نقد كتاب أصول مذهب الشيعة

لمؤلفه  الدكتور  السلفي  ناصر  بن  عبد  الله  القفاري

 

منهج تأسيسي في الإجابة

عن الشبهات المثارة ضدّ المذهب الشيعي

 

 

الجزء الثاني

أ. د. السيّد محمّد الحسيني القزويني

الاُستاذ في  الحوزة  العلمية  قسم الدراسات العليا في  قم المقدسة،

ورئيس قسم الحديث، وعضو الهيئة  العلمية في جامعة  آل  البيت  ^ العالمية.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

هوية الكتاب

اسم الكتاب:........................... نقد كتاب اُصول مذهب الشيعة

تأليف:.... أ. د. محمد الحسيني القزويني بمساعدة اللجنة العلمية

الإخراج الفني وتدقيق المصادر:........................... حسن السعدي

الناشر:.................. مؤسسة وليّ العصر # للدراسات الإسلامية

رقم الإيداع الدولي (ج2):.....................  2 ــ 30 ــ 8615 ــ 964 ــ 978

رقم الإيداع الدولي للدورة:....................  6 ــ 32 ــ 8615 ــ 964 ــ 978

الطبعة:............................................. الأولى 1434هـ ـ 2013م

عدد النسخ:..................................................... 5000 نسخة

يحق للجميع طبع الكتاب ونشره مع إعلام المؤلف والناشر قبل ذلك


 

 

 

 

اللجنة العلمية

 

 

د. فلاح عبد الحسن الدوخي

د. يحيى عبد الحسن الدوخي

د.حكمت جارح الرحمة

                                               السيّد حاتم كاطع البخاتي

 

 

 

 

تحت إشراف

أ. د. السيّد محمد الحسيني القزويني


 

 

 

 

 

الإهداء

إلى من كان رمز  الجهاد والتضحية  والفداء، إلى من أفنى حياته في الدفاع عن حريم الإسلام وإعلاء كلمته، إلى من وطّد أركان الإسلام بجهده وجهاده، إلى من كان همه الحفاظ على وحدة المسلمين وتقوية شوكتهم في وجه أعدائه، إلى ابن عم النبي’ وأخيه، أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب× نهدي هذا الجهد المتواضع والبضاعة المزجاة، راجين من الله تعالى القبول.

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الفصل الثالث

الشبهات المثارة حول أدلة الإمامة الروائية

 


 

الشبهة: حديث المنزلة لا يدل على إمامة علي ×

قال القفاري: «والفضائل الواردة في حق علي (رضي الله عنه) ليست من ألفاظ النصوص والوصايا والاستخلاف، لا في لغة العرب ولا في عرفهم ولا في شريعة الإسلام ولا في عقول العقلاء، إنما هي فضائل أدخلها هؤلاء في الدعاوى.

وقد قام ابن حزم بحصر الأحاديث الواردة في فضائل علي، فقال: وأمّا الذي صحّ من فضائل علي، فهو قول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)... وهذا لا حجة فيه للرافضة».

وقال نقلاً عن ابن حزم أيضاً ـ حيث اكتفى القفاري بشبهته هذه بما ذكره ابن حزم، لذلك ذكر التفاصيل ـ في حاشية كتابه: «يقول ابن حزم في إثبات ذلك: وهذا لا يوجب له فضلاً على من سواه ولا استحقاق الإمامة بعده×؛ لأنّ هارون لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى×، وإنّما وليّ الأمر بعد موسى× يوشع بن نون، فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر، كما وليّ الأمر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة.

وإذا لم يكن علي نبيّاً كما كان هارون نبيّاً، ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل، فصح أن كونه (رضي الله عنه) من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بمنزلة هارون من موسى إنّما هو في القرابة فقط.

وأيضاً فإنّما قال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، فقال المنافقون: استقله [كذا في الأصل المحقق من الفصل، ولعلها استثقله] فخلفه، فلحق علي برسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فشكى ذلك إليه، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حينئذ: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، يريد× أنّه استخلفه على المدينة مختاراً لاستخلافه، ثم قد استخلف× قبل تبوك وبعد تبوك على المدينة في أسفاره رجالاً سوى علي (رضي الله عنه) فصحّ أنّ هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلاً على غيره، ولا ولاية الأمر بعده، كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين.

وتشبيه علي بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى، وتشبيه عمر بنوح وموسى كما روى ذلك الإمام أحمد في مسنده: ج1 ص383 ح3632، والحاكم في مستدركه: ج3 ص21ـ 22، وروى الترمذي في كتاب الجهاد طرفاً منه: ج4 ص213.

فإنّ هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر وعمر شبّه باثنين لا بواحد، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه علي، مع أنّ استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة، وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص، ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص»([1]).


أساسيات الشبهة

بناءً على ما ذكرناه فإنّ الشبهة ترتكز على الاُمور التالية:

1ـ إنّ حديث المنزلة لا يوجب فضلاً ولا استحقاقاً للإمامة، وذلك للأسباب التالية:

أ ـ إنّ النبي’ استخلف على المدينة غير علي× في ظروف مختلفة، فلا يوجب استخلافه فضلاً ولا ولاية أمر، كما لم يوجب لغيره.

ب ـ إنّ النبي’ استخلف علياً× على المدينة وقال له ما قال؛ تسليةً له عندما عاب عليه المنافقون البقاء مع النساء والصبيان.

ج ـ إنّ هارون× لم يل أمر بني إسرائيل وإنّما تولّى الأمر يوشع بن نون، فلا تكون المنزلة المذكورة في الحديث إلاّ في القرابة فقط.

2ـ تشبيه علي× بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى× وتشبيه عمر بنوح وموسى‘، بل هذا أعظم، فليس التشبيه ببعض الأنبياء من خصائص علي×.

وللردّ على ما تقدم نبرز الأجوبة التالية:

الجواب الأول: حديث المنزلة صحيح سنداً وواضح دلالة

في البداية لابدّ أن نشير إلى أن حديث المنزلة من الأحاديث التي أجمع العلماء على صحتها، ويكفي في صحّته أنّه ورد ذكره في صحيح مسلم والبخاري، ولذا لم يتعرض القفاري إلى طريق الحديث وسنده.

إذن فالبحث مع القفاري في حديث المنزلة يتحدد في الجانب المضموني، وهو دلالة الحديث على إثبات فضيلة عظيمة للإمام علي×، وهي الخلافة والإمامة والولاية بعد الرسول الأكرم’، وأنّ هذا الأمر من خصائصه×.

ولكي يتّضح الجواب أكثر عن الشبهة في المجال المضموني، لابدّ من التسلسل في الجواب ضمن الاُمور التالية:

أولاً: اختلاف مناسبات ومضامين الحديث يدل على الفضل والخلافة

بعد أن كان حديث المنزلة من الأحاديث الثابتة، فإنّه من الصعب استقصاء ألفاظ الحديث ومتونه والمجامع الحديثية التي ورد فيها الحديث، ولكن نحاول الاقتصار على ذكر بعض ألفاظه الصحيحة والصريحة في الدلالة على مقام الخلافة والولاية والإمامة بعد رسول الله’:

تتبع وتثبت سعيد بن المسيب من صحة حديث المنزلة

أخرج مسلم في صحيحه عن يحيى بن يحيى، عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: «قال رسول الله’ لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فحدّثته بما حدّثني عامر، فقال: أنا سمعته، فقلت: أنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على أذنيه، فقال: نعم، وإلاّ فاستكّتا([2])»([3])، وقد أخرج هذا المضمون من الحديث البخاري أيضاً في صحيحه بألفاظ اُخرى([4]).

وهذا الدليل كما هو واضح غير مقيد بغزوة تبوك، بل هو مطلق، وتقييده بذلك يحتاج إلى الدليل، مما يعني أن الحديث قد صدر أكثر من مرة، كما أن تتبع ابن المسيب للحديث والتثبت من صدوره عن النبي’ وتوجيه سؤاله إلى سعد بن أبي وقاص مرة اُخرى بنحو التعجّب، وتأكيد سعد لسماعه الحديث من النبي’ مباشرة بوضع أصبعيه على أذنيه، وقوله: «نعم وإلاّ فاستكّتا» كلّ ذلك واضح الدلالة على أن الصحابة والتابعين قد فهموا من الحديث إثبات فضيلة ومزية خاصّة لعلي× تميّز بها على سائر الصحابة، ولو لم يكن في الحديث فضل اختصّ به علي× فما هو الداعي لكل ما قام به ابن المسيب من التأكيد والتثبّت؟!

2ـ سعد بن أبي وقاص يفهم من حديث المنزلة بأنه فضيلة عظيمة

أخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله فلن أسبّه؛ لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله يقول له، خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهم هؤلاء أهلي»([5]).

لقد توفر هذا الحديث على جهات كثيرة، كلّها صريحة في أن حديث المنزلة جاء لإثبات فضيلة عظيمة تميّز بها الإمام علي× على الصحابة، نشير إلى بعضها:

أـ قول سعد: «لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم»، فإن هذه العبارة صريحة في أن سعداً فهم من حديث المنزلة فضيلة لعلي× يفتقدها هو وغيره من الصحابة، ويرى سعد أيضاً أن تلك المنزلة لا يمكن أن تقارن بأموال الدنيا وكنوزها.

ب ـ لقد قرن سعد في الفضل حديث المنزلة بحديث دفع الراية يوم خيبر وقضية المباهلة، ولا شك أنّ حديث دفع الراية «لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» قد فهم منه الصحابة منزلة وفضيلة عظيمة لعلي×، حتى تطاولوا للحصول عليها، وقد قال عمر بن الخطاب (رض) في تلك اللحظة: «ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذ»([6])، وقال أيضاً: «فتساورت لها رجاء أن ادّعى لها»([7])، وحديث المنزلة جاء في سياق هذه الفضيلة العظيمة التي تطاول لنيلها عمر (رض) وغيره من الصحابة، ولم يحظ بها إلاّ علي×، فكان خليقاً بالإمارة حتى فتح الله تعالى على يديه، كما أنّ تلك الفضيلة نستكشفها أيضاً من إدراج حديث المنزلة في سياق آية المباهلة وقول النبي’: «اللّهم هؤلاء أهلي».

وبناءً على هذا يتّضح أنّ ما ذكره القفاري من أنّ حديث المنزلة لا يوجب فضلاً باطل، وليس هو إلاّ إنكاراً لما هو ثابت بالقطع واليقين.

3ـ لفظ الخلافة والولاية في حديث المنزلة

أخرج أحمد في مسنده أيضاً عن ابن عباس في حديث طويل، جاء فيه قول النبي’ لعلي×: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست بنبي، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي ... أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي ...»([8]).

قال الهيثمي في الزوائد في تعليقه على الحديث: «رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين»([9]).

وفي لفظ آخر في كتاب ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم عن ابن عباس، قال: «قال رسول الله لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست نبيّاً، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي».

قال الألباني في تقييمه لطريق الحديث: «إسناده حسن»([10]).

وقد صحّح الحديث الحاكم النيسابوري أيضاً في مستدركه، قال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة»، وتابعه الذهبي في التلخيص قائلاً: «صحيح»([11]).

فهذا الحديث بألفاظه المختلفة التي تضمّنت صيغة (لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي ...) هذه الصيغة صريحة في أنّ حديث المنزلة يرمي إلى إثبات أهمّ منزلة من منازل هارون من موسى، وهي الولاية والخلافة، كما سيأتي ذكرها لاحقاً، والشاهد على صراحة الرواية في إثبات منزلة الخلافة ما ذكره بعض علماء السنة، منهم الباحث أحمد محمود صبحي ـ فهو بعد أن ذكر صحة سند حديث المنزلة وأنه لا نقاش في ذلك ـ قال بناء على ثبوت تلك الصيغة: «ولا شك أن هذه العبارة تجعل من الحديث نصّاً جلياً في إمامة علي، يحسم كلّ اختلاف ويضع حداً للتفسيرات المتباينة التي استخلصتها الفرق من دلالة الحديث»([12]).

4ـ استخلاف علي× في المدينة كان أمراً ضرورياً

أخرج الطبراني عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم: «أنّ رسول الله قال لعلي حين أراد أن يغزو: إنّه لابدّ من أن تقيم أو أقيم، فخلفه، فقال ناس: ما خلفه إلاّ لشيء كرهه، فبلغ ذلك علياً، فأتى رسول الله فأخبره، فتضاحك، ثم قال: يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس نبي بعدي»([13]).

قال الهيثمي: «رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما ميمون أو عبد الله البصري، وثّقه ابن حبّان وضعّفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح»([14]).

إنّ ألفاظ هذا الحديث الشريف تسلّط الضوء على حقيقة مهمة تساهم في فهم طبيعة العلاقة بين استخلاف علي× في المدينة وبين مدلول حديث المنزلة، وأن ذلك الاستخلاف نابع من واقع المنزلة التي هي لعلي× من رسول الله’، وهي منزلة تضاهي منزلة هارون من موسى‘ بكل أبعادها بما في ذلك استخلافه على قومه عندما ذهب موسى× إلى لقاء ربه تبارك وتعالى، كما سيتضح لاحقاً.

وتعبير النبي’: «إنّه لابدّ أن تقيم أو أقيم»، صريح في أنّ المدينة المنوّرة التي كانت عاصمة الحكومة الإسلامية آنذاك قد أحاطت بها ظروف وملابسات خاصة اقتضت أن لا يغادرها النبي الأكرم’، كما أنّه لا يمكن السكوت عن الخطر الداهم الذي كانت تواجهه الحكومة الإسلامية من قبل الإمبراطورية الرومانية في ذلك الحين، والذي كان يتطلب من النبي’ الخروج بشخصه المبارك لتقوية عزيمة المسلمين تجاه أعتى قوة عسكرية في المنطقة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار طول المسافة بين المدينة وتبوك التي كان من المفروض وقوع المعركة فيها واستعداد الروم لغزو الجزيرة العربية والقضاء على الرسالة الإسلامية؛ انطلاقاً من ذلك المكان.

وقد كان ذلك العام عام جدب، وقد تزامن خروج النبي’ مع صيف الجزيرة المتسم بشدة الحرارة مما أوجب تقاعس بعض المسلمين وتثبيط المنافقين لعزيمة المقاتلين في الجيش الإسلامي، كلّ ذلك جعل وجود النبي’ في تلك المعركة ضرورة لابدّ منها، وإلاّ فلا يمكن الخروج بجيش قادر على مواجهة الروم، والشاهد على ذلك تخاذل المسلمين في المرة اللاحقة عن جيش أسامة عندما كان الرسول’ مريضاً.

إذن كان الموقف الصحيح في مثل هكذا تزاحم أن يخلّف النبي’ في المدينة من يحمل خصائصه الرسالية، ويكون قادراً على ملء الفراغ الذي يخلّفه خروج النبي’ إلى غزوة تبوك، ولم يكن أحد من الصحابة يمتلك هذا المقام الإلهي إلاّ علي×، الذي كان يمثّل نفس النبي’ بصريح آية المباهلة، وكان الناطق الرسمي عن رسول الله’ من أهل بيته^ كما هو صريح الحديث الوارد في تبليغ سورة براءة عندما قال جبرائيل× للنبي’: «لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك»([15])، فأرجع النبي’ أبا بكر وبعث علياً× خليفة عنه وناطقاً عن السماء.

وهذا ما يميّز استخلاف علي× عن استخلاف ابن أمّ مكتوم وغيره على المدينة، إذ لم يكن استخلافهم بديلاً عن خلافة النبي’ بل كان استخلافهم، نيابة عن النبي’ في إقامة الصلاة.

أخرج أبو داود في سننه عن أنس: «أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) استخلف ابن أمّ مكتوم يؤم الناس وهو أعمى»([16]).

وكذلك استخلاف النبي’ لسالم مولى أبي حذيفة، فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر، قال: «لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً»([17]).

وأمّا استخلاف علي× فقد جعله النبي’ بديلاً شرعياً وقانونياً يضاهي استخلاف موسى× لهارون في قومه عندما ذهب إلى ربه، كما حكاه عنه القرآن في قوله تعالى: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}([18])، ولذا نجد أن النبي’ قرن في حديثه بين ضرورة بقاء علي× خليفة عنه في المدينة وبين منزلة علي منه’ كمنزلة هارون من موسى.

وممّا يسلّط الضوء على ضرورة بقاء النبي’ في المدينة أو رجل منه وهو علي× ما جاء في الحديث ذاته من أن هناك أناساً تخلّفوا عن الخروج إلى القتال وطعنوا في خلافة علي× على المدينة، حيث قالوا: «ما خلفه إلاّ لشيء كرهه»، فإنّ هذا يعني أنّ هناك أناساً تخلّفوا في المدينة يسعون لإثارة الأجواء واللغط حول خلافة علي×، مما يعني أن هناك نيّة مبيّتة لإحداث انقلاب مدني ضدّ الحكومة الإسلامية بعد أن تخلو لهم الأجواء بخروج النبي’ وعلي× الذي يتميز بقوة اليقين وحسن التدبير والشجاعة الفائقة التي لا يستطيع المنافقون والذين في قلوبهم مرض مواجهتها، وتكون هذه الحقيقة أكثر جلاءً عند مطالعة مفردات الحديث اللاحق.

والحاصل: أنّ ألفاظ الحديث المذكور واضحة في إثبات خلافة وولاية إلهية خاصة لعلي× نظير خلافة هارون لموسى‘، ومن ذلك يتبيّن بطلان الشبهة القائلة: إنّ حديث المنزلة لا يوجب فضلاً ولا استحقاقاً للإمامة.

كما تبين أيضاً بطلان ما زعمه القفاري من أن النبي’ ذكر حديث المنزلة تسليةً لعلي× عندما عاب عليه المنافقون البقاء مع النساء والصبيان؛ لأنّ هذا الزعم يتجاهل طبيعة استخلاف علي× على المدينة الذي تنصّ عليه ألفاظ حديث المنزلة.

5ـ لا تصلح المدينة إلا ببقاء علي× فيها

أخرج الحاكم في المستدرك في حديث طويل ورد فيه شكوى علي× للرسول الأكرم’، وما يترتب على بقائه في المدينة وعدم خروجه إلى القتال من القيل والقال، فأجابه النبي قائلاً: «أما قولك: تقول قريش ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمه وخذله فإنّ لك بي أسوة، قد قالوا: ساحر وكاهن وكذاب، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي، وأمّا قولك: أتعرّض لفضل الله، فهذه أبهار من فلفل جاءنا من اليمن فبعه، واستمتع به أنت وفاطمة حتى يأتيكم الله من فضله، فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([19]).

ولم يُشكل الذهبي على طريق هذا الحديث في تلخيصه إلاّ من جهة عبد الله بن بكير الغنوي وحكيم بن جبير، قال: «عبد الله بن بكير الغنوي منكر الحديث، عن حكيم بن جبير وهو ضعيف يترفّض»([20]).

وليس هذا بغريب على الذهبي الذي لا يتحمّل بطبيعته روايات فضائل علي×، فالطعن بالحديث لم يكن وفق الموازين الصحيحة، بل هو نتيجة اختلاف في الرؤية بين الناقد والراوي، وإلاّ فإن عبد الله بن بكير قد وثّقه ابن حبّان وأدرجه في كتابه (الثقات)([21]).

وفي تاريخ ابن معين قال الداوري: «سمعت يحيى يقول: عبد الله بن بكير الغنوي لا بأس به»([22]).

وقال ابن عدي: «ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً»([23]).

ولذا قال الذهبي في ترجمته لعبد الله بن بكير: «وقال الساجي: من أهل الصدق وليس بقوي»([24]).

وقال الألباني ـ بعد أن نقل قول بعض من مدحه ـ إن وصف الذهبي له بمنكر الحديث مبالغ فيه: «قال الساجي: من أهل الصدق، وليس بقوي. وذكر له ابن عدي مناكير. وهذا كلّ ما جرح به، وذكره ابن حبّان في الثقات. فقول الذهبي: منكر الحديث، لا يخلو من مبالغة، وقد قال في الضعفاء: ضعفوه، ولم يترك»([25]).

فتضعيف الذهبي له منحصر في كونه منكر الحديث([26]) وهو لا يقدح في وثاقته.

أمّا حكيم بن جبير، قال المزي في ترجمته: «وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه، فقال: في رأيه شيء، قلت: ما محلّه؟ قال: الصدق إن شاء الله»([27]).

والترمذي لم ير فيه بأساً، قال المباركفوري: «قوله: (حديث عائشة حديث حسن) قد حسّن الترمذي هذا الحديث وفيه حكيم بن جبير وهو متكلم فيه، فالظاهر أنّه لم ير بحديثه بأساً وهو من أئمة الفن»([28]).

وأمّا ما عرف من تضعيف شعبة له وامتناعه عن الرواية عنه، والذي يعتبر الأصل فيمن تكلّم فيه، فإنّما كان ذلك في فترة متأخرة وليس في كلّ الفترات، وسبب تكلّمه فيه هو حديث الصدقة المعروف([29]).

وأغلب التضعيفات فسّرت بكونه شيعياً مغالياً([30])، فالجرح ناشِ من الطعن في عقيدته عند أكثر من ضعّفوه، بسبب ما رواه من فضائل علي×، وعقيدة الراوي بشكل عام لا تضرّ في الوثاقة عند بعض علماء أهل السنة([31]).

فحديث الحاكم كسابقه صريح في ضرورة بقاء علي× في المدينة خليفة عن رسول الله’ بخلافة لا تليق إلاّ به، حيث يقول له النبي’: «فإن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك»، كما أنّ الحديث صريح في أن الطعن بخلافة علي× على المدينة يوازي طعن قريش في نبوّة النبي’ واتهامهم له بالسحر والكهانة والكذب، وفي ضوء ذلك، قال النبي’ مباشرة: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي» بمعنى أن خلافتك من الله تعالى كنبوّتي، والطعن فيها من قبل قريش كطعنهم في مقام النبوّة، إلاّ أن علياً× ليس بنبي، وهذا ما نؤكّد عليه من أن حديث المنزلة يثبت ما كان لهارون× من المقامات إلاّ النبوّة، مما يعني أن حديث المنزلة الذي ورد في استخلاف علي× على المدينة يثبت له خلافة ربانية ومقاماً سامياً في حياة النبي’ وقبل مماته.

6ـ الخوف من إذاعة حديث المنزلة في زمن الأمويين

أخرج أحمد في المسند أيضاً عن سعيد بن المسيب، قال: «قلت لسعد بن مالك: إني أريد أن أسألك عن حديث وأنا أهابك أن أسألك عنه؟ فقال: لا تفعل يا ابن أخي، إذا علمت أن عندي علماً فسلني عنه ولا تهبني»([32])، فسأله عن حديث المنزلة في غزوة تبوك فأورد له نص الحديث.

وقد صحّح هذا الحديث كلّ من أحمد محمد شاكر([33])، وشعيب الأرنؤوط([34])، في حكمهما على الحديث المذكور.

والنقطة الملفتة للنظر في هذا الحديث هي خوف وهيبة سعيد بن المسيب من السؤال عن حديث المنزلة، وليس ذلك إلاّ للحظر والمنع الذي فرضه الأمويون في ذلك الحين على أحاديث فضائل علي×، وهذا يعني أنّ ابن المسيب لم يتردد في دلالة الحديث على إثبات فضيلة لعلي×، بل إثبات الخلافة له، وإنما كان يخشى من توبيخ سعد بن مالك له، أو امتناعه عن الإجابة على أقل تقدير، بسبب الظروف الأمنية السيئة التي كان يواجهها رواة الفضائل في زمن معاوية([35]).

7ـ حديث المنزلة في غير واقعة تبوك

لا تنحصر الروايات التي دلّت على حديث المنزلة بواقعة تبوك حتى يقوم بعضٌ بمناقشة مفاد تلك الروايات بكون علي× لم يكن الوحيد الذي خلّفه النبي’ على المدينة، بل خلّف غيره أيضاً حينما خرج منها في بعض الأزمنة، وعليه فلا دلالة للحديث على الإمامة والخلافة، نقول:

هذا الإشكال قد تكون له فائدة فيما لو انحصر صدور الحديث من النبي’ فقط في واقعة تبوك، لكن قد ورد مضمون الحديث في روايات كثيرة في غير واقعة تبوك أيضاً، وأنّ النبي’ قال ذلك في موارد كثيرة سبقت واقعة تبوك أو تلتها.

وهذه مجموعة من الروايات التي صحّ بعضها وبعضها الآخر ليس بالقوي، لكن يمكن القول إنّ بعضها يقوي بعضاً، ويشكّل قرينة على صحة صدور المضمون، أو أنها تشكّل ـ بملاحظة مجموعها ـ علماً وجزماً بصدور حديث المنزلة مطلقاً من غير أن يكون مرتبطاً بواقعة تبوك، وهذا العلم يسميه الأصوليون بالعلم الإجمالي الالتزامي، فإنّ كثرة هذه الروايات التي تتحدث عن صدور الكلام من النبي’ في مناسبات عديدة ـ لم يكن لها أي ربط بواقعة تبوك ـ من غير الممكن أن نجزم بكذبها جميعاً، بل لابدّ أن يثبت صدق بعض بنحو الإجمال، وهي كالتالي:

أ ـ حديث المنزلة في بيت أم سلمة

أخرج الحافظ ابن عساكر بسنده عن ابن عباس، قال: «أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، أنا أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الشامي، نا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، أنا أبو يعقوب محمد بن يوسف بن أحمد بن الدجيل، نا أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، حدّثني علي بن سعيد، نا عبد الله بن داهر بن يحيى الرازي، حدّثني أبي عن الأعمش عن عباية الأسدي، عن ابن عباس عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال لأمّ سلمة: يا أمّ سلمة إن علياً لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي»([36]).

ولم يقع كلام في سند هذه الرواية إلاّ من جهة داهر بن يحيى وابنه عبد الله، ولم يتكلم القوم فيهما، إلاّ من جهة أنّهما يرويان فضائل أمير المؤمنين× وأول من طعن عليهما بسبب ذلك هو العقيلي، حيث قال: «داهر بن يحيى الرازي كان ممن يغلو في الرفض لا يتابع على حديثه»([37]).

وقال الذهبي وتابعه ابن حجر: «فهذا باطل، ولم أر أحداً ذكر داهراً حتى ولا ابن أبي حاتم بلديه»([38]).

كما قال العقيلي في ابنه عبد الله: «رافضي خبيث»([39])، وقال ابن عدي في ترجمة عبد الله بن داهر: «وعامة ما يرويه في فضائل علي وهو متّهم في ذلك»([40]).

هذا ما ذكروه في تضعيف داهر بن يحيى وابنه، وقد ألمحنا في مرات عديدة إلى أن مثل ذلك الجرح لا يفي بالطعن في الراوي([41])، وقد صرّح ابن حجر في مقدمة فتح الباري في عدّة مواضع بأنّ الرفض لا يضرّ في وثاقة الرجل، وقد نقل هذا الرأي عن جملة من الأعلام، حيث قال عند استعراضه لجملة من رواة البخاري: «عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي أبو سعيد رافضي مشهور، إلاّ أنّه كان صدوقاً وثّقه أبو حاتم، وقال الحاكم: كان ابن خزيمة إذا حدث عنه يقول: حدثنا الثقة في روايته المتّهم في رأيه عباد بن يعقوب، وقال ابن حبّان: كان رافضياً داعية، وقال صالح بن محمد: كان يشتم عثمان»([42]).

وقد ذكر الخطيب البغدادي في ترجمته للابن: عبد الله بن داهر، بسنده عن صالح بن محمد الأسدي، قال: «عبد الله بن داهر بن يحيى الأحمري الرازي: شيخ صدوق»([43]).

وأمّا الأب، فقد اعترف ابن حجر ببراءته من الطعن وحصره بابنه عبد الله، حيث قال بعد أن أورد حديث المنزلة الذي أوردناه عن ابن عساكر: «ولم أر أحداً ذكر داهراً هذا، حتى ولا ابن أبي حاتم بلديّه، وإنّما لم يذكره؛ لأنّ البلاء كلّه من ابنه عبد الله، وقد ذكروه واكتفوا به»([44]).

مضافاً إلى أنّ الطبراني قد روى الحديث وليس في سنده داهر، قال: «حدثنا علي بن العباس البجلي الكوفي، ثنا محمد بن تسنيم، ثنا حسن بن حسين العربي، ثنا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لأمّ سلمة: هذا علي بن أبي طالب لحمه لحمي ودمه دمي هو مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»([45]).

وهذا الحديث ضعّفوه بالحسن بن الحسين العرني([46])، ولكن ضعفه محتمل؛ فإنهم لم يجرحوه بما يُسقط حديثه، فقد تراوحت كلماتهم بين جرحٍ غير مفسّر وبين أنّ حديثه لا يشبه حديث الثقات ويروي المقلوبات والمناكير([47])، وأهم مناكيره ـ كما يتضح لمن يتابع كلماتهم ـ هي روايته لفضائل أهل البيت^، ومنها هذا الحديث الذي نحن بصدده، كما أنّهم عرّفوه بأنه من رؤساء الشيعة. هذا، وقد أخرج له الحاكم في المستدرك في أكثر من مورد وصحح له، وسكت عنه الذهبي([48]). نعم ذكر أبو حاتم أنه لم يكن بصدوق عندهم([49]) وهذه العبارة لا تعني بالضرورة أنه كذاب، مضافاً إلى أنّ أبا حاتم من المتعنّتين والمتشدّدين في الجرح والتعديل.

أمّا مضمون هذا الحديث فلا ربط له بغزوة تبوك، وإنّما هو حديث مستأنف ابتدأه الرسول الأكرم’ مع أمّ سلمة، ومن الواضح أنّ ابتداء الكلام من النبي’ بالنحو المذكور في الحديث وإدراجه مع قوله’: «لحمه من لحمي ودمه من دمي» يدلّ دلالة قوية على أنّ النبي’ كان بصدد إثبات فضيلة خاصة لعلي×.

ب ـ حديث المنزلة في قضية المؤاخاة

روى أحمد بن حنبل بإسناده عن محدوج بن زيد: «أنّ رسول اللّه (ص) آخى بين المسلمين، ثمّ قال: يا عليّ، أنت أخي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي»([50])([51]).

وأخرج ابن عساكر عن أبي القاسم بن السمرقندي زيد بن أبي أوفى قال: «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) مسجده، فقال: أين فلان ابن فلان، فجعل ينظر في وجوه أصحابه، فذكر الحديث في المؤاخاة وفيه: فقال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى والكرامة، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): والذي بعثني بالحقّ ما أخرتك إلاّ لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك يا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟ قال: ما ورثت الأنبياء من قبلي، قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم»([52])([53]).

وكذلك أخرج ابن عساكر عن محدوج بن زيد الذهلي ([54]): «إن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره، ثم قال: يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»([55]).

ج ـ حديث المنزلة بعد فتح خيبر

ذكر الخوارزمي في مناقبه عن علي بن أبي طالب×، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم فتحت خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر على ملأ من المسلمين إلاّ أخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك، يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»([56]).

وذكر أيضاً: «وروى الناصر للحق بإسناده في حديث طويل، قال: لما قدم علي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لفتح خيبر، قال (صلّى الله عليه وآله): لولا أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصارى في المسيح، لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا التراب من تحت قدمك ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»([57]).

ونقل ابن المغازلي عن جابر بن عبد الله، قال: «لما قدم علي بن أبي طالب بفتح خيبر قال له النبي (صلّى الله عليه وسلّم): يا علي، لولا أن تقول طائفة من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك مقالاً لا تمرّ على ملأ من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحت رجليك وفضل طهورك يستشفون بهما، ولكن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي ...»([58]).

د ـ حديث المنزلة في قضية سد الأبواب([59])

روى ابن عساكر بسنده إلى جابر: «قال: جاء رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ونحن مضطجعون في المسجد، فضربَنا بعسيب([60]) في يده، فقال: أترقدون في المسجد! إنّه لا يُرقد فيه، فأجفلنا وأجفل عليّ. فقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم): تعالَ يا عليّ، إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي، ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة!! والذي نفسي بيده إنّك لذَوّاد عن حوضي يوم القيامة، تذود كما يُذاد البعير الضالّ عن الماء بعصاً لك من عوسج([61])، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي»([62]).

وروى ابن المغازلي في حديث طويل عن حذيفة بن أسيد الغفاري: قال: قام النبي’ خطيباً، فقال: > إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم في أنّي أسكنت عليّاً في المسجد، واللّه ما أخرجتُهم، ولا أسكنته، إنّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلى موسى وأخيه: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً واجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وأَقِيمُوا الصَّلاةَ}، وأمر موسى ألاّ يسكن مسجده، ولا ينكح فيه، ولا يدخله إلاّ هارون وذرّيّته، وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي دون أهلي، ولا يحلّ مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلاّ عليّ وذرّيته، فمن ساءه فهاهنا وأومأ بيده نحو الشام»([63]).

حديث المنزلة برواية عدة من الصحابة

روى أيضاً حديث المنزلة من دون تقييد بواقعة تبوك، عدةٌ من الصحابة، منهم: علي× وابن عباس وعمر وسعد بن وقاص وأمّ سلمة وسعيد الخدري وجابر الأنصاري وغيرهم:

1 ـ حديث المنزلة عن ابن عباس

فقد أخرج الطبراني، عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد، عن بن عباس: «أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى»([64]).

قال الهيثمي: «وعن ابن عباس أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي. رواه البزار والطبراني إلاّ أنّه قال: أنت مني بمنزلة هارون، ورجال البزار رجال الصحيح، غير أبي بلج الكبير، وهو ثقة»([65]).

وأخرج عمرو بن أبي عاصم عن ابن عباس، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنك لست نبيّاً (إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ) وأنت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي». قال الألباني في تعليقه على الحديث: «إسناده حسن»([66]).

2 ـ حديث المنزلة عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة

قال أبو يعلى الموصلي: «حدثنا داود بن عمرو، حدثنا حسان بن إبراهيم، عن محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن المنهال، عن عامر بن سعد، عن أبيه وعن أمّ سلمة: أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي»([67]). رواه الهيثمي ثمّ قال: «رواه أبو يعلى والطبراني وفي إسناد أبي يعلى، محمد بن سلمة بن كهيل، وثّقه ابن حبّان وضعّفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح»([68]).

وفي السنة لابن أبي عاصم: «عن الأزرق بن علي، ثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا محمد بن سلمة ابن كهيل، عن أبيه، عن المنهال بن عمرو، عن عامر بن سعد، عن سعد وأمّ سلمة: أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»([69]).

وكذا أخرجه ابن حبّان عن أمّ سلمة في صحيحه، قال: «أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا داود بن عمرو الضبي، قال: حدثنا حسان بن إبراهيم، عن محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن المنهال بن عمرو، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه وعن أمّ سلمة: أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي»([70])، ومضمون هذا الحديث لم يكن مرتبطاً بواقعة تبوك كما هو واضح أيضاً.

3ـ حديث المنزلة عن سعد بن أبي وقاص

أخرج ابن عساكر بسند صحيح عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: «إنّي لَمع أبي إذ تبعنا رجل، في نفسه على عليّ بعض الشيء، فقال: يا أبا إسحاق، ما حديث يذكر الناس عن عليّ؟ قال: وما هو؟ قال: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى! قال: نعم، سمعتُ رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) يقول لعليّ: أنت منّي كهارون من موسى، ما تنكر أن يقول لعليّ هذا، وأفضل من هذا!!»([71]).

4 ـ حديث المنزلة عن أبي سعيد الخدري

ومما لم يكن مرتبطاً بواقعة تبوك، ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعليّ: أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»([72]).

قال الهيثمي بعد نقل الحديث: «وفيه عطية العوفي، وثّقه ابن معين وضعّفه أحمد وجماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح»([73]).

تضعيف عطية العوفي ليس في محله

قال ابن سعد في الطبقات: «وكان ثقة إن شاء الله وله أحاديث صالحة»([74]).

قال المزّي في ترجمته: «عن يحيى بن معين: صالح»([75]).

وقال الترمذي في تعليقه على بعض الأحاديث التي في سندها عطية العوفي: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه». كما حسن له بعض الروايات في مواضع متفرقة من كتابه([76]).

وقال الملا علي القاري: «وهو من أجلاّء التابعين»([77]).

وقال العجلي: «عطية العوفي: كوفي تابعي ثقة وليس بالقوي»([78]).

5 ـ حديث المنزلة عن أسماء بنت عميس

ورد في مسند أحمد: «حدثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن سعيد، عن موسى الجهني، قال: دخلت على فاطمة بنت علي، فقال لها رفيقي أبو سهل: كم لك؟ قالت: ستة وثمانون سنة، قال: ما سمعت من أبيك شيئاً؟ قالت: حدثتني أسماء بنت عميس: أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس بعدي نبي»([79]).

وأخرج أيضاً بطريق آخر عن موسى الجهني، قال: «حدثتني فاطمة بنت علي، قالت: حدثتني أسماء بنت عميس، قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس بعدي نبي»([80]).

قال الهيثمي بعد نقل الرواية: «رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير فاطمة بنت علي وهي ثقة»([81]).

6 ـ حديث المنزلة عن جابر

أخرج ابن عساكر بسند معتبر، عن جابر: «قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) لعليّ×: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، ولو كان لكُنتَه»([82]).

7ـ حديث المنزلة عن عمر بن الخطاب

أخرج ابن عساكر بسنده عن سويد بن غفلة عن عمر بن الخطّاب: «أنّه رأى رجلاً يسبّ عليّاً، فقال: إنّي أظنّك منافقاً؛ سمعت رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: إنّما علي منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»([83]).

وأخرج كذلك بسنده عن عبد اللّه بن عبّاس، قال: «سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أمّا عليّ، فسمعتُ رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أنّ لي واحدة منهنّ، فكان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بيده على منكب عليّ فقال له: يا عليّ، أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّل المسلمين إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى»([84]).

8 ـ حديث المنزلة عن علي×

أخرج ابن عساكر بسنده عن الخليفة المهديّ العبّاسي، قال: «دخل عليَّ سفيان الثوري، فقلتُ: حدّثني بأحسن فضيلة عندك لعليّ، فقال: حدّثني سلمة بن كهيل، عن حُجَيّة بن عديّ، عن عليّ، قال: قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم): أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»([85]).

9 ـ حديث المنزلة عن جابر بن سمرة

أخرج ابن عساكر بسنده عن جابر بن سمرة، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعلي: أنت ـ وفي حديث خيثمة: علي ـ مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه ـ وقال خيثمة: إلاّ أنّه ـ لا نبي بعدي»([86]).

10 ـ حديث المنزلة عن فاطمة بنت حمزة

روى ابن عساكر بسنده عن كريمة ابنة عقبة، قالت: «سمعت فاطمة بنت حمزة تقول: كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فسمعته يقول: علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»([87]).

هذه مجموعة من الروايات التي تبين أن الحديث لم يكن مرتبطاً بواقعة تبوك.

فإن قيل: لماذا لا نحمل هذه الروايات المطلقة على فرضية أن النبي’ تكلم بها في واقعة تبوك.

الجواب: أوّلاً: إنّ بعض هذه الروايات آبٍ عن التخصيص؛ لكون بعض مناسباته تتعارض مع مناسبة تبوك.

وثانياً: لا مرجّح للتقييد بواقعة تبوك بعد أن اختلفت مناسبات الحديث، فكما يمكن تقييده بواقعة تبوك، يمكن تقييده بواقعة ومناسبة اُخرى.

وثالثاً: أن التقييد قرينة تحتاج إلى دليل، وإنما يكون فيما لو اضطررنا إلى التقييد لوجود التعارض بين الحديثين، وهنا لا يوجد تعارض لكي يلزم التقييد المذكور.

ونحاول فيما يلي أن نجمل النتائج التي توصلنا إليها من خلال استعراض أحاديث المنزلة، ضمن النقاط التالية:

نتائج الجواب الأول

1ـ إنّ حديث المنزلة غير مختصّ بغزوة تبوك، بل هو صادر عن النبي’ في مناسبات مختلفة منها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

2ـ إنّ الصحابة والتابعين قد فهموا من حديث المنزلة إثبات فضيلة خاصة لعلي× يتميز بها على سائر الصحابة، ولا يمكن أن تقارن تلك الفضيلة بحمر النعم، الذي هو كناية عن أموال الدنيا وكنوزها.

3ـ إنّ بعض ألفاظ الحديث الصحيحة صريحة في إثبات أهم منزلة من منازل هارون من موسى لعلي×، وهي الولاية والخلافة.

4ـ إنّ بعض ألفاظ الحديث الصحيحة أيضاً صريحة في أن استخلاف علي× على المدينة في غزوة تبوك نابع من واقع المنزلة الثابتة لعلي× من رسول الله’ وهي منزلة تضاهي منزلة هارون من موسى× بما في ذلك استخلافه على قومه عندما ذهب موسى× إلى لقاء ربه، والنبي’ إنما استخلف علياً× على المدينة؛ لأنّه يحمل خصائصه الرسالية وقادر على ملء الفراغ الذي يخلّفه النبي’ عند ذهابه إلى الحرب، وذلك ما يميّزه عن استخلاف ابن أمّ مكتوم وغيره على المدينة، وذلك للظروف الخاصة التي أحاطت بتولي الخلافة على المدينة في غزوة تبوك؛ ولذا نجد أن النبي’ قرن بين ضرورة بقاء علي× خليفة عنه في المدينة وبين منزلة علي× منه’ وأنها كمنزلة هارون من موسى عليهما السلام، ونتيجة ذلك: أنّ لعلي× خلافة إلهية في حال غياب النبي’ سواء كان حياً أو ميتاً، كما كان ذلك المقام لهارون× عندما استخلفه موسى× على قومه في حال غيابه.

5ـ إنّ أحاديث المنزلة صريحة في أنّ الطعن بخلافة علي× على المدينة يوازي طعن قريش في نبوّة النبي’، إلاّ أن علياً× ليس بنبي، وهذا ما يوضح العلاقة بين استخلاف علي× على المدينة وبين حديث المنزلة.

6ـ إنّ أحاديث المنزلة صريحة في أن الفضيلة المذكورة فيها لعلي× لها وقع وتأثير مباشر على عقيدة الفرد المسلم سلباً وإيجاباً.

7ـ إنّ أحاديث المنزلة تثبت وبوضوح الخلافة لعلي× بعد النبي’؛ لأنّ الحديث من ناحية يثبت لعلي× كلّ ما هو ثابت لهارون من مقامات إلهية ومنها خلافته على قوم موسى× وذلك بصريح قوله تعالى: اخلفني في قومي، ومن ناحية اُخرى يثبت أن تلك المنازل ثابتة لعلي× بعد وفاة النبي’ إلاّ النبوّة وذلك بصريح قوله: إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي، وسوف يأتي مزيد إيضاح في بقية الأجوبة.

ومن ذلك كله يتّضح أن ما ذكره القفاري وابن حزم وغيرهما حول حديث المنزلة ليست إلاّ جناية على أحاديث فضائل علي× ساقهم إليها موقفهم المتشنج من الشيعة، فحاولوا الردّ عليهم بشتى الوسائل والطرق وإن ترتّب عليها جملة من اللوازم الفاسدة.

الجواب الثاني: الشراكة في الأمر تقتضي ثبوت الخلافة والطاعة لعلي×

لكي يتّضح معنى الحديث وكيفية دلالته على الإمامة والخلافة لابدّ أن نفهم معنى المنزلة، ثم نبحث عن المنازل التي ثبتت لهارون من موسى، حتى نتعدّى لإثباتها لعلي× بمقتضى عموم الحديث، فنقول:

المنزلة لغة

قال في لسان العرب: «والمنزلة: الرتبة، لا تجمع، واستنزل فلان أي حطّ عن مرتبته، والمنزل: الدرجة. قال سيبويه: وقالوا هو مني منزلة الشغاف: أي هو بتلك المنزلة»([88]).

وقال في مختار الصحاح: «والمنزلة أيضاً المرتبة»([89]).

قال صاحب مجمع البحرين: «والمنزل أيضاً: المرتبة. ومنه فلان ذو منزل عند السلطان. وهو عندي بتلك المنزلة أي المرتبة. ومنه الحديث: اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم عنا: أي منازلهم ومراتبهم في الفضيلة والتفضيل»([90]).

فالمنزلة في اللغة هي المكانة والمرتبة والقرب.

فيكون معنى منزلة شخص من آخر: ما كان له نحو ارتباط بذاك الشخص الثاني، كما لو أنّ الشخص الأول خليفة الثاني أو وزيره أو ابنه أو كاتبه أو شاعره أو خادمه أو صاحب سره أو شريكه في أمره، إلى غير ذلك ‏من ‏الارتباطات والإضافات بين ‏الشخصين.

ومعنى الحديث: أنّ مرتبة قربك ودرجتك ومكانتك يا علي مني، هي نفس المرتبة والمكانة التي كانت ثابتة لهارون× بالنسبة للنبي موسى×.

فكلّ مرتبة من القرب والمكانة التي كان يحظى بها هارون عند النبي موسى× فأنت تحظى بها بالنسبة لي، وهذا هو معنى العموم في حديث المنزلة، وهذا العموم مستفاد من الإطلاق حيث لم يستثن النبي’ من الحديث إلاّ النبوّة.

وفي هذا الاستثناء الخاص للنبوة من عموم الحديث دلالة واضحة على أنّ ما لم يستثنه النبي’ من المقامات الثابتة لهارون× حاصلة كلّها لعلي×، فإنّ الاستثناء وإطلاق المستثنى من دون تقييده بقيد أو شرط، دليل واضح على عموم المستثنى منه، وهي منازل هارون من موسى×.

قال السيد المرتضى: «فاقتضى هذا الظاهر أن له كلّ منازل هارون من موسى، لأنّه أطلق ولم يخصّ، إلاّ ما دلّ عليه العقل والاستثناء المذكور، ولولا أن الكلام يقتضي الشمول لما كان للاستثناء معنى، وإنّما نبّه باستثناء النبوّة على أنّ ما عداه قد دخل تحته، إلاّ ما علم بالعقل أنّه لا يدخل فيه، نحو الأخوّة في النسب أو الفضل الذي يقتضيه شركة النبوّة إلى ما شاكله»([91])، على أنّه سوف يأتي أنّ لعلي× أخوّة مع النبي’ تفوق أخوّة النسب في الامتيازات والخصائص.

ويضاف إلى ذلك أيضاً: «أنّ دخول الاستثناء في اللفظ الذي يقتضي ـ على سبيل الاحتمال ـ أشياء كثيرة متى صدر من حكيم يريد البيان والإفهام، دليل على أنّ ما يقتضيه اللفظ ويحتمله ـ بعد ما خرج بالاستثناء ـ مراداً([92]) بالخطاب وداخل تحته، ويصير دخول الاستثناء كالقرينة أو الدلالة التي توجب بها الاستغراق، والشمول يدلّ على صحة ما ذكروه أن الحكيم منّا إذا قال: من دخل داري أكرمته إلاّ زيداً، فهمنا من كلامه بدخول الاستثناء إن من عدا زيداً مراد بالقول؛ لأنّه لو لم يكن مراداً لوجب استثناؤه مع إرادة الإفهام والبيان»([93]).

أهم المنازل الثابتة لهارون من موسى

ولكي يتم الاستدلال بالحديث على خلافة وإمامة علي× بهذا الحديث لابدّ أن نتعرف على أهم المنازل الثابتة لهارون من موسى×.

المنزلة الأولى: قرابة الأخوة

إن القرابة الخاصة والأخوّة النسبية التي كانت بين هارون وموسى، من الاُمور الواضحة التي صرّح بها القرآن الكريم في جملة من الآيات الكريمة، كما في قوله تعالى حكاية عن طلب موسى×: {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي} ([94])، فتعتبر هذه الأخوّة من المنازل المهمّة التي ميّزت هارون عن أصحاب موسى× من بني إسرائيل.

دور الأخوة في نيل المقامات الإلهية

وقد أكّد القرآن الكريم على تلك المنزلة في جملة من الآيات المباركة، كما في قوله تعالى على لسان موسى×: {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}([95]). وقد استجاب الله تعالى له قائلاً: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}([96]).

ولاشك أنّ هذا الطلب الذي تقدّم به موسى× إلى الله تعالى، والذي هو عبارة عن إعطاء منصب الوزارة لشخص من أهله، وهو أخوه هارون واستجابة الله عزّ وجلّ لذلك الطلب، كلّ ذلك يستند في الحقيقة إلى قانون اصطفاء بعض البيوتات الطاهرة والذريّات المطهّرة ودوره في كيفية توزيع ومنح المناصب والمقامات الإلهية.

وقد وردت بنود ذلك القانون في كثير من الآيات المباركة، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([97])، فإنّ هذه الآية الكريمة صريحة في أن الاصطفاء بالمقامات الإلهية خاص ببعض البيوت المباركة، كما نصّ على هذه الحقيقة أيضاً قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داود وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كلّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([98])، فإن هذه الآيات المباركة تنصّ على أن لبيوت الأنبياء دوراً أساسياً في اجتباء ذرياتهم واصطفائهم وتفضيلهم على العالمين، كما أنها صريحة أيضاً في أن للأخوّة ـ مضافاً إلى الأبوّة والبنوّة ـ تأثيراً مهماً في استعداد الشخص لنيل المقامات الإلهية، وقد كانت أخوة هارون لموسى× منزلة أهّلته لبلوغ درجة النبوّة والخلافة.

والذي نريد التأكيد عليه في هذا المجال: هو أن القرابة النسبية الخاصة بين علي× وبين النبي الأكرم’ وكذا منزلة الأخوّة التي خصّ بها النبي’ علياً× على سائر الصحابة ـ كما سيتضح ـ كانت من الأصول والمبادئ المهمة التي استحق أمير المؤمنين× في ضوئها مقام الإمامة والخلافة، كما كان هذا الأمر ثابتاً لهارون بالنسبة إلى موسى×، ولا يخرج هذا الأمر عن قانون الاصطفاء في الآل والذرية الذي ذكرناه.

منزلة القرابة والأخوة بين النبي’ وعلي×

بناءً على ما ذكرناه من القرابة والأخوة بين هارون وموسى‘، قد يورد إشكال، حاصله:

إنّ علياً× وإن كان بينه وبين النبي’ علاقة الرحم وقربى النسب؛ لأنّه كان ابن عمه، إلاّ أنّه لم يكن أخاً نسبياً للنبي’ كي نقارن بين أخوّته وأخوّة هارون لموسى، وهذا فارق واضح وجليّ بين قرابة هارون ـ وهي الأخوّة النَسبية ـ وبين قرابة علي× وهي بنوّة العمومة.

والجواب عن هذا الإشكال:

إنّ النبي’ قد أثبت لعلي× أخوّة خاصة ـ كما سيأتي ـ تفوق في مزاياها وخصائصها ومعطياتها الأخوّة النسبية الناتجة عن التقاء الأبوين، فبالإضافة إلى القرابة النسبية القريبة بين علي× والرسول الأكرم’، فإن علياً× تميّز بأخوّة تكوينية خاصة للنبي’ أهّلته لنيل منازل الأخوة النسبية التي كانت لهارون×.

فعلي× ـ بحسب ما سنذكره من الروايات ـ كما أنّه من بيوت الأنبياء التي اصطفاها الله عزّ وجلّ، هو أيضاً أخ للنبي’.

الروايات الدالة على أخوة علي× للنبي

إنّ الروايات الدالة على أخوة علي× للنبي’ كثيرة جدّاً، نشير فيما يلي إلى بعضها:

الرواية الأولى: أنت أخي في الدنيا والآخرة

أخرج الترمذي في سننه بسند معتبر عن ابن عمر قال: «آخى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أنت أخي في الدنيا والآخرة. هذا حديث حسن غريب»([99]).

والحسن الغريب عند الترمذي هو ما كان رواته من الثقات، قال الأحوذي في شرحه للسنن: «وقال الحافظ أحمد بن عبد المحسن القرّافي في كتابه (معتمد النبيه): قول أبي عيسى: هذا حديث صحيح حسن غريب وهذا حديث حسن غريب، إنّما يريد به ضيق المخرج، أنّه لم يخرج إلاّ من جهة واحدة ولم تتعدد طرق خروجه، إلاّ أن راويه ثقة، فلا يضر ذلك فيستغربه هو لقلّة المتابعة»([100]).

الرواية الثانية: أنت أخي ووارثي

أخرج ابن حبّان في كتابه الثقات، عن الفضل بن الحباب، عن عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن البراء بن عازب، عن أبي بكر، عن رسول الله’، قال في يوم المؤاخاة لعلي×: «والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلاّ لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، قال: يا رسول الله، وما أرث منك؟ قال: ما ورثت الأنبياء قبلي، قال: وما ورثت الأنبياء قبلك؟ قال: كتاب الله وسنّة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي»([101]).

تصحيح السند

أمّا أبو خليفة الفضل بن الحباب، فقد قال عنه ابن حجر: «مسند عصره بالبصرة، يروي عن القعنبي ومسلم بن إبراهيم والكبار، وتأخّر إلى سنة خمس وثلاثمائة، ورحل إليه من الأقطار، وكان ثقة عالماً، ما علمت فيه ليناً»([102]).

وأمّا عبد الله بن رجاء، فقد قال عنه الذهبي: «عبد الله بن رجاء: الحافظ الثقة أبو عمرو الغداني البصري»([103]).

وأمّا إسرائيل بن يونس. فقد ذكره ابن حجر بقوله: «ثقة تكلّم فيه بلا حجة»([104]).

وأمّا أبو إسحاق السبيعي. فقد وثقه أحمد بن حنبل وابن معين، وغيرهم، وحديثه ـ كما يقول الذهبي ـ محتج به في دواوين الاسلام([105]). فالسند معتبر ورجاله كلّهم ثقات.

 أما ما يقال من أنه مدلس، فيجاب: اتفق العلماء على قبول عنعنة السبيعي، كالحاكم والذهبي، وابن حجر، بل روى له الشيخان بالعنعنة([106]).

واما اتهامه بالتخليط: فقد أنكر الذهب ذلك، قال: >إنه شاخ ونسي ولم يختلط...وقد تغير قليلاً<([107]).

الرواية الثالثة: علي أخو رسول الله’ قبل أن تخلق السماوات

أخرج الطبراني في الأوسط بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): مكتوب على باب الجنة: محمد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) علي أخو رسول الله قبل أن تخلق السماوات بألفي سنة»([108]) ولم يطعن في سند هذا الحديث إلاّ من جهة أشعث ابن عمّ الحسن بن صالح، قال الهيثمي في زوائده: «رواه الطبراني في الأوسط وفيه أشعث ابن عم الحسن بن صالح وهو ضعيف ولم أعرفه»([109]) في حين أن الخطيب البغدادي قد وثق أشعث قائلاً: «أشعث بن عم حسن بن صالح وكان يفضل على الحسن»([110]) وحسن بن صالح من كبار الرواة الثقات، قال عنه ابن حجر: «ثقة فقيه عابد رمي بالتشيع»([111])، فإذا كان الأشعث يفضل على ابن عمه حسن بن صالح، فلا شك في صلاحه ووثاقته.

الرواية الرابعة: أيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟

أخرج أحمد في مسنده عن علي× عن رسول الله’ في حديث الدار، قال: «يا بني عبد المطلب، إني بعثت لكم خاصّة وإلى الناس بعامّة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ قال: فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه وكنت أصغر القوم، قال: فقال: اجلس، ثلاث مرات، كلّ ذلك أقوم إليه، فيقول لي: اجلس، حتى إذا كان في الثالثة ضرب بيده على يدي»([112])، قال الهيثمي: «رواه أحمد ورجاله ثقات»([113]).

الرواية الخامسة: إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه

أخرج الطبراني في المعجم الكبير عن علي×، قال مبيّناً منزلته من رسول الله’: «والله، إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به منّي»([114])، قال الهيثمي: «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح»([115]).

إنّ هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها كلّها تثبت أنّ لعلي× أخوّة خاصة مع رسول الله’، وهي أخوّة قبل خلق السماوات والأرض، وفي الدنيا والآخرة كما تقدم في رواية الطبري، ولأجلها ورث علي× من رسول الله’ ما ورثه الأنبياء.

استناد الأخوة إلى الرابطة التكوينية

إنّ تلك الأخوّة الخاصة تستند إلى الرابطة التكوينية في الخلق بين علي× والنبي’، وهذا ما أكّدته جملة من الروايات، منها ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن جابر بن عبد الله، قال: «سمعت رسول الله يقول لعلي: يا علي، الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثم قرأ رسول الله: {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ}».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([116])، كما روى هذا الحديث القرطبي أيضاً في تفسيره([117]).

ولا شك أنّ معنى هذا الحديث هو أن بين النبي’ وعلي× علاقة ورابطة تكوينية في الخلق والإيجاد، أي أن علياً× والرسول الأكرم’ خلقهما الله تعالى من منبت تكويني خاص، يسقى بماء واحد، ويتميّز في خصائصه وصفائه وطهارته عن الأصل والمنبت الذي خلق الله تعالى منه سائر الناس، وهذه العلاقة الملكوتية هي ركيزة الأخوّة الخاصة التي أشرنا إلى تميّزها عن الأخوة النسبية في الخصائص والمواصفات، مضافاً إلى القرابة الشديدة بين علي× والنبي’، فهو ابن عمه ومن بيت اصطفاه الله تعالى على سائر البيوت، كما ورد ذلك في الصحيح عن النبي’، حيث قال: «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»([118]).

كما قال’ أيضاً: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إنّ الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً وخيرهم نسباً ... قال أبو عيسى: هذا حديث حسن»([119]).

وقال الهيثمي: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح»([120])، وقال الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح: «حديث صحيح وحسّنه الترمذي»([121]).

ومن الواضح أنّ علياً× من ذلك البيت المبارك والنسب الطاهر.

والحاصل: أنّ مقام ومنزلة القرابة الخاصة والأخوة التكوينية ثابتة لعلي× بنحو أعلى وأفضل من الأخوّة النسبية التي بين هارون وموسى‘، ولهذه القرابة والأخوة دورها الأساس في اختيار علي× للخلافة والاستخلاف.

المنزلة الثانية: المؤازرة والمعاضدة

من المنازل والمقامات المهمة التي أثبتها القرآن الكريم لهارون× هي مقام الوزارة، حيث إنّ الله عزّ وجلّ شدّ أزر موسى× به وجعله ردءاً ومدافعاً عن رسالته ومصدّقاً لها، قال تعالى على لسان موسى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}([122])، فأجابه الله تعالى: {قَالَ قَدْ اُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}([123])، وفي آية اُخرى من سورة الفرقان، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً}([124])، كما جاء على لسان موسى×: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي}([125]).

وقد سمّي الوزير وزيراً؛ لأنّه يحمل ثقل حمل الملك([126])، أو بمعنى الجبل الذي يُلتجأ إليه، سمّي بذلك؛ لأنّ الملك يُلتجأ إليه في آرائه وأحكامه([127]). فالوزارة منزلة ثابتة لهارون×.

وهذه المنزلة الكريمة والفضيلة العظيمة ثابتة لعلي× أيضاً بمقتضى عموم حديث المنزلة؛ إذ تقدم أنّ النبي’ لم يستثن من المنازل الثابتة لهارون غير النبوّة.

كما أنّ النبي’ قد صرح بثبوت منزلة الوزارة والمؤازرة لعلي× في جملة من الأحاديث، من ذلك ما رواه الثعلبي في تفسيره عن أبي ذر، قال: «صليت مع رسول الله يوماً من الأيام صلاة الظهر، فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللّهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً، وكان علي راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي’، فلمّا فرغ النبي’ من الصلاة فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهم إن أخي موسى سألك، فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً} اللّهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللّهم فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري.

قال أبو ذر: فو الله ما استتم رسول الله’ الكلمة حتى أنزل عليه جبرائيل من عند الله، فقال: يا محمد اقرأ، فقال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([128]).

ومؤازرة علي× ومعاضدته لرسول الله’ وجهاده وقتاله في سبيل الرسالة الخاتمة واضحة وضوح الشمس، فهو المدافع والمضحّي الأول عن الرسول’ طيلة حياته’، وقد جسّد تضحياته بكل ما يملك من مال أو نفس، مستهيناً بالموت من أجل بقاء النبي’ حياً، وقد نفهم ذلك المعنى من المؤازرة التي يراها النبي’ ثابتة عنده تجاه علي×، حينما يصرح’: «فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك»([129])، أو حينما يقول: «لا ينبغي أن يبلغ عني إلاّ رجل مني وأنا منه»([130])، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي تؤكد هذه المكانة والمنزلة بين النبي’ وعلي×.

ومن الواضح أنّ هذا المقام لعلي× من أهم وأعظم الفضائل، وقد أثبتها حديث المنزلة.

المنزلة الثالثة: الشراكة في الأمر

الشراكة في الأمر من المنازل التي أثبتها القرآن الكريم لهارون× على لسان أخيه موسى×، وذلك في قوله تعالى، حكاية عن موسى×: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}([131]).

هذه الشراكة لا يمكن لنا أن نحملها على الشراكة في النبوّة بحيث يكونان معاً نبيّاً واحداً، فهذا غير معقول، فلا بد أن تكون الشراكة في أمر يكون معقولاً، وهذا الأمر هو تحمّل أعباء الرسالة، وذلك يفضي إلى أن يكون لهارون من وجوب الطاعة نفس المستوى الثابت للنبي موسى×، فيكون هارون شريكاً لموسى في طاعة النبوّة، وعلى الجميع أن يطيعوا أمره. وهذا هو معنى قوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}([132]).

وهذه الطاعة لا تتنافى مع طاعة النبي موسى× فيمكن أن يكون الاثنان مفترضي الطاعة، مع وجود الأولوية لموسى×، فحيث إن موسى× هو صاحب الشريعة وهو الذي تلقّى الرسالة عن الله تعالى، فلا ولاية ولا قيادة على الاُمّة مع ولايته وقيادته.

وهذه الطاعة يمكن التعبير عنها بالولاية، فهي ثابتة فعلاً لهارون× بمقتضى منزلة الشراكة، وهذه الولاية هي الإمامة.

هذه الإمامة ثابتة لهارون، فلو قدّر له أن يعيش بعد موسى× لما كان هناك أحد ينازعه الخلافة بعد موسى×.

وقد كانت هذه الولاية واجبة الاتباع على بني إسرائيل؛ لأنّها مندرجة تحت وجوب طاعة أولي الأمر كما هو صريح قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}([133])، ومن الواضح أنّ هذه الإمامة لهارون× منبثقة عن أهليته واستحقاقه وتميّزه على أصحاب موسى×، بما فيهم يوشع بن نون الذي كان موجوداً في ذلك الحين، والذي نال مقام الخلافة والإمامة بعد وفاة هارون وموسى‘.

وفي ضوء تلك الشراكة كان هارون هو الرجل الثاني في حكومة موسى×، ولا يمكن أن تصل الخلافة لشخص آخر في حال غياب موسى× ما دام هارون موجوداً، سواء أكان غياب موسى× بذهابه إلى ربّه أم بموته أم غير ذلك، وما موت هارون× في حياة موسى إلاّ مانع منع من استمرار خلافة هارون بعد وفاة أخيه×.

إشكال الاستثناء المنقطع وجوابه

بقي أن نتعرّض لإشكال أورده بعض على الحديث، وهو كون الاستثناء فيه منقطعاً، فلا يدلّ على العموم.

نقول: سواء كان الاستثناء منقطعاً أم متصلاً، فالعموم ثابت في الحديث، وعلى تقدير كونه متصلاً، فالعموم واضح، وأمّا على تقدير كونه منقطعاً، فالعموم ثابت أيضاً.

توضيح ذلك: قد يقال: إن النبوّة ليست من المنازل؛ لأنّ معنى المنزلة ـ كما أوضحنا ـ هي المكانة والمرتبة، وهي نحو من أنحاء الارتباط بين شخصين، بينما النبوّة جعل إلهي من الله للشخص ولا يصحّ عدّها من المنازل، فاستثناؤها من المنازل من قبيل ما لو قيل: سافر الحجاج إلاّ أمتعتهم، وذلك لا يفيد العموم؛ لأنّ الاستثناء المنقطع بمثابة قضية مستقلة لحقها استدراك؛ لرفع توهم نشأ من الكلام، كما يقال: جاء زيد ولم يجئ عمرو.

وجواب ذلك: أنّ الاستثناء المنقطع، كالمتّصل في إفادته العموم؛ لأنّ الكلام فيه مسوق لإفادة التأكيد والمبالغة، ففي المثال الذي ذكرناه يدلّ على أن جميع الحجاج قد سافروا ولم يبق منهم أحد، وأن الباقي هو أمتعتهم فقط، فالمتكلم حين صار بصدد إخراج الأمتعة واستثنائها كان ملتفتاً ومتوجهاً إلى عدم بقاء أي شخص من الحجاج، فلو كان شخص قد بقي منهم لذكره بطريق أولى من ذكر الأمتعة.

وفي الحديث الشريف قد نزّل النبي’ علياً× من نفسه منزلة هارون من موسى من الوزارة وشد الأزر والإشراك في الأمر، ثم مبالغة في التأكيد على جميع تلك المنازل تعرّض لما ليس منها وهي النبوّة التي كان هارون واجداً لها بحيث لو عاش لكانت ثابتة له، فنفاها عنه لأنّه لا نبي بعد النبي’، بل هو خاتم الأنبياء.

الجواب الثالث: دلالة حديث المنزلة على خلافة علي بعد وفاة النبي

اعتمد القفاري في شبهته على إبراز جهة التمايز بين خلافة هارون في حياة موسى× وبين الخلافة التي تثبتها الشيعة لعلي× بعد وفاة النبي’؛ وذلك لأنّ هارون× توفي في حياة موسى ولم يكن خليفة له بعد وفاته، وهذا يعني أنّ الخلافة بعد موسى لم تكن من منازل هارون كي تثبت لعلي× بقول النبي’: «إلاّ أنّه لا نبي بعدي»، وحينئذٍ يفقد حديث المنزلة دلالته على خلافة علي× وإمامته بعد النبي’ ([134]).

ولكن هذا الكلام يكشف عن قصور في فهم الأحاديث النبوية، وجهل بحقيقة الخلافة الإلهية للأنبياء والأوصياء، فإن في حديث المنزلة جواباً واضحاً على هذه الشبهة، وبيان ذلك يعتمد على استيضاح الاُمور التالية:

أولاً: حديث المنزلة يثبت منازل هارون لعلي× بعد وفاة النبي

إنّ حديث المنزلة بكل ألفاظه المتقدمة صريح في إثبات منازل هارون لعلي× بعد وفاة النبي’ وإن كان هارون قد توفّي في حياة موسى×، وذلك يظهر جلياً في قول النبي’: «إلاّ أنّه لا نبي بعدي» وقوله’: «إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي»([135])، فهذه الألفاظ الواردة في حديث المنزلة بأسانيد معتبرة ـ كما تقدم ـ صريحة في أنّ النبي الأكرم’ أراد أن يثبت لعلي× منازل هارون حتى بعد وفاته’، والنبي’ عندما استثنى النبوّة ونفاها عن علي× من بعده كما هي منتفية في حال حياته، فإنّه يثبت في الوقت ذاته بقية المنازل لعلي× من بعده كما هي كذلك في حال حياته المباركة، والخلافة أيضاً من تلك المنازل الثابتة لعلي في حال غياب النبي’ وذهابه سواء كان غيابه’ لأجل الجهاد أم بسبب الموت والانتقال إلى الله تبارك وتعالى، فلا ينبغي أن يذهب النبي’ إلاّ وعلي× خليفته في كلّ مؤمن من بعده، وليس ذلك إلاّ للخصائص التي تميّز بها علي× على سائر الصحابة، وأعطته الأهلية لتلقّي الخلافة عن النبي’ في حال غيابه وذهابه.

ثانياً: إطلاق حديث المنزلة

إنّ حديث المنزلة إذا لم يكن صريحاً في إثبات منازل هارون لعلي× بعد وفاته، فهو مطلق على أقل التقادير، ولم يقيده النبي’ في حال حياته، فهو شامل لحال الحياة وبعد الوفاة، والتخصيص بحال الحياة يحتاج إلى الدليل، ولا يقال إنّ هناك قرينة على التخصص وهي بمثابة المانع بسبب وفاة هارون× في حال حياة موسى، فإن مجرد ذلك لا يصلح دليلاً على التخصيص، بل يرد ذلك قوله’ المتقدم: إلاّ أنّه لا نبي بعدي، وقوله’: لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي.

الجواب الرابع: الرد على حديث تشبيه أبي بكر وعمر بالأنبياء

لقد أورد القفاري عن ابن حزم، قوله: «وتشبيه علي بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى، وتشبيه عمر بنوح وموسى».

ذكر القفاري أن التشبيه مروي في مسند أحمد والحاكم، وسوف نذكر متن الحديث في المسند ثم نتعرض لذكر الإشكالات عليه.

ونصّ الحديث في المسند هو: «حدثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم، قال: وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قرّبهم فاضرب أعناقهم، قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثم أضرم عليهم ناراً، قال: فقال العباس: قطعت رحمك، قال: فدخل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولم يرد عليهم شيئاً، قال: فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال: فخرج عليهم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإنّ الله ليشدّ قلوب رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة، وإنّ مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم×، قال: {مَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى، قال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وإنّ مثلك يا عمر كمثل نوح، قال: {رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً}، وإنّ مثلك يا عمر كمثل موسى، قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}، أنتم عالة فلا ينفلتن منهم أحد إلاّ بفداء أو ضربة عنق»([136]).

وهذا النقض بمضمون هذا الحديث من ابن حزم وغيره ساقط من وجوه عديدة، نشير إلى بعضها:

أولاً: الحديث منقطع

إنّ حديث تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى وتشبيه عمر بنوح وموسى أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود، والحديث منقطع، فإن أبا عبيدة لم يسمع عن أبيه عبد الله بن مسعود.

أخرج الترمذي عن عمرو بن مرّة، قال: «سألت أبا عبيدة بن عبد الله: هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا»([137])، وقال النسائي في السنن: « أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً»([138])، كما ذكر ذلك ابن حبّان في كتابه (الثقات)، حيث قال: «أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود يروي عن أبيه ولم يسمع منه شيئاً»([139]).

والحديث المذكور لم يرو إلاّ عن أبي عبيدة عن أبيه، فهو ساقط عن الاعتبار ولا يمكن الاستدلال والاحتجاج به على المباني السنية، ولا يوجد لهذا الحديث ـ بحسب تتبعنا ـ أي متابعات أو شواهد داعمة لإثبات حسنه.

وقد صرح بانقطاعه الهيثمي، قال في زوائده عند ذكره للحديث: «وفيه أبو عبيدة ولم يسمع من أبيه ولكن رجاله ثقات»([140])، كما صرح بضعفه جملة من أعلام الطائفة السنية، قال الألباني في تعليقه على الحديث: «بل منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه كما قال الهيثمي»([141]) وقال أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناده ضعيف، لانقطاعه، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود»([142])، وكذا ما ذكر شعيب الأرنؤوط في حكمه على رواية المسند أيضاً([143]).

ثانياً: الحديث لا يتضمن التشبيه في جميع المنازل

إنّ الحديث لا يتضمن تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى^، إلاّ من جهة الصفح والتجاوز عن الآخرين، كما أنّه لا يتضمن تشبيه عمر بنوح وموسى^، إلاّ من جهة الشدّة والغضب على قومهما؛ وذلك لأنّ الحديث المنسوب إلى النبي’ يقول: «وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم× قال: {مَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى، قال: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وإن مثلك يا عمر كمثل نوح، قال: {رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} وإن مثلك يا عمر كمثل موسى، قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ([144])، والحديث كما هو واضح لا يُنزّل ولا يُشبه أبا بكر وعمر إلاّ من جهة خاصة وصفة محدّدة، وليس فيه أي دلالة على أفضليتهم أو إمامتهم وخلافتهم لرسول الله’، وهذا بخلاف ما دلّ عليه حديث المنزلة، حيث نزّل النبي الأكرم’ علياً× منزلة هارون من موسى÷ في كلّ صفاته ومزاياه وخصائصه إلاّ النبوّة، فهناك فرق واضح وجلي بين التشبيه بـ (مثلك) وبين تنزيل النبي’ لعلي بقوله: منزلتك مني!!.

فالحديث مع ضعف سنده لا يدلّ على تشبيه أبي بكر وعمر بالأنبياء في جميع صفاتهم ومنازلهم، كي يقال: إنّ تشبيه علي× بهارون× ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر بإبراهيم وعيسى÷ وتشبيه عمر بنوح وموسى‘.

 

ثالثاً: اعتقاد الطائفة السنية في أبي بكر وعمر

مع غضّ النظر عمّا أسلفنا من ضعف رواية التشبيه المزعومة وضعف دلالتها، فإنّ الطائفة السنية لا تعتقد أنّ أبا بكر وعمر بمنزلة إبراهيم وعيسى ونوح وموسى^ في جميع المنازل إلاّ النبوّة، حتى يقال: إنّ تشبيههم بالأنبياء من أولي العزم كتشبيه علي× بهارون من موسى×.

وأمّا تشبيه علي× بهارون في حديث المنزلة فهو تشبيه وتنزيل في جميع المقامات والخصائص إلاّ النبوّة، فلا وجه للمقارنة بين التشبيهين في الحديثين.

التحريف في حديث المنزلة

ثم لا يبعد أن تكون هذه الرواية التي نقلت التشبيه من الروايات الموضوعة في قبال فضائل علي×، فقد عمد الوضّاعون إلى وضع الكثير من الأحاديث للتقليل من مفاخر علي× وفضائله، وحديث المنزلة لم يسلم من التحريف، وفي الحقيقة هذا يكشف من جانب آخر على أنهم فهموا من حديث المنزلة فضيلة كبيرة لعلي× وإلاّ لما عمدوا إلى تحريف الحديث ونسبته إلى الخليفتين أبي بكر وعمر، فقد روى ابن عساكر: «عن زكريا بن يحيى البصري، نا مسلم بن إبراهيم، نا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى»([145]).

وروى الخطيب البغدادي: «عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى»([146]).

وبلا شك فإنّ علامات الوضع لائحة على هذين الحديثين، فهما مكذوبان على النبي’.

قال الذهبي في ترجمة قزعة بن سويد: «وله حديث منكر عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس ـ مرفوعاً: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن الله اتخذ صاحبكم خليلاً، أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى. رواه غير واحد عن قزعة»([147]).

وقال أيضاً في ترجمة عمار بن هارون: «... حدثنا عمار بن هارون المستملي، حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة. عن ابن عباس حديث: ما ينفعني مال، ما ينفعني مال أبي بكر. وزاد فيه: وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى. قلت: هذا كذب»([148]).

مضافاً إلى أنّ في سنده عمار بن هارون المستملي، قال ابن حجر فيه: «قال ابن عدي: عامّة ما يرويه غير محفوظ، وقال في موضع آخر: يسرق الحديث ... وقال العقيلي: عمار بن هارون أبو ياسر الدلال قال لي موسى بن هارون: عمار بن هارون أبو ياسر متروك الحديث، ثم ذكر كلام ابن المديني»([149]).

قال ابن الجوزي: «أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أنا أبو بكر بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز الطاهري، قال: نا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، قال: نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، قال: أنا بشر بن دحية، قال: أنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: أنّ النبي قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى. قال المؤلف: هذا حديث لا يصحّ، والمتهم به الشاعر، وقد قال أبو حاتم الرازي: لا يحتجّ بقزعة بن سويدة: وقال أحمد: هو مضطرب الحديث»([150]).

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل وصل الحال إلى تبديل مفردات الحديث لكي ينقلب معناه ومضمونه من مدح أمير المؤمنين× إلى ذمّه: «قال إسماعيل بن عياش: رافقت حريزاً من مصر إلى مكة فجعل يسبّ علياً ويلعنه، وقال لي: هذا الذي يرويه الناس أن النبي (ص) قال لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) حق، ولكن أخطأ السامع. قلت: فما هو؟ قال: إنّما هو: (أنت مني بمكان قارون من موسى)، قلت: عمّن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله على المنبر»([151]).

فلا نملك إلاّ أن نقول: لا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم، ما بال هذا الرجل كلّما سعى مبغضوه للنيل منه والحط من منزلته ازداد رفعة وسمواً سلام الله عليه.

الأحاديث الاخرى في فضل علي×

بعد أن استعرض القفاري قول ابن حزم ورأيه في حديث المنزلة، استطرد في ذكر آراء وأقوال ابن حزم حول الأحاديث الاُخرى الواردة في فضل علي×، ومن تلك الأحاديث قول النبي’ في حق علي× في معركة خيبر: «لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»([152]).

قال ابن حزم: «وهذه صفة واجبة لكل مؤمن وفاضل»([153]).

ومن تلك الأحاديث أيضاً ما عهده النبي’ لعلي× بقوله: «لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»([154]).

قال ابن حزم في تعليقه على الحديث: «وقد صحّ مثل هذا في الأنصار (رضي الله عنهم) أنّه لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر»([155]).

ثم قال ابن حزم بعد ذلك: «وأمّا: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يصحّ من طريق الثقات»([156]).

وحيث إنّ القفاري في كتابه قد خصص البحث حول هذا الحديث الأخير وهو حديث الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه)، وزعم أنّه عمدة الأدلة على الإمامة من السنة النبوية عند الشيعة، فإننا سنُوكل البحث فيه سنداً ودلالة إلى حين التعرّض للإجابة عن الشبهة اللاحقة، ونذكر جواباً مختصراً عمّا قاله في الحديثين الأوّلين.

1ـ حديث الراية

إنّ ما زعمه ابن حزم من أنّ قول النبي’: «يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» صفة واجبة لكل مسلم وفاضل، فيه مجانبة واضحة للحق، ساقه إليها بغضه للشيعة وعداوته لمن يسمّيهم بالروافض، وإلاّ فإن الحديث واضح في إثبات فضيلة لعلي× افتقدها جميع الصحابة الذين كانوا حاضرين في معركة خيبر، وفيهم الخليفة الأول والثاني والثالث.

فهم الصحابة من حديث الراية فضيلة عظيمة

قد بات الصحابة كلّهم يتمنون أن ينالوا تلك المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة، وهذا ما تؤيّده ألفاظ الحديث التي أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن والمسانيد، ففي لفظ البخاري: «فبات الناس ليلتهم أيّهم يعطى، فغدوا كلّهم يرجوه»([157])، وفي لفظ آخر: «فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كلّهم يرجو أن يعطاها»([158])، وفي عبارة مسلم عن سعد: «فتطاولنا لها»([159])، وفي رواية اُخرى في صحيح مسلم أيضاً: «قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، قال: فتساورت لها رجاء أن ادّعى لها»([160])، فإنّ هذه العبارات وغيرها صريحة في أنّ الصحابة كلّهم قد فهموا من الحديث فضيلة عظيمة لا ينالها إلاّ ذو حظّ عظيم، وقد تطاولوا لها، وتساور لنيلها عمر بن الخطاب، وما أحبَّ الإمارة إلاّ يومئذٍ؛ وذلك لاقتران الإمارة بمنزلة رفيعة وهي حبّ الله ورسوله.

وقد تقدم أنّ سعداً رفض أن يسبّ علياً× عندما أمره معاوية بذلك، فقال له معاوية: «ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله فلن أسبّه؛ لئن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم»([161])، وذكر من تلك الثلاثة حديث الراية، وهذه العبارة ـ كما ذكرنا ـ صريحة في أنّ سعداً قد فهم من حديث الراية ثبوت فضيلة لعلي× يتمناها سعد وسائر الصحابة، ويرى أنها لا يمكن أن تقارن بحمر النعم، الذي هو كناية عن أموال الدنيا وكنوزها.

وإذا كان الأصحاب قد فهموا تلك المنزلة السامية من حديث الراية، فلا قيمة لما ذكره ابن حزم وغيره في هذا المجال.

2ـ حديث (إن علياً لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)

وأمّا قول النبي’: «إنّ علياً لا يحبه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق»، فلا شك أن كلّ قارئ وسامع يعرف اللغة العربية سيفهم منها إثبات فضيلة عظيمة لعلي×، وأنّه ميزان يعرف به الإيمان ويتميّز عن النفاق، فلا يحبّ علياً× إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق، ولو ثبتت هذه الفضيلة بنفسها للأنصار بمجموعهم فهي فضيلة لهم أيضاً، ويكون عموم الأنصار قد نالوا ما ناله علي× من الفضيلة لوحده.

حديث الأنصار مقيد بكونهم أنصاراً لله تعالى

ولكن يرد على النقض بحديث الأنصار: أنّ حديث: «حبّ الأنصار إيمان وبغضهم نفاق» يختلف في مضمونه ومحتواه عمّا ورد في علي×، فإن الحكم المترتب على حبّ الأنصار وبغضهم مقيّد بوصف كونهم أنصاراً لله ورسوله، فإن تقييد الحكم في الحديث بالنصرة مشعر بالعلّية، بمعنى أن الحكم بإيمان محبهم ونفاق مبغضهم معلّق على ذلك القيد، ونحن نؤمن بأنّ من يحب الأنصار لأنهم نصروا الله ورسوله فهو مؤمن وحبّه علامة إيمانه، وأن من يبغض الأنصار بوصف كونهم أنصاراً منافق، كما قال رسول الله’، ولكن هذا لا يعني أن الحكم ثابت لحبّ وبغض كلّ فرد من الأنصار([162]) وإن فعل ما فعل وخالف رسول الله’، كما لو قيل: أكرم العلماء، فإنّ هذا الحكم وهو وجوب إكرام هؤلاء العلماء معلّق على وصف العلم، بحيث لو خرج أحدهم عن ذلك القيد لا يجب إكرامهم.

وهذا بخلاف الحديث الوارد في علي×، فإنّ الحكم مترتب ومعلّق على ذات علي× وشخصه، فعلي في ذاته لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق.

نكتفي بهذا القدر من الردّ على الإشكال حول روايات الفضائل التي استعرضها القفاري في كتابه بنحو الاستطراد، وننتقل في البحث التالي إلى ما قيل في حديث الغدير.


حديث الغدير وشبهة عدم دلالته على إمامة علي

الشبهة الأولى: ضعف أسانيد حديث الغدير

قال القفاري: «عمدة أدلتهم هو ما يسمّونه (حديث الغدير) ... ونوجز جواب أهل السنة، فيما يلي: إنّ الحديث زاد الوضّاعون فيه ولا يصحّ منه في نظر طائفة من أهل العلم في الحديث إلاّ قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، بينما يرى بعض أهل العلم أنّ الحديث لا يصحّ منه شيء البتة، قال ابن حزم: (وأمّا من كنت مولاه فعلي مولاه، فلا يصحّ من طريق الثقات أصلاً)، ونقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعّفوه، قال شيخ الإسلام: وأمّا قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فليس هو في الصحاح، لكن هو مما رواه أهل العلم وتنازع الناس في صحّته، وأمّا قوله: (اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) فهو كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث»([163]).

أساسيات الشبهة

1ـ إنّ حديث الغدير في نظر طائفة من أهل العلم زاد الوضّاعون فيه، ولا يصحّ منه إلاّ قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

2ـ يرى بعض أهل العلم أنّ الحديث لا يصحّ منه شيء البتة، وقد طعنوا فيه وضعّفوه.


الجواب الأول: صحة طرق حديث الغدير في كتب أهل السنة

لكي يتّضح الجواب عن الشبهة المذكورة، لابدّ أن نثبت أولاً صحّة أسانيد وطرق حديث الغدير بألفاظه المختلفة، سواء كان بلفظ «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويكون ذلك ردّاً على من طعن وشكك في صدور هذا اللفظ من الحديث بطريق صحيح ـ كما نقل ذلك القفاري عن ابن حزم وابن تيمية، تبعاً لما ينسب إلى البخاري وإبراهيم الحربي ـ أم كان بألفاظه الاُخرى وزوائده المختلفة، ويكون ذلك ردّاً على من قال: إنّ كلّ ما ذكر من الزيادات على قول النبي’: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقد زادها الوضّاعون، كما نسب القفاري ذلك إلى ابن تيمية في منهاج السنة.

وفيما يلي نستعرض بعض ألفاظ الحديث الواردة بطرق صحيحة ومعتبرة من كتب الطائفة السنية:

الحديث الأول: ما أخرجه الترمذي عن أبي الطفيل

أخرج الترمذي في سننه بسنده عن النبي’، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال أبو عيسى: «هذا حديث حسن صحيح»([164]).

وقد أدرجه الألباني في صحيح سنن الترمذي، قائلاً: «صحيح»([165])، وذكره أيضاً في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة)، حيث قال: «أخرجه الترمذي، قال: حديث حسن صحيح، قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين»([166]).

وقد أخرج هذا الحديث أيضاً بألفاظه أحمد بن حنبل في مسنده بسند صحيح([167])، قال عنه الهيثمي في زوائده: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح»([168])، وقد صحّح هذا الحديث كلّ من حقّق كتاب المسند وعلّق عليه، منهم شعيب الأرنؤوط، قال: «إسناده صحيح»([169])، ومنهم حمزة أحمد الزين، حيث قال أيضاً: «إسناده صحيح»([170]).

اختلاف النسخ في نقل تعليق الترمذي على حديث الغدير

بعد أن ذكرنا ما أخرجه الترمذي في سننه بسنده عن النبي‏’، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» استوقفنا في هذا المضمار تعليق الترمذي وحكمه على هذا الحديث، حيث وجدنا أنّ عبارته في النسخ القديمة هي: «هذا حديث حسن صحيح»، وهذا موجود في النسخة التي حققّها وشرحها أحمد محمّد شاكر وغيره في سنة (1938م)([171])، ولكن عند ما راجعنا المطبوع حديثاً في كتاب السنن للترمذي استغربنا كثيراً حينما لاحظنا أنّ الموجود في عبارة الترمذي هو قوله: «هذا حديث حسن غريب»، وهذا في النسخة الجديدة التي حقّقها مصطفى الذهبي والمطبوعة في سنة (1999م)([172]).

وبعد أن واجهتنا مشكلة الاختلاف في النسخ، حاولنا الرجوع إلى الكتب التي حققت وشرحت سنن الترمذي، فلم نجد أحداً أشار إلى هذه المسألة أو نبّه على اختلاف نسخ الكتاب.

ولكن في أثناء مراجعتنا لتلك الكتب، لاحظنا أنّ الشرّاح اختلفوا في نقل العبارة المذكورة، ففي كتاب (العرف الشذي شرح سنن الترمذي) للكشميري بتحقيق الشيخ محمود أحمد شاكر، أورد العبارة بلفظها الأول، وهو قوله: «هذا حديث حسن صحيح»([173])، ومن الواضح أنّ الكشميري من أعلام القرن السادس، واللفظ ذاته ورد في كتاب (عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) حيث أورد قول الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»([174])، وكتاب عارضة الأحوذي هو من تأليف الحافظ ابن العربي المتوفى في سنة (543 هـ)، ولكن المباركفوري في كتابه (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) أورد العبارة بلفظها الآخر، وهو قوله: «هذا حديث حسن غريب»([175])، والمباركفوري توفي في سنة (1353هـ).

وهذا ما يثير لدينا الشكوك بوجود أياد خفيّة تحاول أن تتلاعب بألفاظ الروايات الواردة في فضائل علي‏×، فما يدرينا لعلّ هناك روايات كثيرة في الفضائل قد صحّحها الترمذي وأترابه، ولكن تلاعب من جاء بعدهم في تلك التصحيحات حذفاً أو تصحيفاً؟

والغريب في الأمر أنّ الألباني لم يلتفت في تحقيقاته إلى هذا الاختلاف في العبارة، حيث أورد العبارة الثانية في كتابه (صحيح سنن الترمذي)، وهو قول الترمذي: «هذا حديث حسن غريب»([176])، وقد صحّح الألباني الحديث المذكور بعد ذلك، ثمّ أرجع القارئ إلى ما حقّقه في كتاب (سلسلة الأحاديث الصحيحة)، حيث أثبت هناك صحّة حديث الغدير بألفاظه المختلفة.

ولكن عندما رجعنا إلى كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة) وجدنا أنّ الألباني قد نقل عبارة الترمذي بلفظها الأول، حيث قال في السلسة: «من كنت مولاه فعلى مولاه أخرجه الترمذي (298/2) وقال: حديث حسن صحيح»([177]).

وإذا كان الألباني ـ وهو من كبار علماء السلفية المعاصرين ـ لا يلتفت إلى هذا الاختلاف الواضح بين النسخ، فما بالك بمن هو دونه؟


الحديث الثاني: ما أخرجه ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص

أخرج ابن ماجه في سننه بسند صحيح، عن سعد بن أبي وقاص، قال: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا الرجل، سمعت رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه»([178])، قال الألباني في حكمه على هذا الحديث من السنن: «صحيح»([179]).

الحديث الثالث: ما أخرجه ابن ماجه عن البراء بن عازب

أخرج ابن ماجه في سننه بسند صحيح أيضاً، عن البراء بن عازب، قال: «أقبلنا مع رسول الله في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي (رضي الله عنه)، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا وليّ من أنا مولاه، اللّهم وال من والاه، اللّهم عاد من عاداه»([180])، وقال الألباني أيضاً في تعليقه على الحديث: «صحيح»([181]).

الحديث الرابع: ما أخرجه أحمد في مسنده عن رياح بن الحرث

أخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن رياح بن الحرث، قال: «جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم غدير خمّ يقول: (من كنت مولاه فإن هذا مولاه) قال رياح: فلمّا مضوا تبعتهم، فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري»([182]).

قال الهيثمي في حكمه على الحديث: «ورجال أحمد ثقات»([183])، وقال حمزة أحمد الزين في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح»([184])، وقال شعيب الأرنؤوط عن الحديث: «إسناده صحيح»([185])، وقال الألباني في تعليقته على الحديث: «وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات»([186]).

الحديث الخامس: ما أخرجه أحمد في مسنده عن أبي الطفيل

أخرج أحمد في مسنده أيضاً، بسند صحيح، عن حسين بن محمد وأبي نعيم، قالا: «حدثنا فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خمّ ما سمع لمّا قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا: حين أخذ بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت علياً ـ رضي الله تعالى عنه ـ يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول ذلك له»([187]).

قال الهيثمي بعد أن أورد الحديث: «رواه البزار وأحمد ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة»([188])، وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح»([189]).

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً»([190])، وقال الألباني في سلسلته الصحيحة: «أخرجه أحمد (4/370) وابن حبّان في صحيحه (2205ـ موارد الظمآن)، وابن أبي عاصم (1367 و1368) والطبراني (4968) والضياء في المختارة (رقم ـ 527 بتحقيقي)» ثم قال: «قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري»([191]).


الحديث السادس: ما أخرجه الحاكم عن زيد بن أرقم

أخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن زيد بن أرقم، قال: «خرجنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى انتهينا إلى غدير خمّ، فأمر بروح، فكسح في يوم، ما أتى علينا يوم كان أشدّ حرّاً منه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس، إنّه لم يبعث نبي قط إلاّ ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن ادّعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله عزّ وجلّ، ثم قام فأخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال: يا أيها الناس، من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، [ألست أولى بكم من أنفسكم؟]([192]) قالوا: بلا، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». وتابعه الذهبي في التلخيص، بقوله: «صحيح»([193]).

الحديث السابع: ما أخرجه النسائي عن زيد بن أرقم

أخرج النسائي في الخصائص بسند صحيح عن زيد بن أرقم، قال: «لما رجع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) عن حجة الوداع ونزل غدير خمّ أمر بدوحات([194])، فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي، فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»([195]).

وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث بالسند ذاته، وقال عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله» وسكت عنه الذهبي في التلخيص([196])، وقال ابن كثير بعد أن أخرج الحديث: «قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح»([197])، وقد وافق الألباني الحاكم وأقرّه على أنّ هذا الحديث على شرط الشيخين، بقوله في السلسلة الصحيحة: «وهو كما قال» ثمّ أضاف: «لو لا أنّ حبيباً كان مدلّساً»([198]).

ولا أدري ما هي قيمة هذا الاستثناء، بعد أن كان حبيب بن أبي ثابت من رجال البخاري ومسلم، بل روى له الستة واحتجّوا بحديثه، فقد احتج البخاري بحديثه في كتاب الصوم، وكذا في كتاب البيوع وكتاب الجهاد والسير وكتاب بدء الخلق وكتاب المناقب وكتاب المغازي وكتاب التفسير وكتاب الطب وكتاب الفتن وغيرها من الكتب([199]).

كما احتج بحديثه أيضاً مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة وكتاب الجنائز وكتاب الجمعة وكتاب الصوم وكتاب الحج وكتاب الجهاد والسير وكتاب السلام وغيرها من الكتب([200]).

وقال عنه الذهبي في الكاشف: «كان ثقة مجتهداً فقيهاً»([201])، كما قال عنه في السيّر إنّه: «الإمام الحافظ، فقيه الكوفة»([202])، وقال عنه أيضاً في ميزان الاعتدال: «من ثقات التابعين ... قلت: وثّقه يحيى بن معين وجماعة، واحتجّ به كلّ من أفراد الصحاح بلا تردد»([203]).

وفي تهذيب التهذيب لابن حجر: «وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر حديثاً من أن أحتاج أذكر من حديثه شيئاً، وقد حدّث عن الأئمة، وهو ثقة حجة، كما قال ابن معين»([204]).

والسؤال المطروح في هذا المجال: هو أنّ الألباني لماذا يذكر مسألة التدليس لتضعيف الرواية، ويُغفل تلك التوثيقات، وينسى أنّ حبيباً من رجال الستة؟ فهل أنّ رجال البخاري ومسلم جازوا القنطرة إلاّ في أحاديث فضائل علي×؟!!

الحديث الثامن: ما أخرجه البزار في مسنده عن زيد بن يثيع وغيره

أخرج البزار في مسنده بطريق صحيح عن عمرو ذي مر، وعن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيع، قالوا: «سمعنا علياً يقول: نشدت رجلاً سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خمّ لمّا قام، فقام إليه ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بيد علي، فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله»([205]).

قال الهيثمي في زوائده: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة»([206]).

وأخرج أحمد الحديث بألفاظه، وقال عنه الشيخ أحمد محمد شاكر: «إسناده صحيح»([207]).


الحديث التاسع: ما أخرجه البزار في مسنده عن سعد بن أبي وقاص

أخرج البزار أيضاً في مسنده بطريق صحيح، عن سعد بن أبي وقاص: «أن رسول الله أخذ بيد علي×، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت وليّه فإن علياً وليّه»([208]).

قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات»([209]).

الحديث العاشر: ما أخرجه أحمد عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع

أخرج أحمد في المسند بسند معتبر، عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع، قالا: «نشد علي الناس في الرحبة: من سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خمّ إلاّ قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول لعلي (رضي الله عنه) يوم غدير خمّ: أليس الله أولى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى، قال: اللّهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»، قال أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح، سعيد بن وهب الهمداني الخيواني، بفتح الخاء وسكون الياء: تابعي، ثقة، قديم، أدرك زمن رسول الله وسمع من معاذ بن جبل في حياته، وكان يلزم علي بن أبي طالب»([210]).

وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: «وإسناده حسن، وأخرجه البزار بنحوه وأتمّ منه» ثم تابع قائلاً: «وللحديث طرق اُخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في (المجمع 9/ 103ـ 108) وقد ذكرت وخرّجت ما تيسّر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلاّ فهي كثيرة جدّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح ومنها حسان.

وجملة القول: إن حديث الترجمة (من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه) حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه متواتر عنه (صلّى الله عليه وسلّم)، كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية»([211]).

الحديث الحادي عشر: ما أخرجه النسائي عن عائشة بنت سعد عن أبيها

أخرج النسائي في سننه الكبرى، قال: «أخبرني هلال بن بشر، قال: حدثنا محمد بن خالد وهو بن عثمة، قال: حدثنا موسى بن يعقوب، قال: حدثنا مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد، قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيّها الناس إنّي وليكم، قالوا: صدقت يا رسول الله، ثم أخذ بيد علي فرفعها، وقال: هذا وليي والمؤدّي عنّي، وإنّ الله موالٍ لمن والاه ومعادٍ من عاداه»([212]).

وأخرج هذا الحديث ابن أبي عاصم في كتاب السنة بنفس السند ([213])، وقال الألباني في تعليقه على الحديث: «ورجاله ثقات غير موسى بن يعقوب، فإنّه سيئ الحفظ» ([214]). ولكن موسى بن يعقوب قد وثّقه غير واحد من العلماء وقبلوا أحاديثه، ففي تهذيب الكمال، قال: «موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب ابن زمعة ... قال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ثقة ... وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: صالح ... وذكره ابن حبان في كتاب الثقات»([215]).

وفي تهذيب التهذيب: «قال ابن عدي: لا بأس به عندي ولا برواياته ... وقال ابن القطان: ثقة»([216]).

وقد ذكر ابن كثير أن موسى بن يعقوب، صدوق، حينما نقل الحديث عن ابن جرير الطبري قال: «قال ابن جرير ثنا أحمد بن عثمان أبي الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عثمة، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي وهو صدوق، عن مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد، سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب، ثم قال: أيها الناس إني وليكم؟ قالوا: صدقت، فرفع يد علي، فقال: هذا ولييّ والمؤدّي عنّي، وإنّ الله موالي من والاه ومعادي من عاداه».

ثم قال ابن كثير: «قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب» وتابع قائلاً: «ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كبير، عن مهاجر بن مسمار، فذكر الحديث، وأنّه× وقف حتى لحقه من بعده وأمر بردّ من كان تقدّم، فخطبهم ...»([217]).

الحديث الثاني عشر: ما أخرجه الخطيب البغدادي عن أبي هريرة

أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه، قال: «أنبأنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خمّ، لمّا أخذ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست وليّ المؤمنين، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبرئيل× على محمد (صلّى الله عليه وسلّم) بالرسالة».

قال الخطيب: «اشتهر هذا الحديث من رواية حبشون، وكان يقال: إنّه تفّرد به، وقد تابعه عليه أحمد بن عبد الله بن النيري، فرواه عن علي بن سعيد، أخبرنيه الأزهري، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي ميمي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري إملاءً، حدثنا علي بن سعيد الشامي، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن بن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمانية عشرة من ذي الحجة، وذكر مثل ما تقدم أو نحوه»([218]).

وهذه الرواية طريقها صحيح، فإن ابن بشران من شيوخ الخطيب البغدادي، وقال عنه: «كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً»([219]).

وأمّا علي بن عمر الحافظ، فهو الدارقطني صاحب السنن، قال البغدادي: «كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة»([220]).

وأمّا حبشون الخلال، فقال عنه الخطيب: «وكان ثقة يسكن باب البصرة» ثم قال: «أنبأنا الأزهري، أنبأنا علي بن عمر الحافظ [الدارقطني] قال: حبشون بن موسى بن أيوب الخلال صدوق»([221]).

وأمّا علي بن سعيد الرملي، فهو ابن أبي حملة، وقال عنه الذهبي في الميزان: «ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً الآن تكلّم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة مع ثقته»([222])، وتابعه ابن حجر في لسان الميزان قائلاً: «وإذا كان ثقة ولم يتكلم فيه أحد فكيف نذكره في الضعفاء»([223]).

وقال عنه الذهبي في موضع آخر في الميزان: «يتثبت في أمره، كأنه صدوق»([224]).

وأمّا ضمرة بن ربيعة، فقال عنه أحمد بن حنبل: «من الثقات المأمونين، رجل صالح، صالح الحديث، لم يكن بالشام رجل يشبهه»([225]).

وأمّا عبد الله بن شوذب، قال عنه ابن حجر: «سكن البصرة ثم الشام، صدوق عابد»([226]).

وأمّا مطر الوراق، فقال عنه الذهبي: «الإمام الزاهد الصادق، أبو رجاء بن طهمان الخراساني، نزيل البصرة، مولى علباء بن أحمر اليشكري، كان من العلماء العاملين، وكان يكتب المصاحف، ويتقن ذلك»([227])، وقال في الميزان: «فمطر من رجال مسلم، حسن الحديث»([228]).

وأمّا شهر بن حوشب، فهو من رجال مسلم، وفي تاريخ الإسلام للذهبي: «قال حرب الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: شهر بن حوشب؟ فوثّقه، وقال: ما أحسن حديثه! وقال حنبل([229]): سمعت أبا عبد الله يقول: شهر ليس به بأس. قال الترمذي: قال محمد، يعني البخاري: شهر حسن الحديث، وقوي أمره»([230]).

وقال العجلي في معرفة الثقات: «شهر بن حوشب شامي، تابعي، ثقة»([231]).

إذن فهذا الحديث بالألفاظ المذكورة عن أبي هريرة لا إشكال في سنده.

الحديث الثالث عشر: ما رواه ابن حجر عن علي×

قال ابن حجر في المطالب العالية: «وقال إسحاق: أخبرنا أبو عامر العقدي، عن كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي (رضي الله عنه) قال: إنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي (رضي الله عنه)، قال: ألستم تشهدون أن الله تبارك وتعالى ربكم؟ قالوا: بلى، قال (صلّى الله عليه وسلّم): ألستم تشهدون أن الله ـ عزّ وجلّ ـ ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله تعالى ورسوله أولياؤكم؟ فقالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله تعالى سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي»، ثم قال ابن حجر: «هذا إسناد صحيح، وحديث غدير خمّ قد أخرجه النسائي من رواية أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم وعلي وجماعة من الصحابة (رضي الله عنهم) وفي هذا زيادة ليست هناك، وأصل الحديث أخرجه الترمذي أيضاً»([232]).

وقال البوصيري في تعليقه على الحديث: «رواه إسحاق بسند صحيح»([233]).

الحديث الرابع عشر: ما أخرجه ابن أبي عاصم عن علي×

أخرج ابن أبي عاصم في كتاب (السنّة) عن عليّ×: «أن النبي قام بضرة الشجرة بخم، وهو آخذ بيد علي، فقال: أيها الناس! ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أنّ الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: وأنّ الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإنّ هذا مولاه»([234]).

هذه نبذة مختصرة عن بعض الروايات الصحيحة والمعتبرة التي نصّت على حديث الغدير بألفاظه المختلفة، والحديث بالإضافة إلى تواتره ـ كما سيأتي في الجواب اللاحق ـ أخرجه كبار الأعلام من محدّثي السنة عن أكثر من مائة صحابي([235])، وبألفاظ كثيرة ومختلفة، وأسانيد وطرق تتجاوز حدّ الإحصاء.

قال الأميني في كتابه (الغدير): «رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيّف وسبعين طريقاً، والجزري المقري من ثمانين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، وأبو بكر الجُعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً، وفي تعليق هداية العقول (ص30) عن الأمير محمد اليمني أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر: أنّ له مائة وخمسين طريقاً»([236]).

وقال في موضع آخر: «وقال العلوي الهدّار في القول الفصل (1/445): كان الحافظ أبو العلاء العطّار الهمداني يقول: أروي هذا الحديث بمائتين وخمسين طريقاً»([237]).

والمصادر السنّية التي أخرجت الحديث بطرق متضافرة كثيرة جدّاً، فعلى سبيل المثال: قد أخرجه النسائي في الخصائص والسنن الكبرى بطرق وأسانيد مختلفة، وأخرجه كذلك أحمد في المسند والفضائل، وأخرجه الطبراني في معاجمه المختلفة، وصححه الحاكم في مستدركه، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه، كما جمع الهيثمي الكثير من طرقه وأسانيده في مجمع الزوائد، وجمع طرقه وأسانيده أيضاً المتقي الهندي في الكنز، وهكذا هو حال بقية المحّدثين وأرباب المجامع الروائية.

المؤلفات في حديث الغدير

قد ألّف علماء أهل السنة كتباً كثيرة في جمع طرق حديث الغدير، منهم أبو العباس بن عقدة، قال عنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: «وأمّا حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»([238]).

وقال أيضاً في معرض كلامه عن حديث الغدير: «واعتنى بجمع طرقه أبو العباس بن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر»([239])، ومنهم محمد بن جرير الطبري، قال الذهبي: «رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»([240])، وقال أيضاً في سير أعلام النبلاء عند ترجمته للطبري: «قلت: جمع طرق حديث غدير خمّ في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك»([241])، كما قال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة الطبري: «أبو جعفر بن جرير الطبري ... وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه طريق حديث الطير»([242]).

ومنهم الذهبي، كما صرّح هو بذلك في كتابه تذكرة الحفّاظ، حيث قال: «وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً قد أفردتها بمصنّف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل، وأمّا حديث (من كنت مولاه) فله طرق جيّدة، وقد أفردت ذلك أيضاً»([243]).

وهناك مؤلفات كثيرة اُخرى لسنا بصدد إحصائها، توجب الاطمئنان بشهرة الحديث واستفاضته بين العلماء، سواء أكان القدماء منهم أم المعاصرين([244]).

إذن، فالحديث صحيح لا ريب في صدوره عن النبي’، ولم يشكّك في صحّته إلاّ ابن حزم وابن تيمية ومن سار على خطاهم، كالقفاري من المعاصرين، وليس ذلك إلاّ استمراراً لنهج بني أمية في محاربة علي× وكتمان فضائله ومناقبه.


نهج بني أمية في محاربة علي× وكتمان فضائله

ليس خافياً على من طالع التاريخ أن يكتشف أن بني أمية ومن سار على خطاهم ممن تأخر عنهم، قد انتهجوا منهجاً يهدف إلى الانتقاص من علي× وتشويه صورته من خلال أساليب متعددة، كان أهمها سبّه على المنابر والسعي لطمس فضائله ومقاماته، بالترهيب تارة والترغيب تارة اُخرى، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة جدّاً:

فمن تلك الشواهد: ما نقله ابن حجر العسقلاني في ترجمة علي بن رباح: «كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود اسمه عليّ، قتلوه»([245]).

وقال محمد بن عقيل: «ذكر الحافظ السيوطي رحمه الله إنّه كان في أيّام بني أميّة أكثر من سبعين ألف منبر يُلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنّه لهم معاوية من ذلك»([246]).

وهكذا ذُكر في ترجمة علي بن الجهم بأنّه كان يلعن أباه لِمَ سمّاه عليّاً([247]).

ففي هذه الظروف السياسية الحرجة کان نقل فضائل عليّ بن أبي طالب وأهل بيته^ يعدّ من أكبر الجرائم والذنوب التي لاتغتفر، وكان على من يفعل ذلك أن يتحمّل أشدّ المصائب والبلايا.

فهذا عبد اللّه بن محمد السقّا، الذي عبّر عنه الذهبي بالحافظ الإمام، لمّا أملى حديث الطير، لم تحتمله النفوس، فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته، فكان لا يحدّث أحداً من الواسطيّين([248]).

وهذا هو النسائي صاحب کتاب السنن، أحد الصحاح الستّة، ويعبّر عنه ابن كثير بـ (الإمام في عصره)([249])، ويعدّه ابن تيميّة من جهابذة العلم ونقّاده وأهل معرفة بأحوال الإسناد([250])، ويرى الذهبي أنّه من بحور العلم من الفهم والإتقان والبصر ... ولم يبق له نظير في هذا الشأن([251]).

ومع ذلك كلّه لمّا قام بنشر فضائل عليّ بن أبي طالب×، وامتنع من نقل الأكاذيب في معاوية، فما زالوا يدفعون في خصيتيه حتّى أخرج من المسجد، وحمل إلى الرملة أو مكّة فتوفي بها([252]).

وهذا الحاكم النيسابوري، الذي قال عنه الذهبي: «وصنّف وخرج، وجرح وعدل، وصحح وعلل، وكان من بحور العلم على تشيع قليل فيه»([253])، وقال أيضاً: «وانتهت إليه رئاسة الفنّ بخراسان، لا بل في الدنيا ... وهو ثقة، حجّة»([254]). فقد آذوه على جلالته وكسروا منبره وضيقوا عليه وألجأوه إلى الانزواء في بيته وقد نقل عن أبي عبد الرحمن السلمي أنّه قال: «دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل [يعني معاوية] حديثاً، لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي»([255]).

ومن أعجب ما في هذا المضمار ما رواه الخطيب والذهبي بأنّ نصر بن علي لمّا حدّث عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) قال: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أخذ بيد حسن وحسين، فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان في درجتي يوم القيامة. قال أبو عبد الرحمن عبد الله: لما حدّث بهذا الحديث نصر بن علي أمر المتوكّل بضربه ألف سوط، وكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول له: هذا الرجل من أهل السنّة، ولم يزل به حتى تركه»([256]).


محاربة السلطة الحاكمة لحديث الغدير

وحديث الغدير من تلك الأحاديث التي حاربتها السلطات الحاكمة، وكان المحدّث يخاف من ذكر الحديث في الأوساط العامة، ومن الشواهد على ذلك ما في مسند أحمد بن حنبل، عن عبد الملك، عن عطيّة العوفي، قال: «سألت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي (رضي اللّه تعالى عنه)، يوم غدير خمّ، فأنا أحبّ أن أسمعه منك، فقال: إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم. فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم، كنّا بالجحفة فخرج رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد عليّ (رضى اللّه تعالى عنه) فقال: يا أيّها الناس، ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه. قال: فقلت له: هل قال: اللّهم وال من والاه وعاد من عاده؟ قال: إنّما أخبرك كما سمعت»([257]).

وروى ابن الأثير عن عبد اللّه بن العلا، عن الزهري، عن سعيد بن جناب، عن أبي عنفوانة المازني، عن جندع، قال: «سمعت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار. وسمعته ـ وإلاّ صمّتا ـ يقول وقد انصرف من حجّة الوداع، فلمّا نزل غدير خمّ، قام في الناس خطيباً وأخذ بيد عليّ وقال: (من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه).

قال عبد اللّه بن العلا: فقلت للزهري: لا تحدّث بهذا بالشام، وأنت تسمع ملء أذنيك سبّ علي، فقال: واللّه، عندي من فضائل علي ما لو تحدّثت بها لقتلت. أخرجه الثلاثة»([258]).

ومن ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب، قال: «قلت لسعد بن أبي وقّاص: إنّي أريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك، قال: سل عمّا بدا لك، فإنّما أنا عمّك، قلت: مقام رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) فيكم يوم غدير خمّ؟ قال: نعم. قال: قام فينا بالظهيرة، فأخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاده من عاداه.

قال: فقال أبو بكر وعمر: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة»([259]).

ولكن مع ذلك كلّه شاء الله تعالى أن تصل فضائل علي× إلى الأجيال اللاحقة بطرق صحيحة ومتواترة، حتى ذكر ابن حجر في فتح الباري عن أحمد بن حنبل قوله: «ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب»([260]).


الجواب الثاني: تواتر حديث الغدير

ليس حديث الغدير من الأحاديث الصحيحة فحسب، بل هو من الأحاديث المتواترة التي تفيد القطع بصدور مضمونها عن النبي الأكرم’، فبالإضافة إلى أن كلّ من يطالع طرق وأسانيد حديث الغدير يجزم بتواتر الحديث ويقطع بصدور مضمونه، فإن جملة وافرة من علماء الطائفة السنية صرّحوا بتواتر الحديث، وكثرة طرقه، حتى قال الذهبي فيما تقدّم من كلامه: «فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»، ونشير فيما يلي إلى بعض أقوالهم في هذا المجال:

1ـ ما صرح به الذهبي، في تعليقه على أحد أسانيد الحديث: >هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه فمتواتر<([261]).

وكذلك تصريحه في موضع آخر ، حيث قال: «فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك»([262]). وكذلك أيضاً ـ ما نقله  عنه ابن كثير ـ في معرض كلامه عن حديث الغدير، حيث قال: «وصدر الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) متواتر، أتيقن أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قاله، وأمّا (اللّهم وال من والاه) فزيادة قوية الإسناد»([263]).

2ـ قال الهيتمي في الصواعق المحرقة، عند كلام له حول حديث الغدير: «إنّه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جدّاً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية لأحمد أنّه سمعه من النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، كما مرّ وسيأتي، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحّته»([264]).

3ـ قال الملاّ علي القاري في المرقاة: «والحاصل: أن هذا الحديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً، إذ في رواية أحمد أنّه سمعه من النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لمّا نوزع أيام خلافته»([265]).

4ـ قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزي الحنفي: «اتّفق([266]) علماء السير على أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبي (صلّى الله عليه وسلّم) من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرون ألفاً، وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) الحديث، نصّ (صلّى الله عليه وسلّم) على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة»([267]).

5ـ قال العجلوني في كتابه كشف الخفاء: «(من كنت مولاه فعلي مولاهرواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة، عن زيد بن أرقم وثلاثين من الصحابة، بلفظ (اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه)، فالحديث متواتر أو مشهور»([268]).

6ـ قال الأمير الصنعاني([269]) في كتابه (توضيح الأفكار): «حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) أخرجه جماعة من أئمة الحديث، منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس، وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس، وعن بريدة وأحمد بن ماجه، عن البراء، والطبراني وابن جرير وأبو نعيم، عن جندع الأنصاري، وابن قانع، عن حبشي بن جنادة، وأخرجه أئمة لا يأتي عليهم العدّ، عن جماعة من الصحابة، وقد عدّه أئمة من المتواتر»([270]).

7ـ قال الفقيه المحدث الكتاني في كتابه (نظم المتناثر في الحديث المتواتر): «وفي رواية لأحمد أنّه سمعه من النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وممن صرح بتواتره أيضاً المناوي في التيسير نقلاً عن السيوطي، وشارح المواهب اللدنيّة وفي الصفوة للمناوي»([271]).

8ـ قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد: «قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، له شواهد كثيرة تبلغ حدّ التواتر»([272]).

9ـ ما تقدّم في عبارة الألباني، حيث قال: «وجملة القول أنّ حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأوّل متواتر عنه (صلّى الله عليه وسلّم)، كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه»([273]).

وقد أثبت العلاّمة الأميني في کتابه الغدير أسماء ثلاثة وأربعين نفراً من شخصيّات وعلماء أهل السنّة، ممّن صرّحوا بصحّة حديث الغدير أو تواتره([274]).

والحاصل: أنّ من يلاحظ طرق حديث الغدير يحصل له القطع والجزم بصدوره عن النبي’؛ وذلك لتواتره بالإضافة إلى صحّته، ولكنّ التصريح بهذه الحقيقة والفضيلة لعلي× تحتاج إلى قلب سليم وورع وإنصاف، وهذا ما افتقده ابن تيمية في مجمل حياته العلمية وكتبه ومؤلّفاته، حيث حاول أن يكذّب كثيراً من فضائل أمير المؤمنين× التي أثبتها الله عزّ وجلّ ورسوله’ له×، وهذا ما صرحّ به من جاء بعده، قال ابن حجر في تقيميه لكتاب (منهاج السنة) لابن تيمية: «لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد، التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها»([275]).

وقال ابن حجر أيضاً في فتح الباري: «وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين، وخصوصاً مؤاخاة النبي لعلي، قال: لأنّ المؤاخاة شرّعت لإرفاق بعضهم بعضاً وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة مهاجري لمهاجري، وهذا ردّ للنصّ بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة»([276]).

وقال الألباني في سلسلته الصحيحة، عند تصحيحه لحديث الغدير: «فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحّته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأول من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها، والله المستعان»([277]).

ثم إنّه بعد أن ثبت أن حديث الغدير من الأحاديث المتواترة، يكون صدوره عن النبي الأكرم’ قطعياً وبدَهياً، فإنّه من الواضح أن القضايا المتواترة من اليقينيات البدَهية، وهذا يفوق الخبر الصحيح بمراتب من ناحية الحجيّة والاعتبار، فإن الخبر الصحيح في أفضل أحواله لا يفيد إلاّ الظن بصدوره عن النبي’، وقد أثبتت الأدلة الشرعية حجّية ذلك الظن([278]).

ولكن من غير الممكن أن يدّعي أحد أن خبر الواحد وإن كان ثقة يورث القطع والجزم بصدوره، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار المراحل والأدوار التي مرّ بها الحديث النبوي، من الوضع والدسّ والتدليس والتحريف والكذب على رسول الله’ والتصحيف، فإن الراوي وإن ثبتت وثاقته بحسب بعض القرائن والشواهد والشهادات، إلاّ أنّه لا يعني حصول الجزم والقطع بعدم كذبه في بعض أحواله، أو تدليسه أو تصحيفه أو تحريفه للحديث أو خطئه في ضبط لفظه ومعناه على أقل تقدير، وفي ضوء ذلك لا يمكن القطع بصدور ما رواه عن النبي، مضافاً إلى ما مرّت به كتب الحديث من مراحل التصحيف والحذف والتحريف، وحينئذٍ كيف يمكننا أن نُعرض صفحاً عن جهة التواتر في الحديث، ونبحث عن الصّحة والضعف؟! أليس هذا إعراضاً عن العلم البدَهي والتمسك بغيره؟! وهل يقبل هذا المنهج في التفكير عاقل من العقلاء؟!

وهذه هي الطامة الكبرى التي تورّط بها ابن تيمية وأتباعه؛ إذ تراهم لا يقيمون وزناً لجهة التواتر في الأخبار مع أن الخبر المتواتر قطعي الصدور، وتراهم من جهة اُخرى يولون اهتمامهم بالخبر المعتبر الظني الصدور، بل يعتبرون كل الأحاديث التي روتها بعض الكتب مثل صحيح البخاري ومسلم، وتكون في قيمتها السندية كالقرآن الكريم، مع ما شاب تلك الكتب من إشكالات تاريخية وعقائدية وظروف غامضة في كيفية تأليفها، ويضعّفون في الوقت ذاته الأخبار المتواترة، كحديث الغدير وغيره على ما تقدّم بيانه سابقاً.

ولا نريد بقولنا هذا التقليل ـ والعياذ بالله ـ من شأن الأحاديث النبوية الثابتة بطرق معتبرة، بل هي سنّة نبويّة واجبة الاتباع والتمسّك بها، ولكن إشكالنا على من يُقدّم الحديث الظنّي على الحديث النبويّ القطعي الصدور.

ثم إنّه لو أردنا أن ننكر حديث الغدير المتواتر الذي أخرجه ورواه أكثر من مائة صحابي من صحابة رسول الله’، لما أمكننا أن نضع حجراً على حجر في الإسلام وفي سنة النبي’ بالخصوص، فإن أغلب الأحاديث الواردة عن النبي’ لم ترد بتلك الطرق الكثيرة والصحيحة والمتواترة التي توفّرت في حديث الغدير، فإذا كان إنكار حديث الغدير يستند إلى قانون صحيح أو قواعد رجالية مضبوطة ومقبولة عند ابن تيمية وأتباعه، فما هو هذا القانون؟ ولماذا يكون فعّالاً ومؤثراً في فضائل أمير المؤمنين× دون غيرها من الأحاديث؟!!


الشبهة الثانية: مخالفة حديث الغدير لأصول الإسلام و التاريخ

قال القفاري: «ثم بيّن شيخ الإسلام أنّ الكذب يعرف من مجرّد النظر في متنها؛ لأنّ قوله: (اللّهم انصر من نصره ...) خلاف الواقع التاريخي الثابت، فلا تصح عن رسول الله’».

وأضاف في هامش هذا النصّ: «فإنّه قاتل معه أقوام يوم صفّين فما انتصروا وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا: كسعد الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية وبني أمية الذين قاتلوه، فتحوا كثيراً من بلاد الكفار ونصرهم الله».

ثم قال: «وأمّا قوله: (اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه) فهو مخالف لأصل الإسلام، فإن القرآن قد بيّن أن المؤمنين أخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على بعض»([279]).

أساسيات الشبهة

1ـ إنّ قول النبي’: «اللّهم انصر من نصره» خلاف الواقع التاريخي الثابت.

2ـ إنّ قول النبي’: «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» مخالف لأصل الإسلام.


جواب الشبهة  

الجواب الأول: إنكار ابن تيمية لسنة النبي

إنّ هذا القول من ابن تيمية ردّ وإنكار لسنة النبي’ الصحيحة والثابتة، حيث ذكرنا أن قول النبي’: «اللّهم انصر من نصره واخذل من خذله» قد ورد بطرق معتبرة، فقد أخرجه البزار بسند صحيح كما تقدّم تصريح الهيثمي بذلك، وأخرجه أحمد بن حنبل بسندين، قال الشيخ أحمد محمد شاكر عن أحدهما: «إسناده صحيح»([280]).

وأخرج الحديث بالألفاظ المذكورة الحاكم في المستدرك، حيث أخرج عن محمد بن علي الفقيه، عن النعمان بن هارون البلدي، عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّاني، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن هيثم، عن عبد الرحمن بن عثمان، قال: «سمعت جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) يقول: سمعت رسول الله وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يقول: هذا أمير البررة قاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، ثم مدّ بها صوته»، قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([281]).

وقد أخرج الحديث المذكور بالألفاظ ذاتها النسائي في الخصائص بسند صحيح، حيث قال: «أخبرنا الحسين بن حريث المروزي، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: قال علي كرّم الله وجهه في الرحبة: أنشد بالله من سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم غدير خمّ يقول: إنّ الله ورسوله وليّ المؤمنين، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، قال: فقال سعيد: قام إلى جنبي ستة، وقال زيد بن يثيع: قام عندي ستة، وقال عمرو ذي مر: أحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه، وساق الحديث»([282]).

ورجال الحديث كلّهم ثقات، وهم كلّهم أيضاً من رواة البخاري ومسلم وبقية الصحاح من السنن، وقد وثّقهم أرباب الجرح والتعديل، أما سعيد بن وهب، فقد قال عنه الذهبي في الكاشف: «سعيد بن وهب الخيواني أحد أشراف همدان، سمع من معاذ باليمن ومن علي وابن مسعود، وعنه ابنه عبد الرحمن وأبو إسحاق، ثقة»([283])، وقال عنه ابن حجر في التقريب: «كوفي ثقة مخضرم، مات سنة خمس أو ست وسبعين» وهو من رجال مسلم والنسائي وأخرج له البخاري في الأدب المفرد([284]).

وأمّا أبو إسحاق، حيث قال عنه الذهبي في التذكرة: «الحافظ أحد الأعلام، رأى علياً (رضي الله عنه) وهو يخطب ... قال أبو حاتم: ثقة يشبه الزهري في الكثرة، وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني ... وقيل: كان صوّاماً قوّاماً متبتّلاً، من أوعية العلم، ومناقبه غزيرة»([285]).

وقال في سير أعلام النبلاء: «قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: أبو إسحاق ثقة»([286])، وقال عنه في ميزان الاعتدال: «من أئمة التابعين بالكوفة وأثبتهم، إلاّ أنّه شاخ ونسي ولم يختلط»([287]).

وقال عنه ابن حجر: «ثقة مكثر عابد»([288])، وهو أيضاً من رواة البخاري ومسلم.

وأمّا الأعمش، فقد قال عنه الذهبي: «الإمام شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدّثين، أبو محمد الأسدي الكاهلي، مولاهم الكوفي الحافظ»([289])، وقال عنه ابن حجر: «ثقة حافظ عارف بالقراءات ورع، لكنّه يدلس»([290])، وهو كذلك من رواة البخاري ومسلم. وقد تقدم الكلام في بحوث سابقة عن تدليس أبي اسحاق وكذا الاعمش، وتبين أن عنعنتهما محمولة على الاتصال.

وأمّا الفضل بن موسى، فقال عنه الذهبي: «أحد العلماء الثقات، يروي عن صغار التابعين، ما علمت فيه ليناً»([291])، وهو أيضاً من رواة البخاري ومسلم.

وأمّا الحسين بن حريث، فقال عنه الذهبي: «ثقة»([292])، وقال عنه أيضاً: «الإمام الحافظ الحجّة ... وثّقه النسائي»([293]).

وقال عنه ابن حجر: «ثقة»([294])، وهو أيضاً من رواة البخاري ومسلم.

إذن فرواة هذا الحديث من كبار أعلام أهل السنة، وكلّهم من رواة البخاري ومسلم وبقية السنن والصحاح.

وقد تضمّن هذا الحديث وسابقه اللفظ الذي أنكره وجحده ابن تيمية؛ لعدم توافقه مع قياسه واستحساناته، فإنّ النبي’ إذا قال في حقّ علي× بأسانيد صحيحة ومعتبرة: «اللّهم وانصر من نصره واخذل من خذله» وبلفظ آخر: «منصور من نصره مخذول من خذله»، فكيف يردّ ما قاله رسول الله’، اعتماداً على القياس والتخرّص والرجم بالغيب؟!

وأمّا لفظ: «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقد تقدم أن أكثر الأسانيد المعتبرة والصحيحة لحديث الغدير مشتملة عليه، بل هو من الزيادات المتواترة، كما تقدّم التصريح بذلك عن العجلوني في كتابه (كشف الخفاء)، حيث قال: «(من كنت مولاه فعلي مولاه) رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة، عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ (اللّهم وال من والاه وعاد من عاده) فالحديث متواتر أو مشهور»([295])، وقد وصف الذهبي هذا المقطع بأنه: «وصدر الحديث متواتر أتيقّن أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قاله، وأمّا اللّهم وال من والاه فزيادة قوية الإسناد»([296]).

وقال الألباني فيما سبق من كلامه: «وجملة القول: إنّ حديث الترجمة [من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه] حديث صحيح بشطريه»، ثم قال: «فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحّته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب، هذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث»([297]).

إذن تكذيب ابن تيمية لهذه الزيادة ودعواه مخالفتها للإسلام بحسب زعمه، ليس إلاّ تشكيكاً في أحاديث النبي الأكرم’ الثابتة بالقطع واليقين، والغريب أن ابن تيمية لم يتهجّم على الأحاديث الصحيحة والصريحة بهذه الصورة إلاّ في فضائل أمير المؤمنين×.

الجواب الثاني: الجهل بكتاب الله تعالى وسنة النبي

إن ابن تيمية بعيد كلّ البعد عن فهم معاني القرآن الكريم وسنّة النبي الأكرم’، فهو لا يدرك حقيقة المراد من نصر الله عزّ وجلّ لرسله وأنبيائه والمؤمنين، ولا يفهم من النصرة والانتصار إلاّ لغة العنف والغلبة بالسيف والتسلّط على رقاب الناس والهيمنة على مقدّرات الاُمّة، بالظلم والقهر وقتل الأبرياء وهتك الأعراض ونهب الأموال ونحو ذلك، مما يسمّى في زماننا الحاضر بـ (إرهاب الدولة)، ولذا فهو يفترض أن الله تعالى قد نصر معاوية وبني أمية، وخذل علياً× وأتباعه في صفّين!!

هذه هي أسس وقواعد الإرهاب والعنف التي ساهمت بتشكيلها بعض أفكار ابن تيمية وانتهجها أتباعه من السلفيين إلى يومنا هذا، فإنّ هذا المنطق المنحرف هو الذي نزّه ساحة يزيد بن معاوية، وقال: إنّ الحسين قتل بسيف جده.

قال الآلوسي في روح المعاني: «وأبو بكر بن العربي ـ عليه من الله تعالى ما يستحق ـ أعظم الفرية فزعم أنّ الحسين قتل بسيف جدّه (صلى الله تعالى عليه وسلم)، وله من الجهلة موافقون على ذلك»([298]).

وقال أيضاً: «قال ابن الجوزي ـ عليه الرحمة ـ في كتابه (السرّ المصون): من الاعتقادات العامة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أنّ يقولوا: إنّ يزيد كان على الصواب وإنّ الحسين ـ رضي الله تعالى عنه ـ أخطأ في الخروج عليه»([299]).

وقد أحيى ابن تيمية هذا المنطق الأموي، الذي يعتقد بأنّ السلطان ظل الله في الأرض، وأن الجبابرة والطغاة قد حباهم الله تعالى بالنصر والغلبة.

ولكنّ القرآن الكريم يقف أمام هذه النظرية الباطلة، ويبيّن أن النصر الإلهي حليف الأنبياء والرسل والذين آمنوا، وأنّ الخذلان من نصيب أعداء الله وأعداء دينه وأنبيائه، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}([300]). وقال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}([301]).

وقد توعّد الله عزّ وجلّ أعداء الله وأعداء دينه وأنبيائه بالهزيمة والخذلان، قال الله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}([302])، وقال تعالى أيضاً: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَاُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}([303]).

هذه النظرية القرآنية في النصر والخذلان، فإن الأنبياء والرسل وكذا المؤمنين منتصرون على أعدائهم بحسب الموازين الإلهية، وإن تعرّضوا بحسب الظاهر إلى القتل والفتك والتشريد والعذاب من قبل أقوامهم؛ وذلك لأنهم فتحوا بدمائهم وتضحياتهم سبيل الهداية والتوحيد والارتباط بالله تعالى، ولازال صوت الحقّ الذي هتف به الأنبياء مدوّياً في كلّ بقاع العالم، هذا كلّه في الحياة الدنيا.

وأمّا في الحياة الأبدية الخالدة، فهم الأعلَون والمنتصرون على أعدائهم، وليس للكافرين والظالمين إلاّ الخذلان والخيبة في الدنيا والآخرة، وما نسمعه ونراه من غلبة الظلمة والكفار وتسلّطهم على الآخرين، فليس هو في موازين السماء إلاّ زيادة في الخذلان والخسران، وإن وجده البعض انتصاراً بحسب منطق القوة والإرهاب والتجاوز على حقوق الآخرين، وهذا ما بيّنته الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}([304]).

فالحسين× انتصر بدمه على يزيد، وانتشرت ثورته وتغلّبت على الباطل، وإن كان يزيد قد قتل الحسين× وتغلّب عليه بحسب موازين ابن تيمية وأتباعه.

ومن هذا المنطلق نجد أن القرآن الكريم يمجّد هابيل بن آدم، ويقف عنده وقفة إجلال واعتزاز، حيث جعل أقواله ومواقفه وطريقة تعامله مع أخيه منهجاً وقانوناً ودرساً تتلّقاه الأجيال على مرّ العصور، وأمّا قابيل فقد وصفته الآيات القرآنية بأنه من الخاسرين، قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([305])، فقابيل وإن كان هو الذي قتل هابيل وتغلّب عليه من الناحية البدنية بحسب الظاهر، إلاّ أن الآيات تصف قابيل بالخسران والهزيمة والخذلان، وهابيل هو المنتصر في منطق القرآن الكريم.

إذا اتضح ذلك فنقول:

إنّ النبي’ يدعو الله عزّ وجلّ أن تكون تلك النصرة الإلهية والربانية حليفة كلّ من ينصر علياً× ويقف معه في صفّ واحد ضدّ أعدائه، وأن يكون الخذلان الإلهي في الدنيا والآخرة سهم كلّ من خذل علياً× ونكث بيعته ووقف في صفّ أعدائه وخرج لمحاربته.

وعلي× ومن سار على خطاه انتصروا على أعدائهم، من الناكثين والقاسطين والمارقين، حيث إن علياً× كان مأموراً من قبل النبي’ بقتالهم؛ قال علي×: «عهد إليّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين»([306])، فإذا كان قتال هذه الطوائف بأمر من الله ورسوله’ فعلي× هو المنتصر، وعمار بن ياسر هو المنتصر أيضاً وإن قتلته الفئة الباغية، وأتباع علي× هم المنتصرون بنصر الله عزّ وجلّ ماداموا على الحق، ومعاوية وأتباعه هم الخاسرون والخاسئون ماداموا على الباطل.

وهذا ما نقوله أيضاً في حياة النبي الأكرم’ وقتاله مع أعدائه، فإنّ الله تعالى ينصر نبيّه في كلّ مواقفه ومعاركه وحروبه مع المشركين والكافرين؛ لأن الله عزّ وجلّ، قال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}([307])، ولذا فإن الله تعالى ناصر من نصر رسول الله في معركة أحد، وإن كان المسلمون قد خسروا المعركة من الناحية العسكرية، ومن خذل النبي’ في تلك المعركة، فإنّ الله تعالى خاذله، وإن كان ممن شارك في معركة بدر التي انتصر فيها المسلمون.

ولكن على موازين الشيخ ابن تيمية لابدّ أن يُحكم بأنّ الله تعالى قد خذل نبيّه’ والمسلمين في معركة أحد، وأنه نصر المشركين في تلك المعركة.

والحاصل: أنّ الله تعالى قد خذل بني أمية، وإن فتحوا البلاد وتسلّطوا على العباد، ونصر علياً× وأصحابه وإن تعرّضوا للقتل في بعض الأحيان، والتاريخ خير شاهد على هذه الحقيقة؛ إذ لا زال فكر علي× وذكره ومنهجه باقياً في ضمير الأجيال والشعوب، ولا زال أصحاب علي× الذين جاهدوا بين يديه مثالاً سامياً في التضحية والتفاني من أجل الإسلام، وأمّا بنو أمية فلم يبق في تاريخهم إلاّ تلك الصفحات السوداء التي تضمنتها كتب التأريخ.

وهذا شاهد واضح على أن الله تعالى قد استجاب لدعوة النبي’، حيث نصر المنهج العلوي وأتباعه، وخذل المنهج الأموي، الذي خذل علياً× وحاربه وقام بسبّه وشتمه على المنابر سنين طويلة.

وقد تحدّث علي× عن نصر الله تعالى له قائلاً: «أنا فقأت عين الفتنة، لولا أنا ما قتل أهل النهروان وأهل الجمل»([308])، وقال× أيضاً: «أمّا بعد أيها الناس فأنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، ولو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون ولا القاسطون ولا المارقون»([309]).

إذن فالواقع التاريخي الثابت صريح في أن الله تعالى قد استجاب لنبيّه الأكرم’، وجعل نصره حليف علي× ومن ناصره، وجعل الخزي والعار والخذلان حليف من خذل علياً×.

وأمّا ما ذكره ابن تيمية فهو مستند إلى النظرة الأموية لمفهوم الانتصار، وأن الله تعالى مع الحكّام وإن كانوا من الظلمة.

الجواب الثالث: الجهل بمضمون حديث الغدير

لقد تجرأ ابن تيمية على أحاديث النبي’ الصحيحة وكذّبها؛ لأنّها تتضمّن فضائل علي×، وقد كذّب قول النبي’ في حقّ علي×: «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» زاعماً أنّ هذا المقطع مخالف لأصل الإسلام، وحاول أن يؤسّس هذا الزعم على استحسان لا قيمة له، قائلاً: «فإنّ القرآن قد بيّن أنّ المؤمنين أخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على بعض».

وكأن ابن تيمية لا يريد أن يفهم بأنّ معاداة علي× كمعاداة رسول الله’، تُخرج الشخص عن الإيمان، وتضعه في قائمة المنافقين، فقد أخرج مسلم في صحيحه أنّ علياً× قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمي (صلّى الله عليه وسلّم) إليّ أن لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق»([310])، فكلّ من يعادي علياً× ويبغضه ويحاربه ويأمر بسبّه على المنابر فهو من المنافقين بحسب هذا الحديث النبويّ، الذي أخرجته كتب الصحاح.

ومن ذلك يتّضح فساد وسقوط ما زعمه ابن تيمية من أنّ معاداة الله تعالى لمن عادى علياً× مخالف لأصل الإسلام، حيث افترض أنّ من يعادي علياً ويقاتله، يبقى على إيمانه، وكأنه يريد بذلك إنكار قول النبي’ لعلي×: «لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»، وليس من البعيد أن ينكر ابن تيمية ما ثبت في صحيح مسلم أو البخاري إذا وجده يثبت فضيلة لعلي×.

ثم إنّه لو افترضنا أن معاداة علي× وبغضه ومقاتلته لا تخرج الشخص عن الإيمان، فإن هذا لا ينافي أن يكون الله تعالى عدواً لذلك الشخص إذا كان يعادي علياً×، وقد ورد نظير هذا المعنى في جملة من الأحاديث النبوية، كقول النبي’: «ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة»([311])، وكقول النبي’ في حق عمار: «من عادى عماراً فقد عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله، قال خالد: فخرجت فما كان شيء أحبّ إليّ من رضا عمار»([312])، قال الهيثمي في الزوائد: «رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح»([313]).

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن رسول الله’، قال: «إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»([314])، وقال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: «قال الطوفي: لما كان وليّ الله من تولّى الله بالطاعة والتقوى تولاّه الله بالحفظ والنصرة، وقد أجرى الله العادة بأنّ عدو العدو صديق، وصديق العدو عدو، فعدو وليّ الله عدو الله، فمن عاداه كان كمن حاربه ومن حاربه فكأنّما حارب الله»([315]).

والروايات بهذا المضمون كثيرة جدّاً، وكلّها تدلّ على أن الله تعالى عدو لمن يعادي أولياءه، وإن تلفّظ بالشهادتين وكان من المسلمين، ولا شك أن علياً× سيّد أولياء الله تعالى بنصّ قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([316])، فلا شك أن يكون الله تعالى حرباً لمن حاربه وعدوّاً لمن عاداه.


الشبهة الثالثة: الولاية ضد العداوة وهو حكم ثابت لجميع المؤمنين

قال القفاري: «قال الفيروزآبادي: ... فإنّ الوَلاية ـ بالفتح ـ هي ضد العداوة، والاسم منها مولى وولي، والوِلاية ـ بكسر الواو ـ هي الإمارة، والاسم منها والي ومتولي.. والموالاة ضد المعاداة، وهي من الطرفين».

وقال قبل ذلك: «قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ... والموالاة ضد المعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي (رضي الله عنه) من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولّونه»([317]).

الجواب عن الشبهة

لقد تقدم الجواب عن هذه الشبهة مفصّلاً في مباحث آية الولاية، وخلاصة ما أجبنا هناك: أنّه لا فرق بين الولاية بالفتح والكسر؛ لأنّها من اشتقاقات الولْي ـ بسكون اللام ـ وهو الدنو والقرب الخاص الذي من لوازمه التصرف والتسلط، ومن هذا الجذر يشتق الوالي والمولى والولاء والوَلاية بالفتح والولاية بالكسر، وهذه الاشتقاقات وإن كان لها استعمالات مختلفة بحسب المصاديق والأفراد، لكنها ترجع كلّها إلى معنى الولي لغةً وعرفاً واستعمالاً، وذلك المعنى هو: من له حق التصرف في شؤون من يليه، وأن الولاية قد اُخذت في معناها السلطنة والتصرف، فالولي بالنسبة لمن يليه هو الاُولى به من غيره، والأقرب إليه من حيث الجهة التي لأجلها اقترب منه، قال المبرد: «إنّ أصل الولي هو الأولى([318]) والأحق وكذلك المولى»([319]).

وهذا المعنى ينطبق على المحب والنصير والحاكم وغيرها من استعمالات الولي؛ لأنّ كلاً منهم أولى وأحق بالتصرف والتأثير بصاحبه من غيره، فالمحب والناصر كلّ منهما أولى بالدفاع عمّن أحبه ونصره، والحاكم والقائد وليّ؛ لأنّه أولى بالتصرف في اُمور من تولى أمره، والله تعالى وليّ ووال ومتولّ لاُمور خلقه، وهكذا بقية الاشتقاقات([320]).

ويضاف إلى ما أجبنا هناك: أنّ الولاية التي أثبتها النبي’ لعلي× جاءت في سياق قول النبي’: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» وفي لفظ آخر: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»، والنبي’ يشير في هذا المقطع من حديثه إلى قول الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}([321])، وولاية النبي’ في هذه الآية المباركة بمعنى أنّه الأحقّ والأولى باُمور المسلمين وشؤونهم من أنفسهم، وهذا ما يؤكّده أعلام المفسرين من الطائفة السنية، كما سوف يأتي، وهذه الأولوية على المؤمنين، التي تعني الأحقّ بالأمر والأولى في الطاعة ووجوب الاتباع والانصياع، هي التي أثبتها النبي’ لعلي× في حديث الغدير، وسيتضح هذا المعنى في الجواب عن الشبهة اللاحقة، فالنبي’ عندما قرن ولاية علي× بأولويته على المؤمنين، أغلق بذلك الباب على كلّ من تسوّل له نفسه تحريف الحديث عن معناه وسياقه الصحيح.

الشبهة الرابعة: ألفاظ الحديث لا تدل على الخلافة

قال القفاري: «قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ... إن لم يكن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قاله فلا كلام، فإن قاله فلم يرد به قطعاً الخلافة بعده؛ إذ ليس في اللفظ ما يدلّ عليه، وهذا الأمر العظيم يجب أن يبّلغ بلاغاً مبيناً».

ثم قال القفاري بعد ذلك: «ومن المعلوم لغة وعقلاً وعرفاً، فضلاً عن الشرع أن الاستخلاف لا يكون بمثل هذه الألفاظ، لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ كما يروي البيهقي([322]) ـ حينما قيل له: ألم يقل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أمّا والله إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إن كان يعني الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: إنّ هذا وليّ أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإنّ أنصح الناس للمسلمين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([323]).

أساسيات الشبهة

1ـ إنّ حديث الغدير لا يتضمّن معنى الخلافة.

2ـ إنّ الخلافة من الاُمور العظيمة التي لابدّ من بيانها بألفاظ صريحة.

الجواب عن الشبهة

الجواب الأول: ألفاظ حديث الغدير صريحة في الإمامة والخلافة

لقد أوردنا في الجواب عن الشبهة الاُولى جملة من الأحاديث الصحيحة والمعتبرة، والتي نقلت حديث الغدير بألفاظه المختلفة، ومن يطالع متون تلك الأحاديث وينظر إليها بعين الإنصاف والموضوعية، يرى أنّها قد تضمّنت ألفاظاً وشواهد كثيرة، كلّها تثبت مقام الإمامة والخلافة لعلي× بعد رسول الله’، ونحاول فيما يلي الإشارة إلى بعض تلك الألفاظ والشواهد:

الشاهد الأول: مماثلة ولاية النبي’ لولاية علي× في الحديث

إنّ النبي’ قد خاطب الصحابة والمسلمين في خطبة الغدير، قائلاً: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه»، وفي لفظ آخر: «إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن ... من كنت وليّه فهذا وليّه»، وفي لفظ ثالث: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»، ويشير النبي’ في هذا المقطع من حديثه إلى قول الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}([324])، وولاية النبي’ في هذه الآية المباركة بمعنى أنّه الأحقّ والأولى باُمور المسلمين وشؤونهم من أنفسهم، وهذا ما يؤكّده أعلام المفسرين من الطائفة السنية، ونذكر في هذا المجال بعض كلماتهم في تفسير الآية المباركة:

1ـ قال الطبري في تفسيره للآية: «يقول: أحق بالمؤمنين به من أنفسهم، أن يحكم فيهم بما شاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم، كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما أنت أولى بعبدك، ما قضى فيهم من أمر جاز، كما كلما قضيت على عبدك جاز»([325]).

2ـ قال ابن كثير في تفسيره: «قد علم الله تعالى شفقة رسوله (صلّى الله عليه وسلّم) على أمته ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مقدّماً على اختيارهم لأنفسهم، كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}»([326]).

3ـ قال البغوي في تفسيره، بعد ذكر الآية: «يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم، وقال ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أولى بهم من أنفسهم»([327]).

4ـ قال ابن الجوزي في تفسيره: «أي: أحق، فله أن يحكم فيهم بما يشاء، قال ابن عباس: إذا دعاهم إلى شيء، ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح؛ فإنّ أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم والرسول [عليه السلام] يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم»([328])، والعبارة ذاتها أوردها الخازن في تفسيره([329]).

5ـ قال النسفي في تفسيره للآية: «أي أحق بهم في كلّ شيء من اُمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه»([330]).

6ـ قال الشوكاني في فتح القدير، بعد أن ذكر عبارة قريبة من عبارة النسفي المتقدمة: «وبالجملة: فإذا دعاهم النبي (صلّى الله عليه وسلّم) لشيء ودعتهم أنفسهم إلى غيره وجب عليهم أن يقدّموا ما دعاهم إليه، ويؤخّروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدّموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم»([331]).

والمضمون ذاته ذكره الصابوني في تفسيره([332]).

7ـ قال القاضي عياض في كتابه (الشفا): «قال أهل التفسير (أولى بالمؤمنين من أنفسهم): أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم، كما يمضي حكم السيد على عبده»([333]).

وهذه الأولوية على المؤمنين، التي تعني الأحقّ بالأمر والأولى في الطاعة ووجوب الاتباع والانصياع، هي التي أثبتها النبي’ لعلي× في حديث الغدير؛ وذلك لأنّ النبي قد جعل ولاية علي× على المؤمنين متفرّعة عن ولايته، حيث قال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا وليّ من أنا مولاه، اللّهم وال من والاه، اللّهم عاد من عاداه»([334])، قال الألباني في حكمه على الحديث: «صحيح»([335]).

وقال في لفظ آخر للحديث: «إنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قام بحفرة الشجرة بخم، وهو آخذ بيد علي، فقال: أيّها الناس! ألستم تشهدون أنّ الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أنّ الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: وأنّ الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإن هذا مولاه»([336]).

والتفريع بالفاء في سياق الحديث صريح في أنّ المراد إثبات ولاية النبي’ على المؤمنين لعلي×، وهذا صريح في أنّ الحديث بصدد إثبات وجوب الانقياد والطاعة لعلي×؛ وذلك لأنّ ولاية النبي’ هي ولاية طاعة وانقياد وتسليم بصريح الآيات القرآنية وأقوال المفسرين المتقدّمة.

وكأن النبي’ يريد أن يقول بأنّ ولايتي عليكم، التي أثبتها الله تعالى لي في القرآن الكريم، والتي هي ولاية إطاعة وتسليم، هي بعينها وبذاتها وبجميع خصائصها ثابتة لعلي×.

ولا أدري كيف يجب على النبي’ أن يعبّر لكي يقنع أمثال ابن تيمية والقفاري؟! وهل هناك ألفاظ أصرح مما ذكره النبي، لإفهام الناس وجوب طاعة علي× والانقياد لأوامره من بعده؟!

الشاهد الثاني: نزول آية التبليغ

إنّ الأحاديث الصحيحة تنصّ على نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}([337]) في واقعة الغدير قبل خطبة النبي الأكرم’، وهذا ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: «نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} في علي بن أبي طالب»([338]).

وقد التزم ابن أبي حاتم في مقدّمة تفسيره بإخراج أصح الأخبار إسناداً، حيث قال: «فتحريت إخراج ذلك بأصح الأخبار إسناداً وأشبهها متناً»([339]).

وقال ابن تيمية في معرض حديثه عن مثل هذه التفاسير: «باتفاق أهل النقل من أئمة أهل التفسير، الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة كتفسير ابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد وإسحاق وتفسير بقي بن مخلد وابن جرير الطبري ومحمد بن أسلم الطوسي وابن أبي حاتم وأبي بكر بن المنذر، وغيرهم من العلماء الأكابر الذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمّنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير»([340]).

وأخرج هذا الحديث أيضاً الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد الخدري أيضاً، وقال فيه: «نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} في يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)»([341]).

وقد التزم الواحدي([342]) أيضاً في مقدّمة كتابه بنقل ما هو صحيح وحقّ من الروايات، حيث قال بعد أن انتقد من يكتب في مجال أسباب النزول عن غير علم: «وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول [هذا] القرآن، فيعرفوا الصدق، ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدّوا في تحفّظه بعد السماع والطلب»([343]).

وأخرج ابن عساكر الحديث بنفس المضمون:

وسند الحديث كالتالي: «أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، نا أبو حامد الأزهري، نا أبو محمد المخلّدي، أنا أبو بكر محمد بن حمدون، أنا محمد بن إبراهيم الحلواني، نا الحسن بن حمّاد سجادة، نا علي بن عابس، عن الأعمش وأبي الجحّاف، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري»([344]).

وكل من في السند، فهو ممن يحتجّ به إلاّ من جهة علي بن عابس، وسوف يأتي الكلام عنه:

أمّا أبو بكر وجيه بن طاهر:

فقد قال عنه الذهبي: «الشيخ العالم العدل، مسند خراسان، أبو بكر أخو زاهر، الشحّامي النيسابوري، من بيت العدالة والرواية»([345]).

وأمّا أبو حامد الأزهري:

فقد ذكره الذهبي بقوله: «العدل المسند الصدوق، أبو حامد، أحمد بن الحسن بن محمد بن أزهر الأزهري النيسابوري الشروطي، من أولاد المحدثين ... وله أصول متقنة، حدّث عنه زاهر ووجيه ابنا طاهر»([346]).

وأمّا أبو محمد المخلّدي:

فقد قال عنه الذهبي: «الإمام الصادق المسند ... العدل، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات»([347]).

وأمّا محمد بن خلدون:

فهو محمد بن حمدون بن خالد، قال الذهبي: «الحافظ الكبير أبو بكر النيسابوري أحد الأثبات ... قال الحاكم كان من الثقات الأثبات الجوّالين في الأقطار»([348]).

وأمّا محمد بن إبراهيم الحلواني:

فقد ذكره الخطيب البغدادي بقوله: «أبو بكر الحلواني، قاضي بلخ، سكن بغداد وحدّث بها ... وكان ثقة»([349]).

وأمّا الحسن بن حماد سجّادة:

فقد قال عنه الذهبي: «ثقة صاحب سنة»([350])، وقال عنه ابن حجر: «صدوق من العاشرة»([351]).

وأمّا علي بن عابس:

فتضعيفهم له لم يكن باتهمامه بما يُسقط حديثه عن الاعتبار كالوضع والكذب وما شابه ذلك، ولذا جعلوا حديثه مما يكتب ويعتبر به، قال ابن عدي: «ولعلي بن عابس أحاديث حسان ويروي عن أبان بن تغلب وعن غيره أحاديث غرائب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه»([352])، وقال الدارقطني: «يُعتبر به»([353]).

وأخرج له أحمد في مسنده بعض الأحاديث([354]) وكذلك أخرج له الترمذي في سننه، ولم يضعّف الحديث من جهة علي بن عابس، وإنّما قال عنه: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من حديث مسلم الأعور، ومسلم الأعور ليس عندهم بذاك القوي»([355]).

كما أخرج له الحاكم في جملة من الموارد([356])، وابن أبي حاتم في تفسيره([357]).

فتضعيفهم له يعدّ من التضعيف الخفيف؛ ولذا عبّر ابن معين بقوله: «كأنه ضعيف»([358]).

نقول: الذي يقوى في النفس أنّ منشأ الكثير من التضعيفات هو روايته لبعض فضائل أهل البيت^، وبيان حقوقهم، ولذا حينما يتعرضون لترجمته يذكرون ما يرويه عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد، قال: «لما نزلت: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} دعا رسول الله’ فاطمة فأعطاها فدك»([359])، وكأنّ تلك المرويّات تعدّ منقصة له وطعناً في وثاقته.

ولا غرابة في ذلك، فإن مضامين مثل تلك الأحاديث يصطدم مع مسلّمات عندهم لا يمكن تجاوزها، ومن هنا قال الذهبي في الميزان بعد نقله لهذا الحديث في ترجمة علي بن عابس: «قلت: هذا باطل»([360]).

وليس ببعيد أنّ تلك الأحاديث التي تتحدث عن فضائل أهل البيت^ هي التي يقصدها ابن عدي في كلامه المتقدّم حين قال: ويروي عن أبان بن تغلب وعن غيره أحاديث غرائب؛ فغالباً ما يعبّرون عن روايات الفضائل بالغرائب أو الطامات أو ما شابه ذلك.

من هنا لا نجد سبباًَ وجيهاً للأخذ بتلك التضعيفات في حقّ علي بن عابس لكي نسقط حديثه عن الاعتبار، ولو تنزّلنا معهم وقبلنا التضعيفات في حقه، فإنّها مع ذلك لا تمنع حديثه عن كونه قابلاً للاعتماد عليه مع المتابعات والشواهد، فلو وجد له شاهد أو متابع يصبح حديثه حسناً لغيره ويتمّ قبوله.

وفي المقام توجد عندنا طائفة كبيرة من الروايات التي تلتقي مع روايته التي مفادها أن آية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} قد نزلت في عليّ× في غدير خمّ، وهذه الطائفة من الروايات قد رويت عن عدّة من الصحابة من غير طريق أبي سعيد الخدري، والتي يمكن أن يكون واحداً منها على أقلّ تقدير شاهداً لحديث علي بن عابس.

ومن أحاديث تلك الطائفة: ما رواه الثعلبي مسنداً عن ابن عباس في قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ...}، قال: «نزلت في علي (رض)»([361])، وما أخرجه الحاكم الحسكاني بسنده عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي، قال: «لمّا أسري إلى السماء سمعت نداءً من تحت العرش: أنّ علياً راية الهدى وحبيب من يؤمن بي، بلّغ يا محمد، قال: فلمّا نزل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أسرّ ذلك، فأنزل الله عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} في عليّ بن أبي طالب»([362])، وما أخرجه بسنده أيضاً عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}، قال: «نزلت في عليّ، أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أن يبلّغ فيه، فأخذ رسول الله بيد عليّ، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، الّلهم وال من ولاه وعاد من عاده»([363])، ثم قال الحسكاني عن هذا الحديث: «رواه جماعة عن الحبري، وأخرجه السبيعي في تفسيره عنه، فكأنّي سمعته من السبيعي، ورواه جماعة عن الكلبي، وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة، من تصنيفي، في عشرة أجزاء»([364]).

وأخرج الحاكم الحسكاني بعد ذلك أيضاً حديثاً بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: «سمعت رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم وتلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ثم رفع يديه حتى يرى بياض أبطيه، ثمّ قال: ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهم وال من ولاه وعاد من عاداه، ثمّ قال: الّلهم اشهد»([365]).

وما أخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود، قال السيوطي: «وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يا أيّها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إنّ علياً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس»([366]).

وقد ذكر العلامة الأميني في كتابه الغدير عدداً من الحفّاظ ممن ذكروا هذه الرواية([367]).

فهذه الطرق الكثيرة للرواية والتي تنتهي إلى أكثر من صحابي، فهي إن لم تشكّل مع رواية أبي سعيد الخدري المتقدمة قرينةً قويةً على صحّة صدورها، فلا أقلّ من وجود طريق واحد منها يصلح أن يكون شاهداً لحديث أبي سعيد الخدري الذي فيه علي بن عابس، مما يرفعه إلى مرتبة الحسن لغيره، فيصحّ الاحتجاج بحديثه على مباني أهل السنة.

وأمّا أبو الجحّاف:

فقد قال عنه الذهبي: «وثّقه أحمد، ويحيى، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، قليله»([368]).

وأمّا عطية العوفي([369]):

فقد روى له البخاري في الأدب المفرد وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال عنه ابن حجر في التقريب: «صدوق يخطئ كثيراً»([370]).

وقال المزّي في ترجمته لعطية العوفي: «وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: صالح»([371])، وقد أخرج له أحمد في مسنده روايات كثيرة، وقال الهيثمي عندما أخرج حديثاً في فضل الصوم عن عطية العوفي: «رواه أحمد وفيه عطية بن سعيد، وفيه كلام وقد وثق»([372]).

وقال الملا علي القاري في شرحه لمسند أبي حنيفة عند تعليقه على طرق بعض الروايات: «ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي، وهو من أجلاء التابعين»([373]).

وقال ابن حجر: «وقال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سبّ علي، فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه فأبى أن يسبّ، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج إلى خراسان، فلم يزل بها حتى ولّي عمر بن هبيرة العراق فقدمها، فلم يزل بها إلى أن توفي سنة (11) [بعد المائة]، وكان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة»([374]).

وقال الذهبي في تعليقه على ما فعله الحجاج في عطية العوفي: «وكان شيعياً رحمه الله، ولا رحم الحجاج»([375]).

وقد أخرج له الترمذي في سننه روايات عديدة، وقال في تعليقه على بعض الأحاديث التي وقع في طريقها عطية العوفي: «هذا حديث حسن غريب»([376])، وقد حسّن له أحاديث اُخرى قال عنها: «هذا حديث حسن»([377])، بل إن الترمذي صحّح لعطية العوفي جملة من الأحاديث في أبواب صفة الجنة وقال عنها: «هذا حديث حسن صحيح»([378]).

وبعد هذا التوثيق والتعديل للتابعي الكبير عطية العوفي، لا قيمة لما ورد من تضعيف وجرح مبهم غير مفسّر في بعض الكلمات؛ لأنّه قد تقرّر في قواعد علوم الحديث أن الراوي إذا ورد في حقّه جرح وتعديل، وكان الجرح مبهماً وغير مفسّر ينبغي ردّه وعدم الاعتناء به، والأخذ بالتعديل الذي جاء في حقّه.

قال ابن حجر: «والجرح مقدّم على التعديل، وأطلق جماعة، ولكن محلّه: إن صدر مبيّناً من عارف بأسبابه؛ لأنّه إن كان غير مفسّر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً»([379]).

ولعل الذين جرحوا عطية العوفي وطعنوا في وثاقته، لم يتقبّلوا منه رفضه لأوامر السلطان، وامتناعه عن سبّ علي×، ولعلّه يحظى بتوثيقهم لو أطاع السلطان ووافق الحجاج على أن يسبّ علياً×.

وقد أخرج الثعلبي نزول آية البلاغ في يوم الغدير في حقّ علي× بأربعة طرق، فلاحظ([380]).

والحاصل: أن هذا الطريق للحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم والواحدي وابن عساكر وغيرهم صحيح الإسناد، ورجاله ممن يحتجّ بهم، وهو يتضمّن نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} في علي× في يوم الغدير بعد حجّة الوداع، وفي نزول هذه الآية المباركة في تلك الواقعة دليل واضح على أنها جاءت لتأكيد أمر في غاية الأهمية والخطورة، بحيث يجب على النبي الأكرم’ تبليغه في يوم الغدير، حيث تبيّن الآية أن ما وقع في يوم الغدير لو لم يفعله النبي’ فلا يكون قد بلّغ رسالة الإسلام، وليس ذلك إلاّ لانهدام ركن الإمامة والولاية الذي تتوقف عليه ديمومة الإسلام واستمراره، فترك تنصيب علي بن أبي طالب× للولاية على الاُمّة مساوق لترك تبليغ الرسالة بكاملها؛ لأن الإمامة الإلهية بعد النبي’ هي التي تتكفل قيادة الاُمّة من الناحية الدينية والسياسية والحكومية ونحوها.


الشاهد الثالث: نزول آية إكمال الدين وإتمام النعمة

إنّ الأحاديث الصحيحة تنصّ أيضاً على نزول قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}([381]) بعد خطبة الغدير، وهذا ما تقدّم إخراجه بسند صحيح عن أبي هريرة، حيث قال: «لما أخذ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست وليّ المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فانزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ([382]).

ونزول هذه الآية المباركة بعد حديث الغدير من الأدلة الواضحة على أن المراد من قول النبي’: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» هو إثبات الإمامة والخلافة لعلي× من بعده؛ إذ لا يوجد ما يصلح لإكمال الدين وإتمام النعمة في حديث الغدير إلاّ مقام الخلافة والإمامة في الاُمّة؛ لأنّ الإمامة تعني حفظ الدين وقيادة الاُمّة والدفاع عن حريم الرسالة الإسلامية بعد وفاة النبي.


شبهة ابن كثير حول سبب نزول الآية

بعد أن أورد ابن كثير في تفسيره رواية عمر بن الخطاب ـ الآتي ذكرها ـ والتي تتعرض لسبب نزول آية الإكمال، وأنه بعرفة يوم الجمعة، قال: «وقال ابن جرير: وقد قيل ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس، ثم روى من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يقول: ليس بيوم معلوم عند الناس، قال: وقد قيل: إنها نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في مسيره إلى حجة الوداع، ثم رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس. قلت: وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم غدير خمّ حين قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم رواه عن أبي هريرة، وفيه أنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه× من حجة الوداع. ولا يصحّ لا هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة»([383]).

وقال ابن كثير أيضاً في سيرته وتاريخه: «فأمّا الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: لما أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله عزّ وجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خمّ، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. فإنّه حديث منكر جداً، بل كذب؛ لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) واقف بها»([384]).

الجواب عن هذه الشبهة

أولاً: لا يصح تكذيب كل ما خالف الصحيحين

إنّ تكذيب ابن كثير للحديث النبوي الصحيح الوارد في بيان سبب نزول الآية المباركة، اعتماداً على ما أخرجه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب، من أن الآية نزلت في يوم عرفة، لا يخلو من تحامل على سنّة النبي الثابتة بطرق صحيحة ومعتمدة، وذلك لما تقدّم من صحّة حديث أبي هريرة.

ثانياً: تعدد أسباب النزول

إنّ الذي يشهد على بطلان كلام ابن كثير، هو أنّ الآية أو السورة قد يتكرر نزولها أكثر من مرة؛ لأسباب كثيرة، كتعظيم شأنها أو تعدّد أسباب نزولها أو نحو ذلك، وقد صرّح العلماء بذلك في مباحث علوم القرآن، قال الزركشي في كتابه (البرهان): «وقد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه، خوف نسيانه؛ وهذا كما قيل في الفاتحة نزلت مرتين، مرة بمكة وأخرى بالمدينة»([385]).

ثم استشهد الزركشي على صحّة مقالته ببعض الأمثلة، حيث أورد جملة من الآيات التي ورد سبب نزولها في الصحيحين بنحو، وفي المجامع الحديثية الاُخرى بنحو آخر، قال الزركشي: «ومثله ما في الصحيحين، عن ابن مسعود في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} أنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح، وهو في المدينة، ومعلوم أن هذه في سورة (سبحان)([386]) وهي مكّية بالاتفاق، فإن المشركين لمّا سألوه عن ذي القرنين وعن أهل الكهف، قيل ذلك بمكّة، وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك، فأنزل الله الجواب، كما قد بسط في موضعه.

وكذلك ما ورد في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أنّها جواب للمشركين بمكة، وأنّها جواب لأهل الكتاب بالمدينة» ثم قال: «والحكمة في هذا كلّه: أنّه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمّنها، فتؤدّى تلك الآية بعينها إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) تذكيراً لهم بها، وبأنها تتضمّن هذه ... وما يذكره المفسّرون من أسباب متعدّدة لنزول الآية قد يكون من هذا الباب، لا سيما وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أنّ أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنّه يريد بذلك أنّ هذه الآية تتضمن هذا الحكم، لا أنّ هذا كان السبب في نزولها»([387]).

ثم إنّ البخاري ومسلماً قد ذكرا في صحيحيهما أسباباً وأزمنة وأمكنة متعدّدة ومختلفة لنزول آية واحدة، بل وأخرج البخاري وغيره اختلاف بعض الصحابة فيما بينهم في سبب نزول بعض الآيات المباركة، والشواهد على ذلك كثيرة:

فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه تفسيراً لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}([388])، حيث أورد سببين مختلفين زماناً ومكاناً ومورداً لنزول الآية الكريمة:

السبب الأول: ما أخرجه عن الأشعث بن قيس، حيث قال: «فيّ أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي، قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): بيّنتك أو يمينه ...»([389]).

السبب الثاني: ما أخرجه عن عبد الله بن أبي أوفى: «أنّ رجلاً أقام سلعة في السوق، فحلف فيها لقد أعطي بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}»([390]).

ونحن نوجّه سؤالنا لابن كثير، ونقول: هل يجرؤ على إبطال ما في البخاري لتضارب أسباب النزول فيه، ويقول: إنّه حديث منكر جداً، بل كذب، كما فعل ذلك في حديث الغدير، استناداً إلى مخالفة سبب النزول ومكانه لما هو موجود في الصحيحين؟!

وأمّا بالنسبة إلى اختلاف الصحابة في أسباب نزول بعض الآيات، فموارده كثيرة جداً، ومن تلك الموارد ما أخرجه البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب، قال: «مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر (رضي الله عنه) فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك..»([391])، وأخرج أيضاً في كتاب الحجّ في صحيحه الخلاف بين عائشة وأبي بكر بن عبد الرحمن في سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}([392])([393]).

إذن بناءً على هذا البيان قد تكون آية الإكمال نزلت مرتين، إحداها في يوم عرفة والاُخرى في يوم الغدير، ولعلّ اليهودي الذي كان في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب كان يقصد نزول الآية في يوم الغدير، ولكن الخليفة أجابه بنزولها في يوم عرفة، وربما أجاب بذلك لغلق الباب أمام ما كان يرمي إليه اليهودي، حيث إن البخاري ومسلماً أخرجا في صحيحيهما عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: «أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وهو قائم بعرفة يوم الجمعة»([394]).

وهذا الجواب من عمر بن الخطاب لا غرابة فيه؛ لأنّه إذا قال بأنّ اليوم الذي نزلت فيه الآية هو الثامن عشر من ذي الحجة وفي غدير خمّ، فإنّه يكون قد أقرّ لعلي× بالخلافة والإمامة، وهذا ما لا يرتضي الخليفة ذكره في الملأ العام، ولا يريد أن يستذكر قوله لعلي×: «بخ بخ لك يا بن أبي طالب» في يوم الغدير، كما تقدّم في الحديث عن أبي هريرة([395]).

والحاصل: أنّ مخالفة بعض الروايات الصحيحة لما ورد في صحيحي البخاري ومسلم في تعيين سبب النزول، ليس فيه أي محذور يقتضي تكذيب تلك الروايات، بل هو يكشف عن تعدّد وتغاير أسباب وأزمنة وأمكنة النزول للآية الواحدة، ويشهد على ذلك ما ورد في الصحيحين من اختلاف أسباب النزول وزمان ومكان الآية الواحدة.

ثالثاً: معارضة رواية عمر للأحاديث الصحيحة

إنّ رواية عمر بن الخطاب المتقدمة تتعارض مع جملة من مضامين الأحاديث الصحيحة الواردة في المقام، نشير فيما يلي إلى بعضها:

1ـ نزول الآية في يوم الإثنين

لقد ورد في رواية عمر بن الخطاب أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة، مع أن هذا يتنافى مع ما ورد عن ابن عباس بسند معتبر من أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الإثنين، أخرج الطبراني بسنده عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، عن ابن عباس، قال: «ولد نبيّكم (صلّى الله عليه وسلّم) يوم الإثنين، ويوم الإثنين خرج من مكة، ودخل المدينة يوم الإثنين، وفتح بدراً يوم الإثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ورفع الركن يوم الإثنين»([396]).

وطريق هذا الحديث معتبر، لم يقع كلام في سنده إلاّ من جهة ابن لهيعة، قال الهيثمي في زوائده: «رواه أحمد والطبراني في الكبير، وزاد فيه: وفتح بدراً يوم الإثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. وفيه: ابن لهيعة وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات، من أهل الصحيح»([397]).

ولكن هذا الكلام من الهيثمي غير تام، فإن ابن لهيعة من الثقات، فقد روى له مسلم في صحيحه مقروناً بعمرو بن الحارث([398]) وروى له أبو داود([399]) والترمذي([400]) وابن ماجه([401])، وقد حسّن أحاديثه الترمذي([402]).

وقال عنه الحاكم: «وعبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أحد الأئمة، إنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره»([403]).

وقال المزي في تهذيب الكمال: «وقال ـ أبو عبيد الله الآجري ـ أيضاً: سمعت أبا داود يقول: أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟ وحدّث عنه أحمد بحديث كثير»([404]).

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: «أبو عبد الرحمن المصري القاضي صدوق من السابعة»([405]).

وقال أيضاً في التهذيب: «وحكى الساجي عن أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة من الثقات ... وقال ابن شاهين: قال أحمد بن صالح: ابن لهيعة ثقة، ما روي عنه من الأحاديث فيها تخليط يطرح ذلك التخليط، وقال مسعود عن الحاكم: لم يقصد الكذب وإنّما حدّث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ»([406]).

وقال في لسان الميزان: «عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي الغافقي أبو عبد الرحمن المصري قاضيها وعالمها ومسندها»([407]).

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: «ابن لهيعة الإمام الكبير قاضي الديار المصرية وعالمها ومحدثها»([408]).

وذكر ابن عدي في الكامل: «أخبرنا العباس بن محمد بن العباس، سمعت أحمد بن عمرو بن المسرح يقول: سمعت بن وهب يقول: وسأله رجل عن حديث فحدّثه به، فقال له: من حدثك بهذا يا أبا محمد؟ قال: حدّثني به والله الصادق البارّ عبد الله بن لهيعة»([409]).

وفي الجرح والتعديل: «ثنا عبد الرحمن، حدّثني أبي، نا محمد بن يحيى بن حسان، قال: سمعت أبي يقول: ما رأيت أحفظ من ابن لهيعة بعد هشيم، قلت له: إنّ الناس يقولون: احترق كتب ابن لهيعة، فقال: ما غاب له كتاب»([410]).

وقال العيني: «وعبد الله بن لهيعة ثقة عند أحمد والطحاوي»([411])، وقد حسّن الهيثمي نفسه أحاديث ابن لهيعة، حيث قال في تعليقه على بعض الأحاديث: «وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن»([412]).

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: «عبد الله بن لهيعة فإنّه من أكابر علماء المسلمين وكان قاضياً بمصر كثير الحديث، لكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه، فوقع في حديثه غلط كثير، من أن الغالب على حديثه الصحة»([413]).

فمن ضعّفه احتج بضعف اتقانه في مرحلة متأخرة، لكن الصحيح وثاقته مطلقاً كما صرح بذلك أحمد محمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي، قال: «وابن لهيعة ـ بفتح اللام وكسر الهاء ـ هو عبد الله بن عقبة الغافقي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي الفقيه، وهو ثقة صحيح الحديث، وقد تكلم فيه كثيرون بغير حجة من جهة حفظه، وقد تتبعنا كثيراً من حديثه وتفهمنا كلام العلماء فيه فترجح لدينا أنّه صحيح الحديث ... وروى أبو داود عن أحمد بن حنبل قال: ومن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه. وقال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع»([414]).

إذن فطريق هذا الحديث معتبر، وهو يثبت أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الإثنين، وهذا يعارض ما رواه عمر من أن الآية نزلت في يوم الجمعة.

2ـ نزول الآية ليلة جُمع (ليلة المزدلفة)

إنّ ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب، من أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة والنبي’ قائم بعرفات([415])، يتقاطع ويتنافى مع ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب، من أنّ الآية نزلت في ليلة جُمع (ليلة المزدلفة)، وهي ليلة العيد التي يزدلف فيها المسلمون من عرفات إلى منى، بعد إتمام الوقوف بعرفات، وذلك ما أخرجه مسلم عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: «قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} نعلم اليوم الذي أنزلت فيه، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: فقال عمر: فقد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والساعة، وأين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حين نزلت، نزلت ليلة جُمع، ونحن مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعرفات»([416]).

فهل أنّ الآية نزلت في يوم الجمعة والنبي’ قائم بعرفة، أم أنّها نزلت ليلة جُمع والنبي’ قد أتم الوقوف بعرفة وهو في طريقه للمزدلفة إلى منى؟!!

3ـ نزول الآية ليلة الجمعة

إنّ ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب، من أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة والنبي قائم بعرفات، يتقاطع ويتنافى أيضاً مع ما رواه النسائي في سننه بسند صحيح، من أنّ الآية نزلت ليلة الجمعة، حيث أخرج عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: «قال يهودي لعمر: لو علينا نزلت هذه الآية لاتّخذناه عيداً {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} قال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والليلة التي أنزلت، ليلة الجمعة، ونحن مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعرفات»([417])، وقال عنه الألباني: «صحيح»([418]).

4ـ تشكيك سفيان الثوري في نزول الآية يوم الجمعة

أخرج البخاري في صحيحه تشكيك سفيان الثوري في نزول الآية يوم الجمعة، فأخرج عن طارق بن شهاب، قال: «قالت اليهود لعمر: إنّكم تقرؤون آية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً، فقال عمر: إنّي لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حين أنزلت. يوم عرفة وإنّا والله بعرفة. قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة، أم لا»([419]).

وهناك إشكالات وتناقضات اُخرى في مضمون رواية عمر بن الخطاب، أعرضنا عنها رعاية للاختصار.


الشاهد الرابع: قول النبي’: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)

تقدّم أنّ النبي قال في حديث الغدير: «اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من يبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» وقد تقدّم تصحيح الهيثمي وغيره لهذا المقطع من الحديث، حيث قال في زوائده: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة»([420]).

فالنبي’ كما قال الأميني: أراد أن يبيّن في هذا المقطع من الحديث وجوب موالاة علي× ومناصرته والوقوف إلى جانبه ضد أعدائه، ويدعو الله تعالى أن يؤيد أنصاره ومواليه، ويخذل كلّ من يحاول خذلانه ومعاداته، وهذا المعنى لا يليق إلاّ بمن سيكون له أولياء وأنصار وأعداء يخذلونه، وهو يحتاج إلى النصرة ويتضرر بالخذلان وعدم الانقياد له، وليس هذا إلاّ لمن يكون له مقام الخلافة والإمامة والولاية على الاُمّة، وهذا يعني أن النبي’ أراد أن يثبت في حديث الغدير مقام الخلافة لعلي×، ثم حاول أن يحثّ الناس على موالاته واتباعه ونصرته، ويردعهم عن خذلانه ومعاداته.

فالنبيلما صدع بما خوّل الله سبحانه وصيّه من المقام الشامخ بالرئاسة العامة على الاُمّة جمعاء، والإمامة المطلقة من بعده، كان يعلم بطبع الحال أن تمام هذا الأمر بتوفر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمّال، مع علمه بأنّ في الملأ من يحسده، كما ورد في الكتاب العزيز، وفيهم من يحقد عليه، وفي زمر المنافقين من يضمر له العداء لأوتارٍ جاهلية، وستكون من بعده هنات تجلبها النهمة والشره من أرباب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء، ولا يدع الحق علياً× أن يسعفهم بمبتغاهم، لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلبون عليه ظهر المجن، وقد أخبر مجمل الحال بقوله: «إن تؤمروا علياً (رضي الله عنه) ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً»([421])، وفي لفظ: «إن تستخلفوا علياً ـ وما أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهدياً»([422]).

فطفق’ يدعو لمن والاه ونصره، وعلى من عاداه وخذله، ليتم له أمر الخلافة، وليعلم الناس أنّ موالاته مجلبة لموالاة الله سبحانه، وأنّ عداؤه وخذلانه مدعاة لغضب الله وسخطه، فيزدلف إلى الحق وأهله، ومثل هذا الدعاء بلفظ العام لا يكون إلاّ فيمن هذا شأنه، ولذلك إنّ أفراد المؤمنين الذين أوجب الله محبة بعضهم لبعض لم يؤثر فيهم هذا القول، فإنّ منافرة بعضهم لبعض جزئيات لا تبلغ هذا المبلغ، وإنما يحصل مثله فيما إذا كان المدعو له دعامة الدين، وعلم الإسلام، وإمام الاُمّة، وبالتثبط عنه يكون فتّ في عضد الحق وانحلال لعرى الإسلام([423]).

الشاهد الخامس: حديث الغدير في سياق حديث الثقلين

إنّ ولاية علي× في حديث الغدير جاءت في سياق حديث الثقلين، حيث قال النبي’: «إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تُخلّفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إنّ الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي (رضي الله عنه)، فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه ...»([424]).

وسياق هذا الحديث واضح الدلالة على أنّ النبي’ أراد أن ينصّب بحديث الغدير، الخليفة من بعده، فهو’ بعد أن بين الدور الأساس للكتاب والعترة في مسيرة الاُمّة والرسالة الإسلامية، وحثّ الناس على التمسّك بهما لأجل النجاة من الهلكة والورود عليه’ عند الحوض، بعد ذلك كلّه أراد النبي’ أن يعيّن للمسلمين الرجل الأول من العترة ـ التي لا تفارق القرآن الكريم ـ وهو علي×، علي الذي لا يفارق القرآن ولا القرآن يفارقه، وقد قال النبي’ لعموم المسلمين في مناسبات اُخرى: «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء، ثقة مأمون ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي في التلخيص([425]).

فالنبي’ قد ترك في أمته بعد وفاته كتاب الله عزّ وجلّ وعترته، ثم بين وأوضح بعد ذلك أنّ أول العترة هو علي×، ثم أمر بتولّيه ومناصرته، ونهى أصحابه عن خذلانه والتخلّف عن ركبه الذي لا يفترق عن القرآن أبداً.

إذن فالنبي’ قد ترك في أمته خليفتين، خليفة صامت وهو كتاب الله تعالى، وخليفة ناطق بالحقّ، وهو علي× والعترة من بعده.

الشاهد السادس: تهنئة الصحابة لعلي×

لقد بادر الصحابة لتهنئة علي× على تتويجه بمقام الولاية، وقد تقدّم في الأحاديث السابقة أنّ أوّل من قام لتهنئة علي× هو عمر بن الخطاب، حيث قال: «بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم»([426])، وهذا يكشف عن أنّ النبي’ قد أثبت لعلي× مقاماً ومنزلة خاصة، استحق لأجلها التهنئة والمباركة من قبل الصحابة وسائر المسلمين، وليست هذه المنزلة إلاّ الولاية والخلافة.

قال أبو حامد الغزالي: «أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمّ، باتفاق الجميع، وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مولى، فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرياسة ... فعادوا إلى الخلاف الأول ونبذوه وراء ظهورهم واشتروا بهم ثمناً قليلاً»([427]).

والذهبي بعد أن ذكر العبارة المتقدمة للغزالي([428]) قال: «وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنّه رجع عنه، وتبع الحق، فإنّ الرجل من بحور العلم، والله أعلم»([429]).

الشاهد السابع: استشهاد علي× بحديث الغدير

إنّ ما قام به علي× في الرحبة في الكوفة يدلّ بوضوح على ما ذكرناه، حيث جمع× الناس وجملة من صحابة النبي وناشدهم واستشهدهم على حديث الغدير، وذلك في مقام الردّ على من خالفه في أمر الخلافة، وهذا ما تقدّم نقله في الشبهة الاُولى بطرق كثيرة وصحيحة، منها ما تقدم عن أحمد في مسنده عن أبي الطفيل، قال: «جمع علي (رضي الله تعالى عنه) الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خمّ ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا»([430]).

قال الهيثمي بعد أن أورد الحديث: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة»([431])، وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح»([432]).

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً»([433]).

وقال الألباني في سلسلته الصحيحة: «أخرجه أحمد وابن حبّان في صحيحه، وابن أبي عاصم والضياء في المختارة» ثم قال: «قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري»([434]).

وهذا الاستشهاد من علي× يدلّ على أنّ حديث الغدير مضمونه الخلافة وقيادة الاُمّة، ولو لم يكن دليلاً على أحقّية علي× بالخلافة لما صحّ الاستشهاد به والردّ على من خالف علياً× وأنكر خلافته.

ويؤكّد ما ذكرناه أيضاً، ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن إياس الضبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: «كنّا مع علي يوم الجمل، فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن القني، فأتاه طلحة، فقال: نشدتك الله هل سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، قال: فلم تقاتلني؟ قال: لم أذكر. قال: فانصرف طلحة»([435])، فلو كان حديث الغدير لا دلالة فيه على الأحقّية بالخلافة وولاية الأمر، فلماذا يحتجّ به علي× على طلحة لإثبات أحقّيته في ذلك؟ ولماذا لم يعترض طلحة على دلالة الحديث، كما اعترض ابن تيمية ومن تابعه؟!

الشاهد الثامن: الاهتمام الخاص بخطبة يوم الغدير

إنّ الاهتمام الخاص من الله عزّ وجلّ ونبيه الأكرم بخطبة يوم الغدير دليل واضح على أنّ المراد من الولاية في حديثه هي الإمامة والخلافة، قال الاميني في موسوعته الغدير: «كان للمولى سبحانه مزيد عناية بإشهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن وتلوكه أشداق الرواة، حتى يكون حجة قائمة لحامية دينه الإمام المقتدى صلوات الله عليه، ولذلك أنجز الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير، عند منصرف نبيه’ من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة، وكراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفة به، فردّ المتقدم، وجعجع بالمتأخر، وأسمع الجميع([436]) وأمر بتبليغ الشاهد الغايب، ليكونوا كلّهم رواة هذا الحديث، وهم يربون على مائة ألف، ولم يكتف سبحانه بذلك كلّه حتى أنزل في أمره الآيات الكريمة تتلامع مر الجديدين بكرة وعشياً، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كلّ حين، وليعرفوا رشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم.

ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الأعظم، حيث استنفر أمم الناس للحج في سنته تلك، فالتحقوا به ثباً ثباً، وكراديس كراديس، وهو يعلم أنّه سوف يبلّغهم في منتهى سفره نبأ عظيماً، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به أمته الأمم، ويدبّ ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها([437])، ولكن ... ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمّة الدين (سلام الله عليهم) يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجّون بها لإمامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتأ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بنفسه يحتجّ بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجة الوداع، في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس، كلّ ذلك لتبقى غضة طرية، بالرغم من تعاور الحقب والأعوام، ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيّد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، إعادة لجدة هاتيك الواقعة العظيمة»([438]).

والشواهد والأدلة في هذا المجال كثيرة جدّاً، وهي بأجمعها تكشف عن دلالة حديث الغدير على مسألة الخلافة والإمامة، بل إنّ بعض تلك الشواهد المتقدّمة عبارة عن ألفاظ صريحة من النبي’ تضمّنها حديث الغدير، وهي تدلّ بوضوح كامل على أن النبي’ قد نصّب علياً× إماماً وخليفة من بعده بأمر من الله تعالى أنزله في كتابه الكريم.

وبعد هذه الدلالات والألفاظ والقرائن والشواهد الصريحة، يتّضح بطلان قول ابن تيمية المتقدّم حول حديث الغدير: «فإن قاله فلم يرد به الخلافة قطعاً؛ إذ ليس في اللفظ ما يدلّ عليه»، وكذا يتّضح بطلان قول القفاري: «ومن المعلوم لغة وعقلاً وعرفاً، فضلاً عن الشرع، أن الاستخلاف لا يكون بمثل هذه الألفاظ» فإنّ هذا الكلام لا قيمة له، بعد أن عرفنا الدلائل الواضحة في حديث الغدير على مسألة الخلافة والاستخلاف.

الجواب الثاني عن الشبهة الرابعة: ضعف حديث الحسن بن الحسن

وأمّا الحديث الذي ذكره القفاري عن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، نقلاً عن كتاب الاعتقاد للبيهقي، حيث قال: «لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ كما يروي البيهقي([439]) ـ حينما قيل له: ألم يقل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إن كان يعني بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: إنّ هذا وليّ أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإنّ أنصح الناس للمسلمين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([440]).

فالجواب عليه من وجوه:

أوّلاً: لم يكن الحديث مما نقلته الشيعة الإمامية، بل هو من الأحاديث التي ذكرها بعض علماء السنة في كتبهم، فلا يمكن الاحتجاج به على الشيعة، والاحتجاج به يخالف المنهج الذي ادّعى القفاري الالتزام به، وهو أن يكون الاستدلال والردّ على الشيعة من كتبهم.

وثانياً: الظاهر أنّ فضيل بن مرزوق قد سمع الحديث من الحسن المثلث، أي الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب× وليس من الحسن المثنى، أي الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب×؛ لأنّ الحسن المثلث هو الذي يعدّ من شيوخ فضيل بن مرزوق كما في تهذيب الكمال([441])، وهو لا يحظى بمرتبة عالية من التوثيق عند علماء الجرح والتعديل لأهل السنة، بل هو مقبول([442]) كما قال عنه ابن حجر([443]).

ثالثاً: إنّ سند هذا الأثر المنقول غير صالح للاحتجاج من ناحية سندية وفق آراء أهل الجرح والتعديل عند أهل السنة، فإنّ البيهقي أخرجه في كتابه الاعتقاد: عن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن علي، عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الوهاب، عن جعفر بن عون، عن فضيل بن مرزوق، قال: «سمعت الحسن بن الحسن»([444]).

أمّا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن علي، فهو بهذا العنوان مجهول، بل مهمل لم يرد له أي مدح أو توثيق.

وأمّا فضيل بن مرزوق، فقد اختلف فيه، قال عنه الذهبي: «قال النسائي: ضعيف، وكذا ضعّفه عثمان بن سعيد ... وقال ابن حبّان: منكر الحديث جدّاً، كان ممن يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات»([445]).

وقال عنه أيضاً في المغني في الضعفاء: «ضعفه النسائي وابن معين أيضاً، قال الحاكم: عيب على مسلم إخراجه في الصحيح»([446]).

وقال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عن فضيل بن مرزوق، فقال: هو صدوق صالح الحديث، يهمّ كثيراً، يكتب حديثه. قلت: يحتج به؟ قال: لا»([447]).

رابعاً: لو فرضنا صحة هذا الحديث جدلاً، فهو لا يعدو كونه رأياً خاصاً للحسن بن الحسن، وهو ممن لا تعتقد الشيعة بعصمته ولا بحجّية قوله عليهم، فكيف يحتجّ برأيه عليهم؟!!

 


الشبهة الخامسة: حديث الغدير جاء ليثبت إيمان علي باطناً وظاهراً

قال القفاري نقلاً عن ابن تيمية: «وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنّه يستحق الموالاة باطناً وظاهراً، ويرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، ولكن ليس فيه أنّه ليس من المؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) له موال وهم صالحو المؤمنين»([448]).

بيان الشبهة

إنّ حديث الغدير جاء ليثبت إيمان علي الباطني كما هو ثابت له ظاهراً، ومن هنا فهو يستحق الموالاة، ظاهراً وباطناً، وبهذا الحديث يردّ رسول الله على ما يقوله الخوارج والنواصب الذين يعتقدون أن إيمان علي× ظاهري فقط، فيكون إخباراً غيبياً عمّا سيقع من الخوارج.

فلا يدلّ على أنّه مولى المؤمنين الوحيد، كيف ذلك والرسول له موال يوالونه ويواليهم، وهم المؤمنون الصالحون.

    الجواب:

أولاً: لا توجد أدلة أو قرائن تثبت أن موضوع الحديث هو إيمان علي×

إنّ حديث الغدير ـ بألفاظه وزوائده المختلفة والمتعددة ـ ليس فيه أي دلالة على أنّه جاء للردّ على من يبغض علياً× من النواصب وغيرهم، أو أنّه جاء رداً على ما سيبدر من الخوارج في تكفيرهم لعلي× ومحاربته؛ إذ لم نلاحظ في عدد من تلك الطرق ـ التي صححنا أسانيدها ـ أية قرينة تشير إلى هذا المعنى، خصوصاً وأن ورود الحديث في غدير خمّ وما احتف به من قرائن وشواهد داخلية وخارجية ـ تقدّم ذكرها ـ تجعل الباحث يستبعد هذه الفكرة التي زعمها ابن تيمية، بل تلك الشواهد تثبت أنّ الحديث إنّما جاء لإثبات مقام الخلافة والإمامة لعلي×.

ثانياً: تثبيت إيمان علي ليس هو غاية الحديث بل غايته الخلافة

من الثابت لكل باحث في التراث الإسلامي أنّه لم يرد في حق أحد من الصحابة بقدر ما ورد بحق أمير المؤمنين× وعلو منزلته([449])، وأنّه يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله([450])، وأنه مع الحق يدور معه حيثما دار([451])، وأنه مع القرآن والقرآن معه([452])، وأنه سيّد العترة التي قرنها مع القرآن في حديث الثقلين([453])، وأنه الميزان في تمييز المؤمن عن المنافق([454])، وغيرها من الأحاديث الصحيحة التي تقدّم ذكرها سابقاً، والتي تبيّن إيمان علي ظاهراً وباطناً فهل يحتاج الرسول’ بعد كلّ هذا أن يجمع الناس في حرّ الهجير ليبيّن لهم إيمان علي باطناً وظاهراً بحديث (من كنت مولاه ...) وبشكل متكرر، ليردّ بذلك على ما سيقوله فيه أعداؤه، من النواصب والخوارج؟!! إن هذا ما لا يقبله المنطق والعقل السليم.

ثم نتساءل هل أنّ إيمان علي بن أبي طالب× أخفى أو أقلّ وأضعف درجة من إيمان سائر الصحابة كي يحتاج النبي’ إلى إثباته وبيانه لمبغضيه من الصحابة والمنافقين؟!!

ثالثاً: ليس مهمة النبي’ التصدي لإثبات إيمان الصحابة

ثم إنّه لو كان على النبي أن يتصدّى لإثبات إيمان أحد من أصحابه فيما لو كان له أعداء سينكرون إيمانه، لكان المفروض أن يتصدّى لإثبات إيمان عثمان بن عفان، الذي أنكر الخوارج إيمانه وكفّروه ظاهراً وباطناً، بل هو قتل بأيد الصحابة أنفسهم، بعد أن ثاروا عليه.

 


الشبهة السادسة: حديث الغدير كان بسبب شكوى جيش اليمن

قال القفاري: «والمعنى الذي في الحديث يعمّ كلّ مؤمن، ولكن خصّ بذلك عليّاً (رضي الله عنه) لأنّه قد نقم منه بعض أصحابه، وأكثروا الشّكاية ضدّه حينما أرسله النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى اليمن قبل خروجه من المدينة لحجّة الوداع، ولذلك قال البيهقي: ليس فيه إن صحّ إسناده نص على ولاية علي بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي (صلّى الله عليه وسلّم) من ذلك، وهو أنّه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أن يذكر اختصاصه به ومحبته إيّاه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته»([455]).

الجواب عن الشبهة

إنّ هذه الشبهة التي ذكرها القفاري مقتبسة من كلام البيهقي في كتابه الاعتقاد، حيث قال: «وأمّا حديث الموالاة، فليس فيه إن صحّ إسناده نصّ على ولاية علي بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دلّ على مقصود النبي (صلّى الله عليه وسلّم) من ذلك، وهو أنّه لمّا بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أن يذكر اختصاصه به ومحّبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته، فقال: من كنت وليّه فعليّ وليّه»([456]).

وقد أثار هذه الشبهة أيضاً ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية)، حيث قال: «خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خمّ ـ فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب، وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرّغ× من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّن ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذٍ، وكان يوم الأحد بغدير خمّ، تحت شجرة هناك، فبيّن فيها أشياء، وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه»([457]).

وكذلك أشار إلى هذه الشبهة ابن حجر المكي([458]) والدهلوي([459]).


الجواب:

ولكي نجيب عن هذه الشبهة لابدّ لنا من دراسة قضية الشكوى وتحليل مضمونها أولاً.

دراسة وتحليل قضية الشكوى

إنّ من يطالع الأحاديث الصحيحة والمعتبرة في كتب أهل السنة، يتبيّن له بوضوح أنّ علياً× ذهب إلى اليمن أكثر من مرّة، ولا ربط لذلك من حيث الوثائق التاريخية والروائية المعتبرة بواقعة الغدير.

ففي المرّة الاُولى: ذهب إلى اليمن داعياً إلى الإسلام، وخاض الجيش الإسلامي بقيادته× معركة مع بعض قبائل اليمن، دخلت على إثرها قبيلة همدان في الإسلام طواعية، وفي هذا الخروج ذهب بريدة إلى النبي في المدينة بأمر من خالد بن الوليد ليشكو علياً×، فردّه النبي، وبيّن فضل علي×، وكان ذلك قبل خروج رسول اللّه إلى الحج، وفي هذا الخروج كانت الشكوى على علي× قد وقعت في المدينة، كما يأتي تفصيله.

وفي المرّة الثانية: بعث النبي علياً× إلى اليمن؛ للقضاء بينهم بعد أن دخلوا الإسلام، فتوجّه علي× للحكم والقضاء في تلك البلاد.

وفي هذا الخروج لم تكن هناك شكوى من أحد في حقّ علي×.

وفي المرّة الثالثة: خرج علي× إلى اليمن لجباية الأموال والصدقات، وفي هذا الخروج الثالث جعل علي× أميراً على أصحابه، وقفل راجعاً إلى مكة، حيث التحق بالنبي في حجة الوداع وأتمّ الحج معه، ثمّ أبدى بعض أصحابه في مكّة المكرّمة الشكاية على علي×، فقام رسول اللّه خطيباً، قال: «أيّها الناس، لا تشكوا علياً، فو الله إنّه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله»([460])، وفي هذا الخروج قد حصلت الشكوى في مكة المكرمة من بعض المسلمين.

كما أنّه يظهر من بعض الروايات التي ستأتي أنّ بعض المسلمين قد أظهر نفس الشكاية في المدينة، فزجرهم النبي وأمرهم أن لا ينتقصوا علياً×، وسوف يتّضح أن لا صلة لهذه الشكايات بقضيّة الغدير إطلاقاً.

تعدد خروج علي× لليمن

ولكي يتبين صحّة ما ذكرناه من التسلسل التاريخي لعدد مرات خروج علي× إلى اليمن، داعياً للإسلام تارة، وأخرى قاضياً، وثالثة جابياً للصدقات، سنحاول أن نستعرض الروايات والأحاديث التي ذُكرت في هذا المجال:

أولاً: خروج علي × إلى اليمن غازياً وداعياً إلى الإسلام

أ ـ رواية البخاري المتوفى (256هـ)

أخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى البراء، قال: «بعثنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه، فقال: مرْ أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقّب معك فليعقّب، ومن شاء فليُقبل، فكنت فيمن عقّب معه، قال: فغنمت أواقيَّ ذواتِ عدد([461])»([462]).

ثم أخرج البخاري هذه القصّة بنحو آخر عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: «بعث النبي (صلّى الله عليه وسلّم) علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ذكرت له ذلك، فقال: يا بريدة، أتبغض علياً؟ فقلت: نعم، قال: لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك»([463]).

ب ـ رواية أحمد المتوفى (241 هـ) والنسائي (303 هـ)

أخرج أحمد في المسند والنسائي في السنن والخصائص، عن بريدة واللفظ للأول، قال: «بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، فلقينا بني زيد (زبيد) من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يخبره بذلك، فلما أتيت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) دفعت الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقلت: يا رسول الله! هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): لا تقع في علي، فإنّه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي»([464]).

وقال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح»([465]).

وروى أحمد أيضاً واللفظ له، والنسائي في السنن الكبرى عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: «بعثنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في سرية، قال: لما قدمنا، قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإما شكوته أو شكاه غيري، قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فإذا النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قد احمرّ وجهه، قال: وهو يقول: من كنت وليه فعلي وليه»([466]).

قال الهيثمي: «ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح»([467]).

قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده حسن على شرط الشيخين»([468]).

وأخرج الرواية ابن عساكر([469])، وهذه الرواية ورواية ابن أبي شيبة ـ التي سوف تأتي ـ وإن لم يذكر فيها اليمن بالخصوص، وإنّما وردت فيها كلمة (سرية) فقط، ولكن بضميمة الروايات الاُخرى يفهم أن المقصود هو سرية اليمن.

ج ـ رواية الطبراني المتوفى (360 هـ)

روى الطبراني بإسناده عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: «بعث رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعليّ على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة، فقال: اغتنمها فأخبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بما صنع، فقدمت المدينة، ودخلت المسجد ورسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) في منـزله وناس من أصحابه على بابه.

فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح اللّه على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قالوا: فأخبره فإنّه يسقطه من عين رسول اللّه ـ ورسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) يسمع الكلام ـ فخرج مغضباً، وقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من ينتقص علياً فقد تنقّصني، ومن فارق علياً فقد فارقني. إنّ علياً منّي وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم.

يا بريدة: أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ وأنه وليّكم من بعدي؟! فقلت: يا رسول الله، بالصحبة ألا بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام.

لا يروى هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا بهذا الإسناد تفرّد به: حسين الأشقر»([470]).

د ـ رواية ابن أبي شيبة المتوفى (235 هـ)

قال: «حدثنا عفان، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: حدّثني يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) سرية واستعمل عليهم علياً، فصنع علي شيئاً أنكروه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فسلّموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم، قال: فلما قدمت السرية سلّموا على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقام أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله! ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا، فأقبل إليه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يعرف الغضب في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي»([471]).

وأخرج هذا الحديث الطبراني في الكبير، وفيه بدل «فصنع علي شيئاً أنكروه» قد ذكر عبارة «فأصاب علي جارية فأنكروا ذلك عليه»([472])، وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه([473])، وأخرجه أحمد أيضاً، ولكن قال: «فأحدث شيئاً في سفره»([474]) وكذا أخرجه الترمذي وقال: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان»([475])، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: «وقد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان، وسياق الترمذي مطول وفيه (أنّه أصاب جارية من السبي) ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان»([476]). وقال الذهبي: «أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي»([477]).

وقال الحاكم في مستدركه: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»([478]).


هـ ـ رواية البيهقي المتوفى (458 هـ)

أخرج البيهقي بسنده عن البراء، قال: «بعث النبي (صلّى الله عليه وسلّم) خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه، ثم إنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالد أو من كان معه إلاّ رجل ممن كان مع خالد أحبّ أن يُعقّب مع علي (رضي الله عنه) فليُعقّب معه، قال البراء: فكنت ممن عقّب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلّى بنا علي (رضي الله عنه) وصفنا صفاً واحداً ثم تقدّم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي (رضي الله عنه) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) باسلامهم، فلما قرأ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الكتاب خرّ ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: السلام على همدان، السلام على همدان»([479]).

قال الذهبي: «هذا حديث صحيح، أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد»([480]).

وقال الألباني: «وأقرّه ابن التركماني فلم يعقّبه بشيء»([481]).

 


وقفات مع الشكوى في روايات خروج علي × إلى اليمن داعياً

الوقفة الأولى: خروج علي× إلى اليمن كان في السنة الثامنة

الظاهر أنّ خروج علي× إلي اليمن غازياً كان في سنة ثمان بعد فتح مكة، قبل حجة الوداع بسنتين كما صرح بذلك زيني دحلان مفتي مكة المكرمة في سيرته، قائلا: «في التاريخ سنة عشر وهم؛ لأن بعث علي إلى همدان لم يكن سنة عشر، إنّما كان سنة عشر بعثه إلى بني مذحج، وأمّا بعثه إلى همدان فكان سنة ثمان بعد فتح مكة»([482]).

الوقفة الثانية: الشكوى قد وقعت في المدينة فلا تؤثر على الحديث

هذه الروايات تتفق على مسألة واحدة، وهي أنّ الشكوى قد وقعت في المدينة قبل حجة الوداع، فلا علاقة لها بحديث الغدير، كما في صريح كلام الطبراني: «فقال: اغتنمها فأخبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بما صنع، فقدمت المدينة، ودخلت المسجد ورسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) في منـزله وناس من أصحابه على بابه»([483]).

وفي رواية ابن أبي شيبة، قال عمران: «وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) فنظروا إليه وسلّموا عليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم»([484]).

 فهذه الرواية دلت بوضوح على أن الشكوى وقعت في المدينة بقرينة «بدؤوا برسول الله ... قبل أن ينصرفوا إلى رحالهم» وهذا يناسب المدينة لا مكة.

وفي كل الأحوال فهي لا تؤثّر على حديث الغدير، كما سيأتي.

الوقفة الثالثة: مواقف غير ودية صدرت عن بعض الصحابة تجاه علي×

دلّت بعض روايات هذا الصنف على وجود مواقف غير وديّة من بعض الصحابة تجاه علي بن أبي طالب×، كما في رواية الطبراني عن بريدة، قال: «ودخلت المسجد، ورسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) في منـزله، وناس من أصحابه على بابه. فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح اللّه على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قالوا: فأخبره فإنّه يسقطه من عين رسول اللّه»([485]).

وفي رواية ابن أبي شيبة وكل الروايات التي ذكرت تعاقد أربعة من الصحابة، قال: «فتعاقد أربعة من أصحاب رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) إذا لقينا النبي أخبرناه بما صنع علي»([486]).

وقال ابن الأثير: «واستعمل عليهم علي بن أبي طالب فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي ...»([487]).

وقال الذهبي: «فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله» إلى أن قال: «ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي»([488]).

الوقفة الرابعة: غضب النبي’ على بعض أصحابه

نلاحظ في هذه الروايات أنّ النبي قد غضب على من شكا علياً×، وهذا يكشف عن أن فعل علي× لم يكن مخالفاً لله، وكشف أيضاً خطأ الشاكين عليه، وأن مافعلوه من شكاية قد أدّى بالنبي الحليم إلى أن يغضب ويحمرّ وجهه، ما يكشف عن الخطأ الفادح الذي ارتكبوه بانتقاص علي×، كما في رواية أحمد السابقة عن بريدة: «فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([489]).

وفي رواية الطبراني عن بريدة، قال: «فخرج مغضباً، وقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من ينتقص علياً فقد تنقّصني، ومن فارق علياً فقد فارقني»([490]).

وفي رواية ابن أبي شيبة: «فأقبل إليه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يعرف الغضب في وجهه»([491]).

وفي رواية أحمد: «فإذا النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قد احمرّ وجهه»([492]).

الوقفة الخامسة: في الحديث دلالة على إمامة علي وخلافته

نجد أنّ النبي قد صرّح بعدما غضب من شكوى الشكاة بما يدلّ على إمامة علي بن أبي طالب× وولايته، وأنّه ولي كلّ مؤمن بعده، كما في رواية الطبراني، قال رسول اللّه: «يا بريدة، أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليّكم من بعدي؟! فقلت: يا رسول الله، بالصحبة ألا بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام»([493]).

وفي رواية ابن أبي شيبة وغيرها، فقال: «وعليّ وليّ كل مؤمن بعدي»([494]).

وفي رواية أحمد بن حنبل: «فإذا النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قد احمرّ وجهه، قال: وهو يقول: من كنت وليّه، فعلي وليّه»([495]).

قال الهيثمي: «رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح»([496]).


تنبيه: علي × لم يتزوج على فاطمة ÷ في حياتها

من الجدير هنا التنبيه إلى بعض الملاحظات:

1ـ نعتقد بأنّ هذه الروايات التي في دلالتها زواج علي× من امرأة أخرى هي روايات: إمّا أنّها موضوعة قد وضعها أعداء علي× في زمن بني أمية؛ لما يحمله البعض من بغض شديد له، وهو شبيه بما وضعوه من قصة خطبة علي× لابنة أبي جهل، وإمّا أن بريدة وأمثاله هم من اختلقوا قصة زواجه بالجارية التي اصطفاها، وهدفهم من ذلك هو إسقاط علي× من عين رسول الله’ من خلال إثارة النبي’ بنقل زواج علي× على ابنته الزهراء÷، ويؤيده ما ذكرناه في رواية الطبراني: «فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح اللّه على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قالوا: فأخبره فإنّه يسقطه من عين رسول اللّه».

وكذا يؤيد ذلك، ما نقله الشيخ المفيد المتوفى (413هـ)، قال: «وكان أمير المؤمنين× قد اصطفى من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي’ وقال له: تقدم الجيش إليه فأعلمه ما فعل علي× من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه، وقع فيه. فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله’ فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذي أقدمه، فأخبره أنّه إنّما جاء ليقع في علي×، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنّه سيغضب لابنته مما صنع علي×»([497]).

ومن المحتمل قوياً أنّ تلك الجارية التي أخذها الإمام علي× هي نفسها التي ذكرها بعض علماء أهل السنة من أنّها خولة أمّ محمد الحنفيّة التي جاء بها علي بن أبي طالب× من اليمن ووهبها فاطمة ÷، وهي التي تزوجها أمير المؤمنين× بعد وفاة الزهراء÷، فولدت له محمد بن الحنفية، كما جاء في سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري: «روى عن أسماء بنت عميس أنّها قالت: رأيت الحنفية سوداء، حسنة الشعر، اشتراها علي× بذي المجاز ـ سوق العرب ـ أوان مقدمه من اليمن، فوهبها فاطمة الزهراء÷ وباعتها فاطمة من مكمل الغفاري فولدت له عونة بنت مكمل، وهي أخت محمد لأمّه ...»([498]).

إنّ هناك شاهداً قرآنياً يوضح ما ذكرناه أيضاً وهو أنّ سورة (هل أتى) التي اشتهر نزولها في علي وأهل بيته^ فقد ذكرت الآية أغلب نعم الجنة، ولكنها لم تتعرض لمسألة الحور العين، وقد ذكر المفسرون أن سبب ذلك هو الحفاظ على كرامة الزهراء÷، قال الآلوسي: «ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنّه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وإنما صرح عز وجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول»([499]).

ثانياً: خروج علي × إلى اليمن قاضياً

هناك روايات كثيرة وصحيحة دلّت على أنّ النبي قد بعث علياً× إلى اليمن قاضياً، نشير فيما يلي إلى جملة من نصوصها:

النصّ الأول: ما أخرجه أحمد في مسنده عن علي×، قال: «بعثني رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى اليمن، قال: فقلت: يا رسول الله، تبعثني إلى قوم أسنّ مني، وأنا حديث لا أبصر القضاء؟ قال: فوضع يده على صدري، وقال: اللّهم ثبّت لسانه واهد قلبه، يا علي، إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء، قال: فما اختلف عليّ قضاء بعد، أو ما أشكل عليّ قضاء بعد».

وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح»([500]).

النصّ الثاني: ما أخرجه أحمد أيضاً في مسنده عن علي×، قال: «بعثني رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، إنك تبعثني إلى قوم هم أسنّ مني لأقضي بينهم، قال: اذهب، فإنّ الله تعالى سيثبّت لسانك ويهدي قلبك». وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناد صحيح»([501]).

النصّ الثالث: ما أخرجه ابن ماجه في سننه عن علي×، قال: «بعثني رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ قال: فضرب بيده في صدري، ثم قال: اللّهم اهد قلبه وثبّت لسانه، قال: فما شككت بعد في قضاء بين اثنين»، قال الألباني في حكمه على الحديث: «صحيح»([502]).

وفي هذا الخروج لم ينقل أنّ هناك شكوى ضد علي×.

ثالثاً: خروج علي × إلى اليمن جابياً للصدقات

 رواية ابن إسحاق عن ابن ركانة وعن أبي سعيد الخدري

قال ابن هشام: «نقل ابن إسحاق تحت عنوان (موافاة علي في قفوله من اليمن رسول الله في الحج): حدّثني يحيى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لمّا أقبل علي رضى اللّه عنه من اليمن ليَلْقَى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) بمكة، تَعجَّل إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كلّ رجل من القوم حُلة من البَزّ([503]) الذي كان مع علي رضى اللّه عنه، فلمّا دنا جيشه خرج ليَلقاهم، فإذا عليهم الحُلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انْزع قبل أن تنتهي به إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) قال: فانتزع الحُلل من الناس، فردّها في البَزّ، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم»([504]).

وعن ابن هشام أيضاً، قال ابن إسحاق: «فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب، وكانت عند أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري، قال: اشتكى الناس علياً (رضوان الله عليه)، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنّه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يشكى. ثمّ مضى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) على حجّه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجّهم، وخطب الناس خطبته التى بيّن فيها ما بيّن، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، اسمعوا قولي ...»([505]).

وقد روى الطبري هذا المضمون نفسه، قال: «حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: ثم مضى رسول الله (صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم) على حجه فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم سنن حجهم وخطب الناس خطبته ...»([506]).

كذلك أخرج أحمد في مسنده هذا المضمون في مسنده مختصراً عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب ـ وكانت عند أبي سعيد الخدري ـ عن أبي سعيد الخدري، قال: «اشتكى علياً الناس، قال: فقام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيّها الناس، لا تشكوا علياً فو الله إنّه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله»([507]).

فعبارة «ثمّ مضى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) على حجّه» في بعض الروايات السابقة تدلّ صراحة على كون هذه القضيّة في مكة قبل مراسم الحجّ.

2 ـ رواية البيهقي عن أبي سعيد الخدري

أخرج البيهقي في الدلائل بسند معتبر، قال: «أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد، أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان، حدثنا أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثنا أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد الخدري، أنّه قال: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) علي بن أبي طالب إلى اليمن، قال أبو سعيد: فكنت ممن خرج معه، فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، فكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهمٌ كما للمسلمين.

قال: فلما فرغ عليٌ وانطلق من اليمن راجعاً أمّر علينا إنساناً، وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجّته، قال له النبي (صلّى الله عليه وسلّم): ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم، قال أبو سعيد: وقد كنّا سألنا الذي استخلفه ما كان عليٌ منعنا إياه ففعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أن قد ركبت، رأى أثر المركب، فذمّ الذي أمّره ولامه، فقلت: أنا إن شاء الله إن قدمت المدينة لأذكرنّ لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولأخبرنّهُ ما لقينا من الغلظة والتضييق.

قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه، فلقيتُ أبا بكر خارجاً من عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فوقف معي ورحّب بي وسألني وسألته، وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم فدخل فقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد، قال: ائذن له، فدخلت فحييت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وجاءني وسلّم عليّ، وسألني عن نفسي وعن أهلي فأحفى المسألة، فقلت له: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فانتبذ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم وجعلتُ أنا أعدد ما لقينا منه، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) على فخذي، وكنت منه قريباً، ثم قال: سعد بن مالك الشهيد! مه، بعض قولك لأخيك عليّ، فوالله لقد علمتُ أنّه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي، ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنتُ فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا علانيةً»([508]).

وسند هذا الحديث معتبر، كما اعترف بذلك ابن كثير، فهو بعد أن نقل هذا الحديث عن البيهقي في الدلائل، قال: «وهذا إسناد جيد، على شرط النسائي، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة»([509]).

وهذه الرواية تدلّ على أن الشكوى قد وقعت في المدينة.

3 ـ رواية أحمد بن حنبل عن عمرو بن شاس الأسلمي

جاء في مسند أحمد بن حنبل: «حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل بن سنان، عن عبد الله بن نياز الأسلمي، عن عمرو بن شاس الأسلمي ـ قال: وكان من أصحاب الحديبيةـ قال: خرجت مع علي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه ـ يقول: حدّد إليّ النظر ـ حتى إذا جلست، قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني، قلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى علياً فقد آذاني»([510]).

وهذه الرواية لا تدل صراحة على أن المسألة مرتبطة بجباية الصدقات، إلا أنّه بقرينة جفاني يمكن أن نفهم ذلك، كما تدل على أن الشكوى وقعت في المدينة بقرينة قوله: «فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد».

والرواية صحيحة، كما قال الهيثمي في تعليقه على الحديث: «رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات»([511]).

وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي في التلخيص([512]).

وقال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث أيضاً: «إسناده حسن ... والحديث رواه ابن أبي شيبة 12/ 75 رقم 21157 في الفضائل/ فضائل علي، وابن حبان 543 رقم 2202 (موارد) مختصراً، والحاكم وصححه 3/ 122 ووافقه الذهبي»([513]).

4 ـ رواية الواقدى

قال الواقدي: «قالوا: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) علي بن أبي طالب في رمضان سنة عشر، فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أن يعسكر بقُباء، فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه، فعقد له رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) يومئذ لِواءً أخذ عِمامةً فلفّها مثنيَّة مُرَبّعة، فجعلها في رأس الرُمح ثمّ دفعها إليه، وقال: هكذا اللِّواء وعمّمه عِمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعها بين يديه وشبراً من ورائه، ثمّ قال: هكذا العمامة.

قال: فحدّثني أسامة بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع، قال: لمّا وجهه رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) قال: امض ولا تلتفت!

فقال علي: يا رسول الله، كيف أصنع؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منك قتيلاً، فإن قتلوا منك قتيلاً فلا تقاتلهم، تَلوَّمْهُم([514]) حتى تريهم أناة، ثم تقول لهم: هل لكم أن تقولوا: لا إله إلا الله؟ فإن قالوا: نعم، فقل هل لكم إلى أن تصلّوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردونها على فقرائكم؟ فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت.

قال: فخرج في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد([515]) ... فلمّا انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد وهي أرض مَذْحِج فرّق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم وسبي نساء وأطفال ونِعَم وشاء وغير ذلك، فجعل على الغنائم بُريدة بن الحُصيب، فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقاهم جمع.

ثمّ لقي جمعاً فدعاهم إلى الإسلام وحرّض بهم، فأبَوا ورموا في أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السُلمي فتقدّم به، فبرز رجل من مَذحِج يدعو إلى البِراز، فبرز إليه الأسود بن الخُزاعي السُلمي، فتجاولا ساعة، وهما فارسان، فقتله الأسود وأخذ سَلبَه، ثمّ حمل عليهم علي× بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرقّوا وانهزموا، وتركوا لواءهم قائماً، فكفّ عن طلبهم ودعاهم إلى الإسلام، فسارعوا وأجابوا وتقدّم نفر من رؤسائهم، فبايعوه على الإسلام، وقالوا: نحن على مَن وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حقَّ اللّه».

ثمّ قال الواقدى: «فحدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، قال: وجمع علي الغنائم وجزّأها خمسة أجزاء. وأقرع عليها، وكتب في سهم منها، فخرج أول السهام سهم الخمس، ولم ينفّل منه أحداً من الناس شيئاً، وكان من قبله من الأمراء يعطون أصحابهم ـ الحاضر دون غيرهم ـ من الخمس، ثم يخبر بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلا يردّه عليهم، فطلبوا ذلك من علي، فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يرى فيه رأيه، وهذا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوافي الموسم، ونلقاه به، فيصنع ما أراه الله، فانصرف راجعاً، وحمل الخمس، وساق معه ما كان ساق، فلمّا كان بالفُتُق([516])، تعجّل وخلّف على أصحابه والخمس أبا رافع، فكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة([517])، ونَعَم ممّا غَنِموا، ونَعَم من صدقة أموالهم.

قال أبو سعيد الخدري ـ وكان معه في تلك الغزوة ـ قال: وكان علي× ينهانا أن نركب على إبل الصدقة، فسأل أصحاب علي× أبا رافع أن يكسوهم ثياباً، فكساهم ثوبين ثوبين، فلمّا كانوا بالسِّدرة داخلين مكة خرج علي× يتلقاهم ليقدَم بهم، فيُنـزلهم فرأى على أصحابنا ثوبين ثوبين على كلّ رجل، فعرف الثياب، فقال لأبي رافع: ما هذا؟ قال: كلّموني ففَرِقتُ من شكايتهم، وظننت أنّ ذلك يسهل عليك، وقد كان مَن كان قبلك يفعل هذا بهم، فقال: رأيت إبائي عليهم ذلك وقد أعطيتهم، وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلّفتُ فتعطيهم؟!

قال: فأبى علي× أن يفعل ذلك حتى جرّد بعضهم من ثوبيه، فلما قَدِموا على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) شكوه، فدعا علياً، فقال: ما لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما أشكيتهم؟ قسّمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس حتى نقدم عليك، وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون اُموراً يُنفِّلون من أرادوا من الخمس، فرأيت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك! فسكت النبي (صلّى الله عليه وسلّم)».

«قال: فحدّثني سالم مولى ثابت عن سالم مولى أبي جعفر، قال: لمّا ظهر عليّ× على عدوّه ودخلوا في الإسلام جمع ما غنم واستعمل عليه بريدة بن الحصيب وأقام بين أظهرهم، فكتب إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) كتاباً مع عبد اللّه بن عمرو بن عوف المزنيّ يخبره أنّه لقي جمعاً من زبيد وغيرهم، وأنّه دعاهم إلى الإسلام وأعلمهم أنّهم إن أسلموا، كفّ عنهم فأبوا ذلك وقاتلهم. قال عليّ×: فرزقني اللّه الظّفر عليهم حتّى قتل منهم من قتل. ثمّ أجابوا إلى ما كان عرض عليهم، فدخلوا في الإسلام وأطاعوا بالصّدقة وأتى بشر منهم للدين وعلّمهم قراءة القرآن، فأمره رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) يوافيه في الموسم، فانصرف عبد اللّه بن عمرو بن عوف إلى عليّ× بذلك»([518]).

وهذه الرواية دلت على أن الشكوى وقعت في مكة المكرمة في حجة الوداع.

ملاحظة على رواية الواقدي

يظهر من هذه الرواية أن اليمن لم تكن قد أسلم جميع أهلها في وقت واحد، فيبدو أن هناك بعضاً من قبائلها لم تكن أسلمت، لذا حين خرج علي× لجباية الصدقات منها، قد واجه بعض تلك القبائل غير المسلمة وخاض حرباً معها، ثم بعد ذلك أسلمت.

كما يظهر من بعض مقاطع الرواية أنها تنسجم مع الخروج الثالث، بقرينة الموافاة في مكة (يوافي الموسم) و(السنة العاشرة) كما يظهر أيضاً من بعض مقاطعها أن الخروج هو الخروج الأول الذي كان علي فيه داعياً وغازياً، بقرينة أنها ذكرت أنّه قاتل زبيداً وأسلموا، وفي الجملة يشعر القارئ للرواية أن هناك خلطاً قد وقع فيها، وأن هناك تهافتاً في مضامين فقراتها.

5 ـ رواية ابن الأثير

قال ابن الأثير تحت عنوان: (ذكر بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أمراءه على الصدقات): «وفيها أي: في السنة العاشرة بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أمراءه وعمّاله على الصدقات، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء» إلى أن قال: «وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود، ففعل وعاد، ولقي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بمكة في حجّة الوداع، واستخلف على الجيش الذي معه رجلاً من أصحابه، وسبقهم إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فلقيه بمكّة، فعمد الرجل إلى الجيش، فكساهم كل رجل حلّة من البزّ الذي مع علي، فلمّا دنا الجيش خرج علي ليتلقّاهم، فرأى عليهم الحلل، فنـزعها عنهم، فشكاه الجيش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقام النبي (صلّى الله عليه وسلّم) خطيباً، فقال: أيها الناس، لا تشكوا علياً، فو الله إنّه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله»([519]).

وهذه الرواية واضحة في جباية الصدقات، وأنّها في السنة العاشرة للهجرة، وأن الإمام× بعد جمعه للصدقات عاد والتقى برسول الله في مكّة، ممّا يدلّ أنّ الشكوى قد وقعت في مكة.


عدة تساؤلات حول الخروج الثالث

التساؤل الأول: متى بعث علي× إلى اليمن، ومن هناك تعجل بالرحيل إلى مكة؟

يفهم من كلام الواقدي وابن الأثير المتقدم: أن الخروج الثالث للإمام علي× لليمن كان في السنة العاشرة للهجرة سنة حجة الوداع، حيث وافى رسول الله في مكة([520]).

التساؤل الثاني: من هم الشكاة على علي×؟

قد عبّر في الروايات عن الشكاة بعدة ألفاظ، منها:لفاظالالااالاكمتكمبيكما

(الناس) كما في رواية ابن إسحاق، وأحمد بن حنبل، وابن عبد البرّ، عن أبي سعيد الخدري، قال: «اشتكى الناس علياً (رضوان اللّه عليه([521]).

2ـ (أصحاب علي) كما في رواية الواقدي عن أبي سعيد: «فلما قدموا على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) شكوه، فدعاه، وقال: ما لأصحابك يشكونك؟»([522]).

(الجيش) كما في رواية ابن هشام، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة: «وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم»([523]).

4ـ (عمرو بن شاس الأسلمي) فقد عبّر عن الشاكي بهذا الاسم، قال: «خرجت مع علي× إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد»([524]).

وقال الهيثمي: «رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه ورجال أحمد ثقات»([525]).

(أبو سعيد الخدرى بن مالك بن سنان) فقد عبّر أيضاً عن المشتكي بهذا الاسم، كما في رواية البيهقي، قال: «فلمّا قدمنا المدينة غدوت إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) ... فقلت: يا رسول اللّه، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق»([526]).

فلم تتفق الروايات على مشتكٍ بعينه، فهي مختلفة، كما يظهر منها.


التساؤل الثالث: أين كانت الشكوى؟ هل كانت في المدينة أم في مكة؟

قد مرّ بأنّ شكوى عمرو بن شاس وأبي سعيد الخدري كانت بالمدينة، وأمّا شكوى الناس أو الجيش فيبدو أنّها كانت في مكّة، كما في رواية الواقدي عن أبي سعيد الخدري «... فلما كانوا بالسِّدرة داخلين مكة خرج علي× يتلقاهم ليقدَم بهم فيُنزلهم، فلمّا قَدِموا رسول اللّه شكوا ...»([527]).

وقال ابن الأثير: «وسبقهم إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فلقيه بمكة، فعمد الرجل إلى الجيش، فكساهم كل رجل حُلة من البَزّ الذي كان مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم، فرأى عليهم الحلل فنزعها عنهم، فشكاه الجيش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([528]).

وفي رواية ابن إسحاق والطبري: «فلمّا دنا جيشه خرج ليَلقاهم، فإذا عليهم الحُلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انْزِع قبل أن تنتهي به إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم). قال: فانتزع الحُلل من الناس، فردّها في البَزّ، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم»([529]).

فيظهر من دنو الجيش أنّه كان إلى مكة.

التساؤل الرابع: لو كانت الشكوى في مكة هل كانت قبل مراسم الحج أم بعده؟

أدلة كون الشكوى قبل الحج

تدلّ رواية ابن إسحاق ورواية الطبري بأنّ الشكوى كانت قبل إتمام مراسم الحج؛ لأنّه قد ورد فيهما ـ بعد نقل شكوى الجيش وقول رسول اللّه: «لا تشكوا علياً» «ثمّ مضى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) على حجّه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجّهم»([530]).

أدلة كون الشكوى بعد الحج

يفهم من رواية الواقدي، وكذا رواية ابن الأثير أنّ الشكوى التي صدرت من الجيش كانت قد حدثت بعد إكمال مراسم الحج، قال الواقدي: «خرج عليّ× يتلقّاهم ليقدم بهم فينـزلهم».

وقال ابن الأثير: «فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم»([531]).

ومن الواضح أن خروج علي لملاقاة الجيش لم يكن قبل انقضاء مراسم الحج، كيف ذلك وقد ذكرت الروايات أن علياً× قد سبق الجيش، وتعجّل ليلتحق بمراسم الحج مع النبي؟ ففي رواية البيهقي السابقة: «فأسرع هو، فأدرك الحج، فلما قضى حجته، قال له النبي’: ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم».


عدة أجوبة على زعم أن حديث الغدير كان بسبب شكوى جيش اليمن

وبعد هذه المقدمات عن واقعة اليمن، وشكاية الناس علياً× تبيّن أنّ قضية الشكوى ـ حتى مع كونها وقعت في مكة ـ لا ربط لها بمسألة واقعة الغدير التي نصّب النبي فيها علياً× خليفة للمسلمين، فنجيب أنّ حديث الغدير كان نتيجة شكوى جيش اليمن، بعدّة أجوبة:

الجواب الأول: شكوى الجيش وقعت قبل انتهاء مراسم الحج

لو كانت الشكوى قد حصلت قبل الانتهاء من مراسم الحج، كما هو مضمون رواية الطبري وابن إسحاق اللتين نقلناهما، فحينئذ لا علاقة للشكوى بواقعة الغدير المتأخرة زماناً؛ لأن النبي ـ كما هو مفاد الروايات ـ قد قام خطيباً بعد هذه الشكوى مباشرة، وقال: «أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنّه لأخشن في ذات الله». فهذه الخطبة قد سبقت خطبة الغدير التي كانت بعد إتمام مراسم الحج، وترك النبي لمكة متوجهاً إلى جهة المدينة حيث وقعت خطبة الغدير في مكان يقال له: غدير خم والذي يبعد مسافة ليست بالقصيرة عن مكة.

الجواب الثاني: الشكوى كانت بعد مراسم الحج مباشرة

أمّا لو كانت الشكوى بعد إتمام مراسم الحج، كما هو مضمون رواية الواقدي وابن الأثير كما بيّناه سابقاً، فكذا سوف لن تكون خطبة الشكوى مرتبطة بحادثة الغدير؛ لنفس السبب السابق؛ لأن الظاهر من الروايات أن خطبة الشكوى كانت بعد الشكاية مباشرة في مكة، وقبل تحرك النبي ومسيره متوجهاً إلى المدينة ومروره بغدير خم.

الجواب الثالث: الشكوى كانت في المدينة

قد بيّنا في جواب التساؤل الثالث أن روايات الصنف الثالث قد انقسمت إلى قسمين من حيث بيان مكان وقوع الشكوى، فقسم حددها في مكة وقسم حددها في المدينة، فعلى تقدير أنها وقعت في المدينة كما هو مضمون رواية عمرو بن شاس الأسلمي، قال: «فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد»([532]).

ورواية أبي سعيد الخدري، قال: «فلمّا قدمنا المدينة غدوت إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) ... فقلت: يا رسول اللّه، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق»([533]) فحينئذ سوف يكون عدم الارتباط بين واقعة الشكوى وواقعة الغدير أكثر وضوحاً، كما لا يخفى.

على أنّ الاختلاف في مكان الشكوى يوجب وهناً في قبول أصل الرواية، فالتضارب في كون الواقعة تارة حدثت في المدينة، وتارة حدثت في مكة هو تناف يلزم منه تكذيب أصل وقوع الحادثة.

الجواب الرابع: واقعة الغدير كانت بأمر من الله تعالى

إنّ حديث الغدير كان بأمر من الله تعالى، ولا ربط له بشكوى جيش اليمن، حيث نزل الوحي على رسول الله يأمره بوجوب إبلاغ المسلمين خلافة علي× وإمامته، كما دلّ على ذلك جملة من الروايات الصحيحة، منها ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال:«نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِل إِليْكَ مِن رَّبِّكَ} في علي بن أبي طالب×»([534]).

وروى الثعلبي بأربع طرق في تفسيره أن الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِل إِليْكَ مِن رَّبِّكَ} «لما نزلت أخذ رسول الله بيد علي× وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه»([535]).

رواية الخطيب البغدادي

وأخرج الخطيب البغداي عن «عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لمّا أخذ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}»([536]).

وهذه الرواية طريقها صحيح، وقد تقدم تصحيحها في بحث سابق، فراجع([537]).

إذن فرواية الخطيب بالألفاظ المذكورة عن أبي هريرة لا إشكال في سندها، وأنّ واقعة الغدير واقعة إلهية قرآنية، وليس من الإنصاف أن نربطها بمسألة جزئية كشكوى جيش اليمن.

الجواب الخامس: النبيلم يذكر الشكوى في حديث الغدير

لوكانت الشكوى موجبة لحديث الغدير، فلابدّ من الإشارة لها إمّا من قبل رسول اللّه كما أشار في خطبته بمكة، بقوله: «لا تشكوا علياً» أو من جانب الشكاة، بأن تنقل لنا الرواية بعد خطبة النبي أنّ الشكاة قد رضوا عن علي× وندموا على شكواهم، كما في قضيّة شكاية بريدة وابن مالك وغيرهما، وفي رواية عمرو بن شاس بعد قول رسول اللّه: «يا عمرو، والله لقد آذيتني».

فأجاب: «أعوذ باللّه أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى علياً فقد آذاني»([538]).

وهكذا في رواية أبي سعيد الخدري بعد ما قال رسول اللّه’ لسعد الذي هو أبو سعيد الخدري: «سعد بن مالك الشهيد! مه، بعض قولك لأخيك عليّ، فوالله، لقد علمتُ أنّه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي، ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنتُ فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا علانيةً»([539]).

قال ابن كثير: «وهذا إسناد جيّد»([540]).

تنويه:

إنّ ما طرحناه من أجوبة وتحليل علمي وموضوعي قد اعتمدنا فيه على الفهم الصحيح لدلالات الأحاديث الكثيرة المختلفة، التي وردت حول هذه القضية، كل ذلك مع غض النظر عن التطرق لأسانيد الروايات إلا في بعض الموارد، وإلا فإن الروايات التي وردت فيها قضية الشكوى في مكة فيها مؤاخذات كثيرة على أسانيدها، لكن يقال: إنّ بعضها يقوي بعضاً؛ لكثرة الروايات في هذا الباب، لذا تركنا التعرض لسندها بسبب ذلك ورعاية للاختصار، وربما نتعرض للمناقشات السندية في دراسة أوسع ممّا بيّنا إن شاء الله تعالى.

وهكذا يتّضح أنّ ما ذكره القفاري تبعاً للبيهقي وابن كثير وغيرهم من أنّ حديث الغدير كان بسبب الشكوى التي وقعت من البعض، إنما كان مجرد حدس واستحسان، وأنّ الأدلة التي ذكروها لا تثبت ما زعموه، كما بيّنا في الإجابة عن هذه الشبهة، والله ولي التوفيق.


 

 

 

 

 

الفصل الرابع

الشبهات المثارة حول وجود النص على الإمامة

 

 

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: في الشبهات التي تنفي النص من كتاب نهج البلاغة

المبحث الثاني: فيما ينفي النص استناداً إلى مسلمات مزعومة


 

بعد أن ناقش القفاري أدلّة الإمامة من القرآن والسنةـ وقد تبين فيما سبق بطلان جميع مناقشاته ـ حاول بعد ذلك أن ينفي وجود النصّ على الإمامة؛ اعتماداً على بعض كلمات الإمام علي× في نهج البلاغة، مدّعياً أنّ الكتاب هو أصح كتاب عند الشيعة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فاستشهد بعبارات من كتاب النهج، زعم أنّها تهدم أصل وجود النصّ أو تثبت التناقض عند الشيعة، والتناقض دليل البطلان.

وبعد ذلك استشهد بقضايا زعم أنّها من الاُمور المسلّمة والتي تنفي وجود النصّ، لذا سيكون جوابنا على ما ذكره ضمن مبحثين:

المبحث الأول: يبطل الشبهات التي استند فيها إلى كتاب نهج البلاغة. والمبحث الثاني: يبطل الشبهات التي استند فيها على الاُمور التي ادّعى أنها مسلمة.

المبحث الأول: في الشبهات التي تنفي النص من كتاب نهج البلاغة

الشبهة: كتاب نهج البلاغة ينفي النص على الإمامة

قال القفاري: «والكتاب الوحيد الذي تطمئن الشيعة إلى كلّ كلمة فيه هو كتاب نهج البلاغة ... ومع ذلك إذا أردنا أن نحتكم إلى نهج البلاغة نجد فيه ما ينفي دعوى النصّ ويهدم كلّ ما زعموه في هذا الباب، أو يثبت التناقض، والتناقض دليل بطلان المذهب.

جاء في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين علياً، قال ـ لمّا أراده الناس على البيعةـ: (دعوني والتمسوا غيري، فإنّنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن تركتموني فإنّي كأحدكم، ولعليّ أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير منّي لكم أميراً). وهذا النصّ يدلّ على أنّه لم يكن منصوصاً عليه بالإمامة من جهة الرسول وإلاّ لما جاز أن يقول: دعوني ...»([541]).

الجواب:

منهج الشيعة في التعامل مع المصادر

من الواضح أنّ القاصي والداني ومن له أدنى إلمام بالفرق والمذاهب ومصادرها وطرق تلقيها، يعرف أن الشيعة الإمامية تتعامل مع مصادرها جميعاً طبق موازين الجرح والتعديل في القبول والرد، فمدرسة أهل البيت^لا تلتزم بصحة جميع ما في مصادرها، بل ولم تلتزم بالصحة المطلقة لأي كتاب ما عدا كتاب الله عزّ وجلّ، فجميع المصادر معرضة للنقد والتمحيص سنداً ومتناً.

ففرق كبير بين أن نعطي اعتباراً لكتاب معين ككتاب الكافي مثلاً ونتعاطى معه بنوع من الأهمية لما يرويه لخصوصية في صاحب الكتاب وبين أن نعتبر أن كلّ ما فيه صحيح.

وبهذا نفترق عن مدرسة أهل السنة، فقد اشتهر عندهم صحة ما في البخاري ومسلم، وأنّ كلّ ما فيه غير قابل للإنكار، بل صار الكتابان عندهم مقياساً لصحة الروايات التي لم تنقل في هذين الكتابين حتى لو كانت تلك الروايات صحيحة من ناحية سندية، فمادام مضمونها يتعارض مع مضمون ما في الصحيحين فالتقديم لصالح الصحيحين.

وليس هذا ادعاءً فقط، بل له أمثلة كثيرة نجدها في كتب أهل السنة، فمثلاً نرى ابن كثير في البداية والنهاية يرفض حديثاً صحيح السند، لكونه مخالفاً للصحيحين، بل يدّعي كذبه، حيث قال بعد أن نقل حديثاً لأبي هريرة في قضية نزول آية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}: «قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خمّ من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً». «فإنّه حديث منكر جداً، بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة»([542]).

وهناك شواهد تطبيقية كثيرة على ما قلناه يجدها من يراجع كتب أهل السنّة وأقوال علمائهم، وأمّا المدرسة الشيعية، فلا صحيح مطلقاً عندهم، ولك أن تراجع أقوال مشهور علمائهم وسوف تشعر بما ذكرنا.

ومن هنا فما ذكره القفاري ـ وقد أكثر منه ـ من أن كتاب نهج البلاغة أو غيره هو أصح كتبهم أو هو أتقنها أو هو ما تطمئن الشيعة إلى كلّ كلمة فيه، أو غيرها من العبارات، ثم يسوق رواية أو كلاماً من ذلك الكتاب ويرتب عليه الأثر، ليوهم القارئ باعتقاد الشيعة بصحته وبصحة النتيجة، هو كلام ليس بدقيق، بل هو منهج مبني على المخادعة مع الأسف أو عدم الإدراك لكيفية تعامل الشيعة مع كتبهم، وقد تكرر هذا الكلام في الكثير من كلمات كتّابهم المعاصرين الذين نهجوا نفس هذا النهج الخاطئ، فيدّعون أن كتاباً معيناً كالكافي مثلاً عند الشيعة هو بمثابة صحيح البخاري، فيوهمون القارئ بصحة هذه المقولة، بحيث يشعر القارئ أن حال كتاب الكافي عند الشيعة كحال كتاب البخاري من حيث قطعية وصحة كلّ كلمة فيه، وهذا الأمر ليس صحيحاً بلا أدنى شك.

ويبدو أن القفاري لم يكن منفصلاً عن هذا المنهج، فهو يسير على خطاهم ولا يخالفهم، وهذا يُشعرنا بأنّ هناك خللاً في فهم المباني الشيعية وقراءة خاطئة لمنظومة أفكارهم ـ إن استبعدنا فرضية التعمّد ـ لذا نجد أن هناك تشويشاً من الطرف الآخر بحقيقة هذا الفكر، مع كثرة مصادرنا وكثرة كتبنا، خصوصاً في مثل هذا الزمان الذي أصبح الكون فيه قرية صغيرة جداً عبر منظومات اتصال ثقافية وعالمية جديدة كالأنترنت ونحوه.

ويمكن للقارئ السنّي وغيره أن يقف على هذه الحقيقة ـ ونقصد حقيقة أن الشيعة لا يرون كتاباً صحيحاً بنحو مطلق مهما كان هذا الكتاب باستثناء كتاب الله عزّ وجلّ ـ وذلك من خلال مطالعات بسيطة لكتب علمائهم وآرائهم في أهمّ الكتب التي عند الشيعة وهي الكتب الأربعة ومن ضمنها كتاب الكافي، وسوف نوقفك على بعض منها:

قال السيد الخوئي في معجم رجاله: «المتحصل أنّه لم تثبت صحة جميع روايات الكافي، بل لا شكّ في أنّ بعضها ضعيفة، بل إن بعضها يطمأن بعدم صدورها من المعصوم×»([543]).

وقال أيضاً: «إنّ دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب الأربعة من المعصومين^ واضحة البطلان. ويؤكد ذلك أن أرباب هذه الكتب بأنفسهم لم يكونوا يعتقدون ذلك»([544]).

وقال: «وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه أنّه لم تثبت صحة جميع روايات الكتب الأربعة، فلا بد من النظر في سند كلّ رواية منها، فإن توفرت فيها شروط الحجية أخذ بها، وإلاّ فلا»([545]).

وقال صاحب المستدرك: «ومع جلالة قدره [أي الكافي] وعلو شأنه بين الأصحاب، لم يقل أحد بوجوب الاعتقاد بكل ما فيه ولم يسمّ صحيحاً كما سُمّي البخاري ومسلم»([546]).

وغير هذه الأقوال التي يذكرها علماء الشيعة في خصوص الكتب الحديثية.

وبهذا يتبين دعوى أن للشيعة كتاباً صحيحاً وقطعياً لا دليل عليها وهي دعوى باطلة.

وهذه الدعوى كما لا تصحّ في أهم كتبهم وهي الكتب الأربعة: كتاب الكافي ومن لايحضره الفقيه وكتابي التهذيب والاستبصار، كذلك لا تصحّ في غيرها ككتاب نهج البلاغة الذي ادّعى القفاري أنّه كالقرآن عند الشيعة وأنّ كلّ ما فيه صحيح.

كتاب نهج البلاغة عند الشيعة

يعدّ كتاب نهج البلاغة عند الشيعة واحداً من الكتب المهمة والجليلة والذي يعتز به كلّ شيعي ومسلم، بل غير المسلم أيضاً، فإنّه غالباً يحتوي على مضامين ومعارف عالية تنبئ عن أن قائلها لا يمكن أن يكون إلاّ أمير المؤمنين×، وقد جهد الشريف الرضي& على جمعه وتأليفه من مظانّه من مصادر الفريقين، وكان غرضه ـ كما بين في مقدمته ـ أن يجمع ما تناثر من درر كلامه سلام الله عليه.

قال الشريف الرضي في مقدمته: «وسألوني ... أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين× في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب، علماً أنّ ذلك يتضمن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعاً في كلام ولا مجموع الأطراف في كتاب ... لأنّ كلامه× الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي، فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذكر ومذخور الأجر، واعتمدت به أن أبيّن من عظيم قدر أمير المؤمنين× في هذه الفضيلة، مضافة إلى المحاسن الدائرة والفضائل الجمة ... وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد والمعنى المكرر والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافاً شديداً، فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه، ثم وجد بعد ذلك في رواية اُخرى موضوعاً غير وضعه الأول، إمّا بزيادة مختارة أو بلفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد استظهاراً للاختيار، وغيرة على عقائل الكلام»([547]).

والذي يظهر من كلام الشريف الرضي أن هدفه الأساس من كتابه هو نقل خطب وكلام أمير المؤمنين بما لها من فنون الفصاحة والبلاغة والبيان وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، فلذا وسمه بـ (نهج البلاغة)؛ لذلك لم يتعرض لذكر مصادر الخطب والكلمات والمواعظ، فجعلها مرسلة غير مسندة، فبقيت الحاجة ماسّة ـ عندما يراد ترتيب الأثر العملي على المذكور في الكتاب ـ إلى البحث عن أسانيده ومصادره؛ من هنا شعر بعض علماء الشيعة بأهمية ذلك، فقال الشيخ كاشف الغطاء: «وعسى أن يوفق الله لإفراد كتابٍ يجمع أسانيد (نهج البلاغة) من كتب الفريقين، فإني أحسّ بشدّة الحاجة إلى ذلك، وقد اضطرنا هذا الوقت وأعوزنا إلى مثله، على أنّي لا أجد لنفسي كفاءة القيام بمثل هذا العمل الجليل، فعسى أن يعنى له بعض الأفاضل فينهض بمثل هذا المشروع الشريف الذي فات السلف الصالح أن يقوم بمثله، وكم ترك الأول للآخر»([548]).

وفي الآونة الأخيرة ـ وبحمد الله تعالى ـ سعى بعض المحققين وبعض المؤسسات التحقيقية في مهمة البحث عن مصادر نهج البلاغة وأسانيده من مصادر الفريقين، فتمّ إنجاز بعض الأعمال حول بيان أسانيد ومصادر نهج البلاغة وطبعت عدّة كتب تهتم بهذا الشأن، مثل كتاب (مصادر نهج ‏البلاغة وأسانيده) للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، وكتاب (مدارك نهج البلاغة) للشيخ رضا الأستادي، وكتاب (أسناد ومدارك نهج البلاغة) للشيخ محمد الدشتي وغيرها من الكتب في هذا المجال.

لذا فإن المنهج العلمي يحتّم علينا أن نتعامل مع كلّ ما جاء في نهج البلاغة وفق سنده ومصدره والقرائن الاُخرى كقوة المضمون وغيرها، ولا شكّ بأنّ بعض ما في نهج البلاغة يتمتع بمستوى عال من الاعتبار والوثوق الروائي وبعضه ليس بهذا المستوى.

نظرة في بعض ما نقله القفاري من كتاب نهج البلاغة

إنّ ما احتج به القفاري على الشيعة من فقرة أو فقرات من كتاب نهج البلاغة كفقرة: «دعوني والتمسوا غيري ...» والتي قد يقال: إنها تدلّ على أنّ أمير المؤمنين يرفض قبول الخلافة عندما عرضها عليه المسلمون بعد مقتل عثمان، واستفاد القفاري من دلالتها عدم النصّ على الإمامة، بعد أن مهّد بقوله: إنّ الشيعة تعتمد على كلّ كلمة في نهج البلاغة.

نقول: إنّ هذا الاحتجاج ليس صحيحاً مطلقاً؛ لأننا نتعامل مع هذا النصّ كحال النصوص الاُخرى حسب الضوابط العلمية والمنهجية في قبول الرواية وردها، وبعد التحقيق والبحث عن أسناد هذه العبارات ومصادرها التي سبقت زمان الشريف الرضي مؤلف كتاب نهج البلاغة والتي يغلب على الظن أنّه قد اعتمد عليها، تبيّن أن هذه العبارات والكلمات لم ترد جميعها في سياق واحد بل أنّ فقرة «دعوني والتمسوا غيري» جاء ذكرها منفصلاً عن قوله: «أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً» فلم تكن في كلام واحد أو في مكان واحد.

من هنا نجد من الضروري أن نبحث عن سند ومصدر كلّ فقرة على حدة؛ لنستطيع تقييم سندها من الناحية العلمية.

قوله: دعوني والتمسوا غيري

إنّ هذه الفقرة بالخصوص قد ذكرها الطبري (ت 310هـ) في تاريخه، وكذلك ذكرها أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314هـ) صاحب كتاب الفتوح، وكذلك ذكرها الشيخ المفيد (ت 413هـ) في كتابه الجمل، وكل هؤلاء ممن سبق الشريف الرضي رحمه الله.

سند الفقرة في تاريخ الطبري

قال الطبري في باب خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «كتب إليّ السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة، قالا: فقالوا لهم: دونكم يا أهل المدينة فقد أجّلناكم يومين، فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غداً علياً وطلحة والزبير وأناساً كثيراً، فغشى الناس علياً فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى، فقال علي: دعوني والتمسوا غيري، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، فقالوا: ننشدك الله ألا ترى ما نرى؟ ألا ترى الإسلام؟ ألا ترى الفتنة؟ ألا تخاف الله؟ فقال: قد أجبتكم لما أرى، واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم، إلاّ أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، ثم افترقوا على ذلك»([549]).

هذه هي الرواية التي نقلها الطبري وهي قريبة جداً في ألفاظها مع ما نقله الرضي في نهج البلاغة.

وقد جاء في سندها كلّ من:

1ـ السري:

إنّ الطبري لم يفصح هنا عن اسم السري هذا، بل قال: «كتب إليّ السري» وقد روى عنه، ولكن الطبري ذكر ما يقارب عشرة موارد في تاريخه من أنّ والد السري هو يحيى، فذكر: كتب إلي السري بن يحيى([550]).

ولا يوجد من يحمل هذا الاسم في الرواة غير اثنين:

أحدهما: السري بن يحيى بن إياس بن حرملة الشيباني، أبو الهيثم المتوفى سنة 167 هـ([551])، وهذا من غير الممكن أن يكون هو من يروي عنه الطبري؛ لأن الطبري قد ولد في سنة 242 هـ ووفاته 310 هـ، فتكون الفاصلة الزمنية بينهما ما يقارب 75 سنة.

ثانيهما: السري بن يحيى بن السري أبو عبيدة الكوفي ابن أخي هناد بن السري بن مصعب التميمي.

وهذا قد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، قال: «وكان صدوقاً»([552]).

وكذا ذكره مغلطاي في إكمال التهذيب ـ تمييزاً ـ وقال عنه: «ثقة جليل»([553]).

وذكره ابن حبّان في الثقات([554]).

ولا يعلم تاريخ وفاته، لكن يمكن تخمين عمره من خلال معرفة سنة وفاة عمّه هناد بن السري التي كانت 243هـ، ووفاة ابنه: هناد بن السري بن يحيى التي كانت سنة 331هـ، فيمكن القول أن عمره بين هذه السنين.

لكن مع هذا، فلا يمكن الجزم بأنه هو الشخص الذي يروي عنه الطبري، لأنّه من تعرض له لم يذكر أنّه من مشايخ الطبري وكذلك لم يتعرض له تفصيلاً، ولم نجد قرينة تؤيد أنّه من مشايخ الطبري.

2ـ شعيب بن إبراهيم:

قال ابن عدي: «وهو ليس بذلك المعروف ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة، وفيه بعض النكرة؛ لأن في أخباره وأحاديثه ما فيه تحامل على السلف»([555]).

وقال الذهبي: «راوية كتب سيف عنه، فيه جهالة»([556]).

والذي ذكره ابن حبّان في ثقاته([557]) غير هذا، كما صرّح بذلك ابن حجر، قال: «الظاهر أنّه غيره»([558]).

3ـ سيف بن عمر التميمي الضبي

لم نر أحداً قد وثّق سيف بن عمر بشكل صريح، بل هناك إجماع على تضعيفه، واتّهموه بالوضع والزندقة، وسوف نقتصر على كبار أهل الجرح والتعديل الذين طعنوا فيه.

قال ابن حجر: «قال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال مرة: فُليْس خير منه، وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي والدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامّتها منكرة لم يتابع عليها، وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، قال: وقالوا: إنّه كان يضع الحديث. قلت: بقية كلام ابن حبّان: اتهم بالزندقة، وقال البرقاني عن الدارقطني: متروك، وقال الحاكم: اتهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط. قرأت بخط الذهبي: مات سيف زمن الرشيد»([559]).

وهكذا تبين أن فقرة دعوني والتمسوا غيري في تاريخ الطبري لا قيمة سندية لها.

سند الفقرة في كتاب الفتوح

لقد وردت فقرة: «دعوني والتمسوا غيري»، في كتاب الفتوح([560]) ولكن ابن أعثم لم يذكر لها سنداً بالخصوص، بل ذكرها بعنوان (قال)، وإن ذكر رجاله في بداية كتابه، لكن في كثير من هذه الأسانيد من كان ضعيفاً أو مجهولاً.

مضافاً إلى أنّ أحمد بن أعثم الكوفي صاحب كتاب الفتوح، ضعيف عند أصحاب الحديث، قال ابن حجر: «أحمد بن أعثم الكوفي الإخباري المؤرخ، قال ياقوت: كان شيعياً وعند أصحاب الحديث ضعيف»([561]).

ونسبته إلى التشيع ليست صحيحة، فهو من مؤرخي أهل السنة بلا شك، لكنّه وبسبب نقله لبعض القضايا التاريخية التي ترتبط بفضائل أهل البيت^أو التي لا تنسجم مع قداسة بعض الصحابة، اتّهم بالتشيع.

قال النمازي: «أعثم الكوفي: هو محمد بن علي، من مؤرخي العامة. له كتاب الفتوح وتاريخ تأليفه سنة 204هـ»([562]). وقد تعرّض لذكره بعض علماء رجال الشيعة، لكن لم يذكروا له توثيقاً.

ويؤيد كونه من أهل السنة، عباراته الكثيرة في ثنايا كتابه التي تؤكد أن الرجل من أهل السنة، ولك أن تراجع ما كتبه في الجزء الأول مثلاً حول قضية بيعة الخليفة الأول أبي بكر([563]).

وعلى هذا فالرجل ليس شيعياً ولم تثبت وثاقته عند أهل السنة، فالفقرة لا قيمة سندية لها أيضاً في كتاب الفتوح.

سند الفقرة في كتاب الجمل للشيخ المفيد

قال الشيخ المفيد: «وروى سيف عن رجاله، قال: اجتمع الناس إلى علي وسألوه أن ينظر في اُمورهم وبذلوا له البيعة، فقال لهم: التمسوا غيري»([564]).

ولن نطيل في تقييم مثل هذا السند بعد أن كان راويه سيف بن عمر.

وبعد هذا ننتقل إلى الفقرة الثانية وهي فقرة: أنا لكم وزيراً خير مني أميراً.

قوله: أنا لكم وزيراً خير مني أميراً

وهذه الفقرة نقلها البلاذري في أنساب الأشراف وكذا الطبري في تاريخه أيضاً وكذا الشيخ المفيد في كتاب الجمل أيضاً، وكلّهم ممن سبق مؤلف كتاب النهج.

سند الفقرة في كتاب أنساب الأشراف

قال أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 هـ): «حدثنا عمرو بن محمد الناقد، حدثنا إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد، عن محمد بن الحنفية، قال: إني لقاعد مع علي إذا أتاه رجل، فقال: ائت هذا الرجل فإنّه مقتول. فذهب ليقوم فأخذت بثوبه وقلت: أقسمت عليك أن تأته، ثم جاء رجل آخر، فقال: قد قتل، فقام فدخل البيت ودخل الناس عليه، فقالوا: ابسط يدك نبايعك، فقال: لا، أنا لكم وزير خير مني لكم أمير»([565]).

وقال أيضاً: «وحدثت عن إسحاق بن يوسف الأزرق عن عبد الملك عن سلمة عن سالم عن ابن الحنفية ... فأتاه الناس [أي أتوا علياً×] فقالوا له: إنّه لابدّ للناس من خليفة، ولا نعلم أحداً أحق بها منك، فقال لهم: لا تريدوني، فإني لكم وزيراً خير مني أميراً ...»([566]).

وفي هذا السند، قال: حُدثت عن إسحاق الأزرق، فيمكن أن يكون قد رواه عن عمرو بن محمد الناقد ويمكن أن يكون عن راوِ غيره.

وعلى أيّة حال، ففي السند عبد الملك بن أبي سليمان قد تكلم فيه شعبة وترك حديثه([567])، وأورده العقيلي([568]) وابن عدي في الضعفاء([569])، واتّهم بأنه يهمّ([570]) ويخطئ ([571]).

وأمّا سالم بن أبي الجعد، فإنّه وإن وثّقه البعض، لكنّه كان يرسل كثيراً كما يقول ابن حجر([572]) وكان من المدلسين، وقد أدرجه في طبقات المدلسين([573]).

وعلى فرض صحة هذا السند، فيبقى مصدر هذه الرواية كتب أهل السنّة، فلو سلّم أنّ الشريف الرضي& قد أخذ هذه الفقرة من كتاب البلاذري، فإنّ ذلك لا يجعلها رواية شيعية صالحة للاحتجاج عليهم، إلاّ أن يدّعي القفاري أنّ الشيعة تعتقد بصحة جميع ما ورد في كتاب الأنساب للبلاذري، الأمر الذي لم يقل به أهل السنّة أنفسهم كما هو واضح.


سند الفقرة في كتاب الطبري

قال الطبري: «حدّثني جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين، قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن عبد الملك بن أبي سليمان الفزاري، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي، عن محمد بن الحنفية، قال: كنت مع أبي حين قتل عثمان (رضي الله عنه)، فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولابدّ للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحقّ بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً»([574]).

وفي هذا السند:

جعفر بن عبد الله المحمدي: وهو مجهول الحال، ولم نجد له ترجمة وتوثيقاً، وإن ذكره السمعاني تحت عنوان المحمدي وكونه من آباء علي بن ناصر بن محمد الذي يرجع إلى محمد بن الحنفية([575]).

الحسين: وهو الحسين بن عيسى: فقد سمّاه الطبري بذلك في بعض الموارد، وهو مجهول الحال أيضاً وإن كان مشخص العين، فقد ذكره الرازي في الجرح والتعديل، قال: «الحسين بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب روى عن أبيه روى عنه عمرو بن حماد بن طلحة القنّاد سمعت أبي يقول ذلك»([576]).

سند الفقرة عند الشيخ المفيد

قال الشيخ المفيد: «وروى أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة، عن إدريس، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، قال: جاء طلحة والزبير إلى علي× وهو متعوذ بحيطان المدينة فدخلا عليه، وقالا: ابسط يدك نبايعك، فإن الناس لا يرضون إلاّ بك؛ فقال لهما: لا حاجة لي في ذلك، ولئن أكون لكما وزيراً خير لكما من أن أكون أميراً»([577]).

وفي السند عثمان بن أبي شيبة، قال النمازي في المستدركات: «لم يذكروه»([578]).

ومحمد بن عجلان مشترك بين أكثر من راو، وأكثرهم مجاهيل.

وهكذا يتّضح أن السند لا قيمة له.

وبعد هذا تبين أن السند من ناحية شيعية ليس تاماً، ومن ناحية سنية لم يكن قوياً أيضاً، ولو قيل بصحته، فليس بحجة علينا.

ومن هنا نقول: إن الكلام الذي نقله لنا الشريف الرضي وفق التصحيح السندي فاقد الاعتبار عند الشيعة.

مناقشة دلالة كلام الإمام × على نفي النص

سوف نبحث في دلالة الفقرتين على نفي النصّ على الإمامة، وهل أنّ لكلام أمير المؤمنين× في نهج البلاغة ـ على تقدير صحة النسبة له ـ دلالة على أنّ النصّ على الإمامة لم يكن ثابتاً؟!

كلامه× هنا لا يعارض الصريح من الأدلة على ثبوت خلافته

قد ادّعى القفاري أنّ كلام الإمام× المذكور يقتضي عدم النصّ على الإمامة؛ لأنّ الإمام× رفضها حينما جاء الناس ليبايعوه خليفة لهم.

فنقول: إنّ ما تمسك به من كلام أمير المؤمنين× لنفي النصّ، تمسك بكلام غير صريح في نفي ذلك، لأنّه:

أولاً: لا يعارض ما قد ثبت بالنص الصحيح والصريح على خلافة علي× وإمامته بعد النبي’، من طرق الشيعة ومن طرق أهل السنة، وإن حاول أهل السنة تأويل ما ثبت عندهم من أدلة بشتى السبل؛ لإنكار الإمامة.

فتمسكه بكلام جاء في نهج البلاغة لا يعارض ما ثبتت صحّته جزماً عندنا، بالإضافة إلى أنّه قد اقتطع من كتاب نهج البلاغة ما يوافق رأيه في إلقاء الشبهات وتركه الكثير مما في الكتاب مما له دلالة صريحة في كون علي× هو الخليفة الشرعي بعد رسول الله’ وهو الوصي والوارث وصاحب الحق، وكذلك الأئمة من ولده^:

قال× في خطبة له بعد خلافته وبعد انصرافه من صفّين: «لا يقاس بآل محمد’من هذه الأمّة أحدٌ، ولا يُسَوّى بهم من جَرَتْ نعمتُهم عليه أبداً.

هم أساسُ الدين، وعِمادُ اليقين. إليهم يَفِيءُ الغالي، وبهم يُلْحَقُ التالي. ولهم خصائصُ حقِّ الولاية، وفيهم الوصيّةُ والوِراثةُ، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله»([579]).

وقال× في كلام له: «إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم»([580]).

وقال×: «فيا عجبي ومالي لا أعجب، من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي»([581]).

وقال× أيضاً: «اللّهم إني أستعديك على قريش، فإنّهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري»([582]).

وفي كلام له إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولاّه إمارتها: «فو اللّه ماكان يُلْقَى في رُوعِي ولا يَخْطُرُ بِبالي أنّ العَرَب تُزْعِجُ هذا الأمْرَ من بعده عن أهل بيته، ولا أنّهم مُنَحُّوهُ عَنّي من بعده»([583]).

وقوله في خطبته الشقشقية: «أما والله لقد تقمصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى»([584]) وغير هذه النصوص المتناثرة في كتاب نهج البلاغة والتي تدل بشكل مؤكد على كونه الخليفة الشرعي والوصي بعد النبي’.

كلامه خال من الدلالة على نفي النص

وثانياً: نقول: إنّ هذه الفقرة ـ بعد فرض تمامية السند ـ لا دلالة فيها على عدم وجود نص على الإمامة، وذلك لعدة اُمور:

هناك عدة امور تؤكد أن كلام الإمام لا دلالة فيه على نفي النص

الأول: الإمام بكلامه يرفض الإمرة والسلطة لا الإمامة

إنّ الذي رفضه الإمام هو الإمرة والسلطة أو قل الحكومة، وهذه الإمرة ليست من المهام الأساسية للأنبياء والأئمة، بل هي من شؤون الإمامة وأداة تنفيذية لها، فالحكومة تعني بسط اليد ونفوذ الكلمة والسيطرة على السلطة الإجرائية، وهذه من حق الإمام أن يرفضها إذا لم يجد الشروط الكاملة لها.

فالإمامة وإن كانت في ذهن القفاري لا تختلف عن الحكومة إلاّ أنها في المنظور الشيعي أعمق من التصور الساذج الذي يحمله القفاري، فهي تمثل الامتداد الحقيقي للنبوة، وهي عهد من الله وجعل إلهي قد قلّده الله تعالى للائمة^ بالنص، فليست هي بيد الناس حتى يعطوها فيرفضها الإمام أو يقبلها، فهم لم يطلبوا منه أن يتولى الإمامة الإلهية؛ لكي يُدّعى أن الإمام قد رفضها؛ لأنها ليست بأيديهم شأنها، فهو منصوب من الله تعالى بعد النبي’ ويمارس مهامّه الإلهية، والسلطة والحكومة ـ التي هي محل النزاع ـ لم تكن هدفاً ومطلباً للائمة^ إلاّ بمقدار ما تسهّل لهم ممارسة تلك المهام؛ لذلك نرى أنّ الإمام يعبّر في بعض كلامه عنها بأنّها أهون عنده من عفطة عنز([585]).

فحين رفض الإمام× بيعة الناس له لم يرفض الإمامة الإلهية، ولا يكشف رفضه هذا عن عدم وجود النصّ عليها، والبيعة ليست إلاّ عملية إلزام والتزام بين الإمام والاُمّة والتي ينتج عنها طاعة الاُمّة لقائدها، ورفض تلك البيعة لا يكشف عن عدم صحة الإمامة.

الثاني: الإمام × أراد برفضه إلزام المبايعين علناً

إنّ الإمام× برفضه الابتدائي للخلافة أراد أن يقطع العذر على من يريد أن يشق عصا المسلمين وينكث البيعة فيما بعد، ففرض× الطاعة عليه؛ وأخذ منهم التعهد والالتزام بطاعته حتى لا يكون هناك مبرر لنكث البيعة مستقبلاً.

كما أنّه رفض أن تكون بيعته سرية ابتداءً ولم يقبل× أن يبايعوه في بيته، بل شرط أن تكون في المسجد؛ لإعلان الطاعة صريحاً أمام الملأ، قال: «أما إذ أبيتم، فإنّ بيعتي لا تكون سرّاً فاخرجوا إلى المسجد فخرجوا»([586]). وقال: «إنّ بيعتي لا تكون في خلوة إلاّ في المسجد ظاهراً»([587]).

الثالث: الإمام× أراد أن تكون بيعته عن قناعة راسخة

لقد أراد× من الناس أن يبايعوه عن قناعة ورسوخ؛ لأنّه يعلم بإخبار النبي’ إيّاه أنّ الاُمّة مقبلة على فتن وزلزال لا يصمد معها أناس بايعوا بدون قناعة وإيمان، فهناك شبهات قد ترسّخت في وجدان المسلمين آنذاك، وقد جهل أكثر الناس طريق الحق، وزاغوا عنه، وكان طريق إرجاعهم إلى الصواب بحاجة إلى أن يتحمّلوا ما يقوم به الإمام× من تغييرات جوهرية تقود إلى النهاية الصحيحة، فنراه يقول في نهج البلاغة: «فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكّرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب»([588]).

قال ابن أبي الحديد في شرح كلامه×: «ومعنى قوله: (الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكّرت): أنّ الشبهة قد استولت على العقول والقلوب، وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي»([589]).

وقوله: «واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب»، هو كلام منْ جاء ليلقي الحجة عليهم ويهيّئهم لتقبّل التغيير القادم، بما يتطلبه من تحمل كبير ومشقة عظيمة على النفوس.

الرابع: أراد أن يبين بأن هذه حكومة ودنيا وأنه عازف عنها

وهو متمم للوجه الثالث: بسبب حصول الانحراف في المنهج الإسلامي الذي كان على عهد النبي صلوات الله عليه وعلى آله، فقد اعتاد الناس على نمط خاص من الحياة في المدّة التي سبقته، فقد ألِفوا عادات كان يراها الإمام خاطئة، وهناك محدثات قد حدثت في الفترة التي سبقته وهناك معايير تبدّلت([590]).

فمثلاً يعلم الإمام أنّ بعض الناس كطلحة والزبير إنما أرادوا بيعته لكي يبذل لهم المال الذي سلبه منهم عثمان، فكانوا يريدون منه أن يطبّق سياسة الخليفة عمر في مسألة المال التي لم يكن يراها الإمام× صحيحة، لذلك بدأت الاعتراضات عليه في اليوم الثالث من تسلّم مقاليد الخلافة، فقال×: «والله، إن بقيت وسلمت لهم لأقيمنّهم على المحجة البيضاء والطريق الواضح»([591]).

ولذا أراد برفضه أن يُشعر الناس أنّه لا رغبة له في الدنيا؛ لأنّ السلطة كانت تمثّل في نظرهم الدنيا والمال فقط، ولكي يُشعرهم بأنّ الإسلام قد مني بانتكاسة معنوية كبيرة، فأراد أن يهيئ الأرضية الصالحة لقبول التغييرات التي سوف يقوم بها لمعالجة المرض الذي استشرى في المجتمع، فهو يحتاج إلى أرضية تتقبل مثل هكذا تغييرات.

وأخيراً ننقل كلام ابن أبي الحديد على هذه الشبهة، فقد نقل جواب الإمامية عليها ولم يستبعده لكن قال: إنّه خلاف الظاهر من الكلام، ونحن نرى أنّه ليس خلاف الظاهر، بل نقول: إنّ الكلام احتف بقرائن تصلح لأن تكون شاهداً على إرادة خلاف الظاهر منه، قال: «وهذا الكلام يحمله أصحابنا على ظاهره، ويقولون: أنّه× لم يكن منصوصاً عليه بالإمامة من جهة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وإن كان أولى الناس بها وأحقهم بمنزلتها، لأنّه لو كان منصوصاً عليه بالإمامة من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام لما جاز له أن يقول: (دعوني والتمسوا غيري، ولا أن يقول: (ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم)، ولا أن يقول: (وأنا لكم وزيراً خير منى لكم أميراً). وتحمله الإمامية على وجه آخر فيقولون:

إنّ الذين أرادوه على البيعة هم كانوا العاقدين بيعة الخلفاء من قبل، وقد كان عثمان منعهم أو منع كثيراً منهم عن حقه من العطاء، لأنّ بني اُمية استأصلوا الأموال في أيام عثمان، فلمّا قُتل قالوا لعلي×: نبايعك على أن تسير فينا سيرة أبي بكر وعمر؛ لأنّهما كانا لا يستأثران بالمال لأنفسهما ولا لأهلهما، فطلبوا من علي× البيعة، على أن يقسّم عليهم بيوت الأموال قسمة أبي بكر وعمر، فاستعفاهم وسألهم أن يطلبوا غيره ممن يسير بسيرتهما، وقال لهم كلاماً تحته رمز، وهو قوله: إنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإنّ الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكّرت.

قالوا: وهذا كلام له باطن وغور عميق، معناه الإخبار عن غيب يعلمه هو ويجهلونه هم، وهو الإنذار بحرب المسلمين بعضهم لبعض، واختلاف الكلمة وظهور الفتنة. ومعنى قوله: (له وجوه وألوان) أنّه موضع شبهة وتأويل، فمن قائل يقول: أصاب علي، ومن قائل يقول: أخطأ، وكذلك القول في تصويب محاربيه، من أهل الجمل وصفّين والنهروان، وتخطئتهم، فإن المذاهب فيه وفيهم تشعّبت وتفرّقت جداً.

ومعنى قوله: الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت أن الشبهة قد استولت على العقول والقلوب، وجهل أكثر الناس محجة الحق أين هي، فأنا لكم وزيراً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أفتي فيكم بشريعته وأحكامه خير لكم منى أميراً محجوراً عليه مدبراً بتدبيركم، فإني أعلم أنّه لا قدرة لي أن أسير فيكم بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أصحابه مستقلاً بالتدبير، لفساد أحوالكم، وتعذّر صلاحكم.

وقد حمل بعضهم كلامه على محمل آخر، فقال: هذا كلام مستزيد شاك من أصحابه، يقول لهم: دعوني والتمسوا غيري، على طريق الضجر منهم، والتبرّم بهم والتسخط لأفعالهم، لأنهم كانوا عدلوا عنه من قبل، واختاروا عليه، فلمّا طلبوه بعد أجابهم جواب المتسخط العاتب.

وحمل قوم منهم الكلام على وجه آخر، فقالوا: إنّه أخرجه مخرج التهكّم والسخرية، أي أنا لكم وزيراً خير منى لكم أميراً فيما تعتقدونه، كما قال سبحانه: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} أي تزعم لنفسك ذلك وتعتقده.

واعلم أن ما ذكروه ليس ببعيد أن يحمل الكلام عليه، لو كان الدليل قد دلّ على ذلك، فأما إذا لم يدلّ عليه دليل، فلا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره، ونحن نتمسّك بالظاهر إلاّ أن تقوم دلالة على مذهبهم تصدّنا عن حمل اللفظ عن ظاهره»([592]).

وقد عرفت أنّه قد دلّت الأدلة الصريحة على إمامة أمير المؤمنين علي× والتي تناقلتها مصادر الفريقين، فلابدّ إذن من حمل هذه الألفاظ من الإمام× بما لا يتنافى مع تلك الأدلة، خصوصاً إذا كانت هذه الألفاظ قابلة لأن تحمل على أحد الوجوه التي ذكرناها أو التي ذكرها ابن أبي الحديد.

 

قوله: بايعني القوم الذي بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان

ومن الفقرات التي استند إليها القفاري في نفي النصّ على إمامة أمير المؤمنين× هو كلام منسوب إلى أمير المؤمنين× نقله من نهج البلاغة أيضاً، قال: «ويذكر [أي الإمام علي] أنّ ثبوت خلافته تمّ بمبايعة المهاجرين والأنصار الذين كانت الشورى لهم، وكان إجماعهم هو المعتبر في هذا المقام، ولو كان هؤلاء مرتدين كما تصفهم كتب الشيعة لم يجز اعتبار بيعتهم وإجماعهم، ولو كان ثمة نص لم يحتجّ إلى بيعتهم وإجماعهم.

يقول أمير المؤمنين كما في النهج: (إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه) فطريقة بيعته لا تختلف عمّن سبقه (فلم يكن للشّاهد أن يختار ولا للغائب أن يَرُدَّ) وهذا يوحي بأنّ بيعته لم تكن ثابتة من قبل كما يزعم الإمامية، وإنما بعد ثبوتها بالبيعة لم يكن ثمة مجال للرد حينئذ (وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك رضى) فإجماعهم هو الأصل في الاختيار لا النصّ، (فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولاّه ما تولّى)([593]).

فهذا نص صريح في عدم وجود نص، فالشورى ـ في أمر الإمامة ـ هي للمهاجرين والأنصار، ومن أجمعوا عليه هو الإمام، ومن خرج عن ذلك وجب قتاله لاتّباعه غير سبيل المؤمنين، ولو كان هناك نص في الإمام لم يقل علي (رضي الله عنه) ذلك»([594]).

الجواب:

سنتعرّض في الإجابة عن هذه الشبهة إلى مصادر هذا الكلام وأسانيده أولاً، ومن ثمّ نبيّن مفاده ودلالاته بالاستعانة بالقرائن الموضوعية والتاريخية التي قيل فيها هذا الكلام، ونناقش ما استنتجه القفاري من هذا الكلام، واستنتاجه يتمثّل بما يلي:

أـ طريقة بيعة الإمام× لا تختلف عن طريقة بيعة من سبقوه من الخلفاء.

ب ـ بيعته× لم تكن ثابتة من قبل.

ج ـ الإجماع هو الأصل في الاختيار لا النصّ.

مصادر هذا القول

بيّنا سابقاً بأنّ نهج البلاغة الذي جمع فيه الشريف الرضي& ما ارتآه من كلام أمير المؤمنين× وإن كنّا نعدّه من المصادر المهمة والكتب القيمة، إلاّ أننا نتعامل معه، بل ومع كلّ كتاب وفق المنهج العلمي المتّبع في مدرسة أهل البيت^ القاضي بأن يبحث في أسانيد ودلالات كلّ كلام أو حديث بغض النظر عن المصدر الذي ورد فيه، ونهج البلاغة كما هو معروف لم يدرج فيه الشريف الرضي أسانيد الروايات التي نقلها من مصادر سبقته، تاركاً المجال للباحثين والمحققين في إثبات صحة أو عدم صحة ما ورد فيه.

وهذا الكلام الذي تمسّك به القفاري على أنّه من كلام أمير المؤمنين× قد جاء في عدة مصادر تاريخية سبقت الشريف الرضي، ويمكن اعتبار بعضها هو المصدر الأساس لهذا الكلام الذي كان عبارة عن كتاب أرسله أمير المؤمنين× إلى معاوية بعد رجوعه من وقعة الجمل، وقد نقل هذا الكتاب نصر بن مزاحم (ت 212هـ) في كتابه وقعة صفّين([595])، وابن قتيبة (ت 276هـ) في الإمامة والسياسة([596]) والدينوري (ت 282هـ) في كتابه الأخبار الطوال([597]) وابن أعثم الكوفي (ت 314هـ) في كتابه الفتوح([598])، وابن عبد ربه الأندلسي (ت 328هـ) في العقد الفريد([599])، ولم يرد ذكر ما أرسله إلى معاوية مسنداً سوى في كتاب وقعة صفّين.


نص قوله:  (بايعني القوم الذين بايعوا ...)

وسننقل نصّ الكلام مع سنده لمعرفة صحة هذا السند واعتباره، فقد روى نصر بن مزاحم: «عن عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبي، أنّ علياً× حين قدم من البصرة نزع جريراً همدان، فجاء حتى نزل الكوفة، فأراد على أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير: ابعثني إلى معاوية ... فبعثه علي× ... فانطلق جرير حتى أتى الشام ونزل بمعاوية، فدخل عليه فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أمّا بعد يا معاوية فإنّه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز، وأهل اليمن، وأهل مصر، وأهل العروض وعمان، وأهل البحرين واليمامة، فلم يبق إلاّ أهل هذه الحصون التي أنت فيها، لو سال عليها سيل من أوديته غرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل، ودفع إليه كتاب علي بن طالب، وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أمّا بعد فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسمّوه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاّه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيراً، وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ...»([600]).

سند هذا القول

إنّ سند هذا الكلام لا يمكن الاعتماد عليه، فبغض النظر عمّا قيل في نصر بن مزاحم، فإن في السند غير واحد من الرواة الذين يمكن المناقشة فيهم، ومنهم:

نمير بن وعلة

نمير بن وعلة مجهول عند السنّة ومتروك عند الشيعة:

قال الرازي في الجرح والتعديل: «نمير بن وعلة روى عن الشعبي روى عنه أبو مخنف سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول»([601]) وكذلك الحال في لسان الميزان ولكنه ذكره مصحّفاً باسم نمير بن دعلمة([602])، وقال النمازي في المستدركات: «نمير بن وعلة: لم يذكروه»([603]).

عامر الشعبي

هذا مضافاً إلى أن الراوي المباشر عن علي× هو عامر الشعبي، فهو وإن وثّقوه إلاّ أنّه غير مؤتمن على ما ينقله عن أمير المؤمنين×؛ لانحرافه عنه.

انحراف الشعبي عن علي×

هناك عدة اُمور يستدّل بها على انحرافه عن أمير المؤمنين× منها:

1ـ سب الشعبي عليا×

روي البلاذري عن مجالد عن الشعبي، قال: «قدمنا على الحجاج البصرة، وقدم عليه قرّاء من المدينة من أبناء المهاجرين والأنصار، فيهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) ... وجعل الحجاج يذاكرهم ويسألهم إذ ذكر علي بن أبي طالب، فنال منه ونلنا؛ مقاربةً له وفرقاً منه ومن شره ...»([604]).

معاتبة الحسن البصري للشعبي

وقد عاتبه الحسن البصري الذي كان حاضراً المجلس ـ وقد كان طلب منه الحجاج رأيه في علي× فأثنى على علي× كثيراً؛ مما أغضب الحجاج ـ قال له: «ويحك يا عامر هلاّ اتقيت الله إذ سئلت فصدقت، أو سكت فسلمت» فردّ عليه عامر الشعبي: «يا أبا سعيد قد قلتها وأنا أعلم ما فيها»([605]).

فكان في مقدور الشعبي أن يسكت ولا يسبّ علياً×، فيسلم من شرّ الحجاج أو أن يتّخذ موقفاً شجاعاً كالذي اتخذه الحسن البصري&.

وهو يعلم أنّ سبّ علي× هو سبّ النبي’ وسبّه كفر بلا ريب، كما قال أحمد بن حنبل وغيره عن أبي عبد اللّه الجدليّ، قال: «دخلت على أمّ سلمة، فقالت لي: أيُسَبّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) فيكم؟ قلت: معاذ اللّه أو سبحان اللّه أو كلمةً نحوها، قالت: سمعت رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من سبّ عليّاً فقد سبّني»([606]).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه([607]).

ولا شكّ أيضاً في أنّ المحبّ لعلي× لا يسبّه ولو فعل به ما فعل، كما ورد عن أبي بكر بن خالد بن عرفطة أنّه أتى سعد بن مالك، فقال: «بلغني أنكم تعرضون على سبّ علي بالكوفة فهل سببته؟ قال: معاذ الله، قال: والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول في علي شيئاً لو وُضع المنشار على مفرقي على أن أسبّه ما سببته أبداً»([608]).

قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى وإسناده حسن»([609])، وقال ابن حجر: «وعند أبي يعلى عن سعد من وجه اخر لا بأس به، قال: لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّ علياً ما سببته أبداً»([610]).

وكيف يتجرّأ الإنسان المسلم على سبّه وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عديّ بن ثابت عن زرّ، قال: «قال علي: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأميّ (صلّى الله عليه وسلّم) إليّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق»([611]).

2ـ افتراء الشعبي على علي×

لقد افترى على علي× افتراءً عظيماً حين زعم بأنه مات ولم يقرأ القرآن أو لم يحفظ القرآن، قال البسوي في المعرفة والتاريخ: «حدثنا شريك عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت الشعبي يحلف بالله لقد دخل علي (حصر به)([612]) وما قرأ القرآن»([613]).

وقال أحمد بن فارس في كتابه الصاحبي في فقه اللغة: «وروى شَريك عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت الشّعبي يقول ويحلف بالله: لقد دخل علي حُفرته وما حفِظ القرآن»([614]).

ثمّ علّق قائلاً: «وهذا كلام شنع جدّاً فيمن يقول: سَلُوني قبل أن تَفقِدوني، سلوني فما من آية إلاّ أعلم أبليلٍ نَزلَت أم بنهار، أم في سَهْل أم في جبل»([615]).

وكلام الشعبي هذا يخالف الإجماع والضرورة، وهو كلام لا يصدر عن شخص سليم القلب تجاه أمير المؤمنين الذي يقول: «سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما منه آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل»([616]).

3ـ كذبه في قضية من شهد حرب الجمل من الصحابة

لقد زعم الشعبي أنّه لم يشهد الجمل من الصحابة إلاّ أربعة، فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب:

روى العاصمي في سمط النجوم العوالي أنّ الشعبي: «بالغ، فقال: لم يشهد الجمل من الصحابة إلاّ علي وعمار وطلحة والزبير وهو مخالف لما نقله الثقات غيره»([617]).

وقال محمّد بن عبد الوهاب: «قال الشعبي: لم يشهد الجمل من الصحابة إلاّ أربعة فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب»([618]).

وكلامه هذا كذب، يخالف إجماع أهل السير والتاريخ من أنّه شهد البصرة مع علي× عدد كبير من الصحابة.

قال الذهبي: «قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدّثني رجل من أسلم قال: كنّا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة. وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد. وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرياً وسبعمائة من أصحاب النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وقتل بينهما ثلاثون ألفاً، لم تكن مقتلة أعظم منها»([619]).

وقال خليفة بن خياط في تاريخه: «كان مع علي يوم الجمل ثمانمائة من الأنصار وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان»([620]).

وروى الطوسي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: «شهد مع علي× يوم الجمل ثمانون من أهل بدر، وألف وخمسمائة من أصحاب رسول الله’»([621]).

4ـ انتقاصه من أصحاب علي×

لقد عمد الشعبي إلى الانتقاص من بعض أصحاب أمير المؤمنين× كالحارث الأعور الهمداني، حين اتهمه بالكذب، مع أنّه اشتهر بالصدق والوثاقة.

قال القرطبي: «الحارث رماه الشعبي بالكذب، وليس بشيء، ولم يبن من الحارث كذب، وإنّما نقم عليه إفراطه في حبّ علي وتفضيله له على غيره، ومن هاهنا ـ والله أعلم ـ كذّبه الشعبي؛ لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر»([622]).

وروي عن مجالد أنّه قال: قيل لعامر (الشعبي): «لمَ تقول لأصحاب علي ما تقول، وإنّما تعلّمت منهم؟ قال: من أيّهم؟ قيل: من الحارث الأعور وصعصعة بن صوحان ورشيد الهجري»([623]).

5 ـ مناصرته بني أمية الذين يعادون عليا×

لقد وقف الشعبي بشكل واضح مع الخط الأموي المعروف بعدائه الشديد لعلي× فقد كان واحداً من رجالاتهم وشخصيّاتهم البارزة.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «حدّثني مجالد، عن الشعبي، قال: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم، فوجدني بها عارفاً، فجعلني عريفاً على قومي الشعبيين، ومنكباً على جميع همدان وفرض لي، فلم أزل عنده بأحسن منزلة»([624])، والعريف هو«القائم بأمر طائفة من الناس، من عرفت (بالضم وبالفتح) على القوم أعرف بالضم، فأنا عارف وعريف، أي وليّت أمر سياستهم وحفظ اُمورهم، وسمّى بذلك لكونه يتعرف اُمورهم حتى يعرف بها من فوقه عند الاحتياج، وقيل: العريف دون المنكب وهو دون الأمير»([625]).

6ـ بغض الشعبي للشيعة

هذا ولم يخف الشعبي بغضه الشديد للشيعة وصرّح بذلك بعبارات قاسية، يقول في أحد كلامه: «يا مالك ... أحذرك الأهواء المُضِلَّة، شرُّها الرافضة، فإنها يهود هذه الاُمّة، يُبغِضون الإسلام كما يُبغض اليهود النصرانية، ولم يدخلوا في الإسلام رغبةً ولا رهبة من الله»([626]).

فنقول بعد كلّ هذا: لا يمكن أن يكون مثل هذا الرجل أميناً وموضوعياً في مروياته التي تقع مورد الخلاف فيما يخصّ الإمام أمير المؤمنين×، خصوصاً مسألة الخلافة والإمامة وشرعيتها، والتي تشكّل نقطة افتراق بين الشيعة والسنة، وذلك لا يتنافى مع كونه موثّقاً عند الكثير من علماء السنة.


النقاش الدلالي في فقرة: بايعني القوم

الإمام× في مقام الاحتجاج والإلزام

ثمّ لو صحّ السند فإن المتأمّل في كلام الإمام× يجده أنّه كان في مقام الإلزام والاحتجاج، فهو كلام جدلي، مبني على ما يعتقده معاوية، وهدفه أن يلزم معاوية بالبيعة له بحسب ما يعتقده معاوية، فلذا جاء قوله: بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، تعليلاً لقوله: فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، فأراد أن يقول له: كما أنك التزمت ببيعة المسلمين لعثمان وهو بالمدينة كذلك يجب عليك أن تلتزم ببيعتهم لي وأنت بالشام بلا فرق بينهما التزاماً بالقاعدة العقلائية: (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) والإمام× يعلم علم اليقين بأنه لو حاججه بالنص على خلافته لرفضها، وهذا بدَهي لمن يعرف سياسة معاوية، فكلّمه بلغة يفهمها خصمه لا بلغة الاستحقاق القائم على النصّ الشرعي.

وقد فهم الخوارزمي الحنفي من كلام الإمام× أنّه في مقام الاحتجاج والإلزام، قال: «كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× قبل نهضته إلى صفّين إلى معاوية لأخذ الحجة عليه. أما بعد: إنّه لزمتك بيعتي بالمدينة وأنت بالشام، لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه»([627]).

وهناك شواهد وأدلة وقرائن داخلية من نفس كلام الإمام× وقرائن خارجية يفرضها الواقع التاريخي والموضوعي للإحداث تؤيّد أن الإمام× كان بصدد الاحتجاج على معاوية وإلزامه بما يؤمن به، ولم يكن في معرض تقرير نظرية الشورى والإقرار بصحتها وصحة الطريقة التي تمّت بها بيعة من سبقوه من الخلفاء وبالتالي تصويب بيعته على وفق تلك الطريقة والكيفية، حتى يقال: إن كلامه× يدلّ على نفي النصّ على إمامته وخلافته.

شواهد وقرائن على أن الإمام كان في مقام الاحتجاج

القرينة الأولى: قوله×: بايعني القوم ... على ما بايعوهم عليه

في هذا المقطع من كلام الإمام× يريد أن يبيّن فيه أن المهاجرين والأنصار قد بايعوا الخلفاء الثلاثة على أن يكونوا خلفاء وحكاماً سياسيين تنفيذيين، لهم الأمر والنهي على أفراد الاُمّة، ويتعهد المبايع بالمقابل بطاعتهم وتنفيذ أوامرهم، وهذا هو مضمون عقد البيعة الذي تم، ولم يبايعوهم على أنهم أئمة قد نصّ عليهم الشارع وفرض طاعتهم ولهم الولاية الإلهية العامة في جميع اُمور الدين والدنيا، كما هو مضمون الإمامة الإلهية التي بيّناها، ومبايعة الناس لأمير المؤمنين× حين بايعوه كانت على نفس ما بايعوا عليه الذين قبله، وهو لا يتصادم أبداً مع إمامة أمير المؤمنين× الثابتة بالنص والدليل الشرعي، وإنما أراد× بهذا الكلام الإشارة إلى أن بيعة الناس له كانت بذات المضمون الذي يعتقد بصحته معاوية، وهي بيعة سياسية من أجل حكومة الناس، ومعاوية قد استمدّ شرعيته ووجوده في الحكم من شرعية تلك البيعة، فالخليفة عمر ومن بعده عثمان هم من ولّوه هذه الإمارة، فلا يجوز له التمرّد على خلافة أمير المؤمنين× وعدم بيعته، ولذا قال له: إن من شروط هذه البيعة أنّه لا يجوز لمن حضر أن يختار غير ذلك، ولا لمن لم يحضر أن يردّ هذه البيعة، فمعاوية وهو بالشام لزمته خلافة أمير المؤمنين×.

وهذا الأسلوب في التعامل مع معاوية هو الأسلوب العقلائي والمنطقي الصحيح، فلا يعقل أن يقول أمير المؤمنين× لمعاوية: إنني أنا الخليفة المنصوص عليّ وأن خلافة الذين سبقوني كانت غير صحيحة وعليك أن تخضع لأوامري وأن تبايعني على ذلك.

وبهذا البيان يتبين سقم ما استنتجه القفاري حين قال: (فطريقة بيعته لا تختلف عمن سبقه) لأن مقصود الإمام× أنّ التشابه بين بيعته وبيعة من سبقوه من الخلفاء هو في المضمون الذي بيناه آنفاً وهو أنهم بايعوه على أنّه حاكم سياسي تنفيذي، وليس التشابه في الطريقة والكيفية، وإلاّ فإن طريقة بيعته تختلف كلياً عن طريقتهم، كما سيتبين من خلال الأبحاث التالية.

وكذلك اتضح عدم صحة ما رتّبه القفاري على قول الإمام: «فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد» حيث قال: «وهذا يوحي بأنّ بيعته لم تكن ثابتة من قبل كما يزعم الإمامية وإنما بعد ثبوتها بالبيعة لم يكن مجال للرد حينئذ» ولا ندري من أوحى للقفاري بذلك؟! وكيف قاده عقله لهذا الاستنتاج، فإن مراد الإمام× أن قوانين وأعراف هذه البيعة وطريقتها التي درج عليها المسلمون في بيعة الخلفاء الثلاثة هي أنها كانت تنعقد بالذين يبادرون لهذه البيعة أيّاً كان عددهم، ثمّ تعمم تلك البيعة حتى على الحاضرين من أهل المدينة وغيرهم الذين لم يبادروا إلى البيعة، ولا يسمحون لهم بأن يختاروا غير ما اختار هؤلاء فضلاً عمّن كان غائباً من سكان البلاد البعيدة كالشام مثلاً، ولذا كان يُستخدم العنف في بعض الأحيان لأخذ هذه البيعة، وهذا المعنى كما ترى ليس فيه إشارة إلى أن البيعة لم تكن ثابتة له سابقاً.

ثم لا ندري عن أي بيعة سابقة يتكلم القفاري ويراها من مزاعم الشيعة؟

فإن كان يقصد بيعة حدثت بعد وفاة النبي’ بحيث كانت سابقة على بيعته المعروفة بعد الخلفاء الثلاثة، فالشيعة لا تعتقد بهذا، وإن كان يقصد اليوم الذي نصّبه رسول الله’ خليفة في غدير خمّ فإنها لم تكن بيعة فعلية، بل بيعة مشروطة، تكون فعليتها بعد وفاة النبي’ وهي بمعنى أن علي بن أبي طالب إمام وحاكم بعد رسول الله’.

وليست هذه البيعة مما تزعمه الشيعة وأنهم تفرّدوا بها، بل روى هذه الحادثة الكثير من علماء أهل السنة وبأسانيد صحيحة، وفيها قال له عمر مهنّئاً أمير المؤمنين×: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم([628]).

والبيعة المصطلح عليها مورد الخلاف هي البيعة التي بموجبها يصبح الإمام حاكماً فعلياً على المسلمين، وهي لا تصحّ ولا تنعقد في زمن كان الرسول الله| هو الإمام والحاكم بشكل مطلق، كما هو واضح، فكلام القفاري واستنتاجه بعيد كلّ البعد عن معنى الكلام ومغزاه وإنما هو تحميل وتحكّم لا وجه له.

وخلاصة ما تقدّم أن كلام الإمام×: «على ما بايعوهم عليه» يدلّ على أنّ المقصود هو الأمر الذي بايعوا الناس عليه وهو الإمرة والحاكمية السياسية، وليس الإمامة الإلهية، وهو لا يتنافى مع وجود نصّ على الإمام×.

القرينة الثانية: قوله×: فإذا اجتمعوا على رجل ...

إنّ كلام أمير المؤمنين×: هذا ـ على تقدير ثبوته([629]) ـ كلام صحيح على مستوى الفرض والنظرية، فإنّ المسلمين جميعاً لو فرض واجتمعوا على إمام بما فيهم بنو هاشم وخيرة الصحابة من المهاجرين ـ لا سيما علي بن أبي طالب× ـ والأنصار، فقطعاً سيستندون في إجماعهم المفترض هذا إلى حجة شرعية، تلك الحجة هي التي أدّت بهم إلى هذا الإجماع.

إلاّ أنّ هذا الإجماع لم يحصل على أرض الواقع أبداً في خلافة الثلاثة، فخلافة أبي بكر عارضها جلّ الصحابة من المهاجرين والأنصار، وهذا ما صرح به عمر بن الخطاب نفسه، قال: «وأنه قد كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه (صلّى الله عليه وسلّم) أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا علي والزبير ومن معهما»([630])، فتمّت بيعته في سقيفة بني ساعدة باقتراح من عمر وبيعة عدد قليل من الصحابة([631]).

ثم بعد ذلك طلبت البيعة من بقية المسلمين الذين رفض عدد منهم هذه البيعة، وتثاقل بعضٌ آخر، فأخرج ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني بسنده عن أبي نضرة عن أبي سعيد، قال: «لما رأى أبو بكر (رض) تثاقل الناس عن بيعته قال: ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟»([632]) فهناك عدم رضا وتثاقل من قبل الصحابة عن بيعة أبي بكر فضلاً عن أن يكون هناك إجماع وتسالم على بيعته من أول الأمر، وأمّا في خلافة عمر فإنّ المسألة أوضح، فقد تمّ تعيينه خليفة على المسلمين من قبل أبي بكر، وعارض بعض الصحابة هذه الطريقة الجديدة التي لم تكن متّبعة في خلافة أبي بكر.

كما عارضوا تعيين عمر نفسه للخلافة، فقد روى ابن سعد في الطبقات بسنده: «عن عائشة قالت: لما حضرت أبا بكر الوفاة استخلف عمر فدخل عليه علي وطلحة، فقالا: من استخلفت؟ قال: عمر، قالا: فماذا أنت قائل لربك؟ قال: أبالله تفرقاني لأنا أعلم بالله وبعمر منكما، أقول: استخلفت عليهم خير أهلك»([633]).

وأخرج أبو جعفر الطبري وابن الأثير عن أسماء ابنة عميس أنها قالت: «دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه، وأنت معه فكيف إذا خلا بهم، وأنت لاق ربك، فسائلك عن رعيتك، فقال أبو بكر: ـ وكان مضطجعاً ـ أجلسوني، فأجلسوه، فقال لطلحة: أبا لله تفرقني، أو: أبالله تخوّفني، إذا لقيت الله ربي فسألني، قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك»([634]).

وأمّا خلافة عثمان وبيعته فتمّت بطريقة ابتكرها عمر، وصل من خلالها عثمان إلى سدّة الحكم، فأين هذا الإجماع الذي تمّ على خلافة أي من الخلفاء؟! ولو كان الإجماع هو الأصل في البيعة وليس النصّ كما فهم القفاري من هذا الكلام، فسوف لا تصحّ خلافة الخلفاء الثلاثة ولذا حاول بعض علماء أهل السنة تصحيح خلافة أبي بكر وغيره رغم معارضة الكثير من الصحابة بأنّ البيعة إنّما تصحّ بمن تيسّر من الصحابة وعموم المسلمين، قال النووي: «أمّا البيعة فقد اتفق العلماء على أنّه لا يشترط لصحتها مبايعة كلّ الناس ولا كلّ أهل الحل والعقد وإنما يشترط مبايعة من تيسّر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس»([635]).

وقال الماوردي الشافعي: «فقالت طائفة: لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحلّ من كلّ بلد؛ ليكون الرضا به عامّاً، والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر (رضي الله عنه) على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها»([636]).

وقال القرطبي: «فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد فذلك ثابت، ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس حيث قال: لا ينعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد، ودليلنا: أنّ عمر (رض) عقد البيعة لأبي بكر»([637]).

وحينئذ فإن ما فهمه القفاري واستنتجه من كلام الإمام× كون الأصل في البيعة هو الإجماع، هو فهم لا يوافقه عليه جميع العلماء.

القرينة الثالثة: قوله×: إنما الشورى للمهاجرين والأنصار ...

ومما يؤيد أنّ الإمام× كان في مقام الاحتجاج على معاوية ولم يكن في مقام تصحيح خلافة الخلفاء الثلاثة، قوله: إنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ...

والشورى تعني استطلاع رأي الاُمّة عن طريق المشاركة العامة في اختيار الحاكم، ولو طبقنا هذا المفهوم على بيعة أبي بكر لم نجد أنّ الاُمة استشيرت واستطلع رأيها، بل اقتصر ذلك على نفر قليل لا يتعدّى أصابع اليد الواحدة، كانوا في سقيفة بني ساعدة حيث وقعت البيعة، وهذا لا يسمى شورى أو مشاورة الاُمّة بالمعنى الصحيح لها، والدليل على ذلك أنّ الخليفة عمر في تقييمه لخلافة أبي بكر أسماها بالفلتة التي وقى الله شرّها، حيث قال: «لا يغترن امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها..»([638]). وأسماها بالفلتة؛ لأنها تمّت من غير مشورة، ففي صحيح ابن حبّان عن أبي حاتم، قال: «قول عمر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ولكن وقى الله شرها، يريد أن بيعة أبي بكر كان ابتداؤها من غير ملأ، والشيء الذي يكون من غير ملأ يقال له الفلتة»([639]).

وهكذا خلافة عمر لم نجد للشورى نصيباً فيها، بل أن أبا بكر هو الذي نصّ عليه، فلا أنصار ولا مهاجرين استشيروا في اختيار عمر وبيعته، وكذا خلافة عثمان فكانت الشورى بعدد معين وهم ستة أشخاص عيّنهم عمر، فإن أيّاً من الخلفاء الثلاثة لم تكن خلافته عن شورى بين المسلمين، فضلاً عن إجماعهم.

ثم إنّ كلام الإمام×: وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل ... لعلّ فيه تعريضاً بطريقة وأسلوب بيعة الخلفاء الذين سبقوه([640])، فإنّها لم تحظ بإجماع ولا شورى، ومع ذلك أصبحت مقبولة ولا يجوز الخروج عليها، بينما بيعته× التي حصلت بإجماع الاُمّة والصحابة من أهل الحلّ والعقد تمرّد عليها معاوية ونكثها بعض الصحابة بعد أن بايعوا، قال أمير المؤمنين×: «فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إليَّ ينثالون علَيّ من كلّ جانب حتّى لقد وطئ الحسنان، وشُـقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضـة الغنم»([641]). وقال× أيضاً في ذيل نفس الكتاب الذي بعثه إلى معاوية: «وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردّهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون»([642]).

وقال الباحث السلفي حسن بن فرحان: «فقد أجمع الناس على بيعة علي (رضي الله عنه) ولم يخالف في ذلك إلاّ أهل الشام، وهم ليسوا أهلاً لمعارضة المهاجرين والأنصار والبدريين وأصحاب بيعة الرضوان وأهل الحرمين»([643]).

القرينة الرابعة: كلامه× في نهج البلاغة ينافي مبدأ الشورى

ومن الشواهد الخارجية التي تؤيد ما قلناه من أنّه× لم يكن مؤمناً بشرعية الطريقة والآلية التي حصلت بها البيعة للخلفاء السابقين، كلامه في نهج البلاغة نفسه والذي أوضح به، وبشكل صريح وفي أكثر من مناسبة ومكان، أن الخلافة والإمامة هي لأهل البيت^ وبنصّ رسول الله|، ومن هذه النصوص والأقوال، قوله× في خطبته الشقشقية المشهورة، معترضاً على الشورى: «... فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكني أسففت إذ أسفّوا وطرت إذ طاروا»([644]).

وقوله×: «فلمّا مضى تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده (صلّى الله عليه وآله) عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده»([645]).

ويقول في خطبة اُخرى: «وقال قائل: إنك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص، فقلت: بل أنتم والله لأحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه»([646]).

وقال× في الخطبة الشقشقية أيضاً: «أما والله لقد تقمَّصها فلان وهو يعلم أنّ محلِّي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويتُ عنها كشحاً ... فصبرتُ وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده.. فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدَّ ما تشطرا ضرعيها ...»([647]).

فمن خلال هذه النصوص يصرّح أمير المؤمنين× بغياب حقه وإن هناك نزاعاً وقع بين الأصحاب بعد وفاة رسول الله’ وانزعج بعضهم من وصيته لعلي، وهناك من لمزه بأنه حريص على الخلافة، وهناك من حال بينه وبينها، ومن ثم تقمّصها من ليس لها أهل.

إلى هنا انتهى المبحث الأول الذي عالجنا فيه الشبهات التي أثارها القفاري حول نفي النصّ من كتاب نهج البلاغة، وسوف نعالج الشبهات التي أثارها حول نفي النصّ من خلال مجموعة اُمور ادّعى كونها ضرورية ومعلومة ومتفقاً عليها.


المبحث الثاني: فيما ينفي النص استنادا إلى مسلمات مزعومة

بعد أن ادّعى القفاري أن هناك ما ينفي النصّ من أصحّ كتاب عند الشيعة وهو كتاب نهج البلاغة، ادّعى أن هناك مسلمات اتفق عليها تنفي النصّ أيضاً، منها:

أولاً: أنّ القرآن الذي لا خلاف في فهمه، لم يذكر أسماء الأئمة عند الشيعة.

ثانياً: أنّ النصّ على الإمامة مما تتوافر الدواعي على نقله، فلو كان له أصل لنقل.

ثالثاً: لو صحّ أن الصحابة قد كتموا النصّ على خلافة علي×، لكتموا الفضائل الكثيرة له.

رابعاً: أنّ قول الشيعة بالنصّ على علي× شبيه بقول بعضٍ بالنصّ على إمامة العباس، والثاني باطل، فالأول مثله.

خامساً: لو كان هناك نصّ على عليّ لما اختلف فيه، كما لم يختلف اثنان في نصّ أبي بكر على عمر.

سادساً: كيف يطيع المهاجرون نص أبي بكر في عمر ولا يطيعون أمر النبي’ في نصه على علي×؟!

سابعاً: لو كان النصّ على علي ثابتاً، فكيف يجوز له الدخول مع الستة الذين نصّ عليهم عمر؟

فهذه اُمور زعم أنّها من المسلمات والمتفق عليها، وهي بذاتها تنفي وجود النصّ على علي×، ونحن سوف نبطل هذه المسلمات تباعاً.


الشبهة: كتاب الله  يخلو من ذكر لأسماء أئمة الشيعة وهذا دليل على بطلان الإمامة

قال القفاري: «لندع جانب الروايات المختَلَف فيها، ونحتكم إلى كتاب الله سبحانه عن طريق فهمه من خلال اللغة العربيّة. فالله سبحانه أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وقد اتّفق أهل السنّة والشيعة على حدود العربية، واتّفقوا على ما وضع لمفرداتها من المعاني، ومعنى هذا أنّ اللغة العربية يمكن أن تكون المرجع في الحكومة في هذا الأمر.

فهل نجد في كتاب الله ذِكراً للأئمّة الاثني عشر بأسمائهم، كما ذكر رسول الهدى (صلّى الله عليه وسلّم) باسمه ووصفه؛ لأنّ الإمام عندهم كالنّبي، ومنكر الإمام كمنكر النبي’ أو أعظم؟!

وهل نجد لإمامة الاثني عشر ذكراً صريحاً في كتاب الله، كما ذكرت أركان الإسلام صريحة واضحة في مواضع متفرقة من كتاب الله، من غير حاجة لمعرفة أصلها إلى تأويل باطني أو روايات موضوعة، والإمامة عندهم أعظم أركان الإسلام؟!

فكيف لا تذكر ولا يشار إليها؟ أليس هذا دليلاً على أنّ مزاعم الإماميّة في هذا الباب لا أصل لها؟ وحينئذ لابدّ من رفض هذه المزاعم لمناقضتها لكتاب الله»([648]).


الجواب:

الجواب الأول: دلالة القرآن على مبدأ الإمامة

إنّ الإمامة من أبرز المفاهيم التي أولاها القرآن الكريم عناية خاصة، وقد تضافرت النصوص القرآنية على ذكرها والتأكيد عليها، ورسم وتحديد معالمها.

والآيات الواردة في هذا المجال على قسمين، قسم منها يشير إلى مبدأ الإمامة العامة من دون تشخيصها بالأئمة من أهل البيت^، والقسم الآخر أثبتت مقام الإمامة والخلافة لأهل البيت^ بالخصوص.

ونحاول فيما يلي أن نشير بنحو الاختصار لكلا القسمين من الآيات المباركة:

القسم الأول: آيات الإمامة العامة

الآية الأولى: قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([649]).

إنّ سياق هذه الآية الكريمة واضح في أنّ الله تعالى قد جعل إبراهيم× إماماً في أواخر عمره الشريف، بعد أن كان نبيّاً ورسولاً وخليلاً؛ وذلك لأن الآية صريحة في أن إبراهيم× إنّما مُنِحَ هذا المقام بعدما تعرّض لسلسلة من الابتلاءات والاختبارات، وكان ذلك بعد المتاعب والصعوبات التي واجهها في تبليغ الرسالة الإلهية إلى قومه المشركين؛ وهو× قد طلب مقام الإمامة لذريته، وهذا لا يتناسب إلاّ مع حصول الذرية له×، وتجاوزه مرحلة الشباب، خصوصاً وأنه× لم يُرزق الذريّة إلاّ بعد مدّة مديدة من الزمن، قد تجاوز فيها زمن الشباب الذي كسّر فيه الأصنام ودعا قومه إلى الإيمان بالله؛ وذلك لأنّه× عندما أعلن دعوته كان شاباً يافعاً، كما هو مفاد قوله تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}([650]).

ويضاف إلى ذلك: أنّ اسم الفاعل في ـ الآية المباركة ـ (جاعل) لا يعمل في المفعول وهو (إماماً) إلاّ إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، ولا يعمل في الماضي، وحيث إن النبوّة كانت ثابتة مسبقاً لإبراهيم×، فلابدّ أن يكون إعطاء الإمامة لإبراهيم× في الحال أو الاستقبال، أي بعد نبوته.

فهذه الآية تثبت وبوضوح مقاماً يغاير مقام النبوّة والرسالة لإبراهيم× وذريته الطاهرة([651]).

الآية الثانية: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}([652]).

الآية الثالثة: قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}([653]).

فإنّ هذه الآية وسابقتها تدلاّن وبوضوح على جانب آخر من جوانب الإمامة الإلهية، وهو أنّ مقام الإمامة لابدّ أن يكون بجعل وتنصيص من قبل الله تعالى.

الآية الرابعة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأَمْر منكُمِ}([654]).

إنّ هذه الآية المباركة تشرح مفهوم الإمامة وتوضّح أبعاده وحدوده، حيث قرنت طاعة أولي الأمر بطاعة الله تعالى، مما يكشف عن أنّ هذه الولاية متفرعة عن ولاية الله وولاية الرسول’، وهي شاهد على أنّ الولاية والإمامة، وقيادة الناس ليس من صلاحيتهم ولا بتنصيبهم؛ لأنّ اللازم عليهم هو المتابعة والانقياد في ذلك حسب.

القسم الثاني: آيات الإمامة الخاصة

الآية الأولى: قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([655]).

لقد ذكرنا في الجزء الأول في مبحث أدلّة الإمامة من القرآن الكريم([656]) أنّ نزول هذه الآية في حقّ علي× من الاُمور التي اتفق الفريقان على روايتها، وبالأسانيد الكثيرة وعن جمع كبير من الصحابة والتابعين، كعلي× وعمار والمقداد وابن عباس وأبي ذر وجابر بن عبد الله الأنصاري وابن جريج المكي ومجاهد ومقاتل والضحاك وغيرهم، ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} بسند تقدّم تصحيحه([657])، عن سلمة بن كهيل، قال: «تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ...}»([658]).

فهذه الآية دلّت بصراحة على ولاية علي× وإمامته على سائر المؤمنين ـ كما تقدّم تقريب ذلك في مبحث آية الولاية ـ حيث قرنت الآية ولاية علي× بولاية الله تعالى ورسوله’، مما يكشف عن أن هذه الولاية متفرعة عن ولاية الله وولاية الرسول’، والمراد من الولاية ـ وقد تقدّمت الإشارة لذلك في بحوث سابقةـ هو القيام بأمر الاُمّة وقيادتها وهدايتها وتبيين ما تحتاج إليه من اُمور دينها ودنياها، وأن عليها الرجوع إلى الولاة في كلّ صغيرة وكبيرة، وإذا قضوا أمراً فليس للأمة الخيرة من أمرها، بل عليها السمع والطاعة.

إذن فأصل الولاية والإمامة الخاصة لعلي× ـ وهو أوّل أئمة أهل البيت^ ـ قد نصّ عليها القرآن الكريم، وأمّا النصّ على إمامة بقية الأئمة من أهل البيت^ بالخصوص، فهو موكول إلى بيانات النبي’ وسنّته المباركة، كما سيأتي لاحقاً.

الآية الثانية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}([659]).

لقد تقدّم في مبحث حديث الغدير أنّ هذه الآية نزلت في حقّ علي× في يوم الغدير بعد حجّة الوداع، فمن ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: «نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} في علي بن أبي طالب»([660]).

وفي نزول هذه الآية المباركة في تلك الواقعة دليل واضح على أنها جاءت لتأكيد أمر في غاية الأهمية والخطورة، يجب على النبي الأكرم’ تبليغه في يوم الغدير، حيث تبيّن الآية أن ما وقع في يوم الغدير لو لم يفعله النبي’ فلا يكون قد بلّغ رسالة الإسلام، وليس ذلك إلاّ لانهدام ركن الإمامة والولاية الذي تتوقف عليه ديمومة الإسلام واستمراره، فترك تنصيب علي بن أبي طالب× للولاية على الاُمّة مساوق لترك تبليغ الرسالة بكاملها؛ لأنّ الإمامة الإلهية بعد النبي’ هي التي تتكفل قيادة الاُمّة من الناحية الدينية والسياسية والحكومية ونحوها، فالله تعالى قد أنزل مقام الإمامة لعلي× على نبيّه’ من السماء وأمره بتبليغه بصريح هذه الآية المباركة، وجعلت ذلك المقام عدلاً للرسالة بكاملها.

الآية الثالثة: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}([661]).

سبق وأن ذكرنا بأنّ الأحاديث الصحيحة تنصّ على أن نزول هذه الآية كان بعد خطبة الغدير، وهذا ما تقدّم إخراجه بسند صحيح عن أبي هريرة، حيث قال: «لما أخذ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست وليّ المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}»([662]).

ونزول هذه الآية المباركة بعد حديث الغدير من الأدلة الواضحة على أن الآية جاءت للتنصيص على إمامة علي× وخلافته بعد النبي’؛ إذ لا يوجد ما يصلح لإكمال الدين وإتمام النعمة في حديث الغدير إلاّ مقام الخلافة والإمامة في الاُمّة؛ لأنّ الإمامة تعني حفظ الدين وقيادة الاُمّة والدفاع عن حريم الرسالة الإسلامية بعد وفاة النبي’.

هذه لمحة عامة تكشف عن اهتمام القرآن بمقام الإمامة، وأن الإمامة العامة، والإمامة الخاصة المتمثلة بإمامة علي× من المبادئ الأصيلة في القرآن الكريم، وأمّا التنصيص على بقية الأئمة من أهل البيت^ فهو متروك للبيانات النبوية المباركة، كما سيتضح في الجواب اللاحق.

الجواب الثاني: دلالة السنة على إمامة علي×

لا ريب أن القرآن الكريم نزل لهداية الناس، وفيه تبيان كلّ شيء؛ ولكن بشرط أن تكون السنة شارحة ومبينة له، كما في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}([663]) ولهذا نجد أنّ المذكور في كتاب الله هو أصول الأحكام وأسس العقائد، إلاّ أنّ شرح تلك الأصول وتفسيرها وتجسيدها في الخارج موكول لسنة النبي’، من خلال حديثه وأقواله وسيرته المباركة، كما نری أنّ القرآن يأمرنا بالصلاة من دون ذكر عدد الركعات وغيرها، والرسول’ هو الذي يبيّن هذه كلّها، ومن هنا أمرنا القرآن الكريم وبكل صراحة أن نأخذ بكل ما صدر عن الرسول الأكرم’، وننتهي عمّا نهى عنه، كما في قوله عزّ وجلّ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...}([664]).

والنبي’ معصوم في كلامه ولا ينطق عن الهوى، قال تعالى: {وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى}([665])، فكلامه كالقرآن من حيث وجوب طاعته والعمل على طبقه.

قال القرطبي: في تفسير قوله تعالى:{إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى}: «وفيها دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل»([666]).

وقد قرن بعد ذلك طاعة رسوله’ بطاعته، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}([667])، وقوله عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ}([668])، وكذلك قرن معصية الرسول’ بمعصيته تعالى، حيث قال: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإن لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}([669])، وقوله تعالى: {فإن عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}([670]).

وأمر المؤمنين مقروناً بالقسم الشديد أن لا يكون في قلوبهم حرج فيما حكم به النبي’ ونفى الإيمان عمّن لا يكون كذلك كما في قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}([671]).

كما لن يجعل الله تعالى الخيرة للمؤمنين فيما قضى الله ورسوله، كما في قوله عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً}([672]).

السنة النبوية تنهى عن الإعراض عن السنة

وهناك روايات كثيرة متضافرة في صحاح أهل السنّة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنة الرسول’، وتنهى عن الإعراض عن سنته’ والاكتفاء بالقرآن وحده، فمن الروايات التي وردت عن رسول الله’ في هذا المجال، ما جاء في سنن أبي داود ـ واللفظ له ـ والترمذي، وابن ماجه، والمستدرك عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، أنّ رسول الله’ قال: «لا ألفينّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه»([673])، وأخرج أحمد بن حنبل بسنده عن المقداد بن معد يكرب، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعاناً([674]) على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه»، قال حمزة أحمد الزين في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح»([675]).

وقال ابن حجر: «وأخرج البيهقي بسند صحيح عن حسان بن عطية أحد التابعين من ثقات الشاميين: كان جبريل ينزل على النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن»([676]).

وقال السيوطي: «أخرجه الدارمي بإسناد صحيح»([677]).

صحابة النبي’ لا يفرقون بين الكتاب والسنة

لقد كان الالتزام بسنّة النبي وتفسير القرآن بها رائجاً ومعروفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم، فمن ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة، عن عبد الله، قال: «لعن الله الواشمات الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيّرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنّه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله’ ومن هو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}([678])؟ قالت: بلى، قال: فإنّه قد نهى عنه»([679])، وكذا وردت هذه الرواية بألفاظها ـ باختلاف يسير ـ في صحيح مسلم([680]).

وعلى هذا الأساس يتّضح أن جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنة الرسول الأكرم’، فإننا في إقامة الصلاة ـ مثلاًـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسول’ كيفيتها وشرائطها، وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها، وكذلك في الحج، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنته’، واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الاُخرى، وهكذا الحال في سائر أركان الإسلام وأصوله.

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما، أما من أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة، فأدنى ما نقول بحقّه: إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه، الذي يدعو لإطاعة الرسول’ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}([681]).

وقد قال الألباني في هذا المجال: «فحذار أيها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً عن السنة، فإنك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك»([682])، فمقولة: «حسبنا كتاب الله» مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم.

السنة تنص على إمامة علي×

وإذا اتضح ذلك كلّه بعد هذه المقدمة:

نقول: إن رسول الله’ قد نصّ على إمامة علي بن أبي طالب× باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر، وحديث الدار، وحديث المنـزلة، وغيرها من الأحاديث وفي مواطن كثيرة جدّاً، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنه’، وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى، وقد أقام الحجة علينا بأنّ الإمام بعده علي×، فتثبت إمامة علي× بلا ريب، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ صريحاً فإن ذلك لا يؤثر في الحجّة التي أقامها الرسول’ على الإمامة؛ لأن تبليغه وبيانه وقوله’ هو قول الله تعالى.

ومما يؤكد هذا الوجه ما أجاب به الإمام الصادق× بسند معتبر صحيح عندنا، حينما سأله أبو بصير عن السبب في عدم ذكر اسم علي× صريحاً، قال أبو بصير: «سألت أبا عبد الله× عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ...}، فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين^، فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يُسمّ علياً وأهل بيته^ في كتاب الله عزّ وجلّ؟ قال: فقال: فقولوا لهم: إنّ رسول الله’ نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله’ هو الذي فسّر ذلك لهم..»([683]).

فبعد قيام الحجج والبراهين والأدلة القاطعة على الإمامة الخاصة من السنّة النبوية، لا ينبغي التشكيك والترديد وإثارة الشبهات في ذلك استناداً إلى اُمورٍ واهية كهذه، ويجب أن لا نكون كبني إسرائيل الذين أخذوا يطلبون من نبي الله موسى× المزيد من الحجج بعد أن أظهر لهم الأدلة والبراهين على وجود الله تعالى، حتى أنهم طلبوا من موسى أن يريهم الله تعالى جهرة، حيث قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}([684]).

الجواب الثالث: الحكمة الإلهية تقتضي عدم ذكر أسماء الأئمة

إنّ عدم ذكر اسم علي× في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية، فكم من الاُمور التي قد خفيت أو أخفيت علينا مصالحها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}([685])، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف ما اُمرنا به من وجوب التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ، ونحاول فيما يلي أن نشير إلى بعض الحكم التي بلغتها عقولنا في هذا المجال:


الحكمة الأولى: ذكر الوصف أبلغ في التأثير من ذكر الاسم

من الواضح أنّ ذكر الوصف أوقع تأثيراً في تحديد المصداق من ذكر الاسم، لذا ذكر علماء اللغة أنّ اسم العَلَم ليس أعرف المعارف، بل الكثير منهم قد جعل اسم العَلَم أدنى درجة من أسماء المعرفة، والسر في ذلك، كما ينص عليه أهل اللغة والبلاغة، أن اسم العَلَم قد يتوخّى منه معنى الصفة، فإذا جاء اسم عليّ× مثلاً في القرآن فقد يحصل إيهام بأنّ المراد منه الصفة أي العالي، ولكي لا يحصل الخلط بين معنى الصفة ومعنى العلم تجنب ذكر الصفة، فانه سيكون خلاف المقصود حيث سيعطي دلالة غير ما قصد استعماله فيه، بل إن الترديد لا يقتصر على أن يكون بين ذات العلم والصفة، بل يكون الترديد في نفس اسم العلم، وهذا له نظائر في القرآن الكريم، فقد وقع خلاف في المقصود بأسماء بعض الأنبياء التي ورد ذكرها في القرآن، كالنبي يوسف وموسى ويعقوب^. وكذلك وقع الخلاف في المقصود من آل عمران.

فالنبي يوسف× اختلف فيه في آية {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ}([686])، فقيل: ليس هو يوسف بن يعقوب بل يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب، وقيل ليس هو من الإنس أصلاً، بل هو من الجن يسمى: (يوسف).

قال الزمخشري: «هو يوسف بن يعقوب‘. وقيل: هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيّاً عشرين سنة»([687]).

وقال القرطبي: «هو يوسف بن يعقوب بعثه الله تعالى رسولاً إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات وهي الرؤيا، وقال ابن عباس: هو يوسف بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيّاً عشرين سنة، وحكى النقاش عن الضحاك: أنّ الله تعالى بعث إليهم رسولاً من الجن يقال له يوسف»([688]).

ووقع الخلاف أيضاً في اسم النبي يعقوب× في كونه يعقوب بن إسرائيل، ويعقوب بن ماثان.

قال القرطبي: «قوله تعالى: (من آل يعقوب) قيل: هو يعقوب بن إسرائيل، وكان زكريا متزوجاً بأخت مريم بنت عمران ويرجع نسبها إلى يعقوب؛ لأنّها من ولد سليمان بن داود وهو من ولد يهوذا بن يعقوب، وزكريا من ولد هارون أخي موسى، وهارون وموسى من ولد لاوى بن يعقوب، وكانت النبوّة في سبط يعقوب بن إسحاق، وقيل: المعني بيعقوب ها هنا يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم أخوان من نسل سليمان بن داود‘؛ لأنّ يعقوب وعمران ابنا ماثان وبنو ماثان، رؤساء بني إسرائيل، قاله مقاتل وغيره، وقال الكلبي: وكان آل يعقوب أخواله وهو يعقوب بن ماثان وكان فيهم الملك وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى»([689]).

أمّا موسى صاحب الخضر، فقد وقع الخلاف في كونه موسى النبي× المعروف أو موسى آخر هو موسى بن منشى بن يوسف، أم هو ابن إفرائيم بن يوسف، أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سعيد بن جبير، قال: «قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بن إسرائيل إنّما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله»([690]).

وقال السيوطي في الإتقان: «ونظيره في الغرابة قول نوف البكالي: إنّ موسى المذكور في سورة الكهف في قصة الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل بل موسى بن منشى بن يوسف، وقيل ابن إفرائيم بن يوسف، وقد كذّبه ابن عباس في ذلك»([691]).

وكذلك وقع الخلاف في المقصود من آل عمران، فقد قيل: إنّ المراد عمران والد موسى وهارون، وقيل: عمران بن ماثان والد مريم.

قال الفخر الرازي: «وأمّا آل عمران فقد اختلفوا فيه، فمنهم من قال المراد عمران والد موسى وهارون، وهو عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فيكون المراد من آل عمران موسى وهارون وأتباعهما من الأنبياء، ومنهم من قال: بل المراد: عمران بن ماثان والد مريم، وكان هو من نسل سليمان بن داود بن إيشا، وكانوا من نسل يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، قالوا: وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة»([692]).

وبعد أن نستبعد فرضية ذكر الاسم مفصلاً ـ فإنّ ذلك ليس من دأب القرآن أن يذكر الاسم مفصلاً فلا يذكر مثلاً علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، ولا الكتب السماوية تعرضت لذكر الأسماء بهذه الكيفية، لا في أسماء الأنبياء ولا في غيرها ـ يكون من الحكمة عندئذ أن يقتصر الله تعالى على ذكرالمصداق بشكل صريح، وبأوصاف الخاصّة، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([693])، وقد تقدّم بالأحاديث الصحيحة أن المقصود بهذه الأوصاف الخاصة هو علي بن أبي طالب×.

وهكذا بقية الأئمة^ فقد ذكروا في القرآن الكريم بأوصافهم ومقاماتهم السامية، كما في:

قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([694]).

وقوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}([695]).

وقوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ٭ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ٭ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ٭ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ٭ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً ٭ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}([696]).

وقوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}([697]).

وقوله تعالى: {إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([698])، أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس، قال: «وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد (صلّى الله عليه وسلّم)»([699]).

الحكمة الثانية: لو ذكر اسم علي× لحذفه المنافقون

لو فرضنا أنّ القرآن الكريم ذكر أسماء الأئمة صريحاً، فلا نستبعد أن يبادر المنافقون وأعداء أهل البيت^ ومخالفوهم لرفعها وحذفها من الكتاب الكريم، فيقع بذلك التصرّف والتحريف في القرآن الكريم، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن الكريم من خلال سبل الحفظ المتعارفة، حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([700]) ولاشكّ أنّ هذا لا يتعارض مع الوعد الإلهي بحفظ القرآن من كلّ أشكال التحريف؛ لأن حكمة الله تعالى اقتضت حفظ القرآن الكريم وفق القانون الطبيعي والمتعارف، وبحسب الأسباب والمسببات في هذا العالم.

فلكي يحفظ الله تعالى القرآن بهذا الأسلوب الطبيعي، كان لابدّ أن يسلك مسلكاً متعارفاً يمنع من وقوع التحريف من قبل النفوس المريضة، فلذلك نقول: إن ذكر أسماء الأئمة^ صريحاً سيعرّض القرآن للتحريف، خصوصاً وأن المسألة حسّاسة جدّاً وتؤدّي إلى جعلهم^ قادة ورؤساء وخلفاء للمسلمين بلا منازع([701]).

الحكمة الثالثة: ذكر الاسم لا يعني حسم النـزاع

إنّ ذكر الاسم صريحاً في القرآن لا يعني حسم الخلاف في ذلك مطلقاً؛ لأننا نجد أنّ كثيراً من الاُمور التي ذكرت في القرآن بصراحة تامة قد وقع الخلاف فيها بعد ذلك، كما في زواج المتعة الذي ورد ذكره في القرآن بكل صراحة، وذلك في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}([702])، ومع ذلك نجد أن الخلاف والنزاع وقع فيه فيما بعد، حيث ادّعي نسخ الآية بقول الخليفة عمر بن الخطاب (رض).

فالنزاع والخلاف في مسألة الإمامة ـ التي لم يقع خلاف وصراع في مسألة كما وقع فيها، قال الشهرستاني: «وأعظم خلاف بين الاُمّة خلاف الإمامة إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان»([703]) ـ لا يمكن حسمه بذكر الأسماء في القرآن، ولذا لو ذكرت الآيات القرآنية الأئمة^ بأسمائهم، فإنّه سيقال: إنها لا تعني إمامتهم، وستؤوّل بشتى التأويلات ومختلف التمحّلات، وإن أدّى ذلك إلى تجاوز أوضح القواعد اللغوية والشواهد الروائية والتاريخية، كما هو الحال فيما تقدّم في آية الولاية، حيث حاول بعض أن يفسّر الولي بمعنى المحب أو الناصر، وأنها واقعة في سياق لا يساعد على استنباط معنى الإمامة منها، وأنّ علياً× فقير وأنّه لا تجب عليه الزكاة و..و..

خصوصاً وأنّ السياسة قد لعبت دوراً مهماً في هذا المجال؛ لأنّ إثبات الإمامة والخلافة لأهل البيت^ أمر لا يمكن أن يتقبّله من تربّع على سدّة الحكم، من بني أمية وغيرهم الذين لا يتوانون في فعل أي شيء من شأنه أن يثبّت أركان حكمهم، والوقوف بوجه أي شيء قد يزعزع ذلك، حتى وإن كان صريح القرآن والسنّة.

الحكمة الرابعة: ذكر الاسم في القرآن مدعاة لاتهام أتباع أهل البيت^

لو افترضنا أن اسم علي× قد ذكر في القرآن، فليس من البعيد أن يُقال: إنّ ذلك من وضع الرافضة، كما نجد هذا الافتراء واضحاً في الروايات الصريحة الواردة في فضائل أهل البيت^، ولا غرابة في ذلك على الذين ختم الله على قلوبهم، فإن الرسول الأكرمصرح باسم علي× على مرأى ومسمع (120) ألف صحابي، بشكل لا يشوبه ريب، ومع ذلك بادر الكثير من علماء أهل السنة إلى إنكاره ورفضه، بل زعم بعضهم أن ذلك من الموضوعات!!


الشبهة: النص على الخلافة مما تتوفر الدواعي على نقله فلو كان له أصل لنقل

قال القفاري: «ثانياً: إنّ هذا [النصّ على الخلافة] مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلو كان له أصل لنقل كما نقل أمثاله من حديثه، لاسيما مع كثرة ما ينقل في فضائل علي من الكذب الذي لا أصل له، فكيف لا ينقل الحق الذي قد بلّغ للناس؟! ولأنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه، فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه.

قال ابن حزم: وبرهان ضروري وهو أنّ رسول الله مات وجمهور الصحابة (رضوان الله عليهم)، حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين، فما منهم أحد أشار إلى علي بكلمة يذكر فيها أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نصّ عليه.

ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن البتة، اتّفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنابذي الهمم والنيّات والأنساب ... على طيّ عهد عهده رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إليهم»([704]).

أساسيات الشبهة

1ـ إنّ حديث النصّ على الخلافة مما تتوفّر الهمم والدواعي على نقله، فلو كان له أصل لنقل.

2ـ إنّ النبي’ أمر أمّته بتبليغ ما سمعوا منه، فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه.

3ـ ولو صحّ كتم الصّحابة لمسألة النصّ على علي× لكتموا الأحاديث الواردة في فضائله ومناقبه.

الجواب:

اشتهار النص يمنع من الوصول إلى السلطة

إنّ القول بأنّ حديث النصّ مما تتوفر الدواعي على نقله وإن كان صحيحاً من جهة كون النصّ على الخلافة والإمامة أمراً هامّاً وحساساً وخطيراً في حياة المسلمين، فلا يمكن أن يتغافل عنه المسلمون لا سيما وإن إحدى بياناته كانت أمام مرأى ومسمع عشرات الآلاف من المسلمين، وفي آخر أيام حياة النبي’ كما حصل في واقعة الغدير، مضافاً إلى أنّه تبليغ من النبي’ للأمة فمن البعيد أن يتجاهله الصحابة.

إلاّ أنّه في المقابل يمكن القول أيضاً إن هناك أسباباً ودواعي مضادة تعمل على حجب أحاديث النصّ على الخلافة والحدّ من انتشارها على نطاق واسع، والسبب الرئيس هو أنّ اشتهار تلك الأحاديث وانتشارها بين المسلمين سوف يقطع الطريق على الطامحين في الوصول إلى الحكومة والسلطة؛ لذلك كانت هناك عدة محاولات للتقليل من انتشار أحاديث النصّ على الخلافة ووصولها إلى أكبر عدد ممكن من الناس.


محاولات منع انتشار النص

1ـ مخالفة إرادة النبي’ النص على الخلفاء

ذهب الكثير من علماء أهل السنة إلى أنّ النبي’ أراد أن ينصّ على أسماء الخلفاء من بعده، في الكتاب الذي طلب منهم أن يعطوه إياه ليكتب لهم شيئاً يكون عاصماً لهم من الضلال والانحراف، والوقوع في الفرقة والاختلاف، فامتنعوا عن إعطائه الكتاب بحجة أنّه غلبه الوجع أو هجر ـ والعياذ بالله ـ واختلفوا وتنازعوا عنده، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقد أخرج البخاري بسند عن ابن عباس، قال: «يوم الخميس، وما يوم الخميس، اشتد برسول الله وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه، أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردّون عليه، فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه»([705]).

وقد ذهب جملة من العلماء إلى هذا الرأي وهو أنّ النبي قد أراد ذكر الأئمة من بعده في هذا الكتاب، منهم سفيان بن عيينة([706])، قال ابن حجر في فتح الباري: «وقيل: بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف، قاله سفيان بن عيينة»([707]).

وقال العيني المتوفى سنة (855 هـ): «وقال سفيان بن عيينة: أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم الاختلاف ...»([708]).

ومنهم الخطابي([709])، قال الكرماني محمد بن يوسف المشتهر بشمس الأئمة المتوفى سنة (786هـ): «قال الخطابي: هذا يتأوّل على وجهين: أحدهما أنّه أراد أن يكتب اسم الخليفة بعده لئلاّ يختلف الناس ولا يتنازعوا فيؤدّيهم ذلك إلى الضلال»([710]).

وقال العيني: «قال الخطابي: يحتمل وجهين: أحدهما: أنّه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب الجمل وصفّين»([711]).

وقد صرح النووي المتوفى سنة (676هـ) بأنّ هناك قولاً مفاده أن النبي’ أراد أن ينص على الخلافة، قال: «فقد اختلف العلماء في الكتاب الذي همّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) به، فقيل: أراد أن ينصّ على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع نزاع وفتن»([712]).

وقال القسطلانى المتوفى سنة (923هـ): «(أكتب لكم) ... (كتاباً): فيه النصّ على الأئمة بعدي»([713]).

وقال أحمد أمين المصري المتوفى سنة (1373هـ): «وقد أراد الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) في مرضه الذي مات فيه أن يعيّن من يلي الأمر من بعده»([714]).

فبناء على صحة هذا الرأي ـ وأن النبي’ كان يهدف إلى كتابة أسماء الخلفاء من بعده ـ يتّضح أنّ الهدف من منعه هي الوقوف أمام انتشار حديث الخلفاء وتأكيدها من قبل النبي’؛ لكي لا يكون ذلك مانعاً أمام طموحات الآخرين في نيل الخلافة.

2ـ المنع من نقل أحاديث الإمامة وتدوينها

ومن الحقائق الثابتة التي لايمكن إنكارها في تاريخ الحديث النبوي أن هناك محاولات جرت من بعض الصحابة في منع نقل الحديث وتدوينه، ففي مرسل ابن أبي مليكة، قال: «إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنكم تُحدّثون عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه»([715]).

وقد منع عمر بن الخطاب وفد الصحابة الذين أرسلهم إلى الكوفة من الرواية عن رسول’ قال: « ... فأقلّوا الرواية عن رسول الله| ثم أنا شريككم»([716]). وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال في ذيل الحديث: «فلمّا قدم قرظة قالوا: حدِّثنا، قال: نهانا ابن الخطاب». وقال عنه الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد له طرق تجمع ويذاكر بها»([717]).

وروى الذهبي عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، فقال: «قد أكثرتم الحديث عن رسول الله»([718])، وكذلك نهى عمر بن الخطاب كبار الصحابة عن نشر حديث رسول الله| فقد أخرج ابن عساكر ـ بإسناد صحيح([719]) ـ عن السائب بن يزيد، قال: «سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أو لألحقنك بأرض دوس، وانقطع من كتاب أبي بكر كلمة معناها دوس، وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة»([720]).

وقد ذكرت لدعوات المنع من التحديث والتدوين عدة مبررات وأسباب إلاّ أنها لا تصمد أمام النقد العلمي والموضوعي، لأننا من خلال شواهد وقرائن عديدة يمكننا معرفة أنّ الهدف الحقيقي من وراء هذه المحاولات هو منع انتشار أحاديث إمامة وخلافة أهل البيت^ بين عموم المسلمين والتي تنزع الغطاء الشرعي عن أي خلافة اُخرى، لذلك كان من الطبيعي جداً أن يجهد بعض في الحدّ من انتشار هذه الأحاديث ممن تسلّم مقاليد السلطة آنذاك، ومن هذه الشواهد التي تبين أنّ المستهدف في المنع هو أحاديث الإمامة والخلافة:

أـ حديث ابن أبي مليكة، قال الذهبي: «ومن مراسيل ابن أبي مليكة أنّ الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدّثون عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم، فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرموا حرامه»([721]).

وفي هذا الحديث دلالة على أن المنع من التحديث عن رسول الله’ مختص بأحاديث الخلافة؛ لكون الخلافة هي مثار الخلاف بعد وفاة النبي’، كما قال الشهرستاني: «وأعظم خلاف بين الاُمّة خلاف الإمامة، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان»([722]).

والذي يؤيد ذلك الفهم أنّ المنع مختص بأحاديث الخلافة، ما قاله عبد الرحمن المُعَلِّمي من كبار علماء السلفية المعاصرين([723]) ـ بعد أن ذكر حديث ابن أبي مليكة: «فإن كان لمرسل ابن أبي مليكة أصل فكونه عقب الوفاة النبوية يشعر بأنّه يتعلق بأمر الخلافة، كأنّ الناس عقب البيعة بقوا يختلفون، يقول أحدهم: أبو بكر أهلها؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال: كيت وكيت، فيقول آخر: وفلان قد قال له النبي’: كيت وكيت، فأحبّ أبو بكر صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيههم إلى القرآن»([724]).

ب ـ ورد عن عمر بن الخطاب منعه عن التحدّث بأحاديث النبي’ إلاّ فيما يتعلّق بأحاديث الأحكام والفروع، قال: «أقلّوا الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلاّ فيما يعمل به»([725])، ومن الواضح أنّ الأحاديث المشمولة بالخطر هو ما يخصّ العقيدة وأهمّها أحاديث الإمامة.

وقال ابن عبد البرّ نقلاً عن بعضهم: «إنّ عمر إنّما نهى عن الحديث عمّا لايفيد حكماً ولايكون سنّة»([726]).

ج ـ لقد سار الخليفة عثمان على نفس النهج الذي دعا إليه الشيخان في منعهما من رواية الأحاديث، ولذا كان ينهى عن التحدث بالأحاديث التي نهيا عنها إدامة لعملية المنع وتحقيقاً للهدف المتوخى منها؛ لأنّه من الممكن جداً أن تظهر الأحاديث المحظورة فيما إذا رفع الحظر عنها فتؤثر أثرها، خصوصاً إذا لاحظنا قصر مدة الحظر نسبياً مع وجود بعض حملة هذه الأحاديث على قيد الحياة، لذا قال عثمان: «لا يحلّ لأحد يروي حديثاً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر»([727]).

دـ استكمل بنو أمية مسلسل عملية منع الأحاديث المرتبطة بأهل البيت^، فقد قام معاوية بن أبي سفيان بأقصى ما يستطيع لتنفيذ هذه المهمة، قال رجاء بن حيوة: «كان معاوية ينهى عن الحديث، يقول: لا تحدّثوا عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم([728]). وقد استخدم مختلف أساليب الترهيب والترغيب للوصول إلى هدفه، فنجده يكتب إلى عماله أن «برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته»([729]).

وفي اُسد الغابة لابن الأثير، قال عبيد الله للزهري، بعد أن روى حديث الغدير بطوله: «لا تحدّث بهذا بالشام، وأنت تسمع ملء اُذنيك سبّ علي، فقال: والله إنّ عندي من فضائل علي ما لو تحدّثت بها لقتلت. أخرجه الثلاثة»([730]).

ومن ذلك ما روي عن سعيد بن المسيّب، قال: «قلت لسعد بن أبي وقّاص: إنّي أريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك، قال: سل عمّا بدا لك، فإنّما أنا عمّك. قلت: مقام رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) فيكم يوم غدير خمّ؟ قال: نعم، قال: قام فينا بالظهيرة فأخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، قال: فقال أبو بكر وعمر: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة»([731]).

وفي اُسد الغابة قال أبو أحمد العسكري: «يقال: إن الأوزاعي لم يرو في الفضائل حديثاً غير هذا، والله أعلم، قال: وكذلك الزهري لم يرو فيها إلاّ حديثاً واحداً، كانا يخافان بني أمية»([732]).

إتلاف أحاديث أهل البيت^

ومما يدل على أنّ الأحاديث التي واجهت المنع من التدوين والتحديث، هي أحاديث أهل البيت^ بالخصوص، وجود بعض النصوص التي أشارت صراحة إلى أنّه تم إتلاف مجموعة من الأحاديث في أهل البيت^ والتي وصلت إلى مرحلة التدوين، لذا لم يتسامح معها، فتمّت إزالتها من الوجود، فعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: «جاء علقمة بكتاب من مكّة أو اليمن، صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت ـ بيت النبي صلّى الله عليه ـ فاستأذنّا على عبد الله([733])، فدخلنا عليه، قال: فدفعنا إليه الصحيفة، قال: فدعا الجارية، ثمّ دعا بطست فيها ماء، فقلنا له: يا أباعبد الرحمن انظر فيها، فإنّ فيها أحاديث حساناً، فجعل يميثها([734]) فيها ...»([735]). فانظر إلى هذا الصحابي، لم يشأ حتى النظر في صحة الأحاديث أو ضعفها، بل كان يكفي له في إعدامها مجرد كونها في أهل البيت^!

فالقول بأنّ هناك دواعي كثيرة على نقل أحاديث النصّ على الخلافة، ليس صحيحاً على إطلاقه، فهناك عقبات كثيرة قد واجهتها أحاديث الخلافة والإمامة، لأنها بكل بساطة تقف على طرف نقيض من الوضع القائم آنذاك، ولكنْ مع كلّ هذا فقد أفلت الكثير من أحاديث الإمامة والخلافة من شراك الحظر والمنع، وأخذ مكانه في المصادر السنية المعتبرة.

نعم جرت محاولات فيما بعد للتشويش على هذه الأحاديث، فنوقش في أسانيدها تارة وفي دلالاتها اُخرى، وعانت من الأهمال وعدم التركيز عليها وإظهارها للاُمّة؛ ولذا قد يتوهّم من لم يدقق ولم يتفحص في الجوامع الحديثية لأهل السنة أنّ أحاديث الإمامة والخلافة لا وجود لها، ولكن هذا الاعتقاد سرعان ما يزول لمن يتتبع ويبحث جيداً، ويتجرد عن العوامل النفسية والميول والأهواء الشخصية، ويدخل ميدان البحث بروح الإنصاف والموضوعية، فسيجد أنّه رغم كلّ محاولات الحجب والإخفاء لأحاديث إمامة أهل البيت’ غير أنّها قد سجلت حضوراً لافتاً في المصادر المختلفة.

القول بأن حديث النص على الخلافة لا أصل له باطل

ومن المجازفات العلمية التي ارتكبها القفاري هي ادّعاؤه بأنّ النصّ على الخلافة لا أصل له في السنة النبوية، وهو كلام ينبئ إمّا عن عدم اطلاع وغفلة، أو عن تجاهل وعناد؛ وذلك لعدة اُمور:

1 ـ إمامة أهل البيت ^ حقيقة قرآنية

لقد تقدّم أنّ إمامة أهل البيت^ من المبادئ القرآنية الأصيلة التي نصّ عليها القرآن الكريم، كما ذكرنا ذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([736])، وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}([737])، وقوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}([738]).

2ـ إمامة أهل البيت نطقت بها السنة

لم يقتصر ذكر إمامة علي بن أبي طالب× على القرآن، بل وردت إمامته وإمامة أهل البيت’ في السنّة النبوية المطهرة، من خلال عدد من الأحاديث الشريفة ابتداءً بحديث الدار الذي رواه غير واحد من المحدّثين كالطبري في تاريخه عن علي× قال: «لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} دعاني رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقال لي: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ... فأخذ برقبتي، ثم قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»([739]).

وقد تقدّم تخريج هذا الحديث وتصحيحه في بحث الوصية في الجزء الأول من هذا الكتاب([740]).

ثم حديث الثقلين الذي أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم عن رسول الله| قال: «أمّا بعد ألا أيّها الناس ... وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله... ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»([741]).

وأخرجه الترمذي بسنده عن أبي سعيد والأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهلي بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»([742]) وقد صحّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير([743]).

وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله»([744]).

وهناك مزيد بحث حول هذا الحديث في الجزء الأول من هذا الكتاب([745]).

وكذلك حديث المنزلة الذي يُثبت أهمّ منزلة من منازل هارون من موسى عليهما السلام، وهي الولاية والخلافة، وروى هذا الحديث أكثر من عشرين صحابياً وصحابية، وخرّجه أكثر من أربعين عالماً، منهم البخاري ومسلم في صحيحيهما([746])، وهو من أثبت الآثار، بل من هو من الأحاديث المتواترة، قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب: «هو من أثبت الآثار وأصحّها»([747]).

وقال عنه الشيخ محمد جعفر الكتاني: «حديث ... متواتر جاء عن نيف وعشرين صحابياً»([748]).

وألفاظه واضحة الدلالة على الإمامة والخلافة، وهذا ما فهمه العلماء حتى المعاصرين منهم، فقد قال الباحث أحمد محمود صبحي ـ بناء على ثبوت قوله’ لعلي×: لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي، قال: «ولا شكّ أنّ هذه العبارة تجعل من الحديث نصاً جلياً في إمامة علي، يحسم كلّ اختلاف ويضع حداً للتفسيرات المتباينة التي استخلصتها الفرق من دلالة الحديث»([749]).

وقد مرّ البحث مفصلاً في حديث المنزلة حول طرقه وألفاظه ودلالاته، ومناسبات مجيئه، وأثبتنا دلالته على إمامة أمير المؤمنين×([750]).

3ـ السنة النبوية لا تنحصر في مصادر أهل السنة

إنّ من أهمّ أصول المناظرة هو الاحتجاج على الخصم بما يعتقده هو لا بما هو ثابت عند خصمه فقط، فكلام القفاري بأنّ النصّ على الخلافة لا أصل له ـ على فرض قبوله ـ فهو يختص بكتب أهل السنة، وهذا غير صحيح في المناظرات والمحاجات، فإنّ الشيعة لا يعتقدون أنّ ما حوته كتب أهل السنة هو ما يمثّل السنة النبوية فقط، فلديهم مصادرهم وطرقهم إلى السنة النبوية، وفيها أنّ النصّ على الإمامة والخلافة أصل أصيل ومن أساسيات عقيدتهم، فالقول بأنّ النصّ على الإمامة والخلافة لا أصل له، قول تنقصه الدقة العلمية أوّلاً، ويخالف أبسط قواعد المناظرة والمحاججة ثانياً.

 

الشبهة: لو صح أن الصحابة كتموا النص على الخلافة لكتموا الفضائل الكثيرة لعلي×

قال القفاري: >ولو كتم الصّحابة مسألة النصّ عليه لكتموا فضائل علي ومناقبه، ولم ينقلوا منها شيئاً، وهذا خلاف الواقع، فَعُلِمَ أنّه لو كان شيء من ذلك لنقل؛ لأنّ النصّ على الخلافة واقعة عظيمة، والوقائع العظيمة يجب اشتهارها جداً، فلو حصلت هذه الشهرة لعرفها المخالف والموافق، وحيث لم يصل خبر هذا النصّ إلى أحد من الفقهاء والمحدّثين علمنا أنّه كذب»([751]).

الجواب:

الصحابة لم يكتموا أحاديث النص

إنّ العديد من الصحابة لم يخفوا أو يكتموا حديث النصّ على الإمامة والخلافة بعد النبي’ فقد مرّ بنا سابقاً وذكرنا أنّ أحاديث النصّ على إمامة أمير المؤمنين× قد جاءتنا عن طريق عدد كبير من الصحابة، وأوضح شاهد على ذلك ما تقدّم في طرق وأسانيد حديث الغدير، حيث وصلنا هذا الحديث بنحو التواتر والقطع، وقد نقله لنا أكثر من مائة صحابي([752])، وكذلك حديث المنزلة الذي رواه أكثر من عشرين صحابياً وصحابية، هذا مضافاً لمواقف الكثير من الصحابة العملية الدالّة على إيمانهم بأنّ أمير المؤمنين× هو المنصوص عليه بالإمامة والخلافة، ومن أوضح هذه المواقف هو انحيازهم وجلوسهم في دار أمير المؤمنين× في حادثة السقيفة، وعدم مشاركة القوم في مراسم البيعة وتعيين الخليفة الأول، والشواهد التاريخية كثيرة على ذلك، فلا نطيل.

فالقول بأنّ الصحابة لم ينقلوا لنا النصّ على الخلافة أو كتموا هذه الحقيقة يخالف النصوص الحديثية والواقع التاريخي، نعم يوجد في الصحابة ممن كتم أحاديث النصّ على الإمامة، فدعا عليهم علي× وأصابتهم دعوته، كما ورد ذلك في حديث الغدير، عندما كتم بعض الصحابة الشهادة به حين ناشدهم علي× واستشهدهم عليه أيام خلافته، وقد جاء ذلك فيما أخرجه أحمد في مسنده عن سماك بن عبيد بن الوليد العبسي، قال: «دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى، فحدثني: أنّه شهد علياً (رضي الله عنه) في الرحبة، قال: اُنشد الله رجلاً سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وشهده يوم غدير خمّ إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من قد رآه، فقام اثنا عشر رجلاً، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه، حيث أخذ بيده، يقول: اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، فقام إلاّ ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته»([753]).

وفي اُسد الغابة: «... وكتم قوم، فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وأصابتهم آفة منهم يزيد بن وديعة، وعبد الرحمن بن مدلج»([754]).

وفي تاريخ مدينة دمشق: «وكتم قوم فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا»([755]).

قياس أحاديث النص على أحاديث الفضائل قياس مع الفارق

إنّ قول القفاري: «ولو كتم الصّحابة مسألة النصّ عليه لكتموا فضائل علي ومناقبه، ولم ينقلوا منها شيئاً» ليس صحيحاً على الإطلاق؛ لأنّ قياس أحاديث الإمامة والخلافة على أحاديث الفضائل قياس تعوزه الدقة العلمية ويدحضه الواقع التاريخي والموضوعي، فالإمامة ـ كما يعترف القفاري نفسه ـ من المسائل التي تتعلق بها مصالح الناس كلّهم، وتكتسب أهمية وحساسية كبيرة لا تخفى على ذي لب، فثبوتها لشخص بالنص والتعيين الإلهي أمر لا تدانيه فضيلة أو تضاهيه منقبة، فهي مدعاة لأن يطمع بها كلّ أحد، وغنيمة تتطاول لها الرؤوس وتهفو إليها النفوس، كما صرّح بذلك عمر بن الخطاب في يوم خيبر، حيث قال: «ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ» وذلك عندما قال النبي في حقِّ علي×: «لأعطينّ هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه» فقال عمر: «فتساورت لها رجاء أن اُدعى لها»([756]).

ويشهد لذلك أيضاً ما جرى في حادثة السقيفة، من الجدال الحادّ الذي وقع بين بعض المهاجرين والأنصار، حتى قال بعضهم: «منّا أمير ومنكم أمير» وأجابه أبو بكر قائلاً: «لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء»([757])، وقول عمر: «إن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة»([758]).

وقد تقدّم أيضاً قول الشهرستاني في الإمامة، حيث قال: «وأعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإمامة»([759]).

فبناءً على هذا كلّه لا يمكن أن تقاس أحاديث الإمامة بأحاديث الفضائل، فيقال: بما أنهم لم يكتموا أحاديث فضائل أمير المؤمنين× ـ حسب الفرض ـ فكيف يكتمون أحاديث الخلافة والإمامة لو كانت موجودة، ولكن مع هذا يمكن الادّعاء أيضاً بأنّ فضائل أمير المؤمنين× مورس بحقها الكتمان وتعرّضت لنوع من الإخفاء والحجب، وهذا ما سيتضح في المبحث القادم إن شاء الله.

تعرض الكثير من فضائل أمير المؤمنين × للتشويه والكتمان

إنّ القول بأنّ الصحابة أو غيرهم لم يكتموا فضائل أمير المؤمنين× بشكل مطلق، كما يحاول القفاري أن يثبت ذلك، لا يمكن قبوله بحال من الأحوال؛ وذلك لقيام الشواهد والقرائن التاريخية على خلافه؛ وهو أمر ليس بمستبعد على الإطلاق؛ لأنّ مجتمع الصحابة، كما يبدو لكل باحث منصف لم يكن مجتمعاً مثالياً فاضلاً متجرداً عن كلّ النوازع النفسية والبشرية من الحسد والحقد وحب الذات والسلطة، بل هو مجتمع بشري تعتريه كلّ هذه الاُمور، ولم يكن استثناء من سائر المجتمعات الاُخرى؛ لذا حصلت فيه خلافات ونزاعات وحروب وكان كبار الصحابة أطرافاً فاعلة فيها، مما أوغر صدور بعضهم على بعض، وخلّف في نفوسهم أحقاداً وضغائن كثيرة، منها ما كتموه ومنها ما لم يستطيعوا كتمانه، بل ربما وصل الحال ببعضهم أنّه لا يطيق النطق باسم بعض آخر، ولا يحبّ له الخير.

وقد نال أمير المؤمنين× النصيب الأوفر من مواقف العداء ضده؛ وذلك لما حباه الله تعالى من الكمالات والصفات التي لايتمتع بها غيره، وما قام به من جهاد وقتال في سبيل الله، وثبات على الحق؛ مما أورث الحسد والحقد في صدور الآخرين تجاه أمير المؤمنين× وهو ما أخبر به النبي’ على ما أخرجه أبو يعلى في مسنده عن علي× قال: «اعتنقني [رسول الله’] ثم أجهش باكياً، قال: قلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي، قال: قلت: يا رسول الله في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك»([760]) وقال عنه الهيثمي: «رواه أبو يعلى والبزار، وفيه الفضل بن عميرة وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات»([761]).

وأخرج البيهقي([762]) وابن عساكر([763]) والحاكم ـ واللفظ له ـ عن علي× أيضاً، قال: «قال لي رسول الله: إنّ الاُمّة ستغدر بك بعدي ...». صحّحه الحاكم ووافقه الذهبي([764]).

بل نجد أنّ بعض الصحابة كانت لا ترتاح نفسه لذكر فضائل أمير المؤمنين× أو تقبلها حتى في حياة رسول الله’ فضلاً عنه بعد وفاته’ ومنهم على سبيل المثال:

أـ أنس بن مالك

إنّ أنس بن مالك قد سجلت عليه بعض الملاحظات في تعامله مع أمير المؤمنين× يستشف منها أنّه كان لا يحمل في نفسه وداً لعلي× وهذا ما نراه في حديث الطائر المشوي حين اُهدي لرسول الله’ طائراً مشوياً فدعا الله سبحانه أن يأتي بشخص يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله ليأكل معه من هذا الطائر، فكان علي× يأتي إلى بيت رسول الله’ ويردّه أنس بن مالك، حتى تكرر ذلك ثلاث مرات إلى أن سمع رسول الله صوت أمير المؤمنين× وصاح بأنس أن ادخله، فدخل أمير المؤمنين× فقال له رسول الله: دعوتك ثلاث مرات، فقال أمير المؤمنين×: أجبت ولكن في كلّ مرة يردّني أنس، فقال لأنس: ما حملك على ما فعلت؟ قال: أردت أن يكون أحداً من الأنصار.

وحديث الطير أخرجه عدد كبير من الحفاظ والعلماء([765])، وقد روي بطرق متعددة ربما تبلغ حدّ التواتر([766])، ومنها على سبيل المثال ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن أنس بن مالك، قال: «اُهْدِيَ لرسول اللَّهِ (صلّى الله عليه وسلّم) طائر، فوضع بين يديه، فقال: اللّهم ائْتني بأَحبّ خلقك إليك يأكل معي، فجاء عليّ بن أبي طالب رضي اللَّهُ تعالى عنه، فدقّ الباب، فقلت: ذا؟ فقال: أنا عليّ: فقلت: النبي (صلّى الله عليه وسلّم) على حاجة، فرجع ثلاث مرار، كلّ ذلك يجيء، قال: فضرب الباب برجله، فدخل، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): ما حبسك؟ قال: قد جئت ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول: النبي (صلّى الله عليه وسلّم) على حاجة، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): ما حملك على ذلك؟ قلت: كنت أَردت أَن يكون رجل من قومي»([767]).

وأخرجه ابن عساكر عن أنس بن مالك «أنّ أم سليم أتت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بحجلات قد شوتهن بأضباعهن وخمرتهن، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): اللّهم ائتني باحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطائر، قال أنس: فجاء علي بن أبي طالب، فقال: استأذن لي على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقلت: هو على حاجة، وأحببت أن يجىء رجل من الأنصار، فرجع ثم عاد، فسمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) صوته، فقال: ادخل يا علي، اللّهم وال، اللّهم وال، اللّهم وال»([768]).

فأنس الذي لا تطاوعه نفسه أن يكون علي× هو من يحبّه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ولم يرد له هذه الفضيلة وإنّما أرادها لشخص آخر، هل تطاوعه نفسه أن ينقل فضيلة من فضائل علي×؟! والشاهد على ذلك أنّ أنساً هذا لم يشهد بحديث الغدير عندما ناشده أمير المؤمنين× في الرحبة متعللاً بأنه كبر ونسي؛ مما حدا بأمير المؤمنين× أن يدعو عليه، فأصابه البرص، وقد أشار إلى هذه الحادثة ابن قتيبة الدينوري في كتاب المعارف، قال: «ذكر قوم أن علياً (رضي الله عنه) سأله عن قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقال: كبرت سني ونسيت، فقال له علي (رضي الله عنه): إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة»([769]).

وقال الشيخ محمد عبده في شرح نهج البلاغة: «يعني البرص، فأصاب أنساً هذا الداء فيما بعد في وجهه، فكان لا يرى إلاّ مبرقعاً»([770]).

وأخرج البلاذري عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: «قال عليّ على المنبر: نشدت الله رجلاً سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خمّ: اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، إلاّ قام فشهد ـ وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب، وجرير بن عبد الله ـ فأعادها فلم يجبه أحد، فقال: اللّهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها، قال: فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته، فأتى السراة فمات في بيت أمّه بالسراة»([771]).

ب ـ أمّ المؤمنين عائشة:

من يقرأ التاريخ الإسلامي يتّضح له ما كان بين أمير المؤمنين× وبين السيدة عائشة من عدم الوفاق والمودّة، ولا ينحصر السبب كلّه فيما حصل في حرب الجمل من خصومة وعداء بينهما، بل يمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، فهي كانت لا تحمل في نفسها وداً له منذ أن انتقلت إلى بيت رسول الله’ حين كانت ترى احتفاء رسول الله بأمير المؤمنين واختلائه به ومناجاته له لساعات طويلة من الليل أو النهار، في الوقت الذي لا يفعل ذلك مع غيره من الصحابة، وكذلك تزويجه ابنته بعد ردّ غيره من كبار الصحابة، ثم شاء الله تعالى أن يرزق علياً وفاطمة‘ الذرية ويحرم السيدة عائشة منها، ليصبحوا أولاد علي× أولاد رسول الله’ فهذه الأسباب وغيرها أورثت في نفس السيدة عائشة الحسد والغيرة والحنق على علي× وقد كشفت عن غيرتها من علي× يوماً أمام رسول الله’ وهو ما أخرجه أحمد بن حنبل ـ واللفظ له ـ والنسائي([772]) وأبو داود([773]) والبزار([774]) عن النعمان بن بشير، قال: «استأذن أبو بكر على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد عرفت أنّ علياً أحب إليك من أبي ومني مرتين أو ثلاثاً، فاستأذن أبو بكر، فدخل فأهوى إليها، فقال: يا بنت فلانة لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([775]).

وقال ابن حجر: «وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح عن النعمان بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: والله لقد علمت أنّ علياً أحب إليك من أبي ...»([776]).

وهكذا استمرت العلاقة بينهما غير متسمة بالود، إلى أواخر حياة النبي’ حيث كانت عائشة لا تطيق حتى أن تذكر اسم علي×، بل تعبّر عنه بـ (رجل) في بعض الروايات، وذلك قبيل وفاة الرسول الأكرم’ وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم أيضاً ـ واللفظ للأول ـ بسندهما عن عائشة، قالت: «لما ثقل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض، بين عباس وبين رجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس، فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي»([777]).

وأخرج الحديث أحمد بن حنبل في مسنده([778]) وعبد الرزاق في مصنفه([779]) وابن سعد في طبقاته([780]) وزادوا فيه قوله: «ولكن عائشة لا تطيب لها نفساً بخير»([781]) وحذف هذه الزيادة ـ كما ترى ـ البخاري ومسلم وأوردها الطبري بعبارة اُخرى: «ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع»([782]). فإذا كانت لا تسمح لها نفسها أن تذكر مجرد اسم علي× فهل يا ترى يمكن لها أن تنقل لنا جميع فضائله ومزاياه التي سمعتها أو شاهدتها؟!

هذا وقد ازداد مؤشر العلاقة سوءاً بين السيدة عائشة وبين أمير المؤمنين× في أحداث معركة الجمل المريرة التي كلّفت الاُمّة الإسلامية ثمناً غالياً، وعانت كثيراً من تداعياتها ونتائجها، وكان تأثيرها شديداً في نفسية السيدة عائشة إلى الحد الذي أدّى بها أن تفصح عمّا كانت تحمله في صدرها تجاه علي× وذلك حين بلغها الخبر باستشهاده× فقالت: ‌

«فألقت عصاها واستقرّت بها النوى

 

كما قرّ عيناً بالإياب المسافر

ثم سألت: فمن ‌قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فقالت:

فإن يك نائياً فلقد نعاه

 

غلام ليس في فيه التراب

فقالت زينب بنت أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟! فقالت: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني»([783]).

فإذا كانت السيدة عائشة التي لا تخفي فرحها وسرورها بقتل علي× لا نظن أنّه يؤنسها أن تذكر فضائله ومناقبه، وهذا ما ينجلي لنا في رواية أحمد بن حنبل عن عطاء بن يسار، قال: «جاء رجل فوقع في علي وفي عمّار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة، فقالت: أمّا علي فلست قائلة لك فيه شيئاً، وأمّا عمار فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: لا يخيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما»([784]).

واستناداً إلى هذه الرواية الصحيحة، فإنّ عائشة قد كتمت فضائل أمير المؤمنين×، واكتفت بنقل فضيلة لعمار بن ياسر، بل لم تدافع عن علي× ولم تزجر هذا الذي جاء ينتقص علياً× في محضرها، ولعله قد يقال: إنّ ما حمل هذا الشخص على الوقيعة في علي× وعمّار هو ما لمسه من رضا وقبول من قبل السيدة عائشة، ولا نظنه يتجرأ على قوله هذا عند أحد آخر، ولذا اختار السيدة عائشة، فتكلّم بهذا الكلام.

وعلى العموم فإنّ فضائل أمير المؤمنين× ما كانت تلقى القبول والرضا عند السيدة عائشة، وهو ما تقرره كلّ الشواهد والأدلة التاريخية التي نقلناها والتي لم ننقلها.

ج ـ معاوية بن أبي سفيان:

إنّ موقف العداء والخصومة الذي اتخذه الصحابي معاوية بن أبي سفيان من علي× واضح لا يحتاج إلى بيان، فقد تمرّد معاوية على الخلافة الشرعية وخلع ربقة الطاعة بعد أن تمكّن من توطيد أركان دولته في الشام طوال الفترة التي قضاها عاملاً للخليفة عثمان، الأمر الذي أدّى به إلى أن يعلن الحرب الضروس على الخليفة الشرعي في واقعة صفّين التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المسلمين، فماذا نتوقع من شخص كمعاوية الذي ما انفكت دماء الحقد والضغينة ـ التي تغذيها أحقاد بدر وحنين ـ تسري في جسده؟!

هل نتوقع منه وهو من يملك السلطة والمال أن ينشر فضائل أمير المؤمنين× وينادي بها على المنابر إكراماً لهذا الصحابي الجليل زوج البتول وابن عمّ الرسول’ ورابع الخلفاء، ويكتب هذه الفضائل ويجزل العطاء لمن يأتي بفضيلة له؟ أم ننتظر منه العكس؟

إنّ التاريخ سوف يجيبنا عن هذا التساؤل، حيث نقل ابن أبي الحديد المعتزلي عن المدائني في كتابه (الأحداث) «قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي×، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيام علي×، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطرفهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم»([785]).

إنّ معاوية لم يحاول كتم فضائل علي× ومحاربتها فحسب، بل أراد أن يؤسس لسنّة مغايرة وهي سبّ أمير المؤمنين× ولعنه من على منابر المسلمين، ولمدة طويلة حتى تترسخ في أذهان الاُمّة الإسلامية، ولم يسلم من هذه الأوامر الصارمة حتى كبار الصحابة ممن ملأت أسماعهم فضائل علي×، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلن أسبّه، لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلى من حمر النعم: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، يقول له خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي علياً فأتي به أرمد فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} دعا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهم هؤلاء أهلي»([786]).

إنّ هذه السنة السيئة التي سنّها معاوية بن أبي سفيان فتحت الباب واسعاً لمسلسل المصائب والنوائب التي جرت على أهل البيت^، وشيعتهم ومحبيهم من قبل بني أمية وأجهزتهم القمعية، قال القرطبي: «فقد صدر عنهم [بني أمية] من قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وسبيهم وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة وبمكة وغيرهما، وغير خاف ما صدر عن الحجاج وسليمان بن عبد الملك وولده، من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك، وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخرّبوا ديارهم وجحدوا شرفهم واستباحوا لعنهم وشتمهم، فخالفوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في وصيته وقابلوه بنقيض قصده وأمنيته، فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه»([787]).

فهذه الخطوات التي أقدم عليها الصحابي معاوية وبنو أمية من بعده ضد أهل البيت^ خلقت أجواءً مناسبةً لبروز متبنيات فكرية معادية لفضائل أهل البيت^ وجدت طريقها إلى علوم الحديث، فأصبحت رواية فضائل أهل الببت^ والتشيع لهم منقصة يجرح بها الراوي ويردّ حديثه([788])، بينما تكون معاداتهم وسبّهم من علائم الصدق والتمسك باُمور الديانة([789])!

د ـ عدد آخر من الصحابة:

ثم إنّه لايمكن إنكار أن هناك تياراً من الصحابة والتابعين ممن انحرف عن أمير المؤمنين× وأبغضه وسبّه وناصب له العداء وحاربه وكتم فضائله، وهم عدد ليس بالقليل، قال ابن تيمية: «إن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه»([790]).

لذا أفرد بعض المحدثين أبواباً في كتبهم، كالهيثمي في مجمع الزوائد الذي عنونه: (باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه) ذكر فيه بعض من كان يبغض علياً×، منهم بريدة بن الحصيب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن شاس الأسلمي.

وأعدّ ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة فصلاً بعنوان: (فصل في ذكر المنحرفين عن علي)، قال فيه: «وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أنّ عدة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن علي×، قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلاً مع الدنيا، وإيثاراً للعاجلة، فمنهم أنس بن مالك»([791])، وذكر موقفه في مسألة المناشدة في يوم الرحبة الذي تقدمت الإشارة إليه، وبعدها أخذ يضرب ابن أبي الحديد بعض الأمثلة من الصحابة والتابعين ممن انحرف عن علي× فذكر منهم: الأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد الله الجبلي، وأبا مسعود الأنصاري، وكعب الأحبار، والنعمان بن بشير، وعمران بن الحصين، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن الزبير، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وأبا الأعور، والضحاك بن قيس، وبسر بن أرطاة، وحبيب بن مسلمة، وأبا موسى الأشعري، ومروان بن الحكم([792])، وغيرهم كثير.

بل لم يكتف بعض هؤلاء الصحابة ببغض علي× وكتمان فضائله، وإنما سعوا إلى الحطّ من مكانة أمير المؤمنين× وتنقيصه، وإسقاطه من عين رسول الله، وهو ما بدا واضحاً في مسألة الجارية التي أخذها علي× من سبي اليمن، فقد أخرج الطبراني في الأوسط بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، قال: «بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعلي على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة، فقال: اغتنمها، فأخبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) بما صنع، فقدمت المدينة، ودخلت المسجد، ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في منزله وناس من أصحابه على بابه، فقالوا ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قالوا: فأخبره، فإنّه يسقطه من عين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يسمع الكلام، فخرج مغضباً وقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من ينتقص علياً فقد انتقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم»([793]).

فلا يصحّ بعد هذا ما ادّعاه القفاري من أن الصحابة لم يكتموا فضائل علي× فكيف لهم أن يكتموا أحاديث النصّ على الخلافة، فإنّه كلام ليس بدقيق.

نعم، نحن لاننكر أنّ بعض هؤلاء الصحابة الذين ذكرناهم قد نقل بعض فضائل أمير المؤمنين× وقد أفرد لها بعض علماء أهل السنة مصنفات مستقلة، حتى قال ابن الجوزي الحنبلي في كتابه مناقب أحمد بن حنبل عن عبد الله، يقول: «سمعت أبي يقول: ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي (رضي الله عنه)»([794]).

وقال الحافظ ابن عبد البرّ: «وقال أحمد بن حنبل، وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب، وكذلك قال أحمد بن شعيب بن علي النسائي رحمه الله»([795]).

إلاّ أننا نظن مع ذلك أن ما ورد في كتب أهل السنة هو غيض من فيض فضائله ومناقبه التي كانت فوق حدّ الإحصاء، على أنّ كثيراً من هذه الفضائل التي نقلت إما ضعّفت أسانيدها، أو غيّرت دلالاتها، أو أفقدوها اختصاصها به؛ وذلك بجعل فضائل مشابهة لها في غيره من الصحابة.

وعلى كلّ حال فإنّ ما أفاده القفاري من أنّ الصحابة لم يكتموا فضائل أمير المؤمنين× لا يمكننا قبوله على إطلاقه لما عرفت.


الشبهة: القول بكتمان الصحابة للنص يستلزم سلب الثقة عن بقية امور الدين

قال القفاري: «ثالثاً: إنّ الإمامة من المفترضات التي تتعلق بها مصالح الناس كلّهم، فإذا قيل فيها: إن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) نصّ على أحد بعينه، والصحابة غيّروا وبدّلوا، أمكن حينئذ لكل ملحد أن يقول: إن الصلوات الخمس كانت عشراً وإنما الصحابة كتموها وجعلوها خمساً بأهوائهم، وهكذا إذا ادّعى مدع تغيير ما نصّ عليه النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أمكن ذلك في جميع الفرائض ويتعدّى ذلك إلى أن لا يحصل الثقة بشيء من اُمور الدين أصلاً»([796]).

الجواب عن الشبهة

الصحابة لم يكتموا النص على الإمامة

أولاً: إن هذه الشبهة كغيرها من شبهات القفاري تستند على أسس وركائز خاطئة، فتنتهي بطبيعة الحال إلى نتائج غير صحيحة، فالقفاري اعتمد في هذه الشبهة وبعض شبهات النصّ على مسألة أن الشيعة تعتقد أن الصحابة كتموا النصّ على الخلافة وأخفوه، ولم يمتثلوا أمر رسول الله’ فيه، وبنى على ذلك شبهته والحال أننا بينّا مراراً أن النصّ على إمامة أمير المؤمنين× قد وصلنا بطرق متعددة ومناسبات مختلفة تقدّم الكلام عنها مفصّلاً، فينهدم بذلك من الأساس ما ادّعاه القفاري هنا من أن القول بكتمان الصحابة للنص سيؤدي إلى انعدام الثقة بكل اُمور الدين؛ لأنّه لا وجود للقول بأنّ جميع الصحابة كتموا وأخفوا أحاديث النصّ على الإمامة والخلافة، كيف والشيعة تستدل بالنص على علي×؟! وقد أجاب السيد المرتضى& عمّا ذكره القاضي عبد الجبار في هذا الخصوص بأنّا لانذهب إلى أنّ جميع الصحابة قد كتموا النصّ، فقال: «وكيف يتوهم علينا مثله، ونحن نحاج خصومنا بنقلنا للنص، ونلزمهم أن يتأملوه ويستدلوا على صحّته ليعلموا من النصّ ما علمناه»([797]).

أحاديث الإمامة لا تقاس بأحاديث العبادات

ثانياً: إن الاُمور التي اعتمدها القفاري في إلقاء هذه الشبهة وغيرها هو قياسه أحاديث الإمامة والخلافة على غيرها من أحاديث العبادات والأحكام الشرعية الاُخرى، بمعنى: أنك لو قلت بأنّ الصحابة أخفوا وكتموا أحاديث جاءت عن رسول الله’ في الإمامة والخلافة فإن الملحد والمشرك سيقول: ما المانع إذن من أن يكتم الصحابة أحاديث اُخرى في العبادات والمعاملات، فلعلّ الحديث دالّ على أن الصلوات مثلاً كانت عشراً، ولكن الصحابة ارتأوا بأهوائهم أن تكون خمساً وهكذا بقية اُمور الدين.

نقول: هذا القياس من القفاري قياس باطل وغير تامّ؛ لوجود الفارق الكبير بين الإمامة والخلافة من جهة، وبين الصلاة وغيرها من العبادات من جهة اُخرى؛ وذلك لأنّ الإمامة والخلافة من الاُمور التي تهمّ المسلمين كجماعة، وتتعلق بها مصالح الناس كلّهم ـ كما اعترف بذلك القفاري نفسه في كلامه ـ ولذا تجد أشدّ الصراعات والاختلافات كانت تدور حول الإمامة والخلافة، كما أشرنا إلى ذلك مراراً، بينما لا نجد أن ذلك قد حصل بالنسبة إلى الصلاة أو غيرها من العبادات الفردية التي لا تتعلق بمصالح الناس كجماعة، بحيث تؤثر على كيانهم وطبيعة حياتهم ومعيشتهم.

وهذا الفرق الواضح بين الأمرين يجعل الملحد وغيره يفرّق بين المسألتين، فيمكن أن يقبل أن الصحابة كتموا أو بدّلوا أحاديث الخلافة، وفي الوقت نفسه لم يغيّروا أو يبدّلوا أحاديث الصلاة أو غيرها من العبادات؛ لوجود المسوّغ والمبرر العقلائي لذلك، فإن أحاديث الإمامة والخلافة تعني الرئاسة والقيادة وهي مطمح كلّ إنسان، والنفوس تتطلع إلى نيلها والفوز بها، وما يشهد لذلك قول عمر بن الخطاب في يوم خيبر: «ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، قال: فتساورت لها رجاء أن ادعى لها»([798]) وقول أبي بكر بعد أن قرر تسليم مقاليد الخلافة لعمر بن الخطاب: «جعلت لكم عهداً من بعدي واخترت لكم خيركم في نفسي، فكلكم ورم لذلك أنفه([799])؛ رجاء أن يكون الأمر له»([800]).

فلا ملازمة حينئذٍ بين القول بكتمان الصحابة للنصّ على الإمامة ـ على فرض وجوده ـ وبين سلب الثقة عن اُمور الدين كما أراد القفاري أن يصوّر ذلك.

بعض ملازمات الكلام لا تمنع من قول الحقيقة

ثالثاً: إنّه لا يكاد أن يخلو كلام أو بيان لحقيقة ما من أن يساء الاستفادة منه ومن لوازمه، فحتى كلام الله سبحانه يمكن لبعضٍ أن يستفيد من اُموراً مخالفة، فمن قوله تعالى: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}([801]) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}([802]) وغيرها من الآيات يمكن للملحد أو المشرك أن يستفيد منها أن المسلمين لديهم صفات سيئة، وأن القرآن يذمهم و..

فهل يمنع ذلك الله سبحانه وتعالى من أن لا يبيّن هذه الحقائق خشية من هذه الاستفادات؟! إن هذا مما لا يقول به عاقل، لإنّه سوف يؤدي إلى انسداد باب المحاورات العرفية، وبيان الحقائق وإيصال المعلومات.

وما نحن فيه من هذا القبيل فلو فرض أن هناك كتماناً لأحاديث النصّ على الخلافة فهل يجب علينا أن لا نبيّن هذه الحقيقة؛ خوفاً من أن يساء الاستفادة منها من قبل الملحدين وغيرهم؟!

ثم متى كان الملحد أو المشرك يثق بشيء من اُمور الدين حتى يخشى القفاري أنّه لا يثق بأنّ الصلاة كانت خمساً؟! ومتى كنّا نعير اهتماماً لأحكام الملحدين وقناعاتهم بعد أن كفروا بما أنزل الله تعالى حتى نتوخّى الحذر من أن نقول شيئاً يؤدّي إلى أن لا يثقوا باُمور الدين؟! إن هذا لأمر عجيب!

ثم إنّه يقال: إن كتمان أحاديث الخلافةـ على فرض صحّته ـ ليس هو أول قارورة كسرت في الإسلام حتى يجعله القفاري سبباً لعدم حصول الثقة باُمور الدين؟! ألا تكون الاختلافات التي عصفت بالاُمّة الإسلامية بُعيد وفاة النبي’ وتشتت كلمتها وتشرذمها إلى فرق ومذاهب كلّ يدعي أنّه على الحق([803])، وأنه على ما عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ألا تكون تلك الخلافات سبباً في سلب الثقة عن اُمور الدين؟! فإن كلّ مذهب وفرقة من هذه الفرق يستدلّ على ما ذهب إليه بأحاديث يرويها عن النبي’، بل حتى المسائل التي كان النبي’ يكررها كلّ يوم أمام الناس مرات عديدة كالوضوء والصلاة قد اختلفوا فيها.

فعلى القفاري أولاً أن يرفع كلّ هذه الاختلافات بين المسلمين ليحافظ على ثقة الملحدين والمشركين بالتعاليم الإسلامية!! ثم بعد ذلك ليطالب الشيعة بالتخلي عن القول بالنصّ على الإمامة والخلافة حفاظاً على ثقة المسلمين باُمور الدين!!


التغيير والتضييع طال حتى الصلاة

رابعاً: إنّ الصلاة التي خشي القفاري عليها من أن يكذّب الملحدون بعددها ويتهموا الصحابة بتغييرها، والتي كان المسلمون يؤدونها مرات عديدة في اليوم، هناك شواهد عديدة وفي كتب أهل السنة تؤكّد أنها قد طالها التغيير والتبديل، سواء في زمن الصحابة أم زمن التابعين، فقد أخرج البخاري عن أنس، قال: «ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قيل: الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها؟!»([804]).

وأخرج أيضاً بسنده عن الزهري، قال: «دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيّعت»([805]).

وأخرج ابن ماجه في سننه عن أبي موسى، قال: «صلّى بنا علي يوم الجمل صلاة ذكّرنا صلاة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فإما أن نكون نسيناها، وإمّا أن نكون تركناها، فسلّم على يمينه وعلى شماله»([806]).

وروى مالك بن أنس عن «عمّه أبي سهل بن مالك عن أبيه أنّه قال: ما أعرف شيئاً مما أدركت الناس عليه، قال الباجي: يريد الصحابة، إلاّ النداء بالصلاة، قال الباجي: يريد أنّه باق على ما كان عليه لم يدخله تغيير ولا تبديل، بخلاف الصلاة فقد اُخّرت عن أوقاتها، وسائر الأعمال دخلها التغيير»([807]).

وروى الشافعي في كتابه الأمّ: «عن وهب بن كيسان، قال: رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: كلّ سنن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قد غيرت حتى الصلاة»([808]).

فهذه الشواهد وغيرها والمذكورة في المصادر السنية المعتبرة تؤيد أن هذه الصلاة نفسها التي تعدّ أبرز شعار وعنوان للمسلم، قد طرأ عليها تغيير وتبديل منذ الصدر الأول للإسلام، ألا يعتبر هذا سبباً لعدم حصول الثقة بباقي اُمور الدين التي ليست بمستوى الصلاة من ناحية الأهمية والممارسة؟!

والأغرب من ورود هذه الشواهد في كتب أهل السنة هو توجيههم وتبريرهم لها، فقد فسّروا تضييع الصلاة بتأخيرها عن وقتها؛ فلذا أدرج البخاري هذه الأحاديث في باب تضييع الصلاة عن وقتها، قال ابن حجر في شرحه لحديث أنس بن مالك الذي أخرجه البخاري: «والمراد أنّه لا يعرف شيئاً موجوداً من الطاعات معمولاً به على وجهه غير الصلاة، قوله: (وهذه الصلاة قد ضيعت) قال المهلّب: والمراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب، لا أنهم أخرجوها عن الوقت، كذا قال وتبعه جماعة، وهو مع عدم مطابقته للترجمة مخالف للواقع، فقد صحّ أنّ الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها»([809]).

ولكن المتأمّل المنصف في هذه الأحاديث يرى أن هذه التوجيهات بعيدة كلّ البعد عن مغزى هذه الشواهد التي تفيد بوضوح أن أحكام الدين التي كانت في زمن رسول الله’ ومنها الصلاة قد تبدلت وحرّفت وضيعت، وتأخيرها عن وقتها لا يسمّى تضييعاً.

ثم إن بكاء أنس بالشام لا يكون إلاّ لأمر عظيم جليل، وهو تحريف أحكام الدين، والعبث بشريعة سيد المرسلين، وأمّا تأخير الولاة أو الخلفاء للصلاة، فإنّه لا يستدعي منه كلّ ذلك، خصوصاً وهو يرى منهم الظلم والفسق والفجور والمجون، ولم يبك لشيء من ذلك، فكيف يبكي لتأخير الصلاة عن وقتها؟!

الشبهة: دعوى النص على علي × كدعوى النص على العباس

قال القفاري: «إنّ قول الروافض بالنص على علي كقول من يزعم النصّ على العباس، فإن قالوا: ليس النصّ على العباس بصحيح، قيل: ولا النصّ على علي صحيح، وبإبطالهم النصّ على العباس يبطل النصّ على علي؛ لأنّ الكل لم يرد به نص صحيح صريح»([810]).

وقال: «وهناك فرق شيعية كثيرة تنازع الروافض في النصّ على الكثير ممن تدعي إمامته، حتى ينازعها في إمامها الثاني عشر عشرون فرقة، والكل يزعم بطلان نص الآخر»([811]).

وقال أيضاً: «والنص في اللغة مأخوذ من المنصة، وهي الظاهر على الفرس لظهوره، فأين ظهور النصّ، ولو كان لذلك أصل لظهر واشتهر ونقل وتداولته الألسنة»([812]).

بيان الشبهة

إنّ دعوى الشيعة وجود النصّ على أمير المؤمنين× مساوية تماماً لدعوى طائفة اُخرى قد ادّعت النصّ على العباس عمّ النبي’ فإن قيل في ترجيح النصّ على أمير المؤمنين× إنّ النصّ على العباس غير صحيح، كان الجواب إنّ النصّ على أمير المؤمنين× أيضاً غير صحيح؛ إذ كلتا الدعويين متساويتان في عدم وجود نص صحيح صريح عليهما، أضف إلى ذلك أن التنازع على الإمامة لم يقتصر عندهم على علي× بل شمل الكثير ممن ادّعوا إمامتهم، فالمهدي قد اختلفت فيه عشرون فرقة وكل منها يزعم أن غيره على باطل.

الجواب:

تعتمد الشبهة على دعوى أنّ النصّ على العباس مساوٍ في قيمته السندية والدلالية للنص على أمير المؤمنين×.

ويجاب عن ذلك بأمرين:

أولاًً: النص على العباس لا واقع له

إنّ النصّ على العباس لا قيمة علمية له وذلك لأسباب، منها:

1ـ لا وجود أساساً للنص على خلافة وإمامة العباس، لا مسنداً ولا مرسلاً، سوى حديثين أوردهما ابن الجوزي في الموضوعات: الأول: بسنده عن المنصور أبي جعفر، عن أبيه، عن جده، عن النبي’، أنّه قال: «العباس وصيي ووارثي»([813]).

 والثاني: أخرجه بسنده عن محمد بن الضوء بن الصلصل بن الدلهمس، عن أبيه، عن جده، قال: «كنا عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فطلع عباس بن عبد المطلب، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): هذا العباس بن عبد المطلب أبي وعمي ووصيي ووارثي»([814]).

والحديثان حكم عليهما ابن الجوزي بالوضع، قال: «هذا الحديث لا يصحّ، وضعه قوم ليقابلوا ما وضع لعلي× وكلا الحديثين باطل»([815])، ولذا تجد القفاري لم يشر هنا إلى أي نصّ من نصوص الإمامة على العباس.

يذكر لنا التاريخ فرقة تدعى (الراوندية)، ادعت النصّ على العباس([816])، وخصوا الإمامة في ولده من بين بطون قريش كلّها، وقد ظهر هذا القول في زمن المنصور والمهدي([817])، وقام الجاحظ بمناصرتهم وألّف رسالة سماها (العباسية)، وقد انقرضت هذه الفرقة من دون أن يبقى منها أثر ولا للنص الذي ادعته([818]).

3ـ إنّ العباس لم يطلب الخلافة لنفسه بعد النبي’؛ لعدم وجود النصّ عليه، بل إنّه كان قد طلب من أمير المؤمنين× أن يبايعه بعد وفاة رسول الله’، حيث ورد في التاريخ أنّه لما قبض رسول الله’ قال العباس لعلي×: «ابسط يدك أبايعك، فيقال عمّ رسول الله بايع ابن عمّ رسول الله ويبايعك أهل بيتك»([819]) ولم يستدل القائلون بإمامة العباس بأي نصّ وإنما، استدلوا على إمامته بالوراثة([820])، ولو كان لهذا النصّ وجود لتمسّك به بنو العباس في صراعهم المرير مع بني أمية، ولو فرض جدلاً وجود النصّ، فمن الواضح أنّه قد وضع لخدمة سياسة بني العباس ودعماً لحكمهم([821]).

ثانياً: وضوح النصّ وصراحته على إمامة أمير المؤمنين ×

تقدّم منا الكلام حول النصوص الشرعية على إمامة أمير المؤمنين× من الكتاب والسنة، كآية الولاية وحديث الغدير وحديث المنزلة وغيرها، وكل ذلك من طرق أهل السنة ووفق مبانيهم في قبول الحديث واعتباره، فأين هذا من الدعاوى الفارغة في أن هناك نصّاً من رسول الله| على خلافة العباس حتى تعارض تلك الأدلة الصريحة والواضحة.

ونفس الكلام الآنف الذكر يردّ على القول بوجود تعارض بين النصّ على الأئمة الاثني عشر^ من جهة، وبين النصوص التي تدّعيها فرق الشيعة، فإن مجرد الاختلاف في المضمون بين نصين لا يكفي لحدوث المعارضة بينهما وتساقطهما، بل لابدّ من دراسة قيمة كلا النصين لتتضح صلاحيتهما للتعارض وبالتالي التساقط، خاصة وأن معظم هذه الفرق الشيعية قد بادت وانتهت ولم يبق منها إلاّ أخبار مذكورة في كتب التاريخ، مما يدلّ على بطلان تلك العقائد والنصوص التي تدّعيها.

وأمّا ما أشار إليه من وجود عشرين فرقة تنازع الشيعة في المهدي، فهو ليس دقيقاً، فإن العدد أقل من ذلك([822]).

وأمّا قوله: «والنص في اللغة مأخوذ من المنصة، وهي الظاهر على الفرس لظهوره ...»، فإننا نقول: إن النصّ على أمير المؤمنين× قد بان وظهر واشتهر وتناقلته كتب الفريقين، وقد نقلنا شطراً من طرقه وأسانيده، ولا يوجد مطلب جديد في كلامه هذا سوى كثرة التشويش والتطويل بلا طائل.

الشبهة: لو نص النبي’على علي× لظهر كنص أبي بكر على عمر

قال القفاري في الاستدلال بالاُمور المعلومة والمتفق عليها ـ على حدّ زعمه ـ في مسألة النصّ: «خامساً: إنا رأينا أبا بكر حيث نصّ على عمر ما اختلف فيه اثنان، ولا وقع في ذلك خفاء، وكذلك حيث نصّ عمر على ستة أنفس من قريش ظهر ذلك عنهم ظهوراً لا يسع جحده، ولا يمكن ردّه، ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أفضل، ومبادرة الخلق إلى امتثال أمره أكثر، وتشوق النفوس إلى نقل ما صدر عنه أعظم، فمن المحال البيّن أن ينصّ أبو بكر على واحد ولا يقع خلاف فيمن استخلفه، ولا أمكن أحد أن يكتمه، وكذلك عمر، بل معاوية حيث نصّ على يزيد، اشتهر ذلك ونقل عنه اشتهاراً ظاهراً متواتراً لا نزاع فيه ولا مراء، فكيف نقل نصّ معاوية، وكتم نصّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وما نقله أحد، باعتراف الشيعة الذين يقرّون بأنّ مسألة الولاية وأحاديثها سرّ من أسرارهم؟!»([823]).

أساسيات الشبهة

اعتمدت الشبهة على ما يلي:

أولاً: لقد كان رسول الله’ يتمتّع بمكانة عظيمة بين المسلمين، بحيث كانوا لا يترددون في امتثال أي أمر يصدر منه، كما كانوا حريصين على حفظ أحاديثه وأقواله ونقلها حرفياً من دون زيادة أو نقيصة، فبعد كلّ ذلك كيف يمكننا أن نصدّق أن رسول الله’ قد نصّ على أمير المؤمنين× ثم قام الصحابة بكتمان نصّه وعدم نقله؟!.

ثانياً: أنّ أبا بكر حينما نصّ في زمن خلافته على عمر كخليفة من بعده، قام الصحابة بتلقّيه والحفاظ عليه ونقله بحيث اشتهر وتواتر، وهكذا الأمر بالنسبة إلى عمر ونصّه على الستة، وأيضاً نصّ معاوية على يزيد، فإنّ هذه النصوص قد تواترت واشتهرت.

ثالثاً: من غير المعقول أن يُنقل نصّ أبي بكر على عمر، ونص عمر على الستة، ونص معاوية على يزيد، وتشتهر كلّ تلك النصوص، بينما يكتم نصّ رسول الله’ على أمير المؤمنين× ولا ينقله أحد.

الجواب:

أولاً: النص على علي واضح ومشهور

لم يكن النصّ على علي× غير واضح وغير مشهور، بل كان النصّ واضحاً ومشهوراً، كيف لا يكون كذلك وقد بلّغه النبي|لأكثر من مائة ألف صحابي في يوم الغدير، وقد رواه أكثر من مائة من الصحابة([824])، بالإضافة إلى النصوص الاُخرى الدالة على الإمامة التي قالها| في مناسبات عديدة، كما أنّ الأصحاب لم يكتم جميعهم النصّ كما بيّنا.


ثانياً: الذين يحفظون التراث هم الأجيال اللاحقة لا السابقة

إنّ المطالع لسيرة التاريخ على طوله يجد أنّ الذين يحفظون التراث ويكتبون التاريخ هم الأجيال اللاحقة لا السابقة، فإن الآباء يصنعون التاريخ والأبناء يدوّنونه، وبذلك يمكن للأبناء أن يدونوا التاريخ كما يحلوا لهم، وأن يزيدوا فيه وينقصوا منه ما يشاؤون، مهما بلغ سلفهم من عظمة الشخصية وهيمنتها، فهذا موسى× على عظمته لم يسلم تاريخه من تحريف وتبديل ما، فإن وجدنا أن تاريخ السلف قد تمّ حفظه وتدوينه بصورة أمينة فهو ناشئ من اعتبار أنّ هذا التاريخ يصبّ في فائدة الخلف، فلو وجدنا أنّ نصّ أبي بكر قد اشتهر، فإن هذه الشهرة وعدم الكتمان ليست بسبب أنّ صاحب هذا النصّ هو أبو بكر حتى يقال: لماذا لم يُكتَم نصّ أبي بكر، لأنّ عدم الكتمان جاء بسبب أنّ الذي نصّ عليه أبو بكر هو عمر بن الخطاب، وهو الذي استلم الخلافة بعد أبي بكر، فالنصّ يصبّ في مصلحته، فلذا قام بتوثيقه وحفظه، ولكن لو افترضنا أن أبا بكر نصّ على عمر في حياته، وبعد موته جاء شخص آخر ونحّى عمر بالقوة عن منصبه، مما اضطر الأخير إلى الجلوس في داره، لوجدنا أن نص أبي بكر على عمر قد صار في خبر كان، ولم نكن نتمكن من العثور عليه إلاّ في بعض المراجع التاريخية الضعيفة.

وهكذا لو افترضنا أنّ رسول الله’ نصّ على أمير المؤمنين× في حياته، وبعد موته جاء أبو بكر ونحّى علياً× بالقوة من منصبه مما اضطره× إلى الجلوس في داره، فمن الطبيعي أن تتم محاولة تضييع النصّ وطمس معالمه، وهكذا لو كتب للسلالة الزبيرية البقاء بعد عبد الله بن الزبير وتمكّنت من فرض هيمنتها على البلاد الإسلامية والقضاء على السلالة الأموية، لما وجدنا ذكراً لنصّ معاوية على يزيد إلاّ في متفرقات الكتب، فالذي حفظ نص معاوية على يزيد هم الأمويون الذين خلفوه، وهذا الأمر واضح لمن يطالع التاريخ السياسي للحكومات المتعاقبة وما تقوم به من تقوية أركان سلطتها، وإزالة كلّ ما يهددها.

إذن لا عجب أن يحصل نوع من التشويش والخفاء بنسبة معيّنة في النصّ على أمير المؤمنين× في الكتب الخاصة بأهل السنة؛ لأنّ نقل هذا النصّ لا يصب في صالح السلطة آنذاك؛ ولذا شاهدنا الحرب الشعواء التي شنّها بنو أمية لإخفاء النصّ على أمير المؤمنين× واستنكار فضائله، فقد شحنوا الأجواء إلى حدّ كان الصحابة وكبار المحدثين يتّقون الناس والسلطة، ولا ينقلون النصّ على أمير المؤمنين× أو فضائله، وإذا كانوا يقدمون على شيء من ذلك، فقد كانوا يواجهون قمعاً وتنكيلاً قد يودي في بعض الأحيان بحياتهم.

فقد روى الحاكم في المستدرك عن مالك بن دينار، قال: «سألت سعيد بن جبير، فقلت: يا أبا عبد الله، من كان حامل راية رسول الله’؟ قال: فنظر إليّ وقال: كأنك رخي البال، فغضبت وشكوته إخوانه من القرّاء، فقلت: ألا تعجبون من سعيد، إني سألته من كان حامل راية رسول الله’ فنظر إلي وقال: إنك لرخي البال، قالوا: إنّك سألته وهو خائف من الحجاج، وقد لاذ بالبيت فسله الآن، فسألته، فقال: كان حاملها علي (رضي الله عنه)، هكذا سمعته من عبد الله بن عباس، هذا حديث صحيح ولم يخرجاه»([825]).

ولكن مع كلّ ذلك نرى أنّه قد حُفظ لنا النصّ على أمير المؤمنين×، وهو ما يبعث على العجب مع كلّ ما واجهه هذا النصّ وصاحبه× من محاولات طمس وتغييب على مدى قرون مديدة.

ثالثاً: ذكر القفاري أن نص النبي’ على أمير المؤمنين× غير موجود، واستدل على ذلك بعدم وجود النصّ، وقال: «كيف يحفظ نص أبي بكر على عمر ويضيع نص رسول الله على أمير المؤمنين×» واستشهد على ذلك بما تعترف به الشيعة ـ حسب تصوّره ـ من أن مسألة الولاية وأحاديثها سرّ من أسرارهم، ولكن هذا الاستشهاد لا ينفع القفاري، فإن فيه اعترافاً ضمنياً بوجود النصّ، سوى أنّه قد تمّ إخفاؤه؛ لأنّه من الأسرار وخفاء الشيء لا يعني عدم وجوده، بل يعني أنّه موجود لكنّه خفيّ، وعلى أي حال فشبهة كون الولاية من الأسرار قد تقدمت الإجابة عليها، فلا مبرر لإعادة الجواب([826]).


الشبهة: كيف يقبل المسلمون  أمر أبي بكر في عمر ولا يقبلون أمر النبي’ في علي×؟

وتابع القفاري شبهاته في مسألة النصّ قائلاً: «سادساً: كيف يقبل المهاجرون والأنصار والمسلمون جميعاً أمر أبي بكر في عمر حين استخلفه، ولم يختلف اثنان على إمامة عمر، ولا يقبلون أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في علي ...»([827]).

الجواب:

المهاجرون والأنصار لا يشكون أن علياً × هو صاحب الأمر

نقول للقفاري: إنّ المهاجرين والأنصار كانوا لا يشكّون في أنّ علياً× هو صاحب الأمر، وهو المنصوص عليه من قبل رسول الله’ وهذا ما نجده جليّاً فيما رواه الزبير بن بكار([828]) عن محمد بن إسحاق، قال: «وكان عامة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ علياً هو صاحب الأمر بعد رسول الله»([829])، وهو ما قد يستشفّ من قول الأنصار الذي نقله الطبري وابن الأثير: «فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلاّ علياً»([830]).

ندم الأنصار على بيعة أبي بكر وهتافهم باسم علي ×

ومما يدلّ على أن الصحابة كانوا يعلمون بأنّ علياً هو صاحب الأمر هو أنّ بعضاً منهم أبدى أسفه وندمه على بيعة أبي بكر ولام بعضهم بعضاً على عدم بيعته علياً× وهتف باسمه، ففي الأخبار الموفقيات أنّه قال: «لما بويع أبو بكر واستقرّ أمره ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته ولام بعضهم بعضاً وذكروا علي بن أبي طالب وهتفوا باسمه»([831]).

إذن نستكشف من هذه النصوص أن المهاجرين والأنصار لم يرفضوا ولاية علي× وإمارته ولكنّ هناك أحداثاً غيّرت مجرى الاُمور لم يكشف النقاب عنها الدكتور القفاري، وياليته نقل بعضاً منها حتى ينصف التأريخ ونصل إلى الحقيقة التي غُيّبت طوال هذه السنين وغبن فيها صاحب الحق الشرعي.

فلماذا لم يبايع علي× إلاّ بعد ستة أشهر، كما يروي البخاري في صحيحه؟ ولماذا كان الأنصار لا يشكّون في ولايته؟ فماذا جرى وكيف نُحِّي× عن أمر كان محلّ وفاق واتفاق بينهم، وهذا الاتفاق لم يأت من فراغ، بل هو اتفاق يكشف عن وجود النصّ عليه× ولكن الاُمّة تركته ولم تلتزم به لأسباب تمّ التعتيم عليها؛ لذا نجد أنّ الصحابة يلوم بعضهم بعضاً؛ لأنهم تركوا واجباً لم يلتزموا به، فجرت الاُمور بغير الوجهة الصحيحة التي رسمها لهم رسول الله’ والمخالفات لم تقتصر على ولاية علي× بل طالت أكثر من قضية، كما سيأتي بيانه مفصلاً.

الشبهة: لا يحتمل عقلا أن يكون المسلمون أطوع لنص أبي بكر من نص رسول الله

قال القفاري: «فهل صار المسلمون أطوع لأبي بكر من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟! كيف يحتمل عقل عاقل، أو يشتبه على برّ أو فاجر ـ إلاّ من أراد الله فتنته ـ أنّ المهاجرين والأنصار وجميع التابعين لهم بإحسان علموا أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قد نصّ على علي بن أبي طالب، وأمرهم أن يوالوه فعصوه وتركوا أمر الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وأمرهم أبو بكر أن يولّوا عمر بن الخطاب فاتّبعوه وأطاعوه ...»([832]).

الجواب:

استند القفاري في بثّ شبهته هذه على ركيزتين أساسيتين: الاُولى هي أنّ جميع الصحابة لا يمكن أن يعصوا أمراً سمعوه من رسول الله’ فكيف يعصون نصّه على الإمامة لو كان موجوداً؟! والثانية أنّ جميع الصحابة أيضاً أطاعوا أبا بكر في نصّه على عمر ولم يخالف في ذلك أحد، فلذا بنى استغرابه على أنّ الصحابة كيف عصوا رسول الله في نصّه ولم يعصوا أبا بكر في نصّه، ونحن سنبيّن أنّ كلا الركيزتين اللتين استند إليهما القفاري منقوضتان، فنقول:

أولاً: كثير من الصحابة خالفوا رسول الله ’ وعصوا أوامره

إنّ التاريخ وكتب الحديث تحدثنا بأنّ هناك مخالفات ارتكبت ولم يمتثل الصحابة والقريبون من عصر الرسالة الأوامر الإلهية المتمثّلة ببيانات النبي الأكرم’، لذا تعجّبُ القفاري في أنّه كيف يمكن أن يطيعوا أبا بكر ولا يطيعوا الرسول| تعجّبٌ في غير محله.

والعقل الذي يتحدث عنه القفاري ويجعله دليلاً على صحة معتقده لا حضور له هنا؛ لأننا عندما نذكر له هذه المخالفات لا يبقى مجال لما جزم به، لا سيما أن هذه المخالفات كان بعضها لرسول الله’ وعدم إطاعة أوامره في أكثر من حدث وموطن، وللأسف كانت هذه المخالفات في اُخريات حياته الكريمة في الوقت يفترض فيه أن الاُمّة قد استوعبت مفاهيم الرسالة وتجذّر الإسلام في أعماقها وأخذ موقعه من قلوب المسلمين، وعلموا مقدار طاعة الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.

لذا سنتكلم حول هذا الموضوع بشيء من التفصيل لأهميته ولإقناع الآخرين بأنّ هذه المخالفات لها واقعية ولا يمكن أن نتجاوزها، ولأنها تمثّل الردّ على كثير من الشبهات التي تناولها القفاري.

مخالفة الصحابة في كتابة الوصية

لعل واحدة من أهم المخالفات التي حدثت هي حادثة رزية الخميس المشهورة التي أخرجها البخاري بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أنّه قال: «يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضّب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وجعه يوم الخميس، فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، قال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه»([833]).

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّه قال: «يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خدّيه كأنها نظام اللؤلؤ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): ائتوني بالكتف والدواة (أو اللوح والدواة) اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يهجر»([834]).

وواضح من هذه النصوص الواردة في أصحّ الكتب عند أهل السنّة مدى حجم مخالفة رسول الله’ حين أراد أن يكتب للاُمّة كتاباً لن تضلّ بعده أبداً فمنعوه من ذلك، كما تقدم في رواية البخاري: «فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً».

الكتاب العاصم من الضلال هو التمسك بالعترة الطاهرة

ذكرنا فيما سبق أن هذا الكتاب الذي يعصمهم من الضلال هو ما أخرجه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم عن رسول الله’، قال: «وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ـ فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ـ ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي»([835]).

والترمذي في سننه عن زيد بن أرقم، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي; أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» ثم قال: «هذا حديث حسن غريب»([836]).

ونقلنا أقوال العلماء وشرّاح الأحاديث في المراد بهذا الكتاب، وأنه النصّ على من سيخلفه من بعده.

مخالفتهم في الإحلال من الحج وغضب رسول الله’ عليهم

ومن الشواهد الصريحة والواضحة لمخالفة رسول الله’:

ما أخرجه البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم في صحيحيهما، عن عطاء أنّه سمع جابر بن عبد الله في أناس معه: «أهللنا أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في الحج خالصاً ليس معه عمرة، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي (صلّى الله عليه وسلّم) صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فلمّا قدمنا أمرنا النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أن نحلّ، وقال: أحلّوا وأصيبوا من النساء، قال عطاء: قال جابر: ولم يعزم عليهم ولكن أحلّهن لهم، فبلغه أنّا نقول لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلاّ خمس أمرنا أن نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي، قال: ويقول جابر بيده هكذا وحرّكها.

فقام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: قد علمتم أني اتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم ولولا هديي لحللت كما تحلون فحلّوا، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت»([837]).

وكذلك ما أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه بسنده عن عائشة أنها قالت: «قدم رسول الله لأربعٍ مضين من ذي الحجة، أو خمس، فدخل عليّ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله النار، قال: أو ما شعرت إني أمرت الناس بأمرٍ فإذا هم يتردّدون؟»([838]).

فهنا عدم إطاعة صريحة من الأصحاب لأمر رسول الله’ الذي أراد أن يمحو بعض السنن الجاهلية من نفوسهم، بحيث أدّى ذلك إلى غضبه ومعلوم أن غضبه’ هو غضب لله تعالى، ولكنهم اعترضوا عليه؛ لأنّ رواسب الجاهلية لازالت راسخة في عقولهم وقلوبهم؛ لذا خاطبهم رسول الله| وذكرّهم بصدقه وتقواه وبرّه بهم.

وصفه لبعض الصحابة بالعصاة

وكذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري: «أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم([839])، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة»([840]).

مخالفتهم في حديث اللد للرسول الأكرم

وورد في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت: «لددناه([841]) في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدّوني، فقلنا كراهية المريض للدواء، فلمّا أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدّوني»([842]).

ثانياً: إن نص أبي بكر على عمر لم يكن خالياً من المعارضة

بعض المهاجرين والأنصار لم يقبلوا استخلاف أبي بكر لعمر

إنّ الاستدلال بأنّ استخلاف أبي بكر لعمر والنص عليه لم تحصل فيه معارضة وخلاف، هو غريب وكأن القفاري بعيد عن النصوص التي ذكرت الخلاف والاعتراض على هذا التنصيب، بحيث نجد أن كبار الصحابة كعلي× وطلحة وجمع من المهاجرين والأنصار قد شدّدوا النكير على أبي بكر لاستخلافه عمر، فقد ذكرت المصادر الحديثية والتأريخية هذا الأمر بوضوح ويكاد يكون متواتراً وسنذكر بعضاً من هذه النصوص فيما يلي:

1 ـ اعتراض علي× وطلحة

روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عائشة، قالت: «لما حضرت أبا بكر الوفاة: استخلف عمر، فدخل عليه علي وطلحة، فقالا: من استخلفت؟ قال: عمر، قالا: فماذا أنت قائل لربك؟ قال: أبالله تفرقاني لأنا أعلم بالله وبعمر منكما، أقول: استخلفت عليهم خير أهلك»([843]).

وأخرج أبو جعفر الطبري وابن الأثير عن أسماء ابنة عميس أنها قالت: «دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه، وأنت معه فكيف إذا خلا بهم، وأنت لاق ربك، فسائلك عن رعيتك. فقال أبو بكر: ـ وكان مضطجعاً ـ أجلسوني، فأجلسوه فقال لطلحة: أبالله تفرقني، أو: أبالله تخوفني، إذا لقيت الله ربي فسألني قلت: استخلفت على أهلك، خير أهلك»([844]).

وقد ذكر ابن تيمية هذا النصّ في منهاج السنة، قال: «وقد تكلّموا مع الصدّيق في ولاية عمر، وقالوا: ماذا تقول لربك وقد ولّيت علينا غليظاً ...»([845]).

وقد صرح بعض الباحثين من أهل السنة بهذه الحقيقة أيضاً، وهي أن طلحة قد حذّر أبا بكر من بيعة عمر، قال: «فالزبير تخلّف مع علي في بيت فاطمة ولم يبايعوا أبا بكر في بادئ الأمر، كما في صحيح البخاري وهذه (كراهية للبيعة)، وأمّا طلحة فحذّر أبا بكر من تولّيه عمر؛ خوفاً من شدّته، ثبت بأسانيد قوية كراهيته لبيعة عمر (رضي الله عنه) وتجد الزبير يوم الشورى جعل أمره إلى علي (ثابت بأسانيد صحيحة) وهذه كراهية لبيعة عثمان»([846]).

 

2 ـ اعتراض بعض المهاجرين

وروى ابن راهويه في مسنده، والطبري في تاريخه، وابن عساكر في تأريخه: «عن أسماء بنت عميس، قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو يشتكي في مرض، فقال له: اسْتُخْلِفَ علينا عمر، وقد عتا علينا ولا سلطان له، فكيف لو ملكنا كان أعتا وأعتا، فكيف تقول لله إذا لقيته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، فجلسناه، فقال: أبالله يفرقني، فإنّي أقول إذا لقيته: استعملت عليهم خير أهلك»([847]).

3ـ اعتراض الناس

وروى ابن أبي شيبة ـ واللفظ له ـ وابن عساكر: «عن إسماعيل عن زبيد قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة أرسل إلى عمر ليستخلفه، قال: فقال الناس: أتستخلف علينا فظاً غليظاً، فلو ملكنا كان أفظ وأغلظ، ماذا تقول لربك إذا أتيته وقد استخلفته علينا؟! قال: تخوفوني بربي! أقول: اللّهم أمّرت عليهم خير أهلك»([848]).

وروى ابن أبي شيبة أيضاً بسنده عن: «وكيع وابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد بن الحارث أنّ أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف علينا فظّاً غليظاً، ولو قد ولينا كان أفظّ وأغلظ، فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟! قال أبو بكر: أبربي تخوفونني ...»([849]).

إذن هناك خلاف قد وقع في خلافة عمر، وليس كما زعم القفاري حين قال: «كيف يقبل المهاجرون والأنصار والمسلمون جميعاً أمر أبي بكر في عمر حين استخلفه ولم يختلف اثنان ...؟».

قال الأستاذ عبد الكريم الخطيب([850]): «وبايع المسلمون عمر بالخلافة بين راضٍ ومتكره ومطمئن ومتخوف، وجميعهم ينظرون ما يكون من عمر في اليوم الجديد، وهل يحمل الناس على سياسته العمرية التي عرفوها فيه؟.. وأيّاً كان الأمر فإنّه بعد أن تمّت البيعة لعمر، طاف بالناس طائف من الوجوم والانكسار، وخيم على المدينة جوّ من الركود والسآمة، لا يدري الناس ما يطلع به عليهم عمر من اُمور!!»([851]).

4 ـ اعتراض معاوية

وكذلك فقد طعن الصاحبي معاوية بن أبي سفيان في خلافة عمر أيضاً، وادّعى أنّه أحق بها منه، وهذا ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عمر: «خطب معاوية، قال: من كان يريد أن يتكلّم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحقّ به منه ومن أبيه، قال حبيب بن مسلمة: فهلاّ أجبته [أي عبد الله بن عمر] قال عبد الله: فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحقّ بهذا الأمر منك مَن قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق بين الجمع وتسفك الدم»([852]).

فلو نظرنا إلى مقالة معاوية ووضعناها في نصابها الصحيح فلا تخلو من أحد أمرين:

الأول: أن يكون ما يدّعيه معاوية حقاً، فمعنى هذا أن عمر قد ارتكب خطأ في أخذه الخلافة.

والثاني: أن يكون ما يقوله معاوية باطلاً، فكيف جاز له التحكّم في رقاب المسلمين؟([853]).

وللشيخ الأميني& عتاب على ابن عمر حيث قال: «أين كان ابن عمر عن هذه العقلية التي حفظ بها وعصم يوم تقاعس عن بيعة أمير المؤمنين الإمام الحق بعد إجماع الاُمّة المسلمة عليها، ولم يخش أن يقول كلمة تفرّق بين الجمع وتسفك الدم؟ ففرّق الجمع، وشقّ عصا المسلمين، وسُفكت دماء زكية، والله من ورائهم حسيب»([854]).

ونحن نرى أن طعن معاوية في خلافة عمر أمر غريب، فهل جزاء الإحسان أن يردّ بهذه الكيفية؛ فعمر هو الذي مهّد له ركائز الحكم في الشام وأعطى لعبد الرحمن بن عوف حق النقض في سداسية الشورى لمصلحة بني أمية.

إذن مما تقدم يتّضح أن هناك خلافاً وعدم رضا، بل هناك اعتراض من كبار الصحابة على تنصيب عمر للخلافة، وهذا يدحض قول القفاري من أنّه لم يختلف اثنان في إمامة عمر.

نعم، قد يدّعى أنّ الخلاف في نصّ أبي بكر أقلّ من الخلاف في نصّ رسول الله|؛ وذلك لاختلاف الظروف الزمانية والمكانية بعد وفاة النبي| عنها بعد وفاة أبي بكر، فيمكن بناءً على ذلك أن يتقّبل العقل ذلك لا كما يقول القفاري: «وهل يحتمله عقل عاقل» والسبب الذي دفع القفاري لقول هذا الكلام هو أنّه يريد أن يخضع الأحداث والوقائع التاريخية وفق معتقداته وأهوائه، فلذا يرفض كلّ ما يتصادم معها، كما يقول الدكتور محمود صبحي صالح في كتابه (نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية)، في معرض كلامه حول حديث الغدير، فبعد أن طرح الآراء من الفريقين وناقشها، قال: «ولكن على حدّ تعبير ابن تيمية أن أهل الأهواء لا يكتبون إلاّ ما لهم ويوافق أهواءهم؛ وهذه العبارة التي اتّهم بها الرافضة لم يخلص هو منها.. ولمّا كان أهل الظاهر والسلفيون يوالون معاوية فإنّه لم يكن لديهم مفرّ من اختيار، إمّا ترك هذه الموالاة أو القدح بشتى الوسائل في الحديث، وبالرغم من أنّه من المفروض أن تخضع العقائد للنصوص إلاّ أنّ كثيراً من أصحاب المذاهب قد أخضعوا الأحاديث لأهوائهم ومذاهبهم»([855]).

ونرى أن القفاري قد ابتلى بنفس هذا الداء الذي ابتلي به شيخه ابن تيمية، فأخضع النصوص التي دلّت على إمامة علي× بما ينسجم مع مذهبه وهواه.


الشبهة: لو كان علي× منصوصاً عليه لم يجز له أن يبايع أبا بكر وعمر وعثمان

قال القفاري: «لو كان النصّ على عليّ صحيحاً ... لم يجز له أن يبايع أبا بكر وعمر وعثمان ...»([856]).

الجواب الإجمالي

إنّ هذه الشبهة وهذا الاستبعاد الذي يذكره القفاري لوجود النصّ على إمامة أمير المؤمنين× كان يمكن أن يكون له حظ من القبول والموضوعية فيما لو أنّ أمير المؤمنين× قد بايع أبا بكر مباشرة، وبلا تأخير طائعاً مختاراً راضياً، وفي ظروف ملائمة، فحينئذ حق لقائل أن يقول: كيف يكون منصوصاً عليه، ويسارع إلى بيعة غيره طواعية؟

إلاّ أنّ التاريخ الصحيح الذي لا يمكن أن ينكره القفاري أو غيره يثبت خلاف ذلك، فمبايعة أمير المؤمنين× أبا بكر بالخلافة تضاربت حولها الآراء واختلفت فيها الشواهد والأدلة عند الشيعة والسنة على حدّ سواء، ولا يمكن لأي من تلك الآراء أن تصبّ في صالح القفاري.

ففي الجانب الشيعي هناك رأيان في مسألة بيعة أمير المؤمنين× أبا بكر: الرأي الأول يذهب إلى أنّ أمير المؤمنين× لم يبايع قطّ وهو الرأي الذي نقله الشيخ المفيد ونسبه إلى محققي الشيعة، والرأي الثاني يذهب إلى أنّه× بايع أبا بكر مكرهاً، وتحت الضغط والتهديد، وهو ما يتبناه قسم من علماء الشيعة الإمامية، وعلى ذلك شواهد وأدلة، وبناء على هذا الرأي فليس هناك تناف بين بيعته مكرهاً وبين جود النصّ عليه بالإمامة، كما هو واضح.

وأمّا في جانب أهل السنةـ وهو الذي يهمّنا التعرض إليه في الإجابة عن هذه الشبهة وكل الشبهات ـ فهناك طائفتان من الأدلة والشواهد.

الطائفة الاُولى: تدلّ بظاهرها على أن علياً× بايع من أول الأمر إلاّ أن هناك قرائن عديدة وإشارات كثيرة من داخل هذه الروايات نفسها، ومن روايات وشواهد اُخرى تفيد أن البيعة لم تتمّ عن رضا واختيار منه، بل سادها جّو من الضغط والإكراه، واستخدمت فيه لغة القوة وعبارات التهديد والوعيد.

والطائفة الثانية: تثبت أنّ علياً× لم يبايع إلاّ بعد مضي ستة أشهر من خلافة أبي بكر، أي بعد وفاة فاطمة ÷، وهذا التأخير يدلّ على أنّه× كان مخالفاً لهذه البيعة، ولم يكن راضياً عنها على الإطلاق، وأمّا مبايعته فيما بعد فلها أسبابها ومبرراتها الموضوعية، كحرصه على المصلحة الإسلامية العليا، والحفاظ على كيان الاُمّة، بل لوجود بعض الضغوط التي مورست ضده من قبيل مقاطعته وتأليب الرأي العام ضده، وغيرها من الأسباب التي لا تدل من قريب أو من بعيد على أنّه يرى شرعية هذه الخلافة، أو أنّه راضٍ عنها.

فهذه المعطيات التاريخية والشواهد والأدلة التي وردت عن الفريقين لا تنفع القفاري في شبهته التي أراد بها دفع النصّ واستبعاد وجوده، وهذا هو الجواب بشكل إجمالي ومختصر، وسنتناول الجواب بشكل تفصيلي.

الجواب التفصيلي

بيعة علي× أبا بكر في كتب الشيعة

هناك اتجاهان يمكن ملاحظتهما في مصادر الشيعة وأقوال علمائهم فيما يخصّ مبايعة علي× أبا بكر، هما:

1ـ علي× لم يبايع أبا بكر قط

ذهب بعض علماء الشيعة إلى أن أمير المؤمنين× لم يبايع أبا بكر أبداً لا في بداية الأمر ولا بعد حين، وعزا الشيخ المفيد ذلك القول إلى المحققين من علماء الشيعة، فقال: «قد أجمعت الاُمّة على أنّ أميرالمؤمنين× تأخّر عن بيعة أبي بكر ... والمحققون من أهل الإمامة يقولون: لم يبايع ساعة قط»([857]).

وعلى هذا الرأي، فلا توجد هناك بيعة إطلاقاً حتى يقال: إنّها تتنافى مع وجود النصّ على أمير المؤمنين×.

2ـ علي× بايع مكرهاً

ذهب قسم من علماء الشيعة الإمامية إلى أنّ أمير المؤمنين× بايع أبا بكر منذ البداية؛ إلاّ أن بيعته كانت تحت الإكراه والتهديد الذي ربما وصل إلى حدّ التهديد بالقتل، وعلى أقل تقدير يمكننا القول إن البيعة لم تكن عن قبول ورضا منه.

قال السيد المرتضى: «وروى إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة، عن خالد بن مخلد البجلي، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن عدي بن حاتم، قال: إني لجالس عند أبي بكر إذ جيء بعلي× فقال له أبو بكر: بايع، فقال له علي×: فإن لم أفعل؟ فقال: أضرب الذي فيه عيناك، فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: اللّهم اشهد، ثم مدّ يده.

وقد روي هذا المعنى من طرق مختلفة، وبألفاظ متقاربة المعنى وإن اختلفت ألفاظها، وأنه× كان يقول في ذلك اليوم لمّا أكره على البيعة وحُذّر من التقاعد عنها: يا بن أمِّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين، ويردد ذلك ويكرره، وذِكْر أكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلاً عن ذكر جميعه، وفيما أشرنا إليه كفاية ودلالة على أنّ البيعة لم تكن عن رضى واختيار»([858]).

وفي رواية: «فقالوا له: مدّ يدك فبايع، فأبى عليهم، فمدّوا يده كرهاً، فقبض على أنامله، فراموا بأجمعهم فتحها، فلم يقدروا، فمسح عليها أبو بكر وهي مضمومة، وهو‌× يقول وينظر إلى قبر رسول الله’: يا بن أمِّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني»([859]).‌

ونقل في الشافي قوله×: «ما زلت مظلوماً منذ قبض اللّه نبيّه’ وإلى يوم الناس هذا»([860]).

وهذا الرأي الذي يذهب إليه جمع من علماء الشيعة الإمامية تدعمه شواهد عديدة من كتب أهل السنّة، سنشير إلى بعضها لاحقاً.

وعلى هذا الرأي لا يصحّ للقفاري أن يتمسّك بمبايعة علي× أبا بكر لنفي النصّ عن إمامة أمير المؤمنين×؛ لأنّ البيعة الإكراهية لا تنافي أبداً وجود النصّ على أمير‌المؤمنين‌× إذ من الممكن جداً أن يُكرَه صاحبُ النصّ على مبايعة غيره، ولا يحق لأحد القول بأنّه كيف يبايع وهو منصوص عليه؛ لأنّ البيعة بالجبر والاكراه كالعدم.

بيعة علي× أبا بكر في كتب أهل السنة

توجد عدة نصوص وروايات تناولت بيعة علي× للخليفة الأوّل في كتب أهل السنة الحديثية والتاريخية ويمكن تصنيف هذه الروايات والأخبار إلى طائفتين:

الحديث الدال على حصول البيعة أول الأمر

ذكرت بعض النصوص والأحاديث أنّ علياً× بايع أبا بكر مباشرة ومن دون تأخير وهو ما أخرجه البيهقي في السنن([861]) ـ واللفظ له ـ والاعتقاد([862])، والحاكم في المستدرك([863])، وابن عساكر([864]) وغيرهم بسندهم عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، قال: «قال: لمّا توفي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منّا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منّا.

قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت (رضي الله عنه)، فقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان من المهاجرين وإن الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنّا أنصار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم).

فقام أبو بكر (رضي الله عنه)، فقال: جزاكم الله خيراً يا معشر الأنصار وثبّت قائلكم، ثمّ قال: أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم، ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر، فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، ثم انطلقوا.

فلمّا قعد أبو بكر (رضي الله عنه) على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً (رضي الله عنه) فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر (رضي الله عنه): ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وختنه، أردت أن تشقّ عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه.

ثم لم ير الزبير بن العوّام (رضي الله عنه)، فسأل عنه حتى جاءوا به، فقال: ابن عمة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وحواريه، أردت أن تشقّ عصا المسلمين: فقال مثل قوله لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعاه».

لقد تمسّك الكثير من علماء أهل السنة ومحدثيهم بمضمون هذا الحديث واحتفوا به احتفاءً كبيراً؛ لأنّه يعالج مشكلة كبيرة عندهم عانوا منها كثيراً، وهي مخالفة علي× ومن معه من كبار الصحابة لبيعة أبي بكر وخلافته، ورفضهم لها، أوتأخرهم عنها على أقل تقدير، فتصوّروا أن مضمون الحديث يؤمّن لهم هذا الجانب، ويصلح لهم هذا الخلل في شرعية الخلافة وصحّتها، فصححوا هذا المضمون واعتبروه، وقدّموه على غيره من الصحاح التي تعارضه في المضمون، ومن كلماتهم الدالّة على هذا المعنى ما قاله ابن حجر في فتح الباري: «وقد صحّح ابن حبّان([865]) وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن علياً بايع أبا بكر في أول الأمر»([866]).

وقال ابن كثير عن إسناد هذا الحديث: «وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري»([867]) وبعد هذا لم يُخف ابن كثير فرحه بهذا الحديث الذي جاء متطابقاً مع ما يحبّ ويهوى، فقال: «وفيه فائدة جليلة، وهي مبايعة علي بن أبي طالب إمّا في أوّل يوم، أو في اليوم الثاني من الوفاة»([868]) ولعلّ هذا هو السبب الذي دفعه إلى تصحيح الحديث وقبوله.

ويذهب ابن خزيمة ومسلم النيسابوري إلى مديات أبعد في احتفائهم بهذا الحديث وسرورهم به، فقد أخرج البيهقي في سننه عن أبي علي الحافظ، قال: «سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج النيسابوري، فسألني عن هذا الحديث، فكتبته له في رقعة قرأت عليه، فقال: هذا حديث يسوى بدنة، فقلت: يسوى بدنة؟ بل هو يسوى بدرة»([869])، ولا ندري هل جميع الأحاديث الصحيحة عندهم تسوى ذلك أم أنّ هناك انتقائية في الأمر؟!

هذا، وستأتي مناقشتهم للأحاديث الصحيحة الواردة في البخاري ومسلم وغيرهما وردّهم لها؛ لكونها تعارض هذه الأحاديث وسنشير مناقشتهم لها، وما يمكن أن يجاب عنها.

مناقشة دلالة الحديث

الحديث يدل على أن مبايعة علي× كانت بالإكراه

مع غضّ الطرف عن المناقشات السندية في هذا الحديث وعلى فرض التسليم بصحته ودلالته على أنّ بيعة علي× كانت من أوّل الأمر إلاّ أنّه لا دلالة فيه على أن بيعته كانت عن رضا وتسليم واختيار، فلو خُلّينا نحن وألفاظ هذه الحديث الذي تمسّكوا به نجد أنّه ظاهر في أنّ البيعة كانت بالتهديد والوعيد والإكراه.

ويظهر ذلك من قوله: «فلمّا قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم، فلم ير علياً، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عمّ رسول الله ... أردت أن تشقّ عصا المسلمين؟!!»([870]).

فإنّ علياً× لو لم يكن لديه خلاف ومعارضة للبيعة، فلماذا يسأل عنه أبو بكر مباشرة بعد جلوسه على المنبر، ويفتّش عنه، وتذهب مجموعة من الأنصار لتأتي به؟! فإن كان لا يدري ولم يسمع بالبيعة، فكان يكفي في إعلامه أن يذهب شخص واحد إليه ويخبره، لا أن تذهب مجموعة وتأتي به، فالظاهر إنّه جيء به من دون رغبة منه أو رضا([871]) ثم بعد مجيئه يجابهه أبو بكر بتلك اللهجة الحادّة التي تعلوها الخشونة والغلظة، وينسب له بأنه يروم شقّ عصا المسلمين، وهي لا تقال إلاّ لمن أعلن الخلاف وأظهر المعارضة، وهي تهمة خطيرة جداً، بل أخطر ما يمكن أن يتّهم به المرء؛ لأنها تعني الخروج عن الإسلام ومخالفة الجماعة([872])، ففي الحديث عن ابن عباس عن النبي|: «من شقّ عصا المسلمين، والمسلمون في إسلام دامجٍ([873])، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»([874]).

وقد تؤدي هذه التهمة إلى إباحة دم صاحبها، كما في الاستيعاب عن عبد بن عمير الأشجعي أنّه سمع رسول الله’، يقول: «إذا خرج عليكم خارج يشقّ عصا المسلمين، ويفرّق جمعهم، فاقتلوه ما أستثني أحداً»([875]).

والشاهد على انفعال أبي بكر وحِدَّته في الكلام، هو جواب أمير المؤمنين× له بقوله: «لا تثريب»، والتثريب هو اللوم والتوبيخ، وهي عبارة تقال عند الصفح عمّن تجاوز وتعدّى، والشيء نفسه قاله الزبير أيضاً بعد تخلّفه عن البيعة مع أمير المؤمنين×.

فمبايعة أمير المؤمنين× في واقع الحال قد وقعت في جوّ من الإكراه والتضييق، وما تشير إليه هذه الأحاديث التي استندوا إليها لا يختلف عمّا أشارت إليه أحاديث وأخبار السقيفة وبيعة أبي بكر فيها، وما جرى فيها من أحداث متسارعة أبعد ما تكون عن الروية وأخذ الاُمور بتعقّل ومشورة، بل شابت كثير من أحداثها، مظاهر العنف والقوة والتهديد والوعيد.

أدلة اخرى على أن علياً × بايع أبا بكر مكرهاً

من الثابت والمسلّم تاريخياً أن علياً× وجمعاً كثيراً من بني هاشم وعدداً من الأنصار، لم يشهدوا أحداث سقيفة بني ساعدة التي تمخّض عنها تولّي أبي بكر الخلافة؛ وذلك لانشغالهم في تجهيز النبي| وإتمام مراسم رحلته المفجعة عن الدنيا، وبعد أن تمت البيعة وانفضّ اجتماع السقيفة، كان علي× وأصحابه قد تجمّعوا في بيت أمير المؤمنين× معلنين احتجاجهم ورفضهم للبيعة وعدم رضاهم بها، قال عمر بن الخطاب: «وأنه قد كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه (صلّى الله عليه وآله) أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزبير ومن معهما»([876]).

وروى الطبري في تاريخه في حديث طويل، قال: «وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه، وقال: لا أغمده حتى يبايع علي»([877]).

ونقل ابن أبي الحديد عن الجوهري، قال: «غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب عليّ والزبير، فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح»([878]) وغير ذلك من الشواهد التي تدلّ على أنّ علياً× ومعه عدد من الصحابة قد تخلفوا عن البيعة، ولم يكونوا راضين بها، بل اعتبر أمير المؤمنين× ذلك استبداداً منهم بالأمر واستئثارا به لا عن مشورة ورجوع إلى كبار الصحابة من أهل السبق في الإسلام والجهاد والقرابة من النبي| فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أمير المؤمنين× خاطب أبا بكر قائلاً: «ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى حقاً لقرابتنا من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نصيباً ...»([879]).

وبعد أن تخلّف علي× ومن معه من الصحابة دلّت كثير من الشواهد التاريخية والحديثية على أنّهم تعرّضوا لأساليب متعددة من العنف والقوة والتهديد الذي وصل إلى حدّ التهديد بإحراق البيت عليهم من أجل الضغط عليهم لانتزاع البيعة منهم، فقد روى الطبري بسنده عن زياد بن كليب، قال: «أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفاطمة وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف، فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه»([880]).

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم، قال: «حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)! والله ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وايم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلمّا خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر»([881]).

وروى البلاذري «أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقّته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا بن الخطاب أتراك محرّقاً عليّ بابي، قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك»([882]).

وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، قال: «وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر (رض) منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام (رضي الله عنهما) فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله ومعهما السلاح، فجاء عمر (رض) في عصابة من المسلمين فيهم أسيد وسلمة بن سلامة بن وقش، وهما من بني عبد الأشهل، ويقال فيهم ثابت بن قيس بن الشماس أخو بني الحارث بن الخزرج، فأخذ أحدهم سيف الزبير، فضرب به الحجر حتى كسره»([883]).

وروى البلاذري في أنساب الأشراف عن ابن عباس، قال: «بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (رض) حين قعد عن بيعته، وقال: ائتني به بأعنف العنف، فلمّا أتاه جرى بينهما كلام، فقال: احلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلاّ ليؤثرك غداً ... ثم أتاه فبايعه»([884]).

ونقل الطبري فيما نقل من أحداث السقيفة وبيعة أبي بكر، وتخلّف علي× والزبير، قال: «فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تعباً، وقال: لتبايعان وأنتما طائعان، أولتبايعان وأنتما كارهان، فبايعا»([885]).

ففي ظل هذه الأجواء والظروف المشحونة بالتوتر والمواقف المتشنّجة والتي ينذر تطورها وانفلاتها بأخطار كبيرة تهدّد الإسلام برمّته، في ظل هذه الأجواء بايع أمير المؤمنين× مكرَهاً مجبراً ومعه عدد من المهاجرين والأنصار، كما أشارت إلى ذلك الروايات والأخبار التي نقلنا شطراً منها.

هذه هي ظروف البيعة التي بايع فيها الإمام علي× أبا بكر، والتي وصفها أبو بكر بأنها فلتة، قد وقى الله المسلمين شرّها، كما صرّح هو بنفسه في أوائل خلافته: «إنّ بيعتي كانت فلتة وذلك أنيّ خشيت الفتنة»([886]).

وأكد هذا المعنى عمر بن الخطاب في خلافته، قال: «فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرّها»([887]).

ثم كيف لا يبايع مكرهاً وهذا سعد بن عبادة زعيم الخزرج وكبيرهم يداس بالأقدام لمعارضته البيعة، وأمام قومه وفي بيته حتى صاح أحدهم: قتلم سعد بن عبادة، فأجابه عمر بن الخطاب:‌‌ ‌‌>قتل الله سعد بن عبادة»([888]) ثم بعد ذلك تمّت تصفيته جسدياً في الشام([889]) فما عسى أن يفعل بقية المسلمين من ضعفة الناس وعامّتهم إزاء هذا التهديد والوعيد والتخويف والذي صرّحت به عائشة وفي صحيح البخاري، حيث قالت: «لقد خوّف عمرُ الناسَ وإنّ فيهم لنفاقاً»([890]).

فبعد كلّ هذا ليس من الصحيح القول بأنّ علياً× قد بادرإلى البيعة راضياً، حتى يُرتّب على ذلك التشكيك بوجود النصّ عليه؛ لأنّنا من خلال هذه النصوص والشواهد المتضافرة نجزم بأنّ علياً× لو كان قد بايع أبا بكر من أول الأمر، فإنّه قد بايع مكرهاً مجبراً، فلا يدلّ ذلك على عدم وجود النصّ عليه بالإمامة والخلافة، فينتفي إشكال القفاري واستبعاده لوجود النصّ بناء على القول بحصول البيعة في بداية الأمر، وهو ما أشارت إليه الطائفة الاُولى من روايات وأخبار أهل السنة، وسيأتي الكلام عن الطائفة الثانية من الروايات.


الحديث الدال على أن عليا× لم يبايع إلا بعد ستة اشهر

وردت بعض الروايات الصحيحة في كتب أهل السنة تثبت أنّ علياً× لم يبايع من أوّل الأمر، وإنّما حصلت البيعة بعد مرور ستة أشهر من تسنّم أبي بكر الخلافة، وذلك بعد وفاة فاطمة الزهراء÷ وهو ما يعادل ربع مدة خلافة أبي بكر تقريباً، فقد أخرج البخاري([891]) ـ واللفظ له ـ ومسلم([892]) وابن حبّان([893]) في صحاحهم بسندهم عن الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة: «أنّ فاطمة÷ بنت النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: لا نورث ما تركنا صدقة ... فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه، حتى توفّيت وعاشت بعد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ستة أشهر، فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يُؤذِن بها أبا بكر وصلّى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلمّا توفيت استنكر عليٌ وجوهَ الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر ...»، وفي لفظ مسلم وابن حبّان «ولم يكن بايع تلك الأشهر».

وأخرج قريباً منه أيضاً ابن حبّان في صحيحه([894]) والطبراني في مسند الشاميين([895]) بسنديهما عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عروة عن عائشة.

وروى عبد الرزاق الصنعاني في مصنّفه عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة «أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد (صلّى الله عليه وسلّم) من هذا المال، وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يصنعه إلاّ صنعته، قال: فهجرته فاطمة، فلم تكلّمه في ذلك، حتى ماتت، فدفنها عليّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، قالت عائشة: وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوة، فلمّا توفيت فاطمة، انصرفت وجوه الناس عنه، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ثم توفيت ـ قال معمر: فقال رجل للزهري: فلم يبايعه علي ستة أشهر؟ قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي ـ فلمّا رأى علي انصراف وجوه الناس عنه أسرع إلى مصالحة أبي بكر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد، وكره أن يأتيه عمر ... ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه، فأقبل الناس إلى عليّ، فقالوا: أصبت وأحسنت، قالت: فكانوا قريباً إلى عليّ حين قارب الأمر والمعروف»([896]).

وأخرجه البيهقي في سننه([897]) والطبري في تاريخه([898]) عن عبد الرزاق الصنعاني عن معمر.

وهذه الأحاديث الواردة في الصحاح والكتب المعتبرة كما هو واضح تفيد أنّ علياً× لم يبايع أبا بكر مدّة طويلة، امتدت لستة أشهر متواصلة، وهذا التأخير بغض النظر عمّا ذكرت له من أسباب ومبررات فإنّه يشير إشارة واضحة إلى أنّ أمير المؤمنين× لم يبادر إلى بيعة أبي بكر، ولم يَرَ لها شرعية، وإلاّ كيف يبقى تلك المدة بلا بيعة؛ وقد ثبت عند المسلمين جميعاً أنّ من مات وليس له إمام، أو ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية([899]) فهل كان يأمن أمير المؤمنين× على نفسه من الموت خلال تلك الفترة، ولا تكون في عنقه بيعة حينئذ، فيموت ميتة جاهلية والعياذ بالله، وهو العارف بمقادير الاُمور وطبيعة الحياة الإنسانية المعرضة للموت في كلّ لحظة، ثم كيف تموت الزهراء÷ وليس في عنقها بيعة وهي من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟! بل وكيف يتركها أمير المؤمنين× تموت هكذا؟! إن هذا ليس له إلاّ تفسير واحد هو أنهم لايرون شرعية لهذه الخلافة.

من هنا كان غضب الزهراء÷ على أبي بكر وهجرانها له حتى وفاتها، وتأخر علي× وخروجه عن زمرة المبايعين رغم محاولة بعضٍ التقليل من أهميتها([900]) يشكّلان ضربة قوية لشرعية الخلافة وقانونيتها، لذا حاولوا بكل الوسائل التقليل من تأثير الروايات التي تنقل هذه الحقائق، فجرت محاولات للخدش في سندها على الرغم من ورودها في أصحّ الكتب، وكذلك تأويل دلالاتها، وتقديم الروايات التي تبين أن البيعة تمّت في أول الأمر رغم عدم ورودها في الصحاح، فتوزعت مناقشاتهم في هذه الروايات على مستوى السند والدلالة، وسنتعرض لبعض هذه المناقشات على كلا المستويين والإجابة عنها.

الإشكال السندي

تأخر علي× عن البيعة مدرج من كلام الزهري

ذكروا أن الروايات التي أفادت تأخّر علي× عن البيعة([901]) مدة ستة أشهر وإن وردت في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما إلاّ أنّ بعض الفقرات من تلك الروايات التي جاءت على لسان السيدة عائشة والتي دلّت على هذا الأمر اعتبروها منقطعة، وأنّها من كلام الزهري

وقد أدرجها بعض الرواة في الحديث وليست هي من كلام عائشة، فلا تقوى حينئذ على معارضة أحاديث ـ ادعي صحتها ـ دلّت على أنّ البيعة قد تمّت من أوّل الأمر.

البيهقي أول من أثار الاشكال

وأوّل من أثار هذا الإشكال هو البيهقي المتوفى سنة (458هـ) وتبعه على ذلك بعض من علماء أهل السنة، قال البيهقي في السنن: «وقول الزهري في قعود على عن بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) حتى توفيت فاطمة رضي الله عنها منقطع وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مبايعته إياه حين بويع بيعة العامة بعد السقيفة أصحّ»([902]).

قال في الاعتقاد أيضاً: «والذي روي أنّ علياً لم يبايع أبا بكر ستة أشهر ليس من قول عائشة، إنّما هو من قول الزهري، فأدرجه بعض الرواة في الحديث في قصة فاطمة (رضي الله عنها)، وحفظه معمر بن راشد، فرواه مفصّلاً وجعله من قول الزهري منقطعاً من الحديث، وقد روينا في الحديث الموصول عن أبي سعيد الخدري ومن تابعه من أهل المغازي أنّ علياً بايعه في بيعة العامة التي جرت في السقيفة»([903]).

وقال ابن حجر: «وأمّا ما وقع في مسلم([904]) عن الزهري أنّ رجلاً قال له: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة؟ قال: لا، ولا أحد من بني هاشم فقد ضعّفه البيهقي بأنّ الزهري لم يسنده، وأنّ الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصحّ»([905]).

الجواب:

تأخر علي عن البيعة من كلام عائشة لا الزهري

لقد ادّعى البيهقي أن تأخّر البيعة من قول الزهري، بعد نقله لحديث عبد الرزاق الصنعاني في المصنف، وادّعى أن الحديث أخرجه البخاري في الصحيح من وجهين عن معمر، وأخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وغيره عن عبد الرزاق([906]).

وللإجابة عمّا ادّعاه البيهقي نقول:

أولاً: حديث البخاري ومسلم عن معمر لا يشير إلى تأخير البيعة

إنّ حديث البخاري ومسلم بسنديهما عن معمر عن الزهري ليس في لفظه كلام الزهري حين سأله رجل قائلاً: «فلم يبايعه عليّ ستة أشهر؟ قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي» وإنما نقلا الحديث دون الإشارة إلى قول الزهري هذا، ولم يتطرقا في خصوص هذا السند إلى البيعة أصلاً، وإليك ما نقله البخاري ومسلم في الصحيح من طريق معمر:

أخرج البخاري بسنده عن هشام، قال: «أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنّ فاطمة والعباس‘ أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال، قال أبو بكر: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يصنعه فيه إلاّ صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتى ماتت»([907]).

وأخرج البخاري أيضاً من طريق آخر عن هشام، قال: «حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة (رضي الله عنها): أن فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال أبو بكر: سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال، والله لقرابة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي»([908]).

وجاء في صحيح مسلم: «عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد، قال ابن رافع: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: إنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وساق الحديث بمثل معنى حديث عقيل عن الزهري غير أنّه قال: ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه فأقبل الناس إلى علي، فقالوا: أصبت وأحسنت، فكان الناس قريباً إلى عليّ حين قارب الأمر المعروف»([909]).

وكما ترى فليس في الحديثين أية إشارة إلى قول الزهري الآنف الذكر في تأخّر علي× وقعوده عن البيعة لمدة ستة أشهر، فكلام البيهقي يعدّ إيهاماً للقارئ بأنّ البخاري ومسلماً قد نقلا نفس ألفاظ الحديث الذي رواه هو ـ أي البيهقي ـ عن عبد الرزاق والحال ليس كذلك، إذن فلا توجد إشارة إلى إدراج الزهري لهذه الكلام سوى في حديث عبد الرزاق المذكور في المصنف الذي نقله عنه الزهري.

ثانياً: ما نقله البيهقي عن عبد الرزاق لا يتطابق مع رواية عبد الرزاق

مقارنة بين حديث عبد الرزاق في المصنف وحديث البيهقي عنه

إنّ المتأمل المنصف في حديث عبد الرزاق الصنعاني في المصنف يتّضح له بشكل جلي أن تأخر علي× عن البيعة ستة أشهر هو من كلام عائشة لا أنّه من كلام الزهري، كما ادّعاه البيهقي، فلو عدنا إلى الحديث وتأملنا فيه لا سيما قوله: «قالت عائشة: وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوة، فلمّا توفيت فاطمة، انصرفت وجوه الناس عنه، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ثم توفيت، قال معمر: فقال رجل للزهري: فلم يبايعه على ستة أشهر؟ قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي، فلمّا رأى علي انصراف وجوه الناس عنه أسرع إلى مصالحة أبي بكر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد، وكره أن يأتيه عمر ... ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه، فأقبل الناس إلى علي، فقالوا: أصبت وأحسنت، قالت: فكانوا قريباً إلى علي حين قارب الأمر والمعروف»([910]).

نجد أنّه يفيد عدة معطيات أهمها:

أـ إن الناس كانوا يحترمون علياً× مادامت فاطمة على قيد الحياة.

ب ـ بعد وفاة فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي× وقلّ احترامهم له.

ج ـ مكثت فاطمة÷ بعد رسول الله’ ستة أشهر حتى توفيت.

د ـ بعد وفاة فاطمة÷، لمّا رأى علي× انصراف وجوه الناس عنه، صالح أبا بكر وبايعه، فأقبل الناس على علي× بعد ذلك.

وهذا الأمر الأخير وإن جاء بعد كلام الزهري، ولكنه ليس من كلامه، بل هو استمرار لكلام عائشة، وكلام الزهري منحصر فقط في عدم البيعة ستة أشهر؛ بدليل أن الصحاح التي نقلت هذا الحديث نقلت هذا المقطع متصلاً بما قبله.

ففي صحيح البخاري بسنده عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: «... وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلمّا توفيت استنكر على وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر»([911]) وهذا المقطع هو تكملة للمقطع الأول الذي نقلته عائشة، وهو أنّه كان لعلي وجه حياة فاطمة ...

إذن فهذه الاُمور المتقدمة جاءت جميعها على لسان عائشة، وأمّا ما جاء على لسان الزهري بالخصوص، فهو أن علياً× أو أحداً من بني هاشم لم يبايع مدة ستة أشهر، حيث جاء في حديثه «قالت عائشة (رضي الله عنها) فكان لعلي (رضي الله عنه) من الناس وجه حياة فاطمة (رضي الله عنها)، فلمّا توفيت فاطمة (رضي الله عنها) انصرف وجوه الناس عنه عند ذلك، قال معمر: قلت للزهري: كم مكثت فاطمة بعد النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، قال: ستة أشهر فقال رجل للزهري: فلم يبايعه علي (رضي الله عنه) حتى ماتت فاطمة (رضي الله عنها)؟ قال: ولا أحد من بني هاشم»([912]).

وهذا يختلف عمّا نقله البيهقي عن عبد الرزاق، فحين نلاحظ ما نقله البيهقي عن عبد الرزاق نجده يفيد الاُمور التالية:

أ ـ أنّ الناس كانوا يحترمون علياً× مدة حياة فاطمة÷.

ب ـ بعد وفاة فاطمة÷ انصرفت وجوه الناس عن علي× وقلّ احترامهم له، والكلام إلى هنا هو ما قالته عائشة فقط حسب حديث البيهقي، وأمّا ما جاء على لسان الزهري، فهي الاُمور التالية:

أ ـ مكثت فاطمة بعد رسول الله ستة أشهر حتى توفيت.

ب ـ لم يبايع علي× ولا واحد من بني هاشم مدة ستة أشهر.

وبعد المقارنة بين حديث عبد الرزاق الصنعاني وحديث البيهقي يتّضح: أنّ البيهقي قد جعل المقطع الخاص بمدة بقاء فاطمة بعد رسول الله’ ستة أشهر جعله من كلام الزهري بينما هو من كلام عائشة حسب رواية الصنعاني في المصنف، فأوهم القارئ أنّ مكوث فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله’ وتأخر علي× عن البيعة تلك المدة هو كلام واحد مدرج قاله الزهري، وأدرجه بعض الرواة في الحديث.

كما أنّه عمد إلى إسقاط ذيل الرواية التي تدل على أن علياً× لمّا رأى انصراف الناس عنه بعد وفاة فاطمة÷ التمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، مع أنّه مكمّل لقول عائشة: «فكان لعلي (رضي الله عنه) من الناس وجه حياة فاطمة (رضي الله عنها) ...< فلذا لم يسقطه أصحاب الصحاح وعبد الرزاق، كما تقدّم.

ثالثاً: تأخر البيعة قد روي في الصحيحين وغيرهما متصلاً

إنّ خبر تأخر علي× عن البيعة ستة أشهر قد أخرجه البخاري ومسلم وابن حبّان من غير طريق معمر، بل أخرجوه كما تقدّم([913]) عن طريق الليث بن سعد عن عُقيل بن خالد عن الزهري عن عروة عن عائشة «... وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلمّا توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ...»([914])، فلا معنى إذن لقول البيهقي في كتاب الاعتقاد من أنّه من كلام الزهري أدرجه بعض الرواة وحفظه معمر ورواه مفصّلاً؛ إذ كما عرفت فإن معمراً لم ينفرد بروايته بل رواه غيره، إذن فتأخّر علي× عن البيعة ستة أشهر متّصل من كلام عائشة، وليس منقطعاً من كلام الزهري.

رابعاً: لم يتعرض كبار شراح الاحاديث إلى الادراج

لم يتعرّض أحد من كبار شرّاح الأحاديث إلى هذا الإدراج الذي تفرّد بذكره البيهقي عند شرحهم لفقرة تأخر علي× عن البيعة، قال ابن حجر: «قوله: (وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة) أي كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة فلمّا ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس، ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث: لما جاء وبايع كان الناس قريباً إليه حين راجع الأمر بالمعروف وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلّف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عمّا هي فيه من الحزن على أبيها (صلّى الله عليه وسلّم)، ولأنها لمّا غضبت من ردّ أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى على أن يوافقها في الانقطاع عنه، قوله (فلمّا توفيت استنكر عليّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر) أي في حياة فاطمة»([915]).

وقال العيني: «قوله: (وعاشت) أي فاطمة (بعد النبي (ص) ستة أشهر) هذا هو الصحيح ... قوله: (حياة فاطمة) لأنهم كانوا يعذورنه عن ترك المبايعة لاشتغاله بها وتسلية خاطرها من قرب عند مفارقة رسول الله (ص)، قوله: (تلك الأشهر) وهي الأشهر الستة، وقال المازري: العذر لعلي (رض) في تخلّفه مع ما اعتذر هو به أنّه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من آحاد أهل الحلّ والعقد ولا يجب الاستيعاب»([916]).

وقال القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم: «وقوله: (وكان لعلي من الناس جهة حياة فاطمة) جهة؛ أي: جاه واحترام، كان الناس يحترمون علياً في حياتها كرامة لها لأنها بضعة من رسول الله (ص) وهو مباشر لها، فلمّا ماتت وهو لم يبايع أبا بكر، انصرف الناس عن ذلك الاحترام؛ ليدخل فيما دخل فيه الناس ولا يفرّق جماعتهم، ألا ترى أنّه لما بايع أبا بكر أقبل الناس عليه بكل إكرام وإعظام؟!

وقوله: (ولم يكن علي بايع تلك الأشهر) يعني: الستة أشهر التي عاشتها فاطمة (رضي الله عنها) بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ولا يُظنُّ بعلي أنّه خالف الناس في البيعة لكنّه تأخر عن الناس لمانع منعه، وهو الموجدة التي وجدها حين استبدّ بمثل هذا الأمر العظيم ولم ينتظر، مع أنّه كان أحقّ الناس بحضوره وبمشورته»([917]).

فلو كان هذا الإدراج صحيحاً ـ كما يزعم البيهقي ـ لأشار إليه شرّاح الحديث، ولا يعقل أن يخفى عليهم، فثبت أن تأخّر علي× أمر ثابت ومشهور، ولهذا نجد أنّ ابن كثير الذي حاول جاهداً أن يثبت حصول البيعة من أول الأمر وينفي تأخر علي× عن البيعة، لم يتمسّك به، فذهب إلى الجمع الدلالي بين الحديثين كما سيأتي التعرّض له.

خامساً: لو صح الإدراج فلا يبعد أنه من كلام عائشة

إنّنا حتى لو بنينا أنّ تأخر علي× عن البيعة هو من كلام الزهري، فإنّ الظاهر أنّه سمعه ممن سمعه من عائشة ـ بعد البناء على وثاقة الزهري ـ وهو شبيه بما استظهره ابن كثير فيما نقله الشعبي في حديث استرضاء أبي بكر للزهراء ÷ حتى رضيت([918]) من أنّ الشعبي قد سمعه من علي× أو سمعه ممن سمعه منه، فقال ابن كثير معلّقاً على حديث الشعبي: «وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي، أو ممن سمعه من علي»([919])، فإذا كان ما استظهره ابن كثير هنا يعدّ استظهاراً صحيحاً، فلا بد أن يصحّ ما استظهرناه من حديث الزهري؛ إذ لا فرق بين الأمرين إلاّ إذا قلنا: إنّ (باء) ابن كثير تجرّ، و(باؤنا) لاتجرّ !

التوجيه الدلالي لأحاديث تأخر البيعة

لقد حاول بعض علماء أهل السنة أن يحلّ التعارض بين الأحاديث الدالّة على مبايعة علي× من أول الأمر، وبين الأحاديث الدّالة على عدم مبايعته مباشرة وتأخره طوال ستة أشهر مدة حياة فاطمة÷؛ وذلك بحمل بيعته بعد ستة أشهر على أنها بيعة ثانية مؤكدة للبيعة الاُولى، قال ابن حجر بعد أن ذكر إشكال البيهقي على سند الحديث: «وجمع غيره بأنّه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى، لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث..»([920]).

وقال ابن كثير: «وأمّا ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة، وقد ماتت بعد أبيها (رضي الله عنها) بستة أشهر، فذلك محمول على أنها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث، ومنعه إياهم ذلك بالنص من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([921]).

أو حملوها على أن معنى البيعة بعد ستة أشهر ليس بمعنى البيعة المصطلحة، وإنما بمعنى تجدد البيعة والمشاركة والحضور، وإظهار الود، ولا تعني كلمة يبايع بالضرورة البيعة المعهودة بالخلافة، قال البيهقي: «ولعل الزهري أراد قعوده عنها بعد البيعة ثم نهوضه إليها ثانياً وقيامه بواجباتها والله أعلم»([922]).

مناقشة التوجيه الدلالي

من الواضح أن هذا الجمع استحساني وتبرّعي لا شاهد عليه؛ لأنّ هذه التفسيرات لمعنى المبايعة تفسيرات تخالف ظاهر ما عليه اللفظ، ولا دليل أو قرينة صحيحة تسوّغ صرف اللفظ عن معناه الظاهر، كما تشهد لذلك عباراتهم، ومجرّد وجود روايات ظاهرها حصول البيعة من أول الأمر لا يبيح لنا رفع اليد عن المعنى الظاهر، خصوصاً وأن الروايات الدالة على التأخّر عبّرت بصيغة الماضي «ولم يكن بايع»([923]) الدالّ على أنّه لم تسبق منه بيعة أبداً، فكيف تكون الثانية مؤكدة أو مجددة لها؟! مضافاً إلى أن العديد من شرّاح الحديث لم يفهموا ذلك، وقد نقلنا لك شطراً من كلماتهم، فإمّا أن نقول بتقديم روايات تأخير البيعة ـ بعد الفراغ من كونها متصلة ومن كلام عائشة ـ لأنها وردت في الصحاح وهي أفضل كتب الحديث ضبطاً وإتقاناً عند أهل السنة، أو ننتهي إلى القول بحصول التعارض المستقر([924]) بينهما فيتساقطان.

البيعة المتأخرة أيضاً لم تكن عن رضا

من خلال التدبّر في نصوص البيعة الثانية ـ والتي اعتبروها بيعة ودّ ومصالحة ـ يتبيّن أنها لم تكن أيضاً عن رغبة ورضا من أمير المؤمنين× بل يتّضح أنّ السلطة قد ألّبت عليه الرأي العام الإسلامي، وتعرّض إلى ما يشبه المقاطعة الاجتماعية خصوصاً بعد وفاة فاطمة÷، وهذا ما جاء في تعبيرات هذه الروايات كقوله: «وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلمّا توفيت استنكر وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر»([925]) أو قوله: «فلمّا توفيت فاطمة، انصرفت وجوه الناس عنه»([926]) فيظهر أنّه تحت تأثير تلك الأجواء جنح للبيعة والمصالحة لا خوفاً على نفسه، وإنما خوفاً من الإضرار بالمصلحة الإسلامية العليا، ولذا عبّرت الروايات عن مبادرته إلى البيعة بالقول: «فالتمس مصالحة أبي بكر»([927]) أو قوله: «فلمّا رأى علي انصراف وجوه الناس عنه أسرع إلى مصالحة أبي بكر..»([928]) أو قوله: «فلمّا توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي، ففزع [ فضرع] علي عند ذلك إلى مصالحة أبي بكر ومبايعته ...»([929]).

وبعد أن بايع عبّرت الروايات عن موقف الناس منه بتعبيرات منها: «فَسَرَّ بذلك المسلمون وقالوا: أصبت وكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف»([930]) ومنها: «فأقبل الناس إلى علي، فقالوا: أصبت وأحسنت، قالت: فكانوا قريباً إلى علي حين قارب الأمر والمعروف»([931]).

فمن خلال هذه النصوص يظهر أن الشائع بين بعض المسلمين أنهم كانوا يعتبرون علياً× على خطأ؛ فلذا قاطعوه وانصرفوا بوجوههم عنه، ولم يتواصلوا معه واقعين بذلك تحت تأثير إعلام السلطة وإرادتها، وهذا يؤثر في الحقيقة على ما يراه أميرالمؤمنين× من تكليف شرعي في الحفاظ على روح الإسلام وتبليغ تعاليمه، وهو لا يتأتّى مع إحجام الناس عنه ومقاطعتهم له ونفورهم عنه، فرجّح البيعة على المضي بالقطيعة، مضافاً إلى أنّه قد أوصل ما يريد إيصاله من عدم قبوله بالبيعة عبر مقاطعته للسلطة خلال تلك المدّة.

والحاصل فإنّه على جميع الآراء والاتجاهات فإن بيعة أمير المؤمنين× لا تتنافى أبداً مع النصّ عليه بالإمامة سواء كانت بيعته من أول الأمر أم بعد ستة أشهر؛ لأنها في كلّ الأحوال لم تكن عن رغبة ورضا.

هذا بالنسبة إلى مبايعته أبا بكر وأمّا مبايعته لعمر وعثمان فليس لها ذلك التأثير الكبير على وجود النصّ على الإمامة بعد أن بيّن أمير المؤمنين× موقفه العملي والقولي من خلافة أبي بكر التي هي الأصل لخلافة عمر الذي أصبح خليفة بتعيين أبي بكر له، ولا تأثير يذكر لبيعة باقي المسلمين التي جاءت شكلية صورية، وأمّا خلافة عثمان ودخوله في الشورى السداسية التي شكّلها عمر فسيأتي الحديث عنها لاحقاً.


 الشبهة: لو كان النص على علي صحيحاً لم يجز أن يدخل مع الستة في الشورى

قال القفاري: «لو كان النصّ على عليّ صحيحاً لم يجز لعليّ (رضي الله عنه) أن يدخل مع الستّة الذي نصّ عليهم عمر، وكان يقول: أنا المنصوص عليّ فلا حاجة لي إلى الدخول فيمن نصّ عليه عمر ...»([932]).

الجواب:

مواقف ودلائل على وجود النص على أمير المؤمنين×

إنّ ما طرحه القفاري من فرضية أنّه: لو كان النصّ على عليّ× صحيحاً لم يجز له أن يدخل مع الستّة، ولكان عليه أن يقول: أنا منصوص عليّ، فلا حاجة لي بذلك، ليس صحيحاً؛ لعدة أسباب:

منها: أنّ هذه الحادثة كانت بعد مضي أكثر من اثني عشر عاماً على مسألة أخذ الخلافة وتنحية أمير المؤمنين× عنها، فليس من المناسب أن يكرر ذلك بعد أن أدمنت الاُمّة سلب حقه، وسكتت عنه طوال تلك الفترة الطويلة.

ومنها: أن أمير المؤمنين× مع هذا تعرض لذكر حقه في الخلافة وأشار إشارة يفهمها اللبيب إلى مسألة النصّ عليه كما سيأتي بيانه.

وأيضاً من الأسباب التي دعته إلى الدخول في هذه الشورى، والتي نظنّ أنّ القفاري لا يدركها، هي أنّ أمير المؤمنين× لم يكن يفكّر بما يفكّر به أغلب السياسيين اليوم من الحصول قدر المستطاع على المكاسب السياسية والمنافع الحزبية والشخصية، فيستغل هذه المناسبة للنيل من خصومه وكسب الأصوات، بل كان همه× المحافظة على المصلحة الإسلامية العليا، فحصوله أو عدم حصوله على الخلافة والإمامة كان ينظر إليها من هذه الزاوية، فعندما يرى أن هناك أسباباً ومبررات موضوعية تصبّ في صالح هدفه من جراء قبوله بهذه (الشورى) فإنّه لا يتوانى من الدخول فيها، وسنذكر عدة من هذه الأسباب والمبررات.

إذن فلا ترابط علمي أو موضوعي بين قبول الإمام× الدخول في هذه (الشورى) وبين عدم النصّ عليه، ونذكر فيما يلي أهم الأسباب والمبررات.

مبررات وأسباب الدخول في الشورى

لقد كان لدخول أمير المؤمنين× في الشورى مبررات وأسباب عديدة، نذكر منها ما يلي بصورة مجملة:

1 ـ كراهة الخلاف

إنّ أمير المؤمنين× لم يكن يريد شقّ عصا المسلمين ومخالفة الجماعة، فعندما قال العباس له×: «لا تدخل معهم، وارفع نفسك عنهم، قال: إني أكره الخلاف..»([933]).

2 ـ الخشية من الانحراف عن الإسلام

من كلام له×، قال: «لقد علمتم أني أحق بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت اُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة؛ التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه»([934]).

وواضح من هذا النصّ أنّه يؤكد على أحقيته بالخلافة وفي الوقت نفسه يزهد فيها ويتحمل الجور الذي يقع عليه خاصة، حفاظاً على الإسلام والمسلمين ووحدتهم وعدم انفراط عقد جتماعهم.

ففي نظر أمير المؤمنين× أن الخلافة بمعنى الحكومة من التكاليف الشرعية المشروطة بتمام أركانها كالواجبات الاُخرى مثل الحج المشروط بالاستطاعة، فإذا لم تتم تلك الشروط فالإمام× لا يلزم الناس بها، لا سيما أنّه في حالات التزاحم يقدّم ما هو الأهم، فكان أمير المؤمنين× يرى سلامة اُمور المسلمين مقدّم على مسألة تسلّمه للخلافة وإن وقع عليه الجور، كما تقدم في كلامه× وأيضاً هو القائل: «أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»([935]).

فمن تكون الدنيا عنده أهون من عفطة عنز، ولا تساوي الخلافة عنده شسع نعله([936]) لاسيما أنّ هناك من الاُمّة من يتنافس على حطام الدنيا وزخارفها وزبرجها، فكيف لا يرفضها.

ولكن قد يقول قائل: إنّ هذا النصّ يتنافى مع تلك النصوص التي تدعون أنّه أحق بها؟

نقول: لا تنافي بينهما لأنّه يجب أن نفرّق بين الخلافة السياسية وبين الإمامة الإلهية فإنّ هناك فرقاً بينهما ـ كما ذكرنا ذلك مراراً ـ فيمكن أن يتنازل عن الاُولى دون الثانية.

قال السيد الخميني&: «فالرئاسة الظاهرية الصورية أمر لم يعتن بها الأئمة^ إلاّ لإجراء الحق، وهي التي أرادها علي بن أبي طالب× بقوله ـ على ما حكي عنه ـ : والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم مشيراً إلى نعل لا قيمة لها ...

وأمّا مقام الخلافة الكبرى الإلهية، فليس هيّناً عنده، ولا قابلاً للرفض والإهمال وإلقاء الحبل على غاربه»([937]).

3 ـ الرغبة في إعادة الامور إلى ما كانت عليه

إنّ هدف أمير المؤمنين× الأساس من الخلافة هو الحفاظ على روح الإسلام وإصلاح الاُمور التي اعتراها الفساد، ولذا عندما طلب منه عبد الرحمن بن عوف أن يبايعه بشرط أن يسير على ما سار عليه الشيخان من سياسة، لم يقبل ذلك ورفض هذا الشرط الذي قبله عثمان.

روى أحمد في مسنده وابن الأثير في اُسد الغابة والهيثمي في مجمعه، واللفظ للأول: «عن عاصم عن أبي وائل، قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً (رضي الله عنه)، قال: ما ذنبي قد بدأت بعلي، فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، قال: فقال: فيما استطعت»([938]).

وفي تاريخ الطبري: «... فأخذ عبد الرحمن بيده، فقال هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيه وفعل أبي بكر وعمر، قال: اللّهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي»([939]).

4ـ إثبات أحقيته بالخلافة

لم يترك أمير المؤمنين× هذه المناسبة تمرّ دون أن يشير إلى حقّه في هذا الأمر، وأن وضعه في هذه الشورى لم يكن صحيحاً وإن قبله لأسباب وظروف معيّنة، فقد روى الطبري([940]) وابن قتيبة([941]) وابن أعثم([942]) وابن الأثير([943]) وغيرهم أنّ علياً× قال يوم الشورى، بعد أن تكلّم قبله البعض: «الحمد لله الذي بعث محمداً منا نبيّاً وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السرى ...».

ويؤكد ابن أبي الحديد هذه المسألة قائلاً: «ونحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى ... قال لهم بعد أن بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان وتلكأ هو× عن البيعة:

إنّ لنا حقاً، إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى ...

ثم قال لهم: أنشدكم الله! أفيكم أحد آخى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بينه وبين نفسه، حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض غيري؟ فقالوا: لا.

فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): (من كنت مولاه فهذا مولاه) غيري؟ فقالوا: لا، فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): (أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي) غيري؟ قالوا: لا.

قال: أفيكم من اؤتمن على سورة براءة، وقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّه لا يؤدي عني إلاّ أنا أو رجل مني، غيري؟ قالوا: لا»، إلى أن قال: «لقد علمتم أني أحقّ بها من غيري، والله لأسلمن ... ثمّ مدّ يده فبايع»([944]).

فأمير المؤمنين× هنا يشير إلى أنّ له حقاً مغيّباً وهو حقه بالإمامة، فإن اُعطي له أخذه وإن لم يعط له فسوف يصبر ويتحمّل المشقّة وإن طال الزمان؛ لأنّ الحقّ لابدّ أن يرجع إلى أهله وهذه سُنّة كونية متواترة.

وبهذا يضرب مثلاً رائعاً في الكناية عن مظلوميته التي لم ينصفه القوم في إعطائه حقه ولم يكونوا يبالون بالنصوص التي أكّدت على ولايته وخلافته، حينما قال: «إنّ لنا حقاً، إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى..».

قال الزمخشري شارحاً هذه المفردات: «هذا مثل لركوبه المشقة وصبره عليه وإن تطاول ذلك، وأصله أنّ الراكب إذا اعرورى البعير ركب عجزه من أصل السنام فلا يطمئن ويحتمل المشقة.

وأراد بركوب أعجاز الإبل: كونه ردفاً تابعاً، وأنه يصبر على ذلك وإن تطاول به، ويجوز أن يريد: وإن نُمنعه نبذل الجهد في طلبه، فِعْل من يضرب في ابتغاء طلبته أكباد الإبل، ولا يبالي باحتمال طول السرى»([945]).

ويذكر ابن أبي الحديد بعد نقله لهذا الكلام وغيره مما يدلّ على مطالبته بحقه× من أنّه وإن كان دالاً على أنّ له حقاً قد أخذ، لكن لا يمكن المصير إليه لكونه يسيء إساءة بالغة إلى الصحابة، فلا يؤخذ بظهور كلامه، قال: «فإن حمله على الاستحقاق بالنص تكفير أو تفسيق لوجوه المهاجرين والأنصار ولكن الإمامية والزيدية حملوا هذه الأقوال على ظواهرها وارتكبوا بها مركباً صعباً، ولعمري إن هذه الألفاظ موهمة مغلبة على الظن ما يقوله القوم، لكنّ تصفّح الأقوال يبطل ذلك الظن ويدرأ ذلك الوهم، فوجب أن يجري مجرى الآيات المتشابهات الموهمة ما لا يجوز على الباري فإنّه لا نعمل بها ولا نعوّل على ظواهرها؛ لأنا لما تصفحنا أدلة العقول اقتضت العدول عن ظاهر اللفظ وأن تحمل على التأويلات المذكورة في الكتب»([946]).

إذن فمهما كان للّفظ من ظهور قوي في معناه لكنّه إذا اصطدم بمسلّمات مسبقة يتبنّاها بعضهم، فلابدّ من تأويله بما لا يتقاطع مع تلك المسلّمات، والابتعاد عن الأخذ بظاهره، وإذا كان ظاهر المعنى يصبّ في صالحهم، فإنهم يملأون الدنيا صراخاً ضد من يؤوله، ويتمسّكون بظهور اللفظ ويعدّونه أمراً مقدّساً لا يجوز المساس به، وقد مرّ معنا في إجاباتنا عن هذه الشبهات الكثير من هذه الاُمور.

ثم بناء على ما يذكره ابن أبي الحديد ويؤكد استفاضته، فإنّه× يذكر لهم فضائله ومناقبه والتي من بينها نصوص تدلّ على إمامته وخلافته، كحديث الغدير والمنزلة وغيرها، فهو ألقى عليهم الحجة وأخذ الاعتراف منهم.


الشبهة: لو كان الحسن× منصوصاً عليه لما سلم الخلافة لمعاوية

قال القفاري: «لو كان الأمر في الإمامة على ما يقول هؤلاء الروافض([947]). لما كان الحسن (رضي الله عنه) في سعة من أن يسلّمها إلى معاوية (رضي الله عنه)، فيعينه على الضلال وعلى إبطال الحق وهدم الدين، فيكون شريكه في كلّ مظلمة، ويبطل عهد رسول الله’».

وقال أيضاً: «فكيف استحل الحسن والحسين (رضي الله عنهما) إبطال عهد رسول الله’ إليهما طائعين غير مكرهين؟ مع أن الحسن معه أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه».

ثم قال: «فتالله، لولا أنّ الحسن (رضي الله عنه) علم أنّه في سعة من إسلامها إلى معاوية وفي سعة من أن لا يسلّمها، لما جمع بين الأمرين، فأمسكها ستة أشهر لنفسه، وهي حقه، وسلّمها بعد ذلك لغير ضرورة، وذلك له مباح، بل هو الأفضل بلا شك؛ لأنّ جده رسول الله’ قد خطب بذلك على المنبر، وقال: إنّ ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين، رويناه من طريق البخاري»([948]).

جواب الشبهة:

إنّ هذه الشبهة التي أثارها القفاري باطلة لوجهين أساسيين:

الأول: هناك فرق بين الخلافة والإمامة

إنّ القفاري لم يفرّق بين أمرين واضحين، فخلط بينهما، وهما الإمامة بمعنى الخلافة والحكومة السياسية، والإمامة بمعنى قيادة الاُمّة وهدايتها، وحراسة الدين والدفاع عنه، ولعله كان قاصراً عن إدراك هذا الفارق بينهما، والذي يدعم هذا التصوّر هو أنّه قد بنى كثيراً من شبهاته على هذا الخلط الذي نبّهنا عليه مراراً، فادّعى أنّ الإمام الحسن× قد تنازل عن الإمامة، وسلّمها إلى معاوية طوعاً، مما يعني أنّه لا يوجد نصّ عليه بالإمامة، وهو كما ترى فهم خاطئ وفق النظرية الصحيحة للإمامة التي هي عهد وجعل من الله سبحانه، ولا تخضع للظروف والمتغيرات، وهي ليست باختيار الاُمّة؛ لأنها متوقفة على العصمة، والعلم الخاصّ، وغيرها من الاُمور الخفية التي لا يطلع عليها إلاّ عالم السرائر جلّ وعلا، فالإمام إمام حتى لو كان جالساً في بيته، أو قابعاً في غياهب السجون.

نعم قد اضطرّ أئمّة أهل البيت^ إلاّ الإمام علياً× في بعض الأوقات، إلى التخلّي عن بعض شؤون الإمامة ومهامّها وهي الحكومة السياسية لظروف وأسباب معروفة، فليس الإمام الحسن× هو الوحيد من بين أئمة أهل البيت^ من سُلب حق ممارسة هذا الشأن من شؤون الإمامة وهو المسائل الحكومية والإجرائية، والتي لم تكن هدفاً لأهل البيت^ بما هي مكسب وسلطة ووجاهة دنيوية، إلاّ بقدر ما كانت تصبّ في صالح الهدف الأساس، وهو حفظ الشريعة وهداية الاُمّة، ولذا وصف أمير المؤمنين× هذه الخلافة، بأنّها لا تساوي شسع نعله والدنيا أزهد عنده من عفطة عنز([949]).

والإمام الحسن× لا يختلف عن أبيه في التنازل عن هذا المنصب؛ لمقتضى الظرف والمبررات التي سوف نذكر بعضها في المبحث القادم.

الثاني: تنازل الإمام الحسن× عن الحكومة السياسية كان مبرراً

إنّ تنازل الإمام الحسن× عن الحكومة السياسية وعقده الصلح مع معاوية له ما يبرره، فإنّ الظروف الموضوعية والمعطيات التاريخية آنذاك فرضت على الإمام× أن يتخذ هذه الخطوة، ومن هذه الأسباب:

1ـ حقن دماء المسلمين

وهذا ما حدّث به الإمام الحسن× في خطبته، بعد الصلح، قائلاً: «أمّا بعد، أيّها الناس فإنّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دماءكم بآخرنا، ألا إنّ أكيس الكيس التقى، وإنّ أعجز العجز الفجور، وإنّ هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه، إمّا أن يكون أحق به مني، وإمّا أن يكون حقي تركته لله عزّ وجلّ ولإصلاح أمة محمد (صلّى الله عليه وسلّم) وحقن دمائكم، ثم التفت إلى معاوية وقال: وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين ...»([950]).

وقال× مخاطباً بعض شيعته الذين أبدوا بعض الاعتراضات على صلح الإمام× مع معاوية: «أنتم شيعتنا وأهل مودتنا، فلو كنت بالحزم من أمر الدنيا أعمل، ولسلطانها أربض وأنصب، ما كان معاوية بأبأس منّي بأساً، ولا أشدّ شكيمة، ولا أمضى عزيمة، ولكني أرى غير ما رأيتم، وما أردت فما فعلت إلاّ حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلّموا لأمره، وألزموا بيوتكم وأمسكوا ـ أو قال: كفوا أيديكم ـ حتى يستريح برّ أو يُستراح من فاجر»([951]).

وقد علّق السيد المرتضى على هذا الكلام بقوله: «وهذا كلام منه× يشفي الصدور ويذهب بكل شبهة»([952]).

فمن خلال هذين النصّين المنقولين عن الإمام× يتّضح أنّ الإمام× كان يرمي من وراء هذا الصلح مع معاوية إلى حقن دماء المسلمين، بعد أنّ رأى أنّ الظروف غير مواتية للاستمرار بالحرب والقتال، فآثر حقن الدماء والتقاط الأنفاس ولملمة الجراح.

2ـ خذلان الجيش وتفرقه عن الإمام الحسن×

قد استخدم معاوية دهاءه في شراء ذمم بعض قوّاد الجيش ـ كما نقل البلاذري ـ ومنهم عبيد الله بن العباس حيث هدده معاوية ورغبه بأن يهب له الأموال عند مجيئه إليه وتركه جيش الإمام الحسن×.

قال في الأنساب: «ثم بعث معاوية بعد ذلك عبد الرحمن بن سمرة إلى عبيد الله، فخلا به، وحلف له أنّ الحسن قد سأل معاوية الصلح، وجعل لعبيد الله ألف ألف درهم إن صار إليه»([953]).

وقال ابن أبي الحديد: «أرسل معاوية إلى عبيد الله بن عباس أنّ الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلم الأمر إليّ، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً، وإلاّ دخلت وأنت تابع، ولك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، اُعجّل لك في هذا الوقت نصفها، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسل عبيد الله إليه ليلاً، فدخل عسكر معاوية، فوفّى له بما وعده»([954]).

وقال ابن الأثير وهو يروي قصة تفرق جيش الإمام الحسن× عنه وخذلانهم: «فلمّا نزل الحسن المدائن نادى مناد في العسكر: ألا إن قيس بن سعد قتل فانفروا، فنفروا بسرادق الحسن، فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطاً كان تحته، فازداد لهم بغضاً ومنهم ذعراً ... فلمّا رأى الحسن تفرّق الأمر عنه كتب إلى معاوية ...»([955]).

بل إنّ هناك جماعة من رؤوس القبائل كاتبوا معاوية ووعدوه بالطاعة له، وضمنوا له تسليم الإمام الحسن× عند وصوله إليهم، قال ابن الصباغ المالكي: «وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرّاً واستحثوه على سرعة السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن× عند دنوّهم من عسكره والفتك به، وبلغ الحسن× ذلك وتحقّق فساد نيّات أكثر أصحابه وخذلانهم له، ولم يبق معه ممن يأمن غائلته إلاّ خاصة شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح فأجابه إلى ذلك، وأنفذ إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه وتسليمه إليه»([956]).

ولم يقف الأمر عند تخاذلهم عنه وتركه والذهاب إلى معاوية، بل اتهموه بالشرك وطعنوه وأرادوا قتله، قال أبو الفرج: «فبدأ الجيش بالتخاذل إلى أن وصل الأمر إلى أنّ أحد عناصر جيشه طعنه واتهمه بالشرك، وذلك حينما قام إليه رجل من بني أسد من بني نصر بن قعين يقال له: الجراح بن سنان، فلمّا مرّ في مظلم ساباط قام إليه فأخذ بلجام بغلته وبيده معول، فقال: الله أكبر يا حسن أشركت كما أشرك أبوك من قبل، ثم طعنه فوقعت الطعنة في فخذه فشقته حتى بلغت أربيته، فسقط الحسن إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه وخرّا جميعاً إلى الأرض»([957]).

وهذا يدلّ على أنّ معاوية قد نجح في زعزعة أركان جيش الإمام بأساليب وألوان مختلفة منها: الأموال، والكذب الإشاعات، بحيث استمال قواد الجيش والقبائل، ووجد معاوية الأرض الخصبة التي تتقبّل هذه العروض؛ نتيجة لعدم إيمان الاُمّة نفسياً وعقائدياً بما يمثله الإمام× من امتداد للرسالة، علماً وعملاً وتطبيقاً.

إذن فقول القفاري: «فكيف استحل الحسن والحسين (رضي الله عنهما) إبطال عهد رسول الله’ إليهما طائعين غير مكرهين؟ مع أنّ الحسن معه أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه» يعدّ قولاً باطلاً؛ لأنّ الإمام الحسن× لم يبطل عهد رسول الله’ في الإمامة عليه وعلى أخيه، ولم يكن طائعاً لهذا الأمر، بل ألجأته الظروف لهذا الصلح، وقد تقدمت الإشارة إلى بعض تلك العوامل التي أدّت إلى ذلك، ومن تلك العوامل ما تقدم من خذلان الجيش الذي كان معه، لا كما صوّر القفاري أنّ معه مائة ألف عنان يموتون دونه، فهذا الكلام فيه مبالغة كبيرة؛ لأنّ التأريخ يحدثنا بعكس ذلك فإنّ الجيش بدأ ينفضّ ويتفرق بسبب مكاتبة معاوية لرؤساء القبائل ومكاتبتهم له، فلم يشعر عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد إلاّ وهم في عدد أقل بكثير مما خرجوا به من الكوفة، إضافة إلى عدم ثقتهم فيمن تبقّى معهم، بل قيل إنّ عبيد الله بن العباس نفسه هرب إلى معاوية بعد إشاعة أشاعها معاوية من أنّ الحسن بن علي نفسه يفاوض في شروط تسليم الخلافة.

أضف إلى ذلك أنّ معاوية أجاد استخدام الحرب النفسية، فكان يرسل من يفشي في جيش الحسن أنّ جيش قيس بن سعد قد أبيد إبادة كاملة، وأنّ الفائز من سبق إلى معاوية، فتفرق الناس عن الحسن× وطعنوه ونهبوا بعض أمواله، ووجد الحسن نفسه بين اُناس (أغلبهم مع من غلب) يسوقهم المال والتبعية للقبيلة([958]).

كما أنّ أهل الكوفة وخلال مدة وجيزة ـ وهي مدة خلافة أمير المؤمنين× ـ قد دخلوا حروباً طاحنة خلّفت أضراراً كبيرة في المجتمع الكوفي، حيث قدّم أبناء الكوفة عشرات الآلاف من الشهداء، فقد قتل منهم على أقل تقدير خمسة آلاف في معركة الجمل([959])، وربما تصل بعض تقديرات القتلى إلى عشرة أو خمسة عشر ألفاً، حيث روي أنّ مجموع القتلى آنذاك من الجانبين كان نيفاً وثلاثين ألفاً([960])، وأمّا صفّين فقد تراوح عدد القتلى فيها من أهل الكوفة بين عشرين ألفاً إلى خمسة وعشرين([961]).

إنّ عدد القتلى الكبير والضغط النفسي الذي سببته الحرب، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية التي تنجم نتيجة الحروب المتوالية، كلّ ذلك أدّى إلى إرهاق أهل الكوفة ومطالبتهم بالصلح وترك الحرب، حتى أخذوا ينادون: (البقية البقية).

روى ابن الأثير في الكامل عن الحسن× أنّه قال: «ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عزّ وجلّ بظبا السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى، فناداه الناس من كلّ جانب: البقية البقية وامض الصلح»([962]).

3ـ الحفاظ على أهل بيته وشيعته

إنّ الإمام الحسن× بهذا الصلح حافَظَ على البقية الباقية من محبي الإمام علي× وأهل بيته وشيعته لعلّهم ينشرون علومهم وسيرتهم؛ لأنّ في ذلك حفاظاً على الثقل والعدل الثاني للقرآن، وهذا ما أفاده الكاتب السلفي حسن بن فرحان المالكي، قائلاً: «فكان الحسن بن علي بين أمرين إمّا أن يستعين بهذه القلة من المخلصين ضد هذه الجموع الكبيرة، وإمّا أن يلجأ لمصالحة معاوية، فكان هذا الخيار الأخير هو الذي ترجّح عند الحسن لحفظ البقية الباقية من محبي الإمام علي وأهل البيت لعلهم ينشرون علومهم وسيرتهم وكان اللجوء للخيار الأول (محاربة معاوية) يعني ـ إلى حدّ كبير ـ القضاء على كلّ من يذكر الإمام علياً بخير من أهل العراق وبهذا يضيع فضل وآثار (الثقل الثاني) بعد كتاب الله»([963]).

4 ـ فضح معاوية من خلال وثيقة الصلح

إنّ واحدة من نتائج الصلح مع معاوية، هي فضحه وكشف حاله أمام شريحة كبيرة، ممن خدعوا بخلافته من المسلمين، فإنّ هناك شروطاً وبنوداً وضعها الإمام× على معاوية وألزمها عليه؛ لكي يكشف الوجه الحقيقي لمعاوية من خلال نقضه لهذه الشروط والبنود.

ومن جملة هذه البنود: أن يعمل معاوية في كتاب الله تعالى وسنّة نبيه’ وأن لا يعهد لأحد من بعده، وأن يترك الأمر للناس يختارون من يرونه صالحاً للخلافة، وأن لا يغدر بالإمام الحسن× وشيعته، وغيرها من بنود الصلح. وقد تعهّد معاوية بأن تكون الخلافة من بعده للإمام الحسن× وأن لا يغدر به.

قال البلاذري: «فكتب معاوية كتاباً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب للحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان، إني صالحتك على أن لك الأمر من بعدي، ولك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله محمد (صلّى الله عليه وسلّم) وأشدّ ما أخذه الله على أحد من خلقه من عهد وعقد، لا أبغيك غائلة ولا مكروهاً ... ثم بعث الحسن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمّه هند بنت أبي سفيان، فقال له: ائت خالك، فقل له: إن أمنت بالناس بايعتك، فدفع معاوية إليه صحيفة بيضاء، قد ختم في أسفلها، وقال: اكتب فيها ما شئت.

فكتب الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي، معاوية بن أبي سفيان: صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنّة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين، وعلى أنّه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى، والناس آمنون حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وعلى أن لا يبغي الحسن بن علي غائلةً سرّاً ولا علانية، ولا يخيف أحداً من أصحابه»([964]).

لكن معاوية لم يتقيّد بتلك الشروط وما تعهد به؛ مما أثار حفيظة المسلمين وبدأ الشك يسري عند الصحابة وكبار التابعين، فانكشف حاله أمام المسلمين وعرفوا أنّه لا عهد لمعاوية ولا ذمة، وأنه خان وعوده، فقد جاء في كتاب الأنساب للبلاذري: «ثم قام معاوية فخطب الناس، فقال في خطبته: ألا إني شرطت في الفتنة شروطاً أردت بها الألفة ووضع الحرب، ألا وإنها تحت قدمي»([965]).

وقال ابن أعثم الكوفي: «ثم تكلّم معاوية ... وقد كنت شرطت لكم شروطاً، أردت بذلك الألفة واجتماع الكلمة وصلاح الأمّة وإطفاء النائرة، والآن، فقد جمع الله لنا كلمتنا وأعزّ دعوتنا، فكلّ شرط شرطته لكم، فهو مردود، وكل وعد وعدته أحداً منكم، فهو تحت قدمي. قال: فغضب الناس من كلام معاوية وضجّوا وتكلّموا، ثم شتموا معاوية وهمّوا به في وقتهم ذلك، وكادت الفتنة تقع، وخشي معاوية على نفسه، فندم على ما تكلم به أشد الندم»([966]).


الخلاصة

إنّ هذه الشبهة ضعيفة وليس فيها ما يدلّ على تنازل الإمام الحسن لمعاوية عن منصب الإمامة الإلهية، بل تنازل عن الحكومة، وكان تنازله× له مبرراته وأسبابه، كخذلان جيشه له وحقن دماء المسلمين، والحفاظ على شيعته ومحبيه ممن بقي معه، كما أنّه بهذا الصلح كشف للناس ضلال وزيغ معاوية الذي لولا هذا الصلح لما انكشف لكثير من الناس الذين تبيّن لهم أنّ معاوية شخص لا يحترم العهود والمواثيق التي يجب على المسلم الالتزام بها، فتنازل الإمام× بهذه الكيفية وظل هذه الأجواء لا يعني بأي شكل من الأشكال أنّه تنازل عن الإمامة الإلهية كما تقدّم.


الشبهة: منكر إمامة أحد أئمة الشيعة كافر ويستحق الخلود في النار

قال القفاري: «وينقل شيخهم المفيد اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة الإسلام، فيقول: اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار»([967]).

أساسيات الشبهة

زعم القفاري أنّ الشيعة تعتقد بأنّ من يخالفهم من المذاهب الاُخرى، كلّهم كفرة؛ لأنهم لا يعتقدون بالإمامة التي تقول بها الشيعة، فهم يكفّرون كلّ المسلمين باستثناء طائفتهم، ويحكمون عليهم بأنهم يستحقون جميعاً دخول النار، وهذا واضح في كلمات علمائهم ومشايخهم، فالشيخ المفيد من كبار علمائهم لم يخف ذلك وصرح به.

وهذه الشبهة ترتكز على اُمور هي:

أوّلاً: وقوع الخلط عند القفاري، فلم يفرّق بين أنواع الكفر الواردة في الشريعة، ففهم أن المراد بالكفر هنا، هو الكفر المخرج عن الإسلام الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية المعروفة كالنجاسة وغيرها.

ثانياً: عدم إدراك القفاري لمكانة الإمامة عند الشيعة، ونظرتهم لها، وهل هي من أصول الدين، أم من أصول المذهب عندهم؟ وهل هي ضرورية وبدَهية عند جميع المسلمين أم أنها نظرية؟ ثم هل أنّ منكري إمامة الأئمة، على حدّ سواء عند الشيعة بلا فرق بين من ثبت له ذلك بحجة وأنكر ذلك، وبين من جهل بها؟

فإنّ جميع هذه الاُمور لم يلحظها القفاري في صياغة شبهته، مع أن لها تأثيراً كبيراً في دفع الشبهة من أساسها، كما سيتضح.

ثالثاً: عدم فهم القفاري لمغزى كلام الشيخ المفيد الذي لا يلزم منه تكفير سائر المسلمين، كما زعم القفاري.

الجواب:

الكفر هنا ليس بمعناه المقابل للإسلام

الكفر في اللغة: ستر الشي‏ء وتغطيته، ومنه سمي الليل كافراً؛ لأنّه يغطي كلّ شي‏ء بسواده([968]). والكفر قد استعمل في القرآن في معانٍ عديدة منها:

أولاً: في مقابل الشكر، قال تعالى: {هذا مِن فَضلِ رَبِّي لِيَبلُوَنِي أأَشكُرُ أَم أَكفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ومَن كَفَرَ فإن رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}([969]) وهو ما يعبر عنه بكفر النعم.

ثانياً: الكفر في مقابل الولاء، وهو ما يعبر عنه بكفر البراءة، وذلك في قوله عزّ وجلّ يحكي قول إبراهيم×: {كَفَرنا بِكُم وَبَدا بَينَنا وَبَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَحدَهُ}([970]) فمعنى الكفر هنا: أننا تبرّأنا منكم.

وكذا قوله تعالى الذي يذكر الشيطان وبراءته من أوليائه من الإنس يوم القيامة: {إِنِّي كَفَرتُ بِما أَشرَكتُمُونِ مِن قَبلُ}([971]) وقال: {إِنَّمَا اتَّخَذتُم مِن دُونِ اللَّهِ أَوثاناً مَوَدَّةَ بَينِكُم فِي الحَياةِ الدُّنيا ثُمَّ يَومَ القِيامَةِ يَكفُرُ بَعضُكُم بِبَعضٍ ويَلعَنُ بَعضُكُم بَعضاً}([972]) يعني يتبرّأ بعض من بعض.

ثالثاً: الكفر في مقابل الإيمان، قال الله تعالى: {وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر}([973])، وهذا الكفر تارة يكون بلا معرفة فينكر ربوبية الرب، وتارة يكون مقارناً للمعرفة، فالأول مثل قول القائل: لا ربّ ولا جنّة ولا نار. والثاني من قبيل المعنى في قوله تعالى: {وَكانُوا مِن قَبلُ يَستَفتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فلمّا جاءَهُم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الكافِرِينَ}([974]) فقد استعمل القرآن كلمة كفر وأراد بها من أنكر ما كان به على معرفة وعلم، فهو نكران بعد استقرار في النفس ويقين.

رابعاً: الكفر في مقابل الطاعة، وهو ما يعبر عنه بكفر ترك الأمر الإلهي وهو قول الله تعالى: {وَإِذ أَخَذنا مِيثاقَكُم لا تَسفِكُونَ دِماءَكُم ولا تُخرِجُونَ أَنفُسَكُم مِن دِيارِكُم ثُمَّ أَقرَرتُم وأَنتُم تَشهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُم هؤُلاءِ تَقتُلُونَ أَنفُسَكُم وتُخرِجُونَ فَرِيقاً مِنكُم مِن دِيارِهِم تَظاهَرُونَ عَلَيهِم بِالإِثمِ والعُدوانِ وإِن يَأتُوكُم اُسارى‏ تُفادُوهُم وهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُم إِخراجُهُم أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتابِ وتَكفُرُونَ بِبَعضٍ فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إلاّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عمّا تَعمَلُونَ}([975]).

فتبيّن أنّ الكفر له أكثر من معنى، ولا ينحصر معناه في المعنى المتعارف والذي ينصرف إليه اللفظ وهو الكفر الذي يقابل الإسلام.

ليس كل منكر للإمامة كافراً

تعتقد الشيعة بأنّ الإمامة، على الرغم من وفرة أدلتها من الكتاب والسنة ووضوحها، إلاّ أنها قد اكتنفها شيء من الغموض والتشويش فيما بعد بسبب تضافر عدد من العوامل والظروف الخاصة، مما ساهم في خفائها على الكثير من المسلمين في الماضي والحاضر، فأصبحت ليست ضرورية وبدَهية عند طوائف كثيرة من المسلمين، وإنما هي نظرية بمعنى أنها تحتاج إلى بذل الجهد والنظر والتأمّل في الأدلة والتجرّد عن المتبنيات والأفكار المسبقة، والتحلّي بالموضوعية في البحث العلمي، وهذا مما لا يتوفّر لكثير من الناس، ولذا اعتقد الشيعة أن الإمامة من أصول المذهب الشيعي لا من أصول الدين، قال السيد الخميني&: «إن الإمامة بالمعنى الذي عند الإمامية ليست من ضروريات الدين، فإنها عبارة عن اُمور واضحة بديهية عند جميع طبقات المسلمين، ولعل الضرورة عند كثير على خلافها فضلاً عن كونها ضرورة، نعم هي من أصول المذهب»([976]).

و قال السيد الصدر&: «فمن الجلي أن هذه القضية لم تبلغ في وضوحها إلى درجة الضرورة»([977]).

وقال السيد الخوئي&: «وأمّا الولاية بمعنى الخلافة، فهي ليست بضرورية بوجه، وإنما هي مسألة نظرية وقد فسّروها بمعنى الحبّ والولاء، ولو تقليداً لآبائهم وعلمائهم، وإنكارهم للولاية بمعنى الخلافة، مستند إلى الشبهة»([978]).

من هنا لم يتعامل علماء الشيعة مع منكر الإمامة بشكل واحد، وإنما فرّقوا في ذلك، فمن قام لديه الدليل الواضح على الإمامة وجزم بأنها من الدين ومما جاء به النبي| ثم أنكرها، فحالها سيكون حال بقية اُمور الدين التي حصل العلم بها، فمنكرها يحكم بكفره.

كفر منكر الإمامة كفر معصية أو جحود

وهذا الكفر: إمّا هو من قبيل كفر المعصية، وهو فيما لو لم ينكر أصل الإمامة، وإنّما ترك وعصى الأمر الإلهي بوجوب طاعة الإمام، وهو كفر يستحق فاعله النار والخلود فيها، حاله حال كثير من المعاصي التي توجب دخول النار، وهذا المعنى هو أحد المعنيين اللذين يمكن حمل قول الشيخ المفيد عليهما، ويؤيد هذا المعنى قول الشيخ المفيد في أوائل المقالات، حيث ذكر الشيخ& قبل العبارة التي نقلها القفاري، كلاماً قال فيه: «في تسمية جاحدي الإمامة ومنكري ما أوجب الله تعالى للأئمة من فرض الطاعة ...»([979]). فهو ناظر إلى منكري الطاعة والامتثال للأمر الإلهي. فيكون مقصوده كفر العصيان.

وهذا المعنى يظهر من رواية المفضل عن الإمام الكاظم× عندما سأله عن الإمام من بعده: «قال: قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم، من أطاعه رشد، ومن عصاه كفر»([980]).

وكذلك يجد من يتتبع في الروايات أنّ الكفر قد استعمل كثيراً فيمن ترك أمر الله تعالى، أو أتى بما نهى عنه، من قبيل ما روي عن النبي في صحيح البخاري أنّ النبي قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([981])، أو في مسألة ترك الصلاة مثلاً، فقد روي مسلم والترمذي والنسائي أن رسول الله قال: «إنّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([982]).

وروى الترمذي بسنده عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: «كان أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لا يرون من الأعمال شيئاً تركه كفر غير الصلاة»([983]).

وكذلك أخرج الترمذي أيضاً بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، قال: قال رسول الله: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر».

قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»([984]).

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «وتأوّلوا قوله (صلّى الله عليه وسلّم) بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة على معنى أنّه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر، وهي القتل، أو أنّه محمول على المستحلّ، أو على أنّه قد يؤول به إلى الكفر أو أن فعله فعل الكفار»([985]).

وإمّا أن يكون كفر منكر الإمامة كفر جحود وهو أن ينكر الشيء بعد معرفته، فإن من ينكر الإمامة بعد معرفتها وأنها من الدين الذي جاء به النبي| يعدّ كافراً كفر جحود، وهو الكفر الذي يقابل الإيمان، لأنّه يستلزم تكذيب النبي|، قال الإمام الصادق×: «أما الوجه الآخر من الجحود على معرفة، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حق، قد استقر عنده، وقد قال الله عزّ وجلّ: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً»([986]).

ونظير هذا التكفير موجود في كتب المسلمين، فقد وردت روايات بتكفير من أنكر ثبوت بعض الاُمور المعلومة والثابتة بالأدلة كخروج الدجال أو خروج المهدي في آخر الزمان، فعن جابر (رضي الله عنه) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): من كذب بالدجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر»([987]).

وقد أخرج الجويني في فرائد السمطين عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله’ «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما اُنزل على محمد»([988]).

وعلى هذا المعنى يمكن حمل عبارة الشيخ المفيد في كلامه الذي نقله لنا القفاري، قال: «من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة، فهو كافر ضالّ».

الحكم بكفر منكر الإمامة لا يعم جميع أهل السنة

إنّ كلا المعنيين من الكفر الذي يطلق على منكر الإمامة لا يشمل غالب أهل السنة، لأنّ غالب أهل السنة ينكرون الإمامة جهلاً بها؛ لعدم وضوح دليلها لديهم؛ ولأنهم تعرضوا لممارسات أفضت إلى تغيير جوهري في فهم الدليل الدالّ على الإمامة وضرورتها، فالحكم يختصّ بالذين تبيّن لهم الحق جليّاً وقام عندهم الدليل الواضح، ومع هذا عصوا وعاندوا وجحدوا.

فأهل السنّة ـ في اعتقاد الشيعة ـ هم مسلمون، يجب احترام دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ويجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وعلى هذا روايات أئمة أهل البيت^ وفتاوى علماء الشيعة قديماً وحديثاً.

إسلام أهل السنة في روايات أهل البيت^

لقد دلّت روايات أهل البيت^التي نقلها الشيعة في كتبهم على معاملة المخالفين من أهل السنّة على أنّهم مسلمون إخوة للشيعة في الدين والمعتقد، وحثّت هذه الروايات على حسن معاشرتهم والتفاعل معهم في الأفراح والأتراح، والصلاة معهم في مساجدهم، فعن عبد الله بن سنان، قال: «سمعت أبا عبد الله× يقول: أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، ولا تحملوا الناس([989]) على أكتافكم فتذلّوا، إن الله تبارك وتعالى، يقول في كتابه: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلّوا معهم في مساجدهم»([990]).

وروى زيد الشحّام عن الإمام الصادق× أنّه قال: «يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذّنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك، قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك، قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه»([991]).

وعن إسحاق بن عمّار، قال: «قال لي أبو عبد الله: يا إسحاق أتصلّي معهم في المسجد؟ قلت: نعم، قال: صلّ معهم، فإنّ المصلي معهم في الصفّ الأول، كالشاهر سيفه في سبيل الله»([992]).

وعن الحلبي، عن أبي عبد الله× قال: «من صلّى معهم في الصف الأول كان كمن صلّى خلف رسول الله|»([993]).

وعن معاوية بن وهب، قال: «قلت لأبي عبد الله: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال: تؤدون الأمانة إليهم، وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم»([994]).

فلو كان الشيعة يعتقدون بكفر مخالفيهم من أهل السنة بحيث يخرجونهم عن الإسلام، كيف ينقلون في كتبهم هذه الروايات عن أئمة أهل البيت^؟ بل ويفتي علماؤهم على ضوء هذه الروايات، ويحكمون بإسلامهم والتعامل معهم على هذا الأساس، كما سيأتي.


فقهاء الشيعة يرون إسلام أهل السنة وطهارتهم

لا شكّ في أنّ كون المخالف للشيعة يعدّ مسلماً، وليس كافراً، هو من الواضحات عندهم، وقد شهد لهذا الكثير من أقوال فقهاء الشيعة وعلمائهم، وجرى ذلك على ألسنتهم مجرى الضروريات والمسلمات، وقد صرحوا بعدم كفر مخالفهم ما دام يتلفظ الشهادتين، كما صرّحوا بطهارته ـ مع أنهم يذهبون إلى نجاسة الكافرـ وجواز مناكحته وحرمة ماله، وحرمة انتهاك عرضه.

وإليك بعضاً من أقوالهم:

أقوال فقهاء الشيعة في إسلامهم

قال صاحب الجواهر: «البناء على كفر المخالف، وهو معلوم الفساد، للأخبار المعتبرة ... وبالسيرة القاطعة الدالّة على تحقق الإسلام بالشهادتين ... وبه تحقن الدماء وتنكح النساء وتحل المواريث وغير ذلك»([995]).

وقال في مورد آخر: «ضرورة معلوميّة عدم كفر المخالفين على وجه تجرى عليهم أحكامهم الدنيويّة، للسيرة القطعيّة والأدلّة السمعيّة»([996]).

وقال السيد الخميني: «فإنّ المنساق من الروايات أنّ الشهادتين تمام حقيقة الإسلام، وتمام الموضوع لترتب الآثار الظاهرة على مظهرها»([997]).

وقال أيضاً: «وأمّا الاعتقاد بالولاية، فلا شبهة في عدم اعتباره فيه [معنى الإسلام]، وينبغي أن يعدّ ذلك من الواضحات لدى كافة الطائفة الحقّة، إن أريد بالكفر المقابل له ما يطلق على مثل أهل الذمة من نجاستهم وحرمة ذبيحتهم ومساورتهم وتزويجهم، ضرورة استمرار السيرة من صدر الإسلام إلى زماننا على عشرتهم ومؤاكلتهم ومساورتهم وأكل ذبائحهم والصلاة في جلودها، وترتيب آثار سوق المسلمين على أسواقهم من غير أن يكون ذلك لأجل التقية، وذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد تجشّم»([998]).

وقال السيد الشهيد الصدر: «من آمن بوحدانية الله ورسالة محمد واليوم الآخر، فهو مسلم طاهر، من أيّ فرقة أو طائفة أو أيّ مذهب كان من المذاهب الإسلامية، وكل إنسان أعلن الشهادتين (الشهادة لله وللنبي محمد بالرسالة) فهو مسلم عمليّاً وطاهر، حتى ولو عُلِمَ بأنّه غير منطوٍ في قلبه الإيمان بمدلول الشهادتين مادام هو نفسه قد أعلن الشهادتين، ولم يعلن بعد ذلك تكذيبه لهما، وكل من ولد عن أبوين مسلمين فهو مسلم عملياً وطاهر ما لم يعلن تكذيبه للشهادتين»([999]).

أقوال فقهاء الشيعة في طهارتهم

قال الشيخ الأنصاري: «المشهور طهارة المخالف لأهل الحق ... للأصل وأدلّة طهارة المسلمين من النصّ والإجماع ... هذا مضافاً إلى السيرة القطعية المستمرة من زمن حدوث هذا المذهب إلى يومنا هذا من الأئمة صلوات الله عليهم وأصحابهم، ومن جميع المؤمنين من المباشرة لهم ومساورتهم والأكل من ذبايحهم وأطعمتهم ومزاوجتهم ...»([1000]).

وقال السيد الخوئي: «وقد أسلفنا أن انكار الضروري إنما يستتبع الكفر والنجاسة فيما إذا كان مستلزماً لتكذيب النبي| كما إذا كان عالماً بأنّ ما ينكره مما ثبت من الدين بالضرورة، وهذا لم يتحقق في حقّ أهل الخلاف؛ لعدم ثبوت الخلافة عندهم بالضرورة لأهل البيت^. نعم الولاية ـ بمعنى الخلافة ـ من ضروريات المذهب لا من ضروريات الدين»([1001]).

وقال السيد الخميني&: «بل يمكن دعوى الاجماع أو الضرورة بعدم نجاستهم»([1002]).

وقال أيضاً: «فالتشكيك في طهارة المسلم ... كالتشكيك في البديهي»([1003]).

من أنكر إمامة أحد الشيخين فهو كافر يستحق النار

وبعد أن قمنا بإعطاء تفسير لمعنى الكفر الذي يقول به الشيعة لمن أنكر إمامة أحد أئمة الشيعة، نقول: نحن أيضاً نطالب بتفسير واضح للتكفير الذي يملأ كتب أهل السنة لمن لا يعتقد خلافة الشيخين وينكرها.

وإليك عدة نماذج لا نموذجاً واحداً من أقوال علماء أهل السنة في مختلف الأزمان والأعصار:

قال كمال الدين السيواسي في شرح فتح القدير: «وفي الروافض أن من فضّل علياً على الثلاثة فمبتدع، وإن أنكر خلافة الصديق أو عمر (رضي الله عنهما) فهو كافر»([1004]).

وقال أبو عبد الله المقدسي في الفروع، وأبو الحسن المرداوى في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: «وذكر ابن حامد في أصوله كفر الخوارج والرافضة والقدرِيَّة والمرجِئَة، ومن لم يكفِّرْ من كفَّرناه فُسِّقَ وَهُجِرَ»([1005]).

وقال تقي الدين السبكي: «ورأيت في المحيط من كتب الحنفية عن محمد لا تجوز الصلاة خلف الرافضة، ثم قال: لأنهم أنكروا خلافة أبي بكر، وقد أجمعت الصحابة على خلافته.

وفي الخلاصة من كتبهم في الأصل، ثم قال: وإن أنكر خلافة الصدّيق فهو كافر، وفي الفتاوى البديعية من كتب الحنفية من أنكر إمامة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) فهو كافر وقال بعضهم: هو مبتدع، والصحيح أنّه كافر».

وأضاف أيضاً: «الأمر الرابع المنقول عن العلماء: فمذهب أبي حنيفة أنّ من أنكر خلافة الصدّيق (رضي الله عنه) فهو كافر، وكذلك من أنكر خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ومنهم من لم يَحْكِ في ذلك خلافاً، وقال: الصحيح أنّه كافر، والمسألة مذكورة في كتبهم في الغاية للسروجي، وفي الفتاوى الظهيرية والبديعية، وفي الأصل لمحمد بن الحسن، والظاهر أنهم أخذوا ذلك عن إمامهم أبي حنيفة (رضي الله عنه)»([1006]).

وأمّا ابن نجيم الحنفى، فقال: «والرافضي إنْ فَضّل علياً على غيره فهو مُبتَدِعٌ وإِنْ أَنكر خلافة الصدِّيقِ فهو كافر»([1007]).

وقال ابن حجر الهيتمى: «فمذهب أبي حنيفة (رضي الله عنه) أنّ من أنكر خلافة الصديق أو عمر، فهو كافر، على خلاف حكاه بعضهم، وقال الصحيح: أنّه كافر، والمسألة مذكورة في كتبهم في الغاية للسروجي والفتاوى الظهيرية والأصل لمحمد بن الحسن، وفي الفتاوى البديعية فإنّه قسّم الرافضة إلى كفار وغيرهم، وذكر الخلاف في بعض طوائفهم، وفيمن أنكر إمامة أبي بكر، وزعم أنّ الصحيح أنّه يكفر»([1008]).

وقال أيضاً: «وفي الفتاوى البديعية من أنكر إمامة أبي بكر (رضي الله عنه) فهو كافر، وقال بعضهم: وهو مبتدع، والصحيح أنّه كافر، وكذلك من أنكر خلافة عمر في أصح الأقوال ولم يتعرض أكثرهم للكلام على ذلك»([1009]).

وقال عبد الرحمن الكليبولي في مجمع الأنهر: «قال المرغيناني: تجوز الصلاة خلف صاحب هوى إلاّ أنّه لا تجوز خلف الرافضي والجهني والقدري والمشبهة ومن يقول بخلق القرآن، والرافضي إن فضّل علياً فهو مبتدع، وإن أنكر خلافة الصدّيق فهو كافر»([1010]).

وقال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: «وإن أنكر خلافة الصدّيق كفر كمن أنكر الإسراء لا المعراج وألحق في الفتح عمر بالصديق في هذا الحكم، وألحق في البرهان عثمان بهما أيضاً»([1011]).

وقال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار: «وفي الفتح عن الخلاصة: ومن أنكر خلافة الصدّيق أو عمر فهو كافر»([1012]).

وفي الفتاوى الهندية: «من أنكر إمامة أبي بكر الصّدّيق (رضي الله عنه) فهُو كافرٌ، وعلى قول بعضهم هو مُبتدعٌ وليس بكافر، والصّحيحُ أنّهُ كافرٌ، وكذلك من أنكر خلافة عُمر (رضي اللّهُ عنه) في أصحّ الأقوال، كذا في الظّهيريّة»([1013]).

تكفيرهم الشيعة مطلقاً

لا يقتصر تكفيرهم للشيعة على إنكار خلافة أبي بكر فقط، بل هناك أقوال صريحة وواضحة تدلّ على تكفير عموم الشيعة ـ في الوقت الذي يلتزم الشيعة بإسلام غالب أهل السنة ـ فنجدهم يحكمون بنجاسة الشيعة، بل بوجوب قتلهم، بل وجواز سبي نسائهم، ففي الفتاوى الحميدية المشهورة التي نقحها ابن عابدين، قال في جواب من سأله عن السبب في وجوب مقاتلة الشيعة وجواز قتلهم: «اعلم أسعدك الله أنّ هؤلاء الكفرة والبغاة الفجرة جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد، وأنواع الفسق والزندقة والإلحاد، ومن توقف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم، وسبب وجوب قتالهم وجواز قتلهم البغي والكفر معاً، أما البغي فإنّهم خرجوا عن طاعة الإمام، (خلد الله تعالى ملكه إلى يوم القيامة) ... إلى أن قال: فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفار تابوا أو لم يتوبوا، ثم حكم باسترقاق نسائهم وذراريهم»([1014]).

ثم قال ابن عابدين: «... فلذا أجمع علماء الأعصار على إباحة قتلهم وأنّ من شك في كفرهم كان كافراً»([1015]).

فانظر إلى قوله: بوجوب قتلهم، تابوا أم لم يتوبوا!! وكذلك الحكم باسترقاق نسائهم وذراريهم، وكيف أجمع علمائهم على إباحة قتلهم!

وهناك شواهد عديدة ونماذج لفتاوى تكفيرية في حق أتباع أهل البيت^ صدرت عن علماء أهل السنة منذ العصور الاُولى وحتى يومنا هذا، وقد كفانا القفاري نفسه مؤونة البحث عنها، حيث أفرد لها عنواناً في رسالته هذه سمّاه: (القول بتكفيرهم) في آخر مباحث رسالته، قال: «القول بكفرهم: وقد ذهب إلى هذا كبار أئمة الإسلام كالإمام مالك وأحمد، والبخاري وغيرهم، وفيما يلي نصوص فتاوى أئمة الإسلام وعلمائه في الروافض المسمّون بالاثني عشرية والجعفرية».

ثم بدأ بسرد أسماء العلماء الذين كفّروا الشيعة، وقد بدأ بالإمام مالك وانتهى بالآلوسي صاحب التفسير الذي نقل عنه قوله: «ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الاثني عشرية، وحكموا بإباحة دمائهم وأموالهم وفروج نسائهم»([1016]).

لاحظ الفارق بين معنى الكفر الذي يقول به بعض علماء الشيعة ونتائجه، والكفر الذي يراه أهل السنة ونتائجه!!

ولازال الحكم بتكفير الشيعة في عصرنا هذا قائماً، فها هي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وهي أعلى هيئة إفتاء في السعودية، تصدر الفتاوى الكثيرة بتكفير الشيعة والحكم بنجاستهم.

وهذه بعض النماذج من تلك الفتاوى:

فتوى رقم (1661): سؤال ورد لهم هذا نصّه: «إنّ السائل وجماعة معه مجاورون للمراكز العراقية، وهناك جماعة على مذهب الجعفرية، ومنهم من امتنع عن أكل ذبائحهم، ومنهم من أكل، ونقول: هل يحلّ لنا أن نأكل منها، علماً بأنهم يدعون علياً والحسن والحسين وسائر ساداتهم في الشدّة والرخاء؟».

فجاء جواب الفتوى: «إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أنّ الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وساداتهم، فهم مشركون مرتدون عن الإسلام والعياذ بالله، لا يحل الأكل من ذبائحهم، لأنها ميتة، ولو ذكروا عليها اسم الله»([1017]).

نموذج آخر: فتوى رقم 3008: ورد سؤال هذا نصه: «أنا من قبيلة تسكن في الحدود الشمالية، ومختلطين نحن وقبائل من العراق، ومذهبهم شيعة وثنية يعبدون قبباً ويسمونها بالحسن والحسين وعلي، وإذا قام أحدهم، قال: يا علي يا حسين، وقد خالطهم البعض من قبائلنا في النكاح في كلّ الأحوال، وقد وعظتهم ولم يسمعوا، وهم في القرايا والمناصيب، وأنا ما عندي أعظهم بعلم، ولكن إني أكره ذلك، ولا أخالطهم وقد سمعت أنّ ذبحهم لا يؤكل، وهؤلاء يأكلون ذبحهم ولم يتقيدوا، ونطلب من سماحتكم توضيح الواجب نحو ما ذكرنا».

فجاء نصّ الفتوى: «إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم علياً والحسين والحسن ونحوهم، فهم مشركون شركاً أكبر، يخرج من ملّة الإسلام، فلا يحلّ أن نزوّجهم المسلمات، ولا يحلّ لنا أن نتزوّج من نسائهم، ولا يحلّ لنا أن نأكل من ذبائحهم، قال الله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ اُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}»([1018]).

فهل يوجد أشنع من هذا الاعتقاد، وهذه الأحكام في حقّ المسلمين؟! ومن هو الذي يكفر المسلمين وأمة الإسلام؟!!

تكفير الطوائف السنية بعضهم بعضاً

إنّ دائرة التكفير عند العديد من الطوائف السنيّة لم تقتصر على تكفيرهم للشيعة، بل شملت تكفير بعضهم بعضاً، فكل طائفة تدّعى أنّها على الحق وغيرها لا يملك منه شيئاً، وأن أتباعها هم (أهل السنّة والجماعة) وغيرهم خارجون عن ذلك العنوان، والأمثلة في هذا المجال كثيرة نشير إلى بعضها على سبيل الإشارة والاختصار:


1ـ تكفير غير الأشاعرة من المسلمين

قال أبو إسحاق الشيرازي إمام الشافعية في عصره: «فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (رضي الله عنه) فهو كافر»([1019]).

2ـ تكفير غير الحنابلة من المسلمين

أورد الذهبي في التذكرة عن أبي حاتم بن خاموش الحافظ بالري والذي كان مقدّم أهل السنة فيها([1020])، قوله: «فكلّ من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم»([1021]).

فهم بذلك يكفّرون المسلمين قاطبة باستثناء طائفتهم، وليس بخاف على أحد أن ابن تيمية يكفر كلّ المسلمين بحجة أنهم يتوسلون بالنبي|، أو يستغيثون به أو يزورون قبره.


3ـ تكفير الحنابلة

قال ابن عساكر: «إنّ جماعة من الحشوية والأوباش الرعاع المتوسمين بالحنبلية أظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة ما لم يتسمح به ملحد فضلاً عن موحد»([1022]).

وقال ابن الأثير عند ذكره الفتنة التي وقعت بين الشافعية والحنابلة: «ورد إلى بغداد هذه السنة الشريف أبو القاسم البكري المغربي الواعظ، وكان أشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك فأحبّه ومال إليه وسيّره إلى بغداد وأجرى عليه الجراية الوافرة، فوعظ بالمدرسة النظامية، وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم ويقول: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا»([1023]).

4 ـ تكفير أبي حنيفة وأتباعه

عن سفيان الثوري، قال: «استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين»([1024])، وفي الانتقاء لابن عبد البرّ: «وقال نعيم عن الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله، كان يهدم الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود أشرّ منه»([1025]).

وروى الخطيب البغدادي بإسناده عن الحنيني، قال: «سمعت مالكاً يقول: ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة»([1026]).

روى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي بكر السجستاني يقول لأصحابه: «ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصحّ من هذه، فقال: هؤلاء كلّهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة»([1027]).

وفي كتاب السنة عن سفيان أنّه ذكر أبا حنيفة، فقال: «استتيب أصحابه من الكفر غير مرة»([1028]).

وعن شريك أنّه كان يقول: «لأن يكون في كلّ حي من الأحياء خمّار خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة»([1029]).

ومسألة تكفير أبي حنيفة وأتباعه وتضليلهم وتبديعهم مما امتلأت بها كتب الرجال والدراية والمجامع الحديثية.

فعلى هذا ألا يعدّ من الاجحاف أن يتّهم الشيعة بالتكفير وهم ضحايا فتاوى التكفير والتبديع؟!! ولكن قديماً قيل: رمتني بدائها وانسلت.


 

مصادر الكتاب

الكتب:

* القرآن الكريم.

1.               الآلوسي البغدادي، أبو الفضل شهاب الدين محمود، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

2.               الآلوسي البغدادي، أبو الفضل شهاب الدين محمود، مختصر التحفة الاثني عشرية للدهلوي، الناشر: المكتبة السلفية، تحقيق: محب الدين الخطيب.

3.               ابن أبي الحديد المعتزلي، عزّ الدين، أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

4.               ابن أبي شيبة الكوفي، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، الناشر: دار الفكر للطباعة ـ بيروت، ط1ـ 1409هـ.

5.               ابن أبي عاصم الضحاك، أبو بكر عمرو الشيباني، الأوائل، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت.

6.               ابن أبي عاصم الضحاك، أبو بكر عمرو الشيباني، كتاب السنّة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3ـ 1413م.

7.               ابن أبي عاصم الضحاك، أبو بكر عمرو الشيباني، كتاب السنّة، تحقيق: أ. د. باسم بن فيصل الجوابرة، الناشر: دار الصميعي، ط1ـ 1419هـ.

8.               ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد بن محمد، كتاب الفتوح، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الأضواء ـ لبنان، ط1ـ 1411هـ.

9.               ابن الأثير الجزري، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد، اُسد الغابة في معرفة الصحابة، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

10.         ابن الأثير الجزري، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد، الكامل في التاريخ، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت، طبعة عام 1386هـ.

11.         ابن الأثير الجزري، مجد الدين أبو السعادات، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث، تحقيق: طاهر الزاوي، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط4.

12.         ابن أنس، مالك، المدونة الكبرى، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

13.         ابن أنس، مالك، الموطأ، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1406هـ.

14.         ابن بشر النجدي الحنبلي، عثمان بن عبد الله، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، الناشر: دارة الملك عبد العزيز ـ الرياض، ط 4ـ 1402 هـ.

15.         ابن بكار، أبو عبد الله، الأخبار الموفقيات، تحقيق: سامي مكي العاني، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت، ط2ـ 1416هـ.

16.         ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

17.         ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت، ط1ـ 1406هـ.

18.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير، تحقيق: محمد عبد الرحمن عبد الله، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

19.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، العلل المتناهية، تحقيق: خليل الميس، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1403هـ.

20.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، الناشر: دار صادر ـ بيروت، ط1ـ 1358هـ.

21.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، الموضوعات، ضبط وتقديم وتحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1386هـ.

22.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، مناقب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: هجر للطباعة والنشر، ط2.

23.         ابن حبّان، التميمي البستي، محمد، صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط2ـ 1414هـ.

24.         ابن حبّان، التميمي البستي، محمد، كتاب الثقات، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ بحيدر آباد الدكن ـ الهند، ط1ـ 1393هـ.

25.         ابن حبّان، التميمي البستي، محمد، كتاب المجروحين، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الباز ـ مكة المكرمة.

26.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

27.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تغليق التعليق، تحقيق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، الناشر: المكتب الإسلامي، دار عمار ـ بيروت، ط1ـ 1405هـ.

28.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تقريب التهذيب، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1415هـ.

29.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1404هـ.

30.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند، ط2ـ 1972م.

31.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، طبقات المدلسين، تحقيق: عاصم بن عبد الله القريوني، الناشر: مكتبة المنار، ط1.

32.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

33.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، لسان الميزان، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط2ـ 1390هـ.

34.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، المطالب العالية، تحقيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشتري، الناشر: دار العاصمة / دار الغيث ـ السعودية، ط1ـ 1419هـ.

35.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، نزهة النظر، تحقيق: عمر عبد المنعم سليم، الناشر: مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة، ط1ـ 1415هـ.

36.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، هدي الساري مقدمة فتح الباري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

37.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، القول المسدد في مسند أحمد، الناشر: عالم الكتب، طبعة عام 1404هـ

38.         ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، الإحكام في أصول الأحكام، الناشر: زكريا علي يوسف، طبع: مطبعة العاصمة ـ القاهرة.

39.         ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، الناشر: مكتبة الخانجي ـ القاهرة.

40.         ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، المحلى، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

41.         ابن خلاد الرامهرمزي، الحسن بن عبد الرحمن، أمثال الحديث المروية عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، تحقيق: أحمد عبد الفتاح تمام، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، ط1ـ 1409هـ

42.         ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، تاريخ ابن خلدون (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط4. ونشر: دار الفكر، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس: الاُستاذ خليل شحادة، راجعه: د. سهيل زكّار.

43.         ابن خلكان، أبو العباس، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الثقافة ـ بيروت.

44.         ابن دريد، محمد بن الحسن، جمهرة اللغة، تحقيق: البعلبكي، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، طبعة عام 1987م.

45.         ابن راشد، مفلح، إلزام النواصب، تحقيق: الشيخ عبد الرضا النجفي، ط1ـ 1420هـ.

46.         ابن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، مسند إسحاق ابن راهويه، تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، الناشر: مكتبة الإيمان ـ المدينة المنورة، ط1، 1412 هـ.

47.         ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد، الذيل على طبقات الحنابلة، تحقيق: د. عبد الرحمن بن سلمان العثيمين، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض ـ ط1ـ 1425 هـ.

48.         ابن زيني، أحمد بن زيني دحلان المكي، السيرة النبوية، الناشر: دار القلم العربي ـ حلب، ط1ـ 1417هـ.

49.         ابن سعد، أبو عبد الله، محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

50.         ابن شهر آشوب، مشير الدين محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الناشر: المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف، طبعة عام 1376هـ.

51.         ابن الصباغ المالكي، نور الدين علي بن محمد المكي، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة، تحقيق: سامي الغريري، الناشر: دار الحديث، ط1ـ 1422هـ.

52.         ابن الصدّيق الغماري، أحمد، جؤنة العطار في طرف الفوائد من لطائف الأخبار، طبعة حجرية.

53.         ابن الصدّيق الغماري، أحمد، فتح الملك العلي، تحقيق وتعليق وتصحيح الأسانيد: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي× العامة ـ أصفهان، ط3ـ 1403هـ.

54.         ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن، علوم الحديث (مقدمة ابن الصلاح)، تعليق وشرح وتخريج: أبي عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1416هـ.

55.         ابن طلحة الشافعي، كمال الدين محمد، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية، الناشر: مؤسسة أم القرى، ط1ـ 1420هـ

56.         ابن طولون الدمشقي، شمس الدين محمد بن علي، الأئمة الاثنا عشر، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

57.         ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، حاشية رد المحتار على الدر المختار، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت ـ 1421هـ.

58.         ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، نسخة مخطوطة 1264هـ

59.         ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1ـ 1412هـ.

60.         ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، الإنباه على قبائل الرواة، تحقيق: إبراهيم الأبياري، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1405هـ.

61.         ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

62.         ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله بن محمد، جامع بيان العلم وفضله، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

63.         ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن محمد، العقد الفريد، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ط3ـ 1420هـ.

64.         ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد، عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1425هـ.

65.         ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شبري، الناشر: دار الفكر ـ بيروت ـ طبعة عام 1415هـ.

66.         ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، تبيين كذب المفتري، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط3ـ 1404هـ.

67.         ابن العماد العكري الحنبلي، عبد الحي بن أحمد بن محمد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير ـ دمشق، ط1ـ 1406هـ.

68.         ابن عنبة، جمال الدين أحمد بن علي، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طلب، تحقيق: محمد حسن آل طالقاني، الناشر: المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، ط2ـ 1380هـ.

69.         ابن فارس، أحمد، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، الناشر: المكتبة السلفية ـ القاهرة.

70.         ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، تحقيق: طه محمد الزيني، الناشر: مؤسسة الحلبي.

71.         ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، غريب الحديث، تحقيق: د. عبد الله الجبوري، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1ـ 1408هـ.

72.         ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، المعارف، تحقيق: د. ثروت عكاشة، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

73.         ابن قدامة المقدسي، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

74.         ابن قيّم الجوزية، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، المنار المنيف، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط2ـ 1403هـ.

75.         ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

76.         ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفةـ بيروت، طبعة عام 1412هـ.

77.         ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل، السيرة النبويّة، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

78.         ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، نسخة مذيلة بتعليق الألباني، اعتنى به أبو عبيدة مشهور ابن حسن، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط1. ونشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، تعليق: الألباني، تحقيق: علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي، ط1ـ 1419هـ. ونشر: دار الفكر ـ بيروت، تحقيق وترقيم وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي.

79.         ابن مردويه، أحمد بن موسى، مناقب علي بن أبي طالب×، جمعه ورتبه وقدم له: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، الناشر: دار الحديث، ط2ـ 1424هـ.

80.         ابن معين، يحيى بن معين بن عون المري، تاريخ ابن معين برواية الدوري، تحقيق: عبد الله أحمد حسن، الناشر: دار القلم ـ بيروت.

81.         ابن المغازلي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي، مناقب علي بن أبي طالب×، تحقيق: محمد باقر البهبودي، الناشر: المكتبة الإسلامية ـ طهران، ط2ـ 1402هـ.

82.         ابن منظور، أبو الفضل، جمال الدين بن مكرم، لسان العرب، الناشر: دار صادر ـ بيروت، ط1.

83.         ابن نجيم الحنفي، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

84.         ابن هشام، محمد عبد الملك، السيرة النبوية، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح ـ مصر، طبعة عام 1383هـ.

85.         أبو الحسن، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للمرداوي، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1377هـ.

86.         أبو داود، ابن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكرـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

87.         أبو رية، محمود، أضواء على السنة النبوية، الناشر: البطحاء، ط5.

88.         أبو زهرة، محمد، الإمام الصادق، الناشر: دار الفكر العربي ـ القاهرة.

89.         أبو زيد، بكر بن عبد الله، التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل، الناشر: دار العاصمة ـ الرياض، ط1ـ 1413هـ

90.         أبو الفداء، عماد الدين إسماعيل بن علي، المختصر من أخبار البشر، الناشر: مكتبة المتنبي ـ القاهرة.

91.         أبو الفرج الأصبهاني، علي بن الحسين بن محمد، مقاتل الطالبيين، تقديم وإشراف: كاظم المظفر، الناشر: المكتبة الحيدريةـ النجف الأشرف، ط2ـ 1385هـ.

92.         أبو نصر البخاري، سهل بن عبد الله، سرّ السلسلة العلوية، تقديم وتعليق: السيد محمد صادق بحر العلوم، طبعة مصوّرة عن طبعة المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف ـ 1381هـ، الناشر: انتشارات الشريف الرضي، ط1ـ 1413هـ.

93.         أبو نعيم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1405هـ.

94.         أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق.

95.         الأردبيلي، الغروي، محمد بن علي، جامع الرواة، الناشر: مكتبة المحمدي.

96.         الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط1.

97.         الإسكافي، أبو جعفر محمد بن عبد الله المعتزلي، المعيار والموازنة، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط1ـ 1402هـ.

98.  الأشعري القمي، سعد بن عبد الله، كتاب المقالات والفرق، صححه وعلّق عليه: د. محمد جواد مشكور، الناشر: مركز انتشارات علمي وفرهنگي ـ قم، صححه وعلّق عليه: د. محمد جواد مشكور، ط2ـ 1361 هـ ش.

99.  الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ.

100.   الألباني، محمد ناصر الدين، التعليقات الرضية على الروضة الندية، تحقيق: علي بن حسن بن علي بن عبد الحميد الحلبي، الناشر: دار ابن عفان ـ السعودية، ط1ـ 1423هـ.

101.   الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، طبعة عام 1415هـ.

102.   الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح الجامع الصغير وزيادته، الناشر: المكتب الإسلامي، ط3ـ 1408هـ.

103.   الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح سنن الترمذي، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط2 الجديدة 1422هـ.

104.   الألباني، محمد ناصر الدين، صفة صلاة النبي، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ـ الرياض.

105.   الألباني، محمد ناصر الدين، ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3 ـ 1413هـ.

106.   أمين، أحمد، ضحى الإسلام، الناشر: مكتبة النهضة المصرية، الطبعة السابعة.

107.   أمين، أحمد، يوم الإسلام، الناشر: مكتبة الخانجي ـ مصر، طبعة عام 1958م.

108.   الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت.

109.   الأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، تحقيق ونشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية ـ قم، ط1ـ 1416هـ. ونشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1397هـ.

110.   الإيجي، عضد الدين عبد الرحمن الشافعي، المواقف في علم الكلام، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الناشر: دار الجيل، ط1ـ 1417هـ.

111.   البخاري، أبو نصر، سهل بن عبد الله بن داود، سرّ السلسلة العلوية، تقديم وتعليق: السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر: انتشارات الشريف الرضي، ط1ـ 1413هـ.

112.   البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، التاريخ الكبير، الناشر: المكتبة الإسلامية، ديار بكر ـ تركيا.

113.   البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1401هـ. وترقيم الأحاديث نسخة: بيت الأفكار الدولية، اعتنى به: أبو صهيب الكرمي، طبعة عام 1419هـ.

114.   البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، طبعة عام 1370هـ الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

115.   البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، مسند البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت، ط1ـ 1409هـ.

116.   البسوي، أبو يوسف يعقوب بن سفيان، المعرفة والتاريخ، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، الناشر: مكتبة الدارـ المدينة المنورة، ط1ـ 1410 هـ.

117.   البغوي، الحسين بن مسعود الشافعي، تفسير البغوي (معالم التنزيل)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

118.   البغوي، حسين بن مسعود، شرح السنة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

119.   البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: د. سهيل زكّار ود. رياض زركلي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

120.   البوصيري، أحمد بن أبي بكر، إتحاف الخيرة المهرة، تحقيق: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد / أبي إسحاق السيد بن محمود بن إسماعيل، الناشر: مكتبة الرشيد ـ الرياض، ط1ـ 1419هـ.

121.   البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت، ط1ـ 1401هـ.

122.   البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، علّق عليه: د. عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ودار الريان للتراث، ط1ـ 1408هـ

123.   البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، وفي ذيله الجوهر النقي للعلامة علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، الناشر: دار الفكر.

124.   البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، معرفة السنن والآثار، تحقيق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية.

125.   الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي (الجامع الصحيح)، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وآخرين، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1419هـ. ونشر: مكتبة مصطفى البابي الحلبي ـ مصر، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر. ونشر: دار الحديث ـ القاهرة، تحقيق: مصطفى محمد حسين الذهبي، ط1ـ 1419هـ.

126.   الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

127.   الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، العلل الصغير، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

128.   تسيهر، جولد، العقيدة والشريعة في الإسلام، طبعة القاهرة 1946م.

129.   التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله، شرح المقاصد في علم الكلام، الناشر: دار المعارف النعمانية ـ باكستان، ط1ـ 1401هـ.

130.   الثعلبي، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، تفسير الثعلبي (الكشف والبيان)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1422هـ.

131.   الجبرتي، عبد الرحمن بن حسن، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

132.   الجرجاني، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، الكامل في ضعفاء الرجال، قراءة وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3ـ 1409هـ.

133.   الجزري، شمس الدين محمد بن محمد، أسني المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب، تحقيق: د. محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين× العامة ـ أصفهان.

134.   الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط4ـ 1407هـ.

135.   الجويني، إبراهيم بن محمد بن المؤيد، فرائد السمطين، حققه وعلّق عليه: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مؤسسة المحمودي ـ بيروت، ط1ـ 1428 هـ.

136.   حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت

137.   الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، إشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

138.   الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، معرفة علوم الحديث، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، تصحيح: السيد معظم حسين، الناشر: منشورات دار الآفاق ـ بيروت، ط4ـ 1400هـ.

139.   الحرّ العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث قم، ط2ـ 1414هـ.

140.   الحسكاني، عبد الله بن أحمد، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، ط1ـ 1411هـ.

141.   حسين، طه، الفتنة الكبرى (علي وبنوه)، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة، ط13.

142.   الحلبي، علي بن برهان الدين، السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، الناشر: دار المعرفة، طبعة عام 1400هـ.

143.   الحلّي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي نهج الحق وكشف الصدق، تقديم: السيد رضا الصدر، تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي، الناشر: دار الهجرة ـ قم، طبعة عام 1421هـ.

144.   الحلّي، حسن بن سليم، مختصر بصائر الدرجات، الناشر: المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف، ط1ـ 1370هـ.

145.   الحميدي، محمد بن فتوح، الجمع بين الصحيحين، تحقيق: د. علي حسين البواب، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت، ط2ـ 1423هـ.

146.   الخازن، علي بن محمد بن إبراهيم، تفسير الخازن، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

147.   الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

148.   الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، تقييد العلم، تحقيق: يوسف العش، الناشر: دار إحياء السنة النبوية، ط2ـ 1974هـ.

149.   الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، الكفاية في علم الرواية، تحقيق: أحمد عمر هاشم، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1405هـ.

150.   الخطيب التبريزي، محمد بن عبد الله، مشكاة المصابيح، تحقيق، محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2ـ 1399هـ.

151.   الخطيب، عبد الكريم، عمر بن الخطاب، الناشر: الإرشاد ـ بيروت ـ لندن، ط7ـ 2005هـ.

152.   الخميني، روح الله الموسوي، البيع، الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط1ـ 1421 هـ.

153.   الخميني، روح الله الموسوي، كتاب الطهارة، طبعة مصورة، عن نسخة الآداب في النجف الأشرف 1389هـ.

154.   الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي، كتاب الطهارة، الناشر: مؤسسة آل البيت^ ـ قم، ط2، المطبعة: بهرام.

155.   الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي، معجم رجال الحديث، ط5ـ 1413هـ

156.   الخوارزمي الحنفي، الموفق بن أحمد، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط2ـ 1414هـ

157.   الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد، سنن الدارمي، الناشر: مطبعة الاعتدال ـ دمشق، طبعة عام 1349 هـ.

158.   الداني، أبو عمرو عثمان بن سعيد المقرئ، السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، تحقيق: د. رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري، الناشر: دار العاصمة ـ الرياض، ط1ـ 1416هـ.

159.   الدسوقي، شمس الدين محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

160.   الدمشقي الباعوني الشافعي، أبو البركات شمس الدين محمد بن أحمد، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي×، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ـ قم، ط1ـ 1415هـ.

161.   الدهلوي عبد الحق بن سيف الدين، مقدمة في أصول الحديث، تحقيق: سلمان الحسيني الندوي، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، ط2ـ 1406هـ.

162.   الدولابي، أبو بشر محمد بن أحمد، الكنى والأسماء، تحقيق: أبي قتيبة، نظر محمد الفاريابي، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت، ط1ـ 1421هـ.

163.   الدياربكري، حسين بن محمد، تاريخ الخميس، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

164.   الدينوري، أبو حنيفة، أحمد بن داود، الأخبار الطوال، تحقيق: د. عصام محمد الحاج علي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1421هـ.

165.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، العبر في خبر من غبر، تحقيق: صلاح الدين المنجد، الناشر: مطبعة حكومة الكويت، ط2ـ 1984م.

166.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمرى، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

167.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تذكرة الحفاظ، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

168.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، تحقيق مجموعة من الباحثين: شعيب الأرنؤوط، أكرم البوشي، صالح السمر، محمد نعيم العرقوسي، علي أبي زيد.

169.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، تقديم وتعليق: محمد عوامة، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة، ط1ـ 1413هـ.

170.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، المغني في الضعفاء، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1418هـ.

171.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفةـ بيروت، ط1ـ 1382هـ.

172.   الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الشافعي الطبرستاني، التفسير الكبير، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1421هـ.

173.   الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الشافعي الطبرستاني، المحصول في علم الأصول، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض، ط1ـ 1400هـ.

174.   الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، الجرح والتعديل، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1371 هـ.

175.   الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم (تفسير القرآن)، تحقيق: أسعد محمد خطيب، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

176.   الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، الشجرة المباركة في أنساب الطالبية، تحقيق: السيد مهدي الرجائي؛ الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي ـ قم المقدسة، ط1ـ 1409هـ.

177.   الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

178.   الراغب الأصفهاني، أبو القاسم، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، الناشر: دفتر نشر الكتاب، ط2ـ 1404هـ.

179.   الرافعي، مصطفى، إسلامنا، الناشر: الدار الإسلامية ـ بيروت، ط2ـ 1412هـ.

180.   رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم، الناشر: دار المعرفةـ بيروت، ط2، مصورة على ط1 بمطبعة المنار 1342هـ.

181.   الرضوي، السيد مرتضى بن السيد محمد الرضوي الكشميري، مع رجال الفكر في القاهرة، الناشر: مؤسسة الإرشاد ـ بيروت، ط4ـ 1418هـ.

182.   الزركشي، أبو عبد الله، محمد بن بهادر بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية ـ بيروت، ط1ـ 1376هـ.

183.   الزركلي، خير الدين بن محمود الدمشقي، الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط5ـ 1980م.

184.   الزرندي، محمد بن يوسف، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول، تحقيق: ماجد بن أحمد بن عطية.

185.   الزمخشري، أبو القاسم، جار الله محمود بن عمر الخوارزمي، الفايق في غريب الحديث، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

186.   الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمي، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

187.   سبط ابن الجوزي، أبو المظفر يوسف بن قزغلي، تذكرة الخواص، الناشر: مؤسسة أهل البيت^ ـ بيروت، طبعة عام 1401هـ.

188.   السبكي، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: د. محمود محمد القناعي، د. عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: هجر للطباعة، ط2ـ 1413هـ.

189.   السخاوي، شمس الدين، محمد بن عبد الرحمن بن محمد، الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع، الناشر: دار مكتبة الحياة ـ بيروت.

190.   السمعاني، أبو سعد، عبد الكريم بن محمد بن منصور، الأنساب، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، الناشر: دار الجنان ـ لبنان، ط1ـ 1408هـ.

191.   السموأل، ابن يحيى بن عباس المغربي، إفحام اليهود وقصة إسلام السموأل ورؤياه النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، تحقيق: د. محمد عبد الله الشرقاوي، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط3ـ 1990هـ.

192.   السهيلي، أبو القاسم، أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن، الروض الآنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق وتعليق: عبد الرحمن الوكيل، الناشر: مكتبة ابن تيمية، طبعة عام 1410هـ.

193.   السويدي، محمد أمين، سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، الناشر: منشورات الشريف الرضي، ط2 طبعة مصورة عن طبعة المكتبة العلمية ـ بيروت

194.   السيواسي، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، شرح فتح القدير، دار النشر: دار الفكرـ بيروت، ط2.

195.   السيوطي، أبو الفضل، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان، تحقيق: سعيد المندوب، الناشر: دار الفكر، ط1ـ 1416هـ.

196.   السيوطي، أبو الفضل، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تنوير الحوالك، تصحيح: الشيخ محمد عبد العزيز الخالدي، الناشر: منشورات محمد علي بيضون ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

197.   السيوطي، أبو الفضل، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1401هـ.

198.   السيوطي، أبو الفضل، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الحاوي للفتاوي، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط 1ـ 1421 هـ.

199.   السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

200.   السيوطي، أبو الفضل، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، الناشر: دار ابن عفان للنشر والتوزيع ـ المملكة العربية السعودية، ط1ـ 1416هـ.

201.   الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي، الموافقات في أصول الفقه، علّق عليه: مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، ط1ـ 1417هـ.

202.   الشافعي، محمد بن إدريس، كتاب الأمّ، الناشر: دار الفكر، ط2ـ 1403هـ.

203.   شرف الدين الموسوي، السيد عبد الحسين بن السيد يوسف، المراجعات، تحقيق: حسين الراضي، ط2ـ 1402هـ.

204.   الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي، نهج البلاغة، شرح: الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم، ط1ـ 1412هـ

205.   الشعراني، علي بن برهان الدين، اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط 1ـ 1418 هـ، طبعة جديدة مصححة.

206.   الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

207.   الشهرستاني، السيد عبد الرضا، المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه، الناشر: مطبعة خراسان ـ مشهد، طبعة عام 1398هـ.

208.   الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

209.   الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، طبعة عام 1973م.

210.   الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1ـ 1403هـ.

211.   الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، الناشر: دار صادر ـ بيروت. ونشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة، تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط. ونشر: دار الحديث ـ القاهرة، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر وحمزة أحمد الزين، ط1ـ 1416هـ.

212.   الشيباني، أحمد بن حنبل، العلل، تحقيق: د. وصي الله بن محمود عباس، المطبعة: المكتب الإسلامي ـ بيروت، الناشر: دار الخاني ـ الرياض، ط1ـ 1408هـ.

213.   الشيباني، عبد الله بن أحمد بن حنبل، السنة، تحقيق: د. محمد سعيد سالم القحطاني، الناشر: دار ابن القيم ـ الدمام، ط1ـ 1406هـ.

214.   الشيخ النظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ناشر: دار الفكر ـ 1411هـ

215.   الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم، شرح اللمع، حققه وقدّم له ووضع فهارسه: عبد المجيد تركي، الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

216.   الصابوني المكي، محمد علي، صفوة التفاسير، إشراف: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1421هـ.

217.   صبحي، أحمد محمود، نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية، الناشر: دار النهضة العربية ـ بيروت، ط1ـ 1411 هـ.

218.   الصدر، محمد باقر، بحث حول المهدي، تحقيق: د. عبد الجبار شرارة، الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية، الطبعة: الاُولى المحققة ـ 1417هـ.

219.   الصدر، محمد باقر، شرح العروة الوثقى، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف، ط1ـ 1391هـ.

220.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، علل الشرائع، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر: منشورات المكتبة الحيدريةـ النجف الأشرف، طبعة عام 1385هـ.

221.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا×، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

222.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، طبعة عام 1405هـ.

223.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط2.

224.   الصفدي، صلاح الدين خليل، الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، طبعة عام 1420هـ.

225.   صفوت، أحمد زكي، جمهرة خطب العرب، الناشر: المكتبة العلمية ـ بيروت.

226.   الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

227.   الصنعاني، محمد بن إسماعيل، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنوّرة.

228.   الضحاك، أحمد بن عمرو، أبو بكر الشيباني، الآحاد والمثاني، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، الناشر: دار الرايةـ الرياض، ط1ـ 1411هـ.

229.   الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم.

230.   الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، مسند الشاميين، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط2ـ 1417هـ.

231.   الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، الناشر: دار الحرمين، طبعة عام 1415هـ.

232.   الطبراني، أبو القاسم، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2ـ 1404هـ.

233.   الطبرسي، أبو علي، الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، الناشر: مؤسسة آل البيت× لإحياء التراث ـ قم.

234.   الطبرسي، أبو علي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

235.   الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، الناشر: دار النعمان ـ النجف الأشرف، طبعة عام 1386هـ.

236.   الطبري، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى، الناشر: مكتبة القدسي ـ القاهرة، طبعة عام 1356هـ.

237.   الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، تحقيق ومراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

238.   الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1415هـ.

239.   الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة، شرح مشكل الآثار، تحقيق: شعيب الارنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط2ـ 1408هـ.

240.   الطحطاوي الحنفي، أحمد بن محمد بن إسماعيل، حاشية على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للشيخ حسن بن عمار الشرنبلالي، طبعه وصحّحه محمد بن عبد العزيز الخالدي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

241.   الطريحي، فخر الدين بن محمد بن علي، مجمع البحرين، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الناشر: مكتب نشر الثقافة الإسلامية، ط2ـ 1408هـ.

242.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

243.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1ـ 1414هـ.

244.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ط4ـ 1365 هـ ش.

245.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، رجال الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط 1ـ 1415هـ.

246.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، كتاب الغيبة، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم، ط1ـ 1411هـ.

247.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، المبسوط في فقه الإمامية، تصحيح وتعليق: السيد محمد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

248.   العجلوني الجراحي، إسماعيل بن محمد، كشف الخفاء ومزيل الالتباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3ـ 1408هـ.

249.   العجلي، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح، معرفة الثقات، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1405هـ.

250.   العصامي المكي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1419هـ

251.   العصفري، خليفة بن خياط بن أبي هبيرة، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: د. سهيل زكار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

252.   العظيم آبادي، أبو الطيب محمد شمس الحق، عون المعبود شرح سنن أبي داود، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1415هـ.

253.   العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو المكي، كتاب الضعفاء الكبير، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1418هـ.

254.   العلامة الحلّي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق: جواد قيومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط1ـ 1417هـ.

255.   العلوي العمري، علي بن محمد، المجدي في أنساب الطالبين، تحقيق: د. أحمد المهدوي الدامغاني، إشراف: د. السيد محمود المرعشي، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي ـ قم المقدسة، ط1ـ 1409هـ.

256.   العلوي، محمد بن عقيل بن عبد الله، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، الناشر: دار الثقافة ـ قم، ط1ـ 1412هـ.

257.   العيني، بدر الدين أبو محمد، محمود بن أحمد الحنفي، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

258.   الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، مجموعة رسائل الغزالي ـ الرسالة اللدنية، تحقيق: إبراهيم أمين لحد، الناشر: المكتبة التوفيقية ـ مصر.

259.   فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدّويش، طبع ونشر: مؤسسة الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود، ط4 ـ 1423هـ

260.   الفيض الكاشاني، محمد محسن، علم اليقين، الناشر، مؤسسة بيدار ـ قم، ط 1400هـ.

261.   القاري، علي بن سلطان محمد، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1422هـ.

262.   القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، المغني في الإمامة، تحقيق: د. عبد الحليم محمود ود. سليمان دنيا، مراجعة: د. إبراهيم مدكور، إشراف: طه حسين، الناشر: الدار المصرية للتأليف والترجمة.

263.   القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، تثبيت دلائل النبوة، تحقيق وتقديم: د. عبد الكريم عثمان، الناشر: دار العربيةـ بيروت

264.   القاضي عياض، أبو الفضل عياض بن موسى، الشفا بتعريف حقوق المصطفى|، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1409هـ.

265.   القاضي النعمان، أبو حنيفة بن محمد بن منصور المغربي، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط2ـ 1414هـ.

266.   القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، التذكرة في أحوال الموتى واُمور الآخرة، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1421هـ. ونشر: دار المنهاج ـ الرياض، تحقيق ودراسة: د. الصادق بن محمد بن إبراهيم، ط1ـ 1425هـ.

267.   القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. ونشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، تحقيق: أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، طبعة عام 1405هـ.

268.   القرطبي، الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تحقيق: محيي الدين ديب، يوسف علي بديوي، أحمد محمد السيد، محمود إبراهيم بزال، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب ـ دمشق ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

269.   القسطلاني، شهاب الدين أحمد، إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ

270.   القفاري، ناصر بن عبد الله بن علي، اُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة، ط3ـ 1418هـ

271.   القمي، الشيخ عباس بن محمد رضا، بيت الأحزان، الناشر: دار الحكمة ـ قم، الطبعة الجديدة الاُولى ـ 1412هـ.

272.   القمي، الشيخ عباس بن محمد رضا، الكنى والألقاب، تقديم: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة الصدر ـ طهران.

273.   القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الناشر: دار الاُسوة، ط1ـ 1416هـ.

274.   الكتاب المقدس، الناشر: دار المشرق ـ بيروت، ط 2ـ 1988م.

275.   الكتاني، محمد بن جعفر، نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الناشر: دار الكتب السلفية ـ مصر، ط2 المصححة.

276.   الكرماني، شمس الدين محمد بن يوسف، صحيح أبي عبد الله البخاري بشرح الكرماني، الناشر: دار الفكر ـ بيروت ـ ط1ـ 1411هـ طبعة مصورة.

277.   الكشميري، محمد، العرف الشذي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1425هـ.

278.   الكعبي، عبد الزهرة، مصادر نهج البلاغة، الناشر: دار الزهراء ـ بيروت، ط4.

279.   الكليبولي، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، خرّج آياته وأحاديثه: خليل عمران المنصور، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1419هـ.

280.   الكليني البغدادي، أبو جعفر، محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

281.   الكنجي الشافعي، محمد بن يوسف، البيان في أخبار صاحب الزمان، تحقيق: الشيخ مهدي محمد الفتلاوي، الناشر: دار المحجة البيضاء ـ دار الرسول الأكرم، ط1ـ 1421هـ.

282.   الكنجي الشافعي، محمد بن يوسف، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب×، تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد هادي الأميني، الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت^، ط3ـ 1404هـ

283.   اللالكائي، أبو القاسم، هبة الله بن الحسن بن منصور، الطبري الرازي، الشافعي، اعتقاد أهل السنة، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، الناشر: دار طيبة ـ الرياض، طبعة عام 1402.

284.   اللكنوي، محمد بن الحسين، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، تصحيح: السيد محمد بدر الدين أبي فراس النعساني، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

285.   المالكي، حسن بن فرحان، قراءة في كتب العقائد، الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الأردن، ط2ـ 1425هـ.

286.   المالكي، حسن بن فرحان، نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي، الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية ـ الرياض، طبعة عام 1418هـ.

287.   المامقاني، عبد الله، تنقيح المقال، نسخة حجريّة، المطبعة المرتضوية ـ النجف الأشرف، طبعة عام 1352، صاحبها الحاج محمد صادق الكتبي.

288.   الماوردي، أبو الحسن، علي بن محمد، الأحكام السلطانيّة، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام1405هـ

289.   المباركفوري، أبو العلاء، محمد عبد الرحمن، تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

290.   متز، آدم، الحضارة الإسلامية، نقلها إلى العربية عبد الهادي أبو ريدة، مطبعة لجنة التأليف ـ القاهرة، ط3ـ 1377هـ طبعة منقّحة ومهذّبة.

291.   المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين، رسالة في الرد على من حكم وقضى أن المهدي الموعود جاء ومضى، نسخة مخطوطة، الناسخ: ضيف الدين بن عبد الرحمن المرشدي العمري الحنفي، تاريخ النسخ: 12 ربيع الأول 1053هـ، تصوير مركز إحياء التراث الإسلامي، تاريخ التصوير: ذي القعدة 1429هـ.

292.   المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 1409هـ.

293.   المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني، الناشر: مؤسسة الوفاء ـ بيروت، الطبعة الثانية المصححة ـ 1403هـ. ونشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، تحقيق: محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان، السيد إبراهيم الميانجي، محمد الباقر، البهبودي، ط3ـ 1403هـ طبعة مصححة.

294.   مجموعة من الباحثين، الموسوعة العربية العالمية، الناشر: مؤسسة أعمال الموسوعة، بإشراف: مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، ط 2ـ 1419 هـ.

295.   المخزومي، سراج الدين محمد بن عبد الله، صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار، طبع في مطبعة مكتبة نخبة الأخيار، طبعة عام 1306هـ.

296.   المرتضى، علم الهدى، أبو القاسم علي بن الحسين، تنزيه الأنبياء، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت، ط2ـ 1409هـ.

297.   المرتضى، علم الهدى، أبو القاسم علي بن الحسين، الشافي في الإمامة، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط2ـ 1410هـ.

298.   المرعشي، شرح إحقاق الحق، تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، تصحيح: السيد إبراهيم الميانجي، الناشر: نشر مكتبة المرعشي النجفي ـ قم.

299.   مركز الرسالة، المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، ط1ـ 1417هـ، الناشر: مركز الرسالة ـ قم، ط1ـ 1417 هـ.

300.   المروزي، الحافظ أبي عبد الله نعيم بن حماد، الفتن، تحقيق: سمير أمين الزهيري، الناشر: مكتبة التوحيد ـ القاهرة، ط1ـ 1412هـ.

301.   المروزي، محمد بن نصر بن الحجاج، كتاب السنة، تحقيق: سالم أحمد السلفي، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، ط1ـ 1428 هـ.

302.   المزي، أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن، تهذيب الكمال، تحقيق وضبط وتعليق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 1413هـ.

303.   المسعودي، علي بن الحسين بن علي، مروج الذهب، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط5ـ 1393هـ.

304.   المصري الشافعي، أبو المنذر سامي بن أنور، الزهرة العطرة في حديث العترة، الناشر: دار الفقيه ـ مصر، طبعة عام 1969م.

305.   مصطفى الرافعي، إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة، الناشر: الدار الإسلامية ـ بيروت، ط2ـ 1412هـ طبعة موسّعة ومنقّحة.

306.   المعلمي اليماني، عبد الرحمن بن يحيى، الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة، الناشر: المطبعة السلفية ومكتبتها ـ بيروت، طبعة عام 1402هـ.

307.   المعلمي اليماني، عبد الرحمن بن يحيى، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2ـ 1406هـ.

308.   مغلطاي، علاء الدين بن قليج بن عبد الله البكجري، إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: عادل بن محمد، أسامة بن إبراهيم، الناشر: الفاروق الحديثة، ط1، 1422هـ.

309.   مغنية، محمد جواد، الشيعة في الميزان، الناشر: دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت، ط4ـ 1399هـ.

310.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت^ لتحقيق التراث، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

311.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، أوائل المقالات، تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ

312.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، تصحيح اعتقادات الإمامية، تحقيق: حسين درگاهي، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

313.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، الفصول المختارة، تحقيق: السيد علي مير شريفي، الناشر: دار المفيد، ط2ـ 1414هـ.

314.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله، محمد بن محمد بن النعمان، كتاب الجمل، الناشر: مكتبة الداوري ـ قم.

315.   المقدسي الشافعي، يوسف بن يحيى بن علي، عقد الدرر في أخبار المنتظر، تحقيق: د. عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: مكتبة عالم الفكر ـ القاهرة، ط1ـ 1399هـ.

316.   المقدسي، محمد بن مفلح أبو عبد الله، الفروع ومعه تصحيح الفروع لابن سليمان المرداوي، تحقيق: أبو الزهراء حازم القاضي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ

317.   المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، إمتاع الأسماع، تحقيق وتعليق: محمد عبد الحميد النميسي، الناشر: ، دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1420هـ.

318.   المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تصحيح: أحمد عبد السلام، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

319.   المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفّين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، الناشر: المؤسسة العربية الحديثةـ القاهرة، ط2ـ 1382هـ.

320.   الميرزا النوري، حسين بن الميرزا محمد تقي، مستدرك الوسائل، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ بيروت.

321.   النجاشي، أبو العباس، أحمد بن علي بن أحمد، رجال النجاشي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط 5ـ 1416هـ.

322.   النجدي الحنبلي، عثمان بن عبد الله بن بشر، عنوان المجد في تاريج نجد، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، الناشر: مطبوعات دار الملك عبد العزيز، ط4ـ 1402هـ.

323.   النجدي، محمد بن عبد الوهاب، مسائل لخصها محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: عبد العزيز الرومي وآخرين، الناشر: مطابع الرياض، ط1.

324.   النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، تحقيق وتصحيح الأسانيد ووضع الفهارس: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

325.   النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، السنن الكبرى، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1411هـ.

326.   النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، السنن، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1348هـ. ونشر: مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، طبعة عام 1406هـ.

327.   النسفي، أبو البركات، عبد الله بن أحمد بن محمود، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، تحقيق: مروان محمد الشعار، الناشر: دار النفائس ـ بيروت، طبعة عام 2005م.

328.   النعماني، محمد بن إبراهيم، كتاب الغيبة، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم المقدسة، ط1ـ 1411هـ.

329.   النمازي الشاهرودي، الشيخ علي بن الشيخ محمد بن إسماعيل، مستدركات علم رجال الحديث، الناشر: ابن المؤلف، المطبعة: حيدري ـ طهران، ط1ـ 1415هـ.

330.   النوبختي، أبو محمد، الحسن بن موسى، فرق الشيعة، علّق عليه: محمد صادق بحر العلوم، طبعة مصوّرة عن طبعة المطبعة الحيدرية ـ النجف، الناشر، مكتبة الفقيه ـ قم، ط4ـ 1388هـ.

331.   النووي، أبو زكريا، محيي الدين، شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، طبعة عام 1407هـ.

332.   النووي، أبو زكريا، محيي الدين، المجموع (شرح المهذب)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

333.   النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم (الجامع الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وترقيم الأحاديث نسخة دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1421هـ، اعتنى به: صدقي جميل العطار.

334.   الهيتمي، ابن حجر، المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي، الصواعق المحرقة، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي، كامل محمد الخراط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

335.   الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1408هـ.

336.   الواحدي النيسابوري، أبو الحسن علي بن أحمد، أسباب النزول، الناشر: مؤسسة الحلبي ـ القاهرة، طبعة عام 1388هـ.

337.   الواقدي، أبو عبد الله، محمد بن عمر بن واقد، كتاب المغازي، الناشر: عالم الكتب، تحقيق: مارسدن جونس، ط3ـ 1404هـ.

338.   اليافعي، عبد الله بن أسعد، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، الناشر: دار الكتاب الإسلامي ـ القاهرة، طبعة عام 1413هـ.

339.   اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، تاريخ اليعقوبي، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

المجلات:

مجلة التمدن الإسلامي، دمشق شهر ذي القعدة ـ 1371هـ.

مجلة الجامعة الإسلامية، السنة الاُولى، العدد3.

مجلة تراثنا، العدد الثالث لسنة 1413 هـ، قم.


محتويات الكتاب

نقد كتاب أصول مذهب الشيعة

الجزء الثاني

أ. د. السيّد محمّد الحسيني القزويني

هوية الكتاب

اللجنة العلمية

تحت إشراف

الفصل الثالث

الشبهات المثارة حول أدلة الإمامة الروائية

الشبهة: حديث المنزلة لا يدل على إمامة علي ×

أساسيات الشبهة

الجواب الأول: حديث المنزلة صحيح سنداً وواضح دلالة

أولاً: اختلاف مناسبات ومضامين الحديث يدل على الفضل والخلافة

1ـ تتبع وتثبت سعيد بن المسيب من صحة حديث المنزلة

2ـ سعد بن أبي وقاص يفهم من حديث المنزلة بأنه فضيلة عظيمة

3ـ لفظ الخلافة والولاية في حديث المنزلة

4ـ استخلاف علي× في المدينة كان أمراً ضرورياً

5ـ لا تصلح المدينة إلا ببقاء علي× فيها

6ـ الخوف من إذاعة حديث المنزلة في زمن الأمويين

7ـ حديث المنزلة في غير واقعة تبوك

أ ـ حديث المنزلة في بيت أم سلمة

ب ـ حديث المنزلة في قضية المؤاخاة

ج ـ حديث المنزلة بعد فتح خيبر

د ـ حديث المنزلة في قضية سد الأبواب()

حديث المنزلة برواية عدة من الصحابة

1 ـ حديث المنزلة عن ابن عباس

2 ـ حديث المنزلة عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة

3ـ حديث المنزلة عن سعد بن أبي وقاص

4 ـ حديث المنزلة عن أبي سعيد الخدري

تضعيف عطية العوفي ليس في محله

5 ـ حديث المنزلة عن أسماء بنت عميس

6 ـ حديث المنزلة عن جابر

7ـ حديث المنزلة عن عمر بن الخطاب

8 ـ حديث المنزلة عن علي×

9 ـ حديث المنزلة عن جابر بن سمرة

10 ـ حديث المنزلة عن فاطمة بنت حمزة

نتائج الجواب الأول

الجواب الثاني: الشراكة في الأمر تقتضي ثبوت الخلافة والطاعة لعلي×

المنزلة لغة

أهم المنازل الثابتة لهارون من موسى

المنزلة الأولى: قرابة الأخوة

دور الأخوة في نيل المقامات الإلهية

منزلة القرابة والأخوة بين النبي’ وعلي×

والجواب عن هذا الإشكال:

الروايات الدالة على أخوة علي× للنبي’

الرواية الأولى: أنت أخي في الدنيا والآخرة

الرواية الثانية: أنت أخي ووارثي

تصحيح السند

الرواية الثالثة: علي أخو رسول الله’ قبل أن تخلق السماوات

الرواية الرابعة: أيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟

الرواية الخامسة: إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه

استناد الأخوة إلى الرابطة التكوينية

المنزلة الثانية: المؤازرة والمعاضدة

المنزلة الثالثة: الشراكة في الأمر

إشكال الاستثناء المنقطع وجوابه

الجواب الثالث: دلالة حديث المنزلة على خلافة علي بعد وفاة النبي

أولاً: حديث المنزلة يثبت منازل هارون لعلي× بعد وفاة النبي’

ثانياً: إطلاق حديث المنزلة

الجواب الرابع: الرد على حديث تشبيه أبي بكر وعمر بالأنبياء

أولاً: الحديث منقطع

ثانياً: الحديث لا يتضمن التشبيه في جميع المنازل

ثالثاً: اعتقاد الطائفة السنية في أبي بكر وعمر

التحريف في حديث المنزلة

الأحاديث الاخرى في فضل علي×

1ـ حديث الراية

فهم الصحابة من حديث الراية فضيلة عظيمة

2ـ حديث (إن علياً لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)

حديث الأنصار مقيد بكونهم أنصاراً لله تعالى

حديث الغدير وشبهة عدم دلالته على إمامة علي

الشبهة الأولى: ضعف أسانيد حديث الغدير

أساسيات الشبهة

الجواب الأول: صحة طرق حديث الغدير في كتب أهل السنة

الحديث الأول: ما أخرجه الترمذي عن أبي الطفيل

اختلاف النسخ في نقل تعليق الترمذي على حديث الغدير

الحديث الثاني: ما أخرجه ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص

الحديث الثالث: ما أخرجه ابن ماجه عن البراء بن عازب

الحديث الرابع: ما أخرجه أحمد في مسنده عن رياح بن الحرث

الحديث الخامس: ما أخرجه أحمد في مسنده عن أبي الطفيل

الحديث السادس: ما أخرجه الحاكم عن زيد بن أرقم

الحديث السابع: ما أخرجه النسائي عن زيد بن أرقم

الحديث الثامن: ما أخرجه البزار في مسنده عن زيد بن يثيع وغيره

الحديث التاسع: ما أخرجه البزار في مسنده عن سعد بن أبي وقاص

الحديث العاشر: ما أخرجه أحمد عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع

الحديث الثاني عشر: ما أخرجه الخطيب البغدادي عن أبي هريرة

الحديث الثالث عشر: ما رواه ابن حجر عن علي×

الحديث الرابع عشر: ما أخرجه ابن أبي عاصم عن علي×

المؤلفات في حديث الغدير

نهج بني أمية في محاربة علي× وكتمان فضائله

محاربة السلطة الحاكمة لحديث الغدير

الجواب الثاني: تواتر حديث الغدير

الشبهة الثانية: مخالفة حديث الغدير لأصول الإسلام و التاريخ

أساسيات الشبهة

جواب الشبهة

الجواب الأول: إنكار ابن تيمية لسنة النبي

الجواب الثاني: الجهل بكتاب الله تعالى وسنة النبي

الجواب الثالث: الجهل بمضمون حديث الغدير

الشبهة الثالثة: الولاية ضد العداوة وهو حكم ثابت لجميع المؤمنين

الجواب عن الشبهة

الشبهة الرابعة: ألفاظ الحديث لا تدل على الخلافة

أساسيات الشبهة

الجواب عن الشبهة

الجواب الأول: ألفاظ حديث الغدير صريحة في الإمامة والخلافة

الشاهد الأول: مماثلة ولاية النبي’ لولاية علي× في الحديث

الشاهد الثاني: نزول آية التبليغ

الشاهد الثالث: نزول آية إكمال الدين وإتمام النعمة

شبهة ابن كثير حول سبب نزول الآية

الجواب عن هذه الشبهة

أولاً: لا يصح تكذيب كل ما خالف الصحيحين

ثانياً: تعدد أسباب النزول

ثالثاً: معارضة رواية عمر للأحاديث الصحيحة

1ـ نزول الآية في يوم الإثنين

2ـ نزول الآية ليلة جُمع (ليلة المزدلفة)

3ـ نزول الآية ليلة الجمعة

4ـ تشكيك سفيان الثوري في نزول الآية يوم الجمعة

الشاهد الرابع: قول النبي’: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)

الشاهد الخامس: حديث الغدير في سياق حديث الثقلين

الشاهد السادس: تهنئة الصحابة لعلي×

الشاهد السابع: استشهاد علي× بحديث الغدير

الشاهد الثامن: الاهتمام الخاص بخطبة يوم الغدير

الجواب الثاني عن الشبهة الرابعة: ضعف حديث الحسن بن الحسن

الشبهة الخامسة: حديث الغدير جاء ليثبت إيمان علي باطناً وظاهراً

بيان الشبهة

الجواب:

أولاً: لا توجد أدلة أو قرائن تثبت أن موضوع الحديث هو إيمان علي×

ثانياً: تثبيت إيمان علي ليس هو غاية الحديث بل غايته الخلافة

ثالثاً: ليس مهمة النبي’ التصدي لإثبات إيمان الصحابة

الشبهة السادسة: حديث الغدير كان بسبب شكوى جيش اليمن

الجواب عن الشبهة

الجواب:

دراسة وتحليل قضية الشكوى

تعدد خروج علي× لليمن

أولاً: خروج علي × إلى اليمن غازياً وداعياً إلى الإسلام

أ ـ رواية البخاري المتوفى (256هـ)

ب ـ رواية أحمد المتوفى (241 هـ) والنسائي (303 هـ)

ج ـ رواية الطبراني المتوفى (360 هـ)

د ـ رواية ابن أبي شيبة المتوفى (235 هـ)

هـ ـ رواية البيهقي المتوفى (458 هـ)

وقفات مع الشكوى في روايات خروج علي × إلى اليمن داعياً

الوقفة الأولى: خروج علي× إلى اليمن كان في السنة الثامنة

الوقفة الثانية: الشكوى قد وقعت في المدينة فلا تؤثر على الحديث

الوقفة الثالثة: مواقف غير ودية صدرت عن بعض الصحابة تجاه علي×

الوقفة الرابعة: غضب النبي’ على بعض أصحابه

الوقفة الخامسة: في الحديث دلالة على إمامة علي وخلافته

تنبيه: علي × لم يتزوج على فاطمة ÷ في حياتها

ثانياً: خروج علي × إلى اليمن قاضياً

ثالثاً: خروج علي × إلى اليمن جابياً للصدقات

  رواية ابن إسحاق عن ابن ركانة وعن أبي سعيد الخدري

2 ـ رواية البيهقي عن أبي سعيد الخدري

3 ـ رواية أحمد بن حنبل عن عمرو بن شاس الأسلمي

4 ـ رواية الواقدى

ملاحظة على رواية الواقدي

5 ـ رواية ابن الأثير

عدة تساؤلات حول الخروج الثالث

التساؤل الأول: متى بعث علي× إلى اليمن، ومن هناك تعجل بالرحيل إلى مكة؟

التساؤل الثاني: من هم الشكاة على علي×؟

التساؤل الثالث: أين كانت الشكوى؟ هل كانت في المدينة أم في مكة؟

التساؤل الرابع: لو كانت الشكوى في مكة هل كانت قبل مراسم الحج أم بعده؟

أدلة كون الشكوى قبل الحج

أدلة كون الشكوى بعد الحج

عدة أجوبة على زعم أن حديث الغدير كان بسبب شكوى جيش اليمن

الجواب الأول: شكوى الجيش وقعت قبل انتهاء مراسم الحج

الجواب الثاني: الشكوى كانت بعد مراسم الحج مباشرة

الجواب الثالث: الشكوى كانت في المدينة

الجواب الرابع: واقعة الغدير كانت بأمر من الله تعالى

رواية الخطيب البغدادي

الجواب الخامس: النبي’ لم يذكر الشكوى في حديث الغدير

تنويه:

الفصل الرابع

الشبهات المثارة حول وجود النص على الإمامة

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: في الشبهات التي تنفي النص من كتاب نهج البلاغة

المبحث الثاني: فيما ينفي النص استناداً إلى مسلمات مزعومة

المبحث الأول: في الشبهات التي تنفي النص من كتاب نهج البلاغة

الشبهة: كتاب نهج البلاغة ينفي النص على الإمامة

الجواب:

منهج الشيعة في التعامل مع المصادر

كتاب نهج البلاغة عند الشيعة

نظرة في بعض ما نقله القفاري من كتاب نهج البلاغة

قوله: دعوني والتمسوا غيري

سند الفقرة في تاريخ الطبري

سند الفقرة في كتاب الفتوح

سند الفقرة في كتاب الجمل للشيخ المفيد

قوله: أنا لكم وزيراً خير مني أميراً

سند الفقرة في كتاب أنساب الأشراف

سند الفقرة في كتاب الطبري

سند الفقرة عند الشيخ المفيد

مناقشة دلالة كلام الإمام × على نفي النص

كلامه× هنا لا يعارض الصريح من الأدلة على ثبوت خلافته

كلامه خال من الدلالة على نفي النص

هناك عدة امور تؤكد أن كلام الإمام لا دلالة فيه على نفي النص

الأول: الإمام بكلامه يرفض الإمرة والسلطة لا الإمامة

الثاني: الإمام × أراد برفضه إلزام المبايعين علناً

الثالث: الإمام× أراد أن تكون بيعته عن قناعة راسخة

الرابع: أراد أن يبين بأن هذه حكومة ودنيا وأنه عازف عنها

قوله: بايعني القوم الذي بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان

الجواب:

مصادر هذا القول

نص قوله:  (بايعني القوم الذين بايعوا ...)

سند هذا القول

نمير بن وعلة

عامر الشعبي

انحراف الشعبي عن علي×

1ـ سب الشعبي عليا×

معاتبة الحسن البصري للشعبي

2ـ افتراء الشعبي على علي×

3ـ كذبه في قضية من شهد حرب الجمل من الصحابة

4ـ انتقاصه من أصحاب علي×

5 ـ مناصرته بني أمية الذين يعادون عليا×

6ـ بغض الشعبي للشيعة

النقاش الدلالي في فقرة: بايعني القوم

الإمام× في مقام الاحتجاج والإلزام

شواهد وقرائن على أن الإمام كان في مقام الاحتجاج

القرينة الأولى: قوله×: بايعني القوم ... على ما بايعوهم عليه

القرينة الثانية: قوله×: فإذا اجتمعوا على رجل ...

القرينة الثالثة: قوله×: إنما الشورى للمهاجرين والأنصار ...

القرينة الرابعة: كلامه× في نهج البلاغة ينافي مبدأ الشورى

المبحث الثاني: فيما ينفي النص استنادا إلى مسلمات مزعومة

الشبهة: كتاب الله  يخلو من ذكر لأسماء أئمة الشيعة وهذا دليل على بطلان الإمامة

الجواب:

الجواب الأول: دلالة القرآن على مبدأ الإمامة

القسم الأول: آيات الإمامة العامة

الآية الأولى: قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}().

الآية الثانية: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}().

الآية الثالثة: قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}().

الآية الرابعة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأَمْر منكُمِ}().

القسم الثاني: آيات الإمامة الخاصة

الآية الثانية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}().

الآية الثالثة: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}().

الجواب الثاني: دلالة السنة على إمامة علي×

السنة النبوية تنهى عن الإعراض عن السنة

صحابة النبي’ لا يفرقون بين الكتاب والسنة

السنة تنص على إمامة علي×

الجواب الثالث: الحكمة الإلهية تقتضي عدم ذكر أسماء الأئمة

الحكمة الأولى: ذكر الوصف أبلغ في التأثير من ذكر الاسم

الحكمة الثانية: لو ذكر اسم علي× لحذفه المنافقون

الحكمة الثالثة: ذكر الاسم لا يعني حسم النـزاع

الحكمة الرابعة: ذكر الاسم في القرآن مدعاة لاتهام أتباع أهل البيت^

الشبهة: النص على الخلافة مما تتوفر الدواعي على نقله فلو كان له أصل لنقل

أساسيات الشبهة

الجواب:

اشتهار النص يمنع من الوصول إلى السلطة

محاولات منع انتشار النص

1ـ مخالفة إرادة النبي’ النص على الخلفاء

2ـ المنع من نقل أحاديث الإمامة وتدوينها

إتلاف أحاديث أهل البيت^

القول بأن حديث النص على الخلافة لا أصل له باطل

1 ـ إمامة أهل البيت ^ حقيقة قرآنية

2ـ إمامة أهل البيت نطقت بها السنة

3ـ السنة النبوية لا تنحصر في مصادر أهل السنة

الشبهة: لو صح أن الصحابة كتموا النص على الخلافة لكتموا الفضائل الكثيرة لعلي×

الجواب:

الصحابة لم يكتموا أحاديث النص

قياس أحاديث النص على أحاديث الفضائل قياس مع الفارق

تعرض الكثير من فضائل أمير المؤمنين × للتشويه والكتمان

الشبهة: القول بكتمان الصحابة للنص يستلزم سلب الثقة عن بقية امور الدين

الجواب عن الشبهة

الصحابة لم يكتموا النص على الإمامة

أحاديث الإمامة لا تقاس بأحاديث العبادات

بعض ملازمات الكلام لا تمنع من قول الحقيقة

التغيير والتضييع طال حتى الصلاة

الشبهة: دعوى النص على علي × كدعوى النص على العباس

بيان الشبهة

الجواب:

أولاًً: النص على العباس لا واقع له

ثانياً: وضوح النصّ وصراحته على إمامة أمير المؤمنين ×

الشبهة: لو نص النبي’على علي× لظهر كنص أبي بكر على عمر

أساسيات الشبهة

الجواب:

أولاً: النص على علي واضح ومشهور

ثانياً: الذين يحفظون التراث هم الأجيال اللاحقة لا السابقة

الشبهة: كيف يقبل المسلمون  أمر أبي بكر في عمر ولا يقبلون أمر النبي’ في علي×؟

الجواب:

المهاجرون والأنصار لا يشكون أن علياً × هو صاحب الأمر

ندم الأنصار على بيعة أبي بكر وهتافهم باسم علي ×

الشبهة: لا يحتمل عقلا أن يكون المسلمون أطوع لنص أبي بكر من نص رسول الله

الجواب:

أولاً: كثير من الصحابة خالفوا رسول الله ’ وعصوا أوامره

مخالفة الصحابة في كتابة الوصية

الكتاب العاصم من الضلال هو التمسك بالعترة الطاهرة

مخالفتهم في الإحلال من الحج وغضب رسول الله’ عليهم

وصفه لبعض الصحابة بالعصاة

مخالفتهم في حديث اللد للرسول الأكرم’

ثانياً: إن نص أبي بكر على عمر لم يكن خالياً من المعارضة

بعض المهاجرين والأنصار لم يقبلوا استخلاف أبي بكر لعمر

1 ـ اعتراض علي× وطلحة

2 ـ اعتراض بعض المهاجرين

3ـ اعتراض الناس

4 ـ اعتراض معاوية

الشبهة: لو كان علي× منصوصاً عليه لم يجز له أن يبايع أبا بكر وعمر وعثمان

الجواب الإجمالي

الجواب التفصيلي

بيعة علي× أبا بكر في كتب الشيعة

1ـ علي× لم يبايع أبا بكر قط

2ـ علي× بايع مكرهاً

بيعة علي× أبا بكر في كتب أهل السنة

الحديث الدال على حصول البيعة أول الأمر

مناقشة دلالة الحديث

الحديث يدل على أن مبايعة علي× كانت بالإكراه

أدلة اخرى على أن علياً × بايع أبا بكر مكرهاً

الحديث الدال على أن عليا× لم يبايع إلا بعد ستة اشهر

الإشكال السندي

تأخر علي× عن البيعة مدرج من كلام الزهري

البيهقي أول من أثار الاشكال

الجواب:

تأخر علي عن البيعة من كلام عائشة لا الزهري

أولاً: حديث البخاري ومسلم عن معمر لا يشير إلى تأخير البيعة

ثانياً: ما نقله البيهقي عن عبد الرزاق لا يتطابق مع رواية عبد الرزاق

مقارنة بين حديث عبد الرزاق في المصنف وحديث البيهقي عنه

ثالثاً: تأخر البيعة قد روي في الصحيحين وغيرهما متصلاً

رابعاً: لم يتعرض كبار شراح الاحاديث إلى الادراج

خامساً: لو صح الإدراج فلا يبعد أنه من كلام عائشة

التوجيه الدلالي لأحاديث تأخر البيعة

مناقشة التوجيه الدلالي

البيعة المتأخرة أيضاً لم تكن عن رضا

الشبهة: لو كان النص على علي صحيحاً لم يجز أن يدخل مع الستة في الشورى

الجواب:

مواقف ودلائل على وجود النص على أمير المؤمنين×

مبررات وأسباب الدخول في الشورى

1 ـ كراهة الخلاف

2 ـ الخشية من الانحراف عن الإسلام

3 ـ الرغبة في إعادة الامور إلى ما كانت عليه

4ـ إثبات أحقيته بالخلافة

الشبهة: لو كان الحسن× منصوصاً عليه لما سلم الخلافة لمعاوية

جواب الشبهة:

الأول: هناك فرق بين الخلافة والإمامة

الثاني: تنازل الإمام الحسن× عن الحكومة السياسية كان مبرراً

1ـ حقن دماء المسلمين

2ـ خذلان الجيش وتفرقه عن الإمام الحسن×

3ـ الحفاظ على أهل بيته وشيعته

4 ـ فضح معاوية من خلال وثيقة الصلح

الخلاصة

الشبهة: منكر إمامة أحد أئمة الشيعة كافر ويستحق الخلود في النار

أساسيات الشبهة

الجواب:

الكفر هنا ليس بمعناه المقابل للإسلام

ليس كل منكر للإمامة كافراً

كفر منكر الإمامة كفر معصية أو جحود

الحكم بكفر منكر الإمامة لا يعم جميع أهل السنة

إسلام أهل السنة في روايات أهل البيت^

فقهاء الشيعة يرون إسلام أهل السنة وطهارتهم

أقوال فقهاء الشيعة في إسلامهم

أقوال فقهاء الشيعة في طهارتهم

من أنكر إمامة أحد الشيخين فهو كافر يستحق النار

تكفيرهم الشيعة مطلقاً

تكفير الطوائف السنية بعضهم بعضاً

1ـ تكفير غير الأشاعرة من المسلمين

2ـ تكفير غير الحنابلة من المسلمين

3ـ تكفير الحنابلة

4 ـ تكفير أبي حنيفة وأتباعه

مصادر الكتاب

محتويات الكتاب

 



([1]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص830ـ 832، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([2]) فاستكّتا: أي صمّتا.

([3]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6111، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([4]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص208 ح3706، ج5 ص129 ح4416، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([5]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6114، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) المصدر السابق.

([8]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص331، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([9]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص120، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([10]) ابن أبي عاصم، كتاب السنة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم محمد بن ناصر الألباني: ص551، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([11]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص133ـ 134، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([12]) أحمد محمود صبحي، نظرية الإمامة: ص225، الناشر: دار النهضة العربية ـ بيروت.

([13]) الطبراني، المعجم الكبير: ج5 ص203، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([14]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص111، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([15]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص151، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([16]) أبو داود السجستاني، سنن أبي داود: ج1 ص143، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([17]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص170 ح692، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([18]) الأعراف: 142.

([19]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص337، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([20]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج2 ص337، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([21]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص335، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.

([22]) ابن معين، تاريخ ابن معين: ج1 ص296، الناشر: دار القلم ـ بيروت.

([23]) ابن عدي، الكامل في الضعفاء: ج4 ص251، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([24]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص399، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([25]) الألباني، إرواء الغليل: ج8 ص236، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([26]) لابدّ من الإشارة إلى أنّه ليس كلّ منكر الحديث يلزم بالضرورة أن يكون ضعيفاً، فهذه ليست قاعدة مطردة في كلّ الموارد، بل قد يكون منكر الحديث موثقاً، فليس وصف منكر الحديث عند الذهبي مثلاً يلازمه اتفاق الجميع على ذلك، على أن الذهبي لم يسمه بمنكر الحديث إلاّ في تلخيصه على المستدرك حينما لم يتحمل ـ كعادته ـ الفضيلة المذكورة للإمام علي×، بينما لا نجده يذكر هذا الوصف في ترجمته لعبد الله بن بكير في ميزان الاعتدال.

كما أنّ الاصطلاح المذكور لم يتفق الجميع على كونه من ألفاظ الجرح، فعند البخاري يكون جرحاً [الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص6] بينما عند أحمد بن حنبل لا يكون كذلك، قال ابن حجر في ترجمة يزيد بن عبد الله بن خصيفة الكندي: «قال ابن معين: ثقة حجة، ووثقه أحمد في رواية الأثرم، وكذا أبو حاتم والنسائي وابن سعد، وروى أبو عبيد الآجري عن أبي داود عن أحمد أنّه قال: منكر الحديث، قلت: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث». مقدمة فتح الباري: ص453، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

ومما يؤيد أن منكر الحديث لا يتنافي مع وثاقته: أن هناك بعض الرواة ممن اتهموا بتلك الصفة، ومع ذلك لم يخرجوا عن حدّ التوثيق عند بعض آخر، ومن هؤلاء:

1ـ المفضل بن فضالة القتباني المصري، قال ابن حجر العسقلاني: «وثّقه يحيى بن معين وأبو زرعة والنسائي وآخرون، وقال أبو حاتم وابن خراش: صدوق، وقال ابن سعد: منكر الحديث، قلت: اتفق الأئمة على الاحتجاج به». مقدمة فتح الباري: ص445، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

2ـ محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قال ابن حجر العسقلاني: «من شيوخ أحمد بن حنبل وثّقه ابن المديني وقال أبو حاتم: صدوق إلاّ أنّه يهمّ أحياناً، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وأورد له ابن عدي عدة أحاديث، وقال: إنّه لا بأس به، قلت: له في البخاري ثلاثة أحاديث ليس فيها شيء». مقدمة فتح الباري: ص440، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

3ـ داود بن حصين المدني: قال ابن حجر العسقلاني: «داود بن الحصين المدني وثّقه ابن معين وابن سعد والعجلي وابن إسحاق وأحمد بن صالح المصري والنسائي... وقال الساجي منكر الحديث متّهم برأي الخوارج... قلت: روى له البخاري حديثاً واحداً». مقدمة فتح الباري: ص399.

وقد وثّقه ابن حبّان. ابن حبّان، الثقات: ج8 ص526، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.

4ـ حماد بن جعفر العبدي، قال الذهبي: «وثّقه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: منكرالحديث». الكاشف: ج1 ص349، تعليق: محمد عوامة.

([27]) تهذيب الكمال، المزي: ج7 ص168، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([28]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج1 ص411، الناشر: دار الكتب العلمية.

([29]) قال في تحفة الأحوذي: «(قال يحيى بن سعيد) هو القطان: (وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روي عن ابن مسعود الخ) روى المؤلف هذا الحديث في باب من تحل له الزكاة بإسناده عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيام ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح، قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب. قال الترمذي بعد رواية هذا الحديث: وحديث ابن مسعود حديث حسن وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث انتهى كلامه. وروى هذا الحديث أبو داود وابن ماجه وزادا، فقال رجل لسفيان: إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد (وروى له سفيان وزائدة) أي رويا عن حكيم بن جبير (ولم ير يحيى بحديثه بأساً)». المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج1 ص412، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([30]) قال البسوي: «وقد روى عنه شعبة في بعض الأوقات وذمَّه، وكان مغال في التشيّع».

وقال في مورد آخر: «وحكيم مذموم، ويقال: إنّه رافضي، من الغالية في الرفض» المعرفة والتاريخ: ج3 ص234، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري.

وقال البزار في المسند: «وحكيم بن جبير كان رجلاً يغلو في التشيّع» أبو بكرالبزار: ج11 ص289، الناشر: مؤسسة علوم القرآن.

وفي المستدرك: «والشيخان لم يخرجا عن حكيم بن جبير لوهن في رواياته. إنما تركاه لغلوّه في التشيّع» الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج1 ص561، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقال الذهبي: «وكان من غلاة الشيعة، تركه شعبة؛ لمّا تبيّن له أمره» تاريخ الإسلام: ج8 ص79، الناشر: دار الكتاب العربي.

أمّا تضعيفه بسبب روايته حديث الصدقة، فليس له مبرر صحيح بعد أن ذهب جمع من علماء السنة إلى صحة الحديث، ونكتفي بما قاله الألباني في تعليقه على الحديث: «قلت: حكيم بن جبير ضعيف، لكن متابعة زبيد و هو ابن الحارث الكوفي تقوّي الحديث، فإنّه ثقة ثبت، وكذلك سائر الرواة ثقات، فالإسناد صحيح من طريق زبيد. قال الترمذي: حديث حسن» الألباني، السلسلة الصحيحة: ج2 ص899 ح499، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([31]) قد تكون عقيدة الراوي عند بعض علماء أهل السنة غير قادحة بروايته مادامت ملكة الصدق محفوظة فيه، إلاّ أن ينقل الرواي فضيلة لعلي× تتعارض مع معتقداتهم كمن يروي الوصية له أو الخلافة، فعندئذ لا يشفع له الصدق كما سيأتي في الأبحاث الآتية:

قال الألباني في السلسلة الصحيحة في تعليقه على حديث: (ما تريدون من علي؟ إن علياً منّي وأنا منه): «إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الأجلح، وهو ابن عبد الله الكندي، مختلف فيه، وفي (التقريب): (صدوق يتشيّع) فإن قال قائل: راوي هذا الشاهد شيعي، وكذلك في سند المشهود له شيعي آخر وهو جعفر بن سليمان، أفلا يعتبر ذلك طعناً في الحديث وعلة فيه؟! فأقول: كلا، لأنّ العبرة في رواية الحديث إنّما هو الصدق والحفظ، وأمّا المذهب فهو بينه وبين ربه، فهو حسيبه، ولذلك نجد صاحبي (الصحيحين)، وغيرهما، قد أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين كالخوارج والشيعة وغيرهم...». سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج5 ص262 ح2223، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

وتعرّض ابن حجر لذلك في ترجمته لعلي بن غراب الفزاري: «وقال الحسين بن إدريس: سألت محمد بن عبد الله بن عمار عن علي بن غراب، فقال: كان صاحب حديث بصيراً به، قلت: أليس هو ضعيفاً؟! قال: إنّه كان يتشيع، ولست أنا بتارك الرواية عن رجل صاحب حديث بعد أن لا يكون كذاباً...» تهذيب التهذيب: ج7 ص325، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وروى الخطيب: «أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب أنا محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب وسئل عن الفضل بن محمد الشعراني، فقال: صدوق في الرواية إلاّ أنّه كان من الغالين في التشيّع» الكفاية في علم الرواية: ص159، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

وقال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب: «شيعي جلد، لكنّه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته». ميزان الاعتدال: ج1 ص5، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقال أيضاً: «من دخل في بدعة، ولم يعد من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يقبل حديثه... وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم» سير أعلام النبلاء: ج7 ص154، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

وقال الذهبي في ترجمته عبد الرزاق بن همام: «قلت: وثّقه غير واحد، وحديثه مخرج في الصحاح وله ما ينفرد به، نقموا عليه التشيّع، وما كان يغلو فيه، بل كان يحبّ عليّاً ـ رضي الله عنه ـ ويبغض من قاتله». تذكرة الحفاظ: ج1 ص364، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([32]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص173 ح1490، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([33]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج2 ص231ـ 232 ح1490، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([34]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص173 ح1490، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([35]) لا يخفى على المتابع للتاريخ والمنصف أن مسألة النطق بفضائل علي× ومناقبه والإفصاح عنها كانت أمراً محظوراً عليه وخطّاً فاصلاً، به يقسّم انتماء الناس وبه تصنف عقائدهم، فمن يجرؤ على أن يروي الواقع والحقيقة، فإن ذلك يعني أنّه ألقى بنفسه في التهلكة وأن مستقبله سوف يكون مريعاً ومخيفاً تحت وطأة الاتهام بالرفض والتشيع.

ولا يبعد القول: إنّ بدايات هذا الكتمان حصلت بعد وفاة النبي’ واشتد ذلك في زمن الأمويين بحيث أصبح بغض علي× وسبّه شعاراً وعلماً بين أهل الجماعة: أي جماعة معاوية، وبين محبي علي× وشيعته، واستمر ذلك في العصر العباسي وإلى يومنا هذا.

فأضحت كلّ فضيلة لعلي× مدفونة في قلوب محبيه، وقلوب الصادقين والمنصفين؛ مخافة سيف معاوية وجلاّديه، وصار لزاماً على المحدّثين أن يحدثوا بفضائل ومناقب تنسجم مع رؤية الحاكم الذي مصداقه آنذاك معاوية بن أبي سفيان، وهو الذي حارب علياٌ× وقاتله، فقام المحدّثون كخطوة أولى بالتغطية على كلّ فضيلة لعلي× والتستر عليها عبر الترغيب والترهيب مع أي شخص يتجرأ على روايتها، وبإزاء ذلك قاموا بنشر فضائل شبيهة بفضائله ونسبوها زوراً للشيخين ولعثمان ولبعض الصحابة، كما زجّ المتملّقون ـ خوفاً وطمعاً ـ بفضائل مزوّرة لمعاوية لا يمكن للعاقل تصديقها.

([36]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص42، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ونقل نفس هذه الرواية العقيلي، قال: «حدثنا علي بن سعيد، قال: حدّثني عبد الله بن داهر بن يحيى التازي، حدّثني أبي، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن بن عباس، عن النبي عليه السلام أنّه قال لأمّ سلمة: يا أمّ سلمة إنّ علياً لحمه من لحمي ودمه من دمى، وهو منى بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي»0 ضعفاء العقيلي: ج2 ص47 ح477، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([37]) العقيلي، ضعفاء العقيلي: ج2 ص46 ح477 الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([38]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص3، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج2 ص414، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([39]) العقيلي، ضعفاء العقيلي: ج2 ص250 الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([40]) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: ج4 ص229، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([41]) اُنظر ما مر في حكيم بن جبير في البحث السابق: ص25ـ 26.

([42]) ابن حجر العسقلاني، مقدمة فتح الباري: ص410ـ 411، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([43]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج9 ص460، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([44]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج2 ص414، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([45]) الطبراني، المعجم الكبير: ج12 ص14ـ 15، الناشر: دار احياء التراث العربي ـ بيروت.

([46]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص111، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([47]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج 1 ص 483ـ484، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([48]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج2 ص428، ج3 ص151، 211، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([49]) الرازي، الجرح والتعديل: ج3 ص6، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([50]) أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة: ج2 ص663، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([51]) ورواه الموفق الخوارزمي عن محدوج بن زيد، في المناقب: ص140 ح159، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([52]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص52ـ 53، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([53]) ورواه الطبراني عن زيد بن أبي أوفى، في المعجم الكبير: ج5 ص220ـ 221، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت

([54]) في مختصر تاريخ دمشق: (الهذلي)

([55]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص53، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([56]) الخوارزمي، المناقب: ص128ـ 129 ح143، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([57]) الخوارزمي، المناقب: ص158ـ 159 ح188، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([58]) ابن المغازلي، المناقب: ص237ـ 238 رقم 285، الناشر: المكتبة الإسلامية ـ طهران.

([59]) كانت قضية سد الأبواب في السنة الأولى للهجرة.

([60]) العسيب: جريدة النخل، وهي السعفة مما لا ينبت عليه الخوص، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج3 ص234، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([61]) العوسج: شجر من الشوك وله ثمر أحمر مدور كأنه خرز العقيق، اُنظر: ابن منظور، لسان العرب: ج2 ص324، مادة عسج، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([62]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص139 وص140، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([63]) المغازلي، المناقب: ص255 ح303، الناشر: المكتبة الإسلامية ـ طهران.

([64]) الطبراني، المعجم الكبير: ج11 ص61، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([65]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص109، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([66]) ابن أبي عاصم، كتاب السنة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم محمد بن ناصر الألباني: ص551، الناشر: المكتب الإسلامي.

([67]) أبو يعلى، مسند أبي يعلى: ج12 ص310 ح6883، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق.

([68]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص109، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([69]) ابن أبي عاصم، كتاب السنة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم محمد بن ناصر الألباني: ص586 ح1333، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([70]) ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج15 ص15ـ 16، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([71]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص157، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([72]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص32، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([73]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص109، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([74]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج6 ص304، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([75]) المزي، تهذيب الكمال: ج20 ص147، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([76]) الترمذي، سنن الترمذي: ج2 ص394، ج1 ص296، ج3 ص288، ج4 ص7ـ8. الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([77]) ملاّ علي القاري، شرح مسند أبي حنيفة: ص292، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([78]) العجلي، معرفة الثقات: ج2 ص140، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة.

([79]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص369، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([80]) المصدر السابق: ج6 ص438.

([81]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص109، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([82]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص176، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([83]) المصدر نفسه: ج42 ص167.

([84]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص167، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([85]) المصدر نفسه: ج42 ص167ـ 168.

([86]) المصدر نفسه: ج42 ص178.

([87]) المصدر السابق: ج42 ص186.

([88]) ابن منظور، لسان العرب: ج11 ص656، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([89]) محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح: ص335، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([90]) فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين: ج4 ص299، الناشر: مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

([91]) السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ج3 ص5ـ 6، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([92]) كذا في المطبوع.

([93]) السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ج3 ص13ـ 14، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([94]) طه: 30.

([95]) طه: 29ـ 32.

([96]) طه: 42.

([97]) آل عمران: 33ـ 34.

([98]) الأنعام: 84ـ 87.

([99]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص300، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([100]) المباركفوري، تحفة الأحوذي، المقدمة: ج1 ص324، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([101]) ابن حبّان، الثقات: ج1 ص142، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.

([102]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج4 ص438، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([103]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص404، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([104]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص88، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([105])  الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج 5 ص 399.

([106]) انظر: المستدرك للحاكم وبذيله التلخيص للذهبي: ج1 ص95، وانظر: ابن حجر، القول المسدد في مسند أحمد: ص30، وانظر: صحيح البخاري: ج1 ص15، وصحيح مسلم: ج1 ص8.

([107])  انظر: الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص270.

([108]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج5 ص343، الناشر: دار الحرمين.

([109]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص111، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([110]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج7 ص398، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([111]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص205، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([112]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص159، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([113]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج8 ص302، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([114]) الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص107، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([115]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص134.

([116]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص241، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([117]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج9 ص283، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([118]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص58 ح5832، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([119]) الترمذي، سنن الترمذي (الجامع الصحيح): ج5 ص543، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة: ج2 ص937، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([120]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج8 ص216، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([121]) الخطيب التبريزي، مشكاة المصابيح: ج3 ص1604، الناشر: المكتب الإسلامي.

([122]) طه: 29ـ 32.

([123]) طه: 36.

([124]) الفرقان: 35.

([125]) القصص: 34.

([126]) ابن دريد، جمهرة اللغة: ج2 ص712، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([127]) اُنظر: الأزهري، تهذيب اللغة: ج13 ص166، الناشر: دار احياء التراث العربي.

([128]) الثعلبي، الكشف والبيان: ج4 ص80ـ 81، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقد أخرج هذا الحديث بألفاظ اُخرى عن أسماء بنت عميس أيضاً، الإسكافي في المعيار والموازنة: ص322، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي. كما أخرجه أيضاً الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ج1 ص478، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ مجمع إحياء الثقافة الإسلامية. والرازي في التفسير الكبير: ج12 ص23، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([129]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص367، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([130]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج3 ص165، الناشر: دار الحرمين.

([131]) طه: 32.

([132]) القصص: 35.

([133]) طه: 90.

([134]) اُنظر: القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص831، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([135]) ابن أبي عاصم، كتاب السنة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم محمد بن ناصر الألباني: ص551، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([136]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص383، الناشر: دار صادر ـ بيروت. و اُنظر: ابن أبي شيبة، المصنف: ج8 ص476، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([137]) الترمذي، سنن الترمذي: ج1 ص14، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([138]) النسائي، سنن النسائي: ج3 ص105، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([139]) ابن حبّان، الثقات: ج5 ص561، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.

([140]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج6 ص87، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([141]) الألباني، إرواء الغليل: ج5 ص48، المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([142]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص521، ح3632، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([143]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص383، مع تذييل الأحاديث بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([144]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص383، مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([145]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج30 ص206، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([146]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج11 ص383، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([147]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص389ـ 390 رقم 6894، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([148]) المصدر نفسه: ج3 ص171ـ 172.

([149]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص357، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([150]) ابن الجوزي، العلل المتناهية: ج1 ص199، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([151]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص262، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج12 ص349، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. المزي، تهذيب الكمال: ج5 ص577، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج2 ص209، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج10 ص122، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([152]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص76 ح4210، الناشر: دار الفكر. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6116، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([153]) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل: ج4 ص116، الناشر: مكتبة الخانجي ـ القاهرة.

([154]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص306 ح3819، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([155]) ابن حزم، الفصل: ج4 ص116، الناشر: مكتبة الخانجي ـ القاهرة.

([156]) المصدر نفسه.

([157]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص20 ح3009، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([158]) المصدر نفسه: ج4 ص207، ح3701، وكذا أورد هذه العبارة مسلم في صحيحه: ج7 ص121، ح6117، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([159]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6114، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([160]) المصدر نفسه: ج7 ص121 ح6116.

([161]) المصدر نفسه: ج7 ص120 ح6114.

([162]) فقد يقال: إنّ هذا يلزم منه خروج بعض الصحابة كالخليفة عمر مثلاً عن الإيمان؛ وذلك لكونه قد صدر منه البغض تُجاه أحد الأنصار وهو سعد بن عبادة حينما امتنع الرجل عن بيعة أبي بكر في السقيفة، وقد اُوطئ سعد، فقال قائل: قتلتم سعداً، فقال عمر: «قتله الله إنّه منافق». الطبري تاريخ الطبري: ج2 ص459، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([163]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص836ـ840، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([164]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص633، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([165]) الألباني، صحيح سنن الترمذي: ج3 ص521ـ 522، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([166]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص331ـ 332، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([167]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص366، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([168]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([169]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص347، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([170]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج16 ص525، شرحه ووصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([171]) الترمذي، سنن الترمذي (الجامع الصحيح): ج5 ص633، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([172]) الترمذي، سنن الترمذي (الجامع الصحيح): ج5 ص451، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([173]) محمد الكشميري، العرف الشذي: ج5 ص37، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([174]) ابن العربي، عارضة الأحوذي: ج7 ص152، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([175]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج10 ص148، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([176]) الألباني، صحيح سنن الترمذي: ج3 ص522، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([177]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص331، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([178]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص45، الناشر: دار الفكر.

([179]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه بتعليق الألباني: ص37 ح121، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([180]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص43.

([181]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه بتعليق الألباني: ص36 ح116.

([182]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص419، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([183]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([184]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج17 ص36 ح23453.

([185]) المصدر نفسه: ج5 ص419، الأحاديث مذيّلة بأحكام شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([186]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص340، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([187]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص370، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([188]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([189]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج14 ص436، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([190]) المصدر نفسه: ج4 ص370، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([191]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص331، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([192]) ما بين المعقوفتين موجود في بعض النسخ.

([193]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص533، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([194]) الدوحات: جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة، (لسان العرب: ج2 ص436)، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([195]) النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص93، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

([196]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([197]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص228ـ 229، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([198]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص330، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([199]) اُنظر: البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص246 ح1979، ج3 ص31 ح21800، 2181، ج4 ص70 ح3182، ج4 ص81 ح3222، ج4 ص134 ح3419، ج4 ص161 ح3526، ج5 ص109 ح4348، ج6 ص45 ح4844، ج6 ص93 ح4969، ج6 ص103 ح5005، ج7 ص20 ح5728.

([200]) اُنظر: مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج2 ص152 ح1518، ج2 ص182 ح1683، ج3 ص61 ح2132، ج3 ص113 ح2350، ج4 ص14 ح2737، ج5 ص175 ح4525، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([201]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص307، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([202]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص288، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([203]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج1 ص451، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([204]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج2 ص157، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([205]) البزار، مسند البزار: ج3 ص35، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت.

([206]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([207]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج2 ص18 ح951، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([208]) البزار، مسند البزار: ج4 ص41، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت.

([209]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص107، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([210]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج2 ص18، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([211]) الألباني، السلسلة الصحيحة: ج4 ص343 ح1750، مكتبة المعارف ـ الرياض.

([212]) النسائي، السنن الكبرى: ج5 ص107، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([213]) رواه ابن أبي عاصم بنفس السند باستثناء هلال بن بشر، وهو من شيوخ النسائي، وهو ثقة. قال ابن حجر في تقريب التهذيب: «هلال بن بشر بن محبوب المزني أبو الحسن البصري إمام مسجد يونس الأحدب: ثقة من العاشرة». تقريب التهذيب:ج2 ص271، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([214]) ابن أبي عاصم، كتاب السنة ومعه ظلال الجنة بقلم الألباني: ص552، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([215]) المزي، تهذيب الكمال: ج29 ص172، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([216]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج10 ص337، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([217]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص231ـ 232، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. وقد أخرج الحديث النسائي في السنن الكبرى: ج5 ص107، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. وابن أبي عاصم في كتاب السنة: ص551، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([218]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص284ـ 285، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([219]) المصدر نفسه: ج10 ص14.

([220]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج12 ص34، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([221]) المصدر السابق: ج8 ص284ـ 285.

([222]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص125، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([223]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج4 ص227، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([224]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص131، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([225]) أحمد بن حنبل، العلل: ج2 ص366، الناشر: دار الخاني ـ الرياض.

([226]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص501 الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([227]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص452، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([228]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج4 ص127، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([229]) هو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال، وهو ابن عم الإمام أحمد بن حنبل. الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج2 ص600، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([230]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج6 ص387، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([231]) العجلي، معرفة الثقات: ج1 ص462، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة.

([232]) ابن حجر العسقلاني، المطالب العالية: ج16 ص142ـ 143، الناشر: دار العاصمة / دار الغيث ـ السعودية.

([233]) البوصيري، إتحاف الخيرة المهرة: ج9 ص279، الناشر: مكتبة الرشيد ـ الرياض.

([234]) ابن أبي عاصم، كتاب السنة: ج2 ص907، الناشر: دار الصميعي. قال محقق الكتاب في الهامش: «إسناده حسن».

([235]) اُنظر: الغدير، الأميني: ج1 ص314، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([236]) المصدر نفسه: ج1 ص14.

([237]) المصدر نفسه: ج1 ص158.

([238]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص61، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([239]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص297، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([240]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج2 ص713، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([241]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج14 ص277، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([242]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج11 ص167، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([243]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3 ص1042ـ 1043، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([244]) راجع ما كتبه السيد عبد العزيز الطباطبائي حول المؤلفات التي كتبت حول الغدير، في مجلة تراثنا العدد 21، مقال بعنوان: الغدير في التراث الإسلامي1410هـ، عدد خاص بمناسبة مرور 1400 عام على عيد الغدير.

([245]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص281، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([246]) محمد بن عقيل، النصائح الكافية: ص104، الناشر: دار الثقافة ـ قم.

([247]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج4 ص210، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([248]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3 ص965ـ 966، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([249]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج11 ص140، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([250]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج1 ص66، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت.

([251]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج14 ص127، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([252]) المصدر نفسه: ج14 ص132. المزي، تهذيب الكمال: ج1 ص132 ص339، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج2 ص700. ابن كثير، البداية والنهاية: ج11 ص140. الصفدي، الوافي بالوفيات: ج6 ص257، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت.

([253]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج17 ص165.

([254]) الذهبي، العبر في خبر من غبر: ج3 ص93ـ 94، الناشر: مطبعة حكومة الكويت.

([255]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج17 ص175، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ابن الجوزي، المنتظم: ج15 ص110، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الصفدي، الوافي بالوفيات: ج3 ص260، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت. تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى: ج4 ص163، الناشر: هجر للطباعة.

([256]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص289، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج18 ص508، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([257]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص368، الناشر: دار صادر ـ بيروت. أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة: ج2 ص586، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([258]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج1 ص308، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([259]) الكنجي الشافعي، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ص62، الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت^.

([260]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص61، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([261]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج8 ص335. 

([262]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج14 ص277، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([263]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص233، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([264]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج1 ص107، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([265]) ملاّ علي القاري، مرقاة المفاتيح: ج11 ص248، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([266]) وهذا الاتفاق من جميع علماء السير بلا شك يكشف عن تواتر الحديث.

([267]) قال سبط ابن الجوزي: «وفي نسخة: وكان معه من الصحابة ومن الأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفاً، وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه هذه المقالة». تذكرة الخواص: ص37، الناشر: مؤسسة أهل البيت ـ بيروت.

([268]) العجلوني، كشف الخفاء: ج2 ص274، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([269]) هو محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، متوفى 1182هـ، صاحب كتاب (سبل السلام).

([270]) الأمير الصنعاني، توضيح الأفكار: ج1 ص243، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنوّرة.

([271]) الكتاني، نظم المتناثر: ص194ـ 195، الناشر: دار الكتب السلفية ـ مصر.

([272]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص330، تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([273]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص343، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([274]) اُنظر: الأميني، الغدير: ج1 ص294، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([275]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج6 ص319، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([276]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص211، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([277]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص344، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([278]) نعم، هناك موارد نادرة يكون مفيداً للعلم من خلال القرائن الخارجية المحتفّة به.

([279]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص840، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([280]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج2 ص18 ح951، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([281]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص129، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([282]) النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص103، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

([283]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص446، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([284]) اُنظر: ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص366، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([285]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص114ـ 115، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([286]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص399، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([287]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص270، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([288]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص739، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([289]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج6 ص226ـ 227.

([290]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص392.

([291]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص360.

([292]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص332، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([293]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج11 ص400.

([294]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص214، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([295]) العجلوني، كشف الخفاء: ج2 ص274، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([296]) نقلاً عن ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص233، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([297]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص344، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([298]) الآلوسي، روح المعاني: ج26 ص73، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([299]) المصدر نفسه.

([300]) غافر: 51.

([301]) المجادلة: 21.

([302]) آل عمران: 12.

([303]) آل عمران: 56.

([304]) آل عمران: 178.

([305]) المائدة: 30.

([306]) قال الهيثمي: «رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبّان». مجمع الزوائد: ج7 ص238، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([307]) الحج: 40.

([308]) النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص146، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

([309]) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص193، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([310]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص61 ح144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([311]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج1 ص4، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح ولم يخرج في الصحيحين»، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([312]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص89، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([313]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص293، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([314]) البخاري، صحيح البخاري: ج7 ص190 ح6502، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([315]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج11 ص294، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([316]) المائدة: 55.

([317]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص840ـ 841، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([318]) وسوف نذكر لاحقاً الكثير من الشواهد التي تفيد أنّ الولي بمعنى الأولى.

([319]) نقلاً عن الرسائل العشر للشيخ الطوسي: ص130، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([320]) اُنظر: نقد كتاب اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص495ـ505.

([321]) الأحزاب: 6.

([322]) البيهقي، الاعتقاد: ص356، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

([323]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص841ـ 842، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([324]) الأحزاب: 6.

([325]) الطبري، جامع البيان: ج21 ص147، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([326]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: ج3 ص476، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([327]) البغوي، تفسير البغوي: ج3 ص507، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([328]) ابن الجوزي، زاد المسير: ج6 ص182، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([329]) الخازن، تفسير الخازن: ج5 ص105، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([330]) النسفي، تفسير النسفي: ج3 ص297، الناشر: دار النفائس ـ بيروت.

([331]) الشوكاني، فتح القدير: ج4 ص261، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([332]) الصابوني، صفوة التفاسير: ج2 ص470، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([333]) القاضي عياض، الشفا: ج1 ص53، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([334]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص43، الناشر: دار الفكر.

([335]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه بتعليق الألباني: ص36 ح116، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([336]) ابن أبي عاصم، كتاب السنة: ج2 ص907، الناشر: دار الصميعي. قال محقق الكتاب في الهامش: «إسناده حسن».

([337]) المائدة: 67.

([338]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1172، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا.

([339]) المصدر نفسه: ج1 ص14.

([340]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج7 ص178ـ 179، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت.

([341]) الواحدي النيسابوري، أسباب النزول: ص135، الناشر: مؤسسة الحلبي وشركاؤه ـ القاهرة.

([342]) قال ابن خلكان في ترجمة الواحدي: «علي بن أحمد بن علي بن متويه الواحدي المتوي، صاحب التفاسير المشهورة، كان أستاذ عصره في النحو والتفسير، ورزق السعادة في تصانيفه، وأجمع الناس على حسنها، وذكرها المدرّسون في تدريسهم... وله كتاب أسباب النزول، والتحبير في شرح أسماء الله تعالى الحسنى... وكان الواحدي المذكور تلميذ الثعلبي صاحب التفسير... وعنه أخذ علم التفسير وأربى عليه، وتوفي عن مرض طويل في جمادى الآخرة سنة ثمان وستون وأربعمائة بمدينة نيسابور، رحمه الله تعالى». وفيات الأعيان: ج3 ص303ـ 304، الناشر: دار الثقافة ـ بيروت.

وقال عنه الذهبي: «الواحدي، الإمام العلامة، الأستاذ، أبو الحسن، علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري الشافعي، صاحب (التفسير) وإمام علماء التأويل، من أولاد التجار، وأصله من ساوه... ولأبي الحسن كتاب: أسباب النزول، مروي... وكان طويل الباع في العربية واللغات... تصدر للتدريس مدّة، وعظم شأنه... قال أبو سعد السمعاني: كان الواحدي حقيقاً بكل احترام وإعظام، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة... مات بنيسابور في جمادي الآخرة، سنة ثمان وستين وأربع مئة، وقد شاخ» سير أعلام النبلاء: ج18 ص339ـ 342، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

وقال اليافعي في مدحه ومدح تصانيفه: «الإمام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، أستاذ عصره في النحو والتفسير، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم، وصنف التصانيف الشهيرة المجمع على حسنها، والمشتغل بتدريسها والمرزوق السعادة فيها». مرآة الجنان وعبرة اليقظان: ج3 ص96، الناشر: دار الكتاب الإسلامي ـ القاهرة.

([343]) الواحدي النيسابوري، أسباب النزول: ص5، الناشر: مؤسسة الحلبي ـ القاهرة.

([344]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص237، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([345]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج20 ص109، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([346]) المصدر نفسه: ج18 ص254.

([347]) المصدر نفسه: ج16 ص539.

([348]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3 ص708، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. واُنظر: سير أعلام النبلاء: ج15 ص61.

([349]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج1 ص415، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([350]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص324، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([351]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص202ـ 203، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([352]) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: ج5 ص190، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([353]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص302، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([354]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص348، الناشر : دار صادر ـ بيروت.

([355]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص304، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([356]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص112، ص381، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([357]) ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1328، ص1335، ج6ص1749.

([358]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص301ـ 302، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([359]) اُنظر: ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: ج5 ص190، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص135، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([360]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص134.

([361]) الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج4 ص92، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([362]) الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل: ج1 ص249، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

([363]) المصدر نفسه: ج1 ص251ـ 252.

([364]) المصدر نفسه: ج1 ص252.

([365]) المصدر نفسه.

([366]) السيوطي، الدر المنثور: ج2 ص298، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([367]) الأميني، الغدير: ج1 ص214ـ 223، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([368]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص381ـ 382، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([369]) تقدم ذكر بعض التوثيقات بحقه، لكن بنحو مختصر، راجع: ص41ـ 42.

([370]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص678، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([371]) المزي، تهذيب الكمال: ج20 ص147، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([372]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج3 ص120، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([373]) ملاّ علي القاري، شرح مسند أبي حنيفة: ص292، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([374]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص201، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([375]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج7 ص424، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([376]) الترمذي، سنن الترمذي: ج1 ص296 وج4 ص7ـ 8 وج5 ص23، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([377]) الترمذي، سنن الترمذي: ج2 ص32 وج3 ص228 وج4 ص46 و96 وج5 و130 و137، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([378]) الترمذي، سنن الترمذي: ج4 ص84، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([379]) ابن حجر العسقلاني، نزهة النظر: ص143، الناشر: مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة.

([380]) الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج4 ص92، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([381]) المائدة: 3.

([382]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص284، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. تقدم تصحيح سند هذا الحديث، اُنظر: ص95ـ97.

([383]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج2 ص15، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([384]) ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص425، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص232، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([385]) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: ج1 ص29، الناشر: دار إحياء الكتب العربية ـ بيروت.

([386]) أي سورة الإسراء.

([387]) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: ج1 ص30ـ 32، الناشر: دار إحياء الكتب العربية ـ بيروت.

([388]) آل عمران: 77.

([389]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص166 ح4549، الناشر: دار الفكر.

([390]) المصدر نفسه: ج5 ص167 ح4551.

([391]) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص111 ح1406، كتاب الزكاة، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([392]) البقرة: 158.

([393]) المصدر نفسه: ج2 ص169ـ 170 ح1643، كتاب الحج. واُنظر أيضاً: مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج4 ص69 ح2968، كتاب الحج، باب بيان السعي بين الصفا والمروة، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([394]) المصدر السابق: ج1 ص16 ح45. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج8 ص239 ح7420.

([395]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص284، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، وقد تقدم تصحيح سند هذا الحديث: ص95ـ97.

([396]) الطبراني، المعجم الكبير: ج12 ص183، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([397]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج1 ص196، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([398]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج2 ص110 ح1301، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([399]) أبو داود السجستاني، سنن أبي داود: ج1 ص86، ج1 ص91، وموارد اُخرى، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([400]) الترمذي، سنن الترمذي: ج1 ص29، ج2 ص46، وموارد اُخرى، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([401]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص139، ص147، وموارد اُخرى.

([402]) الترمذي، سنن الترمذي: ج1 ص29ـ 30، ج3 ص98 وص102، ج4 ص244.

([403]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص390، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([404]) المزي، تهذيب الكمال: ج15 ص494، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([405]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص526، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([406]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج5 ص331، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([407]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج7 ص268، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([408]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص237، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([409]) عبد الله بن عدي، الكامل: ج4 ص145، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([410]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج5 ص148، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([411]) العيني، عمدة القاري: ج7 ص13، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([412]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج1 ص155، ج4 ص18 وص20 وص31 وص82، وغيرها من الموارد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([413]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج18 ص26، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

([414]) الترمذي، سنن الترمذي (الجامع الصحيح): ج1 ص16، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مكتبة مصطفى البابي الحلبي ـ مصر.

([415]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص16 ح45، كتاب الإيمان، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج8 ص239 ح7420، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([416]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج8 ص238 ح7420، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([417]) النسائي، سنن النسائي (المجتبى): ج5 ص251، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب.

([418]) المصدر نفسه.

([419]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص186 ح4606، كتاب تفسير القرآن، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([420]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص105، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([421]) اُنظر: أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص109، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([422]) اُنظر: المتقي الهندي، كنز العمال: ج11 ص630، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل: ج1 ص83، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

([423]) اُنظر: الأميني، الغدير: ج1 ص372ـ 373، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([424]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله».

([425]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص124، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([426]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص284، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. وسيأتي تصحيح هذا الحديث، فراجع: ص212ـ 214.

([427]) الغزالي، مجموعة رسائل الأمام الغزالي، سر العالمين: ص483، الناشر: المكتبة التوفيقية ـ القاهرة.

([428]) يوجد خلاف يسير بين عبارة الغزالي التي نقلناها وبين ما نقله عنه الذهبي.

([429]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج19 ص328، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([430]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص370، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([431]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([432]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج14 ص436، شرحه ووضع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([433]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص370، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، مؤسسة قرطبة ـ القاهرة.

([434]) الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص331، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([435]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص371، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([436]) روى النسائي في كتاب الخصائص في إحدى طرق حديث الغدير عن زيد بن أرقم: «قال أبو الطفيل: سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينيه وسمعه بأذنيه». خصائص أمير المؤمنين×: ص94، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

وصححه الذهبي كما في البداية والنهاية لابن كثير: ج4 ص416، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([437]) أخرج أحمد في مسنده عن زيد بن يثيع عن علي عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في حديث: «وأن تؤمّروا علياً (رضي الله عنه) ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم» أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص109، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بإسناده عن حذيفة في حديث (حذف صدره وزيد عليه) عن النبي’: «وإن ولّيتموها (الخلافة) علياً وجدتموه هادياً مهدياً، يسلك بكم على الطريق المستقيم». وفي رواية أبي داود: «إن تستخلفوه [علياً] ولن تفعلوا ذلك، يسلك بكم الطريق وتجدوه هادياً مهدياً». الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج1 ص48، الناشر : دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وفي حديث أبي نعيم في الحلية عن حذيفة، قال: «قالوا: يا رسول الله إلاّ تستخلف علياً؟ قال: إن تولّوا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم»، وفي لفظ آخر: «وإن تؤمّروا علياً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم». حلية الأولياء: ج1 ص64، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

وفي كنز العمال عن فضائل الصحابة لأبي نعيم، وفي حليته: «إن تستخلفوا علياً وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يحملكم على المحجّة البيضاء» المتقي الهندي، كنز العمال: ج11 ص630. أبو نعيم، حلية الأولياء: ج1 ص64. وأخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في الكفاية بهذا للفظ وبلفظ أبي نعيم الأول، وفي الكنز عن الطبراني، وفي المستدرك للحاكم: «إن ولّيتموها علياً فهاد مهدي، يقيمكم على طريق مستقيم». الكنجي الشافعي، كفاية الطالب: ص67. المتقي الهندي، كنز العمال: ج6 ص160. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص142.

وروى الخطيب الخوارزمي في المناقب مسنداً عن عبد الله بن مسعود، قال: «كنت مع رسول الله وقد أصحر فتنفس الصعداء، فقلت: يا رسول الله، مالك تتنفس؟ قال: يا بن مسعود، نعيت إليّ نفسي، فقلت: يا رسول الله استخلف، قال: من؟ قلت: أبا بكر فسكت، ثم تنفس، فقلت؟ مالي أراك تتنفس يا رسول الله؟ قال: نعيت إليّ نفسي. فقلت: استخلف يا رسول الله، قال: من؟ قلت: عمر بن الخطاب. فسكت، ثم تنفّس، قال: فقلت: مالي أراك تتنفس يا رسول الله؟ قال: نعيت إليّ نفسي، فقلت: يا رسول الله استخلف، قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب، قال: أوه ولن تفعلوا إذاً أبداً، والله لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنة». مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص114، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([438]) الأميني، الغدير: ج1 ص12ـ 13، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([439]) البيهقي، الاعتقاد: ص356، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

([440]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص842، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([441]) المزي، تهذيب الكمال: ج3 ص305ـ 306، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([442]) والمراد بالمقبول عند ابن حجر هو الضعيف الذي لا يحتج بروايته ما لم تعتضد بطريق آخر.

([443]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص202، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([444]) اُنظر: البيهقي، الاعتقاد: ص355، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

([445]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص362، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([446]) الذهبي، المغني في الضعفاء: ج2 ص199، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([447]) ابن أبي حاتم الرازي ، الجرح والتعديل: ج7 ص75، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([448]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص840، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([449]) أخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه: ج3 ص107، بسنده عن محمد بن منصور الطوسي، يقول: «سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه».

وفي الاستيعاب لابن عبد البرّ، قال: «وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روى في فضائل علي بن أبي طالب». الاستيعاب: ج3 ص1115، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

وقال ابن الجوزي: «قال الإمام أحمد بن حنبل: ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي رضي الله عنه»، مناقب الإمام أحمد بن حنبل: ص220، الناشر: هجر.

([450]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص76 ح4210، الناشر: دار الفكرـ بيروت. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6116، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([451]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج7 ص235، وقال عنه: «رواه البزار، وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح». وقال الأميني: «الرجل الذي لم يعرفه الهيثمي هو سعيد بن شعيب الحضرمي، قد خفي عليه لمكان التصحيف، ترجمه غير واحد». الغدير: ج3 ص177، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([452]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص124، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([453]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص1332ـ 133 ح6119، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([454]) أخرج النيسابوري بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه: «ما كنا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» المستدرك: ج3 ص129، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وفي صحيح مسلم عن علي×: «... لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق» صحيح مسلم: ج1 ص61 ح144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([455]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص842ـ 843، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([456]) البيهقي، الاعتقاد: ص354، الناشر: دار الآفاق الجديدة.

([457]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص227، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال في موضع قبله: «والمقصود أنّ علياً لمّا كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إيّاهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعليّ معذور فيما فعل، لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج. فلذلك ـ واللّه أعلم ـ لمّا رجع رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) من حجّته، وتفرّغ من مناسكه ورجع إلى المدينة، فمرّ بغدير خم، قام في الناس خطيباً، فبرّأ ساحة علي، ورفع من قدره ونبّه على فضله؛ ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس». البداية والنهاية: ج5 ص123.

([458]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج1 ص109، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([459]) الآلوسي، مختصر التحفة الاثني عشرية للدهلوي: ص180، الناشر: المكتبة السلفية.

([460]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص86، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([461]) أواق: جمع أوقية، وهي قديماً أربعون درهماً من الفضة، اُنظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج1 ص191.

([462]) البخاري، صحيح البخاري: ج53 ص110 ح4349، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([463]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص110 ح4350، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([464]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص356، الناشر: دار صادر ـ بيروت. النسائي، الخصائص: ص98ـ 99، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

([465]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج16 ص497 ح22908، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة. النسائي، السنن الكبرى: ج5 ص133، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([466]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص350، الناشر: دار صادر ـ بيروت. النسائي، السنن الكبرى: ج5 ص130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([467]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص108، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([468]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص350، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة. الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط.

([469]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص192، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([470]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص163، الناشر: دار الحرمين.

([471]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص504، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([472]) الطبراني، المعجم الكبير: ج18 ص128، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([473]) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج15 ص374، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([474]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص437ـ 438، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([475]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص297، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([476]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص381، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([477]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص630، الناشر: دار الكتاب العربي.

([478]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص111، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([479]) البيهقي، السنن الكبرى: ج2 ص369، الناشر: دار الفكر.

([480]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج2 ص691، الناشر: دار الكتاب العربي.

([481]) الألباني، إرواء الغليل: ج2 ص230، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([482]) أحمد زيني دحلان، السيرة النبوية: ج2 ص371، الناشر: دار القلم العربي ـ حلب.

([483]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص163، الناشر: دار الحرمين.

([484]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص504، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([485]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص163، الناشر: دار الحرمين.

([486]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص504، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. 

([487]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج4 ص27، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([488]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص630، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([489]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص356، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([490]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص163، الناشر: دار الحرمين.

([491]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص504، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([492]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص350.

([493]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص163، الناشر: دار الحرمين.

([494]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص504. الطبراني، المعجم الكبير: ج18 ص128ـ 129. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص110، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([495]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص350، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([496]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص108، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([497]) الشيخ المفيد، الإرشاد: ج1 ص160ـ 161، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([498]) أبو نصر البخاري، سرّ السلسلة العلوية: ص81، الناشر: انتشارات الشريف الرضي.

([499]) الآلوسي، روح المعاني في تفسيرالقرآن: ج29 ص158، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت.

([500]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص544ـ 545 ح882، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر، الناشر: دارالحديث ـ القاهرة.

([501]) المصدر نفسه: ج1 ص458ـ 459 ح666.

([502]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه بتعليق الألباني: ص395 ح2310، الناشر: مكتبةالمعارف ـ الرياض.

([503]) البَزُّ: الثياب وقيل: ضرب من الثياب، لسان العرب: ج5 ص311، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([504]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص1021ـ 1022، الناشر: مكتبة محمد علي ـ مصر. الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص402، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص415، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([505]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص1022، الناشر: مكتبة محمد علي ـ مصر.

([506]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص402، الناشر: مؤسسة الاعلمي ـ بيروت.

([507]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص86، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([508]) البيهقي، دلائل النبوّة: ج5 ص398ـ 399، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([509]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص112، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص205، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([510]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص483، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([511]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص129، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([512]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص122، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([513]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج12 ص392 ح15902، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([514]) انتظرهم.

([515]) الظاهر أنّ المراد بلاد مذحج، حيث إنّ قبائل همدان وبني زيد قد أسلموا قبل ذلك، ويحتمل أنّ الواقدي قد خلط بين خروج علي× لليمن غازياً وبين خروجه جابياً للصدقات.

([516]) قرية بالطائف.

([517]) معكومة: مشدودة.

([518]) الواقدي، المغازي: ج3 ص1079ـ 1080، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([519]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص301، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([520]) الواقدي، المغازي: ج2 ص1079ـ 1081، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص301.

([521]) اُنظر: ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص1021. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص86. ابن عبد البرّ، الاستيعاب: ج4 ص1857. الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص129. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص134. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص200. الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن: ج6 ص194. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص631. ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص228. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص415.

([522]) الواقدي، المغازي: ج2 ص1081، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([523]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص1022، الناشر: مكتبة محمد علي ـ مصر. الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص401ـ 402. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص415.

([524]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص483، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([525]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص129، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([526]) اُنظر: البيهقي، دلائل النبوّة: ج5 ص398 ـ 399. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص201. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص201. ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص101، ج7 ص382، قائلاً فيهما: «وهذا إسناد جيّد على شرط النسائي ولم يروه أحد أصحاب الكتب الستّة<.

([527]) الواقدي، المغازي: ج2 ص1081، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([528]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص301، الناشر: دار صادر ـ بيروت

([529]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص1022، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ مصر. الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص402، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص415، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([530]) ابن هشام، السيرة النبوية: ج4 ص1022، الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص402.

([531]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص301، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([532]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص483، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([533]) البيهقي، دلائل النبوّة: ج5 ص398ـ 399، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([534]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1172، الناشر: المكتبة العصرية.

([535]) اُنظر: الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج4 ص92، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([536]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص289، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([537]) انظر: هذا الجزء ص95ـ97.

([538]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص483، الناشر : دار صادر ـ بيروت.

([539]) البيهقي، دلائل النبوّة: ج5 ص398ـ 399، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([540]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص122. ابن كثير، السيرة النبوية: ج4 ص205.

([541]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص847ـ 848، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([542]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص233، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. وقد تقدم تصحيح رواية أبي هريرة، راجع: ص95ـ97.

([543]) الخوئي، معجم رجال الحديث: ج1 ص86، ط5ـ 1413هـ.

([544]) المصدر نفسه: ج1 ص25.

([545]) المصدر نفسه: ج1 ص91.

([546]) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل: ج1 ص29، الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ بيروت.

([547]) نهج البلاغة: ج1 ص11ـ 13، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([548]) نقلاً عن كتاب مصادر نهج البلاغة، عبد الزهرة الكعبي: ج1 ص12، الناشر: دار الزهراء ـ بيروت.

([549]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص456، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([550]) اُنظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص431، 501، 502، 529، 532، 631، 632، 633، 635، 637، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([551]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص341، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([552]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج4 ص285، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([553]) مغلطاي، إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ج5 ص222، الناشر: الفاروق الحديثة.

([554]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص302، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.

([555]) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: ج4 ص4، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([556]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص275، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([557]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص309، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.

([558]) ابن جحر، لسان الميزان: ج3 ص145، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([559]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج4 ص259ـ 260، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([560]) ابن أعثم الكوفي، كتاب الفتوح: ج2 ص434، الناشر: دار الاضواء ـ لبنان.

([561]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج1 ص138، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([562]) النمازي، مستدركات علم رجال الحديث: ج8 ص528، رقم الترجمة 17781، المطبعة: حيدري ـ طهران. القمي، الكنى والألقاب: ص215، الناشر: مكتبة الصدر ـ طهران.

([563]) ذكر مثلاً: «أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لما توفي قام بالأمر بعده الإمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه»، فهذا قول من يعتقد بصحة خلافة أبي بكر وشرعيتها، وغيرها من العبارات التي تدل على كون الرجل سنياً. ابن أعثم الكوفي، الفتوح: ج1 ص5، الناشر: دار الاضواء ـ لبنان.

([564]) المفيد، كتاب الجمل: ص64، الناشر: مكتبة الداوري ـ قم.

([565]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص11، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([566]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص11، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([567]) المزي، تهذيب الكمال: ج18 ص326، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت

([568]) العقيلي، ضعفاء العقيلي: ج3 ص31، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([569]) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: ج5 ص302، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([570]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص615ـ 616، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([571]) اُنظر: ابن حبان، الثقات: ج7 ص97. الذهبي، الكاشف: ص665، الناشر: دار القبلة ـ جدة.

([572]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص334.

([573]) ابن حجر العسقلاني، طبقات المدلّسين: ص31، الناشر: مكتبة المنار.

([574]) الطبري، تاريخ الطبري: ح3 ص450، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([575]) السمعاني، الأنساب: ج5 ص218، الناشر: دار الجنان ـ لبنان.

([576]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج3 ص60، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([577]) المفيد، كتاب الجمل: ص65، الناشر: مكتبة الداوري ـ قم.

([578]) النمازي، مستدركات علم رجال الحديث: ج5 ص209، رقم الترجمة: 9257، الناشر: ابن المؤلف، المطبعة: حيدري ـ طهران.

([579]) نهج البلاغة: ج1 ص30، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([580]) المصدر نفسه: ج2 ص27.

([581]) المصدر نفسه: ج1 ص156.

([582]) المصدر نفسه: ج2 ص202.

([583]) المصدر السابق: ج3 ص118ـ 119.

([584]) المصدر نفسه: ج1 ص30ـ 31.

([585]) قال الإمام في خطبته الشقشقية «... فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كلّ جانب. حتى لقد وطئ الحسنان. وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم... لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر... ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» نهج البلاغة: ج1 ص36ـ 37، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([586]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص11، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([587]) المتقي الهندي، كنز العمال: ج5 ص749، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([588]) نهج البلاغة: ج1 ص181ـ 182، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([589]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج7 ص34، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([590]) هناك الكثير من المحدثات التي برزت في زمان الخلافة التي سبقت الإمام×، فعلى الصعيد الفقهي، هناك مثلاً الخليفة الثاني الذي اشتهر بكثرة اجتهاداته في كثير من الأحكام الثابتة في الكتاب والسنّة، والتي منها: تحريمه التمتع بالحج الذي كان على عهد النبي’ إلى أن مات’، أخرج البخاري بسنده عن عمران بن حصين قال: «نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء، قال محمد: يقال: إنّه عمر» صحيح البخاري: ج5 ص158 ح4518، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

ومنها: تحريمه الزواج المؤقت الذي كان سائغاً على عهد رسول الله’ وعهد الخليفة أبي بكر، ففي صحيح مسلم عن أبي الزبير: «قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر» صحيح مسلم: ج4 ص131 ح3306، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

ومنها: صلاة التراويح، فهي لم تكن مما شرّع في أيام النبي’، وكانت النوافل تُصلّى فرادى في أيام رسول الله ’في شهر رمضان.

قال في المؤطأ عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنّه قال: «خرجت مع عمر بن الخطاب، في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي الرجل فيُصلي بصلاته الرهطُ، فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. فجمعهم على اُبي بن كعب». مالك، الموطأ: ج1 ص114، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

ومنها: تصرفه في الأذان، فلم يكن في أذان الفجر عبارة: الصلاة خير من النوم، جاء في الموطأ: «أنّه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائماً. فقال: الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح». الموطأ: ج1 ص72، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وغير ذلك من الاجتهادات كاجتهاده في حكم الطلاق وتحريمه البكاء على الميت، وإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم و...

وأما على الصعيد السياسي، فإن الخليفة الثالث قد نال الحظ الأكبر في هذا المجال، فقد نشأت في زمانه المحاباة وساد الفساد الإداري، حيث بدأ فور تسلمه الخلافة بعزل جميع الولاة الذين عيّنهم سلفه الخليفة عمر باستثناء ابن عمه معاوية، واستبدلهم بأقاربه من بني أمية، الذين كانوا جميعهم من الطلقاء ومن البيوت المكية التي ظلت إلى آخر الوقت معادية للنبي’ وللدولة الإسلامية، وقد أغدق عليهم الأموال من بيت مال المسلمين، وخصهم بامتيازات كثيرة اعترض الناس عليها، وهو بذلك قد أسس بداية التحوّل من الخلافة إلى الملك، فسادت الفوضى وابتعد الناس عن الإسلام الذي عاشوه في زمن النبي’، وغير ذلك من أنماط الانحراف التي كانت سائدة قبل تسلّم الإمام× الخلافة.

([591]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج7 ص38، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([592]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج7 ص33ـ 35، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([593]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج14 ص35، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([594]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص850ـ 851، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([595]) نصر بن مزاحم المنقري، وقعة صفّين: ص28ـ 29، الناشر: المؤسسة العربية الحديثة ـ  القاهرة.

([596]) ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة: ج1 ص84، الناشر: مؤسسة الحلبي.

([597]) أبو حنيفة الدينوري، الأخبار الطوال: ج1 ص227، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([598]) ابن أعثم الكوفي، فتوح البلدان: ج2 ص494، الناشر: دار الأضواء ـ لبنان. ثم إننا قد ناقشنا أسانيد كتاب الفتوح سابقاً، اُنظر: ص229ـ230.

([599]) ابن عبد ربه الاندلسي، العقد الفريد: ج4 ص309ـ 310، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([600]) نصر بن مزاحم، وقعة صفين: ص28ـ 29، الناشر: المؤسّسة العربية الحديثة ـ القاهرة.

([601]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج8 ص498، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([602]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج6 ص171، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([603]) النمازي، مستدركات علم رجال الحديث: ج8 ص89، الناشر: ابن المؤلف.

([604]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج13 ص388ـ 389، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([605]) المصدر نفسه.

([606]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص323، الناشر: دار صادر ـ بيروت. النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص99، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص266، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص634، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص391، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الموفق الخوارزمي، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص149، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. ابن الدمشقي، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي×: ج1 ص66، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم ـ إيران.

([607]) الحاكم النيسابوي، المستدرك: ج3 ص121، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([608]) أبو يعلى الموصلي، مسند أبي يعلى: ج2 ص114، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق. ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص504، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([609]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص129ـ 130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([610]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص60، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([611]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص60ـ 61 ح144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([612]) ما بين المقعوفتين لم يثبته المحقق في المتن، وأنما ذكره في الحاشية، لأنه لم يتبيّن معناه، والصحيح أنّ (حصر به) مصحّفة عن (حفرته)، فيصير المعنى: دخل علي حفرته وما قرأ القرآن؛ أي أنّ علياً× لم يقرأ القرآن حتى توفي، وسيتبيّن هذا المعنى من كلام ابن فارس في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة).

([613]) البسوي، المعرفة والتاريخ: ج1 ص483، الناشر: مكتبة الدارـ المدينة المنورة.

([614]) أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها: ص170، الناشر: المكتبة السلفية ـ القاهرة.

([615]) المصدر السابق: ص170.

([616]) ابن عبد البرّ، جامع بيان العلم وفضله: ج1 ص114، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([617]) العصامي، سمط النجوم العوالي: ج2 ص560، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([618]) محمد بن عبد الوهاب، مسائل لخصها محمد بن عبد الوهاب: ج1 ص170، الناشر: مطابع الرياض.

([619]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص484، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([620]) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط: ص138، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([621]) الطوسي، الأمالي: ص726، الناشر: دار الثقافة ـ قم. القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار: ج1 ص489 الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([622]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج1 ص5، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([623]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج24 ص100، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. عبد الله بن أحمد بن حنبل، السنة: ج2 ص558، الناشر: دار ابن القيم ـ الدمام.

([624]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج4 ص304، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([625]) بن حجر، فتح الباري: ج13 ص148، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([626]) ابن عبد ربه، العقد الفريد: ج2 ص234، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([627]) الموفق بن أحمد الخوارزمي، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص202، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([628]) روى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي هريرة، قال: «لمّا أخذ النبي بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}». تاريخ بغداد: ج8 ص284، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، وقد تقدم تصحيح سند هذا الحديث.

([629]) في إحدى نسخ نهج البلاغة ـ المطبوعة بمصر القاهرة: جاء بدل «كان ذلك لله رضا»، «كان ذلك رضا» فيكون المعنى كان ذلك رضا للمهاجرين والأنصار.

([630]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص26 ح6830، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([631]) قال عضد الدين الإيجى: «وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والإثنان من أهل الحلّ والعقد كاف، لعلمنا أنّ الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا اجتماع مَن في المدينة فضلاً عن اجتماع الأمّة. هذا ولم ينكر عليه أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا». المواقف في علم الكلام: ج3 ص590ـ 591، الناشر: دار الجيل.

([632]) الضحاك، الآحاد والمثاني: ج1 ص76، الناشر: دار الراية ـ الرياض. عمرو بن أبي عاصم، الأوائل: ص36، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت.

([633]) ابن سعد، طبقات ابن سعد: ج3 ص274، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([634]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص621، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص425، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت.

([635]) النووي، شرح صحيح مسلم: ج12 ص77، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([636]) الأحكام السلطانيّة، الماوردي: ج1 ص7، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([637]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج1 ص269، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([638]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص26 ح6830، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([639]) ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج2 ص158، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([640]) وقد يقال: إنّه تعريض بمعاوية أيضاً حيث إنّه لم يكن من المهاجرين؛ إذ لا هجرة بَعدَ فتْح مكة، اُنظر: البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص38 ح3078، 3079،3080.

مضافاً إلى أن علياً× يعتقد بأن معاوية لم يسلم في فتح مكة‌، ويُفهم ذلك من قوله× حينما نظر إلى رايات معاوية وأهل الشام: «فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أسلموا ولكن استسلموا، وأسرّوا الكفر» نهج البلاغة: ج3 ص16، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم. وقد كرر هذا القول عمار بن ياسرتبعاً لإمامه×: «واللّه ما أسلموا، ولكن استسلموا وأسَرُّوا الكُفر فلمّا رأوا عليه أعْوَاناً أظْهَروهُ». الهيثمي، مجمع الزوائد: ج1 ص113، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([641]) نهج البلاغة: ج1 ص35ـ 36، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([642]) نصر بن مزاحم، وقعة صفّين: ص29، الناشر: المؤسسة العربية الحديثة ـ القاهرة. ابن قتيبة، الإمامة والسياسة: ج1 ص84ـ 85، الناشر: مؤسسة الحلبي. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج59 ص128، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([643]) حسن بن فرحان المالكي، نحو إنقاذ التاريخ: ص137، الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية ـ الرياض.

([644]) نهج البلاغة: ج1 ص34ـ 35، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([645]) المصدر نفسه: ج3 ص118ـ 119.

([646]) المصدر السابق: ج2 ص84.

([647]) نهج البلاغة: ج1 ص30ـ 33، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([648]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص855، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([649]) البقرة: 124.

([650]) الأنبياء: 60.

([651]) وقد تعرضنا لهذا البحث في الجزء الأول في مبحث الإمامة، انظر: ص232ـ237.

([652]) السجدة: 24.

([653]) القصص: 5.

([654]) النساء: 59.

([655]) المائدة: 55.

([656]) اُنظر: نقد كتاب اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص427ـ430.

([657]) المصدر السابق: ج1 ص426.

([658]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن: ج4 ص1162، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا. الطبري، جامع البيان: ج6 ص389، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج4 ص80، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الواحدي، أسباب النزول: ص133، الناشر: مؤسسة الحلبي ـ القاهرة.

([659]) المائدة: 67.

([660]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1172، الناشر: المكتبة العصرية ـ صيدا، وقد تقدم نقل هذا الحديث وبطرق مختلفة عند الإجابة عن الشبهات حول حديث الغدير. اُنظر: ص135.

([661]) المائدة: 3.

([662]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج8 ص284، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. وقد تقدم تصحيح سند هذا الحديث: ص95ـ97.

([663]) النحل: 44.

([664]) الحشر: 7.

([665]) النجم: 3ـ 4.

([666]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج17 ص85، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([667]) النساء: 59.

([668]) الأنفال: 20.

([669]) الجن: 23.

([670]) الشعراء: 216.

([671]) النساء: 65.

([672]) الأحزاب: 36.

([673]) أبو داود السجستاني، سنن أبي داود: ج2 ص392 ح4605، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الترمذي، سنن الترمذي: ج4 ص144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص6ـ 7، باب تعظيم حديث رسول الله’ والتغليظ على من عارضه، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج1 ص108، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([674]) كذا في المصدر ولعل الصحيح: شبعان.

([675]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج13 ص291، شرحه ووصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([676]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج13 ص248، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وهذا الحديث رواه المروزي في كتابه السنة: ج1 ص33، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، والدارمي في السنن: ج1 ص145، الناشر: مطبعة الاعتدال ـ دمشق. واللالكائي في اعتقاد أهل السنة: ج1 ص84، الناشر: دار طيبة ـ الرياض.

([677]) السيوطي، الحاوي للفتاوي: ج1 ص292، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([678]) الحشر: 7.

([679]) البخاري، صحيح البخاري: ج6 ص58ـ 59 ح4886، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([680]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج6 ص165 ح5458، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([681]) الحشر: 7.

([682]) الألباني، صفة صلاة النبي: ص171، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([683]) الكليني، الكافي: ج1 ص286ـ 287، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([684]) البقرة: 55.

([685]) المائدة: 101.

([686]) غافر: 34.

([687]) الزمخشري، الكشاف: ج4 ص170، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([688]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج15 ص312ـ 313، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([689]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج11 ص82، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([690]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص127 ح4725، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([691]) السيوطي، الإتقان: ج2 ص365، الناشر: دار الفكر.

([692]) الفخر الرازي، التفسير الكبير: ج8 ص20، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([693]) المائدة: 55.

([694]) الأحزاب: 33.

([695]) الشورى: 23.

([696]) الإنسان: 5ـ10.

([697]) آل عمران: 61.

([698]) آل عمران: 33ـ 34.

([699]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص138 ح3430، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([700]) الحجر: 9.

([701]) ولو لم يقع التحريف في القرآن، فقد يقال: إنّ اتهام جبرائيل× بالهجر لا يكون ممتنعاً حين يوحي للنبي’ بأسماء الأئمة^ كما اتهموا النبي’ بذلك في حديث القرطاس حين أراد التصريح باسم الخليفة بعده!!!

([702]) النساء: 24.

([703]) الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص24، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([704]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص856ـ 857، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([705]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص137 ح3168، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([706]) هو سفيان بن عيينة بن ميمون، قال الذهبي: «العلامة الحافظ، شيخ الإسلام، أبو محمد الهلالي الكوفي، محدّث الحرم... ولد سنة سنة سبع ومائة، وطلب العلم في صغره... وكان إماماً حجة حافظاً واسع العلم كبير القدر، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز». تذكرة الحفاظ: ج1 ص262ـ 263، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال عنه ابن حجر: «ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلاّ أنّه تغير في حفظه بآخره وكان ربما دلّس لكن عن الثقات». تقريب التهذيب: ج1 ص371، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([707]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج1 ص186، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([708]) العيني، عمدة القاري: ج2 ص171، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([709]) هو الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم ابن خطاب البستي الخطابي، المتوفى سنة 388 هـ، قال الذهبي: «العلامة المفيد المحدث الرحال... صاحب التصانيف... وكان ثقة متثبتاً من أوعية العلم». تذكرة الحفاظ: ج3 ص1018ـ 1019، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([710]) الكرماني، صحيح أبي عبد الله البخاري بشرح الكرماني: مج1 ج2 ص127، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([711]) العيني، عمدة القاري: ج2 ص171، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([712]) النووي، شرح مسلم: ج11 ص90، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([713]) القسطلاني، إرشاد الساري: ج1 ص364، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([714]) أحمد أمين، يوم الإسلام: ص41، الناشر: مكتبة الخانجي ـ مصر.

([715]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص2ـ 3، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت.

([716]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص12، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([717]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج1 ص102، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([718]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص7، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([719]) انظر: تصحيح هذا الحديث في الجزء الأول: ص79.

([720]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج50 ص172، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([721]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج1 ص3، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([722]) الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص24، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([723]) هو عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن أبي بكر المعلمي العتمي اليماني ولد في سنة 1313ه‍ في اليمن، عين أميناً لمكتبة الحرم المكي الشريف له مؤلفات وتحقيقات كثيرة، أثنى عليه بعض العلماء، فقال عنه الألباني: «العلاّمة المحقق». اُنظر: مقدمة كتاب التنكيل لما في كتاب الكوثري من الأباطيل: ج1 ص171، الناشر: المكتب الإسلامي.

وقال عنه أبوبكر بن عبد الله أبو زيد: «ذهبي عصره، العلاّمة المحقق». التأصيل لاُصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل: ج1 ص27. الناشر: دار العاصمة ـ الرياض.

([724]) عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة: ص56، الناشر: المطبعة السلفية ومكتبتها ـ بيروت.

([725]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج8 ص115، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([726]) ابن عبد البرّ، جامع بيان العلم وفضله: ج2 ص121، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([727]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج2 ص336، الناشر: دار صادر ـ بيروت. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج39 ص180، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([728]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج59 ص176، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([729]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج11 ص44، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([730]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج1 ص308، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([731]) الكنجي الشافعي، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب×: ص62، الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت^.

([732]) ابن الأثير، اُسد الغابة في معرفة الصحابة: ج2 ص20، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([733]) أي: عبد الله بن مسعود.

([734]) يميثها أي: يمرسها ويذيبها في الطست. ماث الشيء: مرسه وأذابه. لسان العرب، مادة: موث.

([735]) الخطيب البغدادي، تقييد العلم: ج1 ص54، الناشر: دار إحياء السنة النبوية.

([736]) المائدة: 55.

([737]) المائدة: 67.

([738]) المائدة: 3.

([739]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص63، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([740]) نقد كتاب اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص303.

([741]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص122ـ 123 ح6119، باب فضائل علي رضي الله عنه، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([742]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص329، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([743]) الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته: ج1 ص482، الناشر: المكتب الإسلامي.

([744]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([745]) اُنظر: نقد كتاب اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص63ـ64.

([746]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص129 ح4416. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6112، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([747]) ابن عبد البرّ، الاستيعاب: ج3 ص1097، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([748]) الكتاني، نظم المتناثر في الحديث المتواتر: ص195، الناشر: دار الكتب السلفية ـ مصر.

([749]) أحمد محمود صبحي، نظرية الإمامة: ص225، الناشر: دار النهضة العربية ـ بيروت.

([750]) اُنظر: ص11.

([751]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص856ـ 857، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([752]) اُنظر: الأميني، الغدير: ج1 ص14ـ 60، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([753]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص119، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([754]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج3 ص321، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([755]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص208، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([756]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص121 ح6116، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([757]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص194ح 3668، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([758]) المصدر نفسه: ج8 ص26 ح6830.

([759]) الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص24، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([760]) أبو يعلى الموصلي، مسند أبي يعلى: ج1 ص427، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق.

([761]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص118، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([762]) رواه عنه ابن كثير في البداية والنهاية: ج7 ص360، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([763]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص447ـ 448، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([764]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص142ـ 143، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([765]) اُنظر: الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص300، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. أبو يعلى، مسند أبي يعلى: ج7 ص105. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص130ـ 131، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج9 ص376، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج37 ص406، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وغيرها من المصادر الكثيرة.

([766]) قال الحاكم النيسابوري: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة». المستدرك: ج3 ص131، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقال الذهبي: «وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل». تذكرة الحفاظ: ج3 ص1043، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال ابن حجر: «وقد جمع طرق الطبراني ابن مردويه والحاكم وجماعة وأحسن شيء فيها طريق أخرجه النسائي في الخصائص» لسان الميزان: ج1 ص42، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

وقال أحمد بن الصديق الغماري في جؤنة العطار: «فإذا لم يكن حديث الطير صحيحاً؛ فلا يصحّ في الدنيا حديث البتة, ولا يقع تواتر بخبر بالمرة.

فقد رواه عن أنس (سبعة وتسعون راوياً) مائة إلاّ ثلاثة بأعدادها مضاعفة من الطرق عنهم, وورد مع ذلك عن جماعة من الصحابة منهم (علي نفسه وعائشة وابن عباس) وتمام سبعة من الصحابة فيما يحضرني الآن, بحيث أفرد طرقه الإمام محمد بن جرير الطبري في مجلد ضخم , ومن بعده جماعة منهم الحافظ ابن السقّا الذي أملى مجلساً فيه ببغداد، فقاموا إليه وأخرجوه من المسجد وغسلوا الكرسي الذي كان يملي عليه بالماء». جؤنة العطار في طرف الفوائد من لطائف الأخبار: ج1 ص27، طبعة قديمة.

([767]) الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص253ـ 254، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([768]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج37 ص406، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([769]) ابن قتيبة الدينوري، المعارف: ص580، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

ولكنه ورد في ذيل الخبر عبارة «قال أبو محمد: ليس لهذا أصل» ولكن يغلب على الظن أن هذه العبارة قد أقحمت هنا؛ لأنه لو كان هذا الخبر ليس له أصل فلماذا ذكره ابن قتيبة كمصداق لمن ابتلي بالبرص، وقد نقل عنه ذلك العديد من العلماء كابن أبي الحديد، قال العلامة الأميني: «وهو يكشف عن جزمه بصحة العبارة وتطابق النسخ على ذلك كما يظهر من غيره أيضاً ممن نقل هذه الكلمة عن كتاب المعارف لكن: اليد الأمينة على ودايع العلماء في كتبهم في المطابع المصرية دسّت في الكتاب ما ليس منه، فزادت بعد القصة ما لفظه: (قال أبو محمد: ليس لهذا أصل)، ذهولاً عن أن سياق الكتاب يعرب عن هذه الجناية، ويأبى هذه الزيادة؛ إذ المؤلف يذكر فيه من مصاديق كلّ موضوع ما هو المسلّم عنده.

ولا يوجد من أول الكتاب إلى آخره حكم في موضوع بنفي شيء من مصاديقه بعد ذكره إلاّ هذه فأول رجل يذكره في عد من كان عليه البرص هو أنس ثم يعد من دونه، فهل يمكن أن يذكر مؤلف في إثبات ما يرتأيه مصداقا ثم ينكره بقوله لا أصل له؟ وليس هذا التحريف في كتاب المعارف بأول في بابه» الغدير: ج1 ص192ـ 193، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([770]) نهج البلاغة: ج4 ص74، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([771]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج2 ص386، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([772]) النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× ص107ـ 108، الناشر: مكتبة نينوى ـ طهران.

([773]) أبو داود السجستاني، سنن أبي داود: ج2 ص477، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([774]) البزار، مسند البزار: ج8 ص223، الناشر: مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت. وقال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح» مجمع الزوائد: ج9 ص127، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([775]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص275، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([776]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص19، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([777]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص57 ص162 ح198، الناشر: دار الفكرـ بيروت. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج2 ص22 ح824، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وغير ذلك من المصادر.

([778]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص34، ص228، وغيره من المصادر.

([779]) الصنعاني، المصنف: ج5 ص429ـ 430، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([780]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج2 ص232، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([781]) كلمة (بخير) لا توجد في مسند أحمد.

([782]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص433، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([783]) الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص115، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص394، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت. ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص40، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([784]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص113، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة. قال شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم».

([785]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج11 ص44، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([786]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120ـ 121 ح6114، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([787]) القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: ص1114ـ 1115، الناشر: دار المنهاج ـ الرياض.

([788]) قال أحمد بن الصديق المغربي: «مجرد كون الحديث في الفضائل من أكبر أسباب الطعن عندهم في الرواة، ولو لم يتهموا بتشيع؛ فإنّ من روى ذلك لا يتوقفون في طعنه، ولا يتورعون عن جرحه ولو كان أوثق الثقات وأعدل العدول». فتح الملك العلي: ص141، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي× العامة ـ أصفهان.

([789]) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: «فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسك باُمور الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإنّ غالبهم كاذب ولا يتورع في الأخبار»!! تهذيب التهذيب: ج8 ص411، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([790]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج7 ص137ـ 138، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت.

([791]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج4 ص74، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([792]) اُنظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج4 ص74ـ 83.

([793]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص162ـ 163، الناشر: دار الحرمين.

([794]) ابن الجوزي، مناقب الإمام أحمد بن حنبل: ص220، الناشر: هجر.

([795]) ابن عبد البرّ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج3 ص1115، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([796]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص858، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([797]) المرتضى، الشافي في الإمامة: ج2 ص142، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([798]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص121 ح6116، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([799]) ورم أنفه: أي امتلأ وانتفخ من ذلك غضباً، وخصّ الأنف بالذكر لأنه موضع الأنفة والكبر، اُنظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج5 ص177، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([800]) الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص62، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([801]) المؤمنون: 70.

([802]) الصف: 2.

([803]) قد استفاض عن النبي’ أن الاُمّة ستفترق بعده ثلاثاً وسبعين فرقة، فقد أخرج العديد من الحفاظ والمحدّثين عن رسول الله’ أنّه قال: «إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة. وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة» ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج2 ص1322، الناشر: دار الفكر.

([804]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص134 ح529، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([805]) المصدر نفسه: ج1 ص134 ح530.

([806]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص296، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([807]) السيوطي، تنوير الحوالك: ص93، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([808]) الشافعي، الأم: ج1 ص269، الناشر: دار الفكر. البيهقي، معرفة السنن والآثار: ج3 ص46، الناشر: دار الكتب العلمية.

([809]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج2 ص11، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([810]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص858، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([811]) المصدر نفسه: ج2 ص858.

([812]) المصدر نفسه: ج2 ص858.

([813]) ابن الجوزي، الموضوعات: ج2 ص30ـ 31، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.

([814]) المصدر السابق: ج2 ص31.

([815]) ابن الجوزي، الموضوعات: ج2 ص31، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.

([816]) اُنظر: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج13 ص178، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([817]) اُنظر: ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة: ج9 ص87، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([818]) اُنظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ج1 ص7، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم. وأيضاً مفلح بن راشد، إلزام النواصب: ص88، تحقيق: الشيخ عبد الرضا النجفي.

([819]) ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة: ص12، الناشر: مؤسسة الحلبي.

([820]) مفلح بن راشد، إلزام النواصب: ص88، تحقيق: الشيخ عبد الرضا النجفي.

([821]) محمد بن عمر الرازي، المحصول في علم الاُصول: ج4 ص436، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض.

([822]) النوبختي، فرق الشيعة: ص105، الناشر، مكتبة الفقيه ـ قم.

([823]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص859، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([824]) الأميني، الغدير: ج1 ص14ـ 60، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([825]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص137، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([826]) اُنظر، نقد كتاب اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص360.

([827]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص859، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([828]) الزبير بن بكار: هو الإمام عبد الله بن الزبير بن بكار عرف بالعلم والفضل، قال الخطيب البغدادي: «وكان ثقة ثبتاً عالماً بالنسب، عارفا بأخبار المتقدمين، ومآثر الماضين». تاريخ بغداد: ج8 ص469، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. وقال الذهبي: «الزبير بن بكار، الإمام، صاحب النسب، قاضي مكة، ثقة من أوعية العلم». سير أعلام النبلاء: ج2 ص66، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([829]) الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات: ص465 ح380، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([830]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص443، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص325، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت.

([831]) الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات: ص467 ح382، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([832]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص859، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([833]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص31 ح3053، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([834]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص75ـ 76 ح4124، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([835]) المصدر السابق: ج7 ص122ـ 123 ح6119.

([836]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص329، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([837]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص61ـ 62 ح2832، الناشر: دار الفكرـ بيروت. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج4 ص37 ح2832، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([838]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج4 ص33ـ 34 ح2820، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([839]) الغميم: وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال يضاف إليه هذا الكراع وهو جبل أسود متصل به، والكراع كلّ أنف سال من جبل أو حرّة. النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: ج7 ص230، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «وهذا محمول على من تضرر بالصوم، أو أنهم اُمروا بالفطر أمراً جازما لمصلحة بيان جوازه، فخالفوا الواجب». المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: ج7 ص232ـ 233.

([840]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج3 ص1141ـ 142 ح2499، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([841]) لددناه: أي جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره، فهذا هو اللد. العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري: ج18 ص73، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([842]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص143 ح4458، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([843]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص274، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([844]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص621، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص425، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت.

([845]) ابن تيمية، منهاج السنة: ج6ص 155، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ بيروت.

([846]) حسن بن فرحان المالكي، نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي: ص159ـ 160، الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية ـ الرياض.

([847]) ابن راهويه، مسند ابن راهويه: ج5 ص43، الناشر: مكتبة الإيمان ـ المدينة المنورة. الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص621، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص425، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج44 ص249، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([848]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج7 ص485، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج30 ص413، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([849]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج8 ص574، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([850]) من كبار المؤلفين البارزين في القاهرة. ولد في محافظة سوهاج من صعيد مصر، سنة 1920م. تعلم في: كتّاب القرية، حفظ القرآن الكريم، ثم تخرج من مدرسة المعلمين بسوهاج، تخرج من دار العلوم سنة 1937م، وحصل على شهادة الدراسات العليا في دار العلوم، اشتغل بالتعليم في المدارس الابتدائية والمعلمين والثانوية، نقل إلى وزارة الأوقاف سكرتيراً برلمانياً، ومديراً لمكتب الوزير عام 1953م، أحيل إلى المعاش عام 1959م، وبعد هذا تفرّغ للتأليف، انتدب للتدريس في كلية الشريعة لعلوم التفسير بمدينة الرياض في السعودية وذلك في عام 1973م وعام 1975م.

أهم آثاره: (التفسير القرآني للقرآن)، (قضية الألوهية)، (إعجاز القرآن)....». السيد مرتضى الرضوي، مع رجال الفكر في القاهرة: ص337ـ 338، الناشر: مؤسسة الإرشاد ـ بيروت.

([851]) عبد الكريم الخطيب، عمر بن الخطاب: ص194ـ 195، الناشر: الإرشاد ـ بيروت.

([852]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص48 ح4108، الناشر: دار الفكرـ بيروت. الحميدي، الجمع بين الصحيحين: ج2 ص273، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت.

([853]) اُنظر: العلامة الحلّي، نهج الحق وكشف الصدق: ص309، الناشر: دار الهجرة ـ قم.

([854]) الأميني، الغدير: ج10 ص334، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([855]) د. صبحي محمود صالح، نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية: ص221ـ 222، الناشر: دار النهضة العربية ـ بيروت.

([856]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة، ج2 ص860، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([857]) المفيد، الفصول المختارة: ص56، الناشر: دار المفيد.

([858]) السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ج3 ص244، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([859]) الفيض الكاشاني، علم اليقين: ج2 ص688، الناشر، مؤسسة بيدارـ قم. المحدث القمي، بيت الأحزان: 118ـ 119، الناشر: دار الحكمة ـ قم.

([860]) السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ج3 ص223.

([861]) البيهقي، السنن الكبرى: ج8 ص143، الناشر: دار الفكر.

([862]) البيهقي، الاعتقاد: ج1 ص349ـ 350، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

([863]) الحاكم، المستدرك: ج3 ص76، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([864]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج30 ص278، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([865]) لم نعثر على تصحيح ابن حبان لحديث أبي سعيد الخدري الذي فيه أن علياً× بايع أبا بكر في أوّل الأمر.

([866]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص379، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([867]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص270، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([868]) المصدر نفسه: ج5 ص270.

([869]) البيهقي، السنن الكبرى: ج8 ص143، الناشر: دار الفكر.

([870]) المصدر السابق: ج8 ص143

([871]) لا كما يرويه الطبري عن سيف الكذاب، قال: «كان علي في بيته إذ اُتى، فقيل له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلاً كراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه، فأتاه فتجلله ولزم مجلسه» الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص447، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([872]) شقّ العصا بمعنى مخالفة الإسلام والخروج على أهله بالعصيان، يقال: شُقّت عصا المسلمين إذا اختلفت كلمتهم، وتبدّد جمعهم، والشقاق: المخالفة. اُنظر: ابن خلاد الرامهرمزي، كتاب أمثال الحديث: ص118، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.

([873]) الدامج: المجتمع، والدموج: دخول الشيء في الشيء. ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج2 ص132، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([874]) الطبراني، المعجم الكبير: ج11 ص21، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([875]) ابن عبد البرّ، الاستيعاب: ج3 ص960، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([876]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص26 ح6830، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([877]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص444، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([878]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج6 ص47، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([879]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83 ح4240 ح4241. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص154 ح4471، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([880]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص443، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([881]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج8 ص572، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([882]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج1 ص586، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([883]) عبد الله بن أحمد، السنة: ج2 ص553ـ 554، الناشر: دار ابن القيم ـ الدمام.

([884]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج1 ص587، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([885]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص444، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([886]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج1 ص590ـ 591، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج6 ص47، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([887]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص26 ح6830، وغيره من المصادر.

([888]) اُنظر: البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص27ـ 28 ح6830، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([889]) روى البلاذري: «أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر، وخرج إلى الشام. فبعث عمرُ رجلاً، وقال: ادعه إلى البيعة واختل له، وإن أبى فاستعن بالله عليه. فقدم الرجلُ الشام، فوجد سعداً في حائط بحوارين، فدعاه إلى البيعة، فقال: لا أبايع قرشياً أبداً، قال: فإني أقاتلك، قال: وإن قاتلتني، قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الاُمّة؟ قال: أمّا من البيعة فإني خارج، فرماه بسهم فقتله. ورُوي أن سعداً رُمي في حمام. وقيل: كان جالساً يبول، فرمته الجن فقتلته، وقال قائلهم:

قتلنا سيدَ الخزرج سعدَ بن عباده

 

رميناه بسهمين فلم تُخْطِ فؤاده»

انظر: البلاذري، أنساب الأشراف: ج1 ص589، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([890]) اُنظر: البخاري، صحيح البخاري: ج14 ص195 ح3669، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([891]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص82ـ 83 ح4240 وح4241، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([892]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص153ـ 154 ح4471، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([893]) ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج14 ص573، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([894]) ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج11 ص152ـ 153، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([895]) الطبراني، مسند الشاميين: ج4 ص198ـ 199، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([896]) الصنعاني، المصنف: ج5 ص472ـ 474، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([897]) البيهقي، سنن البيهقي: ج6 ص300، الناشر: دار الفكر.

([898]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص448، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([899]) أخرج الكليني بسنده عن الفضيل بن يسار، قال: «ابتدأنا أبو عبد الله × يوماً، وقال: قال رسول الله’: من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية، فقلت: قال ذلك رسول الله’، فقال: إي والله قد قال، قلت: فكلّ من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟! قال: نعم». الكافي: ج1 ص376. وأخرج مسلم في صحيحه بسنده «عن زيد بن محمد عن نافع، قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثاً سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقوله: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». صحيح مسلم: ج6 ص22 ح4686، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وكذلك أخرجه البيهقي في سننه: ج8 ص156.

([900]) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «أمّا تأخر علي (رضي الله عنه) عن البيعة فقد ذكره علي في هذا الحديث واعتذر أبو بكر رضي الله عنه، ومع هذا فتأخّره ليس بقادح في البيعة ولا فيه؛ أمّا البيعة فقد اتفق العلماء على أنّه لا يشترط لصحتها مبايعة كلّ الناس ولا كلّ أهل الحل والعقد وإنما يشترط مبايعة من تيسّر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس...». شرح صحيح مسلم: ج12 ص77، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([901]) وكذلك زعموا أنّ غضب الزهراء÷ على أبي بكر وهجرانها له حتى توفيت، هو أيضاً منقطع ومدرج، مع أنّ مسألة غضب الزهراء على أبي بكر وهجرانها له حتى توفيت، أمر معلوم ومشهور وثابت بالأسانيد الصحيحة وبطرق عديدة، وهي خارجة عن محلّ بحثنا الآن ولعلّنا نوفق يوماً للإجابة عن كلّ ما يتعلق بهذه الشبهة.

([902]) البيهقي، السنن الكبرى: ج6 ص300، الناشر: دار الفكر.

([903]) البيهقي، الاعتقاد: ص252، الناشر: دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

([904]) لم نجد في صحيح مسلم أنّه نقل عن الزهري أن رجلاً قال له: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة؟ قال: لا، ولا أحد من بني هاشم، ولا نعلم هل هو اشتباه من ابن حجر أم ماذا؟.

([905]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص379، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([906]) البيهقي، السنن الكبرى: ج6 ص300، الناشر: دار الفكر.

([907]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص3 ح6725 وح6726، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([908]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص25 ح4035 وح4036، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([909]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص155 ح4472، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([910]) الصنعاني، المصنف: ج5 ص472ـ 474، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([911]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83 ح4240 وح4241، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([912]) البيهقي، سنن البيهقي: ج6 ص300، الناشر: دار الفكر.

([913]) تقدم ذكر ذلك تحت عنوان الطائفة الثانية الدالّة على أنّ علياً× لم يبايع إلاّ بعد ستة أشهر.

([914]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83 ح4240 ح4241، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([915]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص378، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([916]) العيني، عمدة القاري: ج17 ص258ـ 259، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([917]) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: ج3 ص569ـ 570، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب ـ دمشق ـ بيروت.

([918]) أخرج البيهقي عن الشعبي: «لما مرضت فاطمة (رضي الله عنها) أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضّاها، وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلاّ لابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت». دلائل النبوّة: ج7 ص281، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ودار الريان للتراث.

([919]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج5 ص310، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([920]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص379، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([921]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج6 ص334، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([922]) البيهقي، السنن الكبرى: ج6 ص300، الناشر: دار الفكر.

([923]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص154 ح4471، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ابن حبّان، صحيح ابن حيان: ج11 ص153.

([924]) هو التعارض الذي لا يتيسّر في الجمع الدلالي بين الدليلين، وتكون نتيجته سقوط كلا الدليلين عن الحجية، فيرجع إلى الأصل الأولي أو إلى عموم فوقاني، كما ثبت في علم الاُصول، والأصل هو عدم حصول البيعة.

([925]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83 ح4240، 4241، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([926]) الصنعاني، المصنف: ج5 ص472، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([927]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج5 ص154 ح4471، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([928]) الصنعاني، المصنف: ج5 ص472ـ 473، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([929]) الطبراني، مسند الشاميين: ج4 ص198ـ 199، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج11 ص153، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([930]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص83 ح4240، 4241، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([931]) الصنعاني، المصنف: ج5 ص474، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([932]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص860، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([933]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص66، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص191، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([934]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج6 ص166، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([935]) نهج البلاغة: ج1 ص36ـ 37، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([936]) ذكر في نهج البلاغة: «قال عبد الله بن العباس: دخلت على أمير المؤمنين× بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال×: والله لهي أحبّ إلي من إمرتكم إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً» نهج البلاغة: ج1 ص80، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([937]) السيد الخميني، البيع: ج2 ص625ـ 626، الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار السيد الخميني (ره).

([938]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص75، الناشر: دار صادر ـ بيروت. الهيثمي، مجمع الزوائد: ج5 ص185، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. ابن الأثير، اُسد الغابة: ج4 ص32، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([939]) الطبري، تاريخ الطبري ج3 ص301، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([940]) الطبري، تاريخ الطبري: ح3 ص300، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([941]) ابن قتيبة، غريب الحديث: ص370، الناشر: دار الكتب العلمية.

([942]) ابن أعثم الكوفي، الفتوح: ج2 ص332، الناشر: دار الأضواء ـ لبنان.

([943]) ابن الأثير، الكامل: ج3 ص74، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت.

([944]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج6 ص167ـ 168، الناشر: دار إحياء الكتب العربية. وقد ذكر قريباً من هذا المضمون، الموفق الخوارزمي في المناقب، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: «كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت علياً×، يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر وأحق به، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا والله أولى بالأمر منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذاً لا أسمع ولا أطيع، إنّ عمر جعلني في خمس نفر أنا سادسهم، لايم الله لا يعرف لي فضل في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربهم ولا عجمهم ولا المعاهد منهم، ولا المشرك أن يرد خصلة منها. ثم قال: أنشدكم الله أيها الخمسة، أمنكم أخو رسول الله صلّى الله عليه وآله غيري؟ قالوا: لا... قال: أمنكم أحد له أخ مثل أخي المزين بالجناحين، يطير مع الملائكة في الجنة؟ قالوا: لا.

قال: أمنكم أحد له عمّ مثل عميّ حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله غيري؟ قالوا: لا.

قال: أمنكم أحد له ابن عم مثل ابن عمى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ قالوا: لا.

قال: أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سيدة نساء هذه الاُمّة؟ قالوا لا.

قال: أمنكم أحد له سبطان مثل الحسن والحسين سبطي هذه الاُمّة، ابني رسول الله صلّى الله عليه وآله غيري؟ قالوا لا.

قال: أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري؟ قالوا لا...». مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص313ـ 315 ح314، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم

([945]) الزمخشري، الفايق في غريب الحديث: ج2 ص336، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([946]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج9 ص307، الناشر: دار إحياء الكتب العربية. وكلام ابن أبي الحديد هذا من الشواهد الدالّة على أن الرجل ليس شيعياً كما يزعم بعضٌ.

([947]) أي كونها ثابتة بالنص.

([948]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص864ـ 865، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([949]) اُنظر: نهج البلاغة: ج1 ص37، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم.

([950]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج2 ص14، وغيره من المصادر.

([951]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص291، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. أحمد زكي صفوت، جمهرة خطب العرب: ج2 ص16، الناشر: المكتبة العلمية ـ بيروت.

([952]) السيد المرتضى، تنزيه الأنبياء: ص224، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت.

([953]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص284.

([954]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج16 ص42، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([955]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص404ـ 405، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت.

([956]) ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمّة: ج2 ص723ـ 724، الناشر: دار الحديث.

([957]) أبو الفرج الأصبهاني، مقاتل الطالبيين: ص41، الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف. المفيد، الإرشاد: ج2 ص12، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([958]) اُنظر: حسن بن فرحان المالكي، قراءة في كتب العقائد: ص67، الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الأردن.

([959]) اُنظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص543، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([960]) اُنظر: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص183، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([961]) اُنظر: المسعودي، مروج الذهب: ج2 ص404ـ 405، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([962]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص406، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت.

([963]) حسن بن فرحان المالكي، قراءة في كتب العقائد: ص67، الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ الأردن.

([964]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص286ـ 287، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([965]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص289، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([966]) ابن أعثم الكوفي، كتاب الفتوح: ج4 ص293ـ 294، الناشر: دار الأضواءـ لبنان.

([967]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص867، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([968]) اُنظر: الجوهري، الصحاح: ج2 ص807ـ 808، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([969]) النمل: 40.

([970]) الممتحنة: 4.

([971]) إبراهيم: 22.

([972]) العنكبوت: 25.

([973]) الكهف: 29.

([974]) البقرة: 89.

([975]) البقرة: 84 ـ 85.

([976]) السيد الخميني، كتاب الطهارة: ج3 ص325، طبعة مصورة عن طبعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

([977]) محمد باقر الصدر، شرح العروة الوثقى: ج3 ص315، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف.

([978]) الخوئي، كتاب الطهارة: ج2 ص86، الناشر: دار الهادي ـ قم.

([979]) المفيد، أوائل المقالات: ص44، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([980]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: ج28 ص430، الناشر: مؤسسة آل البيت ^ لإحياء التراث ـ قم.

([981]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص17ـ 18 ح48، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([982]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص62 ح149، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الترمذي، سنن الترمذي: ج4 ص125، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج4 ص304، الناشر: مؤسسة الرسالة.

([983]) الترمذي، سنن الترمذي: ج4 ص126، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([984]) المصدر نفسه: ج4 ص126.

([985]) النووي، شرح مسلم: ج2 ص71، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([986]) الكليني، الكافي: ج2 ص389ـ 390، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([987]) عبد الرحمن السهيلي، الروض الآنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام: ج2 ص431، الناشر: مكتبة ابن تيمية. ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج5 ص130، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثية: ج1 ص27، الناشر: دار الفكر. السيوطي، الحاوي للفتاوي: ج2 ص78، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([988]) الجويني، فرائد السمطين: ج2 ص334، الناشر: مؤسسة المحمودي ـ بيروت.

([989]) يقصد بالناس هم أهل السنة في تعبير الروايات.

([990]) البرقي، المحاسن: ج1 ص18، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران. الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج8 ص301، الناشر: مؤسسة آل البيت ^ لإحياء التراث ـ قم.

([991]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص383، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([992]) الطوسي، تهذيب الأحكام: ج3 ص277، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([993]) الكليني، الكافي: ج3 ص380، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([994]) المصدر نفسه: ج2 ص635.

([995]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام: ج4 ص83، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([996]) المصدر نفسه: ج30 ص97.

([997]) السيد الخميني،كتاب الطهارة: ج3 ص634ـ 635، طبعة مصورة عن طبعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

([998]) السيد الخميني، كتاب الطهارة: ج3 ص315ـ 316، طبعة مصورة عن طبعة مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

([999]) محمد باقر الصدر، الفتاوى الواضحة: ص221، الناشر: مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف.

([1000]) الأنصاري، كتاب الطهارة: ج2 ص351، الناشر: مؤسسة آل البيت^ ـ قم.

([1001]) السيد الخوئي،كتاب الطهارة: ج2 ص86 الناشر: مؤسسة آل البيت ^ ـ قم.

([1002]) السيد الخميني، كتاب الطهارة: ج3 ص317، طبعة مصورة، مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

([1003]) السيد الخميني، كتاب الطهارة: ج3 ص635.

([1004]) السيواسي، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، شرح فتح القدير: ج1 ص350، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([1005]) المقدسي، الفروع ومعه تصحيح الفروع لابن سليمان المرداوي: ج6 ص155، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. واُنظر أيضاً: علي بن سليمان أبو الحسن، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للمرداوي: ج10 ص324، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([1006]) السبكي، تاج الدين عبد الوهاب، فتاوى السبكي: ج2 ص587، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1007]) ابن نجيم الحنفي، البحر الرائق شرح كنز الدقائق: ج1 ص611، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([1008]) الهيثمي، الصواعق المحرقة: ج1 ص138ـ 139، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([1009]) الهيثمي، الصواعق المحرقة: ج1 ص139، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([1010]) الكليبولي، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: ج1 ص163، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([1011]) الطحطاوي الحنفي، حاشية على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح: ص303، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([1012]) ابن عابدين، حاشية ردّ المحتار على الدر المختار: ج1 ص561، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([1013]) الشيخ النظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان: ج2 ص264، الناشر: دار الفكر.

([1014]) ابن عابدين، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية للعمادي: ص127ـ 129، باب الردة والتعزير، نسخة مخطوطة.

([1015]) ابن عابدين، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية للعمادي: ص127ـ 129، باب الردة والتعزير، نسخة مخطوطة.

([1016]) اُنظر: القفاري، اُصول مذهب الشيعة ج3 ص1509ـ 1535، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([1017]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ج2 ص372، الناشر: مؤسسة الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود.

([1018]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ج2 ص373، الناشر: مؤسسة الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود.

([1019]) أبو إسحاق إبراهيم الشيرازي، شرح اللمع: ج1 ص111، الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت.

([1020]) هو أحمد بن الحسين بن محمد، قال عنه الذهبي: «المحدث، الإمام، أبو حاتم بن خاموش الرازي البزاز، من علماء السنة». تاريخ الإسلام: ج29 ص303، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([1021]) الذهبي، تذكرة الحفاظ: ج3 ص1187، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. واُنظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج18 ص508، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. وتاريخ الإسلام للذهبي: ج33 ص58، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. واُنظر: الذيل على طبقات الحنابلة للإمام عبد الرحمن بن أحمد بن رجب: ج1 ص120، الناشر: مكتبة العبيكان ـ الرياض.

([1022]) ابن عساكر، تبيين كذب المفتري: ص310، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([1023]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج10 ص124، الناشر: دار صادر ـ دار بيروت.

([1024]) عبد الله بن أحمد بن حنبل، كتاب السنة: ج1 ص193، دار البصيرة ـ مصر.

([1025]) ابن عبد البرّ، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء: ص149ـ150، دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([1026]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص401، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([1027]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص382ـ 383، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([1028]) الشيباني، كتاب السنة: ج1ص194، الناشر: دار ابن القيم ـ الدمام.

([1029]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج13 ص397.