(ك) - ما رواه عن أبيه الإمام عليّ بن محمّد الهادي غ(عليهم السلام)
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الحسن بن عليّ(عليه السلام): فقلت لأبي، عليّ بن محمّد(عليهما السلام) كيف كانت هذه الأخبار في هذه الآيات التي ظهرت علي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بمكّة والمدينة؟
فقال: يا بنيّ! استأنف لها النهار.
فلمّا كان في الغدّ قال: يا بنيّ! أمّا الغمامة، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان يسافر إلي الشام مضارباً لخديجة بنت خويلد، وكان من مكّة إلي بيت المقدس مسيرة شهر، فكانوا في حمارّة القيظ يصيبهم حرّ تلك البوادي، وربّما عصفت ( حمارّة القيظ: بتشديد الراء لا غير، شدّ حرّه. مجمع البحرين: 276/3، (حمر). )
عليهم فيها الرياح، وسفّت عليهم الرمال والتراب.
وكان اللّه تعالي في تلك الأحوال يبعث لرسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) غمامة تظلّه فوق رأسه، تقف بوقوفه، وتزول بزواله، إن تقدّم تقدّمت، وإن تأخّر تأخّرت، وإن تيامن تيامنت، وان تياسر تياسرت.
فكانت تكفّ عنه حرّ الشمس من فوقه.
وكانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال والتراب تسفيها في وجوه قريش، ووجوه رواحلهم، حتّي إذا دنت من محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) هدأت وسكنت، ولم تحمل شيئاً من رمل ولا تراب، وهبّت عليه ريحاً باردة ليّنة حتّي كانت قوافل قريش يقول قائلها: جوار محمّد أفضل من خيمة، فكانوا يلوذون به، ويتقرّبون إليه، فكان الروح يصيبهم بقربه، وإن كانت الغمامة مقصورة عليه.
وكان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء، فإذا الغمامة تسير في موضع بعيد منهم، قالوا: إلي من قرنت هذه الغمامة فقد شرّف وكرّم.
فيخاطبهم أهل القافلة: انظروا إلي الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها، واسم صاحبه وصفيّه وشقيقه، فينظرون فيجدون مكتوباً عليها: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أيّدته بعليّ سيّد الوصيّين، وشرّفته بآله الموالين له، ولعليّ وأوليائهما، والمعادين لأعدائهما.
فيقرأ ذلك ويفهمه من يحسن أن يكتب ويقرأ من لا يحسن ذلك.
( التفسير: 155، ح 77. عنه البحار: 307/17، ح 14، ومدينة المعاجز: 5/3، ح 684، قطعة منه، وإثبات الهداة: 392/1، ح 598، و151/2، ح 662، قطعتان منه، وحلية الأبرار: 50/1، ح 5، قطعة منه. )
2 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن محمّد(عليهما السلام): وأمّا تسليم الجبال والصخور والأحجار عليه، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا ترك التجارة إلي الشام وتصدّق بكلّ ما رزقه اللّه تعالي من تلك التجارات، كان يغدو كلّ يوم إلي حراء، يصعده وينظر من قلله إلي آثار رحمة اللّه، وأنواع عجائب رحمته، وبدائع حكمته، وينظر إلي أكناف السماء، وأقطار الأرض، والبحار، والمفاوز، والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكّر بتلك الآيات، ويعبد اللّه حقّ عبادته.
فلمّا استكمل أربعين سنة [و] نظر اللّه عزّ وجلّ إلي قلبه، فوجده أفضل القلوب، وأجلّها، وأطوعها، وأخشعها، وأخضعها، أذن لأبواب السماء، ففتحت، ومحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا، ومحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فاُنزلت عليه من لدن ساق العرش إلي رأس محمّد وغمرته، ونظر إلي جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه وهزّه، وقال: يا محمّد! اقرأ. قال: وما أقرأ؟
( الضبع: وسط العضد بلحمه يكون للإنسان وغيره، وقيل: العضد كلّها، وقيل: الإبط. أقرب الموارد: 290/3، (ضبع). )
قال: يا محمّد! (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَنَ مِنْ عَلَقٍ 5العلق خلق الإنسان من علق.... 2 ، 4- إلي قوله - مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ثمّ أوحي [إليه ] ما أوحي إليه ربّه عزّ وجلّ.
( العلق: 1/96 - 5. )
ثمّ صعد إلي العلوّ، ونزل محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من الجبل، وقد غشيه من تعظيم جلال اللّه، وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه به الحمّي والنافض.
( أخذته حمّي بنافض ... أي ذهب بعض لونه من حمرة أو صفرة. أقرب الموارد: 459/5، (نفض). )
يقول وقد اشتدّ عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره، ونسبتهم إيّاه إلي الجنون، [وأنّه ] يعتريه شيطان.
وكان من أوّل أمره أعقل خليقة اللّه، وأكرم براياه، وأبغض الأشياء إليه الشيطان، وأفعال المجانين وأقوالهم.
فأراد اللّه عزّ وجلّ أن يشرح صدره، ويشجّع قلبه، فأنطق الجبال، والصخور، والمدر، وكلّما وصل إلي شي ء منها ناداه: [«السلام عليك، يامحمّد!] السلام عليك يا وليّ اللّه! السلام عليك يارسول اللّه! السلام عليك يا حبيب اللّه! أبشر فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد فضّلك، وجمّلك، وزيّنك، وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأوّلين والآخرين، لايحزنك قول قريش: إنّك مجنون، وعن الدين مفتون، فإنّ الفاضل من فضّله [اللّه ] ربّ العالمين، والكريم من كرّمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقنّ صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلّغك ربّك أقصي منتهي الكرامات، ويرفعك إلي أرفع الدرجات.
وسوف ينعّم ويفرّح أوليائك بوصيّك عليّ بن أبي طالب، وسوف يبثّ علومك في العباد والبلاد بمفتاحك، وباب مدينة علمك عليّ بن أبي طالب، وسوف يقرّ عينك ببنتك فاطمة، وسوف يخرج منها ومن عليّ الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، وسوف ينشر في البلاد دينك، وسوف يعظّم أجور المحبّين لك ولأخيك.
وسوف يضع في يدك لواء الحمد، فتضعه في يد أخيك عليّ، فيكون تحته كلّ نبيّ وصدّيق وشهيد يكون قائدهم أجمعين إلي جنّات النعيم».
فقلت في سرّي: يا ربّ! من عليّ بن أبي طالب الذي وعدتني به، -وذلك بعد ماولد عليّ(عليه السلام) وهو طفل- أو هو ولد عمّي؟
وقال بعد ذلك لمّا تحرّك عليّ قليلاً وهو معه، أهو هذا؟
ففي كلّ مرّة من ذلك أُنزل عليه ميزان الجلال، فجعل محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في كفّة منه، ومثّل له عليّ(عليه السلام)، وسائر الخلق من أُمّته إلي يوم القيامة [في كفّة]، فوزن بهم فرجح، ثمّ أخرج محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من الكّفة وترك عليّ في كفّة محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) التي كان فيها، فوزن بسائر أُمّته فرجح بهم فعرفه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بعينه وصفته.
ونودي في سرّه: يا محمّد! هذا عليّ بن أبي طالب صفيّي الذي أؤيّد به هذا الدين، يرجح علي جميع أُمّتك بعدك.
فذلك حين شرح اللّه صدري بأداء الرسالة، وخفّف عنّي مكافحة الأُمّة، ( المكافحة: وهي المدافعة تلقاء الوجه. مجمع البحرين: 407/2، (كفح). )
وسهّل عليّ مبارزة العتاة الجبابرة من قريش.
( التفسير: 156، ح 78. عنه البحار: 309/17، س 1، ضمن ح 14، و205/18، ح 36، وحلية الأبرار: 65/1، ح 1، بتفاوت يسير، ومدينة المعاجز: 444/1، ح 298، بتفاوت يسير. )
3 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن محمّد(عليهما السلام): وأمّا دفع اللّه القاصدين لمحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي قتله، وإهلاكه إيّاهم كرامة لنبيّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وتصديقه إيّاه فيه.
فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان وهو ابن سبع سنين بمكّة قد نشأ في الخير نشوءاً، لانظير له في سائر صبيان قريش حتّي ورد مكّة قوم من يهود الشام 1ل يهود الشام، 4، فنظروا إلي محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وشاهدوا نعته، وصفته.
فأسّر بعضهم إلي بعض، [و]قالوا: هذا واللّه! محمّد، الخارج في آخر الزمان، المدالّ علي اليهود وسائر [أهل ] الأديان، يزيل اللّه تعالي به دولة اليهود، ويذلّهم، ويقمعهم، وقد كانوا وجدوه في كتبهم: [النبيّ ] الأُمّي الفاضل الصادق، فحملهم الحسد علي أن كتموا ذلك، وتفاوضوا في أنّه ملك يزال.
ثمّ قال بعضهم لبعض: تعالوا نحتال [عليه ] فنقتله، فإنّ اللّه يمحو ما يشاء ويثبت، لعلّنا نصادفه ممّن يمحو، فهمّوا بذلك.
ثمّ قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتّي نمتحنه، ونجرّبه بأفعاله، فإنّ الحلية قدتوافق الحلية، والصورة قد تشاكل الصورة، إنّ ما وجدناه في كتبنا أن محمّداً يجنّبه ربّه من الحرام والشبهات، فصادفوه وآلفوه وادعوه إلي دعوة، وقدّموا إليه الحرام والشبهة، فإن انبسط فيهما أو في أحدهما فأكله، فاعلموا أنّه غير من تظنّون، وإنّما الحلية وافقت الحلية، والصورة ساوت الصورة، وإن لم يكن الأمر كذلك ولم يأكل منهما شيئاً، فاعلموا أنّه هو.
فاحتالوا له [في ] تطهير الأرض منه لتسلم لليهود دولتهم.
قال: فجاءوا إلي أبي طالب فصادفوه ودعوه إلي دعوة لهم.
فلمّا حضر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، قدّموا إليه وإلي أبي طالب، والملأ من قريش، دجاجة مسمّنة كانوا قد وقذوها وشووها، فجعل أبو طالب وسائر قريش ( وقذ يقذ وقذاً: صرعه، ضربه شديداً حتّي أشرف علي الموت. المنجد: 912، (وقذ). )
يأكلون منها، ورسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يمدّ يده نحوها فيعدل بها يمنة ويسرة، ثمّ أماماً، ثمّ خلفاً، ثمّ فوقاً، ثمّ تحتاً، لا تصيبها يده(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقالوا: ما لك يا محمّد! لا تأكل منها؟
فقال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا معشر اليهود! قد جهدت أن أتناول منها، وهذه يدي يعدل بها عنها، وما أراها إلّا حراماً يصونني ربّي عزّ وجلّ عنها. فقالوا: ما هي إلّا حلال، فدعنا نلقمك [منها].
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فافعلوا إن قدرتم.
فذهبوا ليأخذوا منها ويطعموه، فكانت أيديهم يعدل بها إلي الجهات كماكانت يد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) تعدل عنها.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): [ف']هذه قد منعت منها فأتوني بغيرها إن كانت لكم، فجاءوه بدجاجة أخري مسمّنة مشوّية قد أخذوها لجار لهم غائب -لم يكونوا اشتروها- وعمدوا إلي أن يردّوا عليه ثمنها إذا حضر، فتناول منها رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لقمة، فلمّا ذهب ليرفعها ثقلت عليه، وفصلت حتّي سقطت من يده، وكلمّا ذهب يرفع ما قد تناوله بعدها ثقلت وسقطت.
فقالوا: يا محمّد! فما بال هذه لا تأكل منها؟
[ف']قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وهذه أيضاً قد منعت منها، وما أراها إلّا من شبهة يصونني ربّي عزّ وجلّ عنها، قالوا: ما هي من شبهة، فدعنا نلقمك منها؟
قال: فافعلوا إن قدرتم عليه، فلمّا تناولوا لقمة ليلقموه ثقلت كذلك في أيديهم [ثمّ سقطت ] ولم يقدروا أن يلقموها، فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هو ما قلت لكم: هذه شبهة يصونني ربّي عزّ وجلّ عنها.
فتعجّبت قريش من ذلك، وكان ذلك مما يقيمهم علي اعتقاد عداوته إلي أن أظهروها لمّا أظهره اللّه عزّ وجلّ بالنبوّة، وأغرتهم اليهود أيضاً، فقالت لهم اليهود: أيّ شي ءغ يردّ عليكم من هذا الطفل؟!
مانراه إلّا يسالبكم نعمكم وأرواحكم، [و] سوف يكون لهذا شأن عظيم.
( التفسير: 159، ح 79. عنه مستدرك الوسائل: 141/16، ح 19411، باختصار، والبحار: 311/17، س 4، ضمن ح 14، وحلية الأبرار: 59/1، ح 1، بتفاوت يسير. )
4 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن محمّد(عليهما السلام): وأمّا الشجرتان اللتان تلاصقتا، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان ذات يوم في طريق له [ما] بين مكّة والمدينة، وفي عسكره منافقون من المدينة وكافرون من مكّة ومنافقون منها، وكانوا يتحدّثون فيما بينهم بمحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وآله الطيّبين، وأصحابه الخيّرين.
فقال بعضهم لبعض: يأكل كما نأكل، وينفض كرشه من الغائط والبول ( نفض: نفضت الورق من الشجر: أسقطته. مجمع البحرين: 231/4، (نفض). )
( الكرش: بمنزلة المعدة للإنسان. لسان العرب: 339/6، (كرش). )
كماننفض، ويدّعي أنّه رسول اللّه.
فقال بعض مردة المنافقين: هذه صحراء ملساء لأتعمّدنّ النظر إلي إسته ( ملساء: بلا نبات. أقرب الموارد: 258/5، (ملس). )
إذا قعد لحاجته حتّي أنظر هل الذي يخرج منه كما يخرج منّا أم لا؟
فقال آخر: لكنّك إن ذهبت تنظر منعه حياؤه من أن يقعد، فإنّه أشدّ حياء من الجارية العذراء الممتنعة المحرمة، قال: فعرّف اللّه عزّ وجلّ ذلك نبيّه محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال لزيد بن ثابت: اذهب إلي تينك الشجرتين المتباعدتين - يؤمي إلي شجرتين بعيدتين قد أوغلتا في المفازة، وبعدتا عن الطريق قدر ميل - فقف ( وَغَلَ في الشي ء يَغِلُ وُغُولاً: دخل فيه وتواري به. أقرب الموارد: 800/5، (وغل). )
بينهما وناد: إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يأمركما أن تلتصقا، وتنضمّا ليقضي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) خلفكما حاجته، ففعل ذلك زيد.
فقال: فوالذي بعث محمّداً(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بالحقّ نبيّاً! إنّ الشجرتين انقلعتا بأُصولهما من مواضعهما وسعت كلّ واحدة منهما إلي الأُخري سعي المتحابّين كلّ واحد منهما إلي الآخر، [و] التقيا بعد طول غيبة وشدّة اشتياق، ثمّ تلاصقتا وانضمّتا انضمام متحابّين في فراش في صميم الشتاء، فقعد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ( صميم الحرّ والبرد: أشدّه. مجمع البحرين: 103/6، (صمم). )
خلفهما.
فقال أولئك المنافقون: قد استتر عنّا.
فقال بعضهم لبعض: فدوروا خلفه لننظر إليه، فذهبوا يدورون خلفه، فدارت الشجرتان كلمّا داروا، فمنعتاهم من النظر إلي عورته.
فقالوا: تعالوا نتحلّق حوله لتراه طائفة منّا، فلمّا ذهبوا يتحلّقون تحلّقت الشجرتان، فأحاطتا به كالأنبوبة حتّي فرغ وتوضّأ وخرج من هناك، وعاد ( أُنبوب النبات: ما بين عقدتيه، قاله ابن فارس. المصباح المنير: 590، (الأُنبوب) )
إلي العسكر وقال لزيد بن ثابت: عد إلي الشجرتين، وقل لهما: إنّ رسول اللّه يأمركما أن تعودا إلي أماكنكما.
فقال لهما، فسعت كلّ واحدة منهما إلي موضعها - والذي بعثه بالحقّ نبيّاً!- سعي الهارب الناجي بنفسه من راكض شاهر سيفه خلفه حتّي عادت كلّ ( الركض: الدفع بالرجل. مجمع البحرين: 207/4، (ركض)، وركض الدابّة: ضرب جنبيها برجله أو برجليه ليحشّها علي السير. المعجم الوسيط: 369، (ركِض).)
شجرة إلي موضعها.
فقال المنافقون: قد امتنع محمّد من أن يبدي لنا عورته، وأن ننظر إلي إسته، فتعالوا ننظر إلي ما خرج منه لنعلم أنّه ونحن سيّان.
فجاءوا إلي الموضع فلم يروا شيئاً البتّة، لا عيناً ولا أثراً.
قال: وعجب أصحاب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من ذلك، فنودوا من السماء: أوعجبتم لسعي الشجرتين إحداهما إلي الأُخري، إنّ سعي الملائكة بكرامات اللّه عزّ وجلّ إلي [محبّي ] محمّد ومحبّي عليّ، أشدّ من سعي هاتين الشجرتين إحداهما إلي الأُخري، وإنّ تنكّب نفحات النار يوم القيامة عن محبّي عليّ والمتبرّئين من أعدائه أشدّ من تنكّب هاتين الشجرتين إحداهماعن الأُخري.
( التفسير: 163، ح 81. عنه البحار: 314/17، س 17، ضمن ح 14، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 250/1، ح 505، قطعة منه، وإثبات الهداة: 392/1، ح 599، قطعة منه، ومدينة المعاجز: 471/1، ح 310. )
5 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال عليّ بن محمّد(عليهما السلام): وقد كان نظير هذا لعليّ بن أبي طالب 10 د كان نظير هذا لعليّ بن أبي طالب.... الإمام الهادي ، 4(عليه السلام) لمّا رجع من صفّين وسقي القوم من الماء الذي تحت الصخرة التي قلّبها، ذهب ليقعد إلي حاجته.
فقال بعض منافقي عسكره: سوف أنظر إلي سوأته، وإلي ما يخرج منه، فإنّه يدّعي مرتبة النبيّ، لأخبر أصحابه بكذبه.
فقال عليّ(عليه السلام) لقنبر: يا قنبر! اذهب إلي تلك الشجرة وإلي التي تقابلها -وقد كان بينهما أكثر من فرسخ - فنادهما: إنّ وصيّ محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يأمركما أن تتلاصقا.
فقال قنبر: يا أمير المؤمنين! أو يبلغهما صوتي؟
فقال عليّ(عليه السلام): إنّ الذي يبلّغ بصر عينك إلي السماء، وبينك وبينها [مسير] خمسمائة عام، سيبلّغهما صوتك.
فذهب فنادي، فسعت إحداهما إلي الأُخري سعي المتحابّين، طالت غيبة أحدهما عن الآخر، واشتدّ إليه شوقه وانضمّتا.
فقال قوم من منافقي العسكر: إنّ عليّاً يضاهي في سحره رسول اللّه ابن عمّه! ما ذاك رسول اللّه، ولا هذا إمام، وإنّما هما ساحران! لكنّا سندور من خلفه لننظر إلي عورته وما يخرج منه.
فأوصل اللّه عزّ وجلّ ذلك إلي اُذن عليّ(عليه السلام) من قبلهم.
فقال - جهراً -: يا قنبر! إنّ المنافقين أرادوا مكايدة وصيّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وظنّوا أنّه لا يمتنع منهم إلّا بالشجرتين، فارجع إلي الشجرتين، وقل لهما: إنّ وصيّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يأمركما أن تعودا إلي مكانيكما، ففعل ما أمره به، فانقلعتا وعدت كلّ واحدة منهما تفارق الأخري كهزيمة الجبان من الشجاع البطل.
ثمّ ذهب عليّ(عليه السلام) ورفع ثوبه ليقعد، وقد مضي جماعة من المنافقين لينظروا إليه، فلمّا رفع ثوبه أعمي اللّه تعالي أبصارهم، فلم يبصروا شيئاً، فولّوا عنه وجوههم، فأبصروا كما كانوا يبصرون.
ثمّ نظروا إلي جهته فعموا، فما زالوا ينظرون إلي جهته ويعمون ويصرفون عنه وجوههم ويبصرون، إلي أن فرغ عليّ(عليه السلام) وقام ورجع، وذلك ثمانون مرّة من كلّ واحد منهم.
ثمّ ذهبوا ينظرون ما خرج منه، فاعتقلوا في مواضعهم، فلم يقدروا أن يروها، فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف، أصابهم ذلك مائة مرّة حتّي نودي فيهم بالرحيل [فرحلوا]، وما وصلوا إلي ما أرادوا من ذلك، ولم يزدهم ذلك إلّا عتوّاً وطغياناً وتمادياً في كفرهم وعنادهم.
فقال بعضهم لبعض: انظروا إلي هذا العجب! من هذه آياته ومعجزاته يعجز عن معاوية وعمرو ويزيد، فأوصل اللّه عزّ وجلّ ذلك من قبلهم إلي أذنه.
فقال عليّ(عليه السلام): يا ملائكة ربّي! ائتوني بمعاوية وعمرو ويزيد.
فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنّهم الشرط السودان، [و] قد علّق كلّ واحد منهم بواحد، فأنزلوهم إلي حضرته، فإذا أحدهم معاوية، والآخر عمرو، والآخر يزيد.
[ف ]قال عليّ(عليه السلام): تعالوا فانظروا إليهم، أمالو شئت لقتلتهم، ولكنّي أنظرهم كما أنظر اللّه عزّ وجلّ إبليس إلي يوم الوقت المعلوم، إنّ الذي ترونه بصاحبكم ليس بعجز، ولا ذلّ، ولكنّه محنة من اللّه عزّ وجلّ لكم لينظر كيف تعملون، ولئن طعنتم علي عليّ(عليه السلام) فقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم علي رسول ربّ العالمين.
فقالوا: إنّ من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة، ورجع كيف يحتاج إلي أن يهرب ويدخل الغار، ويأتي [إلي ] المدينة من مكّة في أحدعشر يوماً؟ [قال ]: وإنّما هو من اللّه إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء اللّه وأوصيائهم، وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون، وليظهر حجّته عليكم.
( التفسير: 165، ح 82. عنه البحار: 29/42، ح 8، ومدينة المعاجز: 473/1، ح 311، قطعة منه، وإثبات الهداة: 481/2، ح 287، قطعة منه. )
6 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وقال عليّ بن محمّد صلوات اللّه عليهما:
وأمّا دعاؤه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) الشجرة، فإنّ رجلاً من ثقيف كان أطبّ الناس يقال له: الحارث بن كلدة الثقفيّ جاء لي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فقال: يا محمّد! جئت لأداويك من جنونك، فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا علي يدي، فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا حارث! أنت تفعل أفعال المجانين وتنسبني إلي الجنون!؟
قال الحارث: وماذا فعلته من أفعال المجانين؟
قال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): نسبتك إيّاي إلي الجنون من غير محنة منك، ولا تجربة، ولانظر في صدقي أو كذبي، فقال الحارث: أوليس قد عرفت كذبك وجنونك بدعواك النبوّة التي لاتقدر لها؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وقولك: لا تقدر لها، فعل المجانين لأنّك لم تقل: لم قلت كذا؟! ولا طالبتني بحجّة، فعجزت عنها.
فقال الحارث: صدقت أنا أمتحن أمرك بآية أُطالبك بها، إن كنت نبيّاً فادع تلك الشجرة - وأشار لشجرة عظيمة بعيد عمقها - فإن أتتك علمت أنّك رسول اللّه الذي قيل لي.
فرفع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يده إلي تلك الشجرة وأشار إليها أن تعالي، فانقلعت الشجرة بأصولها وعروقها، وجعلت تخدّ في الأرض أخدوداً عظيماً كالنهر، حتّي دنت من رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فوقفت بين يديه، ونادت بصوت فصيح: ها أنا ذا يارسول اللّه! [صلّي اللّه عليك ]، ما تأمرني؟
فقال لها رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): دعوتك لتشهدي لي بالنبوّة بعد شهادتك للّه بالتوحيد، ثمّ تشهدي [بعد شهادتك لي ] لعليّ(عليه السلام) هذا بالإمامة، وإنّه سندي وظهري، وعضدي وفخري [وعزّي ]، ولولاه ما خلق اللّه عزّ وجلّ شيئاً ممّاخلق.
فنادت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّك يا محمّد عبده ورسوله، أرسلك بالحقّ بشيراً [ونذيراً]، وداعياً إلي اللّه بإذنه، وسراجاً منيراً، وأشهد أنّ عليّاً ابن عمّك هو أخوك في دينك، [و]أوفر خلق اللّه من الدين حظّاً، وأجزلهم من الإسلام نصيباً، وأنّه سندك وظهرك، [و]قامع أعدائك، وناصر أوليائك، [و]باب علومك في أُمّتك.
وأشهد أنّ أولياءك الذين يوالونه ويعادون أعداءه حشو الجنّة، وأنّ ( حشا حشواً الوسادة بالقطن: ملأها ...، يقال: احتشت الرمّانة بالحبّ، أي امتلئت. المنجد: 136، (حشا). )
أعداءك الذين يوالون أعداءه ويعادون أولياءه حشو النار.
فنظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي الحارث بن كلدة، فقال: يا حارث! أومجنوناً يعدّ من هذه آياته؟
فقال الحارث بن كلدة: لا واللّه يا رسول اللّه! ولكنّي أشهد أنّك رسول ربّ العالمين وسيّد الخلق أجمعين، وحسن إسلامه.
( التفسير: 168، ح 83. عنه البحار: 316/17، س 12، ضمن ح 14، ومدينة المعاجز: 350/1، ح 227، وحلية الأبرار: 162/2، ح 2، بتفاوت يسير، وإثبات الهداة: 392/1، ح 600، و151/2 ح 663، قطعتان منه. )
7 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [وقال عليّ بن محمّد(عليهما السلام):] وأمّا كلام الذراع المسمومة، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا رجع من خيبر إلي المدينة، وقد فتح اللّه له جاءته امرأة من اليهود، قد أظهرت الإيمان، ومعها ذراع مسمومة مشويّة، فوضعتها بين يديه.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ما هذه؟
قالت له: بأبي أنت وأُمّي، يا رسول اللّه! همّني أمرك في خروجك إلي خيبر، فإنّي علمتهم رجالاً جلداً، وهذا حمل كان لي ربّيته أُعدّه كالولد لي، وعلمت أنّ أحبّ الطعام إليك الشواء، وأحبّ الشواء إليك الذراع، فنذرت للّه لئن [سلّمك اللّه منهم لأذبحنّه، ولأطعمنّك من شواء ذراعه، والآن فقد] سلّمك اللّه منهم، وأظفرك بهم فجئت بهذا لأفي بنذري.
وكان مع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) البراء بن معرور وعليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ائتوا بخبز، فأُتي به، فمدّ البراء بن معرور يده، وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه.
فقال له عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): يا براء! لا تتقدّم [علي ] رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال له البراء - وكان أعرابيّاً - يا عليّ! كأنّك تبخّل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال عليّ(عليه السلام): ما أبخّل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ولكنّي أُبجلّه وأُوقّره، ليس لي ولالك، ولا لأحد من خلق اللّه أن يتقدّم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بقول، ولا فعل، ولاأكل، ولا شرب.
فقال البراء: ما أبخّل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال عليّ(عليه السلام): ما لذلك قلت، ولكن هذا جاءت به هذه، وكانت يهوديّة، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلته بأمر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت إلي نفسك.
يقول عليّ(عليه السلام): هذا والبراء يلوك اللقمة إذ أنطق اللّه الذراع، فقالت: يارسول اللّه! لا تأكلني فإنّي مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت، ولم يرفع إلّا ميتاً.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ايتوني بالمرأة، فأُتي بها.
فقال لها: ما حملك علي ما صنعت؟
فقالت: وترتني وتراً عظيماً، قتلت أبي وعمّي وأخي وزوجي وابنيّ، ففعلت هذا، وقلت: إن كان ملكاً فسأنتقم منه، وإن كان نبيّاً كما يقول وقد وعد فتح مكّة والنصر والظفر، فسيمنعه اللّه، ويحفظه منه، ولن يضرّه.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أيّتها المرأة! لقد صدقت.
ثمّ قال لها رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لا يضرّك موت البراء فإنّما امتحنه اللّه لتقدّمه بين يدي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ولو كان بأمر رسول اللّه أكل منه لكفي شرّه وسمّه.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أدع لي فلاناً [وفلاناً]، وذكر قوماً من خيار أصحابه، منهم سلمان والمقداد وعمّار وصهيب وأبو ذرّ وبلال، وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة، وعليّ(عليه السلام) حاضر معهم.
فقال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): اقعدوا وتحلّقوا عليه، فوضع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يده علي الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال: «[بسم اللّه الرحمن الرحيم ]، بسم اللّه الشافي، بسم اللّه الكافي، بسم اللّه المعافي، بسم اللّه الذي لا يضرّ مع اسمه شي ء، ولا داء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم».
ثمّ قال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): كلوا علي اسم اللّه، فأكل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وأكلوا حتّي شبعوا، ثمّ شربوا عليه الماء، ثمّ أمر بها فحبست.
فلمّا كان في اليوم الثاني جي ء بها، فقال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أليس هؤلاء أكلوا [ذلك ] السمّ بحضرتك، فكيف رأيت دفع اللّه عن نبيّه وصحابته؟
فقالت: يا رسول اللّه! كنت إلي الآن في نبوّتك شاكّة، والآن فقد أيقنت أنّك رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) حقّاً، فأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّك عبده ورسوله حقّاً، وحسن إسلامها.
( التفسير: ص 177، ح 85. عنه البحار: 317/17، س 18، ضمن ح 15، ومستدرك الوسائل: 232/16، ح 19694، و306، ح 19968، قطعتان منه.
الخرائج والجرائح: 108/1، ح 180، مرسلاً، وباختصار. عنه البحار: 408/17، ح 37.
قرب الإسناد: 326، س 3، ضمن ح 1228، بتفاوت. عنه البحار: 232/17، س 9، ضمن ح 1. )

8 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [وقال عليّ بن محمّد(عليهما السلام)]: وأمّا كلام الذئب له، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان جالساً ذات يوم إذ جاءه راع ترتعد فرائصه، قد استفزعه العجب.
فلمّا رآه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) من بعيد قال لاصحابه: إنّ لصاحبكم هذا شأناً عجيباً، فلمّا وقف قال له رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): حدّثنا بما أزعجك.
قال الراعي: يا رسول اللّه! أمر عجيب، كنت في غنمي إذ جاء ذئب فحمل حملاً فرميته بمقلاعي فانتزعته منه.
ثمّ جاء إلي الجانب الأيمن فتناول منه حملاً فرميته بمقلاعي فانتزعته منه، [ثمّ جاء إلي الجانب الأيسر فتناول حملاً فرميته بمقلاعي فانتزعته، ثمّ جاء إلي الجانب الآخر فتناول حملاً فرميته بمقلاعي فانتزعته منه ].
ثمّ جاء الخامسة هو وأُنثاه يريد أن يتناول حملاً، فأردت أن أرميه فأقعي علي ذنبه وقال: أما تستحيي [أن ] تحول بيني وبين رزق قد قسّمه اللّه تعالي لي. أفما أحتاج أنا إلي غذاء أتغذّي به؟
فقلت: ما أعجب هذا! ذئب أعج يكلّمني [ب']كلام الآدميّين.
فقال لي الذئب: ألا أُنبّئك بما هو أعجب من كلامي لك: محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) رسول ربّ العالمين بين الحرّتين، يحدّث الناس بأنباء ماقدسبق من الأوّلين، ومالم يأت من الآخرين، ثمّ اليهود مع علمهم بصدقه ووجودهم له في كتب ربّ العالمين بأنّه أصدق الصادقين، وأفضل الفاضلين يكذّبونه ويجحدونه، وهو بين الحرّتين، وهو الشفاء النافع.
ويحك يا راعي! آمن به تأمن من عذاب اللّه، وأسلم له [تسلم ] من سوء العذاب الأليم.
فقلت له: واللّه! لقد عجبت من كلامك واستحييت من منعي لك ما تعاطيت أكله، فدونك غنمي فكل منها ما شئت، لا أُدافعك [ولا أُمانعك ].
فقال لي الذئب: يا عبد اللّه! احمد اللّه إذ كنت ممّن يعتبر بآيات اللّه وينقادلأمره، لكنّ الشقيّ كلّ الشقيّ من يشاهد آيات محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في أخيه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وما يؤدّيه عن اللّه عزّ وجلّ من فضائله، وما يراه من وفور حظّه من العلم الذي لا نظير له [فيه ]، والزهد الذي لا يحاذيه أحدفيه، والشجاعة التي لا عدل له فيها، ونصرته للإسلام التي لا حظّ لأحدفيها مثل حظّه.
ثمّ يري مع ذلك كلّه رسول اللّه يأمر بموالاته وموالاة أوليائه، والتبرّي من أعدائه، ويخبر أنّ اللّه تعالي لا يتقبّل من أحد عملاً، وإن جلّ وعظم ممّن يخالفه ثمّ هو مع ذلك يخالفه، ويدفعه عن حقّه ويظلمه ويوالي أعداءه ويعادي أولياءه، إنّ هذا لأعجب من منعك إيّاي.
قال الراعي: فقلت [له ]: أيّها الذئب! أو كائن هذا؟
قال: بلي، و[ما] هو أعظم منه سوف يقتلونه باطلاً، ويقتلون أولاده، ويسبون حرمهم، و[هم ] مع ذلك يزعمون أنّهم مسلمون، فدعواهم أنّهم علي دين الإسلام مع صنيعهم هذا بسادة [أهل ] الإسلام أعجب من منعك لي.
لاجرم أنّ اللّه تعالي قد جعلنا معاشر الذئاب - أنا ونظرائي [من ] المؤمنين - نمزّقهم في النيران يوم فصل القضاء، وجعل في تعذيبهم شهواتنا، وفي شدائد آلامهم لذّاتنا.
قال الراعي: فقلت: واللّه! لولا هذه الغنم [بعضها لي ] وبعضها أمانة في رقبتي لقصدت محمّداً حتّي أراه.
فقال لي الذئب: يا عبد اللّه! امض إلي محمّد، واترك عليّ غنمك لأرعاها لك.
فقلت: كيف أثق بأمانتك؟
فقال لي: يا عبد اللّه! إنّ الذي أنطقني [ب']ما سمعت هو الذي يجعلني قويّاً أميناً عليها، أولست مؤمناً بمحمّد، مسلّماً له ما أخبر به عن اللّه تعالي في أخيه عليّ؟
فامض لشأنك، فإنّي راعيك، واللّه عزّ وجلّ ثمّ ملائكته المقرّبون رعاة [لي ] إذ كنت خادماً لوليّ عليّ(عليه السلام).
فتركت غنمي علي الذئب والذئبة وجئتك يا رسول اللّه!
فنظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في وجوه القوم، وفيها ما يتهلّل سروراً [به ] وتصديقاً، وفيها ما تعبّس شكّاً فيه وتكذيباً، يسرّ المنافقون إلي أمثالهم هذا قدواطأه محمّد علي هذا الحديث ليختدع به الضعفاء الجهّال.
فتبسّم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وقال: لئن شككتم أنتم فيه فقد تيقّنته أنا وصاحبي الكائن معي في أشرف المحالّ من عرش الملك الجبّار، والمطوّف به معي في أنهار الحيوان من دار القرار، والذي هو تلوي في قيادة الأخيار، والمتردّد معي في الأصلاب الزاكيات، والمتقلّب معي في الأرحام الطاهرات، والراكض معي في مسالك الفضل.
والذي! كسي ما كسيته من العلم والحلم والعقل، وشقيقي الذي انفصل منّي عند الخروج إلي صلب عبد اللّه، وصلب أبي طالب، وعديلي في اقتناء المحامد، والمناقب عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
آمنت به أنا والصديق الأكبر، وساقي أوليائي من نهر الكوثر، آمنت به أنا والفاروق الأعظم، وناصر أوليائي السيّد الأكرم، آمنت به أنا ومن جعله اللّه محنة لأولاد الغيّ، و[رحمة لأولاد] الرشد، وجعله للموالين له أفضل العدّة، آمنت به أنا ومن جعله اللّه لديني قوّاماً، ولعلومي علاّماً، وفي الحروب مقداماً، وعلي أعدائي ضرغاماً أسداً قمقاماً.
آمنت به أنا ومن سبق الناس إلي الإيمان، فتقدّمهم إلي رضا الرحمن، وتفرّد دونهم بقمع أهل الطغيان، وقطع بحججه وواضح بيانه معاذير أهل البهتان، آمنت به أنا وعليّ بن أبي طالب الذي جعله اللّه لي سمعاً وبصراً ويداً ومؤيّداً وسنداً وعضداً لا أُبالي [ب']من خالفني إذا وافقني، ولا أحفل بمن خذلني إذا وازرني، ولا أكترث بمن ازورّ عنّي إذا ساعدني.
( في الحديث: لا يكترث لهذا الأمر، أي لا يعبأ به ولا يباليه. مجمع البحرين: 262/2.
ازورّ عنه إزويراراً: عدل عنه وانحرف، المصدر: 320/3، (زور). )

آمنت به أنا ومن زيّن اللّه به الجنان وبمحبّيه، وملأ طبقات النيران بمبغضيه وشانئيه، ولم يجعل أحداً من أُمّتي يكافيه ولا يدانيه، لن يضرّني عبوس المتعبّسين منكم إذا تهلّل وجهه، ولا إعراض المعرضين منكم إذا خلص لي ودّه.
ذاك عليّ بن أبي طالب الذي لو كفر الخلق كلّهم من أهل السماوات والأرضين لنصر اللّه عزّ وجلّ به وحده هذا الدين، والذي لو عاداه الخلق كلّهم لبرز إليهم أجمعين باذلاً روحه في نصرة كلمة [اللّه ] ربّ العالمين، وتسفيل كلمات إبليس اللعين.
ثمّ قال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هذا الراعي لم يبعد شاهده، فهلّموا بنا إلي قطيعه ننظر إلي الذئبين فإن كلّمانا ووجدناهما يرعيان غنمه، وإلّا كنّا علي رأس أمرنا.
فقام رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ومعه جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار، فلمّا رأوا القطيع من بعيد قال الراعي: ذلك قطيعي.
فقال المنافقون: فأين الذئبان؟
فلمّا قربوا رأوا الذنئبين يطوفان حول الغنم يردّان عنها كلّ شي ء يفسدها.
فقال لهم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أتحبّون أن تعلموا أنّ الذئب ما عني غيري بكلامه؟ قالوا: بلي، يا رسول اللّه!
قال: أحيطوا بي حتّي لا يراني الذئبان، فأحاطوا به(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال للراعي: يا راعي! قل للذئب من محمّد الذي ذكرته من بين هؤلاء؟
[فقال الراعي للذئب ما قاله رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)]، قال: فجاء الذئب إلي واحد منهم وتنحّي عنه، ثمّ جاء إلي آخر وتنحّي عنه، فما زال كذلك حتّي دخل وسطهم، فوصل إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) هو وأُنثاه وقالا: السلام عليك يا رسول ربّ العالمين، وسيّد الخلق أجمعين! ووضعا خدودهما علي التراب ومرغّاها بين يديه، وقالا: نحن كنّا دعاة إليك بعثنا إليك هذا الراعي، وأخبرناه بخبرك.
فنظر رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي المنافقين معه، فقال: ماللكافرين عن هذا محيص،ولا للمنافقين عن هذا موئل ولا معدل، ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هذه واحدة قد علمتم صدق الراعي فيها، أفتحبّون أن تعلموا صدقه في الثانية؟
قالوا: بلي، يا رسول اللّه!
قال: أحيطوا بعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ففعلوا.
ثمّ نادي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أيّها الذئبان! إنّ هذا محمّد قد أشرتما للقوم إليه وعيّنتما عليه، فأشيرا وعيّنا عليّ بن أبي طالب الذي ذكرتماه بما ذكرتماه.
قال: فجاء الذئبان وتخلّلا القوم، وجعلا يتأمّلان الوجوه والأقدام، فكلّ من تأمّلاه أعرضا عنه حتّي بلغا عليّاً(عليه السلام)، فلمّا تأملّاه مرّغا في التراب أبدانهما ووضعا [علي الأرض ] بين يديه خدودهما.
وقالا: «السلام عليك يا حليف الندي، ومعدن النهي، ومحلّ الحجي،[وعالماً] بما في الصحف الأولي، [ و] وصيّ المصطفي، السلام عليك! يا من أسعد اللّه به محبّيه، وأشقي بعداوته شانئيه، وجعله سيّد آل محمّد وذويه، السلام عليك! يا من لوأحبّه أهل الأرض كما يحبّه أهل السماء لصاروا خيار الأصفياء، ويا من لوأحسّ بأقلّ قليل من أنفق في سبيل اللّه ما بين العرش إلي الثري، لانقلب بأعظم الخزي والمقت من العليّ الأعلي».
قال: فعجب أصحاب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) الذين كانوا معه، وقالوا: يا رسول اللّه! ما ظننّا أنّ لعليّ هذا المحلّ من السباع مع محلّه منك.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فكيف لو رأيتم محلّه من سائر الحيوانات المبثوثات في البرّ والبحر، وفي السماوات والأرض والحجب والعرش والكرسيّ.
واللّه! لقد رأيت من تواضع أملاك سدرة المنتهي 1ع أملاك سدرة المنتهي، 4 لمثال عليّ المنصوب بحضرتهم - ليشيعوا بالنظر إليه بدلاً من النظر إلي عليّ كلّما اشتاقوا إليه - مايصغر في جنبه تواضع هذين الذئبين.
وكيف لا يتواضع الأملاك وغيرهم من العقلاء لعليّ(عليه السلام) وهذا ربّ العزّة قدآلي (علي نفسه) قسماً حقّاً: لايتواضع أحد لعليّ(عليه السلام) قدر شعرة إلّا رفعه اللّه في علوّ الجنان مسيرة مائة ألف سنة.
وانّ التواضع الذي تشاهدون يسير قليل في جنب هذه الجلالة، والرفعة اللتين عنهما تخبرون.
( التفسير: 181، ح 87. عنه مدينة المعاجز: 266/1، ح 169، بتفاوت يسير، والبحار: 274/7، ح 49، قطعة منه، و321/17، س 11، ضمن ح 15، أورده بتمامه. )
9 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [وقال عليّ بن محمّد(عليهما السلام)]: وأمّا حنين العود إلي رسول اللّه 10 مّا حنين العود إلي رسول اللّه.... الإمام الهادي ، 4(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان يخطب بالمدينة إلي جذع نخلة في صحن مسجدها، فقال له بعض أصحابه: يا رسول اللّه! إنّ الناس قد كثروا وأنّهم يحبّون النظر إليك إذا خطبت، فلو أذنت [في ] أن نعمل لك منبراً له مراق ترقاها، فيراك الناس إذا خطبت، فأذن في ذلك.
فلمّا كان يوم الجمعة مرّ بالجذع فتجاوزه إلي المنبر فصعده، فلمّا استوي عليه حنّ إليه ذلك الجذع حنين الثكلي، وأنّ أنين الحبلي، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم، وارتفع حنين الجذع، وأنينه في حنين الناس، وأنينهم ارتفاعاً بيّناً.
فلمّا رأي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) ذلك نزل عن المنبر وأتي الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده، وقال: اسكن فما تجاوزك رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) تهاوناً بك، ولا استخفافاً بحرمتك، ولكن ليتمّ لعباد اللّه مصلحتهم، ولك جلالك وفضلك إذكنت مستند محمّد رسول اللّه، فهدا حنينه وأنينه وعاد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي منبره.
ثمّ قال: معاشر المسلمين! هذا الجذع يحنّ إلي رسول ربّ العالمين ويحزن لبعده عنه وفي عباد اللّه - الظالمين أنفسهم - من لا يبالي قرب من رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) أو بعد، [و]لولا أنّي ما احتضنت هذا الجذع ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه [وأنينه ] إلي يوم القيامة.
وإنّ من عباد اللّه وإمائه لمن يحنّ إلي محمّد رسول اللّه، وإلي عليّ وليّ اللّه كحنين هذا الجذع، وحسب المؤمن أن يكون قلبه علي موالاة محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين [الطاهرين ] منطوياً، أرأيتم شدّة حنين هذا الجذع إلي محمّد رسول اللّه كيف هدأ لمّا احتضنه محمّد رسول اللّه، ومسح يده عليه؟
قالوا: بلي، يا رسول اللّه!
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): والذي بعثني بالحقّ نبيّاً! إنّ حنين خزّان الجنان وحور عينها، وسائر قصورها ومنازلها إلي من يتولّي محمّداً وعليّاً وآلهما الطيّبين ويبرأ من أعدائهم، لأشدّ من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلي رسول اللّه، وإنّ الذي يسكّن حنينهم وأنينهم ما يرد عليهم من صلوة أحدكم -معاشر شيعتنا- علي محمّد وآله الطيّبين، أو صلاته للّه نافلة أو صوم أو صدقة.
وإنّ من عظيم ما يسكّن حنينهم إلي شيعة محمّد وعليّ ما يتّصل [بهم ] من إحسانهم إلي إخوانهم المؤمنين ومعونتهم لهم علي دهرهم، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض: لاتستعجلوا صاحبكم فما يبطي ء عنكم إلّا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان بإسداء المعروف إلي إخوانه المؤمنين.
وأعظم من ذلك - ممّا يسكّن حنين سكّان الجنان وحورها إلي شيعتنا - مايعرّفهم اللّه من صبر شيعتنا علي التقيّة، واستعمالهم التورية ليسلموا بها من كفرة عباد اللّه وفسقتهم، فحينئذ يقول خزّان الجنان وحورها: لنصبرنّ علي شوقنا إليهم [وحنيننا]، كما يصبرون علي سماع المكروه في ساداتهم وأئمّتهم، وكمايتجرّعون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحقّ لما يشاهدون من ظلم من لايقدرون علي دفع مضرّته.
فعند ذلك يناديهم ربّنا عزّ وجلّ: يا سكّان جناني! ويا خزّان رحمتي! مالبخل أخّرت عنكم أزواجكم وساداتكم، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي بمواساتهم إخوانهم المؤمنين، والأخذ بأيدي الملهوفين، والتنفيس عن المكروبين، وبالصبر علي التقيّة من الفاسقين والكافرين، حتّي إذا استكملوا أجزل كراماتي نقلتهم إليكم علي أسرّ الأحوال وأغبطها، فأبشروا.
فعند ذلك يسكن حنينهم وأنينهم.
( التفسير: 188، ح 88. عنه البحار: 163/8، ح 106، قطعة منه، و326/17، س 15، ضمن ح 15، أورده بتمامه، و33/65، ح 70، قطعة منه.
الخرائج والجرائح: 26/1 ح 10، و165، ح 255، باختصار في كليهما. عنه البحار: 365/17، ح 6، و375، ح 33. )

10 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [وقال عليّ بن محمّد(عليهما السلام)]: وأمّا قلب اللّه السمّ علي اليهود الذين قصدوه [به ] -، وأهلكهم اللّه به -، فانّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لمّا ظهر بالمدينة اشتدّ حسد ابن أُبي له فدبّر عليه أن يحفر له حفيرة في مجلس من مجالس داره، ويبسط فوقها بساطاً، وينصب في أسفل الحفيرة أسنّة رماح، ونصب سكاكين مسممة، وشدّ أحد جوانب البساط، والفراش إلي الحائط ليدخل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وخواصّه مع عليّ(عليه السلام) فإذا وضع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) رجله علي البساط وقع في الحفيرة.
وكان قد نصب في داره، وخبّأ رجالاً بسيوف مشهورة يخرجون علي عليّ(عليه السلام) ومن معه عند وقوع محمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في الحفيرة فيقتلونهم بها.
ودبّر أنّه إن لم ينشط للقعود علي ذلك البساط أن يطعموه من طعامهم المسموم ليموت هو وأصحابه معه جميعاً.
فجاءه جبرئيل(عليه السلام) وأخبره بذلك وقال له: إنّ اللّه يأمرك أن تقعد حيث يقعدك، وتأكل ممّا يطعمك فانّه مظهر عليك آياته، ومهلك أكثر من تواطأ علي ذلك فيك.
فدخل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وقعد علي البساط، وقعدوا عن يمينه وشماله وحواليه، ولم يقع في الحفيرة فتعجّب ابن أُبيّ ونظر فإذا قد صار ما تحت البساط أرضاً ملتئمة.
وأتي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وعليّاً(عليه السلام) وصحبهما بالطعام المسموم، فلمّا أراد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وضع يده في الطعام قال: يا عليّ! أرق هذا الطعام بالرقية النافعة، فقال عليّ(عليه السلام): «بسم اللّه الشافي، بسم اللّه الكافي، بسم اللّه المعافي، بسم اللّه الذي لا يضرّ مع اسمه شي ء، [ولا داء] في الأرض، ولافي السماء، وهو السميع العليم».
ثمّ أكل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وعليّ(عليه السلام)، ومن معهما حتّي شبعوا.
ثمّ جاء أصحاب عبد اللّه بن أُبيّ وخوصّه، فأكلوا فضلات رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وصحبه ظنّاً منهم أنّه قد غلط، ولم يجعل فيه سمّاً، لمّا رأوا محمّداً وصحبه لم يصبهم مكروه.
وجاءت بنت عبد اللّه بن أبيّ إلي ذلك المجلس المحفور تحته المنصوب فيه مانصب، وهي كانت دبّرت ذلك، ونظرت فإذا ما تحت البساط أرض ملتئمة فجلست علي البساط واثقة، فأعاد اللّه الحفيرة بما فيها فسقطت فيها، وهلكت فوقعت الصيحة.
فقال عبد اللّه بن أُبيّ: إيّاكم [و] أن تقولوا: إنّها سقطت في الحفيرة، فيعلم محمّد ماكنّا دبّرناه عليه.
فبكوا [وقالوا :] ماتت العروس - وبعلّة عرسها كانوا دعوا رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)- ومات القوم الذين أكلوا فضلة رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فسأل'['ه ] رسول اللّه عن سبب موت الابنة والقوم؟
فقال ابن أُبيّ: سقطت من السطح، ولحق القوم تخمة.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): [ اللّه ] أعلم بماذا ماتوا، وتغافل عنهم.
( التفسير: 190، ح 89. عنه مدينة المعاجز: 480/1، ح 315، والبحار: 328/17، س 12، ضمن ح 15، وإثبات الهداة: 393/1، ح 605، أشار إليه. )
11 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [وقال عليّ بن محمّد(عليهما السلام)]: وأمّا تكثير اللّه القليل من الطعام لمحمّد10 مّا تكثير اللّه القليل من الطعام لمحمّد.... الإمام الهادي ، 4(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان يوماً جالساً هو وأصحابه بحضرة جمع من خيار المهاجرين والأنصار إذ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ شدقي يتحلّب وأجدني أشتهي حريرة ( الشِّدق: جانب الفم. لسان العرب: 172/10، (شدق). )
( تحلَّبَ فوه: سال. المصدر: 331/1، (حلب). )
مدوسة ملبّقة بسمن وعسل.
فقال عليّ(عليه السلام): وأنا أشتهي ما يشتهيه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) لأبي الفصيل: ماذا تشتهي أنت؟
قال: خاصرة حمل مشوي. وقال لأبي الشرور وأبي الدواهي (ماذا تشتهيان أنتما)؟ قالا: صدر حمل مشوي.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أيّ عبد مؤمن يضيّف اليوم رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وصحبه ويطعمهم شهواتهم؟
فقال عبد اللّه بن أُبيّ: هذا واللّه! اليوم الذي نكيد فيه محمّداً وصحبه [ومحبّيه ] ونقتله، ونخلّص العباد والبلاد منه، وقال: يا رسول اللّه! أنا أُضيّفكم عندي شي ء من برّ وسمن وعسل وعندي حمل أشويه لكم.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فافعل! فذهب عبد اللّه بن أُبيّ، وأكثر السمّ في ذلك البرّ الملبّق بالسمن والعسل، وفي ذلك الحمل المشويّ، ثمّ عاد إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وقال: هلمّوا إلي ما اشتهيتم.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أنا ومن؟
قال ابن أُبيّ: أنت وعليّ وسلمان وأبوذرّ والمقداد وعمّار.
فأشار رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إلي أبي الشرور وأبي الدواهي وأبي الملاهي وأبي النكث، وقال(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا ابن أُبيّ! دون هؤلاء؟
فقال ابن أُبيّ: نعم! دون هؤلاء، وكره أن يكونوا معه لأّنهم كانوا مواطئين لابن أُبيّ علي النفاق.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لا حاجة لي في شي ء استبدّ به دون هؤلاء، ودون المهاجرين والأنصار الحاضرين لي.
فقال عبد اللّه: يا رسول اللّه! إنّ [لي ] الشي ء القليل، لايشبع أكثر من أربعة إلي خمسة، فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عبد اللّه! إنّ اللّه أنزل مائدة علي عيسي(عليه السلام)، وبارك له في [أربعة] أرغفة وسميكات، حتّي أكل وشبع منها أربعة آلاف وسبعمائة.
فقال: شأنك، ثمّ نادي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا معشر المهاجرين والأنصار! هلمّوا إلي مائدة عبداللّه بن أُبيّ.
فجاءوا مع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، وهم سبعة آلاف وثمانمائة.
فقال عبد اللّه لأصحاب له: كيف نصنع؟
هذا محمّد وصحبه، وإنّما نريد أن نقتل محمّداً ونفراً من أصحابه، ولكن إذا مات محمّد وقع بأس هؤلاء بينهم، فلا يلتقي منهم اثنان في طريق.
وبعث ابن أُبيّ إلي أصحابه والمتعصّبين له ليتسلّحوا ويجتمعوا، وقال: ما هو إلّا أن يموت محمّد حتّي يلقانا أصحابه ويتهالكوا.
فلمّا دخل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) داره أومأ عبد اللّه إلي بيت له صغير، فقال: يارسول اللّه! أنت وهؤلاء الأربعة يعني عليّاً وسلمان والمقداد وعمّاراً في هذا البيت، والباقون في الدار والحجرة والبستان، ويقف منهم قوم علي الباب حتّي يفرغ [منهم ] أقوام ويخرجون، ثمّ يدخل بعدهم أقوام.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ الذي يبارك في هذا الطعام القليل ليبارك في هذا البيت الصغير الضيّق، ادخل يا عليّ! ويا سلمان! ويا مقداد! ويا عمّار! [و]ادخلوا معاشر المهاجرين والأنصار، فدخلوا أجمعين، وقعدوا حلقة واحدة كما يستديرون حول ترابيع الكعبة، وإذا البيت قد وسعهم أجمعين حتّي أنّ بين كلّ رجلين منهم موضع رجل، فدخل عبد اللّه بن أُبيّ، فرأي [عجباً] عجيباً من سعة البيت الذي كان ضيّقاً.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ائتنا بما عملته، فجاءه بالحريرة الملبّقة بالسمن والعسل، و ب'[ الحمل ] المشويّ.
فقال ابن أُبيّ: يا رسول اللّه! كل أنت أوّلاً قبلهم، ثمّ ليأكل صحبك هؤلاء عليّ ومن معه، ثمّ يطعم هؤلاء.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): كذلك [ أفعل ]، فوضع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يده علي الطعام، ووضع عليّ(عليه السلام) يده معه، فقال ابن أُبيّ: ألم يكن الأمر علي أن تأكل مع أصحابك، وتفرّد رسول اللّه؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عبد اللّه! إنّ عليّاً أعلم باللّه و ب'[رسوله ] منك، إنّ اللّه ما فرّق فيما مضي بين عليّ ومحمّد، ولا يفرق فيما يأتي أيضاً بينهما.
إنّ عليّاً كان، وأنا معه نوراً واحداً، عرضنا اللّه عزّ وجلّ علي أهل سماواته وأرضه، وسائر حجبه وجنانه وهوامّه، وأخذ عليهم لنا العهود والمواثيق ليكونن لنا، ولأوليائنا موالين، ولأعدائنا معادين، ولمن نحبّه محبّين، ولمن نبغضه مبغضين، ما زالت إرادتنا واحدة، ولا تزال لا أُريد إلّا ما يريد، [ولا يريد إلّا ما أُريد] يسرّني ما يسرّه، ويؤلمني ما يؤلمه، فدع ياابن أُبيّ عليّ بن أبي طالب، فإنّه أعلم بنفسه وبي منك.
قال ابن أُبيّ: نعم، يا رسول اللّه! وأفضي إلي جدّ ومعتّب، فقال: أردنا واحداً، فصار اثنين الآن يموتان جميعاً، ونكفي شرّهما هذا لخيبتهما وسعادتنا، فلو بقي عليّ بعده لعلّه كان يجادل أصحابنا هؤلاء.
وعبداللّه بن أُبيّ قد جمع جميع أصحابه ومتعصّبيه حول داره، ليضعوا السيف علي أصحاب رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إذ مات بالسمّ.
ثمّ وضع رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) وعليّ(عليه السلام) يديهما في الحريرة الملبّقة بالسمن والعسل فأكلا حتّي شبعا، ثمّ وضع من اشتهي خاصرة الحمل، ومن اشتهي صدره (منهم فأكلا) حتّي شبعا، وعبد اللّه ينظر، ويظنّ أن لا يلبثهم السمّ فإذا هم لا يزدادون إلّا نشاطاً.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هات الحمل، فلمّا جاء به قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أبا الحسن! ضع الحمل في وسط البيت، فوضعه [في وسط البيت تناله أيديهم ] فقال عبد اللّه: يا رسول اللّه! كيف تناله أيديهم؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ الذي وسّع هذا البيت، وعظّمه حتّي وسع جماعتهم وفضل عنهم، هو الذي يطيل أيديهم [حتّي تنال هذا الحمل.
قال:] فأطال اللّه تعالي أيديهم حتّي نالت ذلك، فتناولوا منه، وبارك اللّه في ذلك الحمل حتّي وسعهم، وأشبعهم وكفاهم، فإذا هو بعد أكلهم لم يبق منه إلّا عظامه، فلمّا فرغوا منه طرح عليه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) منديلاً له، ثمّ قال: يا عليّ! اطرح عليه الحريرة الملبّقة بالسمن والعسل، ففعل فأكلوا منه حتّي شبعوا كلّهم وأنفدوه، ثمّ قالوا: يا رسول اللّه! نحتاج إلي لبن، أو شراب نشربه عليه.
فقال رسول اللّه: إنّ صاحبكم أكرم علي اللّه من عيسي(عليه السلام)، أحيا اللّه تعالي له الموتي، وسيفعل [ اللّه ] ذلك لمحمّد(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ثمّ بسط منديله ومسح يديه عليه، وقال: «اللّهمّ كما باركت فيها فأطعمتنا من لحمها، فبارك فيها،واسقنا من لبنها».
قال: فتحرّكت وبركت وقامت، وامتلأ ضرعها.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ائتوني بأزقاق وظروف وأوعية ومزادات، فجاءوا بها، فملأها وسقاهم حتّي شربوا ورووا.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لولا أنّي أخاف أن يفتتن بها أُمّتي كما افتتن بنوإسرائيل بالعجل فاتّخذوه ربّاً من دون اللّه تعالي، لتركتها تسعي في أرض اللّه، وتأكل من حشائشها، ولكن «اللّهمّ أعدها عظاماً كما أنشاتها».
فعادت عظاماً [ماكولاً] ما عليها من اللحم شي ء، وهم ينظرون.
قال: فجعل أصحاب رسول اللّه يتذاكرون بعد ذلك توسعة [اللّه تعالي ] البيت [بعد ضيقه ]، و[في ] تكثيره الطعام، ودفعه غائلة السمّ.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّي إذا تذكرت ذلك البيت كيف، وسّعه اللّه بعد ضيقه، وفي تكثير ذلك الطعام بعد قلّته، وفي ذلك السمّ كيف أزال اللّه تعالي غائلته عن محمّد ومن دونه، وكيف وسّعه [وكثّره ].
أذكر ما يزيده اللّه تعالي في منازل شيعتنا وخيراتهم في جنّات عدن وفي الفردوس: إنّ في شيعتنا لمن يهب اللّه له في الجنان من الدرجات والمنازل والخيرات، ما[ لا]يكون الدنيا وخيراتها في جنبها [ إلّا] كالرملة في البادية الفضفاضة، فماهو إلّا أن يري أخاً له مؤمناً فقيراً، فيتواضع له ويكرمه ويعينه ( فضفض الشي ء: اتّسع ...، الفضفاض من الثياب: الواسع. المعجم الوسيط: 693، (فضفض). )
[ويموّنه ] ويصونه عن بذل وجهه له حتّي يري الملائكة الموكّلين بتلك المنازل والقصور [و]قد تضاعفت حتّي صارت في الزيادة كما كان هذا الزائد في هذا البيت الصغير الذي رأيتموه فيها صار إليه من كبره وعظمه وسعته.
فيقول الملائكة: يا ربّنا! لا طاقة لنا بالخدمة في هذه المنازل، فامددنا بأملاك يعاونوننا.
فيقول اللّه: ما كنت لأحمّلكم ما لاتطيقون، فكم تريدون مدداً؟
فيقولون: ألف ضعفنا، وفيهم من المؤمنين من يقول أملاكه: نستزيد مدد ألف ألف ضعفنا، وأكثر من ذلك علي قدر قوّة إيمان صاحبهم، وزيادة إحسانه إلي أخيه المؤمن.
فيمدّدهم اللّه تعالي بتلك الأملاك، وكلّما لقي هذا المؤمن أخاه، فبّره زاده اللّه في ممالكه، وفي خدمه في الجنّة كذلك.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): [و] إذا تفكّرت في الطعام المسموم الذي صبرنا عليه كيف أزال اللّه عنّا غائلته، وكثّره ووسّعه، ذكرت صبر شيعتنا علي التقيّة، وعند ذلك يؤدّيهم اللّه تعالي بذلك الصبر إلي أشرف العاقبة، وأكمل السعادة طالما يغتبطون في تلك الجنان بتلك الطيّبات.
فيقال لهم: كلوا هنيئاً جزاء علي تقيّتكم لأعدائكم، وصبركم علي أذاهم.
( التفسير: 194، ح 91. عنه البحار: 147/8، ح 75، و249/14، ح 27، قطعتان منه، و330/17، س 2، ضمن ح 15، و71//307، ح 60، قطعة منه، والبرهان: 512/1، ح 9، قطعة منه. )
12 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ بن محمّد(عليهما السلام): لو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي رجل عبد اللّه وحده خالصاً مخلصاً.
( التفسير: 329، ح 187. عنه البحار: 245/67، س 19، ضمن ح 19.
عدّة الداعي: 233، س 16، بتفاوت يسير. عنه البحار: 112/67، س 5، ضمن ح 14.
تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 428، س 6، مرسلاً. )

13 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وقال عليّ بن محمّدعليهما السلام): من لم يكن والدا دينه محمّد وعليّ 10 لم يكن والدا دينه محمّد وعليّ.... الإمام الهادي، 4(عليهما السلام) أكرم عليه من والدي نسبه، فليس من اللّه في حلّ، ولا حرام، ولا كثير، ولا قليل.
( التفسير: 332، ح 200. عنه البحار: 261/23، س 1، ضمن ح 8، و10/36، س 10، ضمن ح 11، والبرهان: 245/3، س 24، ضمن ح 3، بتفاوت. )
14 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
قال عليّ بن محمّد(عليهما السلام): إنّ من إعظام جلال اللّه إيثار قرابة أبوي دينك محمّد وعليّ(عليهما السلام)، علي قرابة أبوي نسبك.
وإنّ من التهاون بجلال اللّه إيثار قرابة أبوي نسبك، علي قرابة أبوي دينك محمّد وعليّ(عليهما السلام).
( التفسير: 336، ح 211. عنه مستدرك الوسائل: 380/12، ح 14349، والبحار: 263/23، س 16، ضمن ح 8. )
15 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): وجاء رجل إلي عليّ بن محمّد(عليهما السلام)، وقال: يا ابن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)! بليت اليوم بقوم من عوامّ البلد أخذوني، فقالوا: أنت لا تقول بإمامة أبي بكر بن أبي قحافة، فخفتهم يا ابن رسول اللّه! وأردت أن أقول [لا، قلت ]: بلي، أقولها للتقيّة.
فقال لي بعضهم - ووضع يده علي فمي - وقال: أنت لا تتكلّم إلّا بمخرقة ( خَرَقَ خَرقاً الكذب، صنعه الرجل: كذب ... الَمخْرَقَة: الكذب والإختلاق. المنجد: 175، (خرق). )
أجب عما ألقنّك.
قلت: قل، فقال لي: أتقول إنّ أبا بكر بن أبي قحافة هو الإمام بعد رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) إمام حقّ عدل، ولم يكن لعليّ(عليه السلام) في الإمامة حق غّ البتّة؟
قلت: نعم، وأنا أُريد نعماً من الأنعام، الإبل، والبقر، والغنم.
فقال: [لا] أقنع بهذا حتّي تحلف، قل: واللّه! الذي لا إله إلّا هو، الطالب الغالب (العدل)، المدرك المهلك، العالم من السرّ ما يعلم من العلانية.
فقلت: نعم! وأُريد نعماً من الأنعام.
فقال: لا أقنع منك إلّا بأن تقول: أبو بكر بن أبي قحافة هو الإمام واللّه الذي لا إله إلّا هو، وساق اليمين.
فقلت: أبو بكر بن أبي قحافة إمام - أي هو إمام من ائتّم به واتّخذه إماماً- واللّه! الذي لا إله إلّا هو، ومضيت في صفات اللّه.
فقنعوا بهذا منّي، وجزوني خيراً ونجوت منهم، فكيف حالي عند اللّه؟
قال(عليه السلام): خير حال قد أوجب اللّه لك مرافقتنا في أعلي عليّين، لحسن تقيّتك.
( التفسير: 362، ح 251. عنه مستدرك الوسائل: 267/12، س 14، ضمن ح 1467، والبحار: 405/72، س 15، ضمن ح 42. )
16 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي الرضا(عليهم السلام): (أَمْ تُرِيدُونَ ) بل تريدون يا كفّار قريش واليهود! (أَن تَسَْلُواْ رَسُولَكُمْ ) ما تقترحونه من الآيات التي لاتعلمون، هل فيها صلاحكم أو فسادكم (كَمَا سُل-ِلَ مُوسَي مِن قَبْلُ ) واقترح عليه لمّا قيل له: (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّعِقَةُ ).
( البقرة: 55/2. )
(وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَنِ ) بعد جواب الرسول له، إنّ ما سأله لايصلح اقتراحه علي اللّه، وبعد ما يظهر اللّه تعالي له ما اقترح إن كان صواباً.
(وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَنِ ) بأن لا يؤمن عند مشاهدة ما يقترح من الآيات، أو لا يؤمن إذا عرف أنّه ليس له أن يقترح، وأنّه يجب أن يكتفي بما قد أقامه اللّه تعالي من الدلالات، وأوضحه من الآيات البيّنات، فيتبدّل الكفر بالإيمان بأن يعاند، ولا يلتزم الحجّة القائمة عليه، (فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ) ( البقرة: 108/2. )
أخطأ قصد الطرق المؤدّية إلي الجنان، وأخذ في الطرق المؤدّية إلي النيران.
قال(عليه السلام): قال اللّه تعالي [لليهود]: يا أيّها اليهود! (أَمْ تُرِيدُونَ ) بل تريدون من بعد ما آتيناكم (أَن تَسَْلُواْ رَسُولَكُمْ ).
وذلك أنّ النبيّ(صلي اللّه عليه و ال وسلم) قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنّتوه ويسألوه عن أشياء يريدون أن يتعانتوه بها.
فبيناهم كذلك إذ جاء أعرابيّ كأنّما يدفع في قفاه قد علّق علي عصا -علي عاتقه- جراباً مشدود الرأس، فيه شي ء، قد ملأه لا يدرون ما هو.
فقال: يا محمّد! أجبني عمّا أسألك؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أخا العرب! قد سبقك اليهود [ليسألوا] أفتأذن لهم حتّي أبدأ بهم؟
فقال الأعرابيّ: لا! فإنّي غريب مجتاز.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فأنت إذا أحقّ منهم لغربتك واجتيازك.
فقال الأعرابيّ: ولفظة أُخري؟
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): ما هي؟
قال: إنّ هؤلاء أهل كتاب يدّعونه ويزعمونه حقّاً، ولست آمن أن تقول شيئاً يواطئونك عليه، ويصدّقونك ليفتنوا الناس عن دينهم، وأنا لا أقنع بمثل هذا، لاأقنع إلّا بأمر بيّن.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): أين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)؟
فدعي بعليّ، فجاء حتّي قرب من رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم).
فقال الأعرابيّ: يا محمّد! وما تصنع بهذا في محاورتي إيّاك؟
قال: يا أعرابيّ، سألت البيان، وهذا البيان الشافي، وصاحب العلم الكافي، أنامدينة الحكمة وهذا بابها، فمن أراد الحكمة والعلم فليأت الباب.
فلمّا مثّل بين يدي رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) بأعلي صوته: ياعباد اللّه! من أراد أن ينظر إلي آدم في جلالته، وإلي شيث في حكمته، وإلي إدريس في نباهته ومهابته، وإلي نوح في شكره لربّه وعبادته، وإلي إبراهيم في خلّته ووفائه، وإلي موسي في بغض كلّ عدوّ للّه ومنابذته، وإلي عيسي في حبّ كلّ مؤمن وحسن معاشرته، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب هذا.
فأمّا المؤمنون فازدادوا بذلك إيماناً، وأمّا المنافقون فازداد نفاقهم.
فقال الأعرابيّ: يا محمّد! هكذا مدحك لابن عمّك، إنّ شرفه شرفك، وعزّه عزّك، ولست أقبل من هذا شيئاً إلّا بشهادة من لا تحتمل شهادته بطلاناً، ولافساداً بشهادة هذا الضبّ.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أخا العرب! فأخرجه من جرابك لتستشهده، فيشهد لي بالنبوّة، ولأخي هذا بالفضيلة.
فقال الأعرابيّ: لقد تعبت في اصطياده، وأنا خائف أن يطفر ويهرب.
فقال رسول اللّه: لا تخف، فإنّه لا يطفر [ولا يهرب ]، بل يقف ويشهد لنا بتصديقنا وتفضيلنا.
فقال الأعرابيّ: [إنّي ] أخاف أن يطفر.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): فإن طفر فقد كفاك به تكذيباً لنا، واحتجاجاً علينا، ولن يطفر، ولكنّه سيشهد لنا بشهادة الحقّ، فإذا فعل ذلك فخلّ سبيله، فإنّ محمّداً يعوّضك عنه ما هو خير لك منه.
فأخرجه الأعرابيّ من الجراب ووضعه علي الأرض، فوقف واستقبل رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، ومرّغ خدّيه في التراب، ثمّ رفع رأسه، وأنطقه اللّه تعالي، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وصفيّه، وسيّد المرسلين، وأفضل الخلق أجمعين، وخاتم النبيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، وأشهد أنّ أخاك هذا عليّ بن أبي طالب علي الوصف الذي وصفته،وبالفضل الذي ذكرته، وأنّ أولياءه في الجنان يكرمون، وأنّ أعداه في النار يهانون.
فقال الأعرابيّ، وهو يبكي: يا رسول اللّه! وأنا أشهد بما شهد به هذا الضبّ، فقد رأيت وشاهدت وسمعت ما ليس لي عنه معدل ولا محيص.
ثمّ أقبل الأعرابيّ إلي اليهود، فقال: ويلكم! أيّ آية بعد هذه تريدون، ومعجزة بعد هذه تقترحون، ليس إلّا أن تؤمنوا أو تهلكوا أجمعين.
فآمن أولئك اليهود كلّهم، وقالوا: عظمت بركة ضبّك علينا، يا أخا العرب!
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): خلّ الضبّ علي أن يعوضّك اللّه عزّ وجلّ [عنه ماهو خير] منه، فإنّه ضبّ مؤمن باللّه وبرسوله وبأخي رسوله، شاهد بالحقّ ماينبغي أن يكون مصيداً ولا أسيراً، ولكنّه يكون مخلّي سربه [تكون له مزيّة] علي سائر الضباب بما فضّله اللّه أميراً.
فناداه الضبّ: يا رسول اللّه! فخلّني وولّني تعويضه لأعوّضه.
فقال الأعرابيّ: وما عساك تعوّضني؟
قال: تذهب إلي الجحر الذي أخذتني منه، ففيه عشرة آلاف دينار خسروانيّة، وثلاثمائة ألف درهم فخذها.
قال الأعرابيّ: كيف أصنع قد سمع هذا - من هذا الضبّ - جماعات الحاضرين هاهنا، وأنا متعب، فلن آمن ممّن هو مستريح يذهب إلي هناك فيأخذه.
فقال الضبّ: يا أخا العرب! إنّ اللّه تعالي قد جعله لك عوضاً منّي، فماكان ليترك أحداً يسبقك إليه، ولا يروم أحد أخذه إلّا أهلكه اللّه.
وكان الأعرابيّ تعباً، فمشي قليلاً، وسبقه إلي الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم)، فادخلوا أيديهم إلي الجحر ليتناولوا منه ماسمعوا، فخرجت عليهم أفعي عظيمة فلسعتهم وقتلتهم، ووقفت حتّي حضر الأعرابيّ.
فقالت له: يا أخا العرب! انظر إلي هؤلاء كيف أمرني اللّه بقتلهم دون مالك -الذي هو عوض ضبّك - وجعلني حافظته، فتناوله.
فاستخرج الأعرابيّ الدراهم والدنانير فلم يطق احتمالها، فنادته الأفعي: خذ الحبل الذي في وسطك، وشدّه بالكيسين، ثمّ شدّ الحبل في ذنبي فإنّي سأجرّه لك إلي منزلك، وأنا فيه حارسك، وحارس مالك هذا.
فجاءت الأفعي فما زالت تحرسه والمال إلي أن فرّقه الأعرابيّ في ضياع وعقار وبساتين اشتراها، ثمّ انصرفت الأفعي.
قال الحسن بن عليّ(عليهما السلام): فقلت لأبي عليّ بن محمّد(عليهما السلام): فهل كان رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) يناظرهم إذا عانتوه ويحاجّهم؟
قال: بلي، مراراً كثيرة منها ما حكي اللّه من قولهم: (وَقَالُواْ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ - إلي قوله- رَجُلاً مَّسْحُورًا )، (وَقَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَي رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ ( الفرقان: 7/25، و8. )
عَظِيمٍ )، (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنم-بُوعًا - إلي ( الزخرف: 31/43. )
قوله- كِتَبًا نَّقْرَؤُهُ و ).
( الإسراء: 90/17 - 93.)
ثمّ قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيّاً كموسي لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك، لأنّ مسألتنا أشدّ من مسألة قوم موسي لموسي.
قال: وذلك أنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) كان قاعداً ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة، إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش، منهم الوليد بن المغيرة المخزوميّ، وأبوالبختريّ ابن هشام، وأبوجهل بن هشام، والعاص بن وائل السهميّ، وعبد اللّه بن أبي أُميّة المخزوميّ، وكان معهم جمع ممّن يليهم كثير.
ورسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب اللّه، ويؤدّي إليهم عن اللّه أمره ونهيه.
فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمّد، وعظم خطبه، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه، والاحتجاج عليه، وإبطال ما جاء به، ليهوّن خطبه علي أصحابه، ويصغّر قدره عندهم، فلعلّه ينزع عمّا هو فيه من غيّه وباطله وتمرّده وطغيانه، فإن انتهي، وإلّا عاملناه بالسيف الباتر.
قال أبو جهل: فمن [ذا] الذي يلي كلامه ومجادلته؟
قال عبد اللّه بن أبي أُميّة المخزوميّ: أنا إلي ذلك، أفما ترضاني له قرناً حسيباً، ومجادلاً كفيّاً؟
قال أبو جهل: بلي، فأتوه بأجمعهم، فابتدأ عبد اللّه بن أبي أُميّة المخزوميّ، فقال: يا محمّد! لقدادّعيت دعوي عظيمة، وقلت مقالاً هائلاً، زعمت أنّك رسول اللّه ربّ العالمين، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسولاً له بشر مثلنا تأكل كما نأكل، وتمشي في الأسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم، وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلّا كثير المال، عظيم الحال، له قصور ودور [وبساتين ] وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام.
وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم أجمعين، فهم عبيده، ولو كنت نبيّاً لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده، بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيّاً لكان إنّما يبعث إلينا ملكاً، لا بشراً مثلنا، ما أنت يا محمّد إلّا مسحوراً، ولست بنبيّ.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هل بقي من كلامك شي ء؟
قال: بلي! لو أراد اللّه أن يبعث رسولاً لبعث أجلّ من فيما بيننا مالاً وأحسنه حالاً، فهلّا نزل هذا القرآن - الذي تزعم أنّ اللّه أنزله عليك وابتعثك به رسولاً- علي رجل من القريتين عظيم، إمّا الوليد بن المغيرة بمكّة، وإمّا عروة بن مسعود الثقفيّ بالطائف.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): هل بقي من كلامك شي ء يا عبد اللّه!؟
قال: بلي! لن نؤمن لك حتّي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكّة هذه، فإنّها ذات حجارة وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون، فإنّنا إلي ذلك محتاجون، أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجّر الأنهار خلالها - خلال تلك النخيل والأعناب - تفجيراً، أو تسقط السماء كمازعمت علينا كسفاً فإنّك قلت لنا: (وَإِن يَرَوْاْ كِسْفًا مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطًا يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ) ولعلّنا نقول ذلك.
( الطور: 44/52. )
ثمّ قال: ولن نؤمن لك أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلّنا نطغي فإنّك قلت لنا: (كَلَّآ إِنَّ الْإِنسَنَ لَيَطْغَي * أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَي 5العلق كلّا إنّ الإنسان ليطغي.... 6 ، 4 ).
( العلق: 6/96، و7.)
ثمّ قال: أو ترقي في السماء - أي تصعد في السماء - ولن نؤمن لرقّيك -لصعودك- حتّي تنزّل علينا كتاباً نقرؤه من اللّه العزيز الحكيم إلي عبد اللّه ابن أبي أُميّة المخزوميّ ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد اللّه بن عبدالمطلّب، فإنّه رسولي، وصدّقوه في مقاله فإنّه من عندي.
ثمّ لا أدري يا محمّد! إذا فعلت هذا كلّه أومن بك، أو لا أومن بك، بل لورفعتنا إلي السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها، لقلنا إنّما سكّرت أبصارنا وسحرتنا.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عبد اللّه! أبقي شي ء من كلامك؟
قال: يا محمّد! أوليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ؟ ما بقي شي ء فقل ما بدا لك، وافصح عن نفسك إن كانت لك حجّة، وأتنا بما سألناك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): «اللّهمّ! أنت السامع لكلّ صوت، والعالم بكلّ شي ء تعلم ما قاله عبادك».
فأنزل اللّه عليه: يا محمّد! (وَقَالُواْ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ - إلي قوله - رَجُلاً مَّسْحُورًا ).
( الفرقان: 7/25، و8. )
ثمّ قال اللّه تعالي: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ).
( الإسراء: 48/17. )
ثمّ قال اللّه: يا محمّد! (تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورَم ا ).
( الفرقان: 10/25. )
وأنزل عليه: يا محمّد! (فَلَعَلَّكَ تَارِكُ م بَعْضَ مَا يُوحَي إِلَيْكَ وَضَآلِقُ م بِهِ ي صَدْرُكَ ) الآية.
( هود: 12/11. )
وأنزل عليه: يا محمّد! (وَقَالُواْ لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ - إلي قوله - وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ).
( الأنعام: 8/6، و9. )
فقال له رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عبد اللّه! أمّا ما ذكرت من أنّي آكل الطعام كماتأكلون، وزعمت أنّه لا يجوز لأجل هذه أن أكون للّه رسولاً، فإنّما الأمر للّه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف.
ألا تري أنّ اللّه تعالي كيف أفقر بعضاً، وأغني بعضاً، وأعزّ بعضاً، وأذلّ بعضاً، وأصحّ بعضاً، وأسقم بعضاً، وشرّف بعضاً، ووضع بعضاً، وكلّهم ممّن يأكل الطعام.
ثمّ ليس للفقراء أن يقولوا: لم أفقرتنا وأغنيتهم؟ ولا للوضعاء أن يقولوا: لم وضعتنا وشرّفتهم؟ ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا: لم أزمنتنا وأضعفتنا، وصحّحتهم؟ ولا للأذلّاء أن يقولوا: لم أذللتنا وأعززتهم؟ ولا لقبائح الصور أن يقولوا: لم قبّحتنا وجمّلتهم؟
بل إن قالوا ذلك كانوا علي ربّهم رادّين، وله في أحكامه منازعين وبه كافرين، ولكان جوابه لهم: [إنّي ] أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعزّ المذلّ المصحّح المسقم، وأنتم العبيد ليس لكم إلّا التسليم لي، والانقيادلحكمي، فإن سلّمتم كنتم عباداً مؤمنين، وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين.
ثمّ أنزل اللّه تعالي عليه: يا محمّد! (قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) يعني آكل الطعام (يُوحَي إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ ) يعني قل لهم: أنا في البشريّة ( الكهف: 110/18. )
مثلكم، ولكن ربّي خصّني بالنبوّة دونكم، كما يخصّ بعض البشر بالغناء والصحّة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصّني أيضاً بالنبوّة.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وأمّا قولك: إنّ هذا ملك الروم وملك الفرس لايبعثان رسولاً إلّا كثير المال، عظيم الحال، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم، فهم عبيده.
فإنّ اللّه له التدبير والحكم، لا يفعل علي ظنّك وحسبانك، ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو محمود.
يا عبد اللّه! إنما بعث اللّه نبيّه ليعلّم الناس دينهم ويدعوهم إلي ربّهم، ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل، وأطراف النهار، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها، وعبيد وخدم يسترونه عن الناس، أليس كانت الرسالة تضيع، والأُمور تتباطأ؟! أوما تري الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لايعلمون به ولا يشعرون.
يا عبد اللّه! وإنّما بعثني اللّه، ولا مال لي، ليعرّفكم قدرته وقوّته، وإنّه هو الناصر لرسوله، لا تقدرون علي قتله، ولا منعه من رسالته، فهذا أبين في قدرته، وفي عجزكم، وسوف يظفرني اللّه بكم، فأوسعكم قتلاً وأسراً، ثمّ يظفرني اللّه ببلادكم، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم علي دينكم.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وأمّا قولك لي: ولو كنت نبيّاً لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده، بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيّاً لكان إنّما يبعث ملكاً لابشراً مثلنا.
فالملك لا تشاهده حواسّكم، لأنّه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، ولوشاهدتموه - بأن يزاد في قوي أبصاركم - لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشر لأنّه إنّما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقاله، وتعرفوا به خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك، وأنّ ما يقوله حقّ.
بل إنّما بعث اللّه بشراً، وأظهر علي يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم عمّا جاء به أنّه معجزة، وأنّ ذلك شهادة من اللّه تعالي بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك، وظهر علي يده مايعجز عنه البشر، لم يكن في ذلك ما يدلّكم أنّ ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتّي يصير ذلك معجزاً.
ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز، لأنّ لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها، ولو أنّ آدميّاً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً، فاللّه عزّ وجلّ سهّل عليكم الأمر، وجعله بحيث تقوم عليكم حجّته، وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجّة فيه.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وأمّا قولك: ما أنت إلّا رجلاً مسحوراً، فكيف أكون كذلك، وقد تعلمون أنّي في صحّة التمييز والعقل فوقكم، فهل جرّبتم عليّ منذ نشأت إلي أن أستكملت أربعين سنة جريرة أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأً من القول أو سفهاً من الرأي، أتظنّون أنّ رجلاً يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه، وقوّتها، أو بحول اللّه وقوّته؟!
وذلك ما قال اللّه تعالي: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَلَ فَضَلُّواْ فَلَايَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) إلي أن يثبتوا عليك عمي بحجّة أكثر من دعاويهم ( الفرقان: 9/25. )
الباطلة التي تبيّن عليك تحصيل بطلانها.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وأمّا قولك: لولا نزّل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم، الوليد بن المغيرة بمكّة أو عروة بالطائف.
فإنّ اللّه تعالي ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر له عنده كما [له ] عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقي كافراً به مخالفاً له شربة ماء، وليس قسمة رحمة اللّه إليك، بل اللّه [هو] القاسم للرحمات، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه.
وليس هو عزّ وجلّ ممّن يخاف أحداً كما تخافه [أنت ] لماله وحاله، فتعرفه بالنبوّة لذلك، ولا ممّن يطمع في أحد في ماله [أو في حاله ] كما تطمع فتخصّه بالنبوّة لذلك، ولا ممّن يحبّ أحداً محبّة الهوي كما تحبّ، فتقدّم من لايستحقّ التقديم، وإنّما معاملته بالعدل، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وجلاله إلّاالأفضل في طاعته، والأجدّ في خدمته، وكذلك لا يؤخّر في مراتب الدين وجلاله إلّا أشدّهم تباطؤاً عن طاعته.
وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلي مال ولا إلي حال، بل هذا المال والحال من تفضّله، وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب.
فلا يقال: إذا تفضّل بالمال علي عبده، فلابدّ [من ] أن يتفضّل عليه بالنبوّةأيضاً، لأنّه ليس لأحد إكراهه علي خلاف مراده، ولا إلزامه تفضّلاً لأنّه تفضّل قبله بنعمه، ألا تري يا عبد اللّه، كيف أغني واحداً، وقبّح صورته؟ وكيف حسّن صورة واحد وأفقره؟! وكيف شرّف واحداً وأفقره؟! وكيف أغني واحداً ووضعه؟!
ثمّ ليس لهذا الغنيّ أن يقول: وهلّا أُضيف إلي يساري جمال فلان؟
ولا للجميل أن يقول: هلّا أُضيف إلي جمالي مال فلان؟
ولا للشريف أن يقول: هلّا أُضيف إلي شرفي مال فلان؟
ولا للوضيع أن يقول: هلّا أُضيف إلي ضعتي شرف فلان؟
ولكنّ الحكم للّه يقسّم كيف يشاء، ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله، وذلك قوله تعالي: (وَقَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَي رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ).
( الزخرف: 31/43. )
قال اللّه تعالي: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ - يا محمّد - نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ) فأحوجنا بعضاً إلي بعض، أحوجنا هذا إلي مال ذلك وأحوج ذاك إلي سلعة هذا [وهذا] إلي خدمته.
فتري أجلّ الملوك، وأغني الأغنياء محتاجاً إلي أفقر الفقراء في ضرب من الضروب، إمّا سلعة معه ليست معه، وإمّا خدمة يصلح لها، لا يتهيّأ لذلك الملك أن يستغني [إلّا] به، وإمّا باب من العلوم والحكم، فهو فقير إلي أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلي مال ذلك الملك الغنيّ، وذلك الملك يحتاج إلي علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته.
ثمّ ليس للفقير أن يقول: هلّا اجتمع إلي رأيي وعلمي وما أتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغنيّ؟
ولا للملك أن يقول: هلّا اجتمع إلي ملكي علم هذا الفقير! ثمّ قال: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا )، ثمّ قال: يا محمّد! (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) يجمع هؤلاء من أموال الدنيا.
( الزخرف: 32/43. )
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وأمّا قولك: لن نؤمن لك حتّي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً إلي آخر ما قلته.
فإنّك اقترحت علي محمّد رسول اللّه أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوّته، ورسول اللّه يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين، ويحتجّ عليهم بمالا حجّة فيه.
ومنها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك، وإنّما يؤتي بالحجج والبراهين، ليلزم عباد اللّه الإيمان بها، لا ليهلكوا بها، فإنّما اقترحت هلاكك، وربّ العالمين أرحم بعباده، وأعلم بمصالحهم، من أن يهلكهم كما يقترحون.
ومنها المحال الذي لا يصحّ، ولا يجوز كونه، ورسول [اللّه ] ربّ العالمين يعرّفك ذلك، ويقطع معاذيرك، ويضيّق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج اللّه إلي تصديقه، حتّي لا يكون لك عنه محيد ولا محيص.
ومنها ما قد اعترفت علي نفسك أنّك فيه معاند متمرّد، لا تقبل حجّة، ولاتصغي إلي برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عقاب النار، النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه.
وأمّا قولك: يا عبد اللّه! لن نؤمن لك حتّي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكّة فإنّها ذات حجارة وصخور وجبال، تكسح أرضها، وتحفرها وتجري فيها العيون، فإنّنا إلي ذلك محتاجون.
فإنّك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل اللّه تعالي.
يا عبد اللّه! أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيّاً؟
أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذلّلتها وكسحتها، وأجريت فيها عيوناً استنبطتها؟ قال: بلي!
قال: وهل لك في هذا نظراء؟ قال: بلي، أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء؟
قال: لا! قال: فكذلك لا يصير هذا حجّة لمحمّد لو فعله علي نبوّته، فما هو إلّا كقولك لن نؤمن لك حتّي تقوم وتمشي علي الأرض أو حتّي تأكل الطعام، كما يأكل الناس.
وأمّا قولك يا عبد اللّه: أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً.
أوليس لأصحابك ولك جنّات من نخيل وعنب بالطائف، تأكلون وتطعمون منها، وتفجّرون الأنهار خلالها تفجيراً أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال: لا.
قال: فما بال اقتراحكم علي رسول اللّه أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلّت علي صدقه، بل لو تعاطاها لدلّ تعاطيه إيّاها علي كذبه، لأنّه حينئذ يحتجّ بما لاحجّة فيه، ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم، ورسول ربّ العالمين يجلّ ويرتفع عن هذا.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا عبد اللّه! وأمّا قولك: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، فإنّك قلت: وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا: سحاب مركوم، فإنّ في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم، فإنّما تريد بهذا من رسول اللّه أن يهلكك، ورسول ربّ العالمين أرحم بك من ذلك، ولا يهلكك، ولكنّه يقيم عليك حجج اللّه، وليس حجج اللّه لنبيّه وحده علي حسب اقتراح عباده.
لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصلاح، وبما لا يجوز منه وبالفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضادّ حتّي يستحيل وقوعه، [إذ لو كانت اقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم، ويقترح غيرك أن لاتسقط عليكم السماء بل أن ترفع الأرض إلي السماء وتقع السماء عليها، وكان ذلك يتضادّ ويتنافي، أو يستحيل وقوعه ] واللّه لا يجري تدبيره علي ما يلزم به المحال.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): وهل رأيت يا عبد اللّه طبيباً كان دواؤه للمرضي علي حسب اقتراحاتهم، وإنّما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه أحبّه العليل، أوكرهه.
فأنتم المرضي، واللّه طبيبكم، فإن انقدتم لدوائه شفاكم، وإن تمرّدتم عليه أسقمكم، وبعد، فمتي رأيت يا عبد اللّه مدّعي حقّ قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكّامهم - فيما مضي - بيّنة علي دعواه علي حسب اقتراح المدّعي عليه؟
إذن ما كان يثبت لأحد علي أحد دعوي، ولا حقّ، ولا كان بين ظالم من مظلوم، ولا صادق من كاذب فرق.
ثمّ قال: يا عبد اللّه! وأمّا قولك: أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً يقابلوننا ونعاينهم، فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به، إنّ ربّنا عزّ وجلّ ليس كالمخلوقين يجي ء ويذهب، ويتحرّك ويقابل شيئاً حتّي يؤتي به، فقد سألتم بهذا المحال، وإنّما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة، التي لا تسمع، ولا تبصر، و[لا]تعلم ولا تغني عنكم شيئاً، ولا عن أحد.
يا عبد اللّه! أوليس لك ضياع وجنان بالطائف، وعقار بمكّة، وقوّام عليها؟ قال: بلي، قال: أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال: بسفرائي.
قال: أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك: لا نصدّقكم في هذه السفارة إلّا أن تأتونا بعبد اللّه بن أبي أُميّة لنشاهده، فنسمع ما تقولون عنه شفاهاً، كنت تسوّغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟! قال: لا!
قال: فما الذي يجب علي سفرائك؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلّهم علي صدقهم فيجب عليهم أن يصدّقوهم؟ قال: بلي!
قال: يا عبد اللّه! أرأيت سفيرك لو أنّه لمّا سمع منهم هذا عاد إليك، وقال: قم معي، فإنّهم قد اقترحوا عليّ مجيئك، أليس يكون [هذا] لك مخالفاً وتقول له: إنّما أنت رسولٌ لا مشير ولا آمر؟ قال: بلي!
قال: فكيف صرت تقترح علي رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه علي رسولك إليهم، وكيف أردت من رسول ربّ العالمين أن يستذمّ إلي ربّه بأن يأمر عليه وينهي، وأنت لا تسوّغ مثل هذا لرسولك إلي أكرتك وقوّامك؟!
هذه حجّة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كلّ ما اقترحته، يا عبداللّه.
وأمّا قولك يا عبد اللّه: أو يكون لك بيت من زخرف وهو الذهب، أما بلغك أنّ لعزيز مصر بيوتاً من زخرف؟ قال: بلي!
قال: أفصار بذلك نبيّاً؟ قال: لا!
قال: فكذلك لا يوجب ذلك لمحمّد - لو كان له - نبوّة ومحمّد لا يغتنم جهلك بحجج اللّه.
وأمّا قولك يا عبد اللّه: أو ترقي في السماء، ثمّ قلت: ولن نؤمن لرقّيك حتّي تنزّل علينا كتاباً نقرؤه.
يا عبد اللّه! الصعود إلي السماء أصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت علي نفسك بأنّك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول.
ثمّ قلت: حتّي تنزّل علينا كتاباً نقرؤه، ومن بعد ذلك لا أدري أومن بك، أو لاأومن بك.
فأنت يا عبد اللّه مقرّ بأنّك تعاند حجّة اللّه عليك، فلا دواء لك إلّا تأديبه [لك ] علي يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية، وقد أنزل اللّه تعالي عليّ حكمة جامعة لبطلان كلّ ما اقترحته.
فقال تعالي: (قُلْ - يا محمّد - سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ). ( الإسراء: 93/17. )
ماأبعد ربّي عن أن يفعل الأشياء علي [قدر] ما يقترحه الجهّال بما يجوز وبما لايجوز، وهل كنت إلّا بشراً رسولاً لا يلزمني إلّا إقامة حجّة اللّه التي أعطاني، وليس لي أن آمر علي ربّي ولا أنهي، ولاأُشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلي قوم من مخالفيه، فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.
فقال أبوجهل: يا محمّد! هاهنا واحدة ألست زعمت أنّ قوم موسي احترقوا بالصاعقة لمّا سألوه أن يريهم اللّه جهرة؟ [قال: بلي!قال:] فلو كنت نبيّاً لاحترقنا نحن أيضاً، فقد سألنا أشدّ ممّا سأل قوم موسي(عليه السلام)، لأنّهم بزعمك قالوا: أرنا اللّه جهرة، ونحن قلنا لن نؤمن لك حتّي تأتي باللّه والملائكة قبيلاً نعاينهم.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): يا أبا جهل، أوما علمت قصّة إبراهيم الخليل(عليه السلام) لمّا رفع في الملكوت، وذلك قول ربّي: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) قوّي اللّه بصره لمّا رفعه دون ( الأنعام: 75/6. )
السماء حتّي أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين.
فرأي رجلاً وامرأة علي فاحشة، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثمّ رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثمّ رأي آخرين، فهمّ بالدعاء عليهما.
فأوحي اللّه تعالي إليه: يا إبراهيم! اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي، فإنّي أنا الغفور الرحيم، الحنّان الحليم، لا تضرّني ذنوب عبادي، كما لاتنفعني طاعتهم، ولست أسوسهم لشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي، فإنّما أنت عبد نذير، لا شريك في المملكة، ولا مهيمن عليّ ولا علي عبادي، وعبادي معي بين خلال ثلاث: إمّا تابوا إليّ فتبت عليهم، وغفرت ذنوبهم، وسترت عيوبهم.
وإمّا كففت عنهم عذابي لعلمي بأنّه سيخرج من أصلابهم ذرّيّات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين، وأتأنّي بالأُمّهات الكافرات، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم، فإذا تزايلوا حلّ بهم عذابي وحاق بهم بلائي.
وإن لم يكن هذا ولا هذا فإنّ الذي أعددته لهم من عذابي أعظم ممّا تريده بهم، فإنّ عذابي لعبادي علي حسب جلالي وكبريائي.
يا إبراهيم! فخلّ بيني [و] بين عبادي، فإنّي أرحم بهم منك، وخلّ بيني وبين عبادي، فإنّي أنا الجبّار الحليم العلّام الحكيم، أُدبّرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): إنّ اللّه تعالي - يا أبا جهل - إنّما دفع عنك العذاب، لعلمه بأنّه سيخرج من صلبك ذرّيّة طيّبة عكرمة ابنك، وسيلي من أُمور المسلمين ما إن أطاع اللّه ورسوله فيه كان عند اللّه جليلاً، وإلّا فالعذاب نازل عليك، وكذلك سائر قريش السائلين لمّا سألوه هذا.
إنّما أُمهلوا لأنّ اللّه علم أنّ بعضهم سيؤمن بمحمّد، وينال به السعادة، فهو تعالي لا يقطعه عن تلك السعادة، [ولا يبخل بها عليه، أو من يولد منه مؤمن، فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلي السعادة]، ولولا ذلك لنزل العذاب بكافّتكم، فانظر نحو السماء، فنظر فإذا أبوابها مفتّحة، وإذا النيران نازلة منها، مسامتةلرؤوس القوم، تدنو منهم حتّي وجدوا حرّها بين أكتافهم، فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): لا تروعنّكم، فإنّ اللّه لا يهلككم بها، وانّما أظهرها عبرة، ثمّ نظروا وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها، حتّي أعادتها في السماء كما جاءت منها.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و ال وسلم): بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم اللّه أنّه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد، وبعضها أنوار ذرّيّة طيّبة ستخرج من بعضكم ممّن لايؤمن وهم مؤمنون.
( التفسير: 496، ح 313، و314. عنه البحار: 183/9، ح 12، و418/17، ح 47، قطعتان منه، والبرهان: 141/1، ح 1، و532، ح 11، قطعتان منه، و445/2، ح 1، بتفاوت، و496، ح 1، و140/4، ح 3، قطعتان منه، ومدينة المعاجز: 263/1، ح 167، قطعة منه، وإثبات الهداة: 394/1، ح 609، و395، ح 612، قطعتان منه.
الاحتجاج: 47/1، ح 22، بتفاوت. عنه قصص الأنبياء للجزائريّ: 113، س 1، ونورالثقلين: 704/1، ح 23، و221/3، ح 446، و314، ح 260، و6/4، ح 21، و597، ح 28، قِطع منه، والبحار: 171/56، ح 1، قطعة منه، والجواهر السنيّة: 19، س 3، قطعة منه.
وعنه وعن التفسير، البحار: 269/9، ح 2، و352/17، ح 2، قطعة منه، وإثبات الهداة: 325/1، ح 307، قطعة منه. )

17 - الشيخ الصدوق(ره): وبهذا الإسناد، (وهو هذا: حدّثنا محمّد بن القاسم المفسّر، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الحسينيّ،) عن الحسن بن عليّ(عليهما السلام) قال: دخل عليّ بن محمّد(عليهما السلام) علي مريض من أصحابه، وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: يا عبد اللّه! تخاف من الموت، لأنّك لاتعرفه، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القذر والوسخ عليك، وأصابك قروح وجرب، وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك؟ أوما تكره أن لا تدخله فيبقي ذلك عليك؟ قال: بلي، يا ابن رسول اللّه!
قال: فذاك الموت هو ذلك الحمّام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته، فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذيً، ووصلت إلي كلّ سرور وفرح.
فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه، ومضي لسبيله.
( معاني الأخبار: 14/290، ح 9. عنه البحار: 156/6، ح 13.
الاعتقادات للصدوق، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد؛: 56/5، س 3. )

18 - الشيخ الصدوق(ره): حدّثنا محمّد بن القاسم المفسّر، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن الحسينيّ، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن عليّ بن محمّد(عليهما السلام)، قال: قيل لمحمّد بن عليّ بن موسي صلوات اللّه عليهم: ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟
قال: لأنّهم جهلوه، فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء اللّه عزّ وجلّ لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا.
ثمّ قال(عليه السلام): يا أبا عبد اللّه! ما بال الصبيّ والمجنون يمتنع من الدواء المنقيّ لبدنه والنافي للألم عنه؟ قال: لجهلهم بنفع الدواء.
قال: والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً! إنّ من استعدّ للموت حقّ الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنّهم لو عرفوا ما يؤدّي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبّوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات، واجتلاب السلامات.
( معاني الأخبار: 290، ح 8. عنه البحار: 156/6، ح 12، وفيه: المفسّر، عن أحمد بن الحسن الحسينيّ، عن أبي محمّد العسكريّ، عن عليّ بن محمّد:، قال: قيل: ... .
الاعتقادات للصدوق، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد؛: 55، س 10، مرسلاً. )

19 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): وعنه [أي أبي محمّد العسكريّ ](عليه السلام) قال: قال عليّ بن محمّد(عليهما السلام): لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم(عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه، بحجج اللّه، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شبّاك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلّا ( الفَخّ: آلة يصاد بها، والجمع فخاج مثل سهم وسِهام. المصباح المنير: 464، (الفخّ). )
ارتدّ عن دين اللّه، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكّانها.
أولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ وجلّ.
( الاحتجاج: 15/1، ح 11، و502/2، ح 333. عنه وعن التفسير، البحار: 6/2، ح 12.
التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): 344، ح 225. عنه منية المريد: 35، س 2، والمحجّة البيضاء: 32/1، س 19، بتفاوت يسير، والفصول المهمّة للحرّ العامليّ: 604/1، ح 948، بتفاوت يسير، وأمل الآمل: 9/1، س 3، بتفاوت.
صراط المستقيم: 56/3، س 16.
عوالي اللئالي: 19/1، ح 8، بتفاوت يسير. )

20 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): روي عن الحسن العسكريّ(عليه السلام) أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ(عليه السلام): أنّ رجلاً من فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب، فأفهمه بحجّته حتّي أبان عن فضيحته، فدخل إلي عليّ بن محمّد(عليهما السلام)، وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب وهو قاعد خارج الدست،وبحضرته خلق من العلويّين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتّي أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه فاشتدّ ذلك علي أُولئك الأشراف، فأمّا العلويّة،فأجلّوه عن العتاب.
وأمّا الهاشميّون فقال له شيخهم: يا ابن رسول اللّه! هكذا تؤثر عاميّاً علي سادات بني هاشم من الطالبيّين والعباسيّين.
فقال(عليه السلام): إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال اللّه تعالي فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَبِ يُدْعَوْنَ إِلَي كِتَبِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّي فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ) أترضون بكتاب اللّه حكماً؟ قالوا: بلي!
( آل عمران: 23/3. )
قال: أليس اللّه يقول: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَلِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَتٍ ).
( المجادلة: 11/58. )
فلم يرض للعالم المؤمن إلّا أن يرفع علي المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلّا أن يرفع علي من ليس بمؤمن، أخبروني عنه قال: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَتٍ )، أو قال: يرفع الذين أُوتوا شرف النسب درجات؟
أوليس قال اللّه: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ ) ( الزمر: 9/39.)
فكيف تنكرون رفعي لهذا، لما رفعه اللّه؟
إنّ كسر هذا (لفلان) الناصب بحجج اللّه التي علّمه إيّاها لأفضل له من كلّ شرف في النسب.
فقال العبّاسيّ: يا ابن رسول اللّه! قد أشرفت علينا، هو ذا يقصر بنا عمّن ليس له نسب كنسبنا، وما زال منذ أوّل الإسلام يقدّم الأفضل في الشرف علي من دونه فيه.
فقال(عليه السلام): سبحان اللّه! أليس عبّاس بايع (أبا بكر وهو تيميّ والبّاس هاشميّ)، أوليس عبد اللّه بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطّاب، وهو هاشميّ أبوالخلفاء، وعمر عدوّي؟!
وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشوري ولم يدخل العبّاس؟
فإن كان رفعنا لمن ليس بهاشميّ علي هاشميّ منكراً، فأنكروا علي العبّاس بيعته لأبي بكر، وعلي عبد اللّه بن عبّاس خدمته لعمر بعد بيعته، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز. فكأنّما أُلقم الهاشميّ حجراً.
( الاحتجاج: 500/2، ح 332. عنه نور الثقلين: 479/4، ح 22، و263/5، ح 36، قطعتان منه، والبرهان: 305/4، ح 1، بتفاوت يسير، وحلية الأبرار: 31/5، ح 1، بتفاوت.
التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): 351، ح 238، بتفاوت يسير. عنه وعن الاحتجاج، البحار: 13/2، ح 25. )

21 - ابن حمزة الطوسيّ(ره): عن يوسف بن زياد، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه(عليهما السلام)، قال: جاء رجل إلي محمّد بن عليّ بن موسي(عليهم السلام)، فقال: ( في الدعوات: العسكريّ(عليه السلام).
يا ابن رسول اللّه! إنّ أبي قد مات وكان له ألف دينار، ففاجأه الموت، ولست أقف علي ماله، ولي عيال كثيرة، وأنا من مواليكم، فأغنني.
فقال أبو جعفر(عليه السلام): إذا صلّيت العشاء الآخرة، فصلّ علي محمّد وآل محمّد مائة مرّة، فإنّ أباك يأتيك ويخبرك بأمر المال.)

ففعل الرجل ذلك، فأتاه أبوه في منامه، فقال: يا بنيّ! مالي في موضع كذافخذه.
فذهب الرجل فأخذ الألف دينار وأبوه واقف، فقال: يا بنيّ! اذهب إلي ابن رسول اللّه(عليه السلام) فأخبره بالمال بأنّي قد دللتك عليه، فإنّه كان أمَرني بذلك، فجاء الرجل وأخبره بالمال، وقال: الحمد للّه الذي أكرمك واصطفاك.
( الثاقب في المناقب: 522، ح 457.
المناقب لابن شهرآشوب: 391/4، س 4، مرسلاً عن الحسن بن عليّ(ع)، أورد مضمونه. عنه مدينة المعاجز: 390/7، ح 2395.
الدعوات للراونديّ: 57، ح 145، مرسلاً، وباختصار. عنه البحار: 220/73، ح 31.
الخرائج والجرائح: 665/2، ح 5، مرسلاً عن أبي هاشم الجعفريّ، بتفاوت. عنه البحار: 42/50، ح 8، وإثبات الهداة: 339/3، ح 29.
الصراط المستقيم: 201/2، ح 12. )

22 - السيّد عبد الكريم بن طاووس(ره):...مفضّل بن عمر، قال:...
قال أبو طاهر: ذكرت...لسيّدي أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد الرضا(عليهم السلام)، فقال: ... حدّثني أبي: أنّ أوّل من تختّم به آدم(عليه السلام)، وكان من حديث آدم(عليه السلام) في ذلك أنّه رأي علي العرش بالنور مكتوباً: أنا اللّه الذي لا اله إلّا أنا وحدي، محمّد صفوتي من خلقي، أيّدته بأخيه عليّ، ونصرته به في تمام الخمسة الأسماء، فلمّا أصاب آدم(عليه السلام) الخطيئة وحبط إلي الأرض توسّل إلي اللّه تعالي ذكره بتلك الأسماء، فتاب عليه، فاتّخذ آدم(عليه السلام) خاتماً من فضّة فصّه من العقيق الأحمر، ونقش الأسماء عليه، ثمّ تختّم به في يده اليمني، فصار ذلك سنّة أخذ بها الأتقياء من بعده من ولده.
( فرحة الغريّ: 113، ح 61.
تقدّم الحديث بتمامه في ج 2، رقم 426. )

23 - العلّامة المجلسيّ(ره): ثمّ قال المفيد(ره): وأمّا الرواية الثانية، فهي ماروي عن أبي محمّد الحسن بن العسكريّ، عن أبيه صلوات اللّه عليهما.
وذكر أنّه(عليه السلام) زار بها في يوم الغدير في السنة التي أشخصه المعتصم 10 نّه زار بها في يوم الغدير في السنة التي أشخصه المعتصم.... الإمام العسكريّ ، 4.
فإذا أردت ذلك فقف علي باب القبّة الشريفة، واستأذن وادخل مقدّماً رجلك اليمني علي اليسري، وامش حتّي تقف علي الضريح واستقبله، واجعل القبلة بين كتفيك، وقل: «السلام علي محمّد رسول اللّه خاتم النبيّين، وسيّد المرسلين، وصفوة ربّ العالمين، أمين اللّه علي وحيه، وعزائم أمره، والخاتم لما سبق، والفاتح لما استقبل، والمهيمن علي ذلك كلّه، ورحمة اللّه وبركاته وصلواته وتحيّاته، والسلام علي أنبياء اللّه ورسله، وملائكته المقرّبين، وعباده الصالحين.
السلام عليك يا أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين، ووارث علم النبيّين، ووليّ ربّ العالمين، ومولاي ومولي المؤمنين، ورحمة اللّه وبركاته.
السلام عليك يا مولاي يا أمير المؤمنين، يا أمين اللّه في أرضه، وسفيره في خلقه، وحجّته البالغة علي عباده.
السلام عليك يا دين اللّه القويم، وصراطه المستقيم.
السلام عليك أيّها النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، وعنه يسألون.
السلام عليك يا أمير المؤمنين ،آمنت باللّه وهم مشركون، وصدّقت بالحقّ وهم مكذّبون، وجاهدت وهم محجمون، وعبدت اللّه مخلصاً له الدين صابراً محتسباً حتّي أتاك اليقين، ألا لعنة اللّه علي الظالمين.
السلام عليك يا سيّد المسلمين، ويعسوب المؤمنين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، ورحمة اللّه وبركاته.
أشهد أنّك أخو رسول اللّه، ووصيّه ووارث علمه، وأمينه علي شرعه، وخليفته في أُمّته، وأوّل من آمن باللّه، وصدّق بما أنزل علي نبيّه.
وأشهد أنّه قد بلّغ عن اللّه ما أنزله فيك، فصدع بأمره، وأوجب علي ( صدعت الشي ء: بيّنته وأظهرته. مجمع البحرين: 358/4، (صدع). )
أُمّته فرض طاعتك وولايتك، وعقد عليهم البيعة لك، وجعلك أولي بالمؤمنين من أنفسهم كما جعله اللّه كذلك، ثمّ أشهد اللّه تعالي عليهم، فقال: ألست قد بلّغت؟ فقالوا: اللّهمّ! بلي!
فقال: اللّهمّ! اشهد، وكفي بك شهيداً وحاكماً بين العباد.
فلعن اللّه جاحد ولايتك بعد الإقرار، وناكث عهدك بعد الميثاق.
وأشهد أنّك وفيت بعهد اللّه تعالي، وأّن اللّه تعالي موف لك بعهده(وَمَنْ أَوْفَي بِمَا عَهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ).
( الفتح: 10/48.)
وأشهد أنّك أمير المؤمنين الحقّ الذي نطق بولايتك التنزيل، وأخذ لك العهد علي الأُمّة بذلك الرسول.
وأشهد أنّك وعمّك وأخاك الذين تاجرتم اللّه بنفوسكم، فأنزل اللّه فيكم (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَلةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَي بِعَهْدِهِ ي مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ي وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّل-ِبُونَ الْعَبِدُونَ الْحَمِدُونَ السَّل-ِحُونَ الرَّكِعُونَ السَّجِدُونَ الْأَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَفِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ).
( التوبة: 111/9، و112. )
أشهد يا أمير المؤمنين! أنّ الشاكّ فيك ما آمن بالرسول الأمين، وأنّ العادل بك غيرك عاند عن الدين القويم الذي ارتضاه لنا ربّ العالمين، وأكمله بولايتك يوم الغدير.
وأشهد أنّك المعنيّ بقول العزيز الرحيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَاتَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ي ) ضلّ واللّه! وأضلّ ( الأنعام: 153/6. )
من اتّبع سواك، وعند عن الحقّ من عاداك.
اللّهمّ! سمعنا لأمرك، وأطعنا واتّبعنا صراطك المستقيم، فاهدنا ربّنا، ولاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا إلي طاعتك، واجعلنا من الشاكرين لأنعمك.
وأشهد أنّك لم تزل للهوي مخالفاً، وللتقي محالفاً، وعلي كظم الغيظ قادراً، و عن الناس عافياً غافراً، وإذا عصي اللّه ساخطاً، وإذا اُطيع اللّه راضياً، وبما عهد إليك عاملاً، راعياً لما استحفظت، حافظاً لما استودعت، مبلّغاً ما حمّلت، منتظراً ماوعدت، وأشهد أنّك ما اتّقيت ضارعاً، ولاأمسكت عن حقّك جازعاً، ولا أحجمت عن مجاهدة عاصيك ناكلاً، ولاأظهرت الرضا بخلاف ما يرضي اللّه مداهناً، ولاوهنت لما أصابك في سبيل اللّه، ولا ضعفت ولا استكنت عن طلب حقّك مراقباً.
معاذ اللّه أن تكون كذلك، بل إذ ظلمت احتسبت ربّك، وفوّضت إليه أمرك، وذكّرتهم فما ادّكروا، ووعظتهم فما اتّعظوا، وخوّفتهم اللّه فماتخوّفوا.
وأشهد أنّك يا أمير المؤمنين! جاهدت في اللّه حقّ جهاده، حتّي دعاك اللّه إلي جواره، وقبضك إليه باختياره، وألزم أعداءك الحجّة بقتلهم إيّاك، لتكون الحجّة لك عليهم مع مالك من الحجج البالغة علي جميع خلقه.
السلام عليك يا أمير المؤمنين! عبدت اللّه مخلصاً، وجاهدت في اللّه صابراً، وجدت بنفسك محتسباً، وعملت بكتابه، واتّبعت سنّة نبيّه، وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ما استطعت، مبتغياً ما عند اللّه، راغباً فيما وعد اللّه، لا تحفل بالنوائب، ولاتهن عند الشدائد، ولا تحجم عن محارب، أفك من نسب غير ذلك إليك، وافتري باطلاً عليك، وأولي لمن عند عنك، لقد جاهدت في اللّه حقّ الجهاد، وصبرت علي الأذي صبر احتساب، وأنت أوّل من آمن باللّه، وصلّي له وجاهد، وأبدي صفحته في دار الشرك، والأرض مشحونة ( صفحة الرجل: عرض صدره، يقال: (أبدي له صفحته)، أي كاشفه. المنجد: 427، (صفح). )
ضلالة، والشيطان يعبد جهرة.
وأنت القائل: لا تزيدني كثرة الناس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عنّي وحشة، ولوأسلمني الناس جميعاً لم أكن متضرّعاً، اعتصمت باللّه فعززت، وآثرت الآخرة علي الاُولي فزهدت.
وأيّدك اللّه وهداك، وأخلصك واجتباك، فما تناقضت أفعالك، ولااختلفت أقوالك، ولا تقلّبت أحوالك، ولا ادّعيت ولا افتريت علي اللّه كذباً، ولاشرهت إلي الحطام، ولا دنّسك الآثام، ولم تزل علي بيّنة من ( شره: كفرح، غلب حرصه. القاموس المحيط: 410/4، (شره). )
ربّك ويقين من أمرك، تهدي إلي الحقّ وإلي طريق مستقيم.
أشهد شهادة حقّ، وأُقسم باللّه قسم صدق أنّ محمّداً و آله صلوات اللّه عليهم سادات الخلق، وأنّك مولاي ومولي المؤمنين، وأنّك عبد اللّه ووليّه،وأخو الرسول ووصيّه ووارثه.
وأنّه القائل لك: والذي بعثني بالحقّ! ما آمن بي من كفر بك، ولا أقرّ باللّه من جحدك، وقد ضلّ من صدّ عنك، ولم يهتد إلي اللّه ولا إليّ من لايهتدي بك، وهو قول ربّي عزّ وجلّ: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحًا ثُمَّ اهْتَدَي ) إلي ولايتك.
( طه: 82/20.)
مولاي فضلك لا يخفي، ونورك لا يطفي، وأنّ من جحدك الظلوم الأشقي، مولاي أنت الحجّة علي العباد، والهادي إلي الرشاد، والعدّة للمعاد، مولاي لقد رفع اللّه في الاُولي منزلتك، وأعلي في الآخرة درجتك، وبصرّك ما عمي علي من خالفك، وحال بينك وبين مواهب اللّه لك، فلعن اللّه مستحلّي الحرمة منك، وذائد الحقّ عنك.
وأشهد أنّهم الأخسرون الذين تلفح وجوههم النار وهم فيها ( لفحه كمنعه: ضربه والنار بحرّها: أحرقت. القاموس المحيط: 491/1، (لفح). )
كالحون، وأشهد أنّك ما أقدمت ولا أحجمت ولا نطقت ولا أمسكت إلّا ( كَلَحَ فلان كُلوحاً: عبس وزاد عبوسه، فهو كالح. المعجم الوسيط: 795، (كلح). )
بأمر من اللّه ورسوله.
قلت: والذي نفسي بيده لقد نظر إليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أضرب بالسيف قدماً، فقال: يا عليّ! أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وأُعلمك أنّ موتك وحياتك معي وعلي سنّتي.
فواللّه! ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إليّ ربّي، وإنّي لعلي بيّنة من ربّي بيّنها لنبيّه، وبيّنها النبيّ لي، وإنّي لعلي الطريق الواضح، ألفظه لفظاً.
صدقت واللّه! وقلت الحقّ، فلعن اللّه من ساواك بمن ناواك! واللّه جلّ اسمه يقول: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ ).
( الزمر: 9/39. )
فلعن اللّه من عدل بك من فرض اللّه عليه ولايتك، وأنت وليّ اللّه وأخو رسوله، والذابّ عن دينه، والذي نطق القرآن بتفضيله، قال اللّه تعالي:(وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَهِدِينَ عَلَي الْقَعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ).
( النساء: 95/4. )
وقال اللّه تعالي: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِ ّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ وَجَهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَايَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَايَهْدِي الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ * الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَل-ِكَ هُمُ الْفَآلِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَنٍ وَجَنَّتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ و أَجْرٌ عَظِيمٌ 5التوبة خالدين فيها أبداً إنّ اللّه عنده.... 22 ، 4 ).
( التوبة: 19/9 - 22. )
أشهد أنّك المخصوص بمدحة اللّه، المخلص لطاعة اللّه، لم تبغ بالهدي بدلاً، ولم تشرك بعبادة ربّك أحداً، وأنّ اللّه تعالي استجاب لنبيّه صلّي اللّه عليه وآله فيك دعوته، ثمّ أمره بإظهار ما أولاك لأُمّته، إعلاءً لشأنك وإعلاناً لبرهانك، ودحضاً للأباطيل، وقطعاً للمعاذير، فلمّا أشفق من فتنة الفاسقين، واتّقي فيك المنافقين، أوحي إليه ربّ العالمين: (يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
( المائدة: 67/5. )
فوضع علي نفسه أوزار المسير، ونهض في رمضاء الهجير، فخطب ( الهجير والهجيرة والهجر والهاجره: نصف النهار عند زوال الشمس ... وشدّة الحرّ. المصدر: 223/2، (هجره). )
فأسمع ونادي فأبلغ، ثمّ سألهم أجمع، فقال: هل بلّغت؟ فقالوا: اللّهمّ بلي!
فقال: اللّهمّ اشهد، ثمّ قال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟
فقالوا: بلي! فأخذ بيدك، وقال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
فما آمن بما أنزل اللّه فيك علي نبيّه إلّا قليل، ولا زاد أكثرهم غير تخسير، ولقدأنزل اللّه تعالي فيك من قبل وهم كارهون:
(يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ي فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ و أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَفِرِينَ يُجَهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَايَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآلِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ و وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ).
( المائدة: 54/5 - 56. )
رَبَّنآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّهِدِينَ )، ( آل عمران: 53/3. )
(رَبَّنَا لَاتُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ). ( آل عمران: 8/3. )
اللّهمّ! إنّا نعلم أنّ هذا هو الحقّ من عندك، فالعن من عارضه واستكبر وكذّب به وكفر، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ).
( الشعراء: 227/26. )
السلام عليك يا أمير المؤمنين! وسيّد الوصيّين، وأوّل العابدين، وأزهدالزاهدين، ورحمة اللّه وبركاته وصلواته وتحيّاته.
أنت مطعم الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً لوجه اللّه، لاتريد منهم جزاء ولا شكوراً، وفيك أنزل اللّه تعالي: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ي فَأُوْلَل-ِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
( الحشر: 9/59. )
وأنت الكاظم للغيظ، والعافي عن الناس، واللّه يحبّ المحسنين، وأنت الصابر في البأسآء والضرّاء وحين البأس، وأنت القاسم بالسويّة، والعادل في الرعيّة، والعالم بحدود اللّه من جميع البريّة، واللّه تعالي أخبر عمّا أولاك من فضله بقوله: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّايَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ فَلَهُمْ جَنَّتُ الْمَأْوَي نُزُلَام بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
( السجدة: 18/32، و19. )
وأنت المخصوص بعلم التنزيل، وحكم التأويل، ونصّ الرسول، ولك المواقف المشهودة، والمقامات المشهورة، والأيّام المذكورة، يوم بدر ويوم الأحزاب، (إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَرُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَفِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ و إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّآلِفَةٌ مِّنْهُمْ يَأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَيَسْتَْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ).
( الأحزاب: 10/33 - 13. )
وقال اللّه تعالي: (وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ و وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ و وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَنًا وَتَسْلِيمًا ).
( الأحزاب: 22/33. )
فقتلت عمروهم، وهزمت جمعهم (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْرًا وَكَفَي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ).
( الأحزاب: 25/33. )
ويوم أُحد إذ يصعدون ولا يلون علي أحد، والرسول يدعوهم في أُخراهم، وأنت تذود بهم المشركين عن النبيّ ذات اليمين وذات ( الذود: السوق والطرد والدفع. القاموس المحيط: 568/1، (الذود). )
الشمال حتّي ردّهم اللّه عنكما خائفين، ونصر بك الخاذلين.
ويوم حنين علي ما نطق به التنزيل: (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيًْاوَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ و عَلَي رَسُولِهِ ي وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ ).
( التوبة: 25/9، و26. )
والمؤمنون أنت ومن يليك، وعمّك العبّاس ينادي المنهزمين: ياأصحاب سورة البقرة! يا أهل بيعة الشجرة! حتّي استجاب له قوم قد كفيتهم المؤنة، وتكفّلت دونهم المعونة، فعادوا آيسين من المثوبة، راجين وعد اللّه تعالي بالتوبة، وذلك قول اللّه جلّ ذكره: (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن م بَعْدِ ذَلِكَ عَلَي مَن يَشَآءُ ). ( التوبة: 27/9. )
وأنت حائز درجة الصبر، فائز بعظيم الأجر. ويوم خيبر إذ أظهر اللّه خور المنافقين، وقطع دابر الكافرين، والحمد للّه ربّ العالمين، (وَلَقَدْ كَانُواْ عَهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لَايُوَلُّونَ الْأَدْبَرَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسُْولًا ).
( الأحزاب: 15/33. )
مولاي أنت الحجّة البالغة، والمحجّة الواضحة، والنعمة السابغة،والبرهان المنير، فهنيئاً لك بما آتاك اللّه من فضل وتبّاً لشانئك ذي الجهل.
شهدت مع النبيّ صلّي اللّه عليه وآله جميع حروبه، ومغازيه تحمل الراية أمامه، وتضرب بالسيف قدّامه، ثمّ لحزمك المشهور وبصيرتك في الاُمور، أمّرك في المواطن ولم تكن عليك أمير، وكم من أمر صدّك عن إمضاء عزمك فيه التقي، واتّبع غيرك في مثله الهوي، فظنّ الجاهلون أنّك عجزت عمّا إليه انتهي، ضلّ واللّه الظانّ لذلك ومااهتدي، ولقد أوضحت ما أشكل من ذلك لمن توهّم وامتري بقولك صلّي اللّه عليك: ( امتري فيه وتماري: شكّ. المصدر: 565/4، (مري). )
قد يري الحوّل القلّب وجه الحيلة، ودونها حاجز من تقوي اللّه، فيدعها رأي العين، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين، صدقت وخسر المبطلون، وإذ ماكرك الناكثان فقالا: نريد العمرة.
فقلت لهما: لعمركما ما تريدان العمرة، ولكن تريدان الغدرة، فأخذت البيعة عليهما، وجدّدت الميثاق فجدّا في النفاق، فلمّا نبّهتهما علي فعلهما أغفلا وعادا وماانتفعا وكان عاقبة أمرهما خسراً.
ثمّ تلاهما أهل الشام، فسرت إليهم بعد الإعذار، وهم لا يدينون دين الحقّ، ولا يتدبّرون القرآن، همج رعاع ضالّون، وبالذي أُنزل علي محمّد فيك كافرون، ولأهل الخلاف عليك ناصرون، وقد أمر اللّه تعالي باتّباعك، وندب المؤمنين إلي نصرك، وقال عزّ وجلّ: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ )
( التوبة: 119/9. )
مولاي بك ظهر الحقّ وقد نبذه الخلق، وأوضحت السنن بعد الدروس والطمس، فلك سابقة الجهاد علي تصديق التنزيل، ولك فضيلة الجهاد علي تحقيق التأويل، وعدوّك عدوّ اللّه، جاحد لرسول اللّه، يدعو باطلاً ويحكم جائراً، ويتأمّر غاصباً، ويدعو حزبه إلي النار، وعمّار يجاهد وينادي بين الصفّين: الرواح، الرواح إلي الجنّة، ولمّا استسقي فسقي اللبن كبّر وقال: قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله: آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن، وتقتلك الفئة الباغية، فاعترضه أبو العادية الفزاريّ فقتله. فعلي أبي العادية لعنة اللّه، ولعنة ملائكته ورسله أجمعين، وعلي من سلّ سيفه عليك، وسللت سيفك عليه يا أميرالمؤمنين! من المشركين والمنافقين إلي يوم الدين، وعلي من رضي بما ساءك ولم يكرهه، وأغمض عينه ولم ينكر، أو أعان عليك بيد، أو لسان، أو قعد عن نصرك، أو خذل عن الجهاد معك، أو غمط فضلك ( غمط الحقّ: جحده. المنجد: 560، (غمط).)
وجحد حقّك، أو عدل بك من جعلك اللّه أولي به من نفسه.
وصلوات اللّه عليك ورحمة اللّه وبركاته وسلامه وتحيّاته، وعلي الأئمّة من آلك الطاهرين إنّه حميد مجيد.
والأمر الأعجب، والخطب الأفظع بعد جحدك حقّك، غصب الصدّيقة الطاهرة الزهراء سيّدة النساء فدكاً، وردّ شهادتك وشهادة السيّدين سلالتك، وعترة المصطفي صلّي اللّه عليكم، وقد أعلي اللّه تعالي علي الأُمّة درجتكم، ورفع منزلتكم، وأبان فضلكم، وشرّفكم علي العالمين، فأذهب عنكم الرجس وطهّركم تطهيراً.
قال اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ الْإِنسَنَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا5المعارج إنّ الإنسان خلق هلوعاً.... 19 ، 54المعارج وإذا مسّه الخير منوعاً.... 21 ، 4* إلّا المصلّين ).
( المعارج: 19/70 - 22. )
فاستثني اللّه تعالي نبيّه المصطفي، وأنت يا سيّد الأوصياء من جميع الخلق، فماأعمه من ظلمك عن الحقّ، ثمّ أقرضوك سهم ذوي القربي مكراً، أو حادوه عن أهله جوراً، فلمّا آل الأمر إليك أجريتهم علي ما أجريا رغبة عنهما بما عند اللّه لك، فأشبهت محنتك بهما محن الأنبياء عند الوحدة، وعدم الأنصار، وأشبهت في البيات علي الفراش الذبيح عليه السلام إذ أجبت كما أجاب، وأطعت كما أطاع إسماعيل صابراً محتسباً، إذ قال له: (يَبُنَيَّ إِنِّي أَرَي فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَي قَالَ يَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّبِرِينَ ).
( الصافّات: 102/37.)
وكذلك أنت لمّا أباتك النبيّ صلّي اللّه عليه وآله، وأمرك أن تضجع في مرقده واقياً له بنفسك، أسرعت إلي إجابته مطيعاً، ولنفسك علي القتل موطّناً، فشكر اللّه تعالي طاعتك، وأبان عن جميل فعلك بقوله جلّ ذكره: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ).
( البقرة: 207/2. )
ثمّ محنتك يوم صفّين، وقد رفعت المصاحف حيلة ومكراً، فأعرض الشكّ، وعرف الحقّ، واتبع الظنّ، أشبهت محنة هارون إذ أمّره موسي علي قومه فتفرّقوا عنه، وهارون ينادي بهم، ويقول: (يَقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ي وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُواْ أَمْرِي * قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَكِفِينَ حَتَّي يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَي 5طه قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتّي.... 91 ، 4 ).
( طه: 90/20، و91. )
وكذلك أنت لمّا رفعت المصاحف، قلت: يا قوم! إنّما فتنتم بها وخدعتم، فعصوك وخالفوا عليك، واستدعوا نصب الحكمين، فأبيت عليهم وتبرّأت إلي اللّه من فعلهم وفوّضته إليهم، فلمّا أسفر الحقّ وسفه المنكر، واعترفوا بالزلل والجور عن القصد، واختلفوا من بعده، وألزموك علي سفه التحكيم الذي أبيته، وأحبّوه و حظرته وأباحوا ذنبهم الذي اقترفوه.
وأنت علي نهج بصيرة وهدي، وهم علي سنن ضلالة وعمي، فما زالوا علي النفاق مصرّين، وفي الغيّ متردّدين حتّي أذاقهم اللّه، وبال أمرهم فأمات بسيفك، من عاندك فشقي وهوي، وأحيا بحجّتك من سعد فهدي، صلوات اللّه عليك غادية ورائحة وعاكفة وذاهبة، فما يحيط المادح وصفك، ولايحبط الطاعن فضلك.
أنت أحسن الخلق عبادة، وأخلصهم زهادة، وأذبّهم عن الدين، أقمت حدود اللّه بجهدك، وفللت عساكر المارقين بسيفك، تخمد لهب الحروب ببنانك، وتهتك ستور الشبه ببيانك، وتكشف لبس الباطل عن صريح الحقّ، لا تأخذك في اللّه لومةُ لائم.
وفي مدح اللّه تعالي لك غني عن مدح المادحين، وتقريظ الواصفين، قال اللّه تعالي: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَي نَحْبَهُ و وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ).
( الأحزاب: 23/33. )
ولمّا رأيت أن قتلت الناكثين والقاسطين والمارقين، وصدّقك رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وعده، فأوفيت بعهده، قلت: أما آن أن تخضب هذه من هذه، أم متي يبعث أشقاها؟
واثقاً بأنّك علي بيّنة من ربّك، وبصيرة من أمرك، قادم علي اللّه، مستبشر ببيعك الذي بايعته به، وذلك هو الفوز العظيم.
اللّهمّ! العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك، بجميع لعناتك وأصلهم حرّ نارك، والعن من غصب وليّك حقّه، وأنكر عهده، وجحده بعد اليقين، والإقرار بالولاية له يوم أكملت له الدين.
اللّهمّ! العن قتلة أمير المؤمنين، ومن ظلمه وأشياعهم وأنصارهم.
اللّهمّ! العن ظالمي الحسين وقاتليه، والمتابعين عدوّه وناصريه، والراضين بقتله، وخاذليه، لعناً وبيلاً.
اللّهمّ! العن أوّل ظالم ظلم آل محمّد1ص آل محمّد، 4، ومانعيهم حقوقهم.
اللّهمّ! خصّ أوّل ظالم وغاصب لآل محمّد باللعن، وكلّ مستنّ بما سنّ إلي يوم القيامة.
اللّهمّ! صلّ علي محمّد وآل محمّد خاتم النبيّين، وعلي عليّ سيّد الوصيّين، وآله الطاهرين، واجعلنا بهم متمسّكين، وبولايتهم من الفائزين الآمنين الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.
( البحار: 359/97، ح 6.
فرحة الغريّ: 136 ح 78، أشار إليه.
مقدّمة البرهان: 179، س 6، قطعة منه.
قطعة منه في (زيارة الإمام الهادي جدّه أمير المؤمنين(ع)، حين أشخصه المعتصم). )