّمه عليه السلام مع الشاة:

  -١ أبو جعفر الطبري رحمه الله: ... حدّثنا محمد بن عمر، قال: رأيت محمد بن علي عليهما السلام : ... وإنّي رأيته ‏عليهما السلام يكلّم شاة، فتجيبه(٣٥٨) .


الرابع - تكلّمه عليه السلام مع الثور:

١ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: ... محمد بن علي بن عمر التنوخي: رأيت محمد ابن علي عليهما السلام وهو يكلّم ثوراً ... ثمّ قال عليه السلام للثور: قل: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له! 
ومسح بكفّه على رأسه؛ فقال الثور: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له(٣٥٩).

الخامس - مسحه السباع وتذللّها له عليه السلام:

(٣٩٤) ١ - الشبلنجي: نقل بعض الحفّاظ أنّ امرأة زعمت أنّها شريفة بحضرة المتوكّل. فسأل عمّن يخبره بذلك فدلّ على محمد الجوادعليه السلام. فأرسل إليه، فجاء، فأجلسه معه على سريره وسأله.
فقال: إنّ اللّه حرّم أولاد الحسين على السباع، فتلقى للسباع.
فعرض عليها ذلك، فاعترفت المرأة بكذبها.
ثمّ قيل للمتوكّل: ألا تجرّب ذلك فيه؟
فأمر بثلاثة من السباع، فجي‏ء بها في صحن قصره ثمّ دعا به فلمّا دخل من الباب أغلقه، والسباع قد أصمت الأسماع من زئيرها فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه، وقد سكنت فتمسحت به ودارت حوله وهو يمسحها بمكّة ثمّ ربضت فصعد للمتوكّل فتحدّث معه ساعة ثمّ نزل.
ففعلت معه كفعلها الأوّل، حتّى خرج. فأتبعه المتوكّل بجائزة عظيمة.
وقيل للمتوكّل: افعل كما فعل ابن عمّك، فلم يجسر عليه، وقال تريدون قتلي، ثمّ أمرهم أن لا يفشوا ذلك(٣٦٠)،انتهى(٣٦١).
 

 


ز - معجزته عليه السلام في الأشجار

ويشتمل هذا العنوان على ثلاثة موضوعات:
الأوّل - إثمار السدرة اليابسة:

(٣٩٥) ١ - الشيخ المفيد رحمه الله: بإسناده(٣٦٢): ولمّا توجّه أبو جعفر عليه السلام من بغداد منصرفاً من عند المأمون، ومعه أُمّ الفضل، قاصداً بها المدينة، صار إلى شارع باب الكوفة، ومعه الناس يشيّعونه، فانتهى إلى دار المسيّب عند مغيب الشمس؛ نزل ودخل المسجد(٣٦٣)، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد.
فدعا بكوز فيه ماء، فتوضّأ في أصل النبقة، وقام ‏عليه السلام وصلّى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الاُولى منها "الحمد" و"إذا جاء نصر اللّه"، وقرأ في الثانية "الحمد" و"قل هواللّه أحد".
وقنت قبل ركوعه فيها، وصلّى الثالثة وتشهّد وسلّم، ثمّ جلس هُنيهة يذكر اللّه جلّ اسمه، وقام من غير أن يعقّب، فصلّى النوافل أربع ركعات(٣٦٤)، وعقّب تعقيبها، وسجد سجدتي الشكر، ثمّ خرج(٣٦٥).
فلمّا انتهى إلى النبقة، رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً. فتعجّبوا من ذلك، وأكلوا منه، فوجدوا نبقاً حلواً لا عجم له. وودّعوه ومَضى من وقته إلى المدينة(٣٦٦).
(٣٩٦) ٢ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسّان، عن أبي هاشم الجعفري، قال: صلّيت مع أبي جعفر عليه السلام في مسجد المسيّب. وصلّى بنا في موضع القبلة سواء.
وذكر أنّ السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق؛ فدعا بماء وتهيّأ تحت السدرة، فعاشت السدرة وأورقت وحملت من عامها(٣٦٧)(٣٦٨).

الثاني - تورّق كلّ شجرة بوضع يده عليه السلام على المنبر:

(٣٩٧) ١ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا موسى بن عمران بن كثير، قال: حدّثنا عبد الرزّاق، قال: حدّثنا محمد بن عمر(٣٦٩)، قال: رأيت محمد بن علي‏ عليهما السلام يضع يده على منبر، فتُورِق(٣٧٠) كلّ شجرة من نوعها(٣٧١) وانّي رأيته يكلّم شاة، فتجيبه(٣٧٢).

الثالث - صيرورة وَرَقِ الزيتون وَرِقاً في كفّه عليه السلام:

(٣٩٨) ١ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا أبو محمد، قال: حدّثنا عمارة بن زيد، قال: قال إبراهيم بن سعد(٣٧٣): رأيت محمد بن علي عليهما السلام يضرب بيده إلى ورق الزيتون فيصير في كفّه وَرِقاً، فأخذت منه كثيراً، وأنفقته في الأسواق، فلم يتغيّر (٣٧٤).
 


ح - معجزته عليه السلام في الجمادات‏

ويشتمل هذا العنوان على ثمانية موضوعات:

الأوّل - انفراج الحائط له عليه السلام:

١ - المسعودي : ... عبد الرحمان بن يحيى، قال: كنت يوماً بين يدي مولاي الرضاعليه السلام ... فنظرت فإذا سيّدي عليه السلام قد فارق الدنيا، فأخذتني حسرة وغصّة شديدة.
فدنوت إليه، فإذا قائل من خلفي يقول: مه يا عبد الرحمان! فالتفتّ، فإذا الحائط قد انفرج، فإذا أنا بمولاي أبي جعفرعليه السلام ... (٣٧٥) .

الثاني - التقاء طرفي الدجلة والفرات له عليه السلام:

(٣٩٩) ١ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا سفيان، عن أبيه، قال محمد بن يحيى: لقيت محمد بن علي الرضا عليهما السلام على وسط دجلة(٣٧٦) فالتقى له طرفاه حتّى عَبَر؛ ورأيته بالأنبار(٣٧٧) على الفرات(٣٧٨) فعل مثل ذلك(٣٧٩).


الثالث - توقّف كلّ سفينة بإلقاء خاتمه عليه السلام:

(٤٠٠) ١ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا عبد اللّه بن الهيثم أبو قبيصة الضرير، قال: حدّثنا أحمد بن موسى، قال: أخبرنا حكيم بن حمّاد، قال: رأيت سيّدى محمد بن علي‏ عليهما السلام وقد أُلقي في دجلة خاتماً، فوقفت كلّ سفينة صاعدة وهابطة، وأهل العراق يومئذ متزايدون.
ثمّ قال لغلامة: أخرج الخاتم، فسارت الزوارق(٣٨٠).

الرابع - إبانة أثر أصابعه عليه السلام في الصخرة:

(٤٠١) ١ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا(٣٨١) أبو محمد عبد اللّه بن محمد، قال: قال عمارة بن زيد: رأيت محمد بن علي عليهما السلام، فقلت له: يا ابن رسول اللّه! ما علامة الإمام؟
قال: إذا فعل هكذا: فوضع يده على صخرة، فبانت أصابعه فيها.
ورأيته يمدّ الحديد بغير نار، ويطبع الحجارة بخاتمه(٣٨٢).


الخامس - إذابة القصعة الصينيّة وردّها إلى حالها:

(٤٠٢) ١ - أبو جعفر الطبري‏ رحمه الله: حدّثنا عبد اللّه بن محمد، قال: قال لي عمارة بن زيد: رأيت محمد بن علي عليهما السلام وبين يديه قصعة(٣٨٣) صيني.
فقال لي: يا عمارة! أترى من هذا عجباً؟(٣٨٤)
قلت: نعم!
فوضع يده عليها، فذابت حتّى صارت ماءً، ثمّ جمعه حتّى جعله في قدح؛ ثمّ ردّها (٣٨٥) ومسحها بيده فإذا هي قصعة صينىّ كما كانت، وقال: مثل هكذا فلتكن القدرة (٣٨٦)(٣٨٧).

السادس - إخراج سبيكة الذهب من التراب:

(٤٠٣) ١ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن إسماعيل بن عبّاس الهاشمي(٣٨٨)، قال: جئت إلى أبي جعفر عليه السلام يوم عيد، فشكوت إليه ضيق المعاش؛ فرفع المصلّي، فأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها.
فخرجت بها إلى السوق، فكان فيها ستّة عشر مثقالاً من الذهب(٣٨٩).

السابع - مدّه عليه السلام الحديد بغير نارٍ:

١ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: ... قال عمارة بن زيد: رأيت محمـد بن علـي ‏عليهما السـلام ... يمـدّ الحديد بغير نار (٣٩٠).

الثامن - طبعه عليه السلام الحجارة بخاتمه:

١ - أبو جعفر الطبري رحمـه الله: ... قال عمارة بن زيد: رأيت محمـد بن علي عليهما السلام ... يطبع الحجـارة بخاتمـه (٣٩١).
 


ط - معجزته عليه السلام في الموتى‏

ويشتمل هذا العنوان على موضوعين:

الأوّل - إحياء الموتى:

١ - الحضيني رحمه الله: ... قال شاذويه: فدخلت منزلي فإذا أنا بزوجتي على شرف لم أجزع لذلك، لأنّ أبا جعفرعليه السلام أخبرني: أنّها لم تمت في هذه الولادة، فأفاقت عن قريب، وولدت غلاماً ميّتاً ... .
فانثنى أبو جعفرعليه السلام إليّ وقال: الحق بابنك فقد أحياه اللّه لك.
قال: فأسرعت إلى منزلي، فتلّقتني البشارة أنّ ابني قد عاش ... (٣٩٢).

الثاني - إحضاره عليه السلام الميّت:

(٤٠٤) ١ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن يوسف بن زياد، عن الحسن بن علي
(٣٩٣)، عن أبيه عليهما السلام، قال: جاء رجل إلى محمد بن علي بن موسى‏عليهم السلام، فقال: يا ابن رسول اللّه! إنّ أبي قد مات وكان له ألف دينار، ففاجأه الموت، ولست أقف على ماله، ولي عيال كثيرة، وأنا من مواليكم فأغنني.
فقال أبو جعفر عليه السلام: إذا صلّيت العشاء الآخرة، فصلّ على محمد وآل محمد مائة مرّة، فإنّ أباك يأتيك ويخبرك بأمر المال.
ففعل الرجل ذلك، فأتاه أبوه في منامه، فقال: يا بنيّ! مالي في موضع كذا فخذه. فذهب الرجل فأخذ الألف دينار وأبوه واقف، فقال: يا بنيّ ! اذهب إلى ابن رسول اللّه‏ عليه السلام فأخبره بالمال بأنّي قد دللتك عليه، فإنّه كان أمَرني بذلك.
فجاء الرجل وأخبره بالمال، وقال: الحمدللّه الذي أكرمك واصطفاك(٣٩٤).
 


ى - معجزته عليه السلام في عدم تأثير السيف عليه‏

١ - السيّد بن طاووس رحمه الله: ... حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر عمّة أبي محمد الحسن بن علي‏ عليهم السلام قالت: لمّا مات محمد بن علي الرضاعليهما السلام أتيت زوجته أُمّ عيسى ... .
إذ قالت أُمّ عيسى: ... دخلت عليّ جارية فسلّمت، فقلت: من أنت؟
فقالت: أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر، وأنا زوجة أبي جعفر ... .
ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر وكان سكراناً لايعقل.
فقال: ياغلام! عليّ بالسيف. فأتى به، فركب وقال: واللّه! لأقتلنّه.
فلمّا رأيت ذلك، قلت: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، ماصنعت بنفسي وبزوجي، وجعلت ألطم حرّ وجهي.
فدخل عليه والدي، ومازال يضربه بالسيف حتّى قطّعه، ثمّ خرج من عنده، وخرجت هاربةً من خلفه، فلم أرقد ليلتي.
فلمّا ارتفع النهار أتيت أبي، فقلت: أتدري ما صنعت البارحة؟
قال: وما صنعت؟ 
قلت: قتلت ابن الرضا عليه السلام ... .
قال ياسر: دخلت عليه، فإذا هو جالس وعليه قميص ودوّاج وهو يستاك، فسلّمت عليه وقلت: يا ابن رسول اللّه! أُحبّ أن تهب لي قميصك هذا أُصلّي فيه وأتبرّك به، وإنّما أردت أن أنظر اليه وإلى جسده، هل به أثر السيف.
فواللّه! كأنّه العاج الذي مسّه صفرة، ما به أثر ... (٣٩٥).


٢ - الحضيني‏ رحمه الله: ... محمد بن موسى النوفلي، قال: دخلت على سيّدي أبي جعفرعليه السلام يوم الجمعة عشيّاً ... و رأيت سيّدي أبا جعفرعليه السلام، مطرقاً ... .
قال‏ عليه السلام: من جرأة هذا الطاغي المأمون على اللّه وعلى دمائنا، بالأمس قتل الرضاعليه السلام، والآن يريد قتلي ... .
وقد وصل الشرب والطرب، إلى ذلك الوقت، وأظهره بشوقه إلى أُمّ الفضل... وعهد الخدم ليدخلون إلى مرقدي، فيقولون: إنّ مولانا المأمون منّا، ويشهروا سيوفهم، ويحلفوا أنّه لابدّ أن نقتله ... فيضعون سيوفهم على مرقدي، و يفعلون كفعل غيلانه في أبي، فلايضرّني ذلك ... ويخرجون مخضبين الثياب، قاطرة سيوفهم دماً كذباً، ويدخلون على المأمون، وهو عند ابنته في داري، فيقول: ما وراءكم؟
فيروه أسيافهم تقطر دماً، وثيابهم وأيديهم مضرجـة بالدم ... فإذا اعترض تبعث إليّ خادمـاً، فيجدني في الصلاة قائمـاً ... (٣٩٦).
 


ك - معجزته عليه السلام في رجل يقال له مخارق‏

(٤٠٥) ١ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن الريّان، قال: احتال المأمون على أبي جعفر عليه السلام بكلّ حيلة، فلم يمكنه فيه شي‏ء، فلمّا اعتلّ وأراد أن يبني(٣٩٧) عليه ابنته، دفع إليّ مائتي وصيفة من أجمل ما يكون إلى كلّ واحدة منهنّ جاماً، فيه جوهر، يستقبلن أبا جعفر عليه السلام إذا قعد في موضع الأخيار(٣٩٨).
فلم يلتفت إليهنّ.
وكان رجل يقال له: "مخارق" صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللّحية، فدعاه المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين! إن كان في شي‏ء من أمر الدنيا، فأنا أكفيك أمره. فقعد بين يدى أبي جعفر عليه السلام، فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغنّي، فلمّا فعل ساعة.
وإذا أبو جعفر عليه السلام لايلتفت إليه، لا يميناً ولا شمالاً، ثمّ رفع إليه رأسه، وقال: اتّق اللّه يا ذا العثنون(٣٩٩).
قال: فسقط المضراب من يده والعود، فلم ينتفع بيديه إلى أن مات.
قال: فسأله المأمون عن حاله؟
قال: لمّا صاح بي أبو جعفر، فزعت فزعةً، لا أفيق منها أبداً(٤٠٠).
 


م - علمه عليه السلام بما في الضمير

(٤٠٦) ١ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: الحسين بن محمد الأشعري، قال: حدّثني شيخ من أصحابنا يقال له: عبد اللّه بن رزين، قال: كنت مجاوراً بالمدينة - مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - وكان أبو جعفر عليه السلام يجي‏ء في كلّ يوم مع الزوال إلى المسجد، فينزل في الصحن، ويصير إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ويسلّم عليه، ويرجع إلى بيت فاطمة عليها السلام، فيخلع نعليه، ويقوم فيصلّي.
فوسوس إليّ الشيطان، فقال: إذا نزل، فاذهب حتّى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه.
فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا، فلمّا أن كان وقت الزوال أقبل ‏عليه السلام على حمار له، فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه، وجاء حتّى نزل على الصخرة التي على باب المسجد ثمّ دخل، فسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: ثمّ رجع إلى المكان الذي كان يصلّي فيه، ففعل هذا أيّاماً.
فقلت: إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصى الذي يطأ عليه بقدميه.
فلمّا أن كان من الغد، جاء عند الزوال، فنزل على الصخرة، ثمّ دخل فسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ جاء إلى الموضع الذي كان يصلّي فيه، فصلّى في نعليه ولم يخلعهما، حتّى فعل ذلك أيّاماً؛ فقلت في نفسي: لم يتهيّأ لي هاهنا، ولكن أذهب إلى باب الحمّام، فإذا دخل إلى الحمّام أخذت من التراب الذي يطأ عليه. فسألت عن الحمّام الذي يدخله؟
فقيل لي: إنّه يدخل حمّاماً بالبقيع لرجل من ولد طلحة، فتعرّفت اليوم الذي يدخل فيه الحمّام، وصرت إلى باب الحمّام، وجلست إلى الطلحي أُحدّثه، وأنا أنتظر مجيئه عليه السلام.
فقال الطلحي: إن أردت دخول الحمّام، فقم فادخل، فإنّه لا يتهيّأ لك ذلك بعد ساعة. قلت: ولِمَ؟
قال: لأنّ ابن الرضاعليه السلام يريد دخول الحمّام.
قال: قلت: ومن ابن الرضا؟ قال: رجل من آل محمد، له صلاح وورع.
قلت له: ولا يجوز أن يدخل معه الحمّام غيره؟ 
قال: نخلّي له الحمّام إذا جاء.
قال: فبينا أنا كذلك إذ أقبل عليه السلام ومعه غلمان له، وبين يديه غلام معه حصير حتّى أدخله المسلخ، فبسطه ووافى، فسلّم ودخل الحجرة على حماره، ودخل المسلخ، ونزل على الحصير.
فقلت للطلحي: هذا الذي وصفته بما وصفت من الصلاح والورع؟!
فقال: يا هذا ! لا واللّه! ما فعل هذا قطّ إلّا في هذا اليوم.
فقلت في نفسي: هذا من عملي أنا جنيته، ثمّ قلت: أنتظره حتّى يخرج فلعلّي أنال ما أردت إذا خرج.
فلمّا خرج وتلبّس دعا بالحمار، فأدخل المسلخ، وركب من فوق الحصير وخرج عليه السلام.
فقلت في نفسي: قد واللّه، آذيته ولا أعود و[لا] أروم ما رمت منه أبداً، وصحّ عزمي على ذلك.
فلمّا كان وقت الزوال من ذلك اليوم، أقبل على حماره حتّى نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه في الصحن، فدخل وسلّم على رسول اللّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء إلى الموضع الذي كان يصلّي فيه في بيت فاطمة عليها السلام، وخلع نعليه وقام يصلّي(٤٠١).


(٤٠٧) ٢ - الراوندي رحمه الله: روي عن الحسن(٤٠٢) بن علي الوشّاء، قال: كنت بالمدينـة ب"صريا"(٤٠٣) في المشربـة (٤٠٤) مع أبي جعفر عليه السلام.
فقام وقال: لاتبرح.
فقلت في نفسي: كنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام قميصاً من ثيابه، فلم أفعل، فإذا عاد إليّ أبو جعفر عليه السلام أسأله.
فأرسل إليّ من قبل أن أسأله، ومن قبل أن يعود إليّ وأنا في المشربة، بقميص.
وقال الرسول: يقول لك: هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلّي فيها(٤٠٥)(٤٠٦).


(٤٠٨) ٣ - الراوندي رحمه الله: روى أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع، قال:
كنت مجاوراً بمكّة، فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني‏ عليه السلام وأردت أن أسأله كسوة يكسونيها، فلم يقض(٤٠٧) لي أن أسأله حتّى ودّعته وأردت الخروج.
فقلت: أكتب إليه وأسأله.
قال: فكتبت إليه الكتاب، فصرت إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على أن أُصلّي ركعتين، وأستخير اللّه مائة مرّة، فإن وقع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب بعثت به، وإلّا خرقته، ففعلت، فوقع في قلبي أن لا أفعل فخرقت الكتاب.
وخرجت من المدينة، فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار(٤٠٨)، ويسأل عن محمد بن سهل القميّ، حتّى انتهى إليّ.
فقال: مولاك! بعث إليك بهذا، وإذا ملاءتان(٤٠٩).
قال أحمد بن محمد: فقضى اللّه أنّي غسّلته حين مات، فكفّنته فيهما(٤١٠).


(٤٠٩) ٤ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن علي بن مهزيار، قال: حدّثني محمد ابن الفرج أنّه قال: ليتني إذا دخلت على أبي جعفر عليه السلام كساني ثوبين قطوانين ممّا لبسه، أحرم فيهما.
قال: فدخلت عليه بشرف(٤١١) وعليه رداء قطواني يلبسه، فأخذه وحوّله من هذا العاتق إلى الآخر، ثمّ إنّه أخذ من ظهره وبدنه إلى آخر يلبسه(٤١٢) خلفه.
فقال‏ عليه السلام : أحرم فيهما، بارك اللّه لك(٤١٣).
 


ن - إخباره عليه السلام بالمغيبات‏

ويشتمل هذا العنوان على ستّة موضوعات:
الأوّل - إخباره عليه السلام عمّا في الضمير:

(٤١٠) ١ - محمد بن يعقوب الكليني‏رحمه الله: محمد بن يحيى، وأحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن محمد بن الطيّب، عن عبد الوهّاب بن منصور، عن محمد بن أبي العلاء، قال: سمعت يحيى بن أكثم - قاضي سامرّاء - بعد ما جهدت به، وناظرته، وحاورته، وواصلته، وسألته عن علوم آل محمد عليهم السلام، فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت محمد بن علي الرضا عليهما السلام يطوف به، فناظرته في مسائل عندى، فأخرجها(٤١٤) إليّ.
فقلت(٤١٥) له: واللّه! إنّي اُريد أن أسألك مسألة، وإنّي واللّه، لأستحيي من ذلك.
فقال لي: أنا اُخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الإمام؟(٤١٦)
فقلت: هو واللّه، هذا.
فقال: أنا هو(٤١٧)
فقلت: علامة؟
فكان في يده عصا، فنطقت وقالت: إنّ مولاي إمام هذا الزمان، وهو الحجّة(٤١٨).


(٤١١) ٢ - الحضيني‏رحمه الله: عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن يحيى الفارسي، عن علي بن حديد، عن علي بن مسافر، عن محمد بن الوليد بن يزيد، قال: أتيت أبا جعفر عليه السلام فوجدت في داره قوماً كثيرين، ورأيت ابن مسافر جالساً في معزل منهم، فعدلت اليه، فجلست معه حتّى زالت الشمس، فقمت إلى الصلاة، فصلّيت الزوال، فرض الظهر، والنوافل بعدها، وزدت أربع ركع فرض العصر.
فاحتسّيت(٤١٩) بحركة ورائي، فالتفتّ وإذاً أبو جعفر عليه السلام فقمت إليه وسلّمت عليه وقبّلت يديه ورجليه فجلس.
وقال‏عليه السلام: ما الذي أقدمك؟
وكان في نفسي مرض من إمامته، فقال لي: سلّم.
فقلت: يا سيّدي! قد سلّمت.
فقال: ويحك، وتبسّم بوجهي(٤٢٠) فأناب إليّ.
فقلت: سلّمت إليك يا ابن رسول اللّه، وقد رضيت بك إماماً، فكأنّ اللّه جلا عنّي غمّي وزال ما في قلبي من المرض من إمامته حتّى اجتهدت ورميت الشكّ فيه إلى ما وصلت اليه.
ثمّ عدت من الغد بكرةً، وما معي خلق، ولا أرى خلقاً، وأنا اتوقّع السبيل إلى من اجد وينتهي خبري اليه، وطال ذلك علّي حتّى اشتدّ الجوع.
فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل إليّ خواناً فيه طعام ألواناً، وغلام‏آخر معه طست وإبريق، فوضعه بين يدي، وقال لي: مولاي يأمرك أن تغسل يديك وتأكل. فغسلت يدي، وأكلت، فإذا بأبي جعفرعليه السلام قد أقبل، فقمت إليه. فأمرني بالجلوس، فجلست وأكلت، فنظر إلى الغلام، ارفع ما سقط من الخوان على الأرض.
فقال له: ما كان معك في الخوان(٤٢١) فدعه، ولو كان فخذ شاة، وما كان معك في البيت فالقطه وكله، فإنّ فيه رضي الربّ، ومجلبة الرزق، وشفاء من الداء.
ثمّ قال لي: اسأل؟ 
فقلت: جعلت فداك! ما تقول في المسك؟ 
فقال لي: إنّ أبي الرضا عليه السلام أمر أن يتّخذ له مسك فيه بان(٤٢٢)
كتب إليه الفضل بن سهل يقول: يا سيّدي! إنّ الناس يعيبون ذلك عليك.
فكتب‏عليه السلام: يا فضل! ما علمت أنّ يوسف الصدّيق عليه السلام كان يلبس الديباج مزرّراً بالذهب والجوهر، ويجلس على كراسي الذهب واللجين، فلم يضرّه ذلك، ولا نقص من نبوّته شيئاً.
وأنّ سليمان بن داود عليه السلام وضع له كرسي من الفضّة والذهب مرصّع بالجوهر، وعليه علم، وله درج من ذهب إذا صعد على الدرج اندرج فترا، فإذا نزل انتثرت بين يديه.
والغمام يظلّله، والإنس والجنّ تخدمه، وتقف الرياح لأمره، وتنسم وتجري كما يأمرها، والسباع الوحوش والطير عاكفةً من حوله، والملائكة تختلف إليه. فما يضرّه ذلك، ولا نقص من نبوّته شيئاً، ولا من منزلته عند اللّه. وقد قال اللّه عزّ وجلّ: 
"قل من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة"(٤٢٣)
ثمّ أمر أن يتّخذ له غاليةً(٤٢٤) فاتّخذت بأربعة آلاف دينار وعرضت عليه، فنظر إليها وإلى سدوها وحبّها وطيبها، وأمر أن يكتب لها رقعة من العين، فقلت: جعلت فداك! فما لمواليكم في آلاتكم؟
فقال: إنّ جدّي جعفر الصادق عليه السلام كان له غلام يمسك عليه بغلته إذا دخل المسجد، فبينما هو في بعض الأيّام جالس في المسجد إذ أقبلت من خراسان قافلة، فأقبل رجل منهم إلى الغلام وفي يده البغلة، فقال له: من داخل المسجد؟
فقال: مولاي جعفر الصادق بن رسول اللّه.
فقال له الرجل: هل لك يا غلام! تسأله يجعلني مكانك، وأكون له مملوكاً، واجعل لك مالي كلّه، فإنّي كثير الخير والضياع، أشهد لك بجميعه، وأكتب لك، وتمضي إلى خراسان فتقبضه، وأنا موضعك أقيم.
فقال له الغلام: أسأل مولاي ذلك، فلمّا خرج قدم بغلته، فركب وتبعه كما كان يفعل، فلمّا نزل في داره استأذن الغلام، ودخل عليه فقال له: مولاي يعرف خدمتي وطول صحبتي.
قال: فإن ساق اللّه لنا خيراً تمنعني منه.
فقال له جدّي: أعطيك من عندي وأمنعك من غيري، حاش للّه؛ فحكى له حديث الخراساني.
فقال له عليه السلام:إن زهدت بخدمتنا وأرغبت الرجل فينا قبلنا وأرسلناك.
فولّى الغلام فقال له: انضجع بطول الصحبة، ولك الخير، قال: نعم!
فقال له: إذا كان يوم القيامة كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بنور اللّه أخذنا لحجرته(٤٢٥)، وكذلك أميرالمؤمنين، وكذلك فاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، وكذلك شيعتنا يدخلون مدخلنا ويردون موردنا، ويسكنون مسكننا.
فقال الغلام: يا مولاي! بل أقيم بخدمتك.
قال: اختر ما ذكرت. 
فخرج الغلام إلى الخراساني، فقال له: يا غلام! قد خرجت إليّ بغير الوجه الذي دخلت به، فأعاد الغلام عليه قول الصادق عليه السلام، فقال له: ما تستأذن لي عليه بالدخول.
فاستأذن له ودخل عليه وعرّفه رشد ولايته، فقبل ولايته، وشكر له، وأمر للغلام بوقته بألف درهم.
وقال: هذا خير لك من مال الخراساني، فودّعه وسأله أن يدعو له، ففعل بلطف ورفق وبشاشة بالخراساني، ثمّ أمر له برزمة عمائم، فحضرت.
وقال للخراساني خذها، فإنّ كلّ ما معك يؤخذ بالطريق وتبقي معك هذه العمائم وتحتاج إليها.
فقبلها وسار، فقطع عليه الطريق، وأُخذ كلّما كان معه غير العمائم، واحتاج إليها، فباع منها، وتجمّل إلى أن وصل إلى خراسان.
قال الكرماني: حسب مواليهم بهذا الشرف فضلاً(٤٢٦).


(٤١٢) ٣ - الحضيني رحمه الله: عن أبي الحسن محمد بن يحيى، عن محمد بن حمزة بن القاسم الهاشمي، عن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي الحسن، قال: دخلت على أبي جعفرعليه السلام في صبيحة عرسه بأُمّ الفضل بنت المأمون، وكنت أوّل من دخل عليه في ذلك اليوم، فدنوت منه وقعدت، فوجدت عطشاً شديداً، فجلّلته أن اطلب الماء.
فنظر إليّ وقال: يا علي! شربت الدواء بالليل وتغدّيت على بكرة فأصبت العطش واستحييت تطلب الماء منّي.
فقلت: واللّه! يا سيّدي، هذه صفتي ما غادرت منها حرفاً.
فصاح في نفسه: يا غلام! تسقيني. فقلت في نفسي: ياليت لا يسقي الماء، واغتممت. فأقبل الغلام ومعه الماء، فنظر إلى الماء وإليّ وتبسّم، وأخذ الماء، وشرب منه، وسقاني. فمكث قليلاً، وعاودني العطش، فاستحييت أطلب الماء.
فصاح بالخادم وقال: تسقيني ماءً، فقلت في نفسي مثل ذلك القول الأوّل.
وأقبل الخادم بالماء فأخذه، وشرب منه وسقاني، فقلت: لا إله إلّا اللّه، أيّ دليل دلّ على إمامته من علمه ما أسرّه في نفسي.
فقال: يا علي! واللّه؛ نحن كما قال تعالى: "أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون"(٤٢٧).
فقمت وقلت لمن كان معي: هذه ثلاث براهين رأيتها من أبي جعفر عليه السلام في مجلسي هذا.
فقال: من لا علم له بفضله، إنّي لأحسب هذا الهاشمي كما يقال: إنّه يعلم الغيب، فنظرت إليه وحمدت اللّه على معرفة سيّدي لجهل الرجل به(٤٢٨).


(٤١٣) ٤ - ابن حمزة الطوسي رحمـه الله: عن أبي الصلت الهروي، قال: حضـرت مجلس الإمـام محمد بن علي بن موسى (٤٢٩) عليهم السلام، وعنده جماعة من الشيعة وغيرهم، فقام إليه رجل وقال: ياسيّدي! جعلت فداك.
فقال عليه السلام: لا تقصّر، واجلس.
ثمّ قام إليه آخر، فقال: يا مولاي! جعلت فداك.
فقال ‏عليه السلام: إن لم تجد أحداً فارم بها في الماء فإنّها تصل إليه.
قال: فجلس الرجل، فلمّا انصرف من كان في المجلس، قلت له: جعلت فداك! رأيت عجباً!
قال: نعم! تسألني عن الرجلين؟ قلت: نعم، يا سيّدي!
قال: أمّا الأوّل، فإنّه قام يسألني عن الملّاح يقصّر في السفينة؟ قلت: لا! لأنّ السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها؛ والآخر قام يسألني عن الزكاة إن لم يصب (٤٣٠) أحداً من شيعتنا فإلى من يدفعه؟ فقلت له: إن لم تصب(٤٣١) لها أحداً فارم بها في الماء، فإنّها تصل إلى أهلها(٤٣٢).


(٤١٤) ٥ - الراوندي رحمه الله: روي عن محمد بن أُورمة، عن الحسين المكاري، قال: دخلت على أبي جعفرعليه السلام ببغداد وهو على ما كان من أمره. فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، وأنا أعرف مطعمه(٤٣٣).
قال: فأطرق رأسه، ثمّ رفعه وقد اصفرّ لونه، فقال: يا حسين! خبز شعير وملح جريش في حرم جدّي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أحبّ إليّ ممّا تراني فيه(٤٣٤)(٤٣٥).

(٤١٥) ٦ - الراوندي رحمه الله: ما روى بكر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي [قال‏]: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام كتاباً، وفي آخره: هل عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم؟ ونسيت أن أبعث بالكتاب.
فكتب إليّ بحوائج له، وفي آخر كتابه: عندي سلاح رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، يدور معنا حيث درنا [و] هو مع كلّ إمام.
وكنت بمكّة، فأضمرت في نفسي شيئاً لايعلمه إلّا اللّه، فلمّا صرت إلى المدينة ودخلت عليه؛ نظـر إليّ فقال: استغفر اللّـه ممّا (٤٣٦) أضمرت، ولا تعد.
قال بكر: فقلت لمحمد: أيّ شي‏ء هذا؟ قال: لا أخبر به أحداً.
قال: وخرج بإحدى رجلي العرق المدني(٤٣٧)، وقد قال لي: قبل أن يخرج العرق في رجلي وقد ودّعته، فكان آخر ما قال: إنّه ستصيب وجعاً، فاصبر.
فأيّما رجل من شيعتنا اشتكي فصبر واحتسب، كتب اللّه له أجر ألف شهيد. فلمّا صرت في "بطن مرّ" ضرب على رجلي، وخرج بي العرق، فمازلت شاكياً أشهراً، وحججت في السنّة الثانية.
فدخلت عليه، فقلت: جعلني اللّه فداك. عوّذ رجلي، وأخبرته أنّ هذه التي توجعني.
فقال: لابأس على هذه، وأعطني(٤٣٨) رجلك الأخرى الصحيحة.
فبسطتها بين يديه فعوّذها، فلمّا قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة، فرجعت إلى نفسي، فعلمت أ نّه عوّذها من الوجع، فعافاني اللّه بعده(٤٣٩).

(٤١٦) ٧ - أبو عمرو الكشّي رحمه الله: محمد بن مسعود، قال: حدّثني علي بن محمد القميّ، قال: حدّثني أحمد بن محمد بن عيسى القميّ، قال: بعث إليّ أبو جعفر عليه السلام غلامه ومعه كتابه، فأمرني أن أصير إليه، فأتيته فهو بالمدينة نازل في دار بزيع(٤٤٠)، فدخلت عليه وسلّمت عليه، فذكر في صفوان ومحمد بن سنان وغيرهما ممّا قد سمعه غير واحد.
فقلت في نفسي: أستعطفه على زكريّا بن آدم، لعلّه أن يسلم ممّا قال في هؤلاء.
ثمّ رجعت إلى نفسي، فقلت: من أنا أن أتعرّض في هذا وفي شبهه! مولاي، هو أعلم بما يصنع.
فقال لي: يا أبا علي ! ليس على مثل أبي يحيى يعجل، وقد كان من خدمته لأبي عليه السلام ومنزلته عنده وعندي من بعده، غير أنّي احتجت إلى المال الذي عنده.
فقلت: جعلت فداك! هو باعث إليك بالمال، وقال لي: إن وصلت إليه فأعلمه أنّ الذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون ومسافر.
فقال: احمل كتابي إليه، ومره أن يبعث إليّ بالمال.
فحملت كتابه إلى زكريّا، فوجّه إليه بالمال. قال: فقال لي أبو جعفرعليه السلام ابتداءً منه: ذهبت الشبهة، ما لأبي ولد غيري، قلت: صدقت جعلت فداك(٤٤١)(٤٤٢).


٨ - ابن شهرآشوب رحمه الله: بنان بن نافع: ... إذ دخل علينا محمد بن علي عليهما السلام فلمّا بصر بي، قال لي: ... وإنّ قولك لأبي الحسن عليه السلام من حجّة الدهر والزمان من بعده؟
فالّذي حدّثك أبو الحسن ما سألت عنه، هو الحجّة عليك ...(٤٤٣).


٩ - الخزّاز القميّ‏ رحمه الله: ... عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب ‏عليهم السلام قال: دخلت على سيّدي محمد بن علي عليهما السلام وأنا اُريد أن أسأله عن القائم ‏عليه السلام أهو المهدي أو غيره؟
فابتدأني هو فقال: يا أبا القاسم! إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي ... (٤٤٤).


(٤١٧) ١٠ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا أبو المفضّل محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني أبو النجم بدر بن عمّار الطبرستاني، قال: حدّثني أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني، قال: حجّ إسحاق بن إسماعيل(٤٤٥) في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر عليه السلام؛ قال إسحاق: فأعددت له في رقعة عشر مسائل لأسأله عنها، وكان لي حمل.
فقلت: إذا أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو اللّه لي أن يجعله ذكراً.
فلمّا سأله الناس قمت، والرقعة معي لأسأله عن مسائلي، فلمّا نظر إليّ قال لي: يا أبا يعقوب! سمّه أحمد(٤٤٦). فولد لي ذكر فسمّيته أحمد، فعاش مدة ومات.
وكان ممّن خرج مع الجماعة علي بن حسّان الواسطي المعروف بالعَمِش(٤٤٧) قال: حملت معي إليه عليه السلام من الآلة التي للصّبيان، بعضها من فضّة، وقلت: اُتحِفُ مولاى أبا جعفر بها.
فلمّا تفرّق الناس عنه عن جواب لجميعهم، قام فمضى إلى صريا(٤٤٨) واتّبعته، فلقيت موفّقاً، فقلت: استَأذن لي على أَبي جعفر.
فدخلت فسلّمت، فردّ عليّ السلام، وفي وجهه الكراهة، ولم يأمرني بالجلوس، فدنوت منه وفرّغت ما كان في كمّي بين يديه، فنظر إليّ نظر مغضب، ثمّ رمى يميناً وشمالاً، ثمّ قال: ما لِهذا خلقني اللّه(٤٤٩)، ما أنا واللعب؟
فاستعفيته، فعفا عنّي، فأخذتها فخرجت(٤٥٠).


(٤١٨) ١١ - الحضيني رحمه الله: عن محمد بن أبان مرفوعاً إلى أبي جعفرعليه السلام، وكان في عهده رجل يقال له: "شاذويه"، وكان له أهل حامل، وأنّها أمويّة وهي قبيلة وما في القبيلة من سلّم أمره إلى أبي جعفر محمد عليه السلام إلّا هي وبعلها، وليس تسليم أمرهم إلّا ببيّنة من أبي جعفر عليه السلام.
فقدم إليه شاذويه وهو بين من حضر معه، ومحمد بن سنان في مجلسه، فلمّا قرب شاذويه من أبي جعفر فرمى عليه السلام.
فقال أبو جعفرعليه السلام: يا شاذويه! ببالك حديث، وقد أتيت منّا البيّنة، وما أبديته إلى سواي. فلمّا سمع ذلك أيقن أنّه من أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة.
وقال: تريد يا شاذويه! بيان ما أتيت إلينا به من حاجة لك؟
فقال: نعم يا مولانا ! ما أتيت إلّا بإظهار ما كان في ضميري تبديه لي، فما سؤالي لك، وما الحاجة؟
فقال عليه السلام: نعم! إنّ لك أهلاً حاملاً، وعن قريب تلد غلاماً، وإنّها لم تمت في ذلك الغلام، فما تفاوض أبو جعفر بالكلام إلّا لاتّخاذ الإمامة، وأهلك من امُيّة، وإنّها جميلة المراجعة لك.
فقال: نعم يا أبا جعفر! وإنّها تسلّمن أمرها إلينا ببيّنة منّا لها، وإنّها من قوم كافرين، فإنّها راجعة إلى الإسلام.
وكان الشاذويه رفيقاً له لم يؤمن بما يأتي به أبو جعفر عليه السلام؛ فقال له: بئس ما قلت وما قال أبو جعفر، أفما تفاوض أبو جعفر بالكلام إلّا لاتّخاذ الإمامة.
فقال شاذويه: قد علمنا ما علمت، ولم تؤت من الفضل والإيثار من أبي جعفرعليه السلام مثلما علمت.
فلمّا أسرعت إليه بهذه البشرى قال محمد بن سنان: ليعلم فضل شعب (٤٥١) أبي جعفرعليه السلام، وعلمهم في سائر الناس.
قال شاذويه: فدخلت منزلي فإذاً أنا بزوجتي على شرف(٤٥٢) لم أجزع لذلك، لأنّ أبا جعفر عليه السلام أخبرني أ نّها لم تمت في هذه الولادة.
فأفاقت عن قريب، وولدت غلاماً ميّتاً. فرجعت إلى أبي جعفر عليه السلام فلمّا دنوت من المجلس، فقال: يا شاذويه! وجدت ما أخبرتك عن زوجتك وولدك حقّاً؟
قلت: نعم يا سيّدي! فلم لا تدعو لي حتّى يرزقني اللّه ولداً باقياً؟
قال: لا تسألني. قلت: يا سيّدي! سألتك!
قال: ويحك! الآن فقد نفذ فيه الحكم. قلت: أين فضلك؟
قال محمد بن سنان: قلت: يا سيّدي! تسأل اللّه أن يحييه(٤٥٣).
فقال: "اللهمّ إنّك عالم بسرائر عبادك، فإنّ شاذويه قد أحبّ أن يرى فضلك عليه، فأحيي له أنت الغلام".
فانثنى أبو جعفر إليّ وقال: الحَق بابنك فقد أحياه اللّه لك.
قال: فأسرعت إلى منزلي، فتلّقتني البشارة أنّ ابني قد عاش.
فخبّرت أُمّه وكانت أُمويّة، فقالت: واللّه! الآن لأتبرّأنّ من أُميّة جميعاً.
قلت لها: ومن تيم وعدي؟
فقالت: تبرّأت من فلان وفلان، وتواليت بني هاشم، وهذا الإمام محمد بن علي عليهما السلام. وتشيّعت، وتشيّع كلّ من في داري، وما كان فيها غيري من يتولّاه (٤٥٤).
 


الثاني - إخباره عليه السلام في عالم الرؤيا:

(٤١٩) ١ - الحضيني رحمه الله: عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن علي، عن موسى بن القاسم، قال: شاجرني رجل ونحن في مكّة من أصحابنا يقال له: "إسماعيل" في أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: كان يجب أن يدعو المأمون إلى اللّه وإلى طاعته.
فلم أدر ما أُجيبه، فانصرفت إلى فراشي، فرأيت أبا جعفر عليه السلام في نومي.
فقلت له: جعلت فداك! إنّ إسماعيل سألني هل كان يجب على أبيك أن يدعو المأمون إلى اللّه وطاعته؟ فلم أدر ما أُجيبه.
فقال لي: إنّما يدعو الإمام إلى اللّه مثلك ومثل أصحابك ومن تبعهم.
فانتبهت وحفظت الجواب من أبي جعفر محمد عليه السلام، وخرجت إلى الطواف، فلقيني إسماعيل، فقلت له ما قاله لي أبو جعفر، فكأنّي ألقمته حجراً.
فلمّا كان من قابل أتيت المدينة، ودخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلّي، فأجلسني موفّق الخادم، فلمّا فرغ من صلاته، قال لي: يا موسى! ما الذي قال إسماعيل بمكّة عام أوّل حيث شاجرك في أبي؟
قلت: جعلت فداك! أنت تعلم.
قال: ما كانت رؤياك؟
قلت: رأيتك يا سيّدي في نومي، وشكوت إليك إسماعيل. قال: فقلت: إنّما يجب طاعته على مثلك، ومثل أصحابك ممّن لا يبغيه، وخصمته.
قال: هو ذلك.
قال: أنا قلت لك في منامك، والساعة أُعيده عليك.
فقلت: واللّه هذا هو الحقّ المبين(٤٥٥).

الثالث - إخباره عليه السلام بالوقائع الماضية:

(٤٢٠) ١ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن دعبل بن علي: أنّه دخل على أبي الحسن الرضاعليه السلام وأمر له بشي‏ء فأخذه ولم يحمد اللّه.
قال: فقال له: لِمَ لم تحمد اللّه؟!
قال: ثمّ دخلت بعد على أبي جعفر عليه السلام وأمر لي بشي‏ء.
فقلت: الحمد للّه. فقال لي: تأدّبت(٤٥٦).

(٤٢١) ٢ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحجّال؛ وعمرو بن عثمان، عن رجل من أهل المدينة، عن المطرفي، قال: مضى أبو الحسن الرضا عليه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم، فقلت في نفسي: ذهب مالي.
فأرسل إليّ أبو جعفر عليه السلام: إذا كان غداً فأتني(٤٥٧) وليكن معك ميزان وأوزان.
فدخلت على أبي جعفر عليه السلام؛ فقال لي: مضى أبو الحسن عليه السلام ولك عليه أربعة آلاف درهم؟
فقلت: نعم! فرفع المصلّي الذي كان تحته فإذاً تحته دنانير! فدفعها إليّ(٤٥٨).

(٤٢٢) ٣ - الحضيني رحمه الله: عن أبي العبّاس عتّاب بن يونس الديلمي، عن محمد بن علي بن حديد الوشّاء الكوفي، قال: خرجنا حاجّين، فلمّا قضينا حجّنا ورجعنا من مكّة، قطع علينا الطريق، ونحن عصابة من شيعة أبي جعفر عليه السلام، فأُخذ كلّ ما كان معنا.
فلّما وردنا المدينة دخلت على أبي جعفرعليه السلام، فابتدأني قبل ما أسأله بشي‏ء فقال: يا علي بن حديد! قطع عليكم الطريق في العرج(٤٥٩)، وأخذ ما كان معكم، وعددكم ثلاثة وعشرون نفراً، وسمّانا بأسمائنا وأسماء آبائنا.
فقلت: إي واللّه يا سيّدي! كنّا كما قلت، وأمر لنا بكسوة ودنانير كثيرة.
وقال: فرّقها على أصحابك، فإنّها بعدد ما ذهب منكم.
قال علي بن حديد: فصرت بها إلى إخواني وأصحابي ففرّقتها عليهم، فطلعت واللّه بإزاء ما أُخذ منّا سواء(٤٦٠).

(٤٢٣) ٤ - أبو عمرو الكشّي رحمه الله: أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي، قال: رأيت رجـلاً من أصحابنا يعرف بأبي زينبـة (٤٦١)، فسألني عن أحكم(٤٦٢) بن بشّار المروزي، وسألني عن قصّته وعن الأثر الذي في حلقه؟
وقد كنت رأيت في بعض حلقه شبه الخطّ، كأنّه أثر الذبح، فقلت له: قد سألته مراراً فلم يخبرني.
قال: فقال: كنّا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني‏ عليه السلام، فغاب عنّا أحكم من عند العصر، ولم يرجع تلك الليلة.
فلمّا كان جوف الليل، جاءنا توقيع من أبي جعفر عليه السلام: إنّ صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد(٤٦٣) في مزبلة كذا وكذا، فاذهبوا وداووه بكذا وكذا. فذهبنا فوجدناه مطروحاً كما قال ‏عليه السلام. فحملناه وداويناه بما أمرنا به فبرأ من ذلك.
قال أحمد بن علي: كان قصّته أنّه تمتّع ببغداد في دار قوم، فعلموا به فأخذوه وذبحوه، وأدرجوه في لبد، وطرحـوه في مزبلـة (٤٦٤).

(٤٢٤) ٥ - الراوندي رحمه الله: روى عن علي بن جرير قال: كنت عند أبي جعفر ابن الرضا عليهما السلام جالساً، وقد ذهبت شاة لمولاة له(٤٦٥)، فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم إليه، ويقولون: أنتم سرقتم الشاة.
فقال(٤٦٦) أبو جعفر عليه السلام: ويلكم! خلّوا عن جيراننا، فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره.
فخرجوا، فوجدوها في داره، وأخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه، وهو يحلف أنّه لم يسرق هذه، الشاة إلى أن صاروا إلى أبي جعفر عليه السلام فقال: ويحكم! ظلمتم هذا الرجل، فإنّ الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها.
فدعاه(٤٦٧)، فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه(٤٦٨).

(٤٢٥) ٦ - الراوندي رحمه الله: روي عن القاسم بن المحسن(٤٦٩)، قال: كنت فيما بين مكّة والمدينة فمرّ بي أعرابي ضعيف الحال، فسألني شيئاً فرحمته، فأخرجت له رغيفاً فناولته إيّاه، فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة(٤٧٠)، فذهبت بعمامتي من رأسي، فلم أرها كيف ذهبت، ولا أين مرّت؟
فلمّا دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر ابن الرضا عليهما السلام، فقال لي: يا قاسم! ذهبت عمامتك في الطريق؟ قلت: نعم!
فقال: يا غلام! أخرج إليه عمامته، فأخرج إليّ عمامتي بعينها.
قلت: يا ابن رسول اللّه! كيف صارت إليك؟
قال: تصدّقت على الأعرابي فشكره اللّه لك(٤٧١)، وردّ إليك عمامتك، "وإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين"(٤٧٢) (٤٧٣).

(٤٢٦) ٧ - الراوندي رحمه الله: روى عن عمران بن محمد، قال: دفع إليّ أخي درعاً لأحملها إلى أبي جعفر عليه السلام مع أشياء، فقدمت بها ونسيت الدرع. فلمّا أردت أن أُودّعه، قال لي: احمل الدرع. وسألتني والدتي أن أسأله قميصاً من ثيابه، فسألته؟
فقال: ليست تحتاج(٤٧٤) إليه.
فجاءني الخبر أ نّها توفّيت قبل عشرين يوماً(٤٧٥).

(٤٢٧) ٨ - الإربلي رحمه الله: عن عمران بن محمد(٤٧٦) الأشعري قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام فقضيت حوائجي، وقلت: إنّ(٤٧٧) أُمّ الحسن تقرئك السلام، وتسألك ثوباً من ثيابك أجعله كفناً لها.
فقال لي: قد استغنت(٤٧٨) عن ذلك.
فخرجت لست أدري ما معني ذلك؛ فأتاني الخبر، أنّها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً، أو أربعة عشر يوماً(٤٧٩).

(٤٢٨) ٩ - الإربلي رحمه الله: قال: القاسم بن عبد الرحمان، وكان زيديّاً قال: خرجت إلى بغداد فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون ويتشرّفون ويقفون.
فقلت: ما هذا؟! فقالوا: ابن الرضا(٤٨٠).
فقلت: واللّه! لأنظرنّ إليه، فطلع على بغل - أو بغلة - فقلت: لعن اللّه أصحاب الإمامة حيث يقولون: إنّ اللّه افترض طاعة هذا.
فعدل‏ عليه السلام إليّ وقال: يا قاسم بن عبد الرحمان! "أبشراً منّا واحداً نتّبعهُ إنّا إذاً لفي ضلالٍ وسُعُرٍ"(٤٨١).
فقلت في نفسي: ساحر واللّه!
فعدل إليّ، فقال: "ءاُلقي الذكرُ عليهِ من بيننا بَل هو كذّاب أشِرٌ"(٤٨٢).
قال: فانصرفت، وقلت بالإمامة، وشهدت أ نّه حجّة اللّه على خلقه واعتقدته(٤٨٣).
 


الرابع - إخباره عليه السلام بالوقائع الحالية:

(٤٢٩) ١ - الراوندي رحمه الله: روي عن ابن أُورمة(٤٨٤)، قال: حملت إلى امرأة شيئاً من حُلِي، وشيئاً من دراهم، وشيئاً من ثياب؛ فتوهّمت أنّ ذلك كلّه لها، ولم أسألها أنّ لغيرها في ذلك شيئاً، فحملت ذلك إلى المدينة مع بضاعات لأصحابنا.
وكتبت في الكتاب أنّي (قد) بعثت إليك من قبل فلانة كذا، ومن قبل فلان كذا، ومن قبل فلان، وفلان بكذا.
فخرج في التوقيع: قد وصل ما بعثت من قبل فلان وفلان ومن قبل المرأتين، تقبّل اللّه منك(٤٨٥)، ورضي عنك وجعلك معنا في الدنيا والآخرة.
فلمّا رأيت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنّه غير كتابه، وأنّه قد عمل عليّ دونه؛ لأنّي كنت في نفسي على يقين أنّ الذي دفعت إليّ المرأة، كان (كلّه) لها، وهي مرأة واحدة، فلمّا رأيت [في التوقيع‏] إمرأتين اتّهمت موصل كتابي.
فلمّا انصرفت إلى البلاد، جاءتني المرأة، فقالت: هل أوصلت بضاعتي؟
قلت: نعم! قالت: وبضاعة فلانة؟ قلت: وكان فيها لغيرك شي‏ء؟
قالت: نعم! كان لي فيها كذا، ولاُختي فلانة كذا.
قلت: بلي! قد أوصلت ذلك، وزال ما كان عندي(٤٨٦).

٢ - ابن الصبّاغ : إنّ أبا جعفر محمد الجواد عليه السلام ... . قال [له المأمون‏] : ما في يدي؟
فأنطقه اللّه تعالى بأن قال عليه السلام: إنّ اللّه تعالى خلق في بحر قدرته المستمسك في الجوّ ببديع حكمته، سمكاً صغاراً، فصاد منها بزاة، الخلفاء، كي يختبربها سلالة بيت المصطفى ... (٤٨٧).

٣ - المسعودي : روي عن محمد بن الفرج؛ وغيره، قال: دعاني أبو جعفرعليه السلام فأعلمني أنّ قافلة قد قدمت، وفيها نخّاس معه رقيق، ودفع إليّ صرّة فيها ستّون ديناراً، ووصف لي جارية معة بحليتها وصورتها ولباسها، وأمرني بابتياعها، فمضيت واشتريتها بما استام، وكان سومها بها ما دفعه إليّ، ...(٤٨٨).

 

الخامس - إخباره عليه السلام بالوقائع الآتية:

(٤٣٠) ١ - الحضيني رحمه الله: عن الحسين بن داود السعدي، عن محمد بن موسى القميّ، عن خالد الحذّاء، عن صالح بن محمد بن داود اليعقوبي، قال: لمّا توجّه أبو جعفر عليه السلام لاستقبال المأمون، وقد أقبل من نواحي الشام، وأمر أن يعقد ذنب دابّته(٤٨٩)، وذلك في يوم صائف شديد الحرّ، وطريق لايوجد فيه الماء.
فقال بعض من كان معنا ممّن لا علم له: أيّ موضع عقد ذنب دابّته(٤٩٠)؟!
فما سرنا إلّا يسيراً حتّى وردنا أرض ماء، ووحل كثير، وفسدت ثيابنا وما معنا، ولم يصبه شي‏ء من ذلك.
قال صالح: وقال - أي الإمام الجواد عليه السلام - لنا يوماً ونحن في ذلك الوجه: اعلموا أنّكم (٤٩١) ستضلّون عن الطـريق (٤٩٢) قبل المنزل الأوّل الذي يلقاكم الليلة ترجعون إليه في المنزل بعد ما يذهب من الليل سبع ساعات.
فقال من فينا من لا فضل له بهذه الطريق ولا يعرفه ولا يسلكه قطّ: وستنظرون صدق ما قال صالح.
فضللنا عن الطريق قبل المنزل الذي كان يلقانا، وسرنا بالليل حتّى تنصّف، وهو يسير بين أيدينا ونحن نتّبعه حتّى صرنا في المنزل الثاني على الطريق.
فقال: انظروا كم ساعة مضى من الليل، فإنّها سبع ساعات. فنظرنا فإذا هي كما قال(٤٩٣).

(٤٣١) ٢ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: حدّثنا عبد اللّه بن محمد، عن عمارة بن زيد، قال: قال إبراهيم بن سعيد(٤٩٤): كنت جالساً عند محمد بن علي(٤٩٥) عليهما السلام إذ مرّت بنا فرس أُنثى.
فقال‏ عليه السلام: هذه تلد الليلة فلواً(٤٩٦) أبيض الناصية، في وجهه غرّة.
فعزمته ثمّ انصرفت إلى صاحبها، فلم أزل أُحدّثه إلى الليل حتّى أتت بفلوٍ كما وصف، فعدت إليه.
فقال‏ عليه السلام: يا ابن سعيد(٤٩٧)! شككت فيما قلت لك(٤٩٨)!؟
إنّ امرأتك التي في منزلك، حبلى، تأتي بابن أعور، فولد لي واللّه محمد وكان أعور (٤٩٩).

(٤٣٢) ٣ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن محمد بن أبي القاسم، عن أبيه، قال: حدّثني بعض المدينيّين(٥٠٠): إنّهم كانوا يدخلون على أبي جعفر عليه السلام، وهو نازل في قصر أحمد بن يوسف، يقولون له: يا أبا جعفر! جعلنا فداك! قد تهيّأنا وتجهّزنا ولا نراك تهمّ بذلك؟!
قال لهم: لستم بخارجين حتّى تغترفوا الماء بأيديكم(٥٠١) من هذه الأبواب التي ترونها. فتعجّبوا من ذلك أن يأتي الماء من تلك المكثرة، فما خرجوا حتّى اغترفوا بأيديهم منها(٥٠٢).

(٤٣٣) ٤ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: محمد بن القاسم(٥٠٣)، عن أبيه، ورواه عامّة أصحابنا، قال: إنّ رجلاً خراسانيّاً أتى أبا جعفر عليه السلام بالمدينة فسلّم عليه، وقال: السلام عليك يا ابن رسول اللّه! وكان واقفيّاً.
فقال له: سلام! وأعادها الرجل. فقال: سلام! فسلّم الرجل بالإمامة.
قال: قلت في نفسي: كيف علم أنّي غير مؤتمّ به، وأنّي واقف عنه؟!
قال: ثمّ بكى، وقال: جعلت فداك! هذه كذا وكذا ديناراً فاقبضها.
فقال له أبو جعفر عليه السلام: قد قبلتها، فضمّها إليك.
فقال: إنّي خلّفت صاحبتي ومعها ما يكفيها ويفضل عنها.
فقال: ضمّها إليك، فإنّك ستحتاج إليها، مراراً.
قال الرجل: ففعلت ورجعت، فإذا طرّار قد أتى منزلي، فدخله ولم يترك شيئاً إلّا أخذه، فكانت تلك الدنانير هي التي تحمّلت بها إلى موضعي(٥٠٤).

(٤٣٤) ٥ - السيّد بن طاووس رحمه الله: رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري في كتاب (الدلائل) باسناده إلى صالح بن عطيّة(٥٠٥).
قال: حججت فشكوت إلى أبي جعفر، يعني الجواد، الوحدة.
فقال عليه السلام: أما أنّك لا تخرج من الحرم حتّى تشتري جارية ترزق منها ابناً.
قلت: جعلت فداك! أهوي أن تشير عليّ.
قال: نعم! اعترض، فإذا عرضت فأعلمني.
قلت: جعلت فداك! فقد عرضت.
قال: اذهب فكن في السوق حتّى أُوافيك، فصرت إلى دكّان نخّاس انتظره حتّى وافى، ثمّ مضى فصرت معه.
فقال: قد رأيتها فإن أعجبتك فاشترها على أنّها قصيرة العمر.
قلت: جعلت فداك! فما أصنع بها؟
قال: قد قلت لك، فلمّا كان من الغد صرت إلى صاحبها، فقال: الجارية محمومة وليس بها مرض، وعدت إليه من الغد وسألته فقال: قد دفنتها اليوم.
فأتيته عليه السلام وأخبرته الخبر، فقال: اعترض، فاعترضت وأعلمته، فأمرني أن أنتظره، فصرت إلى دكّان النخّاس، فركب ومرّ بنا فصرت إليه.
فقال: اشترها فقد رأيتها، فاشتريتها وصبرت عليها حتّى طهرت، فوقعت عليها، فولدت لي محمداً ابني(٥٠٦).

 

(٤٣٥) ٦ - الراوندي رحمه الله: روى أحمد بن هلال، عن أُميّة بن علي القيسي، قال: دخلت أنا وحمّاد بن عيسى على أبي جعفر عليه السلام بالمدينة لنودّعه.
فقال‏ عليه السلام لنا: لا تخرجا(٥٠٧) أقيما إلى غد.
قال: فلمّا خرجنا من عنده، قال حمّاد: أنا أخرج فقد خرج ثقلي.
قلت: أمّا أنا فأُقيم.
قال: فخرج حمّاد، فجرى الوادي تلك الليلة، فغرق فيه، وقبره بسيالة(٥٠٨)(٥٠٩).

٧ - الشيخ الصدوق رحمه الله: ... عن أبي الصلت الهروي، قال: ... دخل عليّ أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام، فقال لي: يا أبا الصلت! ضاق صدرك؟
فقلت: إي واللّه!
قال: قم! فأخرجني، ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت عليّ، ففكّها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمان يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلّموني، وخرجت من باب الدار.
ثمّ قالي لي: امض في ودائع اللّه، فإنّك لن يصل اليه ولا يصل إليك أبداً.
فقال أبو الصلت: فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت(٥١٠).

(٤٣٦) ٨ - أبو عمرو الكشّي ‏رحمه الله: وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القميّ بخطّه: حدّثني الحسين بن محمد بن عامر، قال: حدّثني خيران الخادم القراطيسي، قال: حججت أيّام أبي جعفر محمد بن علي بن موسى‏عليهم السلام، وسألته عن بعض الخدم، وكانت له منزلة من أبي جعفرعليه السلام، فسألته أن يوصلني إليه. فلمّا سرنا إلى المدينة، قال لي: تهيّأ، فإنّي أُريد أن أمضى إلى أبي جعفرعليه السلام فمضيت معه.
فلمّا أن وافينا الباب، قال: ساكن في حانوت، فاستأذن ودخل، فلمّا أبطأ عليّ رسوله، خرجت إلى الباب، فسألته عنه، فأخبرني أنّه خرج ومضى، فبقيت متحيّراً، فإذا أنا كذلك إذ خرج خادم من الدار، فقال: أنت خيران؟ فقلت: نعم!
قال لي: ادخل! فدخلت، وإذا أبو جعفرعليه السلام قائم على دكّان لم يكن فرش له ما يقعد عليه، فجاء غلام بمصلّى، فألقاه له، فجلس، فلمّا نظرت إليه تهيّبت ودهشت، فذهبت لأصعد الدكّان من غير درجة، فأشار إلى موضع الدرجة، فصعدت وسلّمت.
فردّ السلام، ومدّ يده إليّ، فأخذتها وقبّلتها، ووضعتها على وجهي، فأقعدني بيده، فأمسكت يده ممّا داخلني من الدهش، فتركها في يدي فلمّا سكنت، خلّيتها.
فسائلني وكان الريّان بن شبيب قال لي: إن وصلت إلى أبي جعفرعليه السلام قلت له: مولاك الريّان بن شبيب يقرأ عليك السلام، ويسألك الدعاء له ولولده فذكرت له ذلك، فدعا له ولم يدع لولده! فأعدت عليه، فدعا له ولم يدع لولده.
فأعدت عليه ثلاثاً، فدعا له ولم يدع لولده، فودّعته وقمت. فلمّا مضيت نحو الباب سمعت كلامه، ولم أفهم ما قال، وخرج الخادم في أثري، فقلت له ما قال سيّدي لمّا قمت؟
فقال لي: قال من هذا الذي يرى أن يهدي نفسه؟ هذا ولد في بلاد الشرك.
فلمّا أخرج منها صار إلى من هو شرّ منهم، فلمّا أراد اللّه أن يهديه هداه(٥١١).

(٤٣٧) ٩ - أبو عمرو الكشّي‏رحمه الله: وجدت بخطّ جبريل بن أحمد، حدّثني عبد اللّه بن مهران، قال: أخبرني عبد اللّه بن عامر، عن شاذويه بن الحسين بن داود القميّ، قال: دخلت على أبي جعفرعليه السلام وبأهلي حبل، فقلت: جعلت فداك! ادع اللّه أن يرزقني ولداً ذكراً؟
فأطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه، فقال: اذهب فإنّ اللّه يرزقك غلاماً ذكراً، ثلاث مرّات.
قال: وقدمت مكّة، فصرت إلى المسجد، فأتى محمد بن الحسن بن صباح برسالة من جماعة من أصحابنا، منهم صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وابن أبي عمير وغيرهم، فأتيتهم، فسألوني؟
فخبرتهم بما قال، فقالوا: لي فهمت عنه ذكي، أو زكي؟ فقلت ذكي، قد فهمته.
قال ابن سنان: أما أنت سترزق ولداً ذكراً، أما أنّه يموت على المكان أو يكون ميّتاً.
فقال أصحابنا لمحمد بن سنان: أسأت قد علمنا الذي علمت.
فأتى غلام في المسجد، فقال: أدرك، فقدمات أهلك، فذهبت مسرعاً فوجدتها على شرف الموت، ثمّ لم تلبث أن ولدت غلاماً ذكراً ميّتاً(٥١٢).

١٠ - الحضيني‏ رحمه الله: ... محمد بن موسى النوفلي، قال: ... رأيت سيّدي، أبا جعفرعليه السلام مطرقاً، فقلت لأبي هاشم ما يبكيك يا ابن العمّ؟
قال: من جرأة هذا الطاغي، المأمون، على اللّه، وعلى دمائنا، بالأمس قتل الرضاعليه السلام، والآن يريد قتلي.
فبكيت، وقلت: يا سيّدي! هذا مع إظهاره فيك ما يظهره؟ 
قال: ويحك يا ابن العمّ الذي أظهره في أبي أكثر.
فقلت: واللّه! يا سيّدي إنّك لتعلم ما علمه جدّك رسول اللّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم، وقد علم ما علمه المسيح وسائر النبيّين. وليس لنا حكم، والحكم والأمر لك فإن تستكفي شرّه فإنّه يكفيك.
فقال: ويحك يا ابن العمّ! فمن يركب إليّ الليلة في خدمة بالساعة الثامنة من الليل وقد وصل الشرب والطرب إلى ذلك الوقت وأظهره بشوقه إلى أُمّ الفضل، فيركب ويدخل إليّ ويقصد إلى ابنته أُمّ الفضل.
وقد وعدها أنّها تبات في الحجرة الفلانيّة في بعد مرقدي بحجرة نومي فإذا دخل داري عدل إليها وعهد الخدم ليدخلون إلى مرقدي.
فيقولون؛ إنّ مولانا المأمون منّا ويشهروا سيوفهم ويحلفوا انّه لابدّ أن نقتله فأين يهرب منّا ويظهرون إليّ، ويكون هذا الكلام إشعارهم.
فيضعون سيوفهم على مرقدي ويفعلون كفعل غيلانه في أبي ‏عليه السلام فلا يضرّني ذلك ولا تصل أيديهم إليّ، ويخيل لهم أنّه فعل حقّ، وهو باطل.
ويخرجون مخضين الثياب، قاطرة سيوفهم دماً كذباً، ويدخلون على المأمون وهو عند ابنته في داري.
فيقول: ما وراءكم؟ فيروه أسيافهم تقطر دماً، وثيابهم، وأيديهم مضرجة بالدم.
فتقول أُمّ الفضل: أين قتلتموه؟ فيقولون لها: في‏مرقده.
فتقول لهم: ما علامة مرقده؟ فيصفون لها.
فتقول: إي واللّه! هو. فتقدّم إلى رأس أبيها فتقبّله وتقول: الحمد للّه الذي أراحك من هذا الساحر الكذّاب.
فيقول لها: يا ابنة! لاتعجلي فقد كان لأبيه علي بن موسى هذا القتلة ثمّ ثاب إلى عقلي.
فبعثت ثقة خدمي صبيح الديلمي السبب في قتله فعاد إليّ وقال: إنّه في محرابه يسبّح اللّه. فتغلق الأبواب ثمّ تظهر أنّها كانت غشية وفاقت الساعة فاصبري يا بنيّة، لاتكون هذه القتلة مثل تلك القتلة.
فقالت: يا أبي! هذا يكون؟! 
قال: نعم! فإذا رجعت إلى داري وراق الصبح فابعثي، استأذني عليه فإن وجدتيه حيّاً، فادخلي عليه، وقولي له: إنّ أمير المؤمنين شغب عليه خدمه وأرادوا قتله، فهرب منهم إلى أن سكنوا فرجع. وإن وجدتيه مقتولاً، فلا تحدّثي أحداً حتّى أجيئك. وينصرف إلى داره ترتقب ابنته الصبح، فإذا اعترض تبعث إليّ خادماً فيجدني في الصلاة قائماً، فيرجع إليها بالخبر، فتجي‏ء وتدخل عليّ وتفعل ما قال أبوها وتقول: ما منعني أن أجيئك بليلتي إلّا أمير المؤمنين، إلى أن أقول واللّه الموفق، هاهنا من هذا الموضع يقول: انصرف وتبعث له، وهذا خبر المأمون بالتمام(٥١٣).

١١ - الصفّاررحمه الله: ... شعيب بن غزوان، عن رجل، عن أبي جعفرعليه السلام.
قال: دخل عليه رجل من أهل بلخ.
فقال له: يا خراساني! تعرف وادي كذا وكذا؟ قال: نعم!
قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا؟ قال: نعم!
قال: من ذلك يخرج الدجّال ...(٥١٤).
 


السادس - إخباره عليه السلام بالوقائع العامّة:

(٤٣٨) ١ - الحضيني ‏رحمه الله: وعن محمد بن أبان، عن خالد العطّار الكوفي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفرعليه السلام(٥١٥) قال: كنت في داره ببغداد وأنا جالس بين يديه إذ دخل عليه ياسر الخادم، فرحّب به وقرّبه ثمّ قال: يا سيّدي! ستّنا أُمّ جعفر تستأذنك بالمسير إلى أُمّ الفضل للسلام عليك و عليها، وقد استأذنت.
فقال له: قل لها: أقبلي إليه بالرحب و السعة، فمضى الخادم وقمت وأنا أقول في نفسي: إنّه ليس هذا وقت جلوس أُمّ جعفر تصير إليه أُمّ الفضل.
فقال‏ عليه السلام لي: اجلس يا أبا هاشم! فإنّ أُمّ جعفر تحضر و ترى ما يجب، فجلست وانصرفت أُمّ جعفر، فأذنت عليه قبل أذانها على أُمّ الفضل.
فقال للخادم: قل لها: يحضرني إلّا من يحتشم بنا وهو أبو هاشم الجعفري ابن عمّك، فاستحيت واعتزلت بجانب حيث لا أراهم، واسمع كلامهم، فدخلت وسلّمت عليه، واستأذنته بالدخول على أُمّ الفضل بنت المأمون زوجته.
فأذن لها، فما لبث أن عادت إليه فقالت له: يا سيّدي إنّي لأحبّ أن أراك وأُمّ الخير بموضع واحد لتقرّ عيني وأفرح وأعرف أمير المؤمنين اجتماعكما فيفرح.
فقال: أدخلي إليها، فإنّي تابعك في الأثر، فدخلت أُمّ الخير، فقدّمت نعليه ودخل والستور تشتال بين يديه.
فما لبث أن أسرع راجعاً وهو يقول: "فلمّا رأينه أكبرنه"(٥١٦) وجلس، وخرجت أُمّ جعفر فقالت: يا سيّدي! ما حدث إلّا خيراً ما رأيت وما حضرت إلّا خيراً، ولم لاتجلس؟ فما الذي حدث؟
فقال: يا أُمّ جعفر! حدث مالايصحّ أن أعيده عليك، فارجعي إلى أُمّ الفضل فاسأليها بينك وبينها فإنّها تخبرك ما حدث منها ساعة دخولي إليها فإنّه من سرّ النساء.
فاعادت أُمّ جعفر على أُمّ الخير ما قاله عليه السلام فقالت لها: يا عمّة! ما الذي حدث منّي؟
قلت: يا بنيّة! ما أعلم ما هو، فحلفت انّي ما احضرت إلّا خيراً، وظننت أنّه رأى في وجهك كرهاً.
فقالت: لاواللّه، يا عمّة ! ما تبين بوجهي كرهاً ولا علمت ما حدث فارجعي إليه اسأليه أن يخبرك.
فقلت: يا ابنة! إنّه قال: إنّه من سرّ النساء.
فقالت أُمّ الخير: كيف لاأدعو على أبي وقد زوّجني ساحراً، فقالت لها: يا بنيّة! لاتقولي هذا، فلئن في أبيك ولا فيه أريني فما الذي حدث؟
قالت: يا عمّة، واللّه! ما هو طلع حقّاً إلّا انعزلت إلى الصلاة وحدث منّي ما يحدث من النساء، فضربت يدي إلى أثوابي، وضممتها.
فخرجت أُمّ جعفر إليه، وقالت: يا سيّدي! أنت تعلم الغيب؟! قال: لا!
قالت: من لك بأن تعلم ما حدث من أُمّ الخير ممّا لايعلمه إلّا اللّه وهي في الوقت؟
فقال لها: نحن من علم اللّه علّمنا، وعن اللّه نخبر.
قالت له: ينزل عليك الوحي؟
قال: لا! قالت: من أين لك علم ذلك؟!
قال: من حيث لاتعلمين وسترجعين إلى من تخبرينه بما كان فيقول لك: لاتعجبي فإنّ فضله وعلمه فوق ما تظنّين.
فخرجت أُمّ جعفر ودنوت منه وقلت له: قد سمعتك وأنت تقول "فلمّا رأينه أكبرنه". فهذا خبر النسوة الذي خرج عليهنّ يوسف لمّا رأينه والإكبار مما حدث من أُمّ الفضل فعلمت أنّه الحيض(٥١٧).

(٤٣٩) ٢ - الحضيني رحمه الله: عن الحسين بن محمد بن جمهور، عن علي بن بشر، عن أبي عمران موسى بن زيد، عن يحيى بن أبي عمران، قال: إنّ موسى ابن جعفر الداري، قال: وردنا جماعة من أهل الري إلى بغداد نريد أبا جعفرعليه السلام، فدللنا عليه، ومعنا رجل من أهل الري زيدي يظهر لنا الإمامة، فلمّا دخلنا على أبي جعفرعليه السلام سألناه عن مسائل قصدنا بها.
وقال أبو جعفر لبعض غلمانه: خذ بيد هذا الرجل الزيدي وأخرجه.
فقام الرجل على قدميه، وقال: أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمداً رسول اللّه، وأنّ علياً أمير المؤمنين، وأنّ آباءك الأئمّة، وأثبت لك الحجّة للّه في هذا العصر.
فقال له : اجلس! فقد استحقّيت(٥١٨) بترك الضلال الذي كنت عليه، وتسليمك الأمر إلى من جعله له يسمع ولايمنع(٥١٩).
فقال الرجل: واللّه، يا سيّدي! إنّي أدين للّه بإمامة زيد بن علي منذ أربعين سنة، ولا أظهر للناس غير مذهب الإمامة، فلمّا علمت منّي مالا يعلمه إلّا اللّه، أشهد أ نّك الإمام والحجّة(٥٢٠).

(٤٤٠) ٣ - الحضيني رحمه الله: عن الحسين بن داود السعدي، عن أبي هاشم داود ابن القاسم الجعفري، قال:
دخلت على أبي جعفرعليه السلام ومعي ثلاث رقاع غير مترجمة، ولا عليها اسم لأصحابها، فاشتبهت عليّ؛ فتناول إحداها وقال: هذه رقعة زيد بن شهاب(٥٢١).
ثمّ تناول الثانية وقال: هذه رقعة محمد بن جعفر(٥٢٢)، ثمّ أخذ الثالثة وقال: هذه رقعة علي بن الحسين(٥٢٣) فسمّاهم واللّه وسمّي آباءهم، ووقّع فيها بالّذي سألوا، فأخذتها ونهضت. فنظر إليّ وتبسّم، لأنّه علم بسُروري بتلك الدلائل.
ثمّ أعطاني ثلاثمائة دينار وأمر بحملها إلى علي بن الحسين بن إبراهيم بن موسى بن عمّه، وقال: يقول لك: دلّني على(٥٢٤) حريف يعرف ليشتري بها متاعاً.
فدللت عليه، فكلّمني جمّال أن أسأله‏ عليه السلام أن يدخله في خدمته، فجئت به باب الدار فأوقفته ودخلت على أبي جعفرعليه السلام لأُكلّمه في أمره، فوجدته على مائدة يأكل معه جماعة من أوليائه و شيعته، فلم يمكنني كلامه.
فقال عليه السلام: يا أبا هاشم! اجلس فكل. وأخذ بيده طعاماً فوضعه بين يدي، فأكلت، ثمّ ابتدأ من غير أن أسأله ولا أذكر له الجمّال.
فقال: ياغلام! انظر الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم، وأنّه واقف بالباب، فضمّه في خدمتنا و طاعتنا(٥٢٥).

(٤٤١) ٤ - الراوندي رحمه الله إنّهم(٥٢٦) قالوا: كتبنا إليه [أي أبي جعفر الثاني‏]عليه السلام رقاعاً في حوائج لنا؛ وكتب رجل من الواقفة رقعة جعلها بين الرقاع؛ فوقّع الجواب بخطّه في الرقاع، إلّا في رقعة الواقفي، لم يجب فيها بشي‏ء(٥٢٧).

(٤٤٢) ٥ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن محمد بن القاسم، عن أبيه وعن غير واحد من أصحابنا: أنّه قد سمع عمر بن الفرج، أنّه قال: سمعت من أبي جعفرعليه السلام شيئاً، لو رآه محمد أخي لكفر.
فقلت: وما هو أصلحك اللّه؟
قال: إنّي كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام.
فقال: أمسكوا. فقلت: فداك أبي، قد جاءكم الغيب؟!
فقال: عليّ بالخبّاز.
فجي‏ء به فعاتبه، وقال: من أمرك أن تسمّني في هذا الطعام؟
فقال له: جعلت فداك! فلان. ثمّ أمر بالطعام، فرفع، وأتى بغيره(٥٢٨).

(٤٤٣) ٦ - الصفّاررحمه الله: حدّثنا معاوية بن حكيم، عن شعيب ابن غزوان، عن رجل، عن أبي جعفرعليه السلام، قال: دخل عليه رجل من أهل بلخ فقال له: يا خراساني! تعرف وادي كذا، وكذا؟ قال: نعم!
قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا؟
قال: نعم! [قال‏]: من ذلك يخرج الدجّال.
قال: ثمّ دخل عليه رجل من أهل اليمن فقال له: يا يماني، أتعرف شعب كذا وكذا؟
قال: نعم!
قال له: تعرف شجرة في الشعب من صفتها كذا، وكذا؟
قال له: نعم! قال له: تعرف صخرة تحت الشجرة؟
قال: له: نعم! قال فتلك الصخرة التي حفظت ألواح موسى على محمدصلى الله عليه وآله وسلم(٥٢٩).



س - إخباره عليه السلام بالآجال‏

ويشتمل هذا العنوان على ثلاثة موضوعات:

الأوّل - إخباره بشهادة أبيه ‏عليهما السلام:

١ - الشيخ الصدوق رحمه الله: ... عن أبي الصلت الهروي قال: ... فقال أبو جعفر عليه السلام: قم يا أبا الصلت! ايتني بالمغتسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء، وقال لي: ايته ما آمرك به.
فدخلت الخزانة، فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمّرت ثيابي لأغسله.
فقال لي: تنحّ يا أبا الصلت! فإنّ لي من يعينني غيرك، فغسّله.
ثمّ قال لي: أدخل الخزانة، فاخرج إليّ السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت، فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قطّ، فحملته إليه، فكفّنه وصلّى عليه.
ثمّ قال لي: ايتني بالتابوت. فقلت: أمضي إلى النجّار حتّى يصلح التابوت.
قال: قم فإنّ في الخزانة تابوتاً، فدخلت الخزانة، فوجدت تابوتا لم أَره قطّ، فأتيته به ... (٥٣٠).

(٤٤٤) ٢ - أبو جعفر الطبري رحمه الله: قال أُميّة بن علي: كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر عليـه السـلام وأبوه (٥٣١) بخراسان. فدعا جاريته(٥٣٢) يوماً، فقال لها: قولي لهم يتهيّأون(٥٣٣) للمأتم.
فلمّا تفرّقنا من مجلسنا أنا وجماعة، قلنا: ألا سألناه مأتم من؟
فلمّا كان الغد، أعاد القول، فقلنا له: مأتم من؟ فقال‏ عليه السلام: مأتم خير من صلّى على ظهر الأرض(٥٣٤)
فورد الخبر بمضي أبي الحسن عليه السلام بعد أيّام(٥٣٥).

(٤٤٥) ٣ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن محمد بن أبي القاسم، قال ورواه عامّة أهل المدينة: إنّ الرضا عليه السلام كتب في أحمال له تحمل إليه من المتاع وغير ذلك.
فلمّا توجّهت وكان يوماً من الأيّام أرسل أبو جعفر عليه السلام رسلاً يردّونها، فلم يدر لم ذلك، ثمّ حسب ذلك اليوم في ذلك الشهر، فوجد يوم مات فيه الرضاعليه السلام(٥٣٦).

٤ - الإربلي رحمه الله: عن معمّر بن خلّاد: ... قال أبو جعفرعليه السلام: يا معمّر! اركب! قلت: إلى أين؟
قال: اركب كما يقال لك.
قال: فركبت فانتهيت إلى واد ... .
فقال لي: قف هيهنا، قال: فوقفت فأتاني، فقلت له: جعلت فداك! أين كنت؟
قال [عليه السلام‏] دفنت أبي الساعة، وكان بخراسان(٥٣٧).

(٤٤٦) ٥ - الإربلي رحمه الله: من دلائل الحميرىّ، عن أُميّة بن علي، قال: كنت مع أبي الحسن‏ عليه السلام بمكّة في السنة التي حجّ فيها، ثمّ صار إلى خراسان ومعه أبو جعفرعليه السلام، وأبو الحسن يودّع البيت، فلمّا قضى طوافه عدل إلى المقام، فصلّى عنده.
فصار أبو جعفر عليه السلام على عنق موفّق يطوف به، فصار أبو جعفر إلى الحجر، فجلس فيه فأطال، فقال له موفّق: قم جعلت فداك!
فقال: ما أُريد أن أبرح من مكاني هذا إلّا أن يشاء اللّه.
واستبان في وجهه الغمُّ. فأتى موفّق أبا الحسن عليه السلام، فقال له: جعلت فداك! قد جلس أبو جعفر عليه السلام في الحجر، وهو يأبى أن يقوم.
فقام أبو الحسن عليه السلام فأتى أبا جعفر عليه السلام، فقال: قم يا حبيبي!
فقال: ما أُريد أن أبرح من مكاني هذا. قال: بلى يا حبيبي!
ثمّ قال: كيف أقوم وقد ودّعت البيت وداعاً لا ترجع إليه؟!
فقال له: قم يا حبيبي! فقام معه(٥٣٨).



الثاني - إخباره بشهادته عليه السلام:

١ - الإربلي رحمه الله: عن ابن بزيع العطّار، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الفرج بعد المأمون بثلاثين شهراً.
قال: فنظرنا فمات عليه السلام بعد ثلاثين شهراً(٥٣٩).

(٤٤٧) ٢ - محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل ابن مهران، قال: لمّا خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأُولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك! إنّي أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟
فكرّ بوجهه إليّ ضاحكاً وقال: ليس الغيبة حيث ظننت(٥٤٠) في هذه السنة.
فلمّا أُخرج به الثانية إلى المعتصم، صرت إليه فقلت له: جعلت فداك! أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟
فبكى حتّى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت إليّ، فقال: عند هذه(٥٤١) يخاف عليّ، الأمر من بعدي إلى ابني علي(٥٤٢).

(٤٤٨) ٣ - الراوندي رحمه الله: روي عن ابن مسافر(٥٤٣)، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنّه قال في العشيّة التي توفّي في ليلتها: إنّي ميّت الليلة.
ثمّ قال: نحن معشر إذا لم يرض اللّه لأحدنا الدنيا نقلنا إليه(٥٤٤) .

٤ - ابن حمزة الطوسي رحمه الله: عن محمد بن القاسم(٥٤٥)، عن أبيه، وروى أيضاً غيره. قال: لمّا خرج [أبو جعفر الثاني‏عليه السلام‏] من المدينة في المرّة الأخيرة، قال: ما أطيبك يا طيبة(٥٤٦)، فلست بعائد إليك(٥٤٧).

٥ - ابو علي الطبرسي رحمه الله: عن حمدان بن سليمان، عن أبي سعيد الأرمني، عن محمد بن عبد اللّه بن مهران، قال: قال محمد بن الفرج: كتب إليّ أبو جعفر عليه السلام: احملوا إليّ الخمس فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا، فقبض‏ عليه السلام في تلك السنة(٥٤٨).

الثالث - إخباره عليه السلام بموت يحيى بن أبي عمران:

(٤٤٩) ١ - الصفّار رحمه الله: حدّثنا محمد بن عيسى، قال: حدّثني إبراهيم بن محمد(٥٤٩)، قال: كان أبو جعفر(٥٥٠) محمد بن علي عليهما السلام كتب إليّ كتاباً، وأمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن أبي عمران(٥٥١). قال: فمكث الكتاب عندى سنين(٥٥٢)؛ فلمّا كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن أبي عمران، فككت الكتاب، فإذا فيه: قم بما كان يقوم به، أو نحو هذا من الأمر(٥٥٣).
قال(٥٥٤): وحدّثني يحيى وإسحاق ابنا سليمان بن داود، أنّ إبراهيم أقرأ(٥٥٥) هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى.
وكان إبراهيم يقول: كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى بن أبي عمران حيّاً.
وأخبرني بذلك الحسن بن عبد اللّه بن سليمان(٥٥٦).
 


ع - معجزة قبره الشريف عليه السلام :

(٤٥٠) ١ - ابن شهر آشوب رحمه الله: ابن الهمداني الفقيه في تتمّة تاريخ أبي شجاع الوزير ذيله، على تجارب الأُمم: إنّه لمّا حرّقوا القبور بمقابر قريش، جادلوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي‏ عليهما السلام وإخراج رمّته وتحويلها إلى مقابر أحمد.
فحال تراب الهدم وزناد الحريق بينهم وبين معرفة قبره‏ عليه السلام(٥٥٧).