نقد كتاب أصول مذهب الشيعة

لمؤلفه  الدكتور  السلفي  ناصر  بن  عبد  الله  القفاري

 

منهج تأسيسي في الإجابة

عن الشبهات المثارة ضدّ المذهب الشيعي

 

الجزء الأول

أ. د. السيّد محمّد الحسيني القزويني

الاُستاذ في  الحوزة  العلمية  قسم الدراسات العليا في  قم المقدسة،

ورئيس قسم الحديث، وعضو الهيئة  العلمية في جامعة  آل  البيت  ^ العالمية.

 


 

هوية الكتاب

اسم الكتاب:.......................... نقد كتاب اُصول مذهب الشيعة

تأليف:..... أ د. محمد الحسيني القزويني بمساعدة اللجنة العلمية

الإخراج الفني وتدقيق المصادر:.......................... حسن السعدي

الناشر:.................. مؤسسة وليّ العصر# للدراسات الإسلامية

رقم الإيداع الدولي (ج1):...................  9 ــ 31 ــ 8615 ــ 964 ــ  978

رقم الإيداع الدولي للدورة:....................  6 ــ 32 ــ 8615 ــ 964 ــ 978

الطبعة:............................................. الأولى 1434هـ ــ 2013م

عدد النسخ:..................................................... 5000 نسخة

يحق للجميع طبع الكتاب ونشره مع إعلام المؤلف والناشر قبل ذلك

 

 


 

 

 

 

 

اللجنة العلمية

د. فلاح عبد الحسن الدوخي

د. يحيى عبد الحسن الدوخي

د.حكمت جارح الرحمة

السيّد حاتم كاطع البخاتي

 

 

تحت إشراف

أ. د. السيّد محمد الحسيني القزويني

 

 


 

 

 

 

إهداء

إلى من كان رمزَ  الجهاد والتضحية  والفداء، إلى من أفنى حياته في الدفاع عن حريم الإسلام وإعلاء كلمته، إلى من وطّد أركان الإسلام بجهده وجهاده، إلى من كان همّهُ الحفاظ على وحدة المسلمين وتقوية شوكتهم في وجه أعدائه، إلى ابن عمّ النبي’ وأخيه، أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب× نُهدي هذا الجهد المتواضع، والبضاعة المزجاة، راجين من الله تعالى القبول.


 

 

 

 

 

 


 

 

مقدمة  الكتاب

لقد كان الحفاظ على وحدة الاُمّة الإسلامية وتماسكها هدفاً أسمى وغاية عظمى للمشرع الإسلامي، ففي ظلّ هذه الوحدة ستنعم الاُمّة بالأمن والاستقرار، وتشيع فيها أجواء المحبّة والاُلفة، وتنمو بذور الخير والعطاء، فتصبح الاُمّة من خلال ذلك قدوةً واُسوةً لكلّ الأمم، ومثلاً يُحتذى به، فتسعى الاُمم إلى اعتناق الإسلام والدخول في دين الله تعالى؛ لما يرون ما فعله هذا الدين بهذه الاُمّة من إشاعة قيم المحبّة والتكاتف والتعاضد.

كما أن الاتّحاد والتآلف يجعل الاُمم والجماعات قويةً متماسكةً صلبةً، فلا يطمع فيها طامع، أو يغدر بها غادر، ومن هذا المنطلق حثّت الشريعة الإسلامية على وحدة الأمة وأكدت على ضرورة ترابط نسيجها الاجتماعي، وحذّرت في الوقت ذاته من العواقب الوخيمة والآثار السيئة للفرقة والتشتّت والتشرذم، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْل اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}([1]) وقال سبحانه: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}([2]) وقال عزّ وجلّ: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}([3]).

وأردفت السنّة النبويّة القرآن الكريم ببيانات كثيرة تحضّ على الوحدة والألفة والتوادّ، ونبذ الخلاف والتباغض، فقال: «مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»([4])، وقال أيضاً: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم»([5]).

من هنا، فقد تمّ التصدي لمن يحاول أن يقوّض دعائم الوحدة الإسلامية، ويقطّع عراها، ويزرع بذور الشقاق والتفرقة والفتنة بين المسلمين، من خلال التحذير منه، ومناهضته بشتى السبل والوسائل؛ بغية الحدّ من خطورته وتأثيره في الجبهة الداخلية للمسلمين، قال: «أنّه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الاُمّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان»([6])، وقال أيضاً: «الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها»([7]).

ومن ثمّ ترى الكثير من عقلاء الاُمّة وقادتها تتعالى أصواتهم لإخماد أيّ فتنة وبلية تطلّ برأسها لتعبث بحاضر المسلمين ومستقبلهم، فكانت هذه الضمائر الحية لا تألو جهداً على طول التاريخ في رأب الصدع، وتعزيز أواصر الاُخوّة الإيمانية بين المسلمين، وتنقية الأجواء ممّا يشوبها من كدر بعض الخلافات والتقاطعات؛ لذا كانت تعقد المؤتمرات واللقاءات بين علماء المسلمين من مختلف الطوائف والمذاهب؛ ليتبادلوا وجهات النظر وإبداء الرؤى، بما يخدم المصلحة الإسلامية العليا.

إلاّ أنّه وفي موازاة هذه الجهود الخـيّرة والنيات المخلصة التي جعلت مصلحة الإسلام والمسلمين نصب عينيها، قد برز تيّار إسلامي خطير، يتفاخر بالانتماء إلى سلف الاُمّة وماضيها التليد، ويدّعي إحياء تراثها والرجوع بها إلى سالف عهدها المشرق، من خلال اُطروحات فكرية ودعوات تتقاطع مع مبادئ الإسلام الأصيل ومع مشروعه الوحدوي، فكانت دعواته هذه المتلفّعة بأردية الإصلاح، والتمسّك بالإسلام، والسير على نهج السلف الصالح، كانت تحمل في جوهرها روح التعصّب والتطرّف والتشدّد، واستعداء كلّ من لا يوافقها الرأي والمنهج، أو لا يرتضي كيفية تعاطيها النصوص الإسلامية، من كلّ المذاهب والتيارات.

إنّ هذا التيّار هو ما يعرف اليوم بالتيّار السلفي الوهّابي الذي ترجع جذور تكوينه إلى ما يسمّى بشيخ الإسلام، ابن تيمية الحرّاني، المتوفى سنة (728هـ)، الذي يعدّ بجدارة مهندس هذا الفكر وواضع أساسه وراسم معالمه.

لقد خالف ابن تيمية، في فهمه للنصوص الإسلامية، كثيراً من الثوابت والمسلّمات الدينية، وأسّس رؤاه على الفهم السطحي لتلك النصوص، فانتهى به الأمر إلى تبديع وتكفير قطّاعات واسعة من المسلمين وإخراجهم من ملّة الإسلام؛ لمجرد أنّهم لا يلتقون مع أفكاره وتصوراته التي يدّعي أنّه استقاها من مواقف السلف وأقوالهم!!([8]).

وزعم أنّه القادر على فهم أقوال السلف وأفعالهم، من هنا نجده كثيراً ما يفسّر ويفتي وفق فهمه الشخصي لقول السلف، وهذا الفهم عادة ما يكون فهماً سطحيّاً لا يمت إلى الواقع بصلة.

لقد كان ردّ فعل علماء المسلمين تجاه هذا اللون من التفكير، سريعاً وإيجابيّاً، فتصدّى له العديد منهم بكل حزم وشجاعة، بعد أن استشعروا خطورته وتهديده لوحدة الاُمّة الإسلامية وعقيدتها، فاُلّفت الكتب وصدرت الفتاوى بحقّ ابن تيمية ومن يؤمن بأفكاره وطروحاته([9])، فضُيّق عليه، وتعرّض لمعاملة قاسية انتهت به إلى السجن، ليلقى حتفه هناك([10])، ومع هذا ظلّت تداعيات وأصداء هذا المنهج موجودة يتعاهدها بعض من تأثّر بها من تلامذته ومن سار على خطاهم، وإن كان صوتهم ضعيفاً وأتباعهم قلّة.

ولكنّ هذا الأمر لم يدم طويلاً، حتى شاءت الأقدار أن يقوى هذا المنهج وتبعث فيه الروح من جديد، وأن يكون ذلك الانبعاث في قلب الجزيرة العربية، مهد الإسلام، وذلك في القرن الثاني عشر الهجري، على يد رجل يدعى (محمّد بن عبد الوهاب) الذي تهيّأت، أو هُيّئت، له ظروف خاصّة ووسائل داعمة، ساعدت على فرض أفكاره وتصوّراته على المسلمين في الجزيرة، والذين كانوا قد قاوموا هذا التوجّه في بادئ الأمر، إلاّ أنّ قوّة السلطان والمال والسلاح كانت أقوى من إرادة الناس، فغُلبوا على أمرهم، وفُرضت عليهم معتقدات وآراء محمّد بن عبد الوهاب وأتباعه من الوهابيين([11])، فتجرّع المسلمون من أبناء الطوائف والمذاهب السنّية، المرارة والمعاناة، واُجبروا على ترك معتقداتهم وممارسة شعائرهم الإسلامية، التي اعتبرت بدعاً وضلالاتٍ حسب المنهج الجديد، وأزيلت تلك الشعائر بحجّة تطهير الجزيرة من مظاهر الشرك والوثنية ومحاربة البدع!! وطمست معالم الإسلام وآثار النبوّة المباركة في أرض الجزيرة، فضلاً عمّا عانته، جرّاء ذلك، بقيّة الطوائف والمذاهب الإسلامية الاُخرى.

ثمّ إن هذا المدّ المتطرّف والمتشدّد، بدأ ينتشر شيئاً فشيئاً في أرجاء البلاد الإسلامية؛ بسبب الدعم اللا محدود، مادّياً ومعنوياً، من قِبَل السلطات الحاكمة في أرض الجزيرة التي تبنّت هذا الفكر، فأغدقت الأموال الطائلة واستغلّت الخيرات الكثيرة ـ التي حبا الله بها أرض المسلمين ـ من أجل نشر وتبليغ الأفكار السلفية الوهابية.

لقد كاد هذا اللون من الفهم والإدراك، للإسلام، أن يَغطّي على كلّ الألوان والاجتهادات الإسلامية التي تستند في فهمها واجتهادها إلى الكتاب والسنّة أيضاً ـ على حدّ اعتقادها ـ فخبت وذوت كثير من المراكز العلمية والفعاليات الفكرية لبقية الطوائف، خصوصاً في الجزيرة العربية، وحُرم علماؤها من ممارسة نشاطاتهم العلمية والتبليغية، واُعطيت الفرصة لمذهب ولون واجتهاد معيّن، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى في هذا المجال.

إنّ هذه الجماعة السلفية ـ وانطلاقاً ممّا تحمله من نهج متزمّت وأسلوب متطرّف يمتاز بالحدّة والجفاء، ويلازمه فهم سطحي للإسلام وتعاليمه السمحاء ـ هاجمت كلّ من لا يتناغم معها في الطرح والفهم، واستخدمت في هذا السبيل كلّ وسيلة، بما فيها القوّة والعنف، من أجل فرض أفكارها ومتبنّياتها، فبدّعوا وكفّروا العديد من الطوائف والجماعات الإسلامية، وكان الشيعة الذين هم أتباع أهل البيت^، هدفهم الأوّل وغرضهم الأهمّ، من بين جميع طوائف المسلمين، فذاقوا منهم الويلات والمصائب أينما وجدوا، وأخذت تطالهم يد التعدّي أينما كانوا، حتى مع كونهم يشاركونهم الوطن والعيش المشترك، فكان التمييز والتهميش، والإقصاء عن كلّ مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية، هو أقلّ ما يمكن أن يناله الشيعة منهم.

بالإضافة إلى إشاعة جوٍّ من العداء والبغض تجاه أتباع أهل البيت^، في كلّ مكان من البلاد الإسلامية، مستخدمين جميع الوسائل المتاحة، في حين كان أتباع مذهب أهل البيت^ يدعون إلى السلم، والتعايش المنضبط مع كافّة المسلمين، بل وغير المسلمين، محكّمين لغة الحوار، متبنّين مبدأ {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} على ايّ منطقٍ آخر أو نهج آخر، فكانوا هم السبّاقين، دوماً، إلى التقريب بين المذاهب والطوائف، حفاظاً على بيضة الإسلام ومقدّرات المسلمين([12])، وكانوا في ذلك يمتثلون أوامره تعالى في محكم التنزيل([13]) فضلاً عن وصايا أئمة أهل البيت^، الذين كانوا يحثّون أتباعهم ومريديهم على الحفاظ على وحدة المسلمين وصيانة كيانهم، وهذا ما تشهد به سيرتهم^ ومواقفهم، وما صدر عنهم من أقوال وتوجيهات.

فنرى أمير المؤمنين× يسكت عن حقّه مدّة طويلة، ويلزم سمت المسلمين وجماعتهم، مُقدّماً النصح والإرشاد لولاتهم وأمرائهم، بعد أن رأى الأخطار محدقة بالإسلام، ومنذرة بذهاب جهود النبيّسدى، فصبر وفي العين قذىً وفي الحلق شجا، بعد أن رأى تراثه نهباً وحقّه غصباً، إلاّ أنّه آثر المحافظة على كيان الاُمّة الإسلامية ووحدتها، وغضّ عمّا له من حقّ في الإمامة والخلافة.

قال في كلام له×، لمّا عزموا على بيعة عثمان: «لقد علمتم أنّي أحقّ الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت اُمور المسلمين »([14]).

ونجده أيضاً، في كلام له آخر، يقول: «فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى مَحْقِ دين محمّد صلّى الله عليه وآله، فخشيتُ، إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظمَ من فوت ولايتكم، التي إنّما هي متاع أيّامٍ قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب...»([15]).

وكذلك يخاطب الخوارج في زمان إمامته×، يقول: «والزَموا السواد الأعظم، فإنّ يد اللّه مع الجماعة. وإيّاكم والفرقة، فإن الشاذّ من النّاس للشيطان، كما أن الشاذّ من الغنم للذئب»([16]).

وقال×: «وعليكم بِالتواصلِ والتباذلِ، وإِيّاكم والتدابر والتقاطع»([17]).

وكتب إلى أبي موسى الأشعري، حين رأى الأخير أنّ خلْعَ عليّ ومعاوية، من الخلافة، هو توحيد لجماعة المسلمين: «وليس رجلٌ أحرصَ الناس على جماعة اُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وألفتها منّي، أبتغي بذلك حُسنَ الثواب وكَرمَ المآب، وسأفي بالذي وأيتُ على نفسي»([18]).

وبهذا يكون الإمام×، هو المثلُ الأعلى، والاُسوة، وهو المؤسّس لنظرية التعايش والوحدة مع الخطّ المخالف له؛ من أجل تحقيق مصالح الإسلام العليا.

وعلى نفس المنوال سار خَلَفُه الصالح، وهم أئمّة أهل البيت^، فأمروا أتباعهم وجميع المسلمين بالتراحم والتعايش والتواصل والتفاعل فيما بينهم، ونبذ الفُرقة والقطيعة، واجتناب أسباب التناحر والصِدام، مهما حصل من خلاف واختلاف في وجهات النظر، فقد روي عن الإمام الصادق× وهو يوصي أتباعه بالتفاعل والتواصل مع سائر المسلمين، قال: «عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وصلّوا في مساجدهم»([19]).

وعنه× أيضاً قال: «من صلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول الله’»([20]).

وروى الشيخ الصدوق أيضاً في كتابه: صفات الشيعة، عن أبي عبد الله× قال: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه: {قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، ثمّ قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلّوا معهم في مساجدهم، واقضوا حقوقهم»([21])، ولذا كان الشيعة، أتباع مذهب أهل البيت^، على مرّ التاريخ، يعيشون بين إخوانهم من أصحاب المذاهب والطوائف الإسلامية الاُخرى، في وئام وانسجام، لم يبدر منهم ما يثير الفرقة والخلاف، وكانوا يشاركون إخوانهم في السرّاء والضرّاء، ويحملون هموم الاُمّة الإسلامية وقضاياها المصيرية، وكانوا يهبّون للدفاع عن حريم الإسلام إذا داهمته الأعداء، فشاركوا في الفتوحات الإسلامية ومعارك المسلمين الدفاعية، وكانوا من المرابطين في ثغور المسلمين، يحمون حدود الدولة الإسلامية، ويصونون منجزاتها ويذبّون عن مقدّساتها.

وكان هذا ديدنهم، في كلّ زمان ومكان، ففي العصر الحديث عندما غزت جيوش الغرب أرض المسلمين، كما حصل في العراق في مطلع القرن العشرين، هبّ الشيعة بعلمائهم وعامّتهم؛ للدفاع عن الدولة العثمانية ذات المذهب السنّي آنذاك؛ لكونها تحمل شعار الإسلام، رغم أنّها كانت آنذاك تضطهد الشيعة وتسيء إليهم، إلاّ أن ذلك لم يكن ليمنعهم من حمل راية الجهاد؛ دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، وهكذا تراهم اليوم أيضاً في أماكن تواجدهم، شوكةً في عيون أعداء الإسلام من المستكبرين والصهاينة الغاصبين، كما هو الحال في شيعة إيران ولبنان والعراق، وغيرها من بلاد المسلمين، وهو دليل قاطع، وردٍّ حاسم، على تخرّصات بعض المغرضين الحاقدين، الذين يتّهمون الشيعة بممالأة الأجنبي ضدّ المسلمين، وهي التهمة التي روّج لها ابن تيمية وسوّقها، وراح أتباعه يجترّونها دون دراية وتمحيص.

لقد امتدّت الهجمة السلفية على الشيعة، أتباع مذهب أهل البيت^، أفقياً وعمودياً، وبشكل كثيف ومركّز، فلو استثنينا بعض المحاولات والكتابات حول الشيعة، والتي ابتدأها الجاحظ في القرن الثالث، في كتابه العثمانية، ثمّ القاضي عبد الجبار المعتزلي، في القرن الرابع، في كتابه المغني وغيرهما، والتي كانت على نطاق محدود، وفي فتراتٍ متباعدة؛ فإنّ القرن الثامن الهجري يعدّ الانطلاقة الحقيقية لمسلسل الافتراءات على الشيعة، أتباع منهج أهل البيت^ من قبل ابن تيمية الحرّاني وأتباعه من بعده، فلا يكاد يخلو قرن، من هذه الكتابات والمؤلفات، ولو أجرينا مسحاً تاريخياً لهذه الكتب وأزمنتها، لا نجد أنّ هناك زمناً يخلو من كتاب أو أكثر من هذه الكتب.

فهناك توسّع كبير لأعداد هذه الكتب في كلّ وقت، خصوصاً في العصر الحديث، فبناءً على آخر إحصائيات إحدى المؤسسات البحثية قد اُلّف ضدّ الشيعة ما يقارب خمسة آلاف كتاب بلغات متعددة.

 والجدير بالذكر أنّ سبعين بالمائة من هذه الكتب قد اُلّف بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وطبقاً لما أعلنته سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في باكستان، فإنّه قد تمّ في غضون سنة واحدة إصدار ستّين عنوان كتاب تهاجم الشيعة بلغ عدد نسخها ثلاثين مليون نسخة!!([22]).

لقد كان همّ هؤلاء الكتاب والمؤلفين، في كتاباتهم ضد الشيعة، هو البحث والتنقيب في بطون الكتب، وركام الماضي، عن كل مشتبه ومحتمل؛ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وعن كل شاردة وواردة وهفوة تخدم أغراضهم غير الطيّبة، من دون أن يلتمسوا لذلك عذراً، بل توسلوا ـ من أجل تحقيق غاياتهم ـ بالكذب والافتراء تارةً، وبالتضخيم والتهويل تارةً أخرى، بحجّة الدفاع عن الإسلام ورموزه.

لقد كانت هذه الكتابات، في مجملها، أصداء وانعكاسات لما كتبه ابن تيمية وأتباعه، فتراها مكرّرة محشوّة بالافتراءات والمغالطات، بعيدة عن الموضوعية والإنصاف وروح البحث العلمي، في حين لم تصدر من أتباع مذهب أهل البيت^ كتب أو مؤلفات تهاجم أتباع المذاهب الاُخرى وتتحامل عليهم، بل كانت جلّ كتاباتهم هي للدفاع عن أنفسهم انتصاراً لمذهب الحق، وكشفاً للمغالطات والافتراءات التي تُشنّ ضدّه.

إن نظرة بسيطة لحجم الأرقام والإحصائيات، لما يكتب وينشر ضد أتباع مذهب أهل البيت^، سنوياً، تجعل المرء يقف مندهشاً حائراً، يهوله ما يرى وما يسمع، والشيء نفسه في مجال الإذاعة والتلفزة، فلم يعد خافياً وجود العديد من المحطّات الإذاعية والفضائيات المعدّة لهذا الغرض، فضلاً عن حقل (الانترنت)، حيث تجد مئات الآلاف، إن لم تكن الملايين، من الصفحات المكرّسة لإثارة الشبهات والإشكالات حول فكر ومذهب أهل البيت^، إضافة إلى مئات المنتديات ومواقع الحوار وتسجيل المحاضرات، التي تتناول كلّ ما يتعلّق بالشيعة بالطعن والتجريح.

هذا، مع ما يرافقه في كلّ حين من وابلٍ من قذائف الفتاوى والدعوات والبيانات، التي تدعو إلى تكفير الشيعة وتبديعهم وتضليلهم، وإقصائهم عن الحياة الاجتماعية والسياسية، بل وتدعو إلى قتلهم وإبادتهم. وما يحصل لهم اليوم، من حصد للأرواح البريئة، وإراقة للدماء، ونشر للخراب والدمار، في كافّة بلاد المسلمين ـ لا الكافرين ـ ما هو إلاّ نتيجة طبيعية لما يقوم به هؤلاء!!

ورغم كلّ ذلك قد يقال: إنّ الكثير من هذه الكتابات والمواقف ـ غير المشرّفة ـ وغيرها من المحاولات، ترجع إلى اجتهادات شخصية، يتولاها أشخاص لا يعبّرون عن وجهة النظر العامّة للسلفية الوهابية ولا يمثّلون معتدلي القوم ومربّي الأجيال، ومن أخذوا على عاتقهم بعث أمجاد السلف وما يحملونه من روح التسامح والأخوة والرحمة.

ولكن الناظر إلى الحقيقة بعين الواقع الذي عليه هؤلاء، يصاب بصدمة وخيبة أمل كبيرة؛ وذلك عندما يطالع كتابات ونتاجات تحمل ذاتَ النَفَس، وتتّبع نفس الطريقة والمنهج الذي درج عليه أسلافهم، كتابات أعدّت وهيّئت في مراكز علمية وجامعات أكاديمية، وتحت إشراف أساتذة مختصّين في مجال العقيدة والفِرَق، وأجازوها على أنّها رسائل علمية، والمفترض أنّها تتسم بالمنهجيّة والعلميّة، وتقوم على الأسس القويمة والأساليب الصحيحة والوسائل المعتبرة، وخاصةً بعد اعتماد البرمجيات الحديثة في البحث والاستدلال، ولكنّها ـ مع الأسف ـ تبدو وكأنها لا تزال تعيش في عصر الظلمات، لا تمت بسبب إلى تلك النهضة العلميّة الشاملة في العالم، وأنها لا تزال تجترّ ما كتبه أسلافهم قبل قرون، وتردّد أقوالهم وآراءهم.

إن الجامعات والمراكز العلمية السلفية، في السعودية وغيرها، تصدر عنها في كلّ عام دراسات ورسائل علمية، على مستوى الماجستير والدكتوراه، تتعرّض لمواطن الخلاف بين الشيعة والسنّة، وتتعرّض لبيان اعتقاداتهم وآرائهم، وتحصل هذه الرسائل، في غالب الأحيان، على الدرجات والامتيازات العالية؛ لمجرد تطرّقها لهذه الموضوعات، ولكنّك عندما تراجعها وتتفحّصها، تتعجب وتندهش، لضحالتها من الناحية العلمية، فضلاً عن افتقارها للموضوعية والإنصاف، فهي لا تختلف عمّا كتبه، في القرن الثامن الهجري، ابن تيمية وأشباهه، وكذا ما بعد ذلك القرن، من حيث اللغة والأسلوب والمنهج.

ومن أهم هذه الدراسات والرسائل العلمية، والتي نحن بصدد تقييمها والإجابة عنها، هي رسالة علمية نالت درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمّد بن سعود في الرياض، بعنوان (اُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية) لمؤلفها (الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري)، وقد حازت على مرتبة الشرف الأولى! مع التوصية بطبعها وتداولها في الجامعات والأوساط العلميّة، وقد تمّ فعلاً تنفيذ الوصيّة، فطبعت عدّة طبعات، واعتمدت كمنهج دراسي في الجامعة، ونشرت على صفحات (الانترنت) بشكل واسع، وتقع هذه الرسالة في أكثر من (1500) صفحة، طبعت في ثلاثة مجلدات.


نظرة إلى محتوى كتاب أصول مذهب الشيعة

يتكوّن الكتاب من تمهيد، وخمسة أبواب([23]).

وقد بحث في التمهيد: التعريف بالشيعة، ونشأتها، وجذورها التاريخية، وألقاب الاثني عشرية، وفِرَقها.

وخلص في بحثه، في هذا التمهيد، إلى أن المعنى اللغوي للتشيع هو النصرة والمتابعة، وهذا المعنى لا يتوفّر في مدّعي التشيّع اليوم، ومن قبل اليوم في الغالب، فهم الرافضة كما سمّاهم السلف، أو المنتسبون للتشيّع، وليسوا شيعة على الحقيقة.

وأنّ الشيعة أطوار، وفرق، ودرجات، ما بين إغراق في الغلوّ واقتصاد فيه، وادّعى أنّ المنتسبين للتشيّع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم واليونان والنصارى واليهود وغيرهم، اُموراً مزجوها بالتشيّع!! وقد بدأت محاولة إدخال بعض هذه الأصول، إلى المجتمعات الإسلامية، على يد (ابن سبأ) وأتباعه، فلم يجد لها مكاناً في أمصار المسلمين، إلاّ عند فئة قليلة بالكوفة!!

أمّا الباب الأوّل: فكان موضوعه اعتقاد الشيعة في مصادر الإسلام: القرآن والسنّة والإجماع، وبالنسبة للقرآن، فقد أوهم القرّاء أنّ الشيعة تقول: إنّ القرآن لا يفهم إلاّ بقيّم ـ وهو الإمام× ـ وأنّهم يعتقدون بتحريف القرآن، وبالنسبة للسنّة، فقد زعم أنّها تختلف عمّا في أيدي المسلمين؛ لأنّ الإمام ـ حسب زعمه ـ عند الشيعة يوحى إليه، بل يأتيه خلق أعظم من جبريل× الذي يأتي رسول الله، وادّعى أن الشيعة تؤمن بأنّ من سمع حديثاً من أحد الأئمّة، فله أن يقول فيه: قال الله، لأنّ قولهم قول الله، وطاعتهم طاعة الله.

وفيهم روح القدس التي بها يعلمون ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، وبها يرون ما غاب عنهم في أقطار الأرض، وما في عنان السماء، ويذهبون إلى عرش الرحمن كلّ جمعة ليأخذوا من العلم ما شاؤوا.

ويدعي القفاري أن قول الشيعة: إن الله سبحانه يناجي عليّاً والأئمّة^. يدلّ على أنهم يعتقدون بأنّ عليّاً يوحى إليه.

وفي الحقيقة، إنّ كلّ ما زعمه هو محض افتراء، ليس له مبرر سوى ما يحمله في قلبه من بغض شديد للشيعة، وهذا غير خفي على كلّ من يطالع كتابه.

ولقد كشفنا زيف كلّ هذه المفتريات، في إجابات شافية وافية، في المجلّد الأوّل من إجاباتنا عن شبهاته.

وأمّا بالنسبة إلى الإجماع، فادّعى أنّه ليس حجّة عند الشيعة، بل إنّ مخالفة الاُمّة أصل مقرر في مذهبهم، حتى قالوا: إنّ ما خالف الاُمّة، فيه الرشاد!!

وفي الباب الثاني: تناول اعتقاد الشيعة في اُصول الدين، ولم يتعرّض إلاّ إلى أنواع التوحيد، وهي: التوحيد في الإلوهيّة، والتوحيد في الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وأشار في نهاية هذا الباب إلى بحث الإيمان وأركانه.

واستنتج استنتاجات غريبة، فزعم أن الشيعة جهميّة في نفي الصفات، وقَدَريّة في نفي القدر، ومُرجئة في قولهم بأنّ الإيمان معرفة الإمام وحبّه، ووعيديّة بالنسبة لغيرهم، حيث يكفّرون ما عدا طائفتهم!! كما زعم أنهم يشركون بالله سبحانه، في ربوبيّته وألوهيّته، وفي مسائل عديدة!!

وفي مجال اعتقاد الشيعة بالكتب والرسل زعم: أن الأئمّة نزلت عليهم كتب إلهيّة، ولهم معجزات كالرسل!!

أمّا الباب الثالث، فقد خصّصه للبحث عن اُصول الشيعة التي تفردوا بها، حسب زعمه، فتطرّق إلى بحث الإمامة، والعصمة، والتقية، والمهدوية، والغيبة، والرجعة، والظهور، والبداء، وغيرها.

ولقد وفّقنا الله تعالى إلى الإجابة عن جلّ هذه الشبهات المطروحة حول هذه الموضوعات.

أمّا الباب الرابع، فقد خصّصه للشيعة المعاصرين وصلتهم بأسلافهم، وصلتهم بمصادرهم القديمة، والصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين، وغيرها من الأبحاث، وبيّن أن الشيعة المعاصرين يعتمدون على ما افتراه شيوخ الدولة الصفوية، المليئة بالكفر والإلحاد، حسب زعمه!!

كما أفرد فصلاً، في هذا الباب، للحديث عن الجمهورية الإسلامية في إيران، أسماه: دولة الآيات؛ ممّا يومئ إلى أن هناك دوافع سياسية لطرح مثل هذه المواضيع، لا أنّها مجرّد دوافع فكرية وعلمية!

وكذلك الباب الخامس، فجعله متعلّقاً بالحكم على الشيعة، وأثرهم في العالم الإسلامي، وانتهى إلى أنهم هم السبب في انتشار الكفر والإلحاد والزندقة!! وإضلال أهل السنّة، ونشر الرفض والإباحية والفساد!! وكذلك هم السبب في انحطاط المسلمين على الصعيد السياسي والاقتصادي، وكلّ بليّة حلّت بالمسلمين هم السبب فيها!! وفي آخر المطاف، خلص إلى أن الشيعة فرقة كافرة خارجة عن الملّة!!

وقد امتلأ هذا البابان بالمغالطات وتزييف الحقائق، وعدم المنهجية العلمية، لكن الوقت لم يسعفنا للإجابة عنها، نسأل الله أن يوفقنا لذلك في قادم الأيام.

نقد منهج القفاري

كلّ من يقرأ كتاب الدكتور القفاري، لا يشعر أنّ الكاتب كان ملتزماً في منهجه الذي ارتسمه لنفسه؛ ولهذا لابدّ لنا من وقفة موضوعية نقيّم فيها منهجه وأسلوبه، وطريقة عرضه للأدلّة والشواهد، واستخلاص النتائج منها؛ فإن معرفة منهج البحث والاستدلال، والوقوف على مواطن الخلل والصواب فيه، تكشف للقارئ عن الكثير من جوانب البحث التي قد تبدو غامضة أو مشوّشة، كما أنّها توفّر عليه عناء الإجابة عن العديد من الشبهات والإشكالات، الناتجة عن حصول خلل واضح في المنهج المتّبع في البحث والاستدلال، مضافاً إلى أن الاطّلاع على العوامل الذاتية والموضوعية المحيطة بالبحث، ومعرفة الخلفية الفكرية والثقافية والبيئية للباحث، لها دور كبير في توضيح معالم البحث وتقييم نتائجه.

وانطلاقاً من هذه الثوابت العلمية والأكاديمية، في ضرورة النقد العلمي لمنهج الباحث وأسلوبه، ومعرفة ما يؤثّر عليه من عوامل داخلية وخارجية، أحببنا أن نبيّن، وبشكل مختصر، بعض جوانب الخلل الكبير الذي وقع به الدكتور القفاري في كتابه (اُصول مذهب الشيعة)، ولكن قبل ذلك سنتعرّض لذكر ما تميّز به هذا الكتاب عن بقية الكتب التي تعرّضت للتشنيع بالشيعة، ونشير إلى أهمّ دوافعه التي جعلته يكتب هكذا كتاب، ثمّ بعد ذلك نستعرض المنهج الذي التزمه على نفسه، ونقيّم مدى التزامه به، ونتعرّض بعد ذلك إلى شواهد واضحة تناقض منهجه الذي ادّعاه.

خصائص الكتاب

لقد تميّز هذا الكتاب عن الكتب التي سبقته، في التعرّض للمذهب الشيعي، بعدّة اُمور مهمّة، منها:

1ـ كونه رسالة علمية تناولت مسائل عقائدية خلافية مهمّة، بين الشيعة والسنّة، وعلى درجة كبيرة من الخطورة والحسّاسية.

2ـ شمل هذا الكتاب مسائل ومفردات كثيرة لم يقتصر على المسائل العقيدية حسب، بل تناولت قضايا فقهية وأصولية وحديثية وتاريخية وغيرها.

3ـ اختلف هذا الكتاب، عن غيره، بكثرة التتبّع للشواهد من الروايات والنصوص، بحيث يغلب على الظن أن العمل في هذا الكتاب قد قام به فريق من الباحثين وليس شخصاً واحداً.

4ـ ومن خصائص الكتاب أيضاً، إيهام القارئ واستغفاله، بدعوى أنّه يتّبع الأسلوب العلمي والمنهج الصحيح في تناوله للبحث؛ وذلك من خلال ما أشار إلى ذلك في المقدّمة، وكذلك محاولته أن يخلق تصوّراً لدى القارئ بأنّه يعتمد في أحكامه ونتائجه على ما يرد في كتب الشيعة أنفسهم، ولكن واقع الحال ينمّ بغير ذلك، كما سيتّضح لاحقاً.

دوافع المصنف وأهدافه

لقد أشار المصنف في مقدمة كتابه ـ أو رسالته ـ إلى دوافعه وأهدافه من كتابة هذه الرسالة ضد مذهب أهل البيت^ وأتباعهم، فذكر عدّة أهداف ودوافع، حاول في بداية الأمر أن يبرّر أن غرضه هو الدفاع عن الحقّ والحقيقة، وأن التصدّي للفرق المخالفة، وأهل البدع، هو من أجل الحدّ من التفرّق والتشرذم، وتفويت الفرصة على العدوّ المتربّص بوحدة المسلمين.

ونحن نعتقد بأنّ ذلك لم يكن هو الدافع الحقيقي من وراء تأليف هذه الرسالة، وإنّما السبب الأساس هو الوقوف بوجه فكر ومنهج أهل البيت^ بعد أن أخذ بالتوسّع والانتشار في أرجاء البلاد الإسلامية، ودخول أعداد كبيرة من المسلمين في هذا المذهب الذي يقدّم النموذج الصادق، ويعكس الصورة الواقعية عن الإسلام المحمّدي الأصيل وتعاليمه السمحاء، خصوصاً في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وبعد اطّلاع الناس على فكر ومدرسة أهل البيت^، نتيجةً لسهولة الاتّصال والتواصل، بين المسلمين، بعد حصول التقدّم العلمي والمعرفي في العالم.

وقد أشار القفاري إلى هذا السبب صراحة ـ وإن حاول أن يجعله ضمن أسباب اُخرى، ذكر أنّها دعته لتناول عقائد الشيعة الاثني عشرية بالخصوص ـ حين قال: «ثانياً: اهتمام هذه الطائفة بنشر مذهبها والدعوة إليه، وعندها دعاة متفرّغون ومنظّمون، ولها في كلّ مكان (غالباً) خليّة ونشاط، وتوجّه جلّ اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل السنّة، ولا أظن أن طائفة من طوائف البدع، تبلغ شأو هذه الطائفة، في العمل لنشر معتقدها والاهتمام بذلك. وهي اليوم تسعى جاهدة لنشر مذهبها في العالم الإسلامي، وتصدير ثورتها، وإقامة دولتها الكبرى بمختلف الوسائل. وقد تشيّع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الاثني عشرية، الكثيرُ من شباب المسلمين، ومن يطالع كتاب (عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد) يهوله الأمر، حيث يجد قبائل بأكملها قد تشيّعت. وقد تحوّلت سفارات دولة الشيعة في إيران، إلى مركز للدعوة إلى مذهبها، في صفوف الطلبة والعاملين المسلمين في العالم»([24]).

إذن، هذا هو السبب الكامن من وراء مثل هذه الكتابات، وكثرة الاحتفاء بها، ونشرها في أوساط الناس، وفي قبال ذلك يمنع منعاً باتاً تداول كتب الشيعة وبيعها، أو السماح بطبعها ونشرها في بلادهم.

المنهج الذي اشترطه القفاري على نفسه

ادّعى القفاري أن منهجه في رسالته يقوم على مجموعة من الضوابط والشروط، منها([25]):

1ـ لا ينظر في المصادر الناقلة عن الشيعة، بل ينقل من الكتب الشيعية مباشرة، وبأمانة.

2ـ يعالج القضايا بموضوعية صادقة، بعيداً عن الميول الذاتية والأفكار المسبقة.

3ـ يعتمد على رواياتهم الموثّقة أو المستفيضة، وينقل عن كتبهم ومصادرهم المعتمدة مع مراعاة العدالة في الحكم.

4 ـ يعتمد على الاُمور العقائدية المعلومة والمشهورة بين علمائهم والمتّفق عليها، قال: «ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلاّ ما استفاضت أخبارهم به وأقرّه شيوخهم»([26]).

مناقشة القفاري فيما اشترطه على نفسه

كلّ من يطالع كتاب القفاري، بدقّة وعناية، يتّضح له بلا أدنى شكّ أنّه لم يلتزم بما اشترطه على نفسه من شرائط، فلم تكن تلك التعهّدات التي أخذها على نفسه إلاّ حبراً على ورق، ومجرّد مصطلحات أنيقة عذبة لا واقع لها في كثير من الموارد، وقد نلتمس له العذر في التنازل عنها؛ لأنّه لو التزم بها سوف لا يمكنه أن يكتب مجموعة من الصفحات فضلاً عن كتابة رسالة كهذه، لأنّ الالتزام بتلك الشرائط يجعله عاجزاً عن تبرير ما يحمله في باطنه من ركام هائل من المفاهيم السطحية التي تحطّ من قدر الشيعة، والتي ورثها عن أسلافه وفي مقدمتهم ابن تيمية.

وعندما وجد التقيّد بتلك الضوابط يمنعه من إلصاق التهم والتشنيع على الشيعة، تنازل عنها في سبيل هدفه المسبق، وكم تمنّينا على القفاري أن يسير على ما رسمه لنفسه من منهج علمي وأكاديمي صحيح!! ولكن أنّى له ذلك!

وسوف نتعرض لبعض الشواهد التي تؤكّد عدم التزامه بما فرضه على نفسه، ونقتصر على بعض ذلك المذكور، دون التطرّق لكلّ الشواهد، فهي كثيرة، ولكون كتابنا هذا ليس الهدف منه نقد منهج القفاري بالخصوص، بل هو لنقد الشبهات التي أثارها في كتابه، ومحاولة تحليلها ودحضها، وبيان زيفها.

شواهد على عدم التزام القفاري بمنهجه

الافتراءات على الشيعة

1ـ لقد زعم أن الشيعة في إيران يزيدون في الأذان بعد الشهادة الأولى عبارة: خميني رهبر، قال: «أدخل الخميني اسمه في أذان الصلوات، وقدّم اسمه على اسم النبيّ الكريم، فأذان الصلوات في إيران بعد استلام الخميني للحكم، وفي كلّ جوامعها، كما يلي: الله أكبر، الله أكبر، (خميني رهبر) أي أنّ الخميني هو القائد، ثمّ أشهد أنّ محمداً رسول الله»([27]).

فهل من أحد يصدّق هذا الكلام؟! و هل هذه هي الأكاديمية والحيادية في منهج البحث؟!!

إنْ هذا إلاّ مثار للضحك والسخرية، ولا يحتاج إلى تعليق مطلقاً.

2ـ قال: «مات الحسن العسكري سنة260هـ، والذي تزعم الشيعة أنّه إمامها الحادي عشر ـ ولم يُعرف له خلف، ولم يُرَ له ولد ظاهر، كما تعترف كتب الشيعة، وقال ثقات المؤرّخين بأنّه مات عقيماً. فكانت هذه الواقعة قاصمة الظهر للتشيّع»([28]).

ونحن لم نجد من قال، من الشيعة، بهذا الاعتراف، كيف ذلك وهو من صميم اعتقادهم؟!

3ـ زعم أنّ الشيعة تقول: إنّ كتاب الكافي قد عُرض على المهدي؛ قال: «الكافي عُرض على المهدي، فقال: كافٍ لشيعتنا، هذا ما يقوله الصدر([29])، وينسبه للشيعة عموماً، ولهذا قال محب الدين الخطيب: إنّ الكافي عند الشيعة هو كصحيح البخاري عند المسلمين. وقد يكون في كلام الخطيب هذا بعض التسامح؛ لأنّ غلوّهم في الكافي أكثر، ألا ترى أنهم يقولون: إنّ الكافي اُلّف إبان الصلة المباشرة بمهديّهم، وإنّه عرض على المعصوم عندهم، فهو كما لو قال بعض أهل السنّة: إنّ صحيح البخاري تم عرضه على الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)؛ لأنّ الإمام عندهم كالنبي»([30]).

لقد أراد القفاري، بكلامه هذا، أن يثبت صحّة كلّ ما في كتاب الكافي، حتى يستفيد من الروايات الضعيفة التي وردت فيه، ويؤسّس عليها شبهاته. فحاول أن يوهم القارئ بأنّ الشيعة ترى الكافي كصحيح البخاري من حيث الصحّة.

بينما الواقع خلاف ذلك، فقد تعامل علماؤنا مع الكتاب على أن له رتبة عالية من الاعتبار، لكنّه مع عدم الجزم بصحة جميع مروياته، بل لا يخلو من وجود الأحاديث الضعيفة غير الصحيحة، وأنّ حكاية عرضه على المعصوم، أو المهدي×، لم تثبت صحتها عندهم، لذلك قال المحدّث النوري في خاتمة مستدركه: «الخبر الشائع من أنّ هذا الكتاب عرض على الحجّة× فقال: (إنّ هذا كاف لشيعتنا) فإنّه لا أصل له، ولا أثر له في مؤلّفات أصحابنا، بل صرّح بعدمه المحدّث الاسترآبادي الذي رام أن يجعل تمام أحاديثه قطعية»([31]).

 وعلق السيد العسكري على حكاية عرضه على المعصوم: >أنّه قول مجهولٌ راويه، ولم يُسمّ أحداً اسمه, ويدلّ على بطلانه تأليف مئات كتب الحديث بمدرسة أهل البيت بعد الكافي, مثل: من لا يحضره الفقيه, ومدينة العلم والتهذيب والاستبصار والبحار ووسائل الشيعة وجامع أحاديث الشيعة وغيرها<([32]).

فلاحظ كيف تعمد القفاري إيهام القارئ، واعتمد على حكاية لا أصل لها ولا أثر؟!!

4 ـ حاول أن يلصق بالشيعة اُموراً معلومة الانتفاء عندهم بشكل بدَهي،  فاتهمهم بالقول بالتجسيم وتأثّرهم بالمعتقدات اليهودية، قال: «اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود، ولكن أوّل من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الروافض»([33]).

مع أنّ نفي التجسيم من مسلّمات الشيعة المعروفة، وقد تغافل عن أن التأثيرات اليهودية في الفكر الوهّابي أوضح من أن تذكر، خصوصاً في منهج ابن تيمية صاحب مدرسة التجسيم.

5ـ ومن افتراءاته الاُخرى: أنّ واضع مبدأ السجود للمخلوق، والسجود على التراب، هو الشيخ الكركي&؛ قال: «فإنّ شيوخهم يضعون بدعاً جديدة، حتى أن شيخ الدولة الصفوية، عليّ الكركي، وضع مبدأ جواز السجود للمخلوق، ووضع لهم أيضاً مبدأ السجود على التربة»([34]).

وهل يمكن لأحدٍ أن يصدّق هذا الكلام، ومتى كان في عقائد الشيعة جواز السجود للمخلوق؟! وهل يحتاج مبدأ السجود على التربة إلى أن يبتكره شيخ الدولة الصفوي، كما سمّاه؟!!([35]).

وهو بكلامه هذا يتراجع عن منهجيّته وموضوعيّته بدرجة كبيرة جدّاً، فيعتقد بما ينقله جهّال وعوّام أهل السنّة، عن الشيعة، بأنّ الشيعة يسجدون للتربة بدلاً من السجود لله!! ويتغافل عن أنّ السجود عند الشيعة هو على التربة وليس للتربة، وأنّ ذلك ثابت بأدلّة شرعية تفيد بلزوم السجود على الأرض بالخصوص، وأن التربة المعروفة التي يسجد عليها الشيعة هي أحد مصاديق الأرض؟!

وهم بسجودهم على الأرض يقتدون بالنبي وبالصحابة المنتجبين ـ رضوان الله عليهم ـ فقد أخرج البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: >قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً...<([36]).

وهذا الحديث يثبت بوضوح أن وجه الأرض تراباً كان أو صخراً أو حصى هو الأصل في السجود.

وهذا المعنى لا يتعارض مع تفسير الحديث بأنّ المقصود منه هو جواز السجود في كلّ مكان، فهو مطلب آخر تثبته الرواية.

وروي عن جابر، قال: >كنت أصلى مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفى لتبرد حتى أسجد من شدة الحر<([37]).

فهل سجد جابر (رض) للحصى أم أنّه سجد على الحصى؟! وهل أن القفاري بسجوده على الفرش يكون عبادة للفرش؟

أسلوب تقطيع الأحاديث

ليس القفاري من تفرّد بهذا الأسلوب والمنهج، في الطعن بعقائد الشيعة، بل إنّه منهج قديم، سلكه كلّ من حاول تشويه المذهب الشيعي، فتعمُّد الاقتطاع والتدليس هو أحد المناهج المتّبعة، منذ القدم، عند المناهضين للفكر الشيعي.

ونحاول أن نلقي الضوء على بعض ما مارسه القفاري، من اقتطاع وتدليس، قال: «وهم يلصقون هذه المفتريات بأهل البيت، ليتخذوا منهم عكازة يعتمدون عليها لنشر مذهبهم. وإلاّ فمن يقول: أنا الأوّل والآخر والظاهر والباطن؛ هل يختلف عن فرعون الذي قال: أنا ربُّكم الأعلى؟! وكيف يتجرأ أساطين المذهب كالكشّي والطوسي، على نقل هذا الإلحاد، وكيف يعدّون الكليني ثقة إسلامهم وهو ينقل، هو وأضرابه، هذا الكفر البواح؟!»([38]).

لاحظ كلامه، وكيف قايس بين معتقدات الشيعة ومعتقد فرعون؟! وكيف تكلّم، وبكلّ جرأة، بحيث يجعل القارئ لا يشك في نقله مطلقاً ولا يتوهّم التقطيع؟!

مع أنّنا لو رجعنا إلى النقل، الذي زعمه، من صاحب كتاب البحار، لوجدنا أن القفاري كان مخالفاً للموضوعية، بكل ما للمخالفة من معنى، فقد تعمّد تقطيع الرواية وترك المقطع الذي يفسّر تلك الألفاظ التي اُثِرَتْ عن الإمام علي×.

وإليك نصّ الرواية كاملة، ليتضح مدى استخفاف القفاري بعقلية القارئ العربي؛ وليتضّح أن ما ادّعاه، من نزاهة وموضوعية، إنّما كان مجرّد كلام لا واقع له.

قال صاحب البحار: «روي أنّ أمير المؤمنين× كان قاعداً في المسجد وعنده جماعة من أصحابه، فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين، فقال لهم: ويحكم! إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلاّ العالمون، قالوا: لابدّ من أن تحدثنا، قال: قوموا بنا، فدخل الدار، فقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي أحيي وأميت، أنا الأوّل والآخر والظاهر والباطن، فغضبوا وقالوا: كفر!... فقال: ألم أقل لكم: إنّ كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلاّ العالمون؟! تعالوا أفسّر لكم، أما قولي: أنا الذي علوت فقهرت؛ فأنا الذي علوتكم بهذا السيف، فقهرتكم حتى آمنتم بالله ورسوله، وأمّا قولي: أنا أحيي وأميت؛ فأنا أحيي السنّة وأميت البدعة، وأمّا قولي: أنا الأوّل؛ فأنا أوّل من آمن بالله وأسلم، وأمّا قولي: أنا الآخر؛ فأنا آخر من سجى على النبيّ’ ثوبه ودفنه، وأمّا قولي: أنا الظاهر والباطن؛ فأنا عندي علم الظاهر والباطن، قالوا: فرّجت عنا فرّج الله عنك»([39]).

وهكذا حال كلّ الروايات التي تحدثت عن كون الأئمّة جنب الله أو وجه الله أو يد الله، كلّها مؤوّلة ومفسّرة بشبيه ما ذكره صاحب البحار.

فهل هذا مبرّرٌ لأنْ يتّهم علماء الشيعة بنقل الكفر البواح؟!!! وهل يستدعي أن يعتبرها مفتريات اُلصقت بالأئمّة^؟!!

3ـ اقتطاعه من كلام السيّد الخوئي ما يفيد ـ على حدّ زعمه ـ بأنّ الشيعة تعتقد بتحريف القرآن، قال: «والخوئي مرجع الشيعة في العراق وغيره اليوم، يقول: إنّ كثرة الروايات (رواياتهم في تحريف القرآن) من طريق أهل البيت، ولا أقلّ من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر»([40]).

ونلاحظ هنا، أن التدليس قد تجسّد، وبشكل مجحف في هذا المقطع الذي اقتطعه، من حيث إنّ السيّد الخوئي هو ممّن اشتُهر في تفنيد قول كلّ من زعم أن القرآن محرّف، وكتابه البيان يشهد له بذلك.

فالسيّد الخوئي ينفي دلالة تلك الروايات على التحريف، قبل هذا المقطّع من كلامه، فيقول: «الجواب: أن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه»، فهو يفرّق بين كثرة الروايات ودلالتها([41])، ثمّ يقول في نهاية بحثه: «وممّا ذكرناه، قد تبيّن للقارئ، أن حديث تحريف القرآن، حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل، أو من ألجأه إليه حبّ القول به. والحبّ يعمي ويصمّ، وأمّا العاقل المنصف المتدبر، فلا يشكّ في بطلانه وخرافته»([42]).

فهل بعد هذا، يحقّ لعاقل أن يقول: إن السيّد الخوئي يعتقد بالتحريف، أليس هذا محض افتراء؟!! بل أقبح مراتبه على الإطلاق.

4ـ ممارسة التمويه والتشويه للروايات، فقد زعم مثلاً: أن الشيعة تروي أن الناس عبيد للأئمّة، قال: «والشيعة حينما اعتقدت في أئمّتها أنهم جهة تشريع، أكملت ذلك بدعواها أن الناس جميعاً عبيد للأئمّة، لتتضح صورة الشرك أكثر. قال الرضا: الناس عبيد لنا في الطاعة، موالٍ لنا في الدين، فليبلّغ الشاهد الغائب»([43]).

لكن القفاري لم يتعرّض للمقطع الأوّل في الرواية، الذي ينفي فيه الإمام تلك الشبهة جملةً وتفصيلاً، فهدف الإمام× من الرواية بأجمعها إنّما كان منصبّاً على نفي ما سمعه من بعض الجُهّال أنهم يقولون: إن الناس عبيد للائمّة، وإليك الرواية: «عن محمّد بن زيد الطبري، قال: كنت قائماً على رأس الرضا عليّ بن موسى× بخراسان، وعنده جماعة من بني هاشم، منهم إسحاق بن العباس بن موسى، فقال له: يا إسحاق بلغني أنّكم تقولون: إنا نقول: إن الناس عبيدٌ لنا! لا، وقرابتي من رسول الله’ ما قلته قطّ، ولا سمعته من أحد من آبائي، ولا بلغني عن أحد منهم قاله، لكنا نقول: الناس عبيدٌ لنا في الطاعة، موال لنا في الدين، فليبلّغ الشاهدُ الغائب»([44]).

فنجد أن الإمام يقسم بقرابته من رسول الله أنّه لم يقل ذلك، بل أن الذي يقول به هو، والأئمة من آبائه^ هو أن الناس عبيد لهم في الطاعة، وهذا ليس بخافٍ على أحد، من حيث إن طاعتهم فرض على كلّ مؤمن ومؤمنة؛ وقد فرض الله طاعتهم على الناس، وطاعتهم إنّما تعني الالتزام بحدود الشريعة وتطبيقها، لا أكثر ولا أقل.

فأين هذا من تمويه القفاري؟!!

افتقاره للأمانة العلمية وعدم الرعاية في النقل

لم يلتزم القفاري بالأمانة العلمية فيما ينقله، وهناك شواهد كثيرة تؤكّد ذلك، نذكر منها على سبيل المثال:

1ـ إدخاله، أو إدراجه، بعض الألفاظ، في الأحاديث المنقولة عن أهل البيت^، ليحقق بذلك غرضه في تمرير تلك الشبهات؛ قال: «كما أنك ترى الكافي، أصحّ كتبهم الأربعة، قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر. فقد روى الكليني، بسنده عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إني، واثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا علي، زرّ الأرض ـ يعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي، ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا»([45]).

بينما الذي جاء في الكافي: «إني، واثني عشر من ولدي، وأنت يا علي، زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي، ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا»([46]).

فنلاحظ أنّ القفاري قد زاد كلمة (إماماً)، وهي كلمة مهمّة في الاستدلال على ما زعمه!!! مع أن الرواية ضعيفة السند، وقد رويت من وجه آخر جاء فيه: >إني وأحد عشر من ولدي< على ما سوف يأتي تفصيله لاحقاً.

2ـ التلاعب بالروايات بشكل فاضح، قال ـ وهو ينتقد ارتباط الشيعة بالإمام المهدي في زمان غيبته: «والزواج ـ أي زواج الشيعة ـ مرتبط بأمر القائم في الغالب، قال أحدهم: زُوِّجت بأمره سرّاً، فلمّا وطأتها علقت وجاءت بابنة، فاغتممت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك...»([47]).

فنلاحظ أنّه زعم أن زواجهم كان مرتبطاً بأمر المهدي، وكان المفترض أن يكون القفاري أميناً في نقله، وأن لا يغيّر عبارة: تزوّجت بامرأة، إلى عبارة: زوّجت بأمره!!!

ففي المصدر لا يوجد (زوجت بأمره)، بل الموجود (تزوجت بامرأة).

فلاحظ خيانته وعدم أمانته؟!!([48]).

جهله بمباني وضروريات المذهب الشيعي

نجد في كثير من الأحيان، أن القفاري يفتقر إلى الفهم الصحيح للمباني الشيعية، وهذا ما امتازت به رسالته بجدارة، فهو يفهم الشيعة ومعتقداتهم، بحسب ما عنده من مفاهيم مسبقة، لا ترتقي إلى الحدّ الأدنى من النضج، لكي تكون لها القدرة على انتقاد معتقدات وآراء يجزم أصحابها أنّها مستقاة من الفكر الإسلامي الصحيح.

ولم يقتصر جهله بالمباني تلك، بل نجد أن جهله تعدّى ذلك إلى اُمور بدَهية، ما كان المتوقع أن يجهلها، وسوف يتعرّف القارئ على ذلك من خلال اطّلاعه على الكتاب، ونورد بعض الشواهد على ذلك:

جهله بمباني الشيعة وآرائهم في مسألة عدم توريث الزوجة من الأرض، حيث توهّمها القفاري في مطلق المرأة، سواء البنت أو الزوجة، فقد أشكل على مسألة إرث الزهراء ÷ من فدك، قال: «نقلت رواياتهم أخباراً عن كتاب يسمونه كتاب عليّ، ووصفوا شكله بأنّه مثل فخذي الرجل، مطوّى، وأنه خطّ عليّ بيده، وإملاء رسول الله، ولم ينقلوا لنا من نصوصه وأحكامه إلاّ هذا الحكم الجائر الذي يقول: إن النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا هو توفّي عنها شيء، هذا والله خطّ عليّ بيده، وإملاء رسول الله، وهم يأخذون بهذا النصّ من ذلك الكتاب الموهوم، ويعرضون عن نصوص القرآن العامّة، والتي لم تفرّق بين العقار وغيره. ثمّ إن هذا يناقض ما يدّعونه بأنّ لفاطمة نصيباً في فدك» وقال في الحاشية: «وحاولوا التخلّص من ذلك، بزعمهم أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، خصّها بذلك في حياته»([49]).

وهذا المبنى الشيعي في الإرث، معروف في الأوساط الإسلامية، وأن المنع من الإرث ـ فيما لو كان عقاراً ـ مختصّ بالزوجة فقط، ولا يشمل البنت، فهذا هو مستوى القفاري الحاصل على شهادة الدكتوراه في العقيدة الإسلامية! فهو في الوقت الذي زجّ نفسه في موضوع يتطلّب غاية الدقّة في فهم مباني الشيعة وآرائهم، نجده سطحيّ الفهم في تلك المباني والآراء!

2ـ جهله بالتاريخ: حيث اعتقد أن زمان الحسن× كان بعد الحسين×، قال: «قالت كتب الشيعة: إن الناس ارتدّوا بعد وفاة الرسول إلاّ ثلاثة، قالت أيضاً: ارتد الناس بعد قتل الحسين إلاّ ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن([50]) أم الطويل، وجبير بن مطعم. فأنت ترى أن هذا النصّ لا يستثني أحداً من أهل البيت، ولا الحسن بن عليّ الذي تعدّه الاثنا عشريّة إمامها، ويبدو أنّها لا تستثنيه لأنّها عليه ساخطة، لقيامه بمصالحة معاوية، حتى خاطبه بعض الشيعة بقوله: يا مذلّ المؤمنين»([51])!

فنلاحظ أن القفاري رتّب شبهته واتهاماته بناءً على تأخر الإمام الحسن عن زمان أخيه الحسين، مع أن الإمام الحسن توفي قبل أخيه الإمام الحسين.

3ـ جهله، أو تجاهله، الاستعمالات العربية، من الكناية وغيرها، حيث قال، نقلاً عن السيّد الخميني&، في كتابه الحكومة الإسلامية: «وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي، سنحصل على عصا موسى، وسيف عليّ بن أبي طالب. والجمع بين عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب كناية ـ فيما يبدو لي ـ عن تعاون اليهود مع الشيعة في دولة الآيات»([52]).

ومن البيّن أن عصا موسى، في كلام السيد الخميني&، هو كناية عن القوة التي تدلّ على التأييد والنصرة الإلهية، وليس المقصود به اليهود، كما فسّره القفاري، لكنّه قد تعمّد تشويه الاستعمال بشكل واضح، أو كان جاهلاً فيه على أقل تقدير.

4ـ جهله بكتب الشيعة، التي ادّعى أنّه مطّلع عليها، فنجده مثلاً، يجهل كتب الرجال المعتمدة عند الشيعة، وذلك حينما يعتبر كتاب الكشي هو عمدة كتب الشيعة في تراجم الرجال، وكذلك ادّعى أن الكافي ونهج البلاغة هما أصحّ كتب الشيعة، قال: «ورجال الكشّي عمدتهم في كتب الرجال...([53]) كما أنك ترى الكافي، أصّح كتبهم...([54]) وكتاب النهج الذي هو أصحّ كتاب عند الشيعة...([55])، وهي تزعم أنّها تصدّق بكلّ حرف في النهج»([56]).

ومن المعلوم أن كتاب الكشّي ليس هو العمدة في كتب الرجال عند الشيعة، وكذلك فإن الشيعة لا يعتبرون كتاب الكافي أصحّ كتبهم، نعم له اعتبار عندهم أكثر من غيره إلاّ أن هذا لا يعني أن كلّ أحاديثه ـ على إلاطلاق ـ مسلمة عندهم، كما أن كتاب نهج البلاغة ليس أصحّ الكتب عندهم!!

فهو بهذا، إما تعمّد القول بذلك، حتى ينسج عليه شبهاته، أو قال بذلك جهلاً، وهو بهذا يسجّل نقطة ضعف كبيرة على منهجه.

5ـ جهله بعقائد الشيعة؛ فمثلاً، يفسّر عقيدة البداء عند الشيعة بتفسيرات خاطئة مشوّهة، قال: «ولا شكّ بأنّ عقيدة البداء، بمقتضى معناها اللّغوي، وبموجب روايات الاثني عشريّة، وحسب تأويل بعض شيوخهم، تقتضي أن يكون في علم الله اليوم ما لم يكن في الأمس. وحسب الاثني عشرية، عاراً وفضيحة أن تنسب إلى الحقّ جلّ شأنه هذه العقيدة، على حين تبرّئ أئمّتها منها، فإذا وقع الخُلْف في قول الإمام، نسبت ذلك إلى الله لا إلى الإمام»([57]).

ونلاحظ جليّاً، كيف شوّه عقيدة البداء عند الشيعة، مع أن هذا لم يتفوّه به أحد من علمائهم، فلم يدّع أحد منهم أن البداء بهذا المعنى الذي يستلزم الجهل على ذات الله تعالى.

كيف، وهم ينقلون في كتبهم عن الصادق×: «من زعم أن الله بدا له في شيء اليوم، لم يعلمه أمس، فابرؤا منه»([58])!

فالبداء له معنيان: الأوّل: بمعنى الظهور، كما في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا}. والثاني: تغيّر الإرادة وتبدّل العزيمة، تبعاً لتغيّر العلم وتجدّده، وهو بهذا المعنى لا يجوز بالنسبة إليه تعالى، ولا يقول به أحد من الإمامية.

والمعنى الأوّل هو الذي تقصده الشيعة، والذي نصّت عليه بعض الأحاديث المنقولة عن أهل البيت^.

قال الشيخ المفيد: «لفظ البداء يطلق على معنيين: الأوّل هو الظهور، وهذا هو الأصل في هذه اللفظة من حيث الوضع اللغوي، والثاني هو الانتقال والتحوّل من عزم إلى عزم، بحصول العلم أو الظنّ بشيء بعد ما لم يكن حاصلاً، والبداء بهذا المعنى الأخير ممّا لا يجوز إطلاقه في حقّ الباري تعالى؛ لاستلزامه حدوث العلم وتجدّده له، ممّا دلّت الأدلّة القاطعة على نفيه عنه تعالى، فحيث ما يضاف إليه هذه اللفظة، فالمراد منه هو ظهور أمر غير مترقّب أو حدوث شيء لم يكن في الحسبان حدوثه ووقوعه...»([59]).

هذه هي خلاصة فكرة البداء عند الشيعة، وهو كما ترى، فإنّه معنى منسجم مع آيات القرآن ومع روايات أهل البيت^، وأين هذا ممّا افتراه القفاري؟!!

تهافت القفاري

كما أنّ المطالع لرسالة القفاري، بدقّة، لا يتردّد أبداً في الحكم بأنّ الباحث يحمل في رسالته تناقضات صارخة، تخرجه عن الموضوعية والحيادية التي حاول أن يتذرّع بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تناقضه في دعواه النقل بأمانة من كتب الشيعة، التي تعتبر من المسائل الجوهرية في تحليل معتقداتهم، فمن ناحية، يصرّح بأنّه سوف يعتمد على كتبهم المعتمدة والمشهورة ـ كما ذكر ذلك في مقدّمته ـ لكن من ناحية اُخرى، نجده، في كثير من الأحيان، يتجاهل ذلك، بل ويعتمد على أقوال خصومهم في هذا المجال، فمثلاً: يعتمد في إلصاق تهمة القول بالتجسيم بهشام بن الحكم، على أقوال خصوم الشيعة، فيصفهم مادحاً ـ بعد أن أشكل على نفسه من أن الاعتماد على خصوم الشيعة في تلك المسألة لا يكون حجّة على الشيعة ـ : «وهم أصدق من الرافضة مقالاً وأوثق نقلاً»([60]).

بل وفي أحيان كثيرة، يعتمد على المتطرّفين منهم، فيعتمد في تكوين تصوّراته، عن المذهب، بما يقوله أمثال ابن حزم وابن خلدون، والآلوسي، والجبهان، والخطيب، وابن تيمية، وجار الله، وإحسان إلهي ظهير وغيرهم، وهذا أمر لا حاجة إلى الاستدلال عليه، فالكتاب مليء، من أوله إلى آخره، بأفكار هؤلاء وتصورّاتهم عن المذهب الشيعي!!!

ولا يقف الأمر على هذه التصورات، بل يتعدّى ذلك إلى تصدير الأحكام، جزافاً، على الشيعة؛ فنجده مثلاً، ينقل عن ابن تيمية قوله: «ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى أن المنتسبين للتشيّع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم واليونان والنصارى واليهود وغيرهم، اُموراً مزجوها بالتشيّع...»([61]).

واعتماداً على ما نقله عن ابن تيمية يبني حكمه، ويتهجّم على الطائفة الشيعية ويتجنّى عليهم بشكل كبير، فيقول: «أنّه قد ركب مطيّة التشيّع كلّ من أراد الكيد للإسلام وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي ونصراني ومجوسي وغيرهم، فدخل في التشيّع كثير من الأفكار الأجنبية والدخيلة...»([62]).

كما نجده قد أسّس الكثير من الشبهات المهمّة، معتمداً فيها على أقوال أهل السنّة أنفسهم، ومن ثمّ يطلق أحكامه الجزافيّة على الشيعة وفقاً لتلك الآراء.

فمثلاً، نجده في مبحث اعتقاد الشيعة بالسنّة النبويّة، يتهم الشيعة بمحاربتهم السنّة النبويّة، وفقاً لمقولة عبد القاهر البغدادي، من أن الشيعة هم من المنكرين للسنّة، قال: «اعتبر الإمام عبد القاهر البغدادي الشيعة من المنكرين للسنّة، لرفضهم قبول مرويّات صحابة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، على حين نجد أن السيوطي يشير في كتابه (الاحتجاج بالسنّة) إلى ظهور دعوة شاذّة في عصره، تدعو إلى نبذ السنّة، والإعراض عن الاحتجاج بها، والاكتفاء بالقرآن، ويذكر أن مصدر هذه الدعوة رجل رافضي، وقد كتب كتابه المذكور لنقض هذا الاتّجاه وإبطاله. إذن، فالشيعة تحارب السنّة، ولهذا فإن أهل السنّة اختصوّا بهذا الاسم، لاتّباعهم سنّة المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم)»([63]).

وهناك العشرات من هذه الموارد، التي يستقي فيها فكرته من مصادر أهل السنّة، ويؤسّس شبهته على أقوالهم وفهمهم، وهو بذلك يخالف المنهج الذي طرحه في مقدمة كتابه، فضلاً عن أنّه مخالف لمبادئ الحوار والمناظرة.

خروجه عن أدب الحوار

كما لا يخفى على من يتصفّح رسالة القفاري، تعمّده في استعمال الألفاظ الحادّة والجارحة، في كثير من مقالاته، وهو منهج بعيد عن الأدب مع المخالفين، ويتقاطع مع الخلق الإسلامي الذي من المفترض أن يتحلّى به الدكتور القفاري، ونحن لا نستغرب بعض الألفاظ التي تصدر منه؛ لأنّنا نعتقد أن مرجع ذلك هو تأثّره القوي بالاتّجاه السلفي المتعصّب، وبالخصوص تأثّره الكبير بابن تيمية وغيره، فقد انطلق، في أغلب مواضيع بحثه، من عقلية ذلك الاتّجاه في اختلاق الشبهات، وكذلك ساقه هذا التأثّر إلى استعمال الألفاظ ‏الفاحشة، نفسها، التي ردّدها ابن حزم في كتابه الفصل، كاستعمال لفظة (رعاع الشيعة)، أو (النوكى)([64])، وغيرها من ألفاظ الشتيمة لبعض كبار علماء الشيعة، كقوله في العلاّمة الأميني أعلى الله مقامه: «الرافضي المغفل أو الزنديق المرتدي ثوب الإسلام»([65]). وكقوله على العلاّمة النوري الطبرسي بأنّه مجوسي وملحد([66]).

وهذا الأسلوب من التهجّم، ما كان ينبغي أن يصدر من باحثٍ مثل القفاري.

هذا، بالإضافة إلى محاولة تسخيف آراء الشيعة، من خلال تسخيف آراء علمائهم، ووصفه إياهم بقوله: قال جعفرهم، وقال شيخهم، وقال آيتهم، وقال عالمهم المعاصر، إلى غير ذلك من العبارات التي يهدف من ورائها إلى التقليل من قيمتهم.

هدفنا من الرد على الكتاب

هناك مجموعة من الأهداف جعلتنا نتعرّض للردّ على الدكتور ناصر القفاري، مع أن معظم الشبهات التي أوردها لم تكن جديدة، بل كان معظمها اجتراراً لما كتبه أسلاف القفاري ضد المذهب الشيعي، منذ مئات السنين، وسوف نجمل هذه الأهداف في النقاط التالية:

1ـ نظراً لما أحرزه الكتاب، في الآونة الأخيرة، من الحفاوة والرواج في أوساط أهل السنّة، حيث اعتبره بعضٌ مرجعاً مهمّاً في معرفة ونقد المذهب الشيعي؛ لذا كان من الضروري كشف الواقع العلمي والموضوعي المزيّف للكتاب نصرةً منا للحق، وتوخّياً للأمانة العلمية، وأداءً للواجب التاريخي، وشعوراً بالمسؤولية تجاه أولئك الذين انطلت عليهم هذه المغالطات والافتراءات، والتزييف للحقائق العلمية والتاريخية.

2ـ إن الكتاب ـ وممّا يؤسف له ـ يعدّ منهجاً دراسياً في الجامعات السعودية، يتلقفه طلبة الجامعة في قسم العقيدة، بكل ما فيه من مفتريات، ويؤسّسون عليه فهمهم الخاطئ تجاه طائفة كبيرة من المسلمين، ومن هنا كان لابدّ من إيصال رسالة إلى هؤلاء، مفادها أن الكثير من محتويات هذا الكتاب، لا يمكن الأخذ بها كمسلّمات، بل لابدّ من مراجعتها وتحليلها والتأمّل فيها؛ باعتبار أنّ المؤلّف قد جانب فيها الحقيقة وتنكّب طريقها، ومما يؤسف له أنه قد انخدع الكثير في السنوات الأخيرة بما في محتويات الكتاب، وأخذت تلك المحتويات ـ مع ضعف الكثير منها ـ طريقها إلى محافل النقاش من غير تدقيق وتمحيص؛ لذا من الجدير بالمؤسسة العلمية وحفاظاً على سمعتها في الأوساط الفكرية أن تعيد النظر في هذا المنهج الدراسي، وتستعيض عنه بكتاب آخر يكون صالحاً لفهم العقيدة الشيعية.

3ـ لقد استخدم القفاري منهج التحريض والاستعداء، ضد الشيعة، بأسلوب خطابيّ مفبرك، أراد منه التأثير على عقول العامّة؛ في محاولةٍ منه لخلق أرضية صالحة لنموّ بذور الحقد والكراهية بين المسلمين، خصوصاً ونحن نعيش أجواء الفتنة والشحن الطائفي والمذهبي الذي يغذّيه المستكبرون وأعداء الإسلام، لهذا كان من الضروري التصدّي لتلك الفتنة، ومحاولة القضاء عليها قدر الإمكان.

4ـ وأخيراً، لابدّ لنا من التأكيد على أننا لم نكن نهدف قطّ، الهجوم على معتقدات أهل السنّة؛ كيف، وهم إخواننا الذين تجمعنا وإيّاهم كلمة التوحيد، وكتابنا وكتابهم واحد، ونبينا ونبيهم واحد؟! لكنّنا ندافع عن أنفسنا دفاعاً مشروعاً، في خضمّ هذه الهجمة التكفيريّة على معتقداتنا الدينيّة، وسوف يرى القارئ، بأمّ عينه، أننا لم نكن لنتعرّض لأيّ رمز من الرموز التي يحترمها إخواننا، كما فعل القفاري، ولم نكن لنسيء إلى أيّ معتقد، بل نحرص كلّ الحرص، على تقديم النموذج الأمثل في الحوار الهادف البنّاء، بعيدة عن التشنّجات وما يثير الحسّاسية، في تعاطينا الردّ على الشبهات.

منهجنا في رد شبهاته

لقد اتّبعنا، في نقدنا لشبهات القفاري، منهجاً عامّاً ومنهجا خاصّاً، وكل منهما له مواصفاته:

أمّا المنهج العامّ، فيعتمد على النقاط التالية:

أوّلاً: أن يكون ردّ الشبهة، وفق المنهج العامّ لأهل السنّة، أي أننا نجيب الدعاوى المطروحة، على وفق مبانيهم الرجالية والحديثية والأصولية والفقهية، ووفق أقوال علمائهم.

ولهذا فقد اعتمدنا بشكل كبير على الروايات الصحيحة ـ وفق التصحيح السندي عندهم ـ وابتعدنا عن الروايات الضعيفة([67])، ومن هنا كنا نحتاج إلى عناية خاصّة في انتقاء الرواية من مصادرها الأصلية، والنظر في تصحيحها والتدقيق فيه؛ لئلاّ يبتني بحثنا على رواية ضعيفة تؤدّي، بالنتيجة، إلى بطلان الردّ من الأساس.

ثانياً: الابتعاد عن المنهج الفلسفي والعقلي المعمّق، وكذلك الابتعاد عن التأويل والتفسير الباطني، كما ابتعدنا أيضاً عن المنهج الكلاسيكي في الرد، من قبيل: إن قلتم قلنا، أو استخدام بعض المصطلحات التي لا يفهمها إلاّ بعض المتخصّصين في العلوم الإسلامية.

ثالثاً: الجواب بأسلوب يبتعد عن التهجّم والسبّ والشتم والألفاظ الحادّة، واحترام الشخصيّات الدينيّة التي تحظى باحترام الطرف المقابل.

رابعاً: بذل ما في الوسع، في الاعتماد على أمّهات المصادر في نقل الأحاديث واقتباس النصوص، والاعتماد قدر الإمكان على أقوال كبار العلماء، وقد توخّينا الدقّة في ذكر المصادر، بحيث يبعد أن تجد كلاماً منسوباً للآخرين دون ذكر مصدره، كما تمّت مراعاة الأقدمية والأهميّة في تسلسل المصادر.

خامساً: الابتعاد عن الإطناب في ردّ الشبهة، والاقتصار في كلّ جواب أو عنوان، على القدر الذي يصبّ في معالجة الشبهة والإجابة عنها، فابتعدنا عن البحوث اللغوية المطوّلة، أو المقدّمات الكثيرة، مع قلّة الاحتياج إليها في الجواب. ومن ناحية اُخرى، تركنا الاختصار المخلّ والعبارات غير المألوفة، مستخدمين العبارات العصرية قدر الإمكان، مع المحافظة على دقّة الجواب وعلميّته.

أمّا منهجنا الخاصّ: فنقصد به كيفية ردّ الشبهات بنحوٍ تفصيلي، وقد تضمّن النقاط التالية:

أوّلاً: قراءة الشبهة، في رسالة القفاري، وفهمها بشكل دقيق، ومحاولة انتزاع عنوان كلّي للشبهة، ووضعه قبل الردّ.

ثانياً: اقتباس ما يدلّ على الشبهة من كلام القفاري في رسالته بشكل مختصر.

ثالثاً: وضع عنوان: بيان الشبهة في كثير من الشبهات فيما لو كانت غير واضحة، ثمّ الشروع بتوضيحها بشكل دقيق، ثمّ نقوم بردّها وتفنيدها وفق المنهج المتّبع.

رابعاً: وضعنا عنوان: (أساسيّات الشبهة) في بعض الموارد، ونعني بها المقدّمات التي استند إليها القفاري في وضع شبهته، بمعنى كيفيّة تبلور الشبهة في ذهن القفاري، سواء ذَكَر تلك المقدمات في كتابه أو لم يذكرها.

خامساً: ثمّ شرعنا بالردّ وفق تلك الأساسيّات، لدحض تلك المقدّمات.

خطة البحث

لقد وفّقنا الله تعالى لإكمال ثلاثة أجزاء من الردّ على هذه الشبهات في مقدمة وثلاثة أبواب، وستأتي الأجزاء اللاحقة تباعاً، إن شاء الله تعالى.

أمّا الجزء الأوّل فقد احتوى، بعد المقدمة، على الباب الأول، الذي اقتصر على الإجابة عن الشبهات التي أثارها القفاري حول اعتقاد الشيعة بالسنّة النبويّة، حيث اتّهم الشيعة بأنّ سنّتهم تختلف عن سنّة المسلمين، وأنهم ينكرون السنّة النبويّة. وقد احتوى هذا الجزء أيضاً على قسم من الباب الثاني الذي تعلق بمسألة الإمامة، التي تعتبر أهمّ نقاط الخلاف مع إخواننا أهل السنّة، وقد تضمن أربعة فصول:

الفصل الأوّل: بحثنا فيه الشبهات المثارة حول مفهوم الإمامة ومنزلتها عند الشيعة، ودحضنا فيه شبهة أن عقيدة الشيعة سبئيّة الأصل.

الفصل الثاني: بحثنا فيه الشبهات حول أدلّة الإمامة، فقد حاول القفاري أن يفنّد كلّ الأدلّة التي استدل بها الشيعة على صحّة عقيدة الإمامة، وبدأ بمناقشة الأدلّة القرآنية على الإمامة أولاً، لذا فقد جاء الفصل الثاني كإثبات لصحّة تلك الأدلّة القرآنية، ودفع ما أثاره من شبهات وتزييف للحقائق. وقد وقع هذان الفصلان في الجزء الأول.

أما الفصل الثالث والرابع من الباب الثاني، فقد صار نصيبهما في الجزء الثاني، وقد تناولنا في الفصل الثالث، دحض الشبهات المثارة حول أدلّة الإمامة الروائية.

وأما الفصل الرابع فخصصناه لدحض الشبهات المتعلقة بوجود النصّ على الإمامة.

أما الجزء الثالث، فقد تضمن باباً ثالثاً بعنوان شبهات حول المهدية والتوسل، في فصلين: الأول خصصناه لبحث الشبهات المتعلقة بالإمام المهدي×، والثاني خصصناه لموضوع التوسل، وقد تطرقنا لأدلته ومناقشة الشبهات المثارة حوله من القفاري وغيره.





شكر وتقدير

نتقدم بالشكر الجزيل إلى سماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور أعرافي، رئيس جامعة المصطفى | العالمية، على ما بذله من جهود في تذليل بعض الصعاب والعقبات التي اعترضت طريق التحقيق والبحث، فجزاه الله خيراً.

كما نشكر أيضاً مؤسسة الكوثر، ممثلةً بأمينها سماحة حجة الإسلام والمسلمين: الشيخ عبد المجيد البقشي، لما قام به من توفير بعض المصادر والكتب وغيرها من المستلزمات.

كما نشكر كلّ من مدّ يد العون والمساعدة في إنجاز هذا العمل وإخراجه بالصورة التي هي عليها الآن، ونخص بالذكر الشيخ ماجد حمد الطائي والسيد رضا البطاط لمشاركتهما في تصحيح وتقويم الكتاب, فنسأل الله تعالى للجميع دوام التوفيق والسداد.


 

 

 

 

 

 

 

الباب الأول

شبهات حول عقيدة الشيعة بالسنة النبوية

وتضمن هذا الباب مبحثاً واحداً حول الشبهات المثارة على عقيدة الشيعة بالنسة النبوية


 

الشبهة: الشيعة لا يؤمنون بالسنة النبوية

تمهيد

قبل الدخول في بحث اعتقاد الشيعة بالسنّة النبويّة، ودفع الشبهات التي أثارها الدكتور القفاري، نرى من الضروري أن نذكر مقدّمة تمهيداً لهذا البحث.

فنقول: لقد حاول القفاري، في هذا الفصل من كتابه، أن يوحي للقارئ بأنّ الشيعة لا يؤمنون بالسنّة النبويّة الشريفة، وينكرونها؛ في محاولةٍ لإخراجهم عن الإسلام، معتمداً في ذلك على بعض الكلمات والعبارات التي اقتطعها من بعض الكتب الشيعية، مستعيناً ببعض المغالطات؛ ليجعل معاني تلك العبارات دالّة على مقصوده الذي جانب فيه الحقيقة والواقع، ذلك الواقع الذي يدلّ على أنّ الشيعة الإمامية الاثني عشرية تعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّ السنّة النبويّة المطهّرة، هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي الحنيف، وهذا من صميم عقائدهم وضروريات مذهبهم، وأمرٌ بدَهي بالنسبة إليهم.

 كيف، وهم يتلون الآيات القرآنية الدالّة على ذلك، من قبيل قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}([68]) فهم لا يختلفون في ذلك عن أهل السنّة، في اعتقادهم بالسنّة النبويّة، إلاّ في الطريق الموصل إليها.

فطريق أهل السنّة إلى واقع السنّة النبويّة ودرْك حقيقتها، هو ما رواه الصحابة من أقوال النبيّ وفعله وتقريره، والتي انتظمت ودوّنت في كتبهم، كالصحاح الستّة والمسانيد، وغيرها من كتب الحديث. بينما اختار الشيعة الإمامية طريقاً آخر لتلّقي السنّة النبويّة وفهمها والتعبُّد بها، وهو ما صحّ عندهم عن أهل البيت^، عن جدهم، وما ثبت عن رسول الله عن طريق بعض الصحابة.

أسباب اختيار الشيعة طريق أهل البيت^

إنّ اختيار الشيعة لهذا الطريق يرجع لسببين أساسيين، نذكرهما تباعاً:

السبب الأول:

هو توافر الأدلّة القطعيّة على لزوم اتّباع أهل البيت، وتلقي السنّة النبويّة الشريفة عنهم سلام الله عليهم.

السبب الثاني:

هو ما اعترى طريق أهل السنّة، من ظروف وملابسات، جعل من غير المنطقي الاعتماد عليه في أخذ الشريعة الإسلامية وتعاليمها، وهذا ما سيتّضح، بصورة جليّة، لاحقاً.

مناشئ السبب الأول

أمّا فيما يتعلّق بالسبب الأوّل، فإنّ الشيعة الإمامية لم يكن لهم خيار إلاّ اتّباع أهل البيت^، وذلك لعدّة أدلّة، نذكر منها:

 

حديث الثقلين والتمسّك بمرجعية أهل البيت

وهو الحديث الذي رواه الفريقان، وبلغ من الشهرة والذيوع مبلغاً كبيراً، فقد رواه كبار المحدّثين والعلماء، بألفاظ متقاربة وبصيغ متعدّدة، ممّا يدلّ على أنّ النبيّ’ قد تحدّث به في أكثر من مناسبة؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه، بسنده عن زيد بن أرقم، قال:

 «قام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوماً فينا خطيباً، بماءٍ يدعى خُمّاً، بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: أمّا بعد، ألا أيّها الناس... وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله... ثمّ قال: وأهل بيتي؛ أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي»([69]).

وأخرجه الترمذي، بسنده عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم، قالا: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»([70])، وقد صحّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير([71]).

وأخرج قريباً منه، أحمد في مسنده([72])، والنسائي في السنن الكبرى([73])، والحاكم في المستدرك، وقال عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله»([74]).

والحديث مضافاً لوروده في صحيح مسلم وتصحيح الحاكم له, فقد صحّحه عدّة من العلماء كالذهبي, وابن كثير، وابن حجر, والألباني وغيرهم([75]).

بل لا يبعد القول بتواتره؛ لوروده من طرق عديدة جداً وبألفاظ متقاربة عن جمع من الصحابة، قال أبو منذر سامي بن أنور المصري الشافعي: «فحديث العترة، بعد ثبوته من أكثر من ثلاثين طريقاً، وعن سبعة من صحابة سيّدنا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ورضي عنهم، وصحّته التي لا مجال للشكّ فيها، يمكننا أن نقول: أنّه بلغ حدّ التواتر»([76]).

من هم أهل البيت؟

ولكن من هم أهل بيت رسول الله، وعترته، الذين جُعلوا عِدْلاً للقرآن، وجعل التمسّك بهما نجاة من الضلال والهلاك؟

هذا ما أجابت عنه وبيّنته السنّة النبويّة نفسها، فقد أخرج مسلم عن عائشة, قالت: >خرج النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) غداة وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شعر أسود, فجاء الحسن بن علي فأدخله, ثمّ جاء الحسين فدخل معه, ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها, ثمّ جاء عليّ فأدخله, ثمّ قال: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً<([77]).

 وأخرج الترمذي في سننه، عن عمر بن أبي سلمة، قال: «لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): {إنّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} في بيت أمّ سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره، فجلّله بكساء، ثمّ قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، قالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت إلى خير»([78]).

وأخرجه غيره من المحدّثين والعلماء، كالطبري في جامع البيان([79])، والطحاوي في مشكل الآثار([80]).

والحديث له طرق مختلفة، وعن عدّة من الصحابة, ومضافاً لوروده في صحيح مسلم فقد صحّحه الترمذي والحاكم والألباني وغيرهم([81]).

وبضم هذه الأحاديث التي فسّرت معنى أهل البيت ـ بالخمسة أصحاب الكساءـ إلى حديث الثقلين، نحصل على الجواب الواضح للسؤال: من هم أهل بيته؟ فتكون النتيجة التي لا لبس فيها أن أولئك هم العروة الوثقى وسفينة النجاة من الغرق في بحر الضلالات والأهواء.

معنى التمسك بأهل البيت

بما أن التمسّك بأهل البيت هو من المفاهيم البيّنة والواضحة، فلا يعدو أن يكون المعنى هو محبّتهم أوّلاً، والعمل بما يقولون ثانياً.

قال ملاّ عليّ القاري: «والمراد بالأخذ بهم، التمسّك بمحبّتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل بروايتهم، والاعتماد على مقالتهم...»([82]).

وذكر المناوي في فيض القدير ما يشبه هذا المضمون([83]).

وهذا واضح في الدلالة على أن السنّة النبويّة التي كانت صنو القرآن وعدله هي السنّة المأخوذة عن أهل البيت^، بالمعنى الذي فسّرته السنّة.

2ـ حديث السفينة

وهو من الأدلّة المحكمة والواضحة، على لزوم اتّباع طريق أهل البيت^ دون غيرهم، فقد أخرج أحمد بن حنبل، في فضائل الصحابة، بسنده عن حنش الكناني، قال: «سمعت أبا ذرّ يقول، وهو آخذ بباب الكعبة: من عرفني، فأنا من قد عرفني، ومن أنكرني، فأنا أبو ذرّ، سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: ثمّ ألا إن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك»([84]).

وقد أخرجه غيره من الحفّاظ والعلماء، كالطبراني في الكبير والأوسط والصغير([85])، والحاكم في المستدرك، وقال عنه: «حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»([86])، والخطيب البغدادي في تاريخه([87])، وأبو نعيم في حلية الأولياء([88])، وغيرهم من الحفّاظ، فقد أخرجوه عن عدد من الصحابة، كعليّ بن أبي طالب×، وأبي ذرّ الغفاري، وأبي سعيد الخدري، وابن عبّاس، وأنس بن مالك وغيرهم، وبطرق متكثّرة ومتشعّبة، تعطي للحديث قوّة وترفعه إلى درجة الصحّة أو الحسن، قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق: «وجاء من طرق كثيرة يقوّي بعضها بعضاً، مثل: أهل بيتي، وفي رواية: إنّما مثل أهل بيتي، وفي اُخرى: إنّ مثل أهل بيتي، وفي رواية: ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، وفي رواية: من ركبها سلم ومن تركها غرق، وأنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، من دخله غفر له...»([89]).

وقال الحافظ السّخاوي: «وبعض هذه الطرق يقوّي بعضاً»([90]).

ودلالة الحديث لا تحتاج إلى مزيد بيان، في أنّ أهل البيت هم سبل النجاة وأعلام الهداية في بحر الضلالة والغواية، فتشبيههم بسفينة نوح× تارة، وبباب حطّة اُخرى، له أبلغ الدلالة على أنّ الطريق الصحيح للسنّة النبوية من بعد وفاة النبيّ منحصر بهم، فلابدّ من ركوب سفينتهم للوصول إلى السنّة الحقيقية، والنجاة من الغرق في بحر المخالفات.

قال المناوي: «ووجه تشبيههم بالسفينة، أنّ من أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة جدّهم، وأخذ بهدي علمائهم، نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في معادن الطغيان»([91]).

وقال ملاّ عليّ القاري: «(ألا إن مثل أهل بيتي)، بفتح الميم والمثلثة، أي شبّههم (فيكم مثل سفينة نوح)، أي في سببية الخلاص من الهلاك إلى النجاة، (من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك) فكذا من التزم محبّتهم ومتابعتهم نجا في الدارين، وإلاّ فهلك فيهما»([92]).

ولا شكّ أنّ الخلاص والنجاة من الهلاك، وركوب السفينة، لا يتحقّق بمجرّد المحبّة، ما لم يتحقّق معه الأخذ بتعاليمهم وأوامرهم، والرجوع إليهم في اُمور الدين والدنيا، وإلاّ فلا يحصل معنى ركوب السفينة والنجاة من الهلاك والغرق، وهو نفس المعنى المتقدّم في حديث الثقلين، فالحديثان أحدهما يكمّل معنى الآخر.

3ـ حديث النجوم

وهو قول رسول الله: «النجوم أمان لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».

أخرجه أحمد بن حنبل، والطبراني، والحاكم، والروياني وغيرهم([93]).

والحديث صحّحه عدد من العلماء والمحدّثين، منهم: الحاكم في المستدرك، قال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([94])، وقال بصحّته، كذلك، ابن حجر الهيتمي في الصواعق([95])، وحسّنه السيوطي في الجامع الصغير، قال المناوي في شرحه للجامع الصغير: «(عن سلمة بن الأكوع) رمز لحسنه [أي قد حسّنة السيوطي]، ورواه عنه أيضاً الطبراني ومسدّد وابن أبي شيبة بأسانيد ضعيفة، لكن تعدّد طرقه ربّما يصيّره حسناً»([96])، وللحديث ألفاظ اُخرى متقاربة، وروي بطرق متعدّدة يقوّي بعضها بعضاً.

وقد ذكر بعض تلك الطرق، السخاوي في كتابه استجلاب ارتقاء الغرف([97])، والسمهودي في جواهر العقدين([98])، وقال في معرض تعليقه على حديث الثقلين: «إنّ ذلك يُفهِمَ وجودَ مَن يكون أهلاً للتمسّك به مِن أهل البيت والعترة الطاهرة، في كلّ زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتى يتوجّه الحثّ المذكور إلى التمسّك به، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض»([99]).

وهذا الدليل ـ كما ترى ـ له دلالته البيّنة على وجوب التمسّك بأهل البيت^ بوصفهم أماناً لأهل الأرض، أو للأمّة، من الضلال والاختلاف، قال المناوي في فيض القدير: «شبههم بنجوم السماء وهي التي يقع بها الاهتداء، وهي الطوالع والغوارب، والسيّارات والثابتات، فكذلك بهم الاقتداء وبهم الأمان من الهلاك»([100]).

وهذا المعنى الذي تفيده الروايات، يستبطن أن في خلافهم وعدم الاقتباس من نور هدايتهم، التمزّق والتفرّق؛ إذ ليس بعد الهدى إلاّ الضلال، وهذا ما أشارت إليه إحدى الروايات الشريفة، وهي التي أخرجها الحاكم في مستدركه، عن ابن عبّاس، قال: «قال رسول الله’: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب، اختلفوا فصاروا حزب إبليس».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([101]).

4ـ حديث الاثني عشر خليفة

من الحقائق الإسلامية التي لا تخفى على أحد، وإن أراد بعضٌ إخفاءها أو التغافل عنها، هي أنّ عزّة هذا الدين ومنعته الحقيقية تكون متمثّلة باثني عشر خليفة، أو أميراً، بعد النبيّ، وهم الذين يحملون روح الإسلام وتعاليمه الحقيقية، وهذا المعنى قد أفادته أحاديث نبوية كثيرة، حملتها أمّهات كتب المسلمين المعتبرة، فقد أخرج البخاري في صحيحه، بسنده عن جابر بن سمرة، قال: «سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: أنّه قال: كلّهم من قريش»([102]).

وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة، قال: «انطلقت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ومعي أبي، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة، فقال كلمة صمّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش»([103])، وأخرج هذا المعنى بألفاظ متقاربة جدّاً عدد من الحفاظ والعلماء، كأحمد في مسنده([104])، والترمذي([105])، وأبو داود في سننهما([106])، وغيرهم.

إذن فلا سبيل إلى إنكار أصل هذه الحقيقة المسلّمة بعد ورودها في أصحّ الكتب، ولكن المشكلة تكمن في تفسير هذا الحديث، وإيجاد المصداق الحقيقي له، والإنصاف يدعونا إلى القول بأنّ أيّة فرقة من فرق المسلمين، لم توفّق لإعطاء المصداق الحقيقي لهؤلاء الاثني عشر، والذي ينسجم مع عزّة الإسلام، بحيث تشير إلى شخصيّاتهم بوصفهم رمزاً يمثّل عزّة الإسلام، سوى الشيعة الإمامية الذين فسّروا هذا الحديث بالأئمّة الاثني عشر من ذرية رسول الله، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؛ أوّلهم عليّ بن أبي طالب× وآخرهم المهديّ المنتظر×، ويستندون في تفسيرهم هذا إلى أدلّة قويّة ومحكمة، كحديث الثقلين وحديث السفينة وحديث الأمان من الضلال، التي تقدّم الكلام عنها، والتي جاءت صحيحة من طرق أهل السنّة.

هذا، وقد فسَّر الشيعة الإمامية، منعة الدين وعزّته ـ التي لا تتحقّق إلاّ بهؤلاء ـ بالحفاظ على قيمه ومبادئه الأصيلة، وتجسيد تعاليمه والعمل بأوامره ونواهيه، وذلك من خلال اتّباع تلك الصفوة.

كما وأن السيرة الذاتيّة لأهل البيت^، خير شاهد على ما نقول، وليس أدلّ على ذلك من شهادة القاصي والداني لهم بالعلم الغزير، والفضائل الكثيرة، والملاكات العالية، من الإخلاص والتقوى والاستقامة على طريق الحقّ، مع ما كانوا يتمتّعون به من الخُلُق العالي المنقطع النظير.

أهل السنة يختلفون في تفسير حديث: الأئمة اثنا عشر

لم يقدّم علماء أهل السنّة ومحدّثوهم، التفسير الواقعي والحقيقي لهذا الحديث، بعد أن ارتأوا أن يفسّروه بالخلفاء والحكّام والأمراء، الذين تسلّموا مقاليد اُمور الدولة الإسلامية، مفسّرين عزّة الإسلام ومنعته بالإمرة والحكم السلطوي، فجاءت أقوالهم وتأويلاتهم غريبة وبعيدة عن الواقع، وعديمة الحجّة والبيّنة الواضحة، تكتنفها الحيرة والارتباك؛ حيث كانت الأحاديث النبويّة تقطع عليهم وجهتهم، تلك الأحاديث القاضية بأنّ الله بدأ هذا الأمر بنبوّة ورحمة، ثمّ تكون خلافة ثمّ تكون ملكاً عضوضاً وفساداً في الأرض...([107])، وأن «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تكون ملكاً»([108]).

هذا من جهة، ومن جهة اُخرى تحاصرهم سيرة كثير من أولئك الأمراء التي لا تمتّ للإسلام وتعاليمه بصلة، فوقعوا في حيرة من أمرهم، إزاء تفسير هذا الحديث، بخلاف الشيعة الذين كان عدد الاثني عشر عَلَماً وهويّة لهم، فنُعِتوا لأجله بالشيعة الاثني عشرية.

 وإليك أيها القارئ بعض تفسيرات علماء أهل السنّة، لترى بنفسك كيف أنّها كانت عبارة عن فرضيّات ومحتملات يناقض بعضها بعضاً، وممّا يدلّ على كونها كذلك، ما عبّروا به من كلمات، من قبيل: (قيل) أو (الذي يغلب على الظنّ) أو (الله أعلم بمراد نبيّه) أو (الله أعلم) وغير ذلك.

تفاسير بعض علماء أهل السنّة للحديث

أـ ابن عربي لا يرى للحديث معنى

قال ابن العربي، في شرح صحيح الترمذي: «فَعَدَدْنا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) اثني عشر أميراً، فوجدنا أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، والحسن، ومعاوية، ويزيد، ومعاوية بن يزيد، ومروان، وعبد الله بن مروان، والوليد بن عبد الملك، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز...» إلى أن قال: «وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان، وإذا عددنا بالمعنى، كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز، ولم أعلم للحديث معنى، ولعلّه بعض حديث!!»([109]).

ب ـ النووي يرى تفسير الحديث مرتبطاً بعلم الله تعالى

وقال النووي: «وقال القاضي عياض، في جواب القول: أنّه قد ولي أكثر من هذا العدد؟ قال: وهذا اعتراض باطل؛ لأنّه (صلّى الله عليه وسلّم) لم يقل: لا يلي إلاّ اثنا عشر خليفة، وإنّما قال: يلي، وقد ولي هذا العدد، ولا يضرّ كونه وُجِد بعدَهم غيرُهم... ويحتمل أوجهاً اُخرى، والله أعلم بمراد نبيّه»([110]).

ج ـ ابن الجوزي لا يرى أحداً ينطبق عليه الحديث

وكشف ابن الجوزي عن مدى حيرته، التي دعته إلى أن يتّهم الرواة بالتخليط؛ لأنّه لم يجد تفسيراً يقتنع به، حيث قال: «هذا الحديث قد أطلت البحث عنه، وطلبت مظانّه، وسألت عنه، فما رأيت أحداً وقع على المقصود به، وألفاظه مختلفة لا أشكّ أن التخليط فيها من الرواة، وبقيت مدة لا يقع لي فيه شيء، ثمّ وقع لي فيه شيء»([111]).

ثمّ بعد أن أعيته الحيلة اختار العدد من بني أمية، وأيّده بحديث: (تدور رحى الإسلام)؛ ممّا جعل ابن حجر العسقلاني يرفض هذه المحاولة، معلّقاً: «وأمّا محاولة ابن الجوزي الجمع بين حديث تدرو رحى الإسلام وحديث الباب ظاهر التكلّف»([112]).

دـ ابن كثير والسيوطي يريان أن المهدي من الاثني عشر

وهذا ابن كثير يدلو بدلوه، بعد أن يرفض أئمّة الشيعة الاثني عشر، بحجّة أنهم لم يلوا الأمر؛ قال: «لا يشترط أن يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الاُمّة متتابعاً ومتفرّقاً، وقد وُجِد منهم أربعة على الولاء، وهم: أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ (رض)، ثمّ كانت بعدهم فترة، ثمّ وجد منهم من شاء الله، ثمّ قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه الله تعالى، ومنهم المهدي...»([113]).

وواضح، من خلال كلامه، أنّه ليس لديه وضوح حول المصداق الواقعي للعدد، بل يتكلّم رجماً بالغيب، وليس حال السيوطي بأفضل من حال ابن كثير، إذ يقول: «فقد وجد من الاثني عشر خليفة: الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضمّ إليهم المهتدي من العباسيين؛ لأنّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الطّاهر؛ لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران؛ أحدهما المهدي؛ لأنّه من آل بيت محمّد (صلّى الله عليه وسلّم)»([114]).

وقد علّق عليه الأستاذ أبو ريّة بقوله: «ولم يبيّن المنتظر الثاني!! ورحم الله من قال في السيوطي: إنّه حاطب ليل»([115]).

وبعد كلّ هذا، يتبيّن لنا وضوح النظرية الشيعية ونضجها، في تفسيرها لهذا الحديث، وأن تطبيقه الصحيح لا يتّفق إلاّ مع واقع أهل البيت^، وإن فارقتهم الاُمّة وخالفتهم، ولم تهتد بهديهم، كما ورد عن رسول الله أنّه قال: «... اثنا عشر خليفة، كلّهم يعمل بالهدى ودين الحقّ، لا يضرّهم من خذلهم»([116]).

وهذه النظرية تشكّل، مع الأحاديث السابقة التي نقلناها، أطروحة واضحة المعالم، في أنّ أهل البيت ^، هم الامتداد الطبيعي للرسول الأكرم، وهم حملة لواء الشريعة الإسلامية، وسفن النجاة، وسبل الخلاص من الفرقة والاختلاف والأهواء، وهم الأدلاّء على طريق الله، فما خاب عندئذ من تمسّك بهم، وأمن من اتّبعهم ولجأ إليهم، فحقيقة اتّباع أهل البيت^ لم يكن بلا مبرر شرعي، أو أنّه مجرّد اتّباع لذوات أشخاصٍ معيّنين، بل اتباعهم إنّما هو امتثال للسنّة النبويّة، وعمل بهديها، فكيف يعقل بعد هذا القول إن الشيعة تنكر السنّة النبويّة الشريفة؟! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلاّ كذباً.

مناشئ السبب الثاني في اختيار الشيعة لطريق أهل البيت ^

وأمّا السبب الثاني الذي حدا بالشيعة إلى اتّباع أهل البيت واتّخاذهم طريقاً في فهم السنّة والتعبّد بها، ومجانبة الطرق الاُخرى التي سلكها إخوانهم من أهل السنّة، للوصول إلى أحكام وتعاليم النبيّ الأكرم، هو ما تعرّضت له هذه الطرق من ملابسات، واعتراها من مشاكل وصعوبات جمّة، يتعذّر معها الاطمئنان في السير فيها للوصول إلى منبع السنّة الحقيقي، وهذا ليس شقّاً لعصى المسلمين، ولا تفريقاً لصفوفهم والعياذ بالله، وإنما هو طريق الحق الذي لابدّ منه ولا محيصَ عنه، والحقّ أحقّ أن يتّبع، وسنذكر أهمّ ما شاب طرق أهل السنّة من مشاكل وملابسات:

1ـ منع التحديث والتدوين

لقد جوبهت السنّة النبويّة، بعد وفاة الرسول، بالحظر والمنع؛ تحديثاً وتدويناً، واستمر هذا الحظر إلى ما يقرب من قرن من الزمان، بعد أن مات السواد الأعظم من حامليها، وهناك شواهد عديدة على هذا المنع نوردها فيما يلي:

أـ أبو بكر يحض الصحابة على منع التحديث

 ورد في تذكرة الحفّاظ للذهبي، في ترجمة أبي بكر، قال: «إن الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنكم تحدّثون عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه»([117]).

ب ـ عمر يأمر بتقليل الرواية عن النبي

ومنع أيضاً عمر بن الخطّاب وفد الصحابة، الذين أرسلهم إلى الكوفة، من الرواية عن رسول الله’، قال: «... فأقلّوا الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ثمّ أنا شريككم»([118])، وأخرج هذا الحديث، الحاكم في مستدركه وأضاف في ذيله: «فلمّا قدم قرظة، قالوا: حدِّثنا، قال: نهانا ابن الخطّاب»، وقال عنه الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، له طرق تجمع ويذاكر بها، وقرظة بن كعب الأنصاري صحابي سمع من رسول الله’»([119]).

ج ـ عمر بن الخطاب يحبس بعض الصحابة الذين أكثروا الرواية

أورد الذهبي، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: «أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله»([120])، وكذلك نهى عمر بن الخطّاب كبار الصحابة، عن نشر حديث رسول الله، فقد أخرج ابن عساكر، عن السائب بن يزيد، قال: «سمعت عمر بن الخطّاب يقول لأبي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أو لألحقنّك بأرض دوس، وقال لكعب الأحبار: لتتركنّ الحديث عن الأول أو لألحقنّك بأرض القردة»([121]).

قال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه على سير أعلام النبلاء: >وهذا إسناد صحيح<([122]).

دـ أبو بكر وعمر يأمران بإحراق الأحاديث

ولم يختلف الحال في رواية الحديث عنه في مجال تدوينه، فقد كان الموقف شديداً إزاءه، فقد مُنِع تدوين الحديث منعاً باتّاً، بل امتدّ الأمر إلى حرق وإتلاف ما كُتِب من الأحاديث الشريفة، قالت عائشة: «جمع أبي الحديث عن رسول الله، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً، قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلمّا أصبح قال: أي بنيّة، هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها»([123]).

وأخرج ابن سعد في الطبقات، عن عبد الله بن العلاء، قال: «سألت القاسم يملي عليّ أحاديث، فقال: إنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطّاب، فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلمّا أتوه بها أمر بتحريقها، ثمّ قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب»([124]).

هـ ـ عمر يكتب إلى الأمصار بوجوب إمحاء السنّة

لم يكتف الخليفة عمر بحرق وإتلاف ما كان موجوداً في عاصمة الخلافة الإسلامية، وإنما صدرت الأوامر بإتلاف جميع الأحاديث الموجودة في الأمصار الإسلامية، فقد روى سفيان بن عيينة، عن عروة، عن يحيى بن جعدة، قال: «إنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنّة، ثمّ بدا له أن لا يكتبها، ثمّ كتب إلى الأمصار: من كان عنده منها شيء فليمحه»([125]).

وبغضّ النظر عن الأسباب والمبرّرات التي دعت إلى هذا المنع، فإن الذي يهمّنا من ذلك هو التنبيه على حقيقة لابدّ لنا من التنبيه عليها، وهي أنّ السنّة النبويّة التي كانت موجودة في أيدي المسلمين لم تدوّن، ولم يتحدث بها بشكل واسع، حتى رحل الصحابة وجلّ التابعين، يقول الأستاذ محمود أبو ريّة: «وقد ظلّ الأمر في رواية الحديث على ما ذكرنا، تفعل فيه الذاكرة ما تفعل، لا يكتب ولا يدّون طوال عهد الصحابة، وصدراً كبيراً من عهد التابعين، إلى أن حدث التدوين ـ على ما قالوا ـ في آخر عهد التابعين»([126]).

وقال محمّد أبو زهو: «كاد القرن الأوّل ينتهي ولم يصدر أحد من الخلفاء أمره إلى العلماء بجمع الحديث؛ بل تركوه موكولاً إلى حفظهم... ومرور هذا الزمن الطويل كفيل بأن يذهب بكثير من حملة الحديث من الصحابة والتابعين»([127]).

وقال أيضاً: «وقد تتابع الخلفاء على سنّة عمر (رضي الله عنه)، فلم يشأ أحدهم أن يدوّن السنن، ولا أن يأمر الناس بذلك، حتى جاء عمر بن عبد العزيز»([128]).

وهذا الأمر، بلا شكّ، سوف يبقي الباب مفتوحاً على جميع الاحتمالات من الوضع والدسّ والضياع وغير ذلك.

2ـ تعرض السنة للتغيير والتبديل

لقد وردت عدّة روايات، تشير إلى أن السنّة النبويّة قد تعرّضت للتبديل والتغيير بعد وفاة صاحبها، وهذا ما أخبر به النبيّ، فقد أخرج البخاري في صحيحه، بسنده عن أبي حازم، قال: «سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: أنا فرطكم على الحوض، فمن ورده شَرِبَ منه، ومن شَرِبَ منه لم يظمأ بعده أبداً، لَيَرِدَ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثمّ يحال بيني وبينهم، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدّثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري، لسَمِعْتُه يزيد فيه، قال: إنهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي»([129]).

وروى الشافعي في كتابه الأمّ عن وهب بن كيسان، قال: «كلّ سنن رسول اللّه قد غيّرت حتى الصلاة»([130]).

وروى البخاري في صحيحه، عن الزهري، قال: «دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت، إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيّعت»([131]).

وروى الإمام مالك بن أنس، عن عمّه أبي سهل بن مالك، عن أبيه أنّه قال: «ما أعرف شيئاً ممّا أدركت الناس عليه، قال الباجي: يريد الصحابة، إلاّ النداء بالصلاة، قال الباجي: يريد أنّه باقٍ على ما كان عليه، لم يدخله تغيير ولا تبديل، بخلاف الصلاة، فقد أخّرت عن أوقاتها، وسائر الأعمال دخلها التغيير»([132]).

واستثنى الحسن البصري القبلة فقط بقوله: «لو خرج عليكم أصحاب رسول اللّه، ما عَرَفوا منكم إلاّ قبلتكم»([133]).

وأخرج البخاري في صحيحه، عن عمران بن حصين، أنّه «صلّى مع عليّ (رضي الله عنه) بالبصرة، فقال([134]): ذكّرنا هذا الرجل صلاةً كنا نصليها مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فذكر أنّه كان يكبّر كلّما رفع وكلّما وضع»([135]).

وكذا أخرج في صحيحه أيضاً بسنده عن العلاء بن المسيّب، عن أبيه، أنّه قال: «لقيت البراء بن عازب (رضي الله عنهما)، فقلت: طوبى لك، صحبت النبيّ وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا بن أخي، إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده»([136]).

ولا شكّ أنّ معنى الإحداث في السنّة والتبديل فيها، تغيير ما أسّسه النبيّ من أحكام شرعية وغيرها.

وهذا المعنى واضح، يدلّ عليه ما ذكرناه من الشواهد وغيرها التي تبيّن أن هناك تغييراً قد حصل في سنّة النبيّ وأحكامه بعد وفاته، وهذا بدوره يزرع بذور الشكّ في هذا الطريق الذي يُدّعى أنّه الأسلم في الوصول إلى السنّة النبويّة.

3ـ اختلاف الصحابة في رواية السنة وفهمها

إنّ الصحابة الذين يُعدّون القناة الناقلة للسنّة النبويّة، لم يكونوا في الواقع على مستوى واحد، في الفهم والإدراك والإيمان والصحبة، فتسبّب ذلك في حصول كثير من الخلافات بين الصحابة أنفسهم، سواء على مستوى نقل الرواية أم فهمها، وأشار لهذا المعنى البخاري، عن أبي موسى، عن النبيّ، قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضاً، فكان منها نقيّة([137]) قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة اُخرى، إنّما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً»([138]).

اعتراض الصحابة بعضهم على بعض

وقد سجلّت لنا كتب الحديث والتاريخ، حصول الخلافات والانتقادات لبعضهم بعضاً، فكثيراً ما كان الصحابي ينقل حديثاً فيعترض عليه صحابي آخر، وينتقده في صحّة سمعه أو فهمه، فقد روى البخاري أنّ عمر بن الخطّاب كان ينقل عن رسول الله قوله: «إن الميّت ليعذب ببكاء أهله عليه»([139])، ونقل ابن عباس ذلك الكلام لعائشة (رضي الله عنها)، فقالت: «رحم الله عمر، والله ما حدّث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إنّ الله ليعذّب المؤمن ببعض بكاء أهله عليه، لكن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخرى}»([140]).

وقد أنكر الصحابة على أبي هريرة بعض مروياته، إلى حدّ الاتّهام، قال ابن قتيبة: «فلمّا أتى ـ أبو هريرة ـ من الرواية عنه (صلّى الله عليه وسلّم)، ما لم يأت بمثله مَنْ صَحِبَهُ مِن جلّة أصحابه، والسابقين الأوّلين إليه، اتّهموه، وأنكروا عليه، وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟! ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة (رض) أشدّهم إنكاراً عليه، لتطاول الأيام بها وبه»([141]).

هذا، وقد جمع الإمام الزركشي كتاباً قيّماً فيما استدركته عائشة على الصحابة، سمّاه: (الإصابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة).

4ـ قلة اهتمام الصحابة بالرواية عن رسول الله

ثمّ إنّ الصحابة لم يحضروا مجالس رسول الله جميعهم، ولم يصحبوه في جميع حلّه وترحاله، وإنما كانت لكثير منهم انشغالاتهم واهتماماتهم، مضافاً لانصرافهم إلى تأمين عيشهم في العمل بالتجارة وغيرها.

فقد أخرج البخاري في صحيحه، بإسناده عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال: «إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً ـ ثمّ يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {الرَّحِيمُ} ـ إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون»([142]).

كذلك روى ابن سعد، في طبقاته: «قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدّث عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) حديثاً ما سمعته منه، فقال أبو هريرة: يا أمه، طلبتُها وشَغَلكِ عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء»([143]).

وكذلك ما نقل عن عمر بن الخطاب، في حديث الاستئذان، حينما جهل صدور الحديث، قال: «أخَفيَ هذا علَيَّ من أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟! ألهاني الصفق بالأسواق»([144])، وغير ذلك من الشواهد.

5ـ جهل بعض الصحابة بالسنة النبوية

لم يكن الصحابة قد بلغوا رتبةً من العلم يستطيعون بها معرفة جميع ما جاء به النبيّ، بل إن كثيراً منهم قد كان جاهلاً بأحكام واضحة، حتى أن ذلك الجهل لم يخل منه كبار الصحابة، أمثال عمر وأبي بكر، فها هو الخليفة أبو بكر يعترف بجهله بحكم ميراث الجدّة، مدّعياً أنّه ليس لها شيء في كتاب الله، ولا يعلم ذلك في سنّة نبيّه، ثمّ يرجعها حتى يسأل الناس، روى ذلك ابن أبي داود في سننه، وكذلك رواه غيره، عن قبيصة بن ذؤيب، أنّه قال: «جاءت الجدّة إلى أبي بكر الصدّيق تسأله ميراثها، فقال: ما لكِ في كتاب الله تعالى شيء، وما علمتُ لك في سنّة نبيّ الله (صلّى الله عليه وسلّم) شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؛ أعطاها السدس...»([145]).

كما أنّه قد روي عن عمر بن الخطّاب جهله بحديث الاستئذان ثلاثاً، حتى أعلمه به صغار الصحابة، فقد أخرج البخاري بسنده عن عبيد بن عمير: «أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه)، فلم يؤذن له، وكأنه كان مشغولاً، فرجع أبو موسى؛ ففرغ عمر، فقال: ألمْ أسمع صوت عبد الله بن قيس؟! ائذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه، فقال: كنّا نؤمر بذلك، فقال: تأتيني على ذلك بالبيّنة، فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلاّ أصغرنا، أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: أخَفِيَ علَيَّ هذا من أمر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ؟ ألهاني الصفق بالأسواق»([146]).

وكذلك جهله بحكم التيمّم في الشريعة الإسلامية، حتى أخبره الصحابي عمّار بن ياسر بذلك، ففي صحيح مسلم: «عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه، أنّ رجلاً أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصلِّ، فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين، إذ أنا وأنت في سريّة، فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأمّا أنت فلم تصلّ، وأمّا أنا فتمعّكت في التراب وصليت، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثمّ تنفخ، ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيك؟! فقال عمر: اتّق الله يا عمّار، قال: إن شئت لم أحدّث به»([147]).

وقد طال الجهل والخلط حتى كبار المحدّثين، أمثال أبي هريرة، فقد روي عن شعبة أنّه قال: «أبو هريرة كان يدلّس: أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ولا يميّز هذا من هذا»([148]).

وقد لا يكون الجهل ناشئاً من عدم علم الصحابي بأصل الحكم، بل يمكن أن يكون عالماً بالحكم لكن كان حكماً منسوخاً؛ لكونه لم يسمع الناسخ، فيجهل بسبب ذلك حقيقة الحكم الواقعي، وربّما سمع آخر المطلق ولم يسمع المقيّد، فيعلم بالمطلق فقط، وإلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين عليّ× عندما سئل عن أحاديث البدع، وعمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر: «إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً ـ إلى أن يقول ـ : ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) شيئاً يأمر به، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه»([149]).

وكذلك، ربّما سمع صدر الحديث ولم يسمع ذيله، فقد روى ابن الجوزي، قال: «إن الزبير بن العوّام سمع رجلاً يحدّث عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فاستمع له الزبير حتى إذا قضى الرجل حديثه، قال له الزبير: أنت سمعت هذا من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟ قال: نعم، قال: هذا وأشباهه، يمنعنا أن نحدّث عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، قد لعمري سمعت هذا من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأنا يومئذٍ حاضر، ولكن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ابتدأ بهذا الحديث، فحدّثناه عن رجل من أهل الكتاب حدّثه إيّاه، فجئت أنت يومئذٍ بعد انقضاء صدر الحديث، وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب، فظننت أنّه من حديث رسول الله»([150]).

وهذه الاشتباهات كانت سائدة في مجتمع الصحابة والتابعين الذين نقلوا السنّة النبويّة، قال بسر بن سعيد: «اتّقوا الله وتحفّظوا في الحديث، فوالله، لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة؛ فيحدّث عن رسول الله ويحدّثنا عن كعب، ثمّ يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله»([151]).

ولهذا قال الصحابي عمران بن حصين: «والله، إن كنت لأرى أنّي لو شئت لحدّثت عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يومين متتابعين، ولكن بطّأني عن ذلك أنّ رجالاً من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) سمعوا كما سمعت وشهدوا كما شهدت، ويحدّثون أحاديث ما هي كما يقولون، وأخاف أن يشبّه لي كما شبّه لهم، فأعلمك أنّهم كانوا يغلطون، لا أنهم كانوا يتعمّدون»([152]).

هذا كلّه، مضافاً لما حلّ بمجتمع الصحابة بعد وفاة الرسول’، من فتن وخلافات وتناحرات وحروب ونزاعات، مع وجود المنافقين والأعداء؛ ممّا ألقى بظلاله على حديث رسول الله وسنّته، سيّما وأنّ الأحاديث تعتبر من الأسلحة المهمّة التي كان يستخدمها الصحابة ضدّ بعضهم بعضاً، وهذا ممّا لا ينكره أحد، وهو ما دعا الحافظ أبو يعلى إلى القول: «واعلم أن الدين العتيق: ما كان من وفاة رسول الله إلى قتل عثمان بن عفان، وكان قتله أولّ الفرقة وأوّل الاختلاف، فتحاربت الاُمّة وافترقت، واتّبعت الطمع والهوى والميل إلى الدنيا»([153]).

وهذا أيضاً ما قرَّره العلاَّمة سعد الدين التفتازاني، المُتكلّم الاُصولي الشهير، في كتابه شرح المقاصد([154])، قال: «إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات، على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحقّ، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة»([155]).

ثمّ يقول: «ليس كلّ من لقي النبيّ بالخير موسوماً، إلاّ أنّ العلماء، لحسن ظنّهم بأصحاب رسول اللّه، ذكروا لها محامل، وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم محدودون عمّا يوجب التضليل والتفسيق؛ صوناً لعقائد المسلمين عن الزلل والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيّما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار»([156]).

6 ـ تدوين الحديث في زمن بني أميّة وما رافقه من آثار خطيرة

إنّ ظاهرة منع وحظر تدوين الحديث، لم تساهم في جعل السنّة النبويّة حبيسة الصدور، ورهناً لاجتهادات المجتهدين وفهم المحدّثين فحسب، بل خلقت في الذهنية العامّة للمسلمين شعوراً بعدم أرجحية الكتابة، وكراهية التدوين، فكانوا يتحرّجون من الكتابة، بعد أن كانت سنّة من كان قبلهم من الصحابة هي عدم الكتابة والتدوين، فقد حدث معمر عن الزهري، قال: «كنّا نكره كتاب العلم، حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء»([157]).

وقال الزهري: «استكتبني الملوك، فأكتبتهم، فاستحييت الله إذ كتبها الملوك ألاّ أكتبها لغيرهم»([158]).

وهكذا بقيت السنّة النبويّة، لم تخرج إلى حيز الوجود الكتبي، حتى ذهب القرن الأوّل من الصحابة وجلّ التابعين، وانقضت فترة ما يسمّى بالخلافة الراشدة، ثمّ جاءت الدولة الأموية بكلّ ما تحمله من سياسات خاصّة، لتتولى عملية التدوين، الذي ترعرع في كنفها، حيث أصدر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، أول أمر رسمي بتدوين الحديث، فكتب إلى الآفاق يقول: «انظروا حديث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فاجمعوه»([159]). ومن الذين كاتبهم بهذا الأمر، أبو بكر بن حزم([160])، وابن شهاب الزهري([161])، وربّما تأخّر التدوين إلى ما بعد وفاة عمر بن عبد العزيز؛ لأنّه لا توجد شواهد تاريخية تثبت أن الأمر قد نفّذ في حياة عمر بن عبد العزيز([162]).

وعلى كلّ التقادير، فإنّ الدولة الأموية هي أوّل من تولّى أمر هذا التدوين، وفي أجوائها تشكّلت بنية الأحاديث، تلك الاحاديث التي قد أقصي عنها أهل البيت^، وفي طليعتهم الامام عليّ×.

وغير خافٍ أن سبب الإقصاء، هو أنّها ترى أحقيتهم في قيادة الاُمّة، لذا عملت بكل الوسائل على إبعادهم، وخصوصاً عليّ بن أبي طالب×، الذي تعرّض لحملة شعواء من قبل بني أميّة، وعلى رأسهم معاوية، فحوربت فضائله، وقُتّل أصحابه وشُرّع سبُّه على المنابر، حتى صار سنّةً متّبعة، هذا ما تناقلته كتب المسلمين؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه، بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب...»([163]). وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً، بسنده عن سهل بن سعد، أنّه قال: «استعمل على المدينة رجل من آل مروان ـ قال ـ فدعا سهل بن سعد، فأمره أن يشتم عليّاً ـ قال ـ فأبى سهل، فقال له: أمّا إذ أبيت، فقل: لعن الله أبا التراب...»([164]).

بل وصل الحد إلى أنّ يسبّ علي× من على سبعين ألف منبر، بأمرٍ من معاوية، كما نقل ذلك السيوطي، قال: «كان في أيّام بني أميّة، أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها عليّ بن أبي طالب بما سنّه لهم معاوية»([165]).

هذا، ولم تكتف الدولة الأموية بالسبّ والشتم والإقصاء والتضييق على أهل البيت^، بل امتدّت يدها لتصفيتهم جسدياً وانتهاك حرماتهم، كما حصل في واقعة كربلاء، وهي الجريمة الغنية عن التعريف، فكيف يمكن والحال هذه، أن تسمح الدولة الأموية بأن تُكتَب الأحاديث النبوية التي لا تتماشى وسياستها، وهي لا تتورّع في ارتكاب أيِّ شيءٍ ضدّ من يهدّد كيانها ووجودها؟!

ولهذا فقد طمست كثير من الآثار النبويّة، وحرّفت الأحاديث التي تبيّن مكانة أهل البيت^ ومرجعيّتهم الشرعيّة، وأهليّتهم لقيادة هذه الاُمّة، وهذا واضح في كثير من الروايات التي تؤكّد هذا المعنى.

فقد روى الخطيب البغدادي، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: «جاء علقمة بكتاب من مكّة أو اليمن، صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت، بيت النبيّ صلى الله عليه، فاستأذنّا على عبد الله، فدخلنا عليه، قال: فدفعنا إليه الصحيفة، قال: فدعا الجارية، ثمّ دعا بطست فيها ماء، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن انظر فيها، فإنّ فيها أحاديث حساناً، قال: فجعل يميثها فيها([166])»([167]).

بل وصل الأمر إلى درجة أنّ ذكر اسم عليّ× والتفوّه به، يعدّ جريمة كبرى، فكان العلماء والمحدّثون، بل حتى بعض كبار التابعين، لا يجرؤون على ذكر اسمه×.

فقد أخرج المزيّ في تهذيب الكمال، بسنده عن يونس بن عبيد، قال: «سألت الحسن([168]) قلت: يا أبا سعيد، إنك تقول: قال رسول الله، وإنك لم تدركه؟ قال: يا بن أخي، لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك، إني في زمان كما ترى ـ وكان في عمل الحجاج ـ كلّ شيء سمعتني أقول: قال رسول الله’، فهو عن علي بن أبي طالب×، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليّاً»([169]).

وجاء في مناقب أبي حنيفة، للموفّق الخوارزمي، أنّه لمّا دعي أبو حنيفة ليسأل عن مسألة فقهية، من قبل أحد الأمويّين، قال أبو حنيفة: «فاسترجعت في نفسي وقلت: أول ما دعيت وسئلت وأنا أقول فيها بقول علي رضي الله عنه، وبه أدين الله تعالى، فكيف أصنع؟ ثمّ عزمت أن أصدِقَهُ وأفتيه بالذي أدين الله به، وذلك أن بني أميّة كانوا لا يفتون بقول عليّ ولا يأخذون به<، ثم قال المصنف: >وكان عليّ لا يُذكر في ذلك العصر باسمه، والعلامة عنه بين المشايخ: أن يقولوا: قال الشيخ كذا، وكان الحسن البصري يقول فيه: أخبرنا أبو زينب»([170]).

وقد كان الحسن البصري، رغم قربه من الدولة، وعظيم منزلته في المجتمع، إذا أراد أن يحدّث عن عليّ× يقول: قال أبو زينب، ويظهر الابتعاد عن عليّ×، حتى ظهر منه ما يوجب الإنكار عليه، فقال له أبان بن عياش: «ما هذا الذي يقال عنك أنك قلته في عليّ؟! فقال: يا بن أخي، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة ـ يعني بني أميّة ـ لولا ذلك لسالت بي أعشب»([171]).

وعن الشعبي شيخ المحدّثين في العراق، قال: «ما لقينا من آل أبي طالب؟! إن أحببناهم قتلونا، وإن أبغضناهم أدخلونا النار»([172]).

ولم يقف ذلك عند الخوف من ذكر اسم عليّ، بل امتنعوا عن أن يسمّوا أبناءهم باسمه، ويتعرّض للبلاء كلّ من سمّى ابنه عليّاً.

قال ابن حجر، في ترجمة عليّ بن رباح: «وقال الليث: قال عليّ بن رباح: لا أجعل في حلٍّ من سمّاني عليّ([173]) فإن اسمي عُلَي([174]). وقال المقري: كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود اسمه عليّ قتلوه»([175]).

نتائج وآثار تأخير تدوين الحديث إلى زمن بني أميّة

ولعل هذا السبب من أهم الأسباب التي جعلت طريق أهل السنة طريقاً موعراً لا يمكن الركون إليه والإطمئنان به؛ بسبب مجموعة من النتائج الخطيرة التي ترتبت عليه، منها:

أـ ترك علوم علي وأهل البيت

نتيجة لما تقدم، فقد حرم المسلمون من علوم علي وأهل البيت^، وتركوا وصيّة رسول الله بالتمسّك بهم وركوب سفينتهم، وتركوا حديث النبيّ بأنّه مدينة العلم وعليّ بابها، وهذا ما يقرّره لنا ابن تيمية، حيث يقول: «فليس في الأئمّة الأربعة، ولا غيرهم من أئمّة الفقهاء، من يرجع إليه [يعني عليّاً] في فقهه»([176])، فخلت حينئذٍ كتب أهل السنّة عن روايات أهل البيت، إلاّ النزر اليسير الذي لا يوازي ما قاله رسول الله في حقّهم وشدّد عليه، قال ابن تيمية: «فهذا موطأ مالك ليس فيه عنه [يعني عليّاً] ولا عن أحد أولاده إلاّ قليل جدّاً، وجمهور ما فيه عن غيرهم، فيه عن جعفر تسعة أحاديث... وكذلك الأحاديث التي من الصحاح والسنن والمساند منها قليل عن ولده، وجمهور ما فيها عن غيرهم»([177]).

ب ـ الاحتجاج بالنواصب وترك روايات الإمام الصادق

بينما نجد في المقابل أنّ علماء أهل السنّة ومحدّثيهم قد احتجّوا بروايات أعداء أهل البيت^ والنواصب، فهذا البخاري، وهو واضع أصحّ الكتب عندهم، لم يحتجّ بجعفر الصادق×، بينما نجده قد خرّج للنواصب وغيرهم، فقد قال الذهبي في ترجمة عليّ بن هشام: «ترك البخاري إخراج حديثه، فإنّه يتجنّب الرافضة كثيراً، كأنه يخاف من تديّنهم بالتقيّة، ولا نراه يتجنّب القدريّة ولا الخوارج ولا الجهميّة»([178]).

ومن الأمثلة على احتجاجه بالنواصب:

1ـ عكرمة القرشي المتوفّى سنة 105هـ.

روى له البخاري، وهو مولى ابن عباس، واشتهر بالكذب والبدعة وسوء الرأي؛ إذ كان يرى رأي الخوارج.

قال جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، قال: «دخلت على عليّ ابن عبد الله بن عبّاس، وعكرمة مقيّد على باب الحشّ([179])، قال: قلت: ما لهذا كذا، قال: إنّه يكذب على أبي»([180]).

وقال أبو خلف، عبد الله بن عيسى الخزّاز، عن يحيى البكّاء، قال: «سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتّق الله، ويحك لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس»([181]).

وقال مصعب الزبيري: «كان عكرمة يرى رأي الخوارج، قال: وادّعى على ابن عبّاس أنّه كان يرى رأي الخوارج»([182]).

2ـ حريز بن عثمان الشاميّ المتوفّى سنة 163هـ.

روى له البخاري، وهو معروف ببغضه لعليّ×.

قال ابن حجر، عن إسماعيل بن عياش أنّه قال: «سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أنّه قال لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى حقّ، ولكن أخطأ السامع، قلت: فما هو؟ فقال: إنّما هو: أنت منّي بمنزلة قارون من موسى، قلت عمّن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر»([183]).

وكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليّاً سبعين مرّة.

قال ابن حجر: «قال ابن حبّان: كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرّة، وبالعشيّ سبعين مرّة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي، وكان داعية إلى مذهبه»([184]).

3ـ عمران بن حطان الخارجي، المتوفّى سنة 84 هـ

روى له البخاري، وكان خارجيّاً، بل من رؤوس الخوارج.

قال ابن حجر: «من رؤوس الخوارج... وطعن العقيلي في روايته فقال: عمران بن حطّان لا يتابع في حديثه... وممّن عاب على البخاري إخراج حديثه، الدارقطني، فقال: عمران متروك لسوء اعتقاده وخبث مذهبه»([185]).

وقال ابن حجر: «وكان عمران داعية إلى مذهبه»([186]).

وقال الحافظ التهانوي، في ردهّ على البخاري لمّا أعرض عن ذكر أبي حنيفة في صحيحه، والإشارة إليه بقوله: «بعض الناس» قال: «فما يضرّ أبا حنيفة ومحمد ابن الحسن والشافعي رحمهم الله إعراض البخاري عن الرواية عنهم، وقد أعرض عن بعض أئمّة أهل البيت في صحيحه، كالإمام جعفر بن محمّد الصادق، وأخرج فيه لعمرو بن عبيد، شيخ المعتزلة، ولم يسمّه، وأخرج لعمران بن حطّان، رأس الخوارج، الذي أثنى على ابن ملجم الشقيّ في قتله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب×:

واضربةً مِنْ تقيّ([187]) ما أرادَ بها

 

إلاّ ليبلغَ عِندَ الله رضوانا

إني لأذكره يوماً فأحسبه

 

أوفى البريّة عند الله ميزانا

إلى آخر ما هذى وهذر وافترى، فأخزى الله قائل هذه الأبيات وقبّحه ولعنه، ما أجرأه على الله»([188]).

فكيف تطيب نفوسنا وتطمئنّ قلوبنا بالأخذ بهذه الأحاديث النبوية، وجعلها مستنداً لأحكامنا وديننا؟!

ج ـ شيوع ظاهرة الوضع وكثرة الفرق والبدع

هذا، مضافاً إلى شيوع ظاهرة الكذب والدسّ والوضع، التي كانت الأسباب الآنفة الذكر من العوامل التي ساعدت على شيوعها، ناهيك عن كثرة الفرق والمذاهب والبدع التي ظهرت في فترة التدوين، والتي كانت من أهمّ أسلحتها هي وضع الأحاديث النبوية لتسويق أفكارها وعقائدها، وقد حكى القاضي عبد الله بن عيسى بن لهيعة، عن شيخ من الخوارج، أنّه سمعه يقول بعدما تاب: «إنّ هذه الأحاديث دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فإنّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً»([189]).

ثمّ قال ابن حجر، تعليقاً على هذا الأمر: «وهذه والله قاصمة الظهر للمحتجّين بالمراسيل؛ إذ بدعة الخوارج كانت في صدر الإسلام والصحابة متوافرون، ثمّ في عصر التابعين فمن بعدهم، وهؤلاء كانوا إذا استحسنوا أمراً جعلوه حديثاً»([190]).

وهذا السبب هو نفسه الذي جعل البخاري ـ كما ادعى ــ يترك مئات الآلاف من الأحاديث، حيث يقول: «أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح»([191]).

7ـ الإسرائيليات في كتب أهل السنة

لم تكن السنّة النبويّة بمعزل عن آفة اُخرى لا تقل خطورة عن كثير من الآفات التي أصابتها، وهي تسرّب كثير من الأفكار والمعتقدات اليهودية إليها واندماجها بها، والتي سمّيت بالإسرائيليات في التراث الإسلامي، ولعلّ من أهم الأسباب التي ساهمت في دخول الإسرائيليات ونفوذها إلى التراث الإسلامي، هو طبيعة اليهود في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، حيث كان اليهود أمّة تتمتّع بمكانة مرموقة على صعيد المعرفة الدينية والتعاليم الإلهية؛ لكونهم أهل كتاب ودين سماوي، ولذا امتازوا بهيبتهم وهيمنتهم على العرب آنذاك في هذا الجانب، لاسيّما وأن العرب كانت تتفشّى فيهم الأميّة، وكانت الغالبية العظمى منهم لا يجيدون القراءة والكتابة، فمن البدَهي أن يرجع العرب ـ قبل الإسلام ـ إلى اليهود في كثير من القضايا والمسائل المرتبطة بالدين وأخبار بدء الخليقة، وفي تعليل بعض الظواهر الكونية مثل الرعد والبرق والخسوف والكسوف، وبرودة مياه الآبار في الصيف، وحرارتها في الشتاء، وما إلى ذلك.

قال ابن خلدون، معلّلاً سبب انتشار بعض هذه الإسرائيليّات في كتب التفسير: «إن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأميّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتشوّق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى»([192]).

وبعد مجيء الإسلام، دخل العديد من أولئك اليهود في الدين الجديد، أمثال كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، من الذين أصبحت لهم مكانتهم الكبيرة بين الصحابة، ولهم حظوة عند العديد منهم، فكانت كلمتهم تجد لها آذاناً صاغية، ورأيهم مستحسناً ومحترماً عند ثلّة لا يُستهان بها من الصحابة، فسرّبوا، عن قصد أو غير قصد، بعض الأفكار والآراء التي ورثوها من ديانتهم السابقة، فتناقلها الصحابة ومن جاء بعدهم، لتستقرّ في نهاية المطاف في كتب الحديث والتفسير والتاريخ وغيرها.

قال الشيخ محمّد رشيد رضا: «إن كعب الأحبار، كان من زنادقة اليهود الذين أظهروا الإسلام والعبادة، لتقبل أقوالهم في الدين، وقد راجت دسائسه وانخدع به بعض الصحابة، فرووا عنه وتناقلوا مرويّاته بدون إسناد إليه، حتى ظنّ بعض التابعين، ومن بعدهم أنّها ممّا سمعوه من النبيّ»([193]).

وأضاف أيضاً: «وإنّ شرّ رواة هذه الإسرائيليات، وأشدّهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين: وهب بن منبه وكعب الأحبار، فلا تجد خرافة دخلت كتب التفسير والتاريخ الإسلامي، في اُمور الخلق والتكوين والأنبياء وأقوالهم، والفتن والساعة والآخرة، إلاّ منهما مضرب المثل»([194]).

كتب الصحاح لم تخل من الخرافات والاسرائيليات

وليس جزافاً حين ندّعي أن كتب الصحاح المعتمدة في التراث السنّي، لم تسلم من الاسرائيليّات، فهناك العديد من الشواهد تدعم هذا الادّعاء، وعلى سبيل المثال ما رواه مسلم في صحيحه، بسنده عن أبي هريرة، أنّه قال: «أخذ رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم) بيدي، فقال: خلق اللّه عزّ وجلّ التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدوابّ يوم الخميس، وخلق آدم× بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق، وفي آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل»([195]).

وهذا الحديث يتضمّن خلق الأرض فقط في سبعة أيّام، مع أنّ الله تعالى يقول: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}([196]).

وقال ابن كثير: «وقد تكلّم عليه عليّ بن المديني والبخاري، وغير واحدٍ من الحفّاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأنّ أبا هريرة إنّما سمعه من كلام كعب الأحبار وإنّما اشتبه على بعض الرواة، فجعلوه مرفوعاً، وقد حرّر ذلك البيهقي»([197]).

ابن كثير يشخص الكثير من الاسرائيليات المنقولة عن كعب

وقد شخّص ابن كثير، العديد من الإسرائيليّات التي عجّت بها كتب التفاسير السنّية، واتّهم كعب الأحبار ببثّها، فقال بعد أن نقل رواية عن ابن عمر عن النبيّ’ عن هاروت وماروت: «وأقرب ما يكون في هذا أنّه من رواية عبد اللّه بن عمر، عن كعب الأحبار لا عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([198]).

وقال فيما نقل عن كعب، من أن اللّه لمّا كلّم موسى، كلّمه بالألسنة كلّها، سوى كلامه، فقال موسى: يا رب هذا كلامك؟ قال: لا، ولو كلّمتك بكلامي لم تستقم له، قال: يا ربِّ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأشدّ خلقي شبهاً بكلامي أشدّ ما تسمعون من الصواعق، قال ابن كثير: «فهذا موقوف على كعب الأحبار، وهو يحكي عن الكتب المتقدمّة المشتملة على أخبار بني إسرائيل، وفيها الغثّ والسمين»([199]).

ونقل ابن كثير أيضاً، عن ابن أبي هلال: «أنّ معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إنّ ذا القرنين كان يربط خيله بالثريّا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك، فإنّ اللّه قال: وآتيناه من كلّ شيء سبباً»([200]).

وقد عقّب ابن كثير بقوله: «هذا الذي أنكره معاوية (رضي الله عنه) على كعب الأحبار هو الصواب، والحقّ مع معاوية في ذلك الإنكار، فإنّ معاوية كان يقول عن كعب: إن كنّا لنبلو عليه الكذب، يعني فيما ينقله لا أنّه كان يتعمّد نقل ما ليس في صُحُفه، ولكن الشأن في صحفه أنّها من الإسرائيليات التي غالبها مبدّل مصحّف محرّف مختلق...»([201]).

وقال ابن كثير تحت فصل: في ذكر الآثار الواردة عن السلف، في أنّ الذبيح من هو؟ بعد أن نقل عن أبي هريرة عن كعب الأحبار، أنّه قال: هو إسحاق عليه الصلاة والسلام، قال: «وهذه الأقوال ـ واللّه أعلم ـ كلّها مأخوذة عن كعب الأحبار، فإنّه لمّا أسلم في الدولة العمرية، جعل يحدّث عمر (رضي اللّه عنه)، عن كتبه قديماً، فربّما استمع له عمر (رضي اللّه عنه)، فترخّص الناس في استماع ما عنده، ونقلوا ما عنده عنه، غثّها وسمينها...»([202]).

وقال في تفسير قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}: «وقول كعب الأحبار: إن الباب المذكور في القرآن، هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد، فهذا من إسرائيليّاته وترهاته»([203]).

بالإضافة إلى هذا، فقد ذكر ابن كثير في تاريخه، أنّه قد روي عن شعبة أنّه قال: «أبو هريرة كان يدلّس: أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولا يميّز هذا من هذا»([204]).

نقول: لئن كان عمر بن الخطّاب يستمع إلى كعب الأحبار ويأخذ منه، وأبو هريرة يحدّث عنه، وهو من ينقل آلاف الأحاديث([205]) الموجودة في الكتب التسعة، فمن حقّ الشيعة عندئذٍ أن يمتنعوا عن الاعتماد على هذه المصادر المبتلاة بهذه الاُمور، مع ما يدّعونه من أنّ لديهم الحصانة التي يفتقر إليها أهل السنّة، وهي الأخذ عن أئمّة أهل البيت^ المعصومين عن الخطأ والاشتباه.

8ـ الاختلاف الواسع والكبير في نظريات الجرح والتعديل

وفوق كلّ هذا ما نراه اليوم من النظريات المتباينة والمتشعبة في التصحيح والتضعيف والجرح والتعديل، والتي لا تنتهي إلى ضابطة واضحة ونتيجة محصّلة، فكثير من الأحاديث التي صحّحها بعضٌ قد ضعّفها آخرون، ولم يسلم من ذلك حتى كتابَي الصحيحين، اللذَين وجهت إليهما العديد من الإشكالات والطعون، وهناك شواهد وأدلة على ذلك لا يسع المجال لذكرها([206])، وكذلك يمكن القول نفسه في شأن رواة الحديث، فقلّما تجد أحداً لم يضعّف، أو لم تتضارب فيه الأقوال، بل حتى علماء الجرح والتعديل هناك من غمزهم وضعّفهم.

خلاصة ما تقدّم

إذن، فمن المجازفة أن نقول: إنّ هذه هي السنّة، وإنّ من ينكر كثيراً من أحاديثها خارج عن الإسلام، مطعون في دينه، كما رُمي بذلك شيعة أهل البيت^.

فهناك مبرّرات موضوعية وعقلائية لعدم السير في هذا الطريق الذي سار عليه أهل السنّة للوصول إلى حقيقة السنّة النبويّة الشريفة.

فاتضح من خلال هذه المقدمة مدى احترام الشيعة للسنّة النبوية الشريفة، ومدى قدسيتها في نفوسهم، ومن هذا المنطلق سنقوم بكشف مقدار التشويه الذي تعمّده القفاري في مسألة اعتقاد الشيعة بالسنّة النبويّة، ونتابع معه الشواهد والأدلّة التي استند إليها لإثبات صحّة مدّعاه، وسيتضح جلياً للقارئ المنصف كيف تلاعب القفاري في مضمون الروايات والأدلّة التي ساقها من كتب الشيعة ليثبت مراده.

وقبل أن نشرع في كشف مغالطاته نشير إلى أنّ القفاري ـ كعادته في كلّ بحوث كتابه ـ لم يلتزم بما اشترطه على نفسه: من الأمانة في النقل، والموضوعية والعدل في الحكم، واعتماد الروايات الموثقة عند الشيعة، وسوف نبين بعض هذه الموارد في الأثناء.

وسنبدأ بمناقشة أدلته وشواهده التي اعتمد عليها لإثبات صحّة دعواه، والتي لم تكن تلك الشواهد إلاّ مجرد أوهام ومغالطات.

الشبهة: قول الإمام كقول الله ورسوله

قال القفاري: «غير أنّ الدارس لنصوص الشيعة ورواياتها قد ينتهي إلى الحكم بأنّ الشيعة تقول بالسنّة ظاهراً وتنكرها باطناً؛ إذ أن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه اتجاهاً مجانفاً للسنّة التي يعرفها المسلمون، في الفهم والتطبيق، وفي الأسانيد، والمتون، ويتبين ذلك فيما يلي:

(قول الإمام كقول الله ورسوله)

فالسنّة عندهم هي: كلّ ما يصدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير، ومن لا يعرف طبيعة مذهبهم لا يلمح مدى مجانبتهم للسنّة في هذا القول؛ إذ أن المعصوم هو رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؛ ولكنّ الشيعة تعطي صفة العصمة لآخرين غير رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وتجعل كلامهم مثل كلام الله وكلام رسوله، وهم الأئمّة الاثنا عشر، لا فرق عندهم في هذا بين هؤلاء الاثني عشر وبين من لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، فهم ليسوا من قبيل الرواة عن النبيّ والمحدّثين عنه؛ ليكون قولهم حجة من جهة أنّهم ثقات في الرواية؛ بل لأنّهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبيّ؛ لتبليغ الأحكام الواقعية، فلا يحكمون إلاّ عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي»([207]).

فهو بعد أن زعم أن الشيعة تنكر السنّة النبويّة باطناً وإن كانت تؤمن بها ظاهراً، حاول أن يدعم زعمه هذا بعدة شواهد:

منها: أنّ قول الإمام في معتقد الشيعة كقول الله ورسوله؛ وذلك لكون السنّة عندهم كلّ ما يصدر عن المعصوم، والشيعة قد وسّعت فيمن تشملهم العصمة، فدخل في مفهوم المعصوم أئمتهم، وهؤلاء المعصومون قولهم حجة لا لكونهم ثقات، بل لأنّهم منصبون من الله، فهم كالنبي لا ينطقون عن الهوى، بل يحكمون بالأحكام الواقعية عند الله تعالى، فهم مشرّعون في قبال تشريعات النبيّ صلوات الله عليه، وهذا شاهد على أن الشيعة تنكر السنّة وتجانفها.

فهل فعلاً هذا شاهد صحيح على ما يزعم؟!

الجواب:

الأئمة حفظة السنة النبوية وحماتها

إنّ السنّة عند الشيعة الإمامية هي سنّة رسول الله: قوله وفعله وتقريره، وحجيتها وكونها المصدر الثاني من مصادر التشريع هي من الضرورات التي لا يحيد عنها الشيعة، والأئمة هم حفظة هذه السنّة وحماتها، وحملة علوم رسول الله وما ينقلون من أحكام وتعاليم، فقد استقوها عن رسول الله، وما ينطقون به ليس خارجاً عن سنّة رسول الله، وقد استفاضت الروايات الدالّة على هذا المعنى من طرق أهل البيت^: فقد روى الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن عنبسة، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه× عن مسألة، فأجابه فيها، فقال: إن كان كذا وكذا، ما كان القول فيها؟ فقال له: «مهما أجبتك فيه بشيء، فهو عن رسول اللّه’ لسنا نقول برأينا من شيء»([208])، والرواية صحيحة السند([209]).

وروى محمّد بن يعقوب الكليني هذا المتن بسند آخر صحيح([210]): عن علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن قتيبة، قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه× عن مسألة، فأجابه فيها؟ فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا، ما يكون القول فيها؟ فقال له: مه! ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، لسنا مِنْ (أرأيت) في شيء([211])»([212]).

وروى الصفّار، عن عبد الله بن عامر، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن داود بن أبي يزيد الأحول، عن أبي عبد اللّه× قال: «إنّا لو كنّا نُفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّها آثار من رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلم، أصل علم نتوارثها كابر عن كابر عن كابر، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم»([213]).

وهذه الرواية صحيحة السند أيضاً([214]).

وأورد الصفّار أيضاً في بصائر الدرجات بسندٍ معتبر([215])، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر× أنّه قال: «لو أنّا حدّثنا برأينا ضَلَلنا كما ضلّ من كان قبلنا، ولكنا حدّثنا ببيّنةٍ من ربّنا بيّنها لنبيّه، فبيّنها لنا»([216]).

وغيرها من الروايات التي تشترك مع هذه الروايات في المضمون، وهذا المعنى هو ما يعتقده علماء الشيعة. قال العلاّمة آقا بزرك الطهراني: «ولا مرجّح للمذاهب الأربعة على مذهب الإمامية، بل الترجيح لمذهب الإمامية؛ لكونه المأخوذ بالأسانيد الصحيحة المعتمدة والطرق المعتبرة من الأئمّة المعصومين الذين كانوا علماء ربانيين، والذين ورثوا العلم عن جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوقفهم الله تعالى على جميع ما أودعه عند نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من أنواع العلوم الإلهية، فلا يقولون إلاّ ما اُوحي إلى جدّهم الذي لا ينطق عن الهوى»([217]).

وقال الشيخ حسن صاحب المعالم: «إنّ المعهود والمعروف من أحوال الأئمّة أنّهم خزنة العلم وحفظة الشرع، يحكمون فيه بما استودعهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأطلعهم عليه، وأنهم لا يغيّرون الأحكام بعد انقطاع الوحي»([218]).

فالإمام× إنّما هو حاكٍ ومفصّل ومبيّن وشارح للسنّة النبويّة الشريفة، وقوله وفعله وتقريره يصبّ في هذا الاتجاه، لا أنّه مشرّع مستقل في رتبة تشريع النبيّ وبمعزل عنه، بينما جَهَد القفاري أن يلصق هذه التهمة بالشيعة بلا دليل بيّن، سوى المغالطات والتمويه والتعمية على من لم يطّلع على كتب الشيعة ورواياتهم.

سنة الأئمة لا تختلف عن سنة النبي

تبيّن أنّ إلحاق قول الإمام وفعله وتقريره بسنّة النبيّ التي هي قوله وفعله وتقريره لم يكن ناشئاً من فراغ أو من أسباب خاطئة، بل كان الإلحاق بسبب كونهم^ المصداق الواقعي للسنّة النبوية فيما يحكونه أو يفعلونه، فحين يقولون في الأحكام، فقولهم هذا لا يمكن أن يكون غير الحكم الذي نطق به رسول الله، أو هو تطبيق صحيح لحكم كلّي نطق به الرسول الأكرم، وحين يفعلون فعلاً ما أو يتركونه، فهذا الفعل والترك بلا شك ناشٍِ من علّة شرعية صحيحة.

ومن خلال فعلهم نستكشف الحكم الشرعي، وحين يسكتون عن فعل وقع أمامهم فلا شك أيضاً نستكشف أنّ سكوتهم هذا يدلّ على أن الفعل شرعاً صحيح؛ لأنّهم المكلّفون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو كان الحكم خاطئاً وسكتوا، فإنّه يعدّ معصية لهم، وهم بعيدون عن المعصية.

هذا، مضافاً إلى ما سيأتي بحثه ـ إن شاء الله تعالى ـ من أنّ دور الإمام هو إكمال لمسيرة الهداية التي شَرَع بها النبيّ الأكرم، وأن هذا الإمام يمتلك خبرة تقنينية في الأحكام، فهو ليس من قبيل المجتهد يخطئ ويصيب، بل هو القادر الوحيد بعد النبيّ ـ بمعونة التسديد الإلهي ـ على معرفة الأحكام لكلّ وقائع الحياة المستحدثة.

وهكذا يكون إلحاق سنّة أهل البيت^ بسنّة النبيّ أمراً طبيعياً لا يستدعي أيّ استهجان وغرابة.

 

سنة الخلفاء عند أهل السنة

إنّنا كما وجّهنا صحّة إلحاقنا سنّة الأئمّة^ بسنّة رسول الله، نطالب أهل السنّة أيضاً بتفسير منطقي لإلحاقهم سنّة الخلفاء بسنة النبيّ.

فقد جاء في سنن ابن ماجه عن النبيّ، قال: «... فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ...»([219]).

وقال الشاطبي في الموافقات: «سنّة الصحابة (رضي الله عنهم) سنّة يعمل عليها ويرجع إليها، ومن الدليل على ذلك اُمور...»([220]).

وقال أبو بكر السَرَخسي: «والمراد به([221]) شرعاً: ما سنّه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) والصحابة بعده عندنا»([222]).

فهل يسعنا أن نقول: إن أهل السنّة يعتقدون أن السنّة النبويّة لا تختصّ بسنّة النبيّ، بل تشمل غيره من الصحابة؟!

فالمسلمون متفقون على أنّ السنّة أولاً وبالذات هي سنّة النبيّ التي تتمثّل في أقواله وأفعاله وتقريره، غاية الأمر أنّها تصلنا عبر قنوات ووسائل اختلف المسلمون في الأخذ منها.

الأئمة يبينون الأحكام الواقعية

لابدّ من الإشارة إلى قضية مهمّة جداً، وهي أن السنّة الإلهية الجارية في عالم الخلقة هي محدودية أعمار الرسل والأنبياء، لذا فهم يكتفون في كثير من الأحيان بذكر الكليات والقوانين العامة التي: إمّا لأنّه لا يسعهم الوقت لبيانها وتفصيلها واستيفاء تنزيلها وتطبيقها على كلّ المستويات والموارد الجزئية، أو أنّهم لم يفعلوا ذلك؛ لأنّه لم يحن وقتها لكي يبيّنوها.

فلابدّ حينئذٍ من وجود أشخاص لهم من المؤهّلات والكفاءات التي تمكنهم من تطبيق هذه القواعد وتفصيلها وبيان مواردها بعد رحيل الأنبياء ووفاتهم، اُولئك الأشخاص يُلقى على عاتقهم رعاية المصالح والمفاسد الواقعية التي لا يتسنّى للفرد العادي أن يتوصل إليها، فكان لابدّ من اشتراط العصمة العلمية والعملية والكمالات النفسية فيمن ينهض بهذه المهمّة الكبرى، والتي هي استمرار لمسيرة الأنبياء^، وهؤلاء هم الأئمّة من أهل البيت^؛ لذا كان من الضروري أن يتمتع أهل البيت^ بالعصمة والدرجات العليا من العلم والعمل ـ وهذا ما سنثبته إن شاء الله تعالى في بحوث لاحقةـ فكانت أقوالهم وأفعالهم هي الترجمة الصادقة للسنّة النبوية الشريفة، والامتداد الحقيقي والطبيعي للنبوّة.

واحتياجنا إلى الأئمّة^ في فهم السنّة وبيان أحكام الشريعة لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّ الشريعة لم تكتمل، وأنّ النبيّ تركها ناقصة ـ والعياذ بالله ـ وإلاّ لقلنا نفس الكلام في القرآن الكريم الذي جاء فيه قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لكلّ شَيْءٍ}([223])، وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}([224])، فقد ذكر سبحانه: أنّه قد بيّن كلّ شيء في الكتاب، ومع هذا كان لابدّ من وجود النبيّ ليبيّن ويفصّل ويطّبق كلّياته، ويشرح مبهماته ومقاصده، وغير ذلك من وظائف النبيّ؛ ولذا قال القرآن نفسه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}([225]).

والشيء نفسه ينطبق على مهامّ الأئمّة^، فالاحتياج إليهم في فهم الشريعة الإسلامية وبيان أحكامها وشرح مبهماتها أمرٌ لا يستدعي الطعن فيمن يعتقد بذلك، وهذا لا يخرج عمّا أشرنا إليه آنفاً من أنّ كلّ ما عندهم هو من رسول الله، وهذا هو التفسير الحقيقي والمنطقي لقولنا: إن السنّة هي قول المعصوم وفعله وتقريره.

الأئمة ليسوا من قبيل الرواة

يتّضح أيضاً معنى كون الأئمّة لا يحكمون إلاّ بالأحكام الواقعية وأنّهم ليسوا من قبيل الرواة، لا بالمعنى الذي حاول القفاري إيحاءه للقارئ من كون الأئمّة مشرّعين مستقلّين.

وقد استشهد القفاري لفهمه هذا المعنى بعبارةٍ من كتاب (اُصول الفقه) للشيخ المظفّر&، والعبارة ما يلي: «فهم ليسوا من قبيل الرواة عن النبيّ والمحدّثين عنه، ليكون قولهم حجة من جهة أنّهم ثقات في الرواية، بل لأنّهم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبيّ لتبليغ الأحكام الواقعية، فلا يحكمون إلاّ عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي»([226]).

نقول: إنّ الشيخ المظفّر لا يريد بكلامه في هذا المقطع أن ينفي عن الأئمّة صفة النقل والرواية عن النبيّ، وأنّ ما يقولونه خارج عن سنّة رسول الله، بل أراد أن يبيّن بأنّ حجية ما يروونه عن النبيّ يتعدّى حجية الثقات من الرواة؛ لأنّهم في واقع الأمر يحكون في أقوالهم وأفعالهم الأحكام الواقعية التي جاء بها النبيّ؛ لأنّ الله سبحانه نصّبهم أئمة وهداة وأدّلاء على شريعة سيد المرسلين، كما في قول النبيّ: «يا علي، أنت تبيّن لاُمتي ما اختلفوا فيه بعدي»([227])، وكون الأئمّة كذلك قد أفادته الأدلّة والبراهين التي دلّت على عصمتهم وإمامتهم، وهو ما سنبيّنه لاحقاً بشكلٍ مفصّلٍ ووافٍ.

فلو فرض أنّ الشيخ المظفّر وصف النبيّ لا الأئمّة^ بذلك فقال: إنّ الرسول ليس من قبيل الراوي عن جبرائيل ليكون قوله حجة من جهة أنّه ثقة في النقل، بل هو منصوب من الله تعالى لتبليغ الأحكام الواقعية، فهل يفهم من كلامه أنّه ينفي كون النبيّ يتلقّى عن جبرائيل، وأنّ له مصدراً مستقلاً؟ فعليه أصبح من الطبيعي أن تكون حجية أقوالهم مختلفة عن حجية أقوال الرواة.

فتبين الفارق بين أقوالهم^ وأقوال الرواة؛ ولكنّنا لابدّ أن نشترط في أقوال الرواة أن تكون مسندة إلى الرسول الأعظم؛ لتطرق الشك إليها حيث يحتمل فيهم تعمّد الكذب أو الخطأ والنسيان، بخلاف أقوال الأئمّة الذين لا يمكن أن يتصور ـ بعد القول بإمامتهم وعصمتهم ـ ذلك، فلا يخرجون عن دائرة السنّة النبويّة، فلا ضير حينئذٍ في عدم إسناد أقوالهم إلى النبيّ.

فما ذكره القفاري من أنّ الاعتقاد بعصمة الأئمّة جعل أحاديثهم صحيحة من دون اتصال سندها بالنبي، فهو صحيح لا ريب فيه بلحاظ ما ذكرنا.

كما أنّه لا ضير في إسناد قول أحدهم إلى الآخر؛ لأنّهم يصدرون من منبع واحد، فلا اختلاف بين أقوالهم، وهو ليس من الكذب في شيء، كما شنّع القفاري على الشيعة لاعتقادهم ذلك، وهو نابع من عدم التفاته لما ذكرناه.

ولذا ترى أنّ الشيعة يتعاملون مع رواياتهم على أنّها وحدة واحدة متكاملة لا تناقض ولا تهافت فيها، وانطلاقاً من هذه القاعدة يجعلون قول أحد الأئمّة قرينة مبيّنة أو مقيدة أو مخصّصة لقول الآخر، وهذا المعنى مستفاد من عدة من أحاديث أهل البيت^، كما في الكافي، عن أبي عبد الله× يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جَدّي...»([228]).

وقد علّق المازندراني شارح الكافي على هذا الحديث بما مفاده: من أنّ علومهم إنّما هي من رسول الله، وهم الورثة الحقيقيون له.

ثمّ تطّرق المازندراني إلى احتمال أن يستفاد من هذا الحديث أن ننسب أقوالهم إلى الله تعالى، ونقول: قال الله تعالى.

وأجاب عن هذا التساؤل، قال: «فإن قلت: فعلى هذا يجوز من سمع حديثاً عن أبي عبد الله× أن يرويه عن أبيه أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول: قال الله تعالى؟ قلت: هذا حكم آخر غير مستفاد من هذا الحديث»([229]).

بينما نجد أنّ القفاري يقتطع من كلام المازندراني ما يريده، فيحذف قوله الذي جاء على نحو التساؤل: «فإن قلت: فعلى هذا يجوز...»، وينقل من قوله: «... يجوز من سمع حديثاً عن أبي عبد الله (رض) أن يرويه عن أبيه أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول: قال الله تعالى؟»([230])، ثمّ لا يكمل جواب المازندراني عن هذا التساؤل: «قلت: هذا حكم غير مستفاد من هذا الحديث»؛ وذلك ليمرر القفاري غرضه ومراده من أن الشيعة تدّعي أن الأئمّة يُوحى إليهم، فأين الأمانة العلمية في النقل؟!

ثمّ يقول المازندراني بعد إجابته عن هذا التساؤل: «نعم، يستفاد ممّا ذكر سابقاً من رواية أبي بصير، ورواية جميل عن أبي عبد الله× جواز ذلك، بل أولويته»([231]).

ومقصوده: يستفاد جواز نسبة قول الإمام× إلى أبيه أو جدّه، لا أنّه يستفاد جواز نسبة قول الإمام إلى الله وتقول عنه: قال الله تعالى، كما فهم ذلك القفاري، فقال: «وقد أخذ من ذلك شارح الكافي أولوية نسبة أقوال الأئمّة إلى الله عزّ وجلّ»([232]).

وإليك نصّ الرواية: «عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله× الحديث اسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك؟ قال: سواء، إلاّ أنّك ترويه عن أبي أحبّ إليّ، وقال أبو عبد الله× لجميل: ما سمعت مني فاروه عن أبي»([233]).

فأين جواز نسبة قول الإمام إلى الله في هذه الرواية؟!

ثمّ إن اعتراض القفاري على هذه الرواية أيضاً بأنّ ذلك يعني استساغة الكذب، حيث ينسب الشيعة مثلاً لأمير المؤمنين علي× ما لم يقله، بل قاله بعض أحفاده ممّن لم يشتهر بالعلم، فهذا الاعتراض لا محلّ له بعد أن بيّنا فيما سبق من أبحاث وما نقلناه من روايات تدل صراحة على أن ما يرويه أهل البيت^ فهو عن آبائهم عن جدّهم رسول الله وعلي×، فحديثهم هو حديث رسول الله بسلسلة ذهبية كلّها ثقات عدول أئمة هداة، ممّا يجعله سنداً مباركاً طيباً، قال عنه أحمد بن حنبل: «لو قرأت هذا الإسناد على مجنون برئ من جنته»([234]).

هذا، مع اعتقادنا ـ وفق أدلة عقلية ونقلية ـ بعصمة الأئمّة^، وأنهم نور واحد، ويصدرون من منبع صاف، ولكن أنّى لقلوب ران عليها ما ران، أن تفقه هذا وتعيه؟

ثمّ إن هذه الرواية مع غضّ النظر عن سندها، فإنّها تتحدث عن جواز إسناد ما سمعه الراوي من الإمام أو من أبيه× إلى أحدهما (الإمام أو أبيه) بشرط أن لا يكون بين الراوي والإمام واسطة.

قال المازندراني في تعليقه على هذه الرواية: «الظاهر أن جواز الرواية كذلك فيما إذا لم يكن بين الراوي والمعصوم المسموع منه واسطة، وأمّا إذا كان بينهما فجواز ذلك محلّ تأمل»([235]).

مضافاً إلى ذلك، فإن المطّلع على علم الدراية والرجال عند الشيعة يتبيّن له أن هناك ضوابط علمية في سماع الرواة من الإمام ومن هو الإمام المسموع عنه، ومن خلال ذلك يعرفون اتصال السند وعدمه، بل إن الرواية لو كانت لا تصرّح باسم الإمام المروي عنه تصبح مضمرة وتقلّ قيمتها السندية، والشيعة يميّزون الرواة المشتركين أيضاً من خلال الإمام الذي يروي عنه الراوي، وعلى هذا جعلوا لكلّ إمام أصحاباً ورواة خاصين، فهل من الإنصاف سَوق التهم هكذا ورمي طائفة كبيرة من المسلمين بتعمد الكذب؟!

دعوى أن علوم الأئمة عند الشيعة وحي وإلهام من الله

قال القفاري: «فعلم الأئمّة نوعان: علم حادث وهذا يتحقق عن طريق الإلهام وغيره، وعلم مستودع عندهم ورثوه عن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، والكلّ يعتبر من السنّة. وفيما يلي توضيح لهذين الأصلين الخطيرين عند الشيعة:

الأصل الأوّل: علم الأئمّة يتحقق عن طريق الإلهام والوحي:

علم الأئمّة يتحقق ـ في نظرهم ـ عن طريق الإلهام، وحقيقته كما قال صاحب الكافي في روايته عن أئمته: (النكت في القلوب)، وفي لفظ آخر له: (فقذف في القلوب) وصرح أن ذلك هو الإلهام، حيث قال: (وأما النكت في القلوب فإلهام)، أي أن العلم ينقدح في قلب الإمام فيلهم القول الذي لا يتصور فيه الخطأ؛ لأنّ الإمام معصوم.

والإلهام ليس هو الوسيلة الوحيدة في هذا، كما حاول أن يلطف من الأمر ذلك الشيعي المعاصر الذي نقلنا كلامه آنفاً، بل صرح صاحب الكافي في أن هناك طرقاً اُخرى غيره، حيث ذكر في بعض رواياته: أن من وجوه علوم الأئمّة (النقر في الأسماع) من قبل الملك، وفرّق بين هذا والإلهام، حيث قال: (وأمّا النكت في القلوب فإلهام، وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك)... وتتحدث رواية اُخرى لهم عن أنواع الوحي للإمام، فتذكر أن جعفراً قال: (إن منّا لَمَن ينكت في أذنه، وإن منا لَمَن يؤتى في منامه، وإن منا لَمَن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت (كذا)، وإن منا لَمَن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل...).

وكأنّهم بهذا المقام أرفع من النبيّ الذي لا يأتيه إلاّ جبرائيل، وتأتي روايات تبيّن هذه الصورة التي أعظم من جبرائيل وميكائيل بأنّها الروح عندهم، وقد خصّها صاحب الكافي بباب مستقل بعنوان: (باب الروح التي يسدّد الله بها الأئمّة)، وذكر فيها ستّ روايات، منها: عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} قال: خلق من خلق الله عزّ وجلّ أعظم من جبرائيل وميكائيل، كان مع رسول الله’ يخبره ويسدّده، وهو مع الأئمّة من بعده).

ومعلوم أن الروح في هذه الآية المراد بها القرآن، كما يدلّ عليه لفظ الآية {أَوْحَيْنَا}، وقد سمّاه الله سبحانه روحاً؛ لتوقف الحياة الحقيقية على الاهتداء به.

وكأن هذه الدعاوى حول الوحي للإمام قد غابت عن مفيدهم (المتوفى سنة 413هـ)، أو أنّها صُنعت فيما بعد؛ إذ رأينا المفيد يقرر الاتفاق والإجماع على (أنّه من يزعم أن أحداً بعد نبينا يوحى إليه فقد أخطأ وكفر..)، أو يكون قولهُ هذا تقية.

إذن الإمام يُلهَم، ويَسمع صوت الملك، ويأتيه الملك في المنام واليقظة، وفي بيته ومجلسه، أو يرسل له ما هو أعظم من جبرائيل يخبره ويسدّده، وليس ذلك نهاية الأمر، بل لدى الأئمّة أرواح اُخرى ووسائل اُخرى؛ لديهم خمسة أرواح: روح القُدُس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوة، وروح الشهوة.

ذكر ذلك صاحب الكافي في باب بعنوان: (باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمّة^)، فذكر في ذلك ستّ روايات، بينما تطورت هذه المسألة عند صاحب البحار فبلغت رواياتها (74) رواية.

وقد ركزت رواياتهم على روح القدس، فذكرت أن هذه الروح تنتقل إلى الأئمّة بعد موت الأنبياء، (فإذا قبض النبيّ’ انتقل روح القدس إلى الإمام) وبروح القُدُس عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، (وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو)، وبروح القدس يستطيع أن يرى الإمام (ما غاب عنه في أقطار الأرض وما في عنان السماء، وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى).

بل إن الأئمّة تذهب إلى عرش الرحمن ـ كما يزعمون ـ كلّ جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت.

قال أبو عبد الله: (إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله’ العرش ووافى الأئمّة^ معه، ووافينا معهم، فلا تُردّ أرواحنا إلى أبداننا إلاّ بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأنفدنا).

وجاءت روايات اُخرى بهذا المعنى ذكرها الكليني في باب خصّصه لهذه الدعوى بعنوان: (باب في أن الأئمّة^ يزدادون في ليلة الجمعة). وذكر فيه ثلاث روايات، ثمّ جاء صاحب البحار فذكر في هذا الموضوع (37) رواية في باب عقده في هذا الشأن بعنوان: (باب أنّهم يزدادون وأرواحهم تعرج إلى السماء).

بل جاء في البحار تسع عشرة رواية تذكر بأنّ الله تعالى ناجى علياً، وأن جبرائيل يُملي عليه... كما جاءت فيه سبع عشرة رواية تتحدث عن تحف الله تعالى وهداياه إلى عليّ.

كما ذكر المجلسي: (أن الله ـ بزعمهم ـ يرفع للإمام عموداً ينظر به إلى أعمال العباد) واستشهد لذلك بستّ عشرة رواية.

كلّ هذه العلوم التي تتحقق لهم بهذه الوسائل يسمّونها: (العلم الحادث)، وتحقّقها موقوف على مشيئة الأئمّة، كما أكدت ذلك روايات صاحب الكافي التي جاءت في الباب الذي عقده بعنوان: (باب أن الأئمّة^ إذا شاؤوا أن يعلموا علموا)، وذكر فيه روايات ثلاثاً كلّها تنطق بـ (أن الإمام إذا شاء أن يعلم اُعلم)، وفي لفظ آخر: (إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك). فالوحي للأئمّة ليس بمشيئة الله وحده كما هو الحال مع الرسل^، بل تابع لمشيئة الإمام!!»([236]).

بيان الدعوى

يتضمّن كلام القفاري شبهة أساسية، وهي: أن الأئمّة يوحى إليهم في علومهم، حالهم في ذلك حال النبيّ، وهذه الشبهة تضمّنت في باطنها عدة شبهات جزئية، أو بمثابة الشواهد على زعمه:

1ـ إنّ علم الأئمّة عن طريق الإلهام هو عبارة اُخرى عن الوحي.

2ـ إنّ الشيعة لم يكتفوا بهذا المقدار من إعطاء العلم لأئمتهم بهذا الطريق، بل ذهبوا إلى طرق اُخرى، كالنكت في القلوب، والنقر في الأسماع.

3ـ وليس ذلك نهاية الأمر، بل لدى الأئمّة أرواح اُخرى ووسائل اُخرى؛ لديهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوة، وروح الشهوة.

4ـ إنّ أرواح الأئمّة تعرج إلى السماء، وإنّها تذهب إلى عرش الرحمن كلّ جمعة لتطوف به، فتأخذ من العلم ما شاءت، وفي هذا غرابة واستهجان؛ إذ لا يعقل ذلك في منطق القفاري.

5ـ غرابة واستنكار لما نقله صاحب البحار حين روى تسع عشرة رواية كلّها تذكر بأنّ الله تعالى ناجى علياً، فالمناجاة لم تصحّ عند القفاري، وهو أمر اختلقته الشيعة.

6ـ إنّ جبرائيل يُملي وحياً على عليّ×، هكذا صرحت روايات الشيعة.

7ـ إنّ الله تعالى أتحف علياً× بهدايا وتحف، وهذا لم يصحّ عند القفاري، بل هو كذب وافتراء من الشيعة؛ لعدم معقوليته حسب زعمه.

8ـ إنّ الشيعة تعتقد بأنّه يرفع للإمام عموداً ينظر به إلى أعمال العباد، وهذا ممّا لا يعقل عند القفاري.

9ـ في اعتقاد الشيعة: إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك، وهذا غير ممكن، ولم يصحّ ذلك وفق عقلية القفاري.

وسوف نتعرّض لمناقشة كلّ هذه الشبهات والشواهد تباعاً.


الشبهة: علم الأئمة الإلهامي وحي

أساسيات الشبهة

يقول القفاري: بعد أن بيّنا أنّ السنّة عند الشيعة ليست هي سنّة النبيّ فحسب، بل هي سنة الأئمّة الاثني عشر، وأنّ أقوالهم كأقوال الله ورسوله، نُثبت بأنّ هذا القول يستند إلى أنّ علومهم تتحقّق لهم من طريقين:

الأوّل: الإلهام والوحي، ويسمونه العلم الحادث.

والثاني: علم ورثوه عن الرسول ويسمّونه المستودع، وكل هذا يعدّونه من السنّة، وذكرت في كتبهم شواهد وأدلة تبيّن معنى وطريقة هذا الوحي والإلهام.

وهذه الشبهة ترتكز على ركيزة أساسية أراد القفاري الوصول إليها عبر الإتيان بكثير من الشواهد والاستدلالات من كتب الشيعة، وهي: أن الوحي لم ينقطع بوفاة الرسول، بل ظلّ مستمراً تتلقّاه الأئمّة الاثنا عشر، فعلومهم وتشريعاتهم تختلف تبعاً لذلك عمّا هو موجود في أيدي المسلمين.

الجواب:

تمهيد: الإمامة سفارة إلهية وامتداد للرسالة المحمدية

يمكننا القول بأنّ كثيراً من إشكالات وشبهات القفاري في هذا الكتاب ناشئة من الجهل بخريطة البناء الفكري والمنظومة العقائدية للمذهب الاثني عشري، فتراه يستغرب بعض الاُمور ويستوحشها، بل ويستهزئ بها لجهله بأنّها مبنيّة على اُسس وقواعد خاصة، فيأخذها مجتزأة عن محيطها وسياقها العام، ويحاول فهمها بحسب منهجه الفكري الذي يتبنّاه هو، لا بحسب المنهج الفكري الشيعي، وهذا الاُسلوب منتشر في معظم رسالته؛ لذا تبدو هذه الاُمور غريبة مستهجَنَة عنده، وهذا ما حصل في تناوله لعلم الأئمّة^، فهي تعتبر لبنة مهمّة ترتكز على قواعد واُسس رصينة لا يمكن فهمها واستيعابها خارج إطارها؛ لأنّها تستند في واقع الأمر وتتفرع عن الاعتقاد بضرورة الإمامة الإلهية التي يؤمن بها الشيعة ويفهمونها ـ وفق الأدلّة العقلية والنقلية التي سنشير إليها لاحقاً ـ بأنّها سفارة إلهية وامتداد طبيعي للنبوّة والرسالة الخاتمة، فهي السبيل الذي يتكفل بحفظ الشريعة وتجسيد مفاهيمها في كلّ عصر وزمان، وتطبيق جزئياتها؛ لأنّنا نؤمن بأنّ النبوّة اهتمّت بشكل أساس ببيان كليات الشريعة، وقد بقي كثير من جزئيات الشريعة وتطبيقاتها الخارجية تحتاج إلى من يبيّن لها حكمها الشرعي الواقعي من تلك الكليات، وهذا أمر لا غرابة فيه كما أشرنا إلى ذلك سابقاً؛ وذلك لعدة أسباب ومعطيات، منها: أنّ الرسالة دائماً هي أطول من عمر الرسول، فلا تسنح الفرصة الزمنية الكافية للرسول لبيان جميع الجزئيات والأحكام الفرعية، أو لعدم توفّر الدواعي لتبيانها: إمّا لعدم الابتلاء بها في عصر النبوّة، أو لعدم اقتضاء المصلحة لبيان حكمها([237]).

والأهم من ذلك كله أنّ هناك اُموراً وحوادث تتجدد في كلّ عصر وزمان، وهذا ممّا لا ينبغي الشك فيه، فتحتاج إلى من يضع لها ما يناسبها من أحكام شرعية بعد أن يطبّق عليها كلياتها الموافقة لها.

من هنا كانت المهام التي تنهض بها الإمامة ثقيلة الأعباء، ذات أثر جسيم على حاضر الشريعة ومستقبلها، فيحتاج من ينهض بمسؤوليتها إلى أن يكون عالماً فعلاً بجميع الأحكام والمعارف الإلهية، فهماً وتطبيقاً، متمكناً من الإجابة عن كلّ الأحكام الجزئية والفرعية، غير مخطئ في تطبيقاتها، لذا فهو بأمسّ الحاجة إلى علم وتسديد إلهي يستطيع به أن يدير دفّة هذه المسيرة الإلهية، علم يفوق العلم العادي، ويكون مصدره الله سبحانه وتعالى، وبهذا العلم يتمكن هذا الشخص من حفظ الشريعة، وإفتاء الناس بما أودع الله نبيه الأكرم من أحكام واقعية، يتحقق من خلالها الغرض الإلهي الذي أراد الله تحقيقه في كلّ عصر، ومنه عصر النبوّة المحمدية، وهو هداية الاُمة إلى ما فيه خيرها وكمالها([238]).

فلا يجدي أن يكون الإمام ذا علم عادي اكتسبه من خلال الحفظ والتعلم فقط؛ لأنّه لا يتناسب مع حقيقة الإمامة ومهامها ـ كما بيّنا ـ بأنّها نوع اصطفاء وسفارة إلهية، من مقوماتها العلم الرباني اللازم للقيام بهذه المهمّة.

وممّا يؤيد هذا المعنى: ما ورد في قصة طالوت الذي اختاره الله واصطفاه قائداً وملكاً وإماماً لقومه ـ وهو ما سنثبته في بحوث لاحقة ـ فنجد أنّ الله تعالى يذكر لنا كيف زوّده بالعلم؛ ليتمكن من القيام بمهامّه ومسؤولياته الملقاة على عاتقه، ولهذا المعنى أشار القرطبي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}([239])، قال: «{إِنَّ الله اصْطَفَاهُ} أي اختاره وهو الحجة القاطعة، وبيّن لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت، وهو بسطته في العلم الذي هو ملاك الإنسان، والجسم الذي هو معينه في الحرب وعدّته عند اللقاء، فتضمنت بيان صفة الإمام وأحوال الإمامة، وأنّها مستحقة بالعلم والدين»([240]).

وقال الشوكاني: «{اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ} أي اختاره، واختيار الله هو الحجة القاطعة، ثمّ بين لهم مع ذلك وجه الاصطفاء، بأنّ الله زاده بسطة في العلم الذي هو ملاك الإنسان ورأس الفضائل وأعظم وجوه الترجيح»([241]).

وقال الثعالبي: «والجمهور على أنّ العلم في هذه الآية يراد به العموم في المعارف، لا علوم الحرب خاصة»([242]).

وسوف يأتي الحديث عن الاصطفاء في بحوث الإمامة إن شاء الله تعالى([243]).


علوم الأئمة وآليات تحققها

بعد أن تبيّن لنا سعة الاُفق الذي رسمته عقيدة أتباع أهل البيت^ للإمامة، وأنّها لا تنفكّ عن التسديد الإلهي والعلم الرباني، فلابدّ من وجود طرق ووسائل يتلقّى بها الإمام علومه ومعارفه التي تتعلق بوظيفته الإلهية. فنقول: إنّ هذا التلقّي يحصل باُسلوبين قد بينتهما روايات أهل البيت^:

1ـ أن يتلقّى الإمام علماً من الله تعالى مباشرة، وهو ما يعبر عنه بالعلم الحادث.

2ـ أن يتلقّى الإمام علمه ممّا استودعه الرسول الأكرمعنده، وما ورثه منه من علوم ومعارف إلهية، ويسمّى العلم المستودَع.

العلم الحادث

نستطيع أن نستشف من روايات أهل البيت^ أنّ تعاطيهم العلوم الإلهية من الله سبحانه وتعالى لم يكن بلون واحد وطريقة معينة، وإنّما كان يتخذ أشكالاً متعددة اقتضتها الحكمة الإلهية، ولكن يمكن إدراجها في نوعين اثنين:

النوع الأوّل: هو ما يطلق عليه الإلهام والنَكت في القلوب.

النوع الثاني: هو النقر في الأسماع وتحديث الملك.

وبهذا المعنى وردت روايات عديدة من طرق أهل البيت^، والاعتقاد بإمكانية وحصول هذين النوعين من التلقّي والأخذ للعلم لم تنفرد به الشيعة الإمامية كما حاول القفاري أن يصور ذلك، وإنّما اتفقت كلمة المسلمين على القول بذلك وإمكانه، فلم ينكره أحد منهم، وشواهده القرآنية والروائية كثيرة جداً.

فمن الأدلّة والشواهد على النوع الأوّل من العلم هو ما نستفيده من قضية لقمان، والذي لم يكن نبياً ـ كما هو الصحيح ـ ومع هذا قد ألهمه الله العلم والحكمة؛ لأنّه كان عبداً تقياً صالحاً، فنوّر الله قلبه بالعلم والمعرفة، فجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}([244]).

قال مجاهد في تفسيره لهذه الآية: «{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} يعني الفقه والعقل والإصابة في القول في غير نبوة»([245]).

وأخرج الطبري عن قتادة، قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} «أي الفقه في الإسلام، قال قتادة: ولم يكن نبياً، ولم يوحَ إليه»([246]).

فهذا الإيتاء هو ما يعبر عنه بالإلهام أو النكت في القلوب.

قال الراغب الأصفهاني: «الإلهام: إلقاء الشيء في الروع، ويختصّ ذلك بما كان من جهة الله تعالى وجهة الملأ الأعلى»([247]) وهو نوع من أنواع الوحي.

وقال القرطبي: «والوحي في كلام العرب معناه الإلهام»([248]).

وما حدث لاُمّ موسى× يدخل في هذا العلم أيضاً، فقد قذف الله في قلبها وأوحى إليها ما يجب عليها عمله، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى اُمِّ مُوسَى}([249]).

ففي تفسير الطبري: «وكان قتادة يقول، في معنى ذلك وأوحينا إلى اُمّ موسى: قذفنا في قلبها»([250]).

وقال البغوي: «وأوحينا إلى اُم موسى وهو وحي إلهام، لا وحي نبوة»([251]).

وقال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ}([252]).

قال القرطبي: «أي ألهمتهم وقذفت في قلوبهم»([253]).

بل نقول: إنّ المؤمن إذا عمّر قلبه بالإيمان والتقوى وطاعة الله سبحانه فإنّ الله سيلهمه المعرفة والصواب ونفاذ البصيرة، فما بالك بأئمة المسلمين وأهل بيت الرسالة والنبوة ومن كانوا صِنوَ القرآن وعدله؟!

قال ابن تيمية: «وفي الحديث الصحيح: (لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى اُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)، ومن كان توفيق الله له كذلك فكيف لا يكون ذا بصيرة نافذة ونفس فعّالة؟» إلى أن يقول: «فإذا كانت الفطرة مستقيمةً على الحقيقة منوّرةً بنور القرآن تجلّت لها الأشياء على ما هي عليه في تلك المزايا، وانتفت عنها ظلمات الجهالات، فرأت الاُمور عياناً»([254]).

وقال أيضاً: «القلب المعمور بالتقوى إذا رجح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعي...» قال: «فمتى ما وقع عنده وحصل في قلبه ما يُظنّ معه أنّ هذا الأمر أو هذا الكلام أرضى لله ورسوله كان هذا ترجيحاً بدليل شرعي، والذين أنكروا كون الإلهام ليس طريقاً إلى الحقائق مطلقاً أخطؤوا، فإذا اجتهد العبد في طاعة الله وتقواه كان ترجيحه لما رجح أقوى من أدلّة كثيرة ضعيفة. فإلهامٌ مثل هذا دليل في حقه، وهو أقوى من كثير من الأقيسة الضعيفة والموهومة، والظواهر والاستصحابات الكثيرة»([255]).

وبهذا يتّضح أنّه لا غرابة في اعتقاد الشيعة بهذا النوع من العلوم الإلهية المعبر عنها بالإلهام والنكت في القلوب.

النقر في الأسماع وتحديث الملك

كما أنّه لا غرابة في النوع الثاني من العلم، وهو المعبّر عنه بالنقر في الأسماع وتحديث الملك، وأوضح تجسيد له هو حالة تلقّي من لم يثبت كونه نبياً لهذا العلم عن طريق تحديث الملائكة، فقد حصل هذا الأمر لعامة المسلمين وغير المسلمين، فضلاً عن الأئمّة والأولياء والعباد الصالحين.

والشواهد على ذلك كثيرة جداً، نذكر بعضها على سبيل المثال، ولعلّ من أوضحها ما حصل لمريم ÷، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}([256])، قال ابن كثير: «هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم ÷ عن أمر الله لهم بذلك»([257]).

وقال البيضاوي: «كلّموها شفاهاً كرامةً لها»([258]).

وهناك شواهد روائية كثيرة حول تحديث الملك لكثير من الناس:

فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة، قال: «قال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من اُمتي منهم أحد فُعمر. قال ابن عباس (رضي الله عنهما): من نبي ولا محدَّث»([259]).

قال القسطلاني: «ليس قوله: (فإن يكن) للترديد، بل للتأكيد، كقولك: إن يكن لي صديق ففلان؛ إذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة، لا نفي الأصدقاء، وإذا ثبت أنّ هذا وجد في غير هذه الاُمة المفضولة فوجوده في هذه الاُمة الفاضلة أحرى»([260]).

وقال في شرح قول ابن عباس: (من نبي ولا محدَّث): «وقد ثبت قول ابن عباس هذا لأبي ذرّ وسقط لغيره، ووصله سفيان بن عيينة في أواخر جامعه وعبد بن حميد بلفظ: كان ابن عباس يقرأ: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدَّث)»([261]).

وأخرج البخاري أيضاً بسنده، عن أبي هريرة، عن النبيّ، قال: «لقد كان فيما قبلكم من الاُمم محدَّثون، فإن يك في اُمتي أحد فإنّه عمر»([262]).

قال المناوي: «(قد كان فيما مضى قبلكم من الاُمم) في رواية: من بني إسرائيل (اُناس محدَّثون). قال القرطبي: الرواية ـ بفتح الدال ـ اسم مفعول، جمع محدَّث ـ بالفتح ـ أي مُلهَم، أو صادق الظنّ، وهو من اُلقى في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو مَن يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تُكلِّمه الملائكة بلا نبوة، أو مَن إذا رأى رأياً أو ظنّ ظناً أصاب، كأنّه حُدِّث به وألقي في روعه من عالم الملكوت، فيظهر على نحو ما وقع له، وهذه كرامة يكرّم الله بها من شاء من صالح عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء»([263]).

وقال الشاطبي في الموافقات: «عمل الصحابة (رضي الله عنهم) بمثل ذلك([264]) من الفراسة والكشف والإلهام والوحي النومي»([265]).

وغير ذلك من الشواهد، كتكليم الملك لثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأعمى وأقرع([266]).

ولذا قال الآلوسي: «والأخبار طافحة برؤية الصحابة للملك وسماعهم كلامه، وكفى دليلاً لما نحن فيه، قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثمّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}([267])، فإنّ فيها نزول الملك على غير الأنبياء في الدنيا وتكليمه إيّاه، ولم يقل أحد من الناس: إنّ ذلك يستدعي النبوّة»([268]).

وقال في موضع آخر: «وذكروا أنّ الوحي إذا لم يكن كذلك([269]) غير مخصوص بهم([270])، بل يكون للأولياء أيضاً {الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثمّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا}. وقد روي عن بعض أئمة أهل البيت: أنّ الملائكة تزاحمهم في مجالسهم»([271]).

فلا ندري بعد كلّ هذا هل يبقى مبرّر للقفاري في استنكاره وتعجّبه ممّا ورد عن أئمة أهل البيت^ من تحديث الملك لهم؟! لا سيما وأنّ ذلك كان معروفاً عنهم بين أوساط المسلمين، كما يظهر من الكلام المتقدم.

لكنّ القفاري في الحقيقة لم يطرح هذا النوع من العلوم لمجرد أنّه غريب ومنكر عنده، بل يرمي إلى شيء آخر وراءه، سوف نبيّنه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

وقبل أن نشرع في ذلك نعود إلى كلماته التي كتبها حول هذا النوع من العلم، قال: «فعلم الأئمّة نوعان: علم حادث، وهذا يتحقق عن طريق الإلهام وغيره. وعلم مستودَع عندهم ورثوه عن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)»([272]).

نقول: قد بيّنا حقيقة القسم الأوّل من العلم وكونه ضرورياً لمقام الإمامة، وسوف نبيّن في بحوث لاحقة القسم الثاني ـ وهو المستودع ـ إن شاء الله تعالى.

وقال في نفس الصفحة: «وحقيقته [العلم عن طريق الإلهام] كما قال صاحب الكافي في روايته عن أئمته: النكت في القلوب، وفي لفظ آخر له: فقذف في القلوب، وصرّح أنّ ذلك هو الإلهام، حيث قال: وأمّا النكت في القلوب فإلهام، أي أنّ العلم ينقدح في قلب الإمام، فيلهم القول الذي لا يتصور فيه الخطأ؛ لأنّ الإمام معصوم».

نقول: بعد أن بيّنا حقيقة تلك العلوم وأهدافها يرتفع أصل الاستهجان الذي افتعله القفاري.

وقال: «وهو يسمع الصوت ولا يرى الملك، كما جاء في الروايات الأربع في باب الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدّث من اُصول الكافي»([273]).

ثمّ قال في مورد آخر: «ثمّ بعد أبوابٍ عدة يعود صاحب الكافي ينقض ما قرره في الروايات السابقة، ويثبت تحقيق رؤية الإمام للملك في روايات أربع».

هنا يطرح القفاري إشكالية التناقض بين الروايات، فقد ورد في باب الفرق بين النبيّ والإمام: أنّ الأوّل يرى ويسمع الملك، والإمام يسمع ولا يرى، ثمّ وردت طائفة من الروايات تقرّر أنّ الإمام يرى الملك.

وكعادة القفاري يعتبر كلّ ما في كتبنا صحيح السند ومعتبراً، فهو يحمل روحية الفكر الذي ينتمي إليه في مسألة الصحاح المعتبرة عنده، فيعامل كتب الشيعة معاملة الصحيحين البخاري ومسلم، وهذا ـ إن لم يكن متعمّداً في ذلك ـ يعدّ خطأ منهجياً في بحثه بلا شك.

هذا، على أنّه لا يوجد تناقض في هذه المسألة حين يريد الباحث أن يكون موضوعياً بقدر ما، كما شرط القفاري على نفسه ذلك في مقدمته، فتوجد عدة طرق للجمع العرفي بين مضامين هذه الروايات منها:

أولاً: نقول: إنّ الروايات التي أفادت أنّ الإمام يسمع الملك ولا يراه قد وردت في صدد التفريق بين مقام النبيّ والإمام، فهي ناظرة إلى الملك الذي يسدّد كلاً منهما بحسب ما يقتضيه مقامه ووظيفته الإلهية، فمقام النبوّة مقام تلقّي الأحكام من الله تعالى مباشرة؛ لذا اقتضت المصلحة أن يرى الملك ويسمع صوته، بينما الإمام لا يتلقّى أحكاماً من الله تعالى، بل يتلقّى التسديد في كيفية تطبيق الأحكام وفي كيفية تشخيص عللها، وفي كيفية إدارة شؤون الاُمة ونحوه من المهامّ التي تتناسب معه، فليس من اللازم أن يرى الملك، بل يكفي سماعه، وهذا هو الأصل في الإمام، فهو ليس بحاجة إلى رؤية الملك بقدر احتياج الرسول، لكنّ هذا لا يمنع من أنّه يرى الملك.

ثانياً: يمكن أن تحمل الروايات النافية للرؤية بالنسبة للإمام على حقيقة الملك دون مثاله والهيئة التي يتمثّل بها، فإنّ النبيّ يمكن أن يرى حقيقة الملك بالإضافة إلى مثاله، بينما الإمامة لا تستدعي أن يرى الإمام حقيقة الملك.

ثالثاً: تُحمل الروايات التي أفادت بأنّ الرسول يرى الملك على الغلبة، أي الغالب أنّ النبيّ يرى الملك ويسمع صوته، بينما الإمام في الغالب لا يرى صورة الملك، لكن لا يمنع هذا من رؤيته في بعض الموارد.

ثمّ قال: «وتتحدث رواية اُخرى لهم عن أنواع الوحي للإمام»([274]).

من هنا دخل القفاري في مطلب آخر، فيكشف أنّ غرضه من ذكر تلك العلوم لا على سبيل الاستهجان فقط، بل لكي يحقّق ربطاً بينها وبين استمرارية الوحي عند الشيعة.


الشبهة: أرواح أئمة الشيعة تطوف بالعرش كل جمعة

قال القفاري: «بل إنّ الأئمّة([275]) تذهب إلى عرش الرحمن ـ كما يزعمون ـ كلّ جمعة لتطوف به، فتأخذ من العلم ما شاءت»([276]).

أساسيات الشبهة

لقد فهم القفاري أنّ الشيعة يعتقدون بأنّ أرواح أئمتهم تذهب إلى عرش الله تعالى في كلّ ليلة جمعة فتطوف به، ومن ذلك العرش تأخذ العلم الذي تريده، وهذا يعني أنّ أرواحهم تختلف عن أرواح بقية البشر، فهي تتلقّى العلم مباشرة من الله تعالى، وأنّ هذا العلم هو وحي من الله تعالى؛ وبذلك يستغني الشيعة عن الوحي وأحكامه الذي نزل على النبيّ، وهذا أيضاً يعدّ من الشواهد على أنّ سنتهم تختلف عن سنّة النبيّ، وأنّ مصادرهم تختلف عن مصادر بقية المسلمين.

وهذا الوهم الذي اعتقده ترسّخ عنده نتيجة قصور فهمه وجهله بالمفاصل الأساسية التي يستند عليها البحث وقد تكرّر ذلك في كثير من شبهاته وإشكالاته، وهنا أيضاً كذلك، فهذه الشبهة تبتني على عدة اُمور قد جهلها القفاري:

أولاً: معنى الروح وحقيقتها.

ثانياً: الاُسلوب التكاملي للروح من خلال السير على النهج القويم.

ثالثاً: طرق تلقّيها للعلوم الإلهية والفيوضات الربانية.

رابعاً: معنى عروجها وذهابها إلى عرش الرحمن.

خامساً: حقيقة العرش.

سادساً: فضيلة يوم الجمعة.

وسنتعرض لهذه المفاصل على سبيل الإشارة والاختصار لتتضح الإجابة عن الشبهة.

لمحة عن الروح وحقيقتها

لقد أخذ البحث عن معنى الروح الإنسانية حيّزاً كبيراً من تفكير المسلمين، بل تفكير البشرية جمعاء، فشغل بال الكثيرين من العلماء والباحثين منذ القدم، فاختُلف في حقيقتها وماهيتها، فهل هي عبارة عن أجسام موجودة في داخل هذا البدن، متولّدة من امتزاج الطبائع والأخلاط، أو هي عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب، أو هي عبارة عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام، أو هي عبارة عن موجود يغاير هذه الأجسام والأعراض، أي جوهر بسيط مجرد([277])؟

وغير ذلك من الأقوال الكثيرة، حتى قيل: «والخائضون فيها اختلفوا على أكثر من ألف قول»([278]).

الأمر الذي حدا ببعضٍ إلى أن ينادي بالكفّ عن البحث فيها، وإمساك المقال عنها، وأنّها ممّا استأثر الله بعلمه ولم يُطلِع عليه أحداً من خلقه([279]).

ولكنّ الذي يمكن أن يقال في هذا الصدد: بأنّ الروح موجود يؤثّر ـ بأمر الله ـ في إفادة الحياة، فيصحّ أن يقال: إنّ الروح هي ما به تحقّق الحياة. وهذا المقدار من معرفة الروح وعدم المعرفة الكاملة لها ربّما يتناغم مع جوّ الآية القرآنية: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}، وليست الروح هي الوحيدة التي نجهل تمام حقيقتها، بل هناك الكثير من الحقائق لازالت مجهولة لدينا.

كما يمكن القول: إنّ هذه الروح الإنسانية في مبدأ فطرتها تكون خالية من العلوم والمعارف إلاّ المعارف الفطرية، فهي لا تزال في طور التغيير من حال إلى حال، ومن نقصان إلى كمال، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ اُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً}([280]).

تكامل الروح وطرق تلقيها للعلوم الإلهية

إنّ الروح تبدأ رحلتها نحو مراتب الكمال بواسطة ارتباطها بالله سبحانه وتعالى، فتسمو وتقوى مراتبها الوجودية كلّما اشتد وازداد هذا الارتباط، فالإنسان المؤمن بالله تعالى يستطيع أن يصل بهذه الروح إلى أرقى مراتبها، وذلك من خلال السير وفق نهج الطاعة الذي رسمه الله لعباده، فكلّما جدّ الإنسان واجتهد في طاعة الله سبحانه كلّما ازداد قرباً منه تعالى، فتبدأ روحه بالسموّ والتكامل، حتى تصل تلك الروح إلى مراتب عالية من القرب الإلهي، فيحصل له الاستعداد الكامل لتلقّي الفيض والنور الإلهي، كما هو الحال في الأنبياء والأوصياء والصالحين.

قال الإمام الغزالي: «اعلم أنّ العلم يحصل من طريقين: أحدهما التعلّم الإنساني، والثاني التعلّم الرباني. الطريق الثاني: إلقاء الوحي، وهو أنّ النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها دنس الطبيعة ودرن الحرص والأمل الفانية، وتُقبِل بوجهها على بارئها ومنشئها، وتتمسك بجود مبدعها، وتعتمد على إفاداته وفيض نوره، والله تعالى بحسن عنايته، يُقبِل على تلك النفس إقبالاً كلياً، وينظر إليها نظراً إلهياً، ويتخذ منها لوحاً، ومن النفس الكلي قلماً وينقش فيها جميع علومه، ويصير العقل الكلي كالمعلم، والنفس القدسية كالمتعلم، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس، وينتقش فيها جميع الصور من غير تعلم وتفكر»([281]).

وأحد أساليب تلقّي هذه الأرواح والنفوس لنور الله وفيضه هو عروج هذه الأرواح الطاهرة إلى محالّ فيضه ورحمته، وذلك بين يدي العرش.

قال ابن القيّم الجوزية في كتاب الروح: «وقد تظاهرت الآثار عن الصحابة أنّ روح المؤمن تسجد بين يدي العرش في وفاة النوم ووفاة الموت»([282])، فسجود تلك الروح بين يدي العرش أثناء النوم يحصل من خلال عروج تلك الروح إلى عالم آخر يسمّى بالعرش.

وقد روى البيهقي في الشُعَب بسنده، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنّه قال: «إن الأرواح يعرج بها في منامها وتؤمر بالسجود عند العرش، فمن كان طاهراً سجد تحت العرش، ومن كان ليس بطاهر سجد بعيداً عن العرش...»([283]).

وهذه الطهارة وإن حملها بعضٌ على الطهارة من الحدث كالوضوء والغسل والتيمم، لكنّ الأنسب حملها على ما يشمل طهارة الباطن ونزاهته من أقذار الذنوب والمعاصي، التي تمنع من حصول القرب الإلهي؛ لذا قال المناوي: «والطهارة عند النوم قسمان: طهارة الظاهر وهي معروفة، وطهارة الباطن وهي بالتوبة، وهي آكد من الظاهرة، فربّما مات في نومه وهو متلوّث بأوساخ الذنوب فيتعين عليه التوبة، وأن يُزيل من قلبه كلّ شيء»([284]).

معنى العرش وعروج الروح إليه

من الجدير بالذكر أنّ هذا العروج لأرواح المؤمنين ليس عروجاً مادياً، وأنّ هناك درباً وطريقاً مادّياً لهذه الأرواح تصعد بها إلى العرش، فيكون العرش جسماً مادياً والروح تصعد إليه، بل العروج إشارة إلى سمّو هذه الأرواح وقربها من مصدر المواهب والفيوضات الإلهية، والذي عبّر عنه بالعرش.

ومعنى العرش يحتاج إلى بحث خاصّ ومفصّل، ولكنّنا سنقتصر على موضع الحاجة، فنقول: لقد اختلفت التفاسير في إعطاء معنى واضح للعرش، فمنهم من اعتقده شيئاً مادياً.

قال ابن كثير: «فهو سرير ذو قوائم، وهو كالقبّة على العالم تحمله الملائكة، وهو سقف المخلوقات»([285]).

وهو ما أشار إليه ابن تيمية بقوله: «وأمّا العرش فإنّه مقبّب»([286])، وهذا الرأي يستشعر منه التجسيم، وأنّ قائله متأثّر بالفكر التجسيمي.

وقد فُسِّر العرش في الروايات الواردة عن أهل البيت بأنه جملة جميع الخلق وفي وجه آخر هو العلم الذي كشفه الله وعلمّه للأنبياء^، وهذا هو اعتقاد الشيعة بمعنى العرش:

قال الصدوق في الاعتقادات: «قال الشيخ أبو جعفر&: اعتقادنا في العرش أنه جملة جميع الخلق، والعرش في وجه آخر هو العلم، وسئل الصادق× عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؟ فقال: >استوى من كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء<([287])، وروى الصدوق في معاني الأخبار عن المفضل بن عمر، قال: >سألت أبا عبد الله× عن العرش والكرسي ما هما؟ فقال: العرش في وجه هو جملة الخلق والكرسي وعاؤه، وفي وجه آخر العرش هو العلم الذي اطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحججه»([288]).

وروى عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله× في قول الله عزّ وجلّ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}، فقال: >السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره<([289]).

وهناك من فسّره بالملك، كالمعتزلة والماتريدية وعامة متأخري الأشاعرة([290]) وبعض المتكلمين وغيرهم.

قال الثعالبي في تفسيره: «وقوله سبحانه: {ثمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}([291]) معناه عند أبي المعالي وغيره من حُذّاق المتكلّمين: المُلك والسلطان»([292]).

فتكون عبارة: {ثمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} كناية عن سيطرة حاكم من الحكام على اُمور بلده، كما إن المراد من جملة (ثُلَّ عرشه) هو خروج زمام الأمر من يده وفقدان السيطرة عليه، واستعمالات هذه الكناية في اللغة كثيرة.

فالاستواء على العرش هو الإحاطة الكاملة لله تعالى وسيطرته على تدبير اُمور الكون([293]).

وهناك من ذهب إلى معنىً أعمق من ذلك، وهو: أنّ الاستواء على العرش وإن كان جارياً مجرى الكناية بحسب اللفظ، لكنّه لا ينافي أن يكون هناك حقيقة موجودة تعتمد عليها هذه العناية اللفظية، فالسلطة والاستيلاء والملك وغيرها اُمور اعتبارية وضعية ليس لها في الخارج إلاّ آثارها، لكنّ الله سبحانه يبيّن لنا أنّ هذه البيانات وراءها حقائق واقعية وجهات خارجية ليست بوهمية اعتبارية، فمعنى الملك والسلطنة والإحاطة وغيرها المنسوبة لله تعالى هو نفس المعنى الذي نفهمه من كلّ هذه الألفاظ التي عندنا، لكنّ المصاديق غير المصاديق، فلها بالنسبة لله تعالى مصاديق حقيقية خارجية بما يليق بساحة قدسه تعالى، فالعرش له مصداق يتناسب مع ساحة قدس الله تعالى.

وأمّا ما عندنا من مصاديق هذه المفاهيم فهي أوصاف ذهنية ادّعائية، وجهات اعتبارية لا تتعدّى الوهم، وإنّما وضعناها وأخذنا بها للحصول على آثار حقيقية هي آثارها بحسب الدعوى، وعليه فقوله تعالى: {ثمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في ذات أنّه تمثيل، يريد أن يبيّن به أنّ له إحاطةً تدبيريةً لملكه، كذلك يدلّ على أنّ هناك مرحلة حقيقية في المقام الذي تجتمع فيه جميع أزمّة الاُمور على كثرتها واختلافها، وهناك آيات اُخر تذكر العرش وحده، بحيث ينسبه إليه تعالى، كقوله تعالى: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}([294])، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}([295])، وقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}([296])، وقوله تعالى: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}([297])([298]).

فالآيات تدلّ بظاهرها على أنّ العرش حقيقة من الحقائق العينية؛ ولذلك نقول: إنّ للعرش في قوله: {ثمّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} مصداقاً خارجياً، وهو مقام في الوجود تجتمع فيه أزمّة الحوادث والاُمور، وليس كناية وعناية لفظية كما هو الحال في الرأي الذي سبقه، ولكنّه في نفس الوقت يختلف اختلافاً جوهرياً عن الرأي الأوّل، والذي يفيد أنّ العرش ككرسي كبير على شكل قبّة، وغيرها من الاُمور التي يشمّ منها رائحة التجسيم، والتي لا تتناسب مع الصفات الإلهية من عدم الجسمية التي يلازمها المحدودية والنقص والاحتياج، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

وبهذا يتّضح أنّ العرش مرتبة وجودية عالية، ومن هنا يمكننا القول: إنّ عروج أرواح المؤمنين في الحقيقة عبارة عن تواجد تلك الأرواح في ذلك العالم وفي تلك المرتبة العالية، وحين تكون هناك فهي تكون حيث مبدأ الفيض الإلهي ومصدر المواهب، كما قال المناوي في فيض القدير: «لأنّ النوم على طهارة يقتضي عروج الروح وسمّوها تحت العرش، الذي هو مصدر المواهب»([299]).

وتلك المواهب لا تتجاوز العلوم والمعارف التي يفيض بها المولى تعالى على تلك الأرواح، فتعود مزدانة بالعلم والمعرفة، لا سيما إذا كانت في أوقات مباركة، ولها تأثيرها التكويني على صفاء النفوس ونقائها واستعدادها لنقل تلك الفيوضات الربانية، ومن هذه الأوقات المباركة ليلة الجمعة.

فضيلة يوم الجمعة

لقد كان لبعض الأزمنة والأمكنة خصوصيات معينة وميزات مهمّة في الواقع التشريعي للإسلام؛ فلذا كانت هناك أعمال وعبادات زمانية ومكانية لا يكون امتثالها إلاّ في زمانها ومكانها الخاص.

مضافاً إلى أنّه في بعض الأحيان يكون للزمان والمكان مدخل في القبول وزيادة الأجر والثواب، ممّا يؤشّر على أنّ هناك حقائق تكوينية وواقعية يكون الزمان هو الموجد لها والمؤثّر في تلك الحقائق التي لا يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى، ولعلّ من أوضح تلك المصاديق الزمانية هو يوم الجمعة وليلتها الذي لا يخفى عظمته وفضله على سائر الأيام.

فقد أخرج ابن ماجه في سننه بسنده، عن أبي لبابة بن عبد المنذر، قال: «قال النبيّ’: إنّ يوم الجمعة سيّد الأيام، وأعظمها عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال...»([300]).

وفي مسند أحمد، عن أبي هريرة، عن النبيّ، قال: «ما تطلع الشمس بيوم ولا تغرب بأفضل أو أعظم من يوم الجمعة»([301]).

وقد علّق الهيثمي على هذا الحديث بأنّ: «رجاله رجال الصحيح»([302]).

وبناءً على كلّ ما تقدّم من أنّ أرواح المؤمنين تعرج في منامها إلى عرش ربها في ليالي الجمعة ـ ولا مانع من ذلك ـ بعد أن بينا أن أحد معاني العرش هو العلم كما تقدم([303]) فما الضير في أن تعرج أرواح أئمة أهل البيت^ إلى عرش الرحمن في تلك الليالي التي لها خصوصية وتأثير تكويني لا يعلمه إلاّ الله تعالى، فتذهب تلك الأرواح لتنال نصيبها من العلوم والمعارف الإلهية والفيوضات الربانية، وهم خلفاء التقى، وأئمة الهدى، وقرناء القرآن، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟

وهكذا اتضح لنا بعد بيان هذه المقدمات أنّ شبهة القفاري واهية جداً؛ لأنّها تستند على فهم خاطئ لكثير من الحقائق، والناس أعداء ما جهلوا.

وبعد هذا نقول: هل يبقى مبرر لذلك التهويل والتشنيع من قبل القفاري على كتب الشيعة ورواياتهم؟!

إلاّ أن يقال: إنّ ما يحمله الإنسان من غلّ وحنقٍ يؤدي بصاحبه إلى مجانبة الموضوعية، وعدم التأمّل ومراجعة ما هو ثابت عنده.


الشبهة: الله يناجي علياً× فهو يوحي إليه

قال القفاري: «جاء في البحار تسع عشرة رواية تذكر بأنّ الله ناجى علياً وأن جبرئيل يملي عليه...»([304]).

الجواب:

النجوى تحديث وليست وحياً

تأتي هذه الشبهة في سياق الشواهد والأدلّة التي حشدها القفاري لإثبات أنّ الشيعة تدّعي أنّ الأئمّة^ يُوحى إليهم، وأنّ جبرئيل ينزل عليهم بالأحكام والعلوم والمعارف الإسلامية، ما يعني: أنّ لهم سنّة وشريعة غير سنّة الرسول الأعظم وشريعته؟!

ومن خلال الأدلّة والبراهين الساطعة التي سقناها ـ فيما مضى ـ من كتب أهل السنّة اتضح وهن وضعف هذه الشبهة، التي ما فتئ مخالفو المذهب الشيعي يلصقونها بأتباعه.

إنّ نجوى الله سبحانه لعلي× ليست من الوحي في شيء بعد أن بيّنا معنى الوحي وشرائطه، فإنّها نوع من التحديث، وليس كلّ تحديث ونجوى من ملك من الملائكة لولي من أولياء الله وأحبائه هو وحي، وإلاّ فسيكون عدد كبير من الصحابة قد أوحى الله إليهم وحياً رسالياً.

ومناجاة الله تعالى لعلي× حقيقة ماثلة للعيان في التراث الإسلامي لم تنفرد الشيعة الإمامية بذكرها، بل فاضت بها روايات أهل السنّة، وأخرجها العلماء والمحدثون ومن طرق مختلفة كما سيتضح.

وقبل التعرض إلى سند الروايات وبيان صحّة طرقها، وتوضيح المقصود منها نشرع ببيان معنى النجوى في اللغة؛ ليسهل علينا فهم المقصود من تلك الروايات.

معنى النجوى

قال في القاموس: «ناجاه مناجاةً ونجاءً: سارّه. وانتجاه: خصّه بمناجاته»([305]).

وفي لسان العرب: «ونجاه نجواً، ونجوى: سارّه، والنجوى والنجي: السرّ. والنجو: السرّ بين اثنين، يقال: نجوته نجواً أي ساررته، وكذلك ناجيته، والاسم: النجوى»([306]).

وفي مختار الصحاح: «وانتجاه: خصّه بمناجاته»([307]).

وقال الراغب في المفردات: «وانتجيت فلاناً استخلصته لسرّي»([308]).

فالنجوى والمناجاة هي: المسارّة بين شخصين، والمناجي هو الطرف المخاطِب والمحدِّث، والمقابل هو نجيّه والمستخلَص لسرّه دون غيره من البشر.

قال ابن الأثير: «وفي حديث الدعاء (اللّهم بمحمد نبيّك، وبموسى نجيّك) هو المناجى المخاطب للإنسان والمحدّث له، يقال: ناجاه يناجيه مناجاة، فهو مناجٍ، والنجيّ: فعيل منه»([309]).

فالمناجاة صفة مفاعلة، وهي تقتضي الاشتراك بين الطرفين، فحين يقال: ناجاه أي أنّ المسارّة حدثت بين طرفين، فالمبتدئ بالمناجاة يسمّى مناجياً، والطرف الآخر يسمى مناجىً «وانتجى القوم وتناجوا: أي سارّ بعضهم بعضاً»([310]).

الله تعالى ينتجي علياً×

إنّ فضائل أمير المؤمنين علياً× ومناقبه من العظمة والشهرة والكثرة ما أصبح الكلام عنها يعدّ من نافلة القول، ومن قبيل الإشادة بنور الشمس ضياءً وانتشاراً؛ فلذا يقول ابن أبي الحديد: «فأمّا فضائله× فإنّها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغاً يسمج معه التعرض لذكرها والتصدّي لتفصيلها، فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد: رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك، كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفى على الناظر»([311]).

حتى قال أحمد بن حنبل: «ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله’ من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب»([312]).

وقال ابن الجوزي: «قال الإمام أحمد بن حنبل: ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي (رضي الله عنه)»([313]).

وقال أحمد وإسماعيل بن إسحاق القاضي أيضاً: «لم يُروَ من فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب»([314]).

ومن فضائله× أنّ الله سبحانه انتجاه واستخلصه لسرّه ومكنون علمه وبحضور المصطفى، وذلك في حصار الطائف حتى طالت مناجاته له، ما جعل بعض الصحابة يعترض ويبدي امتعاضه من ذلك وعدم تحمّله لهذا المشهد، فوصل اعتراضهم واحتجاجهم على تلك المناجاة إلى مسامع النبيّ، فأجابهم النبيّ: «ما انتجيته، ولكنّ الله انتجاه»([315]).

وهذه القضية قد وثقت في المصادر عند كلا الفريقين، وهي على كثرتها وتشعّب طرقها في مصادرهم قد تصل إلى حد الاستفاضة، وسننقل ما دلّ عليها من روايات أهل السنّة.

المناجاة في روايات أهل السنة

لقد وردت تلك القصة في كثير من مصادر أهل السنّة وكتبهم المعتبرة، وأخرجها كبار الحفّاظ والمحدّثين، وسوف ننقل نموذجين من هذه الروايات:

1 ـ رواية الترمذي

أخرج الترمذي في سننه، قال: «حدّثنا علي بن المنذر الكوفي، أخبرنا محمد بن فضيل، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: دعا رسول الله’ علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمّه، فقال رسول الله’: ما انتجيته، ولكنّ الله انتجاه».

وقد قال بعد ذلك: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث الأجلح، وقد رواه غير ابن فضيل عن الأجلح، ومعنى قوله: (ولكن الله انتجاه)، يقول: إنّ الله أمرني أن أنتجي معه»([316]).

سند الرواية

إنّ الرواية جيدة الإسناد، قد حسّنها الترمذي، وأما رواتها: فعلي بن المنذر الكوفي قال عنه ابن حجر: «صدوق يتشيّع»([317])، وقال الذهبي: «قال النسائي: شيعي محض، ثقة»([318]).

ومحمد بن فضيل بن غزوان بن جرير الضبي قال عنه ابن حجر: «صدوق عارف رمي بالتشيع»([319]).

وقال عنه الذهبي: «ثقة شيعي»([320]).

وأمّا الأجلح فقد قال عنه ابن حجر: «صدوق شيعي»([321]).

وقال الذهبي: «وثّقه ابن معين وغيره»([322]).

وأبو الزبير: هو محمد بن مسلم بن تدرس القرشي الأسدي، قال عنه الذهبي: «حافظ ثقة»([323]).

فالرواية بهذا الطريق معتبرة السند.

2 ـ رواية ابن أبي عاصم

أخرج ابن أبي عاصم في كتابه السنّة، قال: «حدثنا وهبان بن بقية، ثنا خالد، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر قال: انتجى النبيّ’ علي ابن أبي طالب، فقال الناس: يا رسول الله، لقد طالت مناجاتك لعلي، قال: ما انتجيته ولكن الله انتجاه»([324]).

سند الرواية

لقد جاءت هذه الرواية بسند معتبر أيضاً.

فوهبان بن بقية: هو وهب بن بقية بن عثمان بن سابور بن عبيد بن آدم بن زياد الواسطي، أبو محمد المعروف بوهبان، وثّقه الذهبي([325]) وابن حجر([326]).

وأمّا خالد: فهو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان أبو الهيثم، قال عنه الذهبي: «أحد العلماء، ثقة عابد»([327]).

وقال عنه ابن حجر: «ثقة ثبت»([328]). وأما الأجلح وأبو الزبير فقد تقدّم الكلام عنهما.

تضعيف الألباني لروايات أبي الزبير عن جابر

لقد ضعّف الألباني الحديث الأول الذي ينقله أبو الزبير عن جابر، في كتابه ضعيف الترمذي، ولم يشر إلى وجه الضعف فيه، إلاّ أنه قد بيّن وجه الضعّف في السلسلة الضعيفة مدّعياً أنّ أبا الزبير متّهم بالتدليس وقد عنعن أي لم يصرّح بالسماع أو التحديث، قال: «وأبو الزبير مدلّس وقد عنعنه، فهو علّة الحديث»([329]).

وأما الحديث الثاني فلم نجد تعليقاً للألباني عليه في كتابه ظلال الجنة الذي علّق فيه على كتاب السنّة لابن أبي عاصم والذي ورد فيه الحديث، مع أنه يتضمّن السبب نفسه الذي من أجله ضعّف الحديث الأول، وهو رواية أبي الزبير عن جابر.

وقد أكّّد الألباني على تضعيف جميع أحاديث أبي الزبير عن جابر التي لم يصرّح فيها بالسماع أو التحديث إلاّ إذا كانت الرواية عن الليث بن سعد عن أبي الزبير، فإنّها مقبولة وإن لم يصرّح فيها بالتحديث؛ لما ستأتي الإشارة إليه، قال: «وجملة القول: إنّ كلّ حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة (عن) ونحوها وليس من رواية الليث بن سعد عنه, فينبغي التوقّف عن الاحتجاج به, حتى يتبيّن سماعه, أو ما يشهد له, ويعتضد به، هذه حقيقة يجب أن يعرفها كلّ محبّ للحق, فطالما غفل عنها عامة الناس، وقد كنت واحداً منهم, حتى تفضّل الله عليّ فعرّفني بها, فله الحمد والشكر, وكان من الواجب عليّ أن أنبه على ذلك, فقد فعلت, والله الموفق لا ربّ سواه»([330]).

المناقشة

إنّ تضعيف الألباني لجملة من أحاديث أبي الزبير ومنها هذان الحديثان؛ استناداً إلى تهمة التدليس لم يكن له مسوغ ومبرر علمي، كما أن الأدلة والشواهد لا تدعم ذلك، وهذا ما تكشفه عدة من الوجوه التالية:

الوجه الأول: إنّ المتتبع لكلمات المتقدمين من كبار المحدّثين وعلماء الجرح والتعديل كالبخاري والعقيلي وابن عدي وابن حبان وغيرهم الذين ترجموا لأبي الزبير، يجد أنهم لم يتّهموه صراحة بالتدليس، باستثناء النسائي في سننه الكبرى، قال: «كان شعبة سيِّء الرأي فيه، وأبو الزبير من الحفاظ روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب ومالك بن أنس، فإذا قال: سمعت جابراً فهو صحيح، وكان يدلّس وهو أحبّ إلينا في جابر من أبي سفيان، وأبو سفيان هذا اسمه طلحة بن نافع»([331])، ولكن النسائي في الوقت ذاته قد أخرج لأبي الزبير أحاديث عديدة عنعنها، في سننه المسمّاة بالمجتبى والتي انتقى أحاديثها من السنن الكبرى وكان بعض المتقدمين يطلقون على سنن النسائي صحيح النسائي([332])، مما يكشف عن قبول النسائي بعنعنة أبي الزبير، وما ذكره من التدليس لا يعدّ سبباً لإسقاط روايته عن الاحتجاج بها عنده.

الوجه الثاني: صرّح الحاكم النيسابوري بنفي التدليس عن أبي الزبير في كتابه معرفة علوم الحديث، في معرض كلامه عن معرفة الأحاديث المعنعنة التي ليس فيها تدليس، فذكر مثالاً لها هو حديث رواه أبو الزبير، قال: «عن جابر بن عبد الله عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أنه قال: لكلِّ داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عزّ وجلّ».

قال الحاكم: «هذا حديث رواته بصريون ثم مدنيون ومكّيون، وليس من مذاهبهم التدليس، فسواء عندنا ذكروا سماعهم أو لم يذكروه، وإنّما جعلته مثالاً لألوف مثله»([333])، ولذا صحّح له الحاكم أحاديث كثيرة في كتابه المستدرك ([334]).

الوجه الثالث: إنّ عمدة ما استند إليه من اتّهم أبا الزبير بالتدليس، هو قصة الليث بن سعد التي استظهروا منها تدليس أبي الزبير، ومفاد تلك القصة ـ التي نقلها ابن عدي والعقيلي ـ أن الليث قال: «أتيت أبا الزبير المكّي فدفع إليّ كتابين، قال: فلمّا سرت إلى منزلي قلت: لا أكتبهما حتى أسأله، قال: فرجعت إليه، فقلت: هذا كلّه سمعته من جابر؟ قال: لا، قلت: فأعلم لي على ما سمعت، قال: فأعلم لي على هذا الذي كتبته عنه»([335]).

ويلاحظ على هذه القصة، أولاً: أنه لا يظهر منها بوضوح كون أبي الزبير قد طلب من الليث أن يحدّث بهذه الأحاديث عنه، وإنّما دفع له كتبه التي كتبها والتي يعلم أيّاً منها سمعه من جابر وأيّاً منها لم يسمعه، وعندما أراد الليث أن يكتبها ويحدّث بها سأل أبا الزبير وأعلمه بمروياته التي سمعها من جابر.

وثانياً: إن القصة ذاتها قد رواها الفسوي في المعرفة والتاريخ لكن بنحو لا يمكن أن يستظهر منها تدليس أبي الزبير إطلاقاً، قال: «عن الليث بن سعد: جئت أبا الزبير فأخرج إلينا كتباً، فقلت: سماعُك من جابر؟ قال: ومن غيره، قلت: سماعَك من جابر، فأخرج إليّ هذه الصحيفة»([336]).

فأبو الزبير استناداً إلى هذه الرواية لم يدفع لليث أحاديثه حتى نقول إنه دلّس ولم يبيّن له ما سمعه من جابر وما سمعه من غيره، وإنما أراد أن يريه ما كتبه من أحاديث، ثم بعد أن طلب الليث منه أن يفرز له ما سمعه من جابر عن غيره دفع إليه الصحيفة التي فيها أحاديثه عن جابر والتي يظهر أنه كان قد عزلها عن بقية الأحاديث، الأمر الذي يبعد عن أبي الزبير تهمة التدليس.

الوجه الرابع: إنّ من اتّهمه بالتدليس من المتأخرين كالذهبي([337]) وابن حجر([338]) قد صححوا أحاديث قد عنعنها أبو الزبير ولم يصرح فيها بالسماع أو التحديث؛ فقد وافق الذهبي الحاكم النيسابوري في تصحيح أحاديث أبي الزبير، وذلك في تلخيصه على المستدرك([339])، وأمّا ابن حجر فقد صحّح حديث أبي الزبير عن جابر عن رسول الله| «لا تذبحوا إلاّ مسنّة...»، قال: «وقد صحّ فيه حديث جابر رفعه (لا تذبحوا إلا مسنة إلاّ أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم»([340]).

فلا ندري هل تناقضوا في حكمهم أم أنهم يعتقدون أن عنعنة أبي الزبير غير قادحة في صحة حديثه؟!

الوجه الخامس: قد أخرج لأبي الزبير أحاديث معنعنة، كثيرٌ من المتقدمين في صحاحهم، وفي مقدّمتهم مسلم النيسابوري في صحيحه([341]) ولا يخفى مكانة مسلم عند أهل السنة، حتى أن مثل الدارقطني لم ينتقده عليها عندما علّق على صحيحه وأشكل على بعض أحاديثه، وكذلك أخرج له ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما([342])، مضافاً إلى أن أحاديثه المعنعنة قد أخرجها جلّ الحفاظ والمحدثين، ومنها ما استدلوا بها في الفروع والأحكام الفقهية كحديث «لا تذبحوا إلاّ مسنّة إلاّ أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» ونقله معظم الفقهاء والعلماء واستدلوا به على ما يجوز ذبحه من الحيوان كأضحية، مما يعني أنهم لا يشكّون في صحة الحديث.

الوجه السادس: لو سلمنا كونه مدلساً، فلا يضرّ ذلك في حديثه فيما لو كانت الواسطة مأمونة بينه وبين جابر كما هو معلوم، فإنّ أبا الزبير قد روى أكثر رواياته عن جابر من صحيفة كتبها سليمان بن قيس اليشكرى الثقة([343])، قال أبو حاتم: «جالس سليمان اليشكري جابراً فسمع منه وكتب عنه صحيفة، فتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته فروى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر، وهم قد سمعوا من جابر وأكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة»([344]).

ومما يؤيد ذلك ويقوّيه أنّه لم يكن لأبي الزبير شيوخ ضعفاء؛ ولذا قال ابن القيم: «وأبو الزبير وإن كان فيه تدليس فليس معروفاً بالتدليس عن المتّهمين والضعفاء، بل تدليسه من جنس تدليس السلف لم يكونوا يدلّسون عن متهم ولا مجروح وإنما كثر هذا النوع من التدليس في المتأخرين»([345]).

الوجه السابع: لقد صحّح بعض المحققين المعاصرين روايات أبي الزبير عن جابر مع كونها لم تكن عن الليث بن سعد، ولم يصرّح فيها بالتحديث، ومنهم العلامة أحمد محمد شاكر([346]) وحمزة أحمد الزين([347]) محققا كتاب مسند أحمد، وحسين سليم أسد محقق كتاب مسند أبي يعلى الموصلي([348])، والدكتور محمد مصطفى الأعظمي محقق كتاب صحيح ابن خزيمة([349])، وغير مَن ذكرنا من المحققين والمعلّقين والشرّاح.

فهذه الوجوه وغيرها تجعل المرء يطمئنّ بصحة أحاديث أبي الزبير عن جابر على مباني أهل السنة، سواء التي صرح بها بالسماع أم التي لم يصرّح، وتجعل تضعيف الألباني لها رأياً شاذاً لا يعتدّ به.

الحديث في كتب الحفاظ

لقد أخرج هذه الأحاديث عدد من الحفّاظ والمحدّثين ومن طرق مختلفة، فقد أخرجها ـ مضافاً إلى الترمذي وابن أبي عاصم ـ الخطيب البغدادي في تاريخه([350]).

وأبو يعلى في مسنده([351]). والطبراني في الكبير([352]). وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن جابر بأربعة طرق، عن سالم بن أبي حفصة، وعن عمار الذهبي والأعمش وإبراهيم بن حماد([353]).

وأخرجها ابن المغازلي في مناقبه، عن طريق جابر بن عبد الله الأنصاري،  وسعد بن أبي وقاص([354])، وغيرهم من علماء وحفّاظ أهل السنّة، بالإضافة إلى ما ورد من طرق أهل البيت^ في كتب الشيعة.

معنى الحديث

بعد أن ثبتت صحّة الحديث نتعرض لبيان معناه، فقد اختلف في المراد منه، فالشيعة ترى أنّ معناه واضح في أنّ الله تعالى هو طرف المناجاة مع علي×، بينما فسّر أهل السنّة عبارة (ولكن الله انتجاه): أنّ الله أمر النبيّ بأن يناجي ويسارّ علياً×.

ونحن إذا تركنا ظهور الحديث وطبعه من دون تدخّل اعتقادات معينة لها تأثيرها في توجيه الحديث، نجد أنّ المعنى الذي ذهبت إليه الشيعة هو الأقرب إلى اللغة، فإنّ المناجاة ـ كما بيّنا في البحث اللغوي ـ تفيد الاشتراك في النجوى بين الطرفين، أحدهما المناجِي (بكسر الجيم)، وثانيهما المناجَى (بفتح الجيم)، فحين يقال: الله ناجى موسى× فإنّ الكلام ظاهر في وقوع المناجاة بين الله تعالى وشخص موسى×، وانتجى الله موسى: ظاهره أيضاً في أنّ الله خصّه بمناجاته، وفي المقام نجد أنّ النبيّ يقول: «الله انتجى علياً»، فظاهر الكلام ينسجم مع أنّ الله تعالى هو مَن ناجَى علياً وانتجاه.

أمّا حمله على أنّ النجوى كانت بين النبيّ وعلي× بأمر الله تعالى فهذا خلاف الظاهر. ولا محذور يمنع من مناجاة الله لعلي× مباشرة، فيضطرّنا إلى عدم الأخذ بالظاهر بعد أن ثبت أنّ تحديث الملائكة للأولياء والصالحين أمر ثابت في كتب الفريقين، وقد أشرنا إلى ذلك مراراً.

ولعلّ تلك المناجاة من قبل الله تعالى لعلي× تُشعِر بأنّ الله يُعدّ علياً لمهمة عظمى يضطلع بها بعد رحيل النبيّ، وهي تأهيله لحمل أعباء الإمامة الإلهية بعد رسول الله، فحمّله بعض أسرار تلك المهمّة الإلهية.

قال الطيبي مفسّراً لمعنى أنّ الله انتجاه: «كان ذلك أسراراً إلهية واُموراً غيبية جعله من خزانتها»([355]).

وإن أبيت إلاّ حمل اللفظ على المعنى الذي ذهب إليه علماء أهل السنّة، فلا بأس بذلك، وهو يُعدّ فضيلة ومنقبة لأمير المؤمنين×، وعلى كلا التقديرين فإنّ هذه المناجاة ـ كما أسلفنا ـ لا تمثّل وحياً رسالياً، كما أراد القفاري أن يستفيد من ذلك؛ تشويهاً لمذهب أهل البيت^.


الشبهة: جبرائيل يملي وحياً على علي×

قال القفاري: «بل جاء في البحار تسع عشرة رواية تذكر... أنّ جبرائيل يملي عليه([356])»([357]).

بيان الشبهة

إنّ صاحب البحار يذكر روايات تصرّح بأنّ الوحي كان يُملي على علي×، وهذه الروايات صريحة بنزول الوحي عليه، فيعدّ هذا أحد الشواهد المستنبطة من اعتقادات الشيعة في أنّ الوحي لم يختصَّ بالنبي، بل يشمل علياً× أيضاً. فيكون شاهداً ـ بالإضافة إلى بقية الشواهد ـ على أنّ الشيعة لم يعتمدوا على سنّة النبيّ المأخوذة من الوحي النازل عليه، بل هي مأخوذة من الوحي النازل على علي×.

وهذه الشبهة ترتكز على اُمور:

أولاً: أنّ الإملاء هنا بمعنى نزول الوحي مباشرة على علي×.

ثانياً: أنّ هذه الروايات صحيحة السند ومستفيضة في هذا المعنى.

الجواب:

لم يكن إملاء جبرائيل لعلي وحياً

إنّنا لو أجرينا فحصاً دقيقاً للروايات التي جاءت في كتاب البحار، والتي أشار إليها القفاري لوجدناها تدلّ وبشكل جلي على أنّ هذا الإملاء من قبل جبرائيل، إنّما كان إملاءً لوحيٍ قد اُنزل على النبيّ في رتبة سابقة، وأراد الرسول أن يمليه على علي× ليكتبه في صحف خاصة، في إشارة إلى مسألة لا تخرج عن كونها كتابة للوحي، والتي كانت شائعة ومنتشرة في أوساط المسلمين، ولم تكن مختصة بعلي×، فقد قام بهذه العملية كثير من الصحابة، فليس هذا وحياً مباشراً لعلي× كما أراد إثباته القفاري.

وقد تولّى رسول الله في الرواية جزءاً من عملية هذا الإملاء وأكملها جبرائيل، فأين هذا من الوحي لعلي×؟ وما أبعده عنه! إلاّ أنّ بعض النفوس تأبى إلاّ اتباع ما تشابه من اللفظ ابتغاء تأويله، وجعله يصبّ في صالحها.

وهناك عدد من الشواهد التي تؤيد هذا المعنى الظاهر والمفهوم من الروايات.

أولاً: أنّ معنى أملى الشيء وأملّه في اللغة: قاله ليكتب، قال ابن منظور: «يقال أمللت الكتاب وأمليته: إذا ألقيت على الكاتب ليكتبه»([358]).

قال الجوهري: «وأمليت الكتاب، أملى، وأمللته أمله: لغتان جيدتان جاء بهما القرآن، واستمليته الكتاب: سألته أن يمليه عليّ»([359]).

من هنا نفهم أنّ الإملاء في اللغة هو إلقاء الشيء ليكتب في كتاب أو صحيفة، فالغرض من الإملاء هو إلقاء الشيء للكتابة لا لشيء آخر.

ثانياً: جاء في هذه الروايات التي ذكرها صاحب البحار: أنّ علياً× لم يكن على علم بأنّ الذي يُملي عليه هو جبرائيل، بل كان يحسبه رسول الله؛ لأنّ الرسول هو الذي بدأ عملية الإملاء على عليٍّ×، فعن أبي عبد الله× قال: «إنّ رسول الله’ كان يملي على عليٍّ صحيفة، فلمّا بلغ نصفها وضع رسول الله’ رأسه في حجر علي× ثمّ كتب علي×، حتى امتلأت الصحيفة، فلمّا رفع رسول الله’ رأسه قال: من أملى عليك يا علي؟! فقال: أنت يا رسول الله، قال: بل أملى عليك جبرائيل»([360]).

وهذا يؤكد أنّ المسألة هي إملاء وحي كان قد نزل على رسول الله مسبقاً، ولم يكن وحياً خاصاً لعلي، وإلاّ فالموحى إليه كيف يجهل مَن أوحى إليه ويحسبه شخصاً آخر؟!

ثالثاً: من الشواهد المهمّة التي تؤكّد أنّ العملية هي عملية إملاء للوحي بالمعنى الذي أشرنا إليه هو نفس أمر النبيّ لعليّ× بالإملاء، فقد جاء في الروايات: أنّ رسول الله دعا علياً ليكتب ودعا بدفتر، وبدأ بعملية الإملاء، غاية الأمر أنّه اعترته حالة إغفاء حالت دون إكمال هذه العملية ليتولّى جبرائيل×، إكمالها؛ لأمر يعلمه سبحانه وتعالى.

فعن ابن سدير، عن أبي عبد الله×، قال: «سمعته يقول: دعا رسول الله’ علياً× ودعا بدفتر، فأملى عليه رسول الله’ بطنه واُغمي عليه، فأملى عليه جبرائيل ظهره...»([361]).

رابعاً: أنّ رسول الله كان يعلم وبشكل واضح حدود ما أملاه هو وحدود ما أملاه جبرائيل×؛ إذ بعدما أفاق النبيّ قال: «أنا أمليت عليك بطن الكتاب، وجبرائيل أملى عليك ظهره»، كما في الحديث المتقدم.

وفي رواية اُخرى: «فلمّا انتبه قال له: يا علي، من أملى عليك من هاهنا إلى هاهنا؟ فقلت: أنت يا رسول الله، فقال’: لا، ولكن جبرائيل أملى عليك...»([362]).

فكيف يستفاد من ذلك أنّه وحي لعليّ×؟ وكيف جعله القفاري واحداً من الشواهد على إنكار الشيعة للسنّة؟!

خامساً: أنّ الروايات التي تعرضت لمسألة إملاء جبرائيل لعلي× روايتان فقط من الروايات التسع عشرة، التي أشار إليها القفاري في هذا الباب من كتاب البحار للعلامة المجلسي، بينما عمد القفاري وباُسلوب مموّه إلى الإيحاء بأنّ عدداً كبيراً من هذه الروايات يشير إلى هذا المضمون؛ ليجعلها مستفيضةً عند الشيعة، وهو خلاف الواقع كما ترى.

مضافاً إلى أنّ هاتين الروايتين قد نقلهما العلاّمة المجلسي عن الشيخ المفيد في كتابه الاختصاص، وهما روايتان مرسلتان؛ لوجود القطع في سند المفيد.

والروايتان في البحار هما:

1ـ عن كتاب الاختصاص: «علي بن إسماعيل بن عيسى، عن صفوان بن يحيى عن رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله× أن رسول الله... كان يملي على علي× صحيفة...».

2ـ عن كتاب الاختصاص: «محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد وعبد الله ابنا محمد بن عيسى، عن ابن محبوب عن ابن سدير عن أبي عبد الله× قال: سمعته يقول: دعا رسول الله’ علياً× ودعا بدفتر، فأملى عليه...».

ففي الرواية الأولى لا يمكن للشيخ المفيد أن يروي عن علي بن إسماعيل من دون واسطة([363])، وكذلك، في الرواية الثانية لا يمكن له أيضاً أن يروي عن محمد بن الحسين بن الخطّاب أو أحمد بن محمد بن عيسى أو عبد الله بن محمد بن عيسى([364]).

فالسند مقطوع ولا يمكن الاعتماد عليه.


الشبهة: ادعاء الشيعة بأن الله يتحف علياً×

قال القفاري: «جاءت فيه([365]) سبع عشرة رواية تتحدث عن تحف الله تعالى وهداياه إلى علي»([366]).

ركائز الشبهة

ينطلق المستشكل في شبهته واستغرابه هذا من خلفية فكرية وعقائدية ساهم في صنعها وتشكيلها ما ورثه من تراث ضخم من الروايات والآراء والتفاسير والأقوال، التي أجحفت بحق أهل البيت^ وسلبتهم حقوقهم، ولم تضعهم في مقاماتهم ومنازلهم التي جعلهم الله فيها، وساوتهم بمن هم دونهم بمراتب إن لم تجعلهم أقلّ من ذلك بكثير، ولم يكن هذا النمط من الفكر عفوياً وغير مقصود، بل هو نتاج سنين من التخطيط والعمل الدؤوب الذي قامت به الدولة الاُمويّة بشتّى أنواع الترهيب والترغيب وشراء الذمم، فلذا لا يتحمّل مَن كان مثقلاً بهذه التركة سماع فضائل أهل البيت^ ومنزلتهم عند الله دون أن يبادر إلى نفيها ونسبة قائلها إلى الغلو.

فركيزة هذه الشبهة هي عدم تحمّل أن تكون فضيلة لعلي× بهذا المستوى.

تمهيد

شاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإنسان هو المحور الأساس في عالم التكوين، والذي تدور في فلكه كلّ مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فجعله الله تعالى خليفة في أرضه ومملكته، فكان الوصول بهذا الإنسان إلى الكمال هو الغاية الأساسية، فبعث من أجله الأنبياء والرسل، وأنزل الشرائع السماوية، وسخّر له كلّ ما في هذا الكون، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}([367]).

وتجلّت القدرة الإلهية في هذا الإنسان، فكان آية الإبداع الإلهي والإعجاز الرباني، فهو المخلوق الذي امتزج فيه العقل والشهوة، واُلهم قِيَم الخير والشرّ، قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}([368])، وقال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}([369])، فأصبح الإنسان بذلك ساحةً مفتوحةً تتصارع فيه قوى الفضيلة والرذيلة، وشاءت إرادة الله تعالى أن تكون الدنيا دار اختبار وامتحان للإنسان، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}([370])، وهو في كلّ ذلك متسلّح بالفطرة والعقل وقيم الدين الحنيف ضد أدوات الشر، كالنفس والهوى والشيطان.

من هنا كان اجتياز هذه الموانع والعبور إلى ضفة الإيمان والتقوى والاستقامة والدخول في حظيرة المؤمنين مكسباً عظيماً، وتحقيقاً لهدف سامٍ وغاية عظمى أرادها الله للبشرية، وهي الوصول بها إلى كمالها من خلال اتّباع الأوامر الإلهية التي جاء بها الأنبياء، وطاعتها والالتزام بها، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ}([371])، فحاز المؤمن بالله تعالى على كلّ أشكال العطاء الجزيل، والثواب العظيم، والثناء الجميل، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}([372])، وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}، وغير ذلك من الآيات القرآنية الكريمة.

ولعلّ من أسمى ما يحصل عليه المؤمن لإيمانه وتصديقه بالله سبحانه هو رضا الله ورضوانه، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([373]).

المؤمن موضع محبة الله

إنّ محبّة الله للإنسان المؤمن من أعظم نعم الله تعالى له، وهي أقصى ما يتمنّاه ويطمح إليه الإنسان المؤمن في هذه الحياة الدنيا، ما يجعله يتباهى بها وتغبطه عليه ملائكة السماء، فالله سبحانه مع عظم ذاته وجلالة قدره يُحبّ المؤمنين المتقين العابدين ويرضى عنهم، وهذه الحقيقة لا يحتاج إثباتها إلى مزيد عناء وكثير بيان، فالقرآن الكريم حافل بالآيات الكريمة التي تقرر هذه الحقيقة، والتي تعدّدت بتعدّد صفات المؤمنين من التقوى والصبر والتوكّل على الله سبحانه وغيرها من الصفات، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}([374]).

وقال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}([375]).

وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}([376])، وقال تعالى أيضاً: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}([377]).

وغيرها من الآيات التي تشير إلى هذا المعنى.

وفي طليعة هذه النخبة من المؤمنين والصالحين التي تكوّنت منذ أن وطأت أقدام الإنسان على هذه الأرض، وستبقى مستمرة إلى يوم القيامة، في طليعتهم المصطفى الأكرم محمد، والأئمة من آله والأنبياء والشهداء والصالحين.

علي× ملئ إيماناً من رأسه حتى قدميه

ويبرز من بين هذه الثلّة الطيبة والصفوة من خلق الله سبحانه حبيب المصطفى وربيبه وصنوه ووصيّه وصهره، الإمام أمير المؤمنين علي×، الذي آمن بالله ورسوله إلى درجة لا يشوبها شكّ ولا يتطرّق إليها ريب، حتى مُلِئ إيماناً من رأسه حتى أخمص قدمه، فخالط الإيمان لحمه ودمه([378])، فكان لا يرى شيئاً إلاّ ويرى الله قبله([379])، وقد بلغ غاية التقوى ومنتهى المعرفة واليقين بالله تعالى، بحيث يقول×: «لو كُشِفَ لي الغطاء ما ازددتُ يقيناً»([380]).

وقدجاهد بكل ما اُوتي من عزم وقوة في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى وتثبيت أركان دينه، فلم يدّخر وسعاً ولم يألُ جُهداً في تحقيق هذا الهدف، فكانت حياته الشريفة مشروع جهاد وعطاء حتى آخر لحظات حياته التي قدّمها قرباناً لله سبحانه وتعالى، حيث قتله أرذل خلق الله، وهو في تلك اللحظة يقول: «فُزتُ وربّ الكعبة»([381]).

فلا غرو أن تصبح محبته ومودّته واجبة على كلّ مسلم، كما هو مفاد آية المودّة، وهي على حدّ محبة الله ورسوله، وقرينتها التي لا تنفكّ عنها أبداً.

فعن أم سلمة قالت: «أشهد أنّي سمعت رسول الله’ يقول: مَن أحبّ علياً فقد أحبّني، ومن أحبني فقد أحبّ الله، ومن أبغض علياً، فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله» رواه الطبراني، وقال عنه الهيثمي: «إسناده حسن»([382]).

وعن عثمان الهندي، قال: «قال رجل لسلمان: ما أشد حبّك لعلي، قال: سمعت رسول الله’ يقول: من أحب علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني»، رواه الحاكم في المستدرك، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي في التلخيص قائلاً: «على شرط البخاري ومسلم»([383]).

فمحبة علي× ضرورة قرآنية وحقيقة إسلامية تسالم عليها المسلمون إلاّ من أعمى الحقد والحسد قلبه وبصيرته فباء بغضب من الله ورسوله، وخسر خسراناً مبيناً.

حب علي× علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق

لم تقف محبة علي عند حد اقترانها بمحبة الله ورسوله، فلا يمكن لمؤمن أن يحب الله تعالى ورسوله ولا يحب علياً×، بل تعدت إلى كونها معياراً وميزاناً يقاس بها إيمان المؤمن وتصديقه بالله، فلا يعرف المؤمن مؤمناً حتى يحب علياً، ولا يعرف المنافق منافقاً حتى يبغض علياً.

وهذا هو مفاد أحاديث صحيحة ومتكثرة وردت في أغلب كتب المسلمين وصحاحهم.

فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن علي×، قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنّه لعهد النبيّ الأمي (صلّى الله عليه وسلّم) إليّ أن لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق»([384]).

والحديث أخرجه أحمد في مسنده([385]) وابن ماجه في سننه([386]) والترمذي كذلك([387]) والنسائي في سننه([388]) وخصائصه([389])، وغيرهم كثير.

وما يدلّ على وضوح هذه الحقيقة واشتهارها، وكونها حالة معاشة بين المسلمين هو ما ورد في أقوال بعض الصحابة من أن الفيصل بين المؤمن والمنافق هو محبة علي× والتي منها:

1ـ عن أبي ذر L، قال: «ما كنا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب L»، قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»([390]).

2ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «ما كنا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم علياً L»([391]).

3ـ عن أبي سعيد الخدري، قال: «كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علياً»([392])، وغيرها من أقوال الصحابة.

علي× حبيب الله

من الطبيعي جداً أن ينال علي× هذه المنزلة ويتشرف بمحبة الله له بعد أن بيّنا أنّ المؤمن هو محلّ حب الله ورضاه، وعلي× في ذروة الإيمان وقمة التقوى، بل هو معيار الإيمان وميزانه كما قلنا، ولكن مع هذا فقد تفرد علي× بالذكر وأن الله سبحانه يحبه حبّاً خاصاً يتناسب مع مكانته ومنزلته، وقد وردت بيانات نبوية عديدة وفي مناسبات مختلفة تؤكّد تلك المحبة الخاصة:

منها ما جاء في فتح خيبر، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أبي سلمة L، قال: «كان علي بن أبي طالب L تخلف عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في خيبر، وكان رمداً، فقال: أنا أتخلف عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فلحق به، فلما بتنا الليلة التي فتحت، قال: لأعطين الراية غداً، أو ليأخذ الراية غداً رجل يحبه الله ورسوله يُفتَح عليه، فنحن نرجوها، فقيل: هذا علي، فأعطاه، فَفُتِحَ عليه»([393]).

وإنما حصل علي× على هذه المرتبة العظيمة؛ لاتباعه المطلق لرسول الله ولتنمّره في ذات الله سبحانه وإخلاصه وتفانيه في كسب رضاه وحبّه؛ ولذا يقول ابن حجر معلقاً على الأحاديث الآنفة الذكر: «أراد بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة، وفي الحديث تلميح بقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}([394])، فكأنه أشار إلى أن علياً تام الاتباع لرسول الله، حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق، كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث علي نفسه»([395]).

إكرام الله تعالى لعلي×

لا نجانب الحقيقة ولا الصواب إذا ما قلنا إن الله سبحانه قد أكرم علياً× وأسبغ عليه من عطائه وفضله، فهو حبيبه وصفيه ونجيه، فأتحفه بتُحَفهِ وهداياه، إكراماً له وإظهاراً لمكانته ومقامه عنده سبحانه وتعالى وتعريفه للناس.

وعلى هذا يتّضح ما ورد في كتب الشيعة من أن الله سبحانه قد أتحف علياً ببعض التحف والهدايا الخاصة والتي جعلها القفاري محل استغراب وشبهة، ومعنى التحفة هي: «الطرفة من الفاكهة وغيرها من الرياحين، والتحفة: ما أتحفت به الرجل من البرّ واللّطف»([396]).

والتحفة أخصّ من الرزق؛ لأنّ الرزق للبرّ والفاجر، والتحفة للمؤمن فقط، سواء كان أمراً مادياً أم معنوياً؛ فلذا عدّ البلاء والفقر من تحف الله للمؤمن، ففي كشف الخفاء للعجلوني عن معاذ بن جبل: «تحفة المؤمن في الدنيا الفقر»، وقال: «وسنده لا بأس به»([397]).

تحف الله تعالى لمريم ÷

إنّ إتحاف الله المؤمن بتحفه وهداياه ورزقه الكريم من الاُمور الشاخصة والماثلة للعيان، والتي لا تحتاج في الواقع إلى أدلّة وبراهين بعد أن بات واضحاً أنّ المؤمن هو حبيب الله ومحلّ رضاه ورحمته، والله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، ولكنّ السبب الذي ساقنا إلى هذا البحث ـ كما قلنا ـ هو ما استغربناه من كلام القفاري الذي استكثر أن يتحف الله علياً× ببعض التحف والهدايا، والتي حصل لها نظير في تراثنا الإسلامي، ولم يكن له مبرّر أو مسوّغ استند عليه في ذلك.

وسنكتفي بشاهد قرآني وروائي واضح على تحف الله تعالى للمؤمنين، وهو ما كان يهديه الله لمريم÷ من هدايا وتحف ورزق وفير، وهي لم تكن نبية وإنّما هي صدّيقة طاهرة من أولياء الله الصالحين.

قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً}([398])، ونقل ابن كثير عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والربيع بن أنس وعطية العوفي والسدي في تفسير ذلك قولهم: «يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف»([399]).

وهذا الرزق لم يكن شبيهاً بأرزاق الدنيا، ولذا كان يسأل عنه زكريا×، فيقول: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا}، قال الشوكاني: «أي: من أين يجيء لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا، {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ}([400])، فليس ذلك بعجيب ولا مستنكر»([401]).

وأخرج الحافظ أبو يعلى بسنده عن جابر: «أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أقام أياماً لم يطعم طعاماً، حتى شُقّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة، فقال: يا بنية، هل عندك شيء آكله؟ فإنّي جائع! قالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلمّا خرج من عندها÷ بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها ووضعته في جفنة لها وغطته، وقالت: لأوثرن بها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ثمّ بعثت إليه حسناً وحسيناً، فرجع إليها، فقالت له: بأبي أنت وأمي، قد أتى الله بشيء فخبّأته لك، قال: هلمي، فأتته، فكشفت عن الجفنة، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنّها بركة من الله عزّ وجلّ، فلما قدمته إليه حمد الله تعالى، وقال لها: من أين لك هذا؟ قالت: يا أبت هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: يا بنية، الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، ثمّ بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى علي وأكل (صلّى الله عليه وسلّم) هو وعلي وفاطمة وحسن وحسين وأهل بيته جميعاً حتى شبعوا، وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت فاطمة على جيرانها وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً»([402]).

إذن فتحف الله وكراماته للأولياء والصالحين فضلاً عن الأئمّة والأنبياء^ ممّا لا يوجب الاستغراب والإنكار، بل هو مقتضى كرم الله وفضله، ولا يشكل ذلك شاهداً على أنّ علياً× يوحى إليه في عقيدة الشيعة لتكون سنتهم مجانبة لسنة النبيّ.


الشبهة: الشيعة يعتقدون أن أئمتهم يرون أعمال العباد

قال القفاري: «كما ذكر المجلسي: (أنّ الله ـ بزعمهم ـ يرفع للإمام عموداً ينظر به إلى أعمال العباد)، واستشهد لذلك بستّ عشرة رواية»([403]).

بيان الشبهة:

الشبهة واضحة، فالقفاري يعرض للقارئ استهجانه لهذا المعتقد؛ إذ كيف يمكن لإنسان أن يرى أعمال العباد ويطّلع عليها؟! فهذا خرق للقانون الطبيعي، وما هذا إلاّ نوع غلوّ وتقديس لشخصيات معينة لم يكن له أيّ مسوّغ.

وهذا يندرج في ضمن سياق الشواهد على أنّ الشيعة لهم سنّة تختلف عن السنّة النبويّة؛ فإنّ إعطاء الأئمّة هكذا منزلة تجعلهم في مصافّ الأنبياء، أو أكثر من ذلك.

الجواب:

الاعتقاد برؤية الأعمال يلائم القرآن والسنة

في الحقيقة لم تكن هذه شبهة بالمعنى الحقيقي للشبهة بقدر ما هي استهجان واستغراب من الكاتب، الذي كعادته يحاول أن يصوّر أنّ الشيعة اُناس غريبو الأطوار في معتقداتهم، وخارجون عن نطاق التفكير الصحيح والمنطقي الذي يمليه العقل والدين.

وهذه الشبهة تعتمد في تكوّنها في ذهن القفاري على أمرين مهمّين:

الأوّل: عدم معرفته الدقيقة بمسألة الإمامة الإلهية ووظائفها، وهذا أمر سيّال في كلّ شبهاته، فهو يستغرب هذا الأمر من واقع المدرسة التي ينتمي إليها، وهي مدرسة لا تؤمن بشيء اسمه الإمامة بمعناها القرآني، ولا تعترف بوظائفها، وما يترتّب عليها من اُمور، فالإمام عنده هو حاكم تنفيذي كرئيس الدولة، فلا يحتاج إلى كلّ هذه الاُمور.

الثاني: أورد هذا الاستغراب مع غضّه الطرف عن الأدلّة من القرآن أو السنّة التي أشارت إلى هذا المعنى، وسترى أنّها كثيرة في هذا المجال.

وسنبيّن كلّ ما يرتبط بهذين الأمرين؛ لينكشف أنّ الاستغراب والاستنكار ليس في محلّه؛ لأنّ ادّعاء الشيعة يلائم القرآن والسنّة والعقل.

الإمامة والهداية

ذكرنا في البحوث المتقدّمة معنى الإمامة وأهميتها، والعبء الثقيل الذي ألقي على عاتق من يقوم بها، وأنّها تمثّل الامتداد الوظيفي للنبوّة، وبها تدوم مسيرة الإسلام بشكلها الصحيح، وهذا واضح في منظومة الفكر الشيعي الذي لم يكن بعيداً عن العقل حين اعتقد بفكرة الإمامة،كما أنّه لم يكن بعيداً في ذلك عن السنّة النبويّة والقرآن، بل أنّها مستوحاة منهما، قال الله تعالى مخاطباً إبراهيم×: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}([404])، فإبراهيم× قد كان نبيّاً، ومع ذلك فقد جعل الله تعالى له الإمامة بعد أن استكمل شرائطها، فليست الإمامة هنا بمعنى النبوّة، بل هي مرتبة أعلى منها([405]).

ومن وظائف تلك الإمامة هداية البشرية للوصول بها إلى التكامل المعدّ لها من قِبل السماء، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}([406]) وهناك نوعان من الهداية: هداية بمعنى إراءة الطريق وكشفه دون إيصال الشخص إلى الغاية والمطلوب، وهداية اُخرى لا تقتصر على إراءة الطريق وبيان الحقيقة {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}([407]) بل تتعدى ذلك إلى ما يعبّر عنها بالهداية الإيصالية التي بها يصل الإنسان إلى المطلوب، والتي تقوم على أساس أن يكون الإمام قدوة للناس في أفعاله وأقواله ومواقفه([408])؛ ليأخذ بيد البشرية ويقودها نحو كمالها المنشود.

الهداية ورؤية الأعمال

إنّ الهداية الإيصالية مهمّة عظيمة وتكليف جسيم يستلزم أن يكون الهادي في أوج مرتبة وأعلى كمال وأكمل يقين، ويكون مطّلعاً على كلّ ما له دخل في القيام بهذه المهمّة، ومنكشفاً له عالم الملكوت، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}([409]) وليس ببعيد أن يكون معنى هذا الملكوت هو نفس معنى الأمر في الآية{يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}([410]) فالهداية تكون بتوسط هذا الأمر الإلهي، وليس المقصود هنا بالأمر هاهنا الأمر الشرعي.

وهذه الهداية لا تكون إلاّ بتلبّس الإمام بذلك العالم الملكوتي والأمر الإلهي؛ فتنكشف له بواطن الأشياء وحقائقها، ومن بينها أفعال العباد، وما يقومون به في الظاهر والباطن؛ لكي يستطيع من خلال ذلك الوصول إلى القلوب، ويطّلع على الموانع التي تمنع من الوصول إلى الكمال، فيرشد الإنسان إلى كيفية زوالها.

رؤية الأعمال في القرآن والسنة

إنّ فكرة رؤية أعمال العباد لم يهملها القرآن، بل قد تعرّض لها في أكثر من مورد، فقد وردت بعض الآيات الدالّة على أنّ الله سبحانه ورسوله والمؤمنين يطّلعون على أعمال العباد، كما أنّ هناك رواياتٍ صحيحةً تؤكّد هذا المعنى، وها نحن نتعرّض لذكر تلك الآيات والروايات تباعاً:

قال تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثمّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}([411]).

وقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}([412]).

فنجد أنّ الآية الاُولى قد أسندت الرؤية إلى الله سبحانه ورسوله، فيما لم تقتصر الآية الثانية على ذلك، بل أسندت الرؤية إلى المؤمنين أيضاً، وقد اختلف علماء أهل السنّة ومفسّروهم في بيان المقصود برؤية الرسول والمؤمنين في هاتين الآيتين، فذهبوا في ذلك مذاهب شتّى، بعيدة كلّ البعد عن ظاهر الآية، ومن هذه المذاهب والتفسيرات:

1ـ رؤية الرسول للأعمال بمعنى المشاهدة هنا، ورؤية المؤمنين بمعنى الفراسة، وقد استدلّوا على ذلك بما روي عن رسول الله: احذروا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور الله، ففي تفسير السلمي عن أبي حفص وأبي عثمان قالا في تفسير الآية: «اعمل وأصلح العمل وأخلص النية؛ فإنّ الله عزّ وجلّ يرى سرّك وضميرك، والرسول يراه رؤية مشاهدة، والمؤمنون يرونه رؤية فراسة وتوسّم»([413]).

2ـ رؤية الرسول بمعنى: إعلام الله له، وأمّا رؤية المؤمنين، فتعني: إيقاع المحبّة في قلوبهم لأهل الصلاح، وإيقاع البغض لأهل الشرّ والفساد، قال السمعاني: «فإن قال قائل: ما معنى رؤية الرسول والمؤمنين؟ قلنا: رؤية الرسول: هي بإعلام الله إيّاه عملهم، ورؤية المؤمنين: بإيقاع المحبّة في قلوبهم لأهل الصلاح، وإيقاع البغضة في قلوبهم لأهل الفساد»([414]).

وفي تفسير البغوي عن مجاهد، قال: «هذا وعيد لهم، قيل: رؤية النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بإعلام الله تعالى إيّاه، ورؤية المؤمنين بإيقاع المحبّة في قلوبهم لأهل الصلاح، والبغضة لأهل الفساد»([415]).

3ـ الرؤية تعني: عرض الأعمال، وهذا العرض سيكون على النبيّ وعلى المؤمنين في يوم القيامة، فالآية ناظرة إلى يوم القيامة.

قال ابن كثير في تفسير الآية، عن مجاهد: «هذا وعيد، يعني من الله تعالى للمخالفين أوامره بأنّ أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ}»([416]).

4ـ إنّ الرؤية تعني: الشهادة على الأعمال، ففي الدرّ المنثور قال: «وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه، عن سلمة بن الأكوع، قال: مرّ بجنازة فأثنى عليها، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): وجبت، ثُمّ مرّ بجنازة اُخرى فأثنى عليها، فقال: وجبت، فسُئِل عن ذلك؟ فقال: إنّ الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض، فما شهدتم عليه من شيء وجب، وذلك قول الله: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}»([417]).

5ـ وذهب بعضٌ إلى أنّ الرؤية هنا هي كناية عن حصول الجزاء من المدح والثناء والثواب العظيم للمحسنين في الدنيا والآخرة، وحصول الذمّ والعقاب في الدنيا والآخرة.

قال الفخر الرازي: «فقوله: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} ترغيب عظيم للمطيعين، وترهيب عظيم للمذنبين، فكأنّه تعالى قال: اجتهدوا في المستقبل؛ فإنّ لعملكم في الدنيا حكماً، وفي الآخرة حكماً: أمّا حكمه في الدنيا فهو أنّه يراه الله ويراه الرسول ويراه المسلمون، فإن كان طاعة حصل منه الثناء العظيم والثواب العظيم في الدنيا والآخرة، وإن كان معصية حصل منه الذمّ العظيم في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة. ومنهم قصر الجزاء على الجزاء الدنيوي»([418]).

وقال الآلوسي: «وجوّز بعض المحقّقين أن يكون العلم([419]) هنا كناية عن المجازاة، ويكون ذلك خاصّاً بالدنيوي من إظهار المدح والإعزاز مثلاً، وليس بالرديء»([420]).

6ـ رؤية الأعمال للنبيّ وللمؤمنين تعني: اشتهار العمل وظهوره لكافّة الناس واطّلاعهم عليه، وإنّما خصّ الله تعالى النبيّ والمؤمنين؛ لأنّهم من يعتدّ باطّلاعهم، قال الآلوسي: «أخرج أحمد وابن أبي الدنيا في الإخلاص، عن أبي سعيد عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: (لو أنّ أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس لها باب ولا كوّة لأخرج الله تعالى عمله للناس كائناً ما كان) وتخصيص الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بالذكر على هذا؛ لأنّهم الذين يعبأ المخاطبون باطّلاعهم»([421]).

7ـ ومنهم من جوّز أن تكون الرؤية بمعناها الحسّي، وذلك بأن يرى المؤمنون الأعمال والحركات الظاهرية، بخلاف رؤية الله الشاملة للاُمور المعنوية والمادية. قال الرازي في رؤية المؤمنين: «وهم إنّما يرون أفعال الجوارح، فلمّا تقيّدت هذه الرؤية بأعمال الجوارح في حقّ المعطوف، وجب تقييدها بهذا القيد في حقّ المعطوف عليه، وهذا بعيد؛ لأنّ العطف لا يفيد إلاّ أصل التشريك. فأمّا التسوية في كلّ الاُمور، فغير واجب، فدخول التخصيص في المعطوف لا يوجب دخول التخصيص في المعطوف عليه»([422]).

وقال الآلوسي: «وقيل: يجوز إبقاء الرؤية على ما يتبادر منها. وتُعقّب بأنّ فيه التزام القول برؤية المعاني وهو تكلّف وإن كان بالنسبة إليه تعالى غير بعيد، وأنت تعلم أنّ من الأعمال ما يرى عادة كالحركات، ولا حاجة فيه إلى حديث الالتزام المذكور، على أنّ ذلك الالتزام في جانب المعطوف لا يخفى ما فيه»([423]).

هذا، مضافاً إلى أنّ هناك من لم يبيّن معنى الرؤية في هذه الآيات، وتركها مبهمة.

ومن الواضح أنّ جميع هذه الأقوال فيها تكلّف بيّن، ومخالفة لظاهر اللفظ، وهذا الاختلاف والتباين فيما بينها دليل على ضعفها، ومناقشتُها وبيان وهنها يفضي بنا إلى الإطناب والخروج عن غرضنا في مراعاة الاختصار.

التفسير الأقرب إلى الصحة

ولو تدبّرنا قليلاً في خصوص الآية التي أسندت الرؤية للمؤمنين مضافاً للنبيّ، نجد عدّة اُمور مهمّة:

أولاً: أنّ الرؤية في الآية المباركة تعني الرؤية البصرية لا العلمية؛ لأنّها تعدّت إلى مفعول واحد([424])، قال الجوهري: «الرؤية بالعين تتعدّى إلى مفعول واحد، وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين»([425]).

وهذه الرؤية تختلف باختلاف الناظر، فهي بالنسبة إلى الله تعالى تجري مجرى العين الناظرة؛ لأنّ البصر بالحاسّة لا يصحّ على الله تعالى، قال الزبيدي: «الرؤية، بالضمّ: إدراك المرئي، وذلك أضْرُب بحسب قوى النفس، الأوّل: النظر بالعين التي هي الحاسّة وما يجري مجراها، ومن الأخير قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} فإنّه ممّا اُجري مجرى الرؤية بالحاسّة، فإنّ الحاسّة لا تصحّ على الله تعالى»([426]).

ثانياً: أنّ الآية المباركة أرجعت العاملين فيها إلى عالم الغيب والشهادة فيخبرهم بما كانوا يعملون. فالآية تحدّثت عن رؤية الله تعالى والرسول أو المؤمنين لأعمال الناس العاملين في مقطع زمني محدّد، ثّمّ تحدّثت عن إنباء وإعلام الله تعالى لهم بحقيقة أعمالهم في مقطع زمني آخر محدّد أيضاً، وهو غير المقطع الزمني الأوّل.

ثالثاً: أنّ الآية مطلقة لم تختصّ بعمل بالخصوص ولا بحالة معيّنة، وإن كانت الآيات التي سبقتها تحثّ على إيتاء الصدقات، كما أنّها لا تختصّ بالمؤمنين فقط، بل كلّ إنسان يمكن أن يصدر عنه عمل، سواءٌ كان كافراً أم مسلماً، وسواءٌ كان المسلم مؤمناً أم منافقاً.

رابعاً: قد يقال: إنّ المراد بالأعمال هنا آثارها ونتائجها المترتّبة عليها لا ذات الأعمال، فالعمل الصالح له آثار واضحة في المجتمع، وهكذا العمل السيء، فإعطاء الفقراء والتصدّق عليهم يؤدي ذلك إلى حصول التكافل الاجتماعي، ويتمّ القضاء على الفقر في المجتمع؛ وقد يدعم هذا المدعى أنّنا نلاحظ أن الآية التي سبقت هذه الآية في سورة التوبة والتي تحدثت عن الرؤية لم تذكر المؤمنين، بل ذكرت الله تعالى ورسوله فقط، لكونها كانت ناظرة إلى حقائق أعمال المنافقين وتلك الحقائق لا أحد يطلع عليها إلاّ الله ورسوله، بينما في الآية الثانية فحيث لم يكن الخطاب فيها موجهاً إلى خصوص المنافقين، فقد ذكرت الآية الله تعالى والرسول والمؤمنين؛ لكون أعمال المؤمنين واضحة الآثار للعيان.

لكن يردّ هذا القول: أنّ آثار أعمال المؤمنين في الدنيا لا تختص برؤيتها المؤمنين فقط، بل يرى تلك الآثار حتى الكفار، فلا معنى لأن يقول الله تعالى إنّ المؤمنين فقط سيرونه.

خامساً: إكمالاً وتعميقاً للنقطة الثالثة، نقول:

في الآية المباركة مقطعان: الأوّل: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} والمقطع الثاني: {وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

وإذا دقّقنا في هذين المقطعين، فسنرى عدة اُمور منها:

1ـ بقرينة ذكر المقطع الثاني فإنّ المقطع الأوّل الذي جاء قبله لابدّ أن يكون ناظراً إلى عالم الدنيا وقبل البعث، أمّا المقطع الثاني فسيكون مختصّاً بيوم البعث وما بعده، خصوصاً أنّه تعالى استعمل حرف (السين) الذي يقتضي التراخي والفاصل الزمني، وكذا خصّ الله تعالى الإنباء به، من دون إشراك أي شخص فهذا يدلّ على أنّه في يوم القيامة.

2ـ في المقطع الأوّل أخبر الله تعالى: بأنّ أعمال الناس سيراها الله تعالى ويراها رسوله وكذلك يراها المؤمنون، ثمّ في المقطع الثاني أخبر الله تعالى بأنّه سوف ينبّئ أولئك العاملين بحقيقة عملهم، فنفهم أنّ تلك الأعمال لابدّ أن تكون لها ظاهر ولها حقيقة، وأنّ رؤية الناس للأعمال في الدنيا هي رؤية ظاهرية، وأن الرؤية الحقيقية لها ستكون يوم البعث، فهناك سوف يرى العاملون حقيقة أعمالهم، حسنها وقبيحها.

3ـ لكن مع كون أنّ الناس العاملين يرون الأعمال بحسب ظاهرها في عالم الدنيا لا حقيقتها، فإنّ الله مطّلع على حقيقتها، بحسب مفاد المقطع الأوّل؛ إذ لا يمكن فهم رؤية الله للأعمال إلاّ رؤيتها على حقيقتها، وقد أشرك الله تعالى ـ كما هو مفاد الآية الثانية ـ بهذه الرؤية الحقيقية للأعمال رسوله، وكذلك أشرك المؤمنين بتلك الرؤية.

من هنا نعرف أنّ المراد بالمؤمنين في الآية لا يمكن أن يكون كلّ المؤمنين؛ لأنّهم ـ كما قلنا ـ يرون حقيقة الأعمال لا ظاهرها، وهذا لابدّ أن يختصّ بنخبة خاصّة منهم، قد شاء الله سبحانه أن يطّلعوا على حقيقة أعمال العباد في الدنيا.

رؤية أعمال العباد في السنة النبوية

إنّ مسألة رؤية أعمال العباد من قبل النبيّ وفئة من الناس ـ التي تطرّقت إليها بعض الروايات والأحاديث النبوية ـ ليست أمراً مستهجناً أو غريباً حتّى يشنّع بذلك القفاري على الشيعة خاصّة؛ لنقلهم بعض الروايات الدالّة على رؤية الأئمّة لأعمال العباد، فإذا كان أصل القضية ـ وهي رؤية الأعمال ـ جائزاً ودلّت عليه الروايات، فلا يضرّ الاختلاف في مصداق من يرى تلك الأعمال، وطريقة رؤيتها، وعليه يصبح استهجان القفاري واستغرابه لا محلّ له، ومن هذه الروايات:

1ـ أخرج البزّار في مسنده بسنده عن زاذان، عن عبد الله... قال: «وقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): حياتي خير لكم تحدّثون ونحدّث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شرّ استغفرت الله لكم»([427]).

وقال عنه الهيثمي: «رواه البزار، ورجالُه رجال الصحيح»([428]).

وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب: «إسناده جيّد»([429]).

وصحّحه السيوطي في الخصائص([430])، وألّف عبد الله بن الصديق الغماري في خصوص هذا الحديث جزءاً سمّاه (نهاية الآمال في شرح وتصحيح حديث عرض الأعمال).

2ـ أخرج أحمد في مسنده بسنده عن أنس بن مالك يقول: «قال: النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إنّ أعمالكم تُعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللّهمَّ لا تمتهم حتّى تهديهم كما هديتنا»([431]). وروى قريباً منه ابن أبي الدنيا([432])، وأخرج قريباً منه أبو داود الطيالسي في مسنده([433])، عن جابر بن عبد الله.

وفي كشف الخفاء قال: «ورواه الحكيم الترمذي عن والد عبد العزيز بلفظ تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس على الله تعالى، وتعرض على الأنبياء وعلى الآباء والاُمّهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضاً وإشراقاً، فاتقوا الله، ولا تؤذوا موتاكم»([434]).

3ـ وأخرج الحاكم في مستدركه([435]) ـ واللفظ له ـ والبيهقي في شعب الإيمان([436]) بسنديهما عن النعمان بن بشير (رضي الله عنهما) يقول وهو على المنبر: «سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: ألا أنّه لم يبقَ من الدنيا إلاّ مثل الذباب تمور في جوها، فالله الله في إخوانكم من أهل القبور؛ فإنّ أعمالكم تعرض عليهم» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»([437]).

وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة الطُرُق والمضامين والمصادر، التي تشير تصريحاً أو تلويحاً إلى أنّ هناك أشخاصاً مضافاً إلى الرسول يطّلعون على أعمال العباد، سواءٌ أكانوا موتى، كما تؤكّده هذه الروايات، أم كانوا أحياء، لا فرق في ذلك، بل ربما يقال: إنّ الأمر في الموتى أشكل وأصعب بعد انقطاعهم عن هذه الحياة.

فإذا تقرّر هذا، يتبيّن أنّ ما يطرحه الشيعة من رؤية الأئمّة^ للأعمال ـ لأهداف أكثر أهمية ممّا ذكرته هذه الروايات الكثيرة من كتب أهل السنّة ـ هو أمر لا غرابة فيه ولا استيحاش إلاّ أنّ هناك من يضمر شيئاً في قلبه لمذهب أهل البيت الذي يستند في كلّ حركته ومسيرته على القرآن والسنة وهدي أهل البيت^.

الشهادة ورؤية الأعمال

إنّ مسألة الشهادة والشهداء حقيقة من الحقائق المبيّنة بشكل صريح وكثير في القرآن والسنّة النبويّة الشريفة، فهناك آيات عديدة أشارت إلى الشهادة والشهداء، قال تعالى: {كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}([438]).

وقال عزّ وجلّ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كلّ اُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً}([439]).

وقال سبحانه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كلّ اُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء}([440]).

وقال جلّ وعلا: {إنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً}([441]). وغير ذلك من الآيات.

وبغضّ النظر عن الحكمة والداعي من شهادة بعضٍ على الاُمّة أو الأفراد، وبغضّ النظر عن محتوى ما يشهد عليه، وعن طبيعة الشهداء وعددهم وهويتهم([442])، فإنّ هناك ربطاً واضحاً من الناحية المنطقية بين تحمّل الشهادة وبين رؤية أعمال العباد؛ لأنّ من يُطلب منه أداء الشهادة على فعلٍ ما، لابدّ أن يكون على علم ويقين بصحّة ما يشهد عليه، وهذا لا يحصل إلاّ بالرؤية والتحقّق منه، فالرسول والأنبياء^ عندما يطلب منهم الشهادة على اُممهم وما يعملون، لابدّ أن يكونوا على بيّنة ودراية من أفعالهم ومواقفهم، وهذا ما أكّدته النصوص كقوله تعالى حكاية عن عيسى×: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}([443])، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً}([444]).

وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء، قال الرازي: «في الجواب ما ذكره أبو مسلم: أنّ المؤمنين شهداء الله يوم القيامة، كما قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً} الآية، والرسول شهيد الاُمّة، كما قال: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً} فثبت أنّ الرسول والمؤمنين شهداء الله يوم القيامة، والشهادة لا تصحّ إلاّ بعد الرؤية، فذكر الله أنّ الرسول× والمؤمنين يرون أعمالهم، والمقصود التنبيه على أنّهم يشهدون يوم القيامة عند حضور الأوّلين والآخرين»([445]).

إذن إن كانت هناك شهادة وهي أمر مسلّم به، فلابدّ من تحمّلها، وهذا التحمّل لا يكون إلاّ برؤية الأعمال؛ لأنّ أعمال العباد هي في ضمن الاُمور التي سيُشهَد عليها يوم القيامة.

ثمّ إنّ الشهداء الذين سيشهدون يوم القيامة متعدّدون، بينهم الرسول والأنبياء^ والملائكة، بل جوارح الإنسان ستكون في ضمن من سيشهد عليه، وهناك من أدخل الأئمّة أو الأولياء الصالحين أو القتلى في سبيل الله، في قافلة الشهداء على الأعمال، وقد وردت روايات كثيرة من طرق أهل البيت^ تؤكّد أنّ الأئمّة من آل رسول الله سيكونون شهداء هذه الاُمّة، وسيكون الرسول عليهم شهيداً، بل أفردوا لذلك أبواباً في مصنّفاتهم الحديثية، ومن هذه الروايات:

1ـ أخرج الصفّار بسنده عن عمر بن حنظلة قال: «قلت لأبي عبد الله×: {كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} قال: هم الأئمّة»([446]).

2ـ أخرج الكافي بسنده عن سماعة قال: «قال أبو عبد الله× في قول الله عزّ وجلّ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كلّ اُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً} قال: نزلت في اُمّة محمد’ خاصّة، في كلّ قرن منهم إمام منّا، شاهد عليهم، ومحمدٌ’ شاهد علينا»([447]).

وغير ذلك من الروايات الكثيرة التي تلتقي مع مفاد آيات كثيرة، كقوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَاُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولَئِكَ رَفِيقاً}([448]).

وقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}([449]).

وقوله تعالى {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كلّ اُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء}([450]).

وغيرها من الآيات التي تبيّن أنّ هناك فئةً وطائفة من الشهداء غير الأنبياء، وإن كان الأنبياء هم شهداء أيضاً، فالنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق، فلا يصحّ تفسير كلّ ما ورد بلفظ الشهداء بالأنبياء، كما يذهب إلى ذلك بعض المفسرين، وكونُ الشهداء غير الأنبياء يلاحظ بوضوح في كلام الفخر الرازي في تفسيره عند تعرّضه لتفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كلّ اُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ}؛ إذ أفاد أنّه لابدّ في كلّ عصر من وجود شهيد معصوم يشهد على الاُمّة، قال: «إنّ كلّ جمع وقرن يحصل في الدنيا فلابدّ وأن يحصل فيهم واحد يكون شهيداً عليهم. أمّا الشهيد على الذين كانوا في عصر رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فهو الرسول، بدليل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} وثبت أيضاً أنّه لابدّ في كلّ زمان بعد زمان الرسول من الشهيد، فحصل من هذا أنّ عصراً من الأعصار لا يخلو من شهيد على الناس وذلك الشهيد لابدّ وأن يكون غير جائز الخطأ، وإلاّ لافتقر إلى شهيد آخر، ويمتدّ ذلك إلى غير النهاية، وذلك باطل، فثبت أنّه لابدّ في كلّ عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم، وذلك يقتضي أن يكون إجماع الاُمّة حجّة»([451]).

وقال القرطبي في تفسيره: «في كلّ زمان شهيد وإن لم يكن نبياً، وفيهم قولان: أحدهما: أنّهم أئمّة الهدى الذين هم خلفاء الأنبياء، الثاني: أنّهم العلماء الذين حفظ الله بهم شرائع أنبيائه»([452]).

وقال الآلوسي في تفسير قوله تعالى: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء}([453]) «فإنّه دالّ في الظاهر على مغايرة الشهداء للأنبياء^»([454]).

إذن، هناك من يعتقد بوجود الشهداء الذين سيشهدون على اُممهم يوم القيامة، وهم ليسوا أنبياء، بل هم أشخاص يمتلكون ميّزات خاصّة ومواهب فذّة أهلتهم لنيل مرتبة الشهادة؛ وذلك لأنّه لا يمكننا تفسير رؤية الأعمال بهذه الرؤية الحسّية الاعتيادية؛ لأنّ العين التي نمتلكها لا تعكس لنا إلاّ صور الأفعال والأعمال الحاضرة والموجودة عند الحس، أمّا المعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران التي يدور عليها حساب ربّ العالمين يوم تبلى السرائر كما قال تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}([455]) فهي ممّا ليس في وسع الإنسان رؤيتها أو الإحاطة بها وتشخيصها في الحاضرين فضلاً عن الغائبين، إلاّ رجل يتولّى الله أمره، ويكشف عن ذلك له بيده، وهذا الأمر لا يعدو الأئمّة من آل الرسول الذين قرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله، وهم حبل الله الممدود، وعدل القرآن، وسفن النجاة، وأمان الاُمّة من الضلال، فعلى ذلك لا يمكن أن يكون الشهداء هم جميع الاُمّة كما يذهب إلى ذلك بعض المفسّرين؛ لأنّ الشهادة تعني: تحمّل حقائق أعمال الناس في الدنيا من خير أو شرّ، لا ظاهر تلك الأعمال، وهي كرامة لا ينالها جميع أفراد الاُمّة، وإنّما يختصّ بها الأولياء الطاهرون منهم، وأمّا من دونهم، فليس لهم ذلك فضلاً عن المجرمين والطغاة من أفراد الاُمّة.

وما ورد بكون الاُمّة شهيدة، فمعناه: أنّ فيهم من يشهد على الناس، ويشهد الرسول عليه، وهو شبيه ما ورد من أنّ بني إسرائيل فضّلوا على العالمين، فإن هذه الفضيلة ليست ثابتة لكافة بني إسرائيل، ولا يتّصف بها كلّ فرد منهم، بل بعضٌ له هذه الصفة، فنسب الوصف إلى الكلّ.

فما يقوله الشيعة عندئذٍ من رؤية الأئمّة لأعمال العباد ليس شيئاً غريباً وعجيباً ومستهجناً، بل له ما يسوّغه من أدلّة علمية وشواهد ونصوص شرعية.

على أنّ بحث الشهادة وحدودها، ومن هم الشهداء، وطبيعة ما يشهدون به، وما يرتبط بذلك، هو من البحوث الشائكة والصعبة التي تحتاج إلى بحث منفرد وموسّع، لا يسعه المجال هنا، ونحن لم يكن هدفنا هنا إلاّ دفع ما أشكل به القفاري، ودفع استنكاره واستغرابه، وكأنّ المقولة هي من مقولات الشيعة فقط. راجين من الله تعالى أن يوفّقنا لبحث هذا الموضوع المهمّ والحسّاس في المستقبل القريب.

رؤية الأعمال وأثرها في كمال العمل وتمامه

قد يتساءل بعضٌ عن سبب رؤية الرسول لأعمال العباد، أو رؤية الأئمّة لتلك الأعمال؟ وما هو الهدف منها، مع وجود الله سبحانه وتعالى المطّلع على كلّ سرّ وسريرة؟

ويمكن أن يجاب عن هذا التساؤل: بأنّ الإنسان بطبيعته الفطرية وجبلّته ـ حتى يمتثل لأوامر الله ويتجنّب نواهيه ـ لابدّ أن يعيش حالة الرغبة والرهبة: الرغبة فيما أعدّ الله له من الثواب وحسن الثناء لو امتثل وأطاع، والرهبة من عقاب الله وتوبيخه، وما يتبعه من مذمّة ومنقصة لو خالف وعصى، ومن هنا استخدم القرآن الكريم اُسلوب الترهيب والترغيب في تعامله مع الإنسان.

ورؤية الأعمال تندرج أيضاً في ضمن هذا الإطار، فحينما يعلم الإنسان بأنّ أعماله ستُعرض على رسول الله وكذلك على الأئمّة، فسوف يعيش الخوف والوجل والخجل بشكل كبير من أيّ عمل خاطئ ينوي أن يقدم عليه، لا يُرضي اللهَ ورسولَه، وفي المقابل سيعيش حالة الفرح والسرور والغبطة عندما يُوفّق للأعمال الصالحة وتجنب ما لا يُرضي الله ورسوله وأهل البيت^ جميعاً، فيرغب في مواصلة هذا العمل والاستمرار عليه.

قال الرازي: «فقوله: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} ترغيب عظيم للمطيعين، وترهيب عظيم للمذنبين، فكأنّه تعالى قال: اجتهدوا في المستقبل؛ فإنّ لعملكم في الدنيا حكماً وفي الآخرة حكماً: أمّا حكمه في الدنيا فهو أنّه يراه الله ويراه الرسول ويراه المسلمون، فإن كان طاعة، حصل منه الثناء العظيم والثواب العظيم في الدنيا والآخرة، وإن كان معصية، حصل منه الذمّ العظيم في الدنيا، والعقاب الشديد في الآخرة. فثبت أنّ هذه اللفظة الواحدة جامعة لجميع ما يحتاج المرء إليه في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده»([456]).

وقال الرازي أيضاً: «فإن قيل: فما الفائدة في ذكر الرسول والمؤمنين بعد ذكر الله في أنّهم يرون أعمال هؤلاء التائبين؟

قلنا: فيه وجهان: الوجه الأوّل: أنّ أجدر ما يدعو المرء إلى العمل الصالح ما يحصل له من المدح والتعظيم والعزّ الذي يلحقه عند ذلك، فإذا علم أنّه إذا فعل ذلك الفعل عظّمه الرسول والمؤمنون، عَظُمَ فرحه بذلك، وقويت رغبته فيه»([457]).

آليات وطرق رؤية الأعمال

إنّنا بعد أن بيّنا أن مسألة رؤية أعمال العباد من قبل أشخاص وفئات معينة ـ بغضّ النظر عن هويتهم ـ مسألة اتّفق عليها المسلمون، بعد أن ذكرها القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة، وأن لها ارتباطاً وثيقاً بمسألة هداية الاُمّة أو الشهادة عليها؛ لحكمة إلهية يعلمها الله سبحانه وتعالى، فعند ذلك سيكون الحديث عن الآلية والطريقة التي تتمّ بها هذه الرؤية غير مهم، ولا يستوجب الضجيج والتهويل الذي تعمد القفاري إثارته على الشيعة في هذه المسألة التي تبيّن أنّها ليست خارجة عن صميم الدين والشريعة الإسلامية.

والشيعة قد نقلت كيفية تلك الرؤية، وذلك بأنّ الأئمّة يرون أعمال العباد من خلال عمود من نور، وقد فسّرت بعض الروايات هذا العمود بأنّه هو روح القدس الذي يُسدّد به الإمام لأداء مهمّة الإمامة الإلهية التي من لوازمها رؤية الأعمال، وكذلك ما تتطلبه الشهادة على هذه الاُمّة، ففي كتاب الخصال: «إنّ الإمام مؤيّد بروح القدس، وبينه وبين الله عزّ وجلّ عمود من نور يرى فيه أعمال العباد، وكلّما احتاج إليه لدلالة، اطّلع عليه»([458]).

وقال الإمام الرضا×: «إنّ الله عزّ وجلّ أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممّن مضى، إلاّ مع رسول الله’، وهي مع الأئمّة منّا تسدّدهم وتوفّقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين الله عزّ وجلّ»([459]).

وهذا ليس بعزيز على الله سبحانه وتعالى، ولا يستلزم محذوراً عقائدياً كما قد يتصوّر، ثُمّ إنّ روح القدس في بعض تفسيراته هو نوع من الملائكة؛ فإنّ كثيراً من التسديدات والإلهامات التي يُسدّد بها الأولياء والأئمة هي من طريق الملائكة، وقد جاء في التراث الإسلامي العديد من الشواهد والأمثلة على ذلك، ونقلنا بعضها فيما سبق لنا من أبحاث، حيث ورد أنّ عدداً من الصحابة كانت الملائكة تكلّمه وتلهمه، وربما يعلم اُموراً غيبية خارجة عن قدرة باقي البشر، كما روى أهل السنة ما حصل للخليفة عمر بن الخطاب عندما كان يخطب في المدينة، فرأى جيش المسلمين وهو يقاتل في فارس، وقد بانت عليه علائم الهزيمة، فأمرهم أن يجعلوا ظهورهم ناحية الجبل، ويقاتلوا العدوّ من جهة واحدة، فصاح وهو على المنبر: يا ساريةُ ـ وهو قائد الجيش ـ الجبلَ الجبلَ، فقد ذكر المتّقي الهندي في كنز العمّال ذلك، قال: «عن ابن عمر قال: وجّه عمر جيشاً، وأمّر عليهم رجلاً يُدعى سارية، فبينما هو يخطب يوماً جعل ينادي: يا ساريةُ، الجبلَ، ثلاثاً، ثُمّ قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، لقينا عدوّنا فهُزِمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي: يا ساريةُ الجبلَ، ثلاثاً، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم الله، فقيل لعمر: إنّك كنت تصيح بذلك»([460]).

فكيف رأى الخليفة هزيمة الجيش فصاح بهم وهو في فارس؟ ربّما أخبرته الملائكة، وربما ألهمه الله، وربّما رأى ذلك بواسطة عمود من نور، من يدري؟!

الشبهة: عدم انقطاع الوحي عند الشيعة

قد ذكر هذا الادّعاء صريحاً في بحثه حين تعرّض لنقد آراء الشيعة بعد أن عرضها.

قال القفاري: «وهذه المزاعم الخطيرة التي دوّنها الروافض في المعتمد من كتبهم تحمل اُموراً خطيرة، تحمل دعوى استمرار الوحي الإلهي، وهو باطل»([461]).

بل نجده يصرح بهذا في غير بحث السنّة أيضاً، فقال: «التشريع الإلهي استمرّ ولم ينقطع بوفاة الرسول، بل استمرّ عندهم إلى بداية القرن الرابع الهجري، وذلك بوقوع الغيبة»([462]).

بيان الشبهة

بعد أن تكلّم القفاري على مسألة علم الأئمّة مهّد لإثبات أنّ هؤلاء الأشخاص في معتقدات الشيعة يوحى إليهم، وأنّ هذه الأساليب من تلقّي العلم ما هي إلاّ عبارة اُخرى عن الوحي التشريعي، وأنّ الوحي لم ينقطع في عقيدتهم بعد وفاة النبيّ، بل مازال مستمرّاً، وينزل على أئمّتهم بأحكام جديدة تختلف في حقيقتها عن الأحكام التي أوحى الله بها إلى رسوله محمد.


الجواب: انقطاع الوحي عند الشيعة من ضروريات مذهبهم

لقد تعمّد القفاري أن يجعل من الإلهام والنكت والتحديث التي وردت في الروايات الشيعية تعبيراً آخر عن الوحي التشريعي، فهو بهذا يعمّق ويؤسّس للاتّهام الذي ذكره، وهو أنّ السنة عند الشيعة تخالف حقيقةَ وواقعَ السنّة النبويّة.

نقول: ما هو دليل القفاري على هذا الادعاء؟ وهل هذا الاُسلوب من تلقّي العلم يبرّر ما اتّهم به الشيعة بهذا الاتّهام الخطير الذي لم يقل به أحد من علمائهم، بل لم نجد رواية واحدة في كتب الحديث الشيعية صرّحت بأنّ الإمام يوحى إليه وحياً تشريعياً؟

ولماذا يحاول القفاري أن يفسّر الإلهام والنكت في القلوب أو النقر في الأسماع والتحديث بالوحي التشريعي ووحي الأحكام؟!

لا يوجد محمل حسن نحمل كلام القفاري عليه، ونوجه به ما افتراه بلا دليل يذكر، سوى ما يحمله من خزين من الحقد والبغض.

وللإجابة عن هذا الافتراء، نقول:

أدلة الشيعة على انقطاع الوحي

أوّلاً: إنّ نفي هذا الافتراء في الحقيقة لا يحتاج إلى برهان من الشيعة؛ لأنّ نفيه من المسلّمات عندهم ومن أوضح الواضحات، فكما أنّ أحداً لم يشكّك في وفاة النبيّ ولم يدّع أحد أنّ النبيّ مازال حياً، كذلك لم يشكك أحد في انقطاع الوحي التشريعي بوفاة النبيّ، لذا لا تجد من علمائهم من خصّص بحثاً لتناول هذا الأمر ومناقشته، كما لم يخصصوا بحثاً لمناقشة وفاة النبيّ، فهو أمر بدَهي ومسلّم.

ثانياً: إنّ هناك روايات عديدة صرّحت بانقطاع الوحي بوفاة النبيّ في كتب الشيعة الحديثية: فقد أخرج الشيخ الكليني في الكافي بسند معتبر عن أبي أيوب الخزاز قال: «أردنا أن نخرج، فجئنا نسلّم على أبي عبد الله×، فقال: كأنّكم طلبتم مع بركة الاثنين؟ فقلنا: نعم، فقال: وأيّ يوم أعظم شؤماً من الاثنين، يوم فقدنا فيه نبينا، وارتفع الوحي عنّا»([463]).

ثالثاً: ننقل ما نقله القفاري من قول الشيخ المفيد&، حيث قال في أوائل المقالات: «والاتّفاق على أنّه من يزعم أنّ أحداً بعد نبينا’ يوحى إليه، فقد أخطأ وكفر»([464]).

وقول القفاري: «إنّ هذا الكلام يخصّ المفيد فقط، دون المتأخّرين من علمائهم»([465]) فهو مجرّد تخرّص من القفاري، ولا يقبل الصحّة بوجه من الوجوه، فلا ندري من الذي قال من علمائنا المتأخّرين بأنّ الوحي التشريعي لم ينقطع بعد وفاة النبيّ؟!

رابعاً: إنّ دليله على مدّعاه كان في الحقيقة يتألّف من مقدّمتين: مقدّمة ذكرها هنا، ومقدّمة اُخرى أجّل ذكرها، وهي: أنّ الدين لم يكتمل في عقيدة الشيعة، بل ظلّ ناقصاً، لذا قد سُدّ النقص من خلال هذا الوحي بالأحكام التي تنزل على الإمام.

أمّا المقدّمة الاُولى فهي: أنّ ما ذكر من أساليب تلقّي العلم في معتقدات الشيعة هو نوع من أنواع الوحي التشريعي، ولا نفهم غيره.

وسوف نتكلّم في المقدّمة الاُولى، فنقول:

إنّ الإصرار على القول بالإلهام أو النكت أو التحديث بأنّه الوحي التشريعي ليس صحيحاً، ويعتبر مجانبة لما هو الحقّ في المسألة؛ فإنّ الوحي في حقيقته يختلف اختلافاً كبيراً عن الإلهام والنكت في القلوب؛ فقد عرّفوا الوحي بأنّه: «عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنّه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة، والأوّل بصوت يتمثّل لسمعه أو بغير صوت. ويفرّق بينه وبين الإلهام: بأنّ الإلهام وجدان تستيقنه النفس وتنساق إلى ما يطلب من غير شعور منها من أين أتى»([466]).

وقال الشيخ المفيد: «أصل الوحي هو: الكلام الخفي، ثُمّ قد يطلق على كلّ شيء قصد به إفهام المخاطب على السرّ له عن غيره، والتخصيص له به دون من سواه، وإذا اُضيف إلى الله تعالى كان [فيما يخصّ] به الرسل ـ صلى الله عليهم ـ خاصّة دون من سواهم على عرف الإسلام وشريعة النبيّ’» إلى أن قال: «وقد يُري الله سبحانه وتعالى في المنام خلقاً كثيراً ما يصحّ تأويله [ويثبت حقّه]، لكنّه لا يُطلَق بعد استقرار الشريعة عليه اسمُ الوحي، ولا يقال في هذا الوقت لمن أطلعه الله على علم شيء أنّه يوحى إليه. وعندنا أنّ الله تعالى يُسمِعُ الحججَ بعد نبيه’ كلاماً يُلقيه إليهم [أي الأوصياء] في علم ما يكون، لكنّه لا يطلق عليه اسمُ الوحي؛ لما قدّمناه: من إجماع المسلمين على أنّه لا وحي [إلى أحد] بعد نبينا’، وأنّه لا يقال في شيء ممّا ذكرناه: إنّه وحي إلى أحد»([467]).

فيتضح أنّ من المغالطة أن نحصر الإلهام في الوحي التشريعي كما فعل القفاري.


الشبهة: أن الأئمة عند الشيعة متى شاؤوا أوحي إليهم

قال القفاري: «وتحقّقها([468]) موقوف على مشيئة الأئمّة، كما أكّدت روايات صاحب الكافي التي جاءت في الباب الذي عقده بعنوان: (أنّ الأئمّة^ إذا شاؤوا أن يعلموا علموا)، وذكر فيه روايات ثلاثاً كلّها تنطق بـ (أنّ الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم) وفي لفظ آخر: (إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك) فالوحي للأئمّة ليس بمشيئة الله وحده، كما هو الحال مع الرسل^، بل هو تابع لمشيئة الإمام»([469]).

تمهيد

إنّ هذه الشبهة تأتي في ضمن سياق الشبهات والإشكالات التي يثيرها القفاري: من أنّ الشيعة يعتقدون بأنّ أئمّتهم فوق مستوى البشر، وأنّ علومهم إيحاء من الله سبحانه، ومن ثَمّ تصبح السنّة لديهم مختلفة عن سنّة باقي المسلمين؛ لكونها مأخوذة من وحي غير الوحي الذي نزل على النبيّ، وهذا الفهم الخاطئ إنّما ينشأ في الذهن لارتكازه على مقدمات واُسس خاطئة.

مرتكزات الشبهة

1ـ عدم إمكان تصوّر المستشكل لحصول هذا المستوى من العلم للأئمّة، وعدم تعقّله لهذا: من أنّ الأئمّة متى شاؤوا علموا.

2ـ إنّ هذا الاُسلوب في أخذ هذا العلم المنسوب للأئمّة لا يمكن أن يكون إلاّ وحياً رسالياً، فيترتّب على هذين الأمرين أنّ الأئمّة أفضل من الرسل، وتكون النتيجة أنّ معنى أن يكون علمهم مرتبطاً بإرادتهم هو: أنّ وحيهم مرتبط بإرادتهم، فمتى ما أرادوا أوحي إليهم، في حين أنّ الرسل ليس الوحي لديهم هكذا، بل هو مرتبط بإرادة الله تعالى.

وسوف نوضّح بطلان كلا الأمرين اللذين ارتكزت عليهما الشبهة، وعندئذٍ ستبطل تلك النتيجة.

قلب المؤمن يشرق بنور الله

تقدّم في أبحاث عديدة([470]) أنّ للروح والنفس الإنسانية حالاتٍ عجيبةً وأطواراً غيبية، فهي نفحة من نفحات الله سبحانه، قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}([471]) فلذا يتناسب صفاؤها وسموها وإشراقاتها تناسباً طردياً مع قربها من الله سبحانه وتعالى والإيمان به والفناء في ذاته، قال ابن تيمية([472]): «وكلّما قوي الإيمان في القلب، قوي انكشاف الاُمور له، وعرف حقائقها من بواطلها، وكلّما ضعف الإيمان، ضعف الكشف، وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف في البيت المظلم؛ ولهذا قال بعض السلف في قوله: {نُوْرٌ عَلَى نُوْرٍ} قال: هو المؤمن ينطق بالحكمة المطابقة للحقّ وإن لم يسمع فيها بالأثر، فإذا سمع فيها بالأثر كان نوراً على نور، فالإيمان الذي في قلب المؤمن يطابق نور القرآن» إلى أن يقول: «وأيضاً إذا كانت الاُمور الكونية قد تنكشف للعبد المؤمن لقوّة إيمانه يقيناً وظناً، فالاُمور الدينية كشفها له أيسر بطريق الأولى»([473]).

وبهذا المعنى وردت روايات كثيرة تؤكّد على أنّ المؤمن ينظر بنور الله وينطق بتوفيقه، وقد بلغت طرق هذه الروايات من الكثرة والتشعب ما جعلها تبلغ حد الاستفاضة، فقد رواها عدد كبير من الصحابة عن رسول الله.

فقد أخرج البخاري في التاريخ، والترمذي في السنن، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم، والخطيب وغيرهم، عن أبي سعيد الخدري، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله»([474]).

وعن اُمامة أخرجه الطبراني في الكبير([475]) والأوسط([476])، وأبو نعيم في الحلية([477])، والقضاعي([478]) وغيرهم، وعن ثوبان أخرجه أبو نعيم([479]) وابن جرير([480])، وقال الهيثمي عن بعض أسانيده: «رواه الطبراني وإسناده حسن»([481]).

وقال المباركفوري في معرض شرحه لقوله: «ينظر بنور الله»: «أي: يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى، فإذا تفرّغ العقل من أشغال النفس، أبصر الروح، وأدرك العقل ما أبصر الروح»([482]).

هذا، وقد ورد أنّ لطاعة الله وتقواه أثرها البالغ في صفحة قلب المؤمن الذي يرتفع بسببها إلى أعلى درجات الكمال والاتّصال بمحلّ فيضه وعطائه، فتتحرّك حواسّه وإدراكاته في دائرة الفيض الإلهي، فلا ينطق إلاّ حقّاً، ولا يقول إلاّ صدقاً، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله’:... وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه»([483]).

قال الآلوسي: «قيل: المؤمن ينظر بنور الفراسة، والعارف بنور التحقيق، والنبيّ عليه الصلاة والسلام ينظر بالله عزّ وجلّ، وقيل: كلّ من رزق قرب النوافل ينظر به تعالى؛ لحديث: لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به...»([484]).

فعلى هذا يتبيّن لنا أنّ أرواح المؤمنين وقلوبهم كلّما كانت مفعمة بالإيمان وطافحة بالتقوى والطاعة، تنعكس على صفحاتها أنوار المعرفة والهداية، وتتفجّر من جوانبها الحكمة والكلمة الصادقة، نتيجة ما يرزقهم الله من أنوار علومه ومعارفه، قال العلاّمة الآلوسي في تفسيره معنى: الرزق الكريم، في قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} قال: «وهو العلم اللدني الذي به غذاء الأرواح»([485]).

فيتبيّن لنا بعد هذا إمكان حصول كثير من العلوم والمعارف للكمّل من المؤمنين العارفين بالله سبحانه.

دوام الفيض الإلهي

من الثابت لكلّ مسلم أنّ فيض الله سبحانه وعطاءه دائم لا انقطاع له ولا اضمحلال؛ إذ لا بخل في ساحة رحمته ولطفه؛ فإنّ فيوضاته وعطاءاته من علوم ومعارف كالغيث المنهمر، يصيب به كلّ جبل ووادٍ، وصحراء جرداء، وأرض غنّاء، قال تعالى: {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً}([486])؛ لأنّ الله شأنه شأن الإفاضة كما يقول الآلوسي([487])، ولكن التفاوت في استعداد هذه القوابل والظروف التي تكون محلاً لتقبّل هذا العطاء والفيض الإلهي، فيأخذ كلّ على حسب سعته وقابلياته، قال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}([488]) قال ابن عبّاس: «الأودية قلوب العباد»([489]) وقال الأنباري: «وشبّه الأودية بالقلوب؛ إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن القرآن والإيمان في قلوب المؤمنين»([490]).

وقال الآلوسي: «{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء} سماء روح القدس، {ماء} أي: ماء العلم، {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ} أي: أودية القلوب، {بقدرها} بقدر استعدادها»([491]).

فتحصّل لنا من مجمل ذلك أنّ المؤمن قد يبلغ به إيمانه إلى المستوى الذي يفيض الله عليه بوافر رحمته وجزيل عطائه وجليل علومه وحكمته، ولكن هذا يتفاوت ـ كما قلنا ـ من مؤمن إلى آخر حسب إيمانه وقربه من الله سبحانه وعظيم منزلته عنده.

إيمان أهل البيت^ وعلومهم

غير خافٍ على أحد من المسلمين ما يتمتّع به أهل بيت رسول الله من مكانة مرموقة، ومنزلة رفيعة بين المسلمين تدعم هذه الحقيقة، وتدلّ عليها بيانات قرآنية، كآية التطهير والمباهلة وغيرها، وبلاغات نبوية صريحة كحديث الثقلين والكساء والسفينة وغيرها كثير، ممّا أهّلهم لأن يكونوا أئمّة المسلمين وقادتهم وحملة الرسالة وهداة الاُمّة، فكيف والحال هذه أن لا يكونوا في الدرجات العالية من الإيمان والتقوى والطاعة لله سبحانه والفناء في ذاته؟! وهو ما شهد به القاصي والداني والعدوّ قبل الصديق.

لذا كان من الطبيعي جدّاً أن تكون قلوبهم النقية أوعية لفيوضات الله وعلومه ومواهبه التي تترى على عباده بلا انقطاع ولا توقّف، حتّى صارت أرواحهم متّصلة بعالم الفيض الإلهي، فيحصلون على ما يريدون من علم ومعرفة متى ما توجّهت أنفسهم إلى إرادة ذلك العلم، وهو معنى أنّهم متى ما شاؤوا أن يعلموا علموا، وهم لمكان تقواهم العالية وطاعتهم التامّة، لا يشاؤون إلاّ ما يشاء الله سبحانه، فمشيئتهم هي مشيئة الله تعالى.

ولكن على الرغم من ذلك قد تقتضي حكمته سبحانه في بعض الأحيان أن لا يطلعهم على بعض علومه، فله أن يعطي وله أن يمنع؛ ولذا ورد في الحديث الصحيح عن أبي جعفر× قال: «يبسط لنا العلم فنعلم، ويقبض عنا فلا نعلم»([492]).

وبهذا يتّضح جلياً عدم وجود المانع من تحقّق مثل هكذا علوم بهذا المستوى، وليس ذلك غريباً ومستهجناً.

علم الإمام ليس وحياً

بناءً على ما قدّمناه: من أنّ الأئمّة في الدرجات العلى والمراتب القصوى من الإيمان والتقوى، الأمر الذي جعل أرواحهم محلاً لرحمته وفيضه وعطائه الذي لا ينقطع أبداً كما قلنا، فيفيض عليهم من علومه ومعارفه، وهذا لا يعدّ وحياً رسالياً بأيّ شكل من الأشكال؛ لأنّ طرق إيصال وإفاضة الله لعلومه على عباده غير منحصرة في الوحي أبداً، فهناك طرق وأساليب متعدّدة كالتحديث والإلهام والإلقاء في الروع وغيرها، كما تقدّمت الإشارة إليها في الأبحاث السابقة.

ولذا قال الشيخ المفيد: «وعندنا أنّ الله تعالى يُسمِع الحجج بعد نبيه’ كلاماً يُلقيه إليهم في علم ما يكون، لكنّه لا يُطلَق عليه اسمُ الوحي؛ لما قدّمنا: من إجماع المسلمين على أنّه لا وحي إلى أحد بعد نبينا’، وأنّه لا يقال في شيء ممّا ذكرناه: إنّه وحي إلى أحد»([493]).

إذن فلا وحي بعد رحيل الرسول، وعليه فلا مسوّغ لما ادّعاه القفاري من أفضلية الأئمّة على الرسل من هذه الناحية([494])؛ إذ أنهم لا يوحى إليهم كما أشرنا، على أنّ مسألة أن الأئمّة متى ما شاؤوا أن يعلموا علموا مرتبطة بمسألة علمهم بالغيب التي سيأتي البحث عنها مفصّلاً وإن أقحمها القفاري هنا؛ ليجعلها من شواهد أنّ الأئمّة يوحى إليهم، وسنفرد لها بحثاً هناك حيث أشار القفاري إليها في كتابه.

هذا تمام الكلام في الإجابة عن أهمّ شبهات القفاري في اعتقاد الشيعة بالسنّة النبويّة.

وقد اتّضح للقارئ زيف وبطلان ما زعمه القفاري: من أنّ الشيعة لهم سنّة غير سنة النبيّ، وذلك من خلال دحض ما ساقه من الشواهد والقرائن التي حاول عبثاً أن يثبت بها مقصوده وغرضه.

وقد تمّ نقد وإبطال ذلك بالأدلّة الناصعة والبراهين القاطعة ومن كتب أهل السنّة المعتبرة، نعم بقي من شبهاته ـ في اعتقاد الشيعة بالسنّة النبويّة ـ ما أورده على علم الأئمّة المستودع الذي ورثوه عن النبيّ، وهي شبهات أوهى من سابقاتها. وقد تركنا الإجابة عنها؛ لضعفها ورعاية للاختصار، على أنّنا سوف نتعرّض لها في بحوث لاحقة إن شاء الله تعالى، وبدلاً من ذلك سوف نركّز جلّ بحثنا على الأهمّ، كبحث الإمامة الذي يعد مبحثاً هاماً ومفصلياً في كتابه، وقد ركّز القفاري كثيراً في شبهاته وإشكالاته عليه، وسنتصدى للجواب عنها في البحث القادم إن شاء الله تعالى.


 

 

 

 

 

الباب الثاني

شبهات حول عقيدة الشيعة بالإمامة

 

وتضمن هذا الباب أربعة فصول:

الفصل الأول: شبهات حول مفهوم الإمامة ومنزلتها.

الفصل الثاني: شبهات حول أدلة الإمامة القرآنية.

الفصل الثالث: شبهات حول أدلة الإمامة الروائية.

الفصل الرابع: شبهات حول وجود النص على الإمامة.

 


 

 

 

 

 

 

الفصل الأول

شبهات حول مفهوم الإمامة ومنزلتها

 

 

 


 

 

مقدمة في الإمامة

مفهوم الإمامة

لا شكّ أنّ الرسالات السماوية السابقة كانت تستند في ديمومتها واستمرارها وبقائها على الحركة المستمرّة والمتواصلة للأنبياء، فهم الذين يديمون تلك الرسالات بتحمّل المسؤولية الإلهية، ولكن الرسالة الإسلامية أراد الله لها الاستقرار والبقاء إلى آخر الحياة البشرية؛ لكونها أعظم الرسالات وأفضلها؛ ولذا خُتمت النبوّات السابقة بنبوّة نبينا الأكرم ومن المعلوم أنّ هكذا رسالة تحتاج إلى من يحافظ عليها؛ خشية تعرّضها لتحريف وتغيير وضياع خلال هذه المدّة الطويلة المقترنة بحياة الإنسان على هذه الأرض، فكان لابدّ من وضع الضمانات الكفيلة باستمرارها وبقائها، كما وضعت هذه الضمانات لإدامة واستمرار الرسالات المتقدّمة بقيام الأنبياء السابقين على إدامتها والإشراف على تطبيقها والحفاظ عليها.

من هنا برزت أهمية الإمامة لكي تحقّق هذا الغرض، فقيّض الله أشخاصاً يتولّون هذه المهمّة بالنسبة إلى الرسالة، وهم الأئمّة^.

ونظراً إلى معطيات الواقع السياسي لتأريخ المسلمين، وإبعاد الإمام عن ممارسة مهامّ الإمامة كاملة، طرأ على هذا المفهوم تشويش وغموض، فاتّجهت الذهنية الإسلامية العامّة إلى تحديده وحصره في قالب الحكومة والمهامّ التنفيذية فقط، مع أنّ هذا الفهم يبتعد كثيراً عمّا حدّده القرآن والسنّة لحقيقة الإمامة، فالإمامة ـ كما سيتّضح ـ أرفع شأناً من مسألة الحكومة، نعم الحكومة أحد شؤون تلك الإمامة.

ولأجل تنقية مفهوم الإمامة من التشويش الذي طرأ عليه والغموض الذي يكتنفه، ينبغي لنا تسليط الضوء على حقيقة الإمامة بعيداً عن تلك الرواسب التاريخية التي رافقت ذلك المفهوم.

الإمامة لغة

إنّ كلمة الإمام في حدّ ذاتها وبحسب معناها اللغوي ليست من المعاني المقدّسة، فالإمام هو المؤتم به والمقتدى والمتّبع، سواءٌ أكان عادلاً أم غير عادل، قال الراغب في المفردات: «الإمام: المؤتم به إنساناً، كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتاباً أو غير ذلك، محقّاً كان أو مبطلاً. وجمعه: أئمّة»([495]).

وفي الصحاح: «الإمام: الذي يقتدى به. وجمعه: أئمّة»([496]).

الإمامة في الاصطلاح

لقد اتّفق المسلمون جميعاً على المبدأ العامّ لمفهوم الإمامة: من أن الإمامة رئاسة وقيادة عامّة للمجتمع الإسلامي. ولكنّهم اختلفوا في حدوده وشؤونه.

قال ابن ميثم البحراني (ت 699هـ): «الإمامة: رئاسة عامّة لشخص من الناس في اُمور الدين والدنيا»([497]).

وقال المحقّق الحلّي (ت 676هـ): «الإمامة رئاسة عامّة لشخص من الأشخاص بحقّ الأصل لا نيابة عن غيرٍ هو  في دار التكليف»([498]).

وقال التفتازاني (ت 791هـ): «الإمامة رئاسة عامّة من أمر الدين والدنيا خلافةً عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)»([499]).

ومع هذا الاتّفاق ـ نظرياً ـ في مفهوم الإمامة عند الطائفتين في كلماتهم، إلاّ أنّنا نجد أنّ المراد والمقصود بالإمامة عند السنّة يختلف عمّا هو المراد والمقصود بها عند الشيعة.

ولذا من المناسب توضيح معنى الرئاسة العامّة وقيادة المجتمع المأخوذة في تعريف الإمامة، لكي يتّضح في ضوئه سبب الخلاف في المراد بالإمامة عند الفريقين؛ فإنّ القيادة والرئاسة للمجتمع الإسلامي كانت منوطة بالنبيّ الأكرم في زمانه، فهو الذي يتولّى هذه المهمّة، ويقوم بأعبائها، فالرسول كان مبلّغاً، ومبيّناً للأحكام الشرعية عن الله تعالى، كما أنّه حامٍ وحارسٌ للشريعة ومجسدٌ لها وقدوةٌ واُسوةٌ للمسلمين، وكان قاضياً يحكم فيما شجر بينهم بالعدل والإنصاف.

وهذه المهامّ والاُمور التي كان يمارسها النبيّ تعدّ ضرورية فيما لو اُريد لهذه الرسالة الخاتمة الديمومة والاستمرار في مضمونها بعد وفاة النبيّ، فلابدّ من شخص يتميّز بصفات استثنائية يتبوّأ هذا المنصب بعد النبيّ له القدرة على إنجاز تلك الممارسات والمهامّ، مع فارق: هو أنّ الوحي والارتباط المباشر بالسماء قد انقطع برحيل الرسول الأكرم، فتناط بهذا الشخص مسؤولية تطبيق الأحكام الكلية التي بلّغها النبيّ على جزئياتها، وبيان الأحكام الخاصّة التي تحتاج إلى من يقوم بصونها من الخطأ والاشتباه، ومن هنا تبرز ضرورة اتّصافه بالعصمة، وتحلّيه بأعلى درجات العلم والاطّلاع مع التسديد الإلهي.

وهذا المعنى المتقدّم هو الذي تقصده الشيعة، بتعريف الإمامة؛ إذ يعرّفونها بأنّها رئاسة وقيادة عامّة للمجتمع، أي: على حدّ قيادة ورئاسة النبيّ، وذلك مع الفوارق المعروفة بين النبوّة والإمامة.

من هنا كان لابدّ من تدخّل السماء في تعيين من يتولّى هذا المنصب المهمّ، كتدخّلها في تعيين النبيّ’؛ لعجز الاُمّة عن إدراك المواصفات اللازم توفّرها في النبيّ’ والإمام× أيضاً، فلذلك ورد في القرآن الكريم بيان هذه الحقيقة، وهي: أن الإمامة اصطفاء من الله تعالى وعهد إلهي.

الاصطفاء حقيقة قرآنية

والاصطفاء بمعناه اللغوي والعرفي هو: الاختيار والاجتباء، قال الفراهيدي: «الصفو نقيض الكدر، وصفوة كلّ شيء خالصة وخيره... والاصطفاء: الاختيار، افتعال من الصفوة، ومنه النبيّ المصطفى والأنبياء المصطفون»([500]).

وقال الراغب: «الاصطفاء: تناول صفو الشيء، كما أنّ الاختيار: تناول خيره، والاجتباء: تناول جبايته. واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده تعالى إيّاه صافياً عن الشوب الموجود في غيره... قال تعالى: {الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} ... واصطفيت كذا على كذا، أي: اخترت»([501]).

ولم يتجاوز القرآن المعنى اللغوي في استعمالاته ومراده بالاصطفاء، فقد تحدّث القرآن عن هذا المفهوم في آيات عديدة، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}([502]).

وقال سبحانه: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ}([503]).

وقال عزّ وجلّ: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}([504]).

وقال تعالت أسماؤه: {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ}([505]).

فالاصطفاء عملية اختيار واجتباء لنخبة من الخلق وصلوا إلى كمالات لم ينلها غيرهم، فطهّرهم وزكّاهم، فاستلزم ذلك تفضيلهم وتقديمهم قدوة واُسوة للبشرية.

ولم يكن الاصطفاء مقتصراً على الأنبياء والرسل، بل صرّح القرآن باصطفاء غيرهم، ممّن لم يكونوا أنبياء، فقد اصطفى السيدة مريم بنت عمران، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ}([506]) وكذلك اصطفى طالوت أيضاً، قال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}([507]).

كما تحدّث القرآن الكريم عن اصطفاء بعضٍ من ذرّية الأنبياء والأوصياء، قال عزّ اسمه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإبراهيم وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النبوّة وَالْكِتَابَ}([508]).

وقال سبحانه: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبوّة وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}([509]).

وقال عزّ وجلّ: {اُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إبراهيم وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً}([510]).

وقال جلّ وعلا: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([511]).

فهذه الآيات ونحوها تفيد أنّ هناك أفراداً من البشر يُصفّي الله سبحانه وتعالى نفوسهم وسلوكهم وحياتهم من الشوائب، ويجعلها نقية خالية من التلوّث، فيختارهم ويقدّمهم على بقية الناس، وهذا هو معنى الاصطفاء.

وفي جامع البيان في تفسير قوله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ} قال: «ومعنى قوله: {اصْطَفَاكِ}: اختارك واجتباك لطاعته، وما خصّك به من كرامته. وقوله: {وَطَهَّرَكِ} يعني: طهّر دينك من الريب والأدناس التي في أديان نساء بني آدم. {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ} يعني: اختارك على نساء العالمين في زمانك بطاعتك إيّاه، ففضّلك عليهم»([512]).

وهذا الاصطفاء والاختيار الإلهي قائم على أساس من الحكمة والعدالة الإلهية، وغير خاضع للمقاييس البشرية التي تعجز عن الاطّلاع على بواطن الاُمور وخفايا النفوس، فلا مدخلية للبشر في الاختيار والاصطفاء الإلهي، فهؤلاء المصطفون من الأنبياء وغيرهم قد بلغوا شأناً عالياً ودرجاتٍ رفيعةً، بحيث يتعذّر على كثير من الناس بلوغ هذه المراتب؛ لأنّ بعض الناس قد يبلغ شأناً عالياً في العلم وبعضهم في التقوى، وبعضهم في خصوص الصبر أو نكران الذات، ونحوها من الصفات الكريمة، في حين الصفوة المختارة من قبل الله تعالى لا يضاهيهم أحد في الأمثلية في كلّ بعد من الأبعاد الضرورية لحمل المهامّ الجسيمة الموكلة إليهم.

وهذا أمر لا يمكن أن يطّلع عليه أحد إلاّ الله تعالى؛ لذلك كان أمر الاختيار لهذه المناصب بيده تعالى فقط، قال ابن تيمية: «الذي عليه جمهور سلف الاُمّة وأئمّتها وكثير من النظّار([513]) أنّ الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فالنبيّ يختصّ بصفات ميزه الله بها على غيره وفي عقله ودينه واستعد بها؛ لأن يخصّه الله بفضله ورحمته كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القرآن عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}»([514]).

وقال البيضاوي في تفسير قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ}: «لما استبعدوا تملكه لفقره وسقوط نسبه، ردّ عليهم ذلك أوّلاً: بأنّ العمدة فيه اصطفاه الله سبحانه وتعالى، وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم...»([515]).


حاجة الإمامة إلى الاصطفاء الإلهي

إنّ الإمامة الإلهية بمفهومها الشيعي المبتني على اُسس وأدلّة محكمة التي أشرنا مختصراً إلى أهميتها ومكانتها والمهامّ التي تضطلع بها: من حفظ الشريعة وحمايتها وتطبيقها والدفاع عنها وهداية الاُمّة إلى طريق الحقّ، وغيرها من المهامّ، هذه الإمامة بهذا المعنى وهذا الفهم لا يمكن أن تكون بمعزل عن الاصطفاء والاختيار الإلهي لمن يتولّون هذه المهمّة، وهم الأئمّة من أهل بيت رسول الله، وهناك عدد من الأدلّة التي تشير إلى اصطفاء أهل البيت^:

الأدلة على اصطفاء أهل البيت ^

أوّلاً: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([516]) وهذه الآية القرآنية تؤكّد أنّ الله سبحانه وتعالى كما يصطفي الأنبياء^ يصطفي كذلك من ذرّياتهم الصالحين، وأهل البيت^ من الذرية المصطفاة؛ لأنّ النبيّ وذرّيته من ذرّية إبراهيم×، وهذا ما أخرجه البخاري عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: «المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد (صلّى الله عليه وسلّم)، يقول الله عزّ وجلّ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبراهيم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}([517]) وهم المؤمنون»([518]).

ثانياً: قوله تعالى: {إنّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([519]).

أخرج مسلم في صحيحه بسنده إلى عائشة قالت: «خرج النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) غداةً وعليه مِرْطٌ مُرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثُمّ جاء الحسين فدخل معه، ثُمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثُمّ جاء عليّ فأدخله، ثُمّ قال: {إنّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}»([520]).

وأخرج الترمذي في سننه عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبيّ قال: «لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): {إنّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} في بيت اُمّ سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء، ثمّ قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهبْ عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت على خير»، قال الشيخ الألباني: «صحيح»([521]).

وقد أشار القرطبي إلى تحديد المصداق لهذه الآية بقوله: «وقراءة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) هذه الآية {إنّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} دليل على أنّ أهل البيت المعنيين في الآية هم المغطون بذلك المرط في ذلك الوقت»([522]).

لذا نجد أنّ ابن تيمية يقول بأفضليتهم؛ لهذه الخصوصية التي حباهم الله بها، قال: «أفضل أهل بيته عليّ وفاطمة وحسن وحسين الذين أدار عليهم الكساء وخصّهم بالدعاء»([523]).

وهذا هو معنى الاصطفاء لنخبة وصفوة من الناس اختارهم الله على بقيّة خلقه، وطهّرهم وأذهب عنهم الرجس، وهذا بمعنى آخر إضفاء العصمة عليهم؛ لأنّهم وصلوا إلى مراتب لم يبلغها غيرهم، فجاءت الشهادة والتزكية من الله تعالى.

ثالثاً: قال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}([524]).

قد جاء في روايات عديدة من طرق أهل السنّة([525]) مضافاً إلى طرق أهل البيت^ أنّ من عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين عليّ×([526])؛ فقد أورثه الله علم الكتاب من طريق نبيه.

وقال الله تعالى في آية اُخرى: {ثمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}([527]).

وبهذا يعلم أنّ من يرث الكتاب بحسب حكمة الله تعالى لابدّ أن يكون مسبوقاً بالاصطفاء والاجتباء والاختيار.

الإمامة عهد إلهي

لقد أضاء القرآن الكريم هذه المسألة في آية صريحة وواضحة، فقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([528]).

فالآية تدلّ على أنّ الإمامة هبة من الله سبحانه ومنصبٌ جعله الله سبحانه لمن يستحقّه، ولم يقصد بهذا العهدِ النبوّة؛ ضرورة أنّ إبراهيم× كان نبياً ورسولاً من اُولي العزم قبل هذا الجعل الإلهي؛ ولهذا بيّن المفسّرون أنّ هذا العهد هو عهد الإمامة.

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} «إجابة إلى ملتمسه وتنبيه على أنّه قد يكون في ذرّيته ظلمة، أو أنّهم لا ينالون الإمامة؛ لأنّها أمانة من الله تعالى وعهد، والظالم لا يصلح لها»([529]).

وقال الطبري عن مجاهد: «قال الله: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} قال: لا يكون إمام ظالماً»([530]).

وقال ابن كثير في تفسير الآية: «يقول تعالى منبّهاً على شرف إبراهيم خليله×، وأنّ الله جعله إماماً للناس»([531]).

ومن هذه الآية الشريفة يمكننا استخلاص عدّة مفاهيم، منها:

أولاً: أنّ الإمام الذي حظي بالاجتباء والاصطفاء من ذرية إبراهيم× ـ كما مر سابقاً ـ لا يمكن تصوّر صدور الظلم عنه، كما صرحت به الآية الكريمة {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}؛ لأنّ إبراهيم× قد سأل ربّه أن يجعل الإمامة في ذرّيته، ولا يتوقّع منه أن يسأل اللهَ تعالى العهدَ للشخص الكافر، فلابدّ أن يكون السؤال لمن دخل قلبه الإيمان، فإذن إبراهيم× يسأل ربّه عن إمامة اُناس مؤمنين، فكان جواب الله تعالى هو: أنّ من تلبّس بالظلم لا يمكن أن ينال الإمامة حتّى لو كان مؤقّتاً، وهذا يقتضي أن نفسّر الظلم بالظلم الذي يمكن أن يصدر عن المؤمنين، وهو لا يكون إلاّ عبارة عن عصيان الله تعالى.

والمعصية هي ظلم الإنسان لنفسه، وانتفاء هذا الظلم لابدّ أن يتحقّق بأعلى درجاته، سواءٌ كان ظلماً في حقّ الله، كالشرك به؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أو كان ظلماً للناس أو لنفسه، والذنوب بكل أنواعها لا تخرج عن كونها ظلم الإنسان لنفسه؛ فإنّ الذنوب هي تعدٍّ على حدود الله تعالى، قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}([532])، فلابدّ أن يتنزّه الإمام عن ارتكاب جميع الذنوب بكل أنواعها، وهذا يعني: بلوغه درجة العصمة التي تؤهّله للإمامة.

ثانياً: أنّ الإمامة ـ كما أشرنا ـ لا يمكن أن تكون مجعولة من قبل الإنسان، بل جعْلُها بيد الله تعالى؛ إذ قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً...}.


الإمامة الإلهية أعلى مرتبة من النبوة

ثالثاً: أنّ الإمامة المجعولة من قبل الله سبحانه هي مرتبة أعلى من النبوّة التي كان عليها إبراهيم× في الوقت الذي خاطبته الآية، كما هو واضح من لحن الآية وسياقها، والقرائن المحتفّة بها؛ فإنّ إبراهيم قد شُرِّف بهذا المنصب بعد أن كان نبياً، ويدلّ على ذلك:

1ـ أنّ هذا الحدث المهمّ إنّما وقع في أواخر عهد إبراهيم× بعد كِبَره وولادة إسماعيل وإسحاق له، والدليل على ذلك قوله على ما حكاه الله عنه: {وَمِن ذُرِّيَّتِي} بعد قوله تعالى له: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً...} فإنّه× لم يكن يعلم ـ قبل مجيء الملائكة ببشارة إسماعيل وإسحاق ـ أنّه ستكون له ذرّية من بعده؛ لذلك بعد ما بشّرته الملائكة بالذرّية خاطب إبراهيم× الملائكة {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} وكما في قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}([533]).

وكذلك قالت زوجته عند بشارته أيضاً؛ إذ قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ أنّه حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}([534])، وكلامهما يظهر منه آثار اليأس والقنوط؛ لبلوغهما مقداراً من الكبر؛ ولذلك قامت الملائكة بتسليتهما وتطييب أنفسهما، فما كان هو ولا أهله يعلم أنّه سيرزق ذرّية، فلو كان جعل الإمامة في بدايات النبوّة لم يعقل أن ينسب الذرّية له مع عدم وجودها، ولو كان ذلك لكان من المناسب أن يقول: ومن ذرّيتي إن رزقتني ذرّية، أو ما يؤدّي هذا المعنى.

فإعطاؤه الإمامة من خلال هذه الآيات ـ كما يفهم ـ إنّما كان في أواخر حياته، في حين أنّ النبوّة كما يحكي القرآن عنها في قوله سبحانه: {قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنّه لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}([535]) إنّما كانت في بداية شبابه ومقتبل عمره.

2ـ قوله عزّ وجلّ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} يدلّ على أنّ هذه الإمامة الموهوبة إنّما كانت بعد ابتلائه بما ابتلاه الله به من الامتحانات التي من أوضحها مسألة ذبح إسماعيل×، قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} إلى قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ}([536]) والقضية إنّما وقعت في كبر إبراهيم، كما حكى الله تعالى عنه في قوله: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}([537]).

فيظهر من ذلك أنّ الإمامة كانت قد اُعطيت إيّاه في كبره، وكذلك يظهر أنّ الإمامة أشرف وأفضل وأسمى منزلة ورتبة من النبوّة؛ إذ نال الإمامة بعد مرتبة النبوّة واجتيازه الامتحانات العديدة التي أهّلته لنيل هذا المقام السامي، فإعطاؤه الإمامة بعد النبوّة وما سبقها من امتحانات ونجاحات دليلٌ على أفضلية وأشرفية الإمامة على النبوّة.

إنّ هذه الوظيفة الإلهية والسفارة الربّانية مسؤولية خطيرة ملقاة على كاهل من يقوم بها، فكان من الطبيعي جدّاً أن يتسلّح من يخوض غمارها وينهض بأعبائها بصفات وكمالات وقابليات أفضل من التي عند غيره بمراتب كثيرة جدّاً؛ لذا يشترط أتباع أهل البيت^ شروطاً معيّنة في الإمام: من العصمة، والعلم الخاصّ، والعناية الربّانية.

مصطلح الأئمة لا يختص بأئمة أهل البيت ^

إنّ مصطلح الأئمّة لا يختصّ بإمامة أهل البيت^ كما يظنّ كثير من مخالفي الشيعة؛ إذ يرون أنّ المصطلح مختص بهم، ولو كان صحيحاً لاقتصرت الإمامة عليهم، مع أنّنا نجد أنّ الإمامة قد حظي بها عدد من الأنبياء المرسلين الذين تأهّلوا لتقلّد هذا المنصب الرباني الرفيع بعد أن جاهدوا وصبروا، فأصبحوا منارات هدىً للبشرية، تقتدي بهم الاُمم؛ لتصل إلى رقيّها وكمالها، كما تقدّم في قوله تعالى في قضيّة إبراهيم: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}([538]) أي: «وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أئمّة»([539])، وهكذا في قوله سبحانه: {وَجَعَلْنَاهُمْ مِنهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}([540]) أي «جعلنا من بني إسرائيل أئمّة... يؤتم بهم، ويهتدى بهديهم»([541]).

ولكن الاُنس الذهني لأهل السنّة الذي خلقه الواقع التاريخي ـ كما بيّنا ـ وأفرزته حلبات الصراع الفكري والعقائدي في القرون الأولى من مسيرة الإسلام، جعل كلمة الإمام تنصرف إلى ما يعتقده الشيعة في أئمّتهم فقط، ونسوا أو تناسوا ما أصّله القرآن من معنى الإمامة بأوضح بيان وأقوى حجّة؛ ولذا عندما تعتقد الشيعة بأفضلية الإمامة على النبوّة لا تعني المصداق الخارجي لهما، وإلاّ فإنّ الشيعة يعتقدون ويجزمون بأنّ رسول الله أفضل الكائنات على الإطلاق، وهو نبيّ ورسولٌ وإمامٌ وهادٍ، وإنما تعني الشيعة من تلك المفاضلة: مفهوم الإمامة العامّ الذي هو أعلى وأشرف من النبوّة، كما أشرنا آنفاً، ولكنّ كثيراً من الناس؛ إمّا أنّهم لا يفهمون، وإمّا لا يريدون أن يفهموا، فجعلوا من هذا المعتقد لشيعة أهل البيت^ المبتني على أدلّة رصينة، جعلوا منه مدخلاً للتشنيع والطعن عليهم: بأنّهم يغالون في أئمّتهم، ويجعلونهم فوق مستوى النبيّ، وحاشا أن يعتقد الشيعة بذلك.

ضرورة الإمامة

أشرنا فيما مضى من الأبحاث إلى أنّ الشريعة الإسلامية تميّزت من الشرائع السماوية الاُخرى بسمة وميزة خاصّة، وهي: أنّها تمثّل النظام الأكمل والأفضل للبشرية على مستوى النظرية والمبادئ العامّة للقانون الإلهي، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}([542]) فهي لا تحتاج من هذه الناحية إلى إكمال ومتابعة على صعيد الإبلاغ والإنذار الذي كان يضطلع به الأنبياء بالنسبة إلى الشرائع السابقة. نعم ظلّت تحتاج في بقائها واستمرارها ـ بعد ختم النبوّات وانقطاع الوحي الرسالي ـ إلى أشخاص غير أنبياء وغير مرتبطين بالسماء من جهة الوحي التشريعي؛ لعدم الحاجة إلى ذلك كما بيّنا، وإنّما كانت الحاجة إلى أشخاص يمارسون مهامّ الأنبياء الاُخرى التي لا غنى للرسالة الإسلامية عنها، وتلك المهامّ تكون في عدّة جوانب، منها:

أوّلاً: الحفاظ عليها من الانحراف([543]) في فهم الشريعة ومقاصدها، وبيان جزئياتها، والدفاع عنها ضدّ محاولات التشويه والتغيير، ومتابعتها في الممارسة والتطبيق، وهذا لا يتسنّى لأيّ أحد دون أن يمتاز بمواصفات ومؤهّلات خاصّة كالعصمة والعلم الخاصّ، كما أنّه لا يمكن تشخيصه بمعزل عن السماء، وهو الذي نعبر عنه بالإمام.

ثانياً: مواجهة ظاهرة الاختلاف في المجتمع الإنساني، هذا الاختلاف ـ بأيّ نحو فسرناه ـ الذي رافق البشرية منذ وجودها على هذه الأرض، ولا يمكن للإنسانية التخلص منه في يوم من الأيّام، قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ اُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}([544]) وقد بعث الله الأنبياء؛ ليرفعوا هذا الاختلاف، وليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه، قال سبحانه: {كَانَ النَّاسُ اُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}([545]).

ولكن عمر الأنبياء والرسل من خلال المعطيات التاريخية المتوفّرة لدينا هو أقلّ من عمر البشرية وامتدادها الزمني؛ لأنّ النبوّات ختمت بنبينا محمد، فتظل الحاجة قائمة بعد رحيل النبيّ الأكرم إلى رفع هذا الاختلاف، وحلّه وإزاحة جميع الموانع والعقبات التي يسبّبها ذلك الاختلاف، ويعيق حركة الرسالة وديمومتها، فتأتي هنا القيادة المعصومة المتمثّلة بالإمامة؛ لتمارس هذا الدور على أكمل وجه، وتحافظ على الرسالة في خطّ سيرها العامّ، وهذا الدور لا يمكن أن تقوم به الاُمّة نفسها وإن ادّعي عصمتها، وأنّها لا تجتمع على ضلال، فليس من المحتوم أن تلك العصمة عصمة ذاتية للاُمّة، بل من المرجّح أن يكون سبب هذه العصمة وجود إمام يمنع من حصول الاجتماع على الضلالة؛ ولذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأويْلاً}([546]) فلو كانت الاُمّة تستطيع أن تحلّ بنفسها هذا التنازع، لما أمرهم بالرجوع فيه إلى الله والرسول، ثُمّ هل أنّ الاُمّة لن تتنازع بعد رحيل النبيّ أو التنازع سوف يبقى إن لم يشتدّ ويتفاعل بشكل أكبر؟ فلابدّ من شخص له مميّزات الرسول يتولّى مهمّة المرجعية في حلّ التنازع، وهو الإمام، فالإمامة ضرورية لإدامة هذه المسيرة.

ثالثاً: من المميّزات التي انفردت بها الرسالة الإسلامية هي أنّها تمكّنت من أن تقيم كياناً سياسياً إسلامياً في المجتمع الإسلامي على شكل حكومة ودولة إسلامية، وذلك في عصر صاحب الرسالة، بخلاف بقيّة الرسالات السماوية الاُخرى بحسب الاستقراء التاريخي ـ فهي وإن دعت إلى إقامة الحقّ والعدل بين الناس والحكم بما أنزل الله تعالى بينهم، ولكنّها لم تتمكّن من إقامة كيان حكومي وبناء دولة في زمن أنبياء تلك الرسالات.

وهذه التجربة الفتية للدولة والحكومة الإسلامية بطبيعة الحال تحتاج إلى قيادة فذّة ومتكاملة تستطيع أن تقود هذه المسيرة العظيمة للرسالة الخاتمة بصورة صحيحة وكاملة، وتحقّق كافّة الأهداف التي جاءت بها على أتمّ وجه، كما كان النبيّ يفعل ذلك، وهذا لا يتأتّى إلاّ من خلال إمام معصوم على درجة كبيرة من العلم والإدراك لأبعاد الرسالة العلمية والعملية، فوجوده أمر ضروري وحيوي جدّاً من أجل تحقيق هذه الغايات، فمن خلال هذه المعطيات والأدلّة يفهم الشيعة ضرورة الإمامة ووجوبها بعد النبوّة في الهيكل العامّ للدين الإسلامي الحنيف.

الإمامة والهداية

إنّ الإمامة بمفهومها المتقدّم ـ كما بيّنا ـ من كونها استمراراً لممارسات النبيّ في تطبيق أحكام الشريعة وحفظها وصيانتها من الخطأ، جاءت مقرونة بهداية الناس وإيصالهم إلى الكمال المطلوب، وهذا من وظائف الإمام، وقد أكّدته مجموعة من الآيات التي تحدّثت عن الإمامة وقرنتها بالهداية، كما في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}([547]).

وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}([548]).

وهذه الهداية التي اضطلع بها الأنبياء الأئمّة بالخصوص، وكذا الأئمّة غير الأنبياء، ليست هي مجرّد موعظة وإرشاد، وبيان للحقائق الإلهية، وإراءة الطريق للاُمّة؛ إذ هذه هداية النبوّة المسمّاة بالهداية التشريعية التي تقتصر على إبلاغ أوامر الله تعالى والبشارة والإنذار وإراءة الطريق فقط، كما في قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}.

بل هي هداية من نوع آخر يتجسّد فيها نفوذ روحي كبير للإمام، يأخذ بمجامع القلوب المستعدّة للهداية والوصول بها إلى كمالاتها، وتحقيق الهدف من رسالات السماء، وهذه هي الهداية المعبّر عنها بالهداية التكوينية الإيصالية، قال سبحانه: {اُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ * اُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إلاّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}([549]).

وممّا يؤيّد أنّ هداية الإمام هي هداية إيصالية بالمعنى الذي ذكرناه، أنّ نفس معنى الإمام ـ لغة ـ يستبطن الهداية والاقتداء والإيصال إلى المطلوب من الكمال، فمعنى الإمام هو: من يؤتمّ به ويقتدى به؛ ولذا فسّر القرطبي الأئمّة في قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}([550]) أي: «رؤساء يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات»([551]).

وقال ابن كثير: «{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} أي: يقتدى بهم»([552]).


الإمامة عند أهل السنة

إنّ أهل السنّة وإن عرّفوا الإمامة بأنّها رئاسة عامّة في اُمور الدين والدنيا، وأنها ضرورية لقيادة المجتمع الإسلامي، ولكنّهم فسّروا الرئاسة العامّة ـ كما ألمحنا إلى ذلك ـ في ضمن دائرة القيادة السياسية للمسلمين بعد النبيّ، وفي حدود الحكومة الإجرائية؛ ولذا لم يشترطوا فيها الولاية المطلقة التي تستوجب الطاعة والانقياد التام للإمام، إلاّ في تلك الحدود، وكذا لم يشترطوا فيها المرجعية الدينية العامّة ـ بالمعنى الذي عند الشيعة ـ للإمامة، بدليل أنّهم ينقلون كثيراً من الأخطاء والاشتباهات التي وقع فيها الخلفاء، واعترافاتهم المتكرّرة بالعجز والاحتياج، وذلك في كتبهم المعتبرة([553])، فضلاً عن عدم اشتراطهم العصمة والعلم الخاصّ فيهم.

ولذا نجد أنّ الشيعة قد اعتبروا الإمامة أصلاً من اُصول مذهبهم([554])؛ فإنّها تعتبر الأصل المقوم للشريعة؛ إذ تمثّل التطبيق الصحيح لشريعة النبيّ، ولولا الإمامة، لما أمكن أن تكون هناك شريعة واقعية محفوظة من الانحراف يطمئنّ إلى صحتها وصدورها عن الله تعالى.

وهذا ما يفسّر قول الشيعة: بُنيَ الإسلام على خمس، أهمّها الولاية التي هي التطبيق العملي للإمامة.

في حين نجد أهل السنّة قد اعتبروها من الفروع بما يلائم فهمهم واعتقادهم بالإمامة وأهمّيتها.

قال الإيجي: «ليست([555]) من اُصول الديانات والعقائد، خلافاً للشيعة، بل هي عندنا من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلفين»([556]).

قال الغزالي: «اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمّات، وليس أيضاً من فنّ المعقولات، بل من الفقهيات»([557]).

وبناءً على هذا الفهم المحدود لمهمّة الإمامة ووظائفها عند أهل السنّة لابدّ أن تأتي شروط الإمام عندهم ملائمة له، فلم يشترطوا في الإمام أكثر من العدالة الظاهرية المشترطة في الشاهد، في قبال اشتراط العصمة عند الشيعة، قال عبد القاهر البغدادي: «وأوجبوا من عدالته أن يكون ممّن يجوز حكم الحاكم بشهادته»([558]).

وقال السيد الجرجاني في شرح المواقف: «(نعم، يجب أن يكون عدلاً) في (الظاهر؛ لئلاّ يجور)؛ فإنّ الفاسق ربما يصرف الأموال في أغراض نفسه، فيضيّع الحقوق»([559]).

وكذلك لم يشترطوا أكثر من قابليته وقدرته على استنباط الأحكام عبر اجتهاده وإعمال رأيه المعرّض للخطأ والصواب، قال الإيجي: «المقصد الثاني في شروط الإمامة: الجمهور على أنّ أهل الإمامة مجتهد في الاُصول والفروع؛ ليقوم باُمور الدين ذو رأي»([560]).

وقال عبد القاهر البغدادي: «وقالوا: من شرط الإمام العلم والعدالة والسياسة، وأوجبوا من العلم له مقدار ما يصير به من أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية»([561]).

لقد كانت هذه النظرة المتباينة إلى الإمامة بين الشيعة وأهل السنّة السببَ الرئيس في الكثير من الشبهات والإشكالات التي طرحها ويطرحها أتباع المذاهب السنيّة؛ لأنّهم انطلقوا في شبهاتهم من نظرتهم الخاصّة إلى هذا المفهوم، ومن جملة هؤلاء ناصر القفاري في كتابه (اُصول مذهب الشيعة الاثني عشرية) الذي استند في شبهاته على أسلافه ومن سبقه ممّن يحملون نفس الفكرة، ويسيرون على ذات النهج.

لقد تعرّض القفاري لموضوع الإمامة منتقداً مفهومها عند الشيعة ومنشأها ومنزلتها، وكذا تعرّض بالنقد لأدلّة الإمامة من خلال القرآن والسنّة النبويّة، فابتدأ أوّلاً بنقد مفهوم الإمامة.


الشبهة: مفهوم الإمامة لدى الشيعة من اختراعات ابن سبأ

قال القفاري: «لعلّ أوّل من تحدّث عن مفهوم الإمامة بالصورة الموجودة عند الشيعة هو ابن سبأ الذي بدأ يشيع القول بأنّ الإمامة هي وصاية من النبيّ، ومحصورة بالوصي، وإذا تولاّها سواه، يجب البراءة منه وتكفيره، فقد اعترفت كتب الشيعة بأنّ ابن سبأ كان أوّل من أشهر القول بفرض إمامة عليّ وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفّرهم».

وذكر عدّة مصادر شيعية على ذلك، فقال: «انظر: رجال الكشّي: ص108ـ 109، القمّي المقالات والفِرَق: ص20، النّوبختي، فِرَق الشّيعة: ص22، الرّازي، الزّينة: ص305، وانظر: المِلَل والنِّحَل: ج1 ص174، حيث قال الشهرستاني عن ابن سبأ: وهو أوّل من أظهر القول بالنصّ على إمامة عليّ (رضي الله عنه)»([562]).

تمهيد

الإمامة مفهوم قرآني

أشرنا بشكل موجز في المقدّمة إلى أنّ الإمامة مفهوم قد أصّله القرآن، وحدّد له اُطره وأبعاده العامّة في أكثر من آية، كما في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([563]).

وكذا قوله سبحانه: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}([564]).

وقوله عزّ وجلّ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}([565]) وقد بيّنا كيف أنّ القرآن الكريم لم يكتف بالإشارة إلى مصطلح ومفهوم الإمامة فحسب، وإنّما قام باستعراض جملة من شرائطها كالاصطفاء والعصمة.

أمّا بالنسبة إلى السنة النبوية، فقد جاء التأكيد لمصطلح الإمامة وضرورتها في عدّة من الروايات النبوية الصحيحة التي رواها الخاصّة والعامّة في كتبهم، ومن أبرز الشواهد الروائية التي تؤكّد مفهوم الإمامة هو الحديث المشهور بين الفريقين المروي عن رسول الله، حيث قال: «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية»([566]) كما ورد بصيغة اُخرى، وهي «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»([567]) فهذه الروايات تدلّ على أنّ الرسول أعطى الإمامة أهمّية كبيرة، وهو بهذا يؤكّد أهمّيتها ومحوريتها في الإسلام. فلا شكّ أنّ التعبير بـ (ميتة جاهلية) كناية عن أنّ الإمامة تمثّل الجوهر في الإسلام، وأنّ عدمها معناه عود على بدء، وهو الجاهلية والكفر.

إذن مفهوم الإمامة مفهوم قرآني وروائي، وإنّ ما تدّعيه الشيعة من فهم للإمامة بشروطها هو عين ما ورد من معنى للإمامة في القرآن والسنّة. 

ثُمّ يأتي دور القرآن الكريم مرّة اُخرى؛ ليبيّن المصداق والفرد الخارجي للإمامة والولاية بعد النبيّ في آية: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([568]) المشهور نزولها في حقِّ أمير المؤمنين([569]) عليّ بن أبي طالب× حيث وقف على عليّ بن أبي طالب× سائل، وهو راكع، فنزع خاتمه، فأعطاه السائلَ، فأتى رسول الله، فأعلمه بذلك، فنزلت على رسول الله هذه الآية: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} فقرأها رسول الله. وسيأتي بحث مفصّل في هذه الآية، وكيفية الاستدلال بها على إمامة أمير المؤمنين×، ونقل الروايات الصحيحة الدالّة على نزولها في أمير المؤمنين×.

وكذلك قام النبيّ الأكرم بتوضيح معالم المصداق الحقيقي للإمامة الإلهية بأمر من الله سبحانه تعالى في أكثر من بيان شرعي واضح، وفي مواطن عديدة، كما هو الحال في حديث الدار([570]) وحديث الغدير([571]) وحديث المنزلة([572]) وغيرها من الأحاديث الشريفة التي سيأتي البحث في بعضها مفصّلاً.

إذن آية الولاية والأحاديث النبوية الشريفة تشكّل أدلّة شرعية صحيحة وواضحة على أنّ إمامة أهل البيت^ منصوصة من الله سبحانه وتعالى، وليست هي من ابتكارات شخص متأخّر. وهذه الأدلّة بحمد الله يسوقها أتباع أهل البيت^ من كتب أهل السنّة، وعلى مبانيهم في التصحيح والتضعيف، برغم كلّ ما مارسه أعداء أهل البيت^: من إخفاء للأدلّة على إمامتهم وفضائلهم، وهذا من المعاجز والكرامات الإلهية، فأين ابن سبأ في كلّ هذا؟!

ابن سبأ بين الوهم والواقع

من التهم والافتراءات التي طالما تشبّث بها خصوم مدرسة أهل البيت وأعداؤهم هي: أنّ العديد من معتقداتهم ومتبنّياتهم قد نسجها واخترعها عبد الله بن سبأ الشخصية اليهودية التي أسلمت فيما بعد.

لقد تسلّلت هذه الفرية إلى التراث الإسلامي على حين غفلة من الزمن وبتدبير أناس أرادوا لهذه الاُمّة أن تبقى نيران خلافاتها وصراعاتها متأجّجة، ولكن الذي يحزّ في النفس هو أن يبقى يلوك بها من يسمّون أنفسهم بالمحقّقين والعلماء، ويحملون شارات العلم والمعرفة، بلا أدنى تحقيق وتمحيص، كأنّهم صدى تلك الأصوات التي تردّدت في جدران الزمن الغابر.

ومن هنا عندما حاول القفاري في انتقاده لعقائد الشيعة، أن يسوّق ما يريده من طعون على عقائد أتباع مدرسة أهل البيت، كان لابدّ أن يتمسّك بقضية عبد الله بن سبأ وبطولاته وصولاته وجولاته المزعومة في إثارة كلّ فتنة مرّت على الإسلام والمسلمين، مضافاً إلى إسهاماته في اختراع أصل عقائد الشيعة في النصّ على إمامة أمير المؤمنين، وأنّه من الله ورسوله وتوصية الاُمّة بذلك، وللإجابة عن هذه الشبهة علينا أن نضع شخصية ابن سبأ في ميزان التقييم والتحقيق، ومحاكمة وموازنة الآراء والأقوال التي قيلت فيه، مراعين في ذلك الاختصار قدر الإمكان.


الاختلاف الشديد في شخصية ابن سبأ

إنّ شخصية ابن سبأ من الشخصيات المثيرة للجدل التي تباينت فيها الآراء واختلفت اختلافاً كبيراً، ويمكن تصنيف العلماء فيه إلى ثلاثة أصناف:

أصناف العلماء في ابن سبأ

الصنف الأول: الذين يؤمنون بأصل وجود ابن سبأ وبضخامة دوره

ينخرط في هذا الصنف عديد من علماء المذاهب السنّية الذين لم يكتفوا بإثبات وجوده، بل أسندوا إليه أعمالاً كثيرة وكبيرة غيّرت وجه التاريخ، وأحدثت فتنة أثّرت في المسلمين جميعاً، انتهت باغتيال خليفة المسلمين بأيدي الصحابة؛ لينفتح على إثرها باب الصراعات والخلافات على مصراعيه، فها هو عبد الله بن سبأ اليهودي الديانة واليمني المنشأ يسلم في زمن عثمان، ثُمّ يتنقّل بين حواضر المسلمين، بدءاً بالحجاز، ثُمّ البصرة والكوفة والشام ليحطّ رحاله في مصر، ويبدأ من هناك نشاطه التدميري، فيأخذ بمراسلة الساخطين والمتذمّرين على الوضع القائم وما عليه ولاة الخليفة من ظلم وجور، فيستطيع ـ بقدرة قادر ـ أن يؤلّب الرأي العام للمسلمين ويحثّهم على التمرّد والانقلاب، وفيهم خيرة الصحابة من البدريين وغيرهم، وبعد قتل الخليفة يستأنف نشاطه من جديد في بثّ معتقدات وآراء لم يسمع بها المسلمون بحسب قولهم ـ وفيهم الصحابة طبعاً ـ فيصدّقونها ويعتنقونها، من أمثال القول: بأنّ رسول الله حيّ وسيرجع، وأن عليّاً× حيّ لم يمت، وهو في السحاب، وأنّ الرعد صوته والبرق تبسّمه، وأنّه وصيّ رسول الله، وأنّه... الخ، فتتشكّل فرقة باسمه تحمل أفكاره وتدافع عنها، وهي: فرقة السبئيّة، الأمر الذي جعل أمير المؤمنين× يقف بوجه هذه الشخصية التي أسلمت حديثاً فيحرقه وأتباعه أو ينفيه إلى المدائن بحسب اختلاف الروايات.

والفرقة السبئيّة هذه هي نواة الشيعة، وهذا يعني: أنّ عقائدهم هي من اختراع شخص كان يهودياً ثمّ أسلم فيما بعد، وأنها لم تكن معهودة أو معروفة في زمن النبيّ أو الصحابة. ومصادر هذا الكلام هي تاريخ الطبري، وابن الأثير، وكتب الفرق والمذاهب، كالملل والنحل، والفرق بين الفرق، والتبصرة في الدين وغيرها.

مناقشة الصنف الأول

إنّ هذا الرأي الذي ذهب إليه الصنف الأوّل من العلماء وإن كان مشهوراً ومعروفاً بين المؤرّخين وعلماء المذاهب والفرق، فإنّ بعض المحقّقين من الشيعة والسنّة سجّلوا عليه عدّة ملاحظات موضوعية وعلمية وجيهة، نذكر منها:

أولاً: أن سيف بن عمر هو من ضخم دور ابن سبأ

رأى المحقّقون من الطائفتين أنّ معظم روايات عبد الله بن سبأ ـ وما قام به في هذه المرويات من دور كبير يعجز عن القيام بمثله أجيال من الناس ـ تنتهي إلى راوٍ واحد، هو سيف بن عمر التميمي الذي حكم العلماء والمحدّثون بضعفه الشديد، واتّهموه بالزندقة ووضع الحديث، قال ابن حجر: «قال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال مرة: فليس خير منه، وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي والدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامّتها منكرة لم يتابع عليها، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، قال: وقالوا: أنّه كان يضع الحديث. قلت: بقيّة كلام ابن حبان: اتّهم بالزندقة، وقال البرقاني عن الدارقطني: متروك، وقال الحاكم: اتّهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط. قرأت بخطّ الذهبي مات سيف زمن الرشيد»([573]).

إنّ هذه الأقوال في تضعيف سيف بن عمر قد شكّلت لدى هذا الصنف قناعة: بأنّ تأثير ابن سبأ في الأحداث وبهذا الحجم الكبير إنّما هو في مخيّلة سيف ابن عمر فقط، ولا مكان لهذا التضخيم على أرض الواقع إطلاقاً، فلم يشر كبار المؤرّخين إلى قضية ابن سبأ بهذا الحجم سوى الطبري.

ثانياً: هذا الرأي يستلزم الطعن بعدالة الصحابة ومرجعيتهم العلمية

عقائد كبار الصحابة تقع تحت تأثير ابن سبأ

إنّ لازم الاعتقاد بصواب هذا الرأي أن يكون مثل ابن سبأ ـ الشخص الذي ليس له سابقة في الإسلام والدين، ولم ير النبيّ، ولم يسمع حديثه ـ قد استطاع بمدّة وجيزة أن يؤثّر في عقول وأذهان خيرة الصحابة من الذين جاهدوا مع النبيّ وسمعوا حديثه، كأبي ذر وعمّار وغيرهم من الصحابة، ويجعلهم أدوات طيّعة بيده، فقد روى الطبري عن سيف أنّه: «لمّا ورد ابن السوداء الشام، لقي أبا ذر، فقال: يا أبا ذر، ألا تعجب إلى معاوية، يقول: المال مال الله؟ ألا إن كلّ شيء لله كأنّه يريد أن يحتجنه دون المسلمين، ويمحو اسم المسلمين، فأتاه أبو ذر فقال: ما يدعوك إلى أن تسمّي مال المسلمين مال الله؟ قال: يرحمك الله يا أبا ذر، ألسنا عباد الله والمال ماله...؟ قال: فلا تقله... قال: وأتى ابن السوداء أبا الدرداء، فقال: من أنت؟ أظنّك والله يهودياً، فأتى عبادة بن الصامت، فتعلّق به، فأتى به معاوية، فقال: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر»([574]).

وروى الطبري عن سيف أيضاً أنّه لمّا أرسل عثمان عمّار بن ياسر إلى مصر في جملة من أرسلهم إلى الأمصار؛ لتقصّي الأوضاع بعد كثرة الشكاوى، وتذمّر الناس على ولاة الخليفة، عاد الجميع إلاّ عمار، واستبطأه الناس «حتّى ظنّوا أنّه قد اغتيل، فلم يفجأهم إلاّ كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر، وقد انقطعوا إليه، منهم عبد الله بن السوداء»([575]).

فهل يمكن قبول خضوع شخصيات ـ لها مكانتها وإيمانها ـ لابن سبأ، كشخصية أبي ذرّ (رضي الله عنه) الذي قال عنه النبيّ: «ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء أصدق من أبي ذر»([576])؟! أو عمار (رضي الله عنه)، الذي قال عنه النبيّ إنّه مَلِئَ ايماناً إلى رؤوس عظامه، وهذا ما نقلته عائشة: «ما أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلاّ لو شئت لقلت فيه ما خلا عماراً، فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: مَلِئَ إيماناً إلى مشاشه». قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح»([577]).

ثُمّ يتطوّر الأمر ويستفحل أمر ابن السوداء كما يصوّره الطبري عن سيف، ويقوم بنشر عقائد ـ يُعتقد ببطلانها بحسب المدّعى ـ ويقبل المسلمون منه ذلك!!!

وهذا ما ينقله لنا الطبري عن سيف: «... ثُمّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثُمّ البصرة، ثُمّ الكوفة، ثُمّ الشأم، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشأم، فأخرجوه حتّى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: لعجب ممّن يزعم أنّ عيسى يرجع، ويكذّب بأنّ محمداً يرجع، وقد قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} فمحمد أحقّ بالرجوع من عيسى، قال: فَقُبِلَ ذلك عنه. ووضع لهم الرجعة، فتكلّموا فيها، ثُمّ قال لهم بعد ذلك: أنّه كان ألف نبي، ولكل نبيّ وصيّ، وكان عليّ وصيّ محمّد، ثُمّ قال: محمد خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء، ثمّ قال بعد ذلك: من أظلم ممّن لم يجز وصية رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)...»([578]).

وبعد ذكر ما تقدّم، فنحن أمام أمرين لا ثالث لهما:

الأمر الأوّل: أن نرفض هذه الروايات التي يرويها الطبري عن سيف، ونجزم بعدم صدقها؛ إذ أنّها تتعارض مع مكانة الصحابة وقداستهم التي لا يمكن لشخصية مثل شخصية ابن سبأ الهزيلة أن تجد لها طريقاً للتأثير في عقولهم واعتقاداتهم.

والأمر الثاني: هو أن نقبل هذه الروايات التي ينقلها لنا سيف بن عمر، ونصدّق بما قام به ابن السوداء من التأثير في عقائد المسلمين الأوائل والصحابة.

ولكن قبول هذه الأمر يفرض علينا استحقاقات كثيرة لا يمكن لأحد من أهل السنّة أن يسلّم بها؛ فإنّ لازم قبول وقوع كبار الصحابة تحت تأثير رجل حديث الإسلام، لا يملك تاريخاً وسجلاً يؤهّله لأن يملي رأيه على هؤلاء الصحابة، ثُمّ يستطيع بعد ذلك أن يسوّق عقائد وأفكاراً لم يألفها الصحابة وكبار التابعين، ويعتقدون بها مع أنّها ليس لها أثر أو عين في الدين كما يزعمون؟! لازمه: أنّ اُولئك الصحابة كانوا على قدر من السذاجة والبساطة بحيث يستطيع شخص مثل ابن سبأ المجهول أن يستغلّ بساطتهم ويغيّر عقائدهم ويؤثّر فيهم؟

وهذا ربما يضع على ذلك علامةَ استفهام كبيرة أمام حصانة التراث الإسلامي بكامله، هذا التراث الذي يعتقد أهل السنّة أنّه برمّته قد وصل من طريق الصحابة؟!!

وهو أيضاً يثير تساؤلاً حقيقياً عن نظرية عدالة جميع الصحابة، وقوّة إيمانهم وقدرتهم العالية على تشخيص الاُمور، وموازنة القضايا واختيار الأصلح والأنفع للإسلام!

ابن سبأ يدفع بالصحابة إلى قتل الخليفة عثمان

ولا يقتصر تأثير ابن سبأ على العبث بعقائد الصحابة كأبي ذر وعمّار وبقيّة المسلمين، بل نجده يقلب الاُمور رأساً على عقب حين يزرع في نفوس الصحابة والمسلمين عدم مشروعية خلافة الخليفة الثالث عثمان، فيثورون عليه، وتصل المسألة إلى تورّطهم بقتله، فهم بين محاصر له، ومانع الماء عنه، وبين مشارك فعلاً في قتله، وبين صامت لم يتفوّه بكلمة حقّ لصالح الخليفة الثالث الذي يرى أهل السنّة أنّه قتل مظلوماً، وأنّ قتلته من الفجرة والأوباش!!([579]).

لقد ساهم في قتل عثمان الكثير من المسلمين والكثير من الصحابة، فقد روى الطبري عن سيف: «كتب أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعضهم إلى بعض أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد، فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يرون ويسمعون، ليس فيهم أحد ينهى ولا يذبّ إلاّ نفير: زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسّان ابن ثابت...»([580]).

ونلاحظ في النصّ أنّ الصحابة يشاهدون الحادثة ويسمعون بها، وليس فيهم أحد ينهى أو يذبّ عن الخليفة، إلاّ عدد يسير جدّاً.

وقال ابن سعد: «كان المصريون الذين حصروا عثمان ست مئة رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي، وعمرو ابن الحمق الخزاعي، والذين قدموا من الكوفة مئتين، رأسهم مالك الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مئة رجل، رأسهم حكيم بن جبلة العبدي، وكانوا يداً واحدة في الشرّ، وكان حثالة من الناس قد ضووا إليهم قد مزجت عهودهم وأماناتهم مفتونون، وكان أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) الذين خذلوه كرهوا الفتنة...»([581]).

وهذا النصّ يصوّر لنا الجموع الكبيرة من المسلمين الذين شاركوا في قتل الخليفة عثمان، وضمنهم من كان قد بايع النبيّ تحت الشجرة، وشهد بيعة الرضوان كعبد الرحمن بن عديس البلوي([582])، فهو ممّن وعده الله بالجنان على وفق اعتقاد أهل السنّة، كما نرى النصّ يصرّح بأنّ الصحابة قد خذلوه، ولم ينصروه.

ونجد في إحدى روايات الطبري أنّ الخليفة الثالث قد صرّح بكفر من شارك في قتله من أهل المدينة، قال الطبري: «فلمّا رأى عثمان ما قد نزل به، وما قد انبعث عليه من الناس، كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام: بسم الله الرحمن الرحيم: أمّا بعد، فإنّ أهل المدينة قد كفروا، وأخلفوا الطاعة، ونكثوا البيعة، فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كلّ صعب وذلول فلمّا جاء معاوية الكتاب، تربّص به، وكره مخالفة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وقد علم اجتماعهم»([583]).

فهل يمكن القول: إنّ ابن سبأ هو سبب هذا الاجتماع الذي استلزمه الجنوح إلى الكفر على حدّ تعبير الخليفة الثالث؟!

وهل نقبل أنّ ابن سبأ هو الذي حثّ الصحابة على قتل الخليفة عثمان، وكان السبب في ذلك كما يعتقد علماء أهل السنّة، قال محمد بن عبد الوهاب في حوادث سنة (35): «وفيها كان خروج جماعة من أهل مصر ومن وافقهم على عثمان. وأصل الفتنة ومنبعها كان من عبد الله بن سبأ: رجل يهودي من أهل صنعاء، أظهر الإسلام؛ ليخفي به حقده عليه وكفره به في زمن عثمان، وكان ينتقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثُمّ البصرة، ثُمّ الكوفة، ثُمّ الشام. فلم يقدر على ما يريد، فأخرجوه حتّى أتى مصر، فغمز على عثمان، وقاد الفتنة، وأشعل نارها، محادّة لله ولرسوله، حتّى كانت البلية الكبرى بمحاصرة عثمان (رضي الله عنه)، واغتياله»([584]).

وقال إحسان إلهي ظهير: «إنّ قتلته [عثمان] أو من ساعد قاتليه على قتله هم الذين أيّدوا السبئية، ومنهم تكوّنت...»([585]).

وأيّ صحابة هؤلاء الذين يعبث بهم ابن سبأ حتّى أوصلهم إلى الكفر والتجاوز على خليفة المسلمين؟! فهل يصلح مثل هؤلاء الصحابة ـ وفق هذا الرأي الذي غرسه وكوّنه سيف عن ابن سبأ ـ أن يكونوا مرجعاً لأخذ الشريعة منهم؟!

ثالثاً: تضارب الآراء في شخصية ابن سبأ

ويبرز المحققون ـ الذين يعترضون على الصنف الأوّل ـ كثيراً من الإشكالات والتناقضات في شخصية ابن سبأ ونسبه والأعمال التي قام بها، ممّا يضع أكثر من علامة استفهام عليه، وعلى ما قام به من أحداث، ومن هذه الإشكالات:

1ـ التعارض في منشئه وبيئته

ينقل الطبري أنّ ابن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء في اليمن، فيقول: «كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، اُمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثُمّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم»([586]).

في حين ينقل عبد القاهر البغدادي أنّه كان في الأصل يهودياً من أهل الحيرة في العراق، قال: «وكان ابن السوداء في الأصل يهودياً من أهل الحيرة»([587]).

وكذلك ينقل الإمام محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية أن «عبد الله بن سبأ كان يهودياً من الحيرة أظهر الإسلام»([588])([589]).

وأمّا قبيلته، فمنهم من ينسب ابن سبأ إلى (حمير)، وهي تنسب إلى حمير ابن الغوث... ومنازلهم باليمن بموضع يقال له: حِمْيَر غربي صنعاء([590]).

ومن الذين قالوا بذلك ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء، حيث يقول: «والقسم الثاني من فرق الغالية الذين يقولون بالألهية لغير الله عزّ وجلّ، فأوّلهم قوم أصحاب عبد الله ابن سبأ الحميري»([591]).

وأمّا البلاذري، فينسبه إلى قبيلة همدان، قال: «وأمّا حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي وحبة بن جوين البجلي ثُمّ العرني، وعبد الله بن وهب الهمداني، وهو ابن سبأ»([592]).

وقال عمر رضا كحّالة: «همدان بطن من كهلان القحطانية، وهم: بنو همدان بن مالك... كانت ديارهم باليمن من شرقيّه»([593]).

وهذا يشكلّ تهافتاً واضحاً في منشئه وبيئته، فهناك فرق بين حمير التي تقع غرب اليمن، وبين همدان التي تقع شرق اليمن.

2ـ الاختلاف في شخصيته

ذهب بعض العلماء إلى أنّ ابن سبأ هو ابن السوداء، كما مرّ آنفاً في كلام الطبري: «اُمّه سوداء» في حين يرى بعضٌ أنّهما شخصيتان، وليسا شخصية واحدة، كالإسفراييني حيث يقول: «ووافق ابن السوداء عبد الله بن سبأ بعد وفاة عليّ في مقالته هذه، وكانا يدعوان الخلق إلى ضلالتهما»([594]).


3ـ التعارض في زمن ظهور نشاطه الفكري

وهناك اختلاف في زمن ظهور نشاطه وتحرّكاته بين المؤرّخين، فالطبري ينقل أنّ تحرّكاته وظهوره كان في زمن عثمان، فقال: «فأسلم زمان عثمان، ثُمّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثمّ البصرة، ثُمّ الكوفة، ثُمّ الشام، فلم يقدر على ما يريد من أهل الشام، فأخرجوه حتّى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: لعجب ممّن يزعم أنّ عيسى يرجع، ويكذّب بأنّ محمّداً يرجع، وقد قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ} فمحمّد أحقّ بالرجوع من عيسى، قال: فقُبِلَ ذلك عنه. ووضع لهم الرجعة، فتكلّموا فيها، ثُمّ قال لهم بعد ذلك: إنّه كان ألف نبيّ، ولكلّ نبيّ وصيّ، وكان عليّ وصيّ محمّد، ثُمّ قال: محمّد خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء...»([595]).

وذهب آخرون إلى أنّ ظهوره كان في زمن خلافة أمير المؤمنين× الذي نفاه إلى المدائن من الكوفة، قال البغدادي: «وأمّا الروافض، فإنّ السبئيّة منهم، أظهروا بدعتهم في زمان عليّ (رضي الله عنه)، فقال بعضهم لعليّ: أنت الإله، فأحرق عليّ قوماً منهم، ونفى ابن سبأ إلى ساباط المدائن»([596]).


4ـ تضارب الأقوال في معتقدات ابن سبأ

ويوجد تضارب واختلاف كبير أيضاً فيما كان يعتقد به ابن سبأ، وما حاول بثّه بين المسلمين، فتارة تذكر بعض المصادر أنّه كان يؤمن أنّ عليّاً نبيّ([597])، ثُمّ يؤمن بأنّه إله([598])، وتارة اُخرى ينقل لنا المؤرّخون أنّه يؤمن بأنّ عليّاً ليس إلهاً كاملاً، بل حلّ به جزء الألوهية!!([599])، وثالثة أنّه كان يؤمن بأنّ عليّاً وصيّ النبيّ محمّد ([600])، لا أنّه هو النبيّ أو الإله، وكذلك هناك تناقض في مسألة الإيمان بالرجعة، فمرّة يؤمن بأنّ عليّاً هو من سوف يرجع، وأنّه لم يمت، وهو في السحاب، والرعد صوته، والبرق تبسّمه!!([601]) واُخرى ينادي بأنّ النبيّ محمّداً هو من سيرجع لا عليّاً×([602]).

5ـ تعارض الأقوال في زمان إسلامه

تتقاطع أقوال المؤرّخين كالطبري وغيره في وقت اعتناقه للإسلام، فمرّة يذكرون أنّه في سنة (30 هـ) ورد الشام وهو مسلم مؤمن بالله، فيقوم بتحريض الصحابي أبي ذر على خلق المتاعب، وإيجاد المشاكل لمعاوية([603]).

في حين يذكر الطبري في حوادث سنة (33 هـ) أنّ ابن السوداء قدم البصرة، وأعلن لواليها ابن عامر أنّه رجل من أهل الكتاب يرغب في اعتناق الإسلام والاستقرار في البصرة، لكنّ الوالي ابن عامر لم يقبل منه ذلك، وأمر بطرده إلى الكوفة، ومنها خرج إلى مصر؛ ليستقرّ بها، ومن هناك قام بمراسلة أهل الكوفة والبصرة([604]).

وفي ذلك دلالة واضحة على وجود اختلاف في تاريخ إسلامه، فلئن كان قد أسلم في سنة (30هـ) وقام بتحريض الصحابي الجليل أبي ذر على معاوية، كيف تكون سنة (33هـ) هي سنة اعتناقه للإسلام؟!!

تناقض آخر

يظهر من كلام الطبري أيضاً أنّ ابن سبأ لم يدخل مصر قبل سنة (34 هـ)؛ لأنّه كان سنة (33 هـ) في البصرة، ثمّ انتقل إلى الكوفة، ثُمّ الشام، ثُمّ مصر، ولذا يذكر الذهبي في تاريخه في أحداث سنة (35هـ) أن ابن السوداء  ساهم في التحريض على تنحية وعزل عمرو بن العاص وتولية ابن أبي سرح مكانه([605])، في حين نجد كتب التاريخ تنقل لنا أنّ عزل ابن العاص كان في سنة (25هـ أو 27هـ)([606])، قال حسن بن فرحان المالكي الباحث والمؤرّخ المعاصر: «يروي سيف أنّ أتباع عبد الله بن سبأ قاموا بالوشاية في مصر بين عمرو بن العاص وابن أبي سرح حتّى عزل عثمان عمرو بن العاص سنة سبع وعشرين، بينما يروي سيف نفسه أنّ ابن سبأ لم يدخل مصر إلاّ سنة خمسة وثلاثين»([607]).

الصنف الثاني: العلماء الذين نفوا أصل وجود شخصية ابن سبأ

وهم الذين جزموا بأنّ عبد الله بن سبأ محض اُسطورة نسجتها أياد معيّنة؛ لأغراض معروفة، وهؤلاء العلماء من الشيعة والسنة.

المنكرون لشخصية عبد الله بن سبأ من الشيعة

1ـ العلاّمة الشيخ كاشف الغطاء، حيث يقول: «ليس من البعيد رأي القائل: إنّ عبد الله بن سبأ، ومجنون بني عامر، وأبا هلال، وأمثال هؤلاء الرجال أو الأبطال كلّها أحاديث خرافة، وضعها القصّاصون وأرباب السمر والمجون»([608]).

2ـ العلاّمة العسكري الذي أثبت بدراسة موضوعية علمية في كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرى) أنّ عبد الله بن سبأ كان صنيعة سيف بن عمر الكذّاب الذي اخترع هذا الدور المزعوم لعبد الله بن سبأ في الفتنة والانقلاب على الخليفة الثالث.

3ـ المحقّق السيد الخوئي([609]) (قدّس سرّه) الذي يقول: «إنّ اُسطورة عبد الله بن سبأ وقصص مشاغباته الهائلة موضوعةٌ مختلقة، اختلقها سيف بن عمر الوضّاع الكذّاب، ولا يسعنا المقام الإطالة في ذلك والتدليل عليه، وقد أغنانا العلاّمة الجليل والباحث المحقّق السيد مرتضى العسكري فيما قدّم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافية، وعن سيف وموضوعاته في مجلّدين ضخمين طبعا باسم (عبد الله بن سبأ)، وفي كتابه الآخر (خمسون ومائة صحابي مختلق)»([610]).

4ـ العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان، أشار إلى هذا الرأي أيضاً في معرض ردّه لما جاء في تاريخ الطبري من تحريض ابن السوداء لأبي ذر حتى يعترض على معاوية بن أبي سفيان، وأنّ هذه القصص هي من اختلاق شعيب وسيف، وهما من الكذّابين الوضّاعين المشهورين، ذكرهما علماء الرجال، وقدحوا فيهما، والذي اختلقاه من حديث ابن السوداء ـ وهو الذي سمّوه عبد الله بن سبأ، وإليهما ينتهي حديثه من الأحاديث الموضوعة ـ وقد قطع المحققون من أصحاب البحث أخيراً بأنّ ابن السوداء هذا من الموضوعات الخرافية التي لا أصل لها([611]).

5ـ العلاّمة محمد جواد مغنية، وهو من الذين ينكرون وجود عبد الله بن سبأ، وقد قال في تقديمه لكتاب العلاّمة العسكري: (عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرى): «فلقد اختلق سيف لرسول الله’ أصحاباً لا وجود لهم، وأسماهم بأسماء لم يسمع بها الرسول، ولا أحد من أصحابه، مثل: سعير، والهزهاز، وأطّ، وحميضة، وما إلى ذلك، كما ابتدع رجالاً من التابعين وغير التابعين، ووضع على لسانهم الأخبار والأحاديث، من هؤلاء بطل اختلق شخصيته، واختلق اسمه، واختلق قضايا ربطها به، هذا البطل الاُسطوري هو: عبد الله بن سبأ الذي اعتمد عليه كلّ من نسب إلى الشيعة ما ليس لهم به علم، وتكلّم عنهم جهلاً وخطأ، ونفاقاً وافتراء»([612]).

6ـ الباحث الاجتماعي الدكتور عليّ الوردي في كتابه (وعّاظ السلاطين)، ينفي شخصية ابن سبأ، فيقول: «يخيّل إليّ أنّ حكاية ابن سبأ من أوّلها إلى آخرها كانت حكاية مقنّنة الحبك رائعة التصوير»([613]).

وقد حاول الوردي أن يوجد أوجهاً للربط بين شخصية بن سبأ وعمّار بن ياسر؛ ليخرج بنتيجة هي: أنّ ابن سبأ لم يكن إلاّ عمار بن ياسر نفسه.

7ـ الدكتور كامل مصطفى الشيبي ممّن أنكر وجود ابن سبأ في كتابه (الصلة بين التصوّف والتشيّع) وتابع في ذلك الدكتور الوردي في استنتاجاته: بأنّ عبد الله بن سبأ هو عمّار بن ياسر([614]).

8ـ عبد الله الفياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، قال: «يبدو أنّ ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة»([615]).

المنكرون لعبد الله بن سبأ من أهل السنة

1ـ الدكتور طه حسين([616]).

يعدّ الدكتور طه حسين أوّل العلماء والباحثين السنّة الذين شكّكوا في مسألة ابن سبأ وتأثيره الكبير في خلق الأحداث في المجتمع الإسلامي، وخلص إلى أنّ مسألة ابن سبأ وضعها خصوم الشيعة نكاية وحقداً عليهم، قال: «وأقلّ ما يدلّ عليه إعراض المؤرّخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفّين، إنّ أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنّما كان متكلّفاً منحولاً قد اخترع بأخرة حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في اُصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستنداً إلى أساس من الحقّ والتاريخ الصحيح، لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقّدة المعضلة التي كانت بصفّين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب عليّ× في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاصّ أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه، ويكفّر من مال إليه أو شارك فيه، ولكنّا لا نرى لابن السوداء ذكراً في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال؟! أو كيف يمكن أن نعلّل غياب ابن سبأ عن وقعة صفّين، وعن نشأة حزب المحكّمة؟! أمّا أنا فلا أعلل الأمرين إلاّ بعلّة واحدة، وهي: أنّ ابن السوداء لم يكن إلاّ وهماً»([617]).

2ـ الدكتور عليّ النشار([618]).

اعتبر الدكتور النشار أن ابن سبأ شخصية وهمية، فقال بعد أن جمع المصادر وحققّ في أقوال الشيعة والسنّة: «ومن المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة، أو أنّها رمزت إلى شخصية ابن ياسر: ومن المحتمل أن يكون عبد الله بن سبأ هو مجرّد تغليف لاسم عمّار بن ياسر»([619]).

3ـ الدكتور حامد حفني([620]).

وهو من الشخصيّات العلمية والأكاديمية البارزة في مصر وقد ذهب إلى أنّ قضية ابن سبأ ملفّقة، وذلك في تقديمه لكتاب العلاّمة العسكري (عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرى)، فقال: «ولعلّ أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها، فلم يفقهوها ويفطنوا إليها: هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفّقوا عليهم قِصّة عبد الله بن سبأ فيما لفّقوه من قصص»([621]).

4ـ الدكتور محمد كامل حسين([622]) في كتابه: في آداب مصر الفاطمية، أنكر حقيقة عبد الله بن سبأ، واعتبرها أقرب إلى الخرافات، فقال: «فقِصّة ابن سبأ في مصر وأنّه بثّ آراء التشيّع بين المصريين هي أقرب إلى الخرافات منها إلى أيّ شيء آخر»([623]).

5ـ الدكتور عبد العزيز صالح الهلابي الاُستاذ في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، أثبت أنّ ابن سبأ شخصية وهمية، وذلك في دراسته (عبد الله ابن سبأ دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة)، فقال: «والذي نخلص إليه في بحثنا هذا أنّ ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود، فإن وجد شخص بهذا الاسم، فمن المؤكّد أنّه لم يقم بالدور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفرق، لا من الناحية السياسية، ولا من ناحية العقيدة» وقال أيضاً بعد أن استعرض عدداً من الرواة والأخباريين المتقدّمين الذين لم يرد في مروياتهم أو كتبهم أيّ ذكر لابن سبأ وتأثيره في الأحداث، قال: «إنّ إغفال هؤلاء المؤرّخين لهذا الرجل الذي كان له هذا الدور الكبير في أحداث الفتنة وفي تغيير وجه التاريخ الإسلامي، دليلٌ على أنّ الرجل مكذوب مختلق من عصر متأخّر من عصر اُولئك المؤرّخين المذكورين وغيرهم»([624]).

6ـ الدكتور سهيل زكار محقّق كتاب المنتظم لابن الجوزي، قال في المجلّد الثالث: «إنّ ابن سبأ لم يوجد بالمرّة، بل هو شخصية مخترعة»([625]).

الكاتب والمفكّر المصري، أحمد عبّاس صالح، قال: «وعبد الله بن سبأ شخص خرافي بغير شكّ، فأين هو من هذه الأحداث جميعاً؟! وأين هو من الصراعات الناشبة في هذا العالم الكبير المتعدّد...؟! وماذا يستطيع شخص مهما كانت قيمته أن يلعب بمفرده بين هذه التيارات المتناطحة؟! إنّ الأحداث السريعة العنيفة المتلاحقة لم تكن في حاجة إلى شخص ما حتى ولو كان الشيطان نفسه؛ لأنّ اُصولها بعيدة الغور، وقوّة اندفاعها لا قبل لأحد بالسيطرة عليها أو توجيهها، فضلاً عن تشابكها وتعدّدها بما لا يدع لأيّ قوّة أن تزيدها تعقّداً.

وساذج ـ بغير شكّ ـ التفكير الذي يتّجه إلى خلق شخصية خرافية كهذه؛ ليعطيها أيّ أثر من أحداث، وأكثر سذاجة منه من يظنّ لهذا الرجل تأثيراً ما على كبار الصحابة، ومنهم أبو ذر الغفاري نفسه الذي لم يقبل مناقشة أبي هريرة المحدّث المعروف، وضربه فشجّه قائلاً في ازدراء: أتعلّمنا ديننا يابن اليهودية.

إنّما كلّ ما حيك من قصص حول عبد الله بن سبأ هو من وضع المتأخّرين، فلا دليل على وجوده في المراجع القديمة فضلاً عن سخافة التفكير في احتمال وجوده أصلاً»([626]).

مناقشة المنكرين لأصل وجود شخصية ابن سبأ

وقد ناقش بعض المحقّقين آراء هذا الصنف من العلماء من كلا الفريقين، ممّن تبنّى نفى أيّ وجود تاريخي لشخصية ابن سبأ، بعدّة ملاحظات يمكن إجمالها في النقاط التالية:

أوّلاً: أنّ الطبري لم ينفرد بروايات عبد الله بن سبأ، فهناك الكثير من الشعراء والرواة والمؤرّخين الذين سبقوا الطبري بذكر السبئية وعبد الله بن سبأ، فقد جاء ذكر السبئية على لسان الشاعر الكوفي الشهير أعشى همدان (ت 84 هـ)، حينما هجا المختار بن أبي عبيد الثقفي وأتباعه، قال:

   شهدت عليكم أنّكم سبئية

 

 وأنّي بكم يا شرطة الكفر عارف([627])

وذكر الجوزجاني (ت 259هـ): «ثُمّ السبئية إذ غلت في الكفر، فزعمت أنّ عليّاً إلهها حتّى أحرقهم بالنار؛ إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم... وضرب عبد الله بن سبأ حين زعم أنّ القرآن جزء من تسعة أجزاء، وعلمه عند عليّ ونفاه بعدما كان همّ به»([628]).

ويقول ابن قتيبة (276هـ) : «فإنّ عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعليّ، فأحرق عليّ أصحابه بالنار»([629]).

وينقل البلاذري (ت 279هـ) أنّ ابن سبأ في ضمن مجموعة قد جاؤوا إلى عليّ× يسألونه رأيه في أبي بكر و عمر، فقال×: «أو قد تفرّغتم لهذا»([630]).

ثانياً: أنّ سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، بل هناك روايات كثيرة تذكر ابن سبأ، ولا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر، فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه عدّة روايات، منها:

«أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن وأبو الفضل أحمد بن الحسن، قالا: أنا عبد الملك بن محمد بن عبد اللّه، أنا أبو عليّ بن الصواف، نا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن العلاء، نا أبو بكر بن عياش، عن مجالد، عن الشعبي قال: أوّل من كذب عبد اللّه بن سبأ»([631]).

2ـ «قرأنا على أبي عبد اللّه يحيى بن الحسن، عن أبي الحسين بن الآبنوسي، أنا أحمد بن عبيد بن الفضل، وعن أبي نعيم محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز، أنا عليّ بن محمد بن خزفة، قالا: نا محمد بن الحسن، نا ابن أبي خيثمة، نا محمد بن عباد، نا سفيان، عن عمّار الدهني، قال: سمعت أبا الطفيل يقول رأيت المسيّب بن نجبة أتى به ملببة ـ يعني ابن السوداء ـ وعليّ على المنبر، فقال عليّ: ما شأنه؟ فقال: يكذب على اللّه وعلى رسوله»([632]).

«أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الحطّاب، أنا أبو القاسم عليّ بن محمد بن علي الفارسي، وأخبرنا أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي الحسن بن إبراهيم الداراني، أنا سهل بن بشر، أنا أبو الحسن عليّ ابن منير بن أحمد بن منير الخلال، قالا: أنا القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد اللّه الذهلي، نا أبو أحمد بن عبدوس، نا محمد بن عباد، نا سفيان، نا عبد الجبّار بن العبّاس الهمداني، عن سلمة بن كهيل، عن حجية بن عدي الكندي، قال: رأيت عليّاً كرّم اللّه وجهه، وهو على المنبر وهو يقول: من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على اللّه ورسوله ـ يعني ابن السوداء ـ لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة ينعي عليّ دمه، كما ادعيت عليّ دماء أهل النهر، لجعلت منهم ركاماً»([633]).

ثالثاً: أنّ الشيعة أنفسهم ـ الذين يُتَّهمون بأنّ ابن سبأ هو من وضع عقائدهم ـ لم تنكر الغالبية منهم وجوده وحقيقته، وهذه كتبهم زاخرة بذكره وذكر أخباره، فقد روى الصدوق في حديث الأربع مئة: «إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في الدعاء، فقال عبد الله بن سبأ: يا أمير المؤمنين أليس الله في كلّ مكان؟ قال: بلى، قال: فلِمَ يرفع العبد يديه إلى السماء؟ قال: أما تقرأ {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}([634]) فمن أين يطلب الرزق إلاّ من موضعه، وموضعُ الرزق وما وعد الله عزّ وجلّ السماءُ»([635]). وغيرها من الروايات الكثيرة في كتب الرجال والحديث والفِرَق.

وروى أيضاً الكشيّ عن محمد بن قولويه قال: «حدّثني سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة بن أيّوب الأزدي، عن أبان بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله×، يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ أنّه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين×، وكان والله أمير المؤمنين× عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإنّ قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم»([636]).

الصنف الثالث: العلماء الذين ينفون ضخامة تأثيره لا أصل وجوده

وهذا الصنف من العلماء يمثّل علماء الشيعة الغالبية العظمى منهم، فهم لم ينكروا أصل وجود ابن سبأ، ولم يدّعوا وهميته، وإنّما ذهبوا إلى أنّ عبد الله بن سبأ شخصية تاريخية اعتيادية قد أسلم في زمن عثمان أو غيره، ووالى عليّاً×، ولكنّه غالى فيه وادّعى فيه اُموراً أنكرها عليه المسلمون، ووقف عليّ× إزاءه وإزاء من قال بمقالته موقفاً حازماً، فحرقهم أو نفاهم، وانتهى الأمر إلى هذا الحدّ، وها هي كتب الشيعة تلعنه وتتبرّأ منه([637]) وتاريخنا الإسلامي حافل بالمنحرفين والغالين والضالّين من جميع الطوائف الإسلامية، لا تختصّ به طائفة دون اُخرى.

هذا هو الرأي الصحيح في المسألة، فمن ذهب إلى أنّ له تأثيراً كبيراً في الفتنة، فقد جانب الصواب، وقد تقدّمت مناقشة ذلك، وأمّا الرأي الذي يرى أنّ ابن سبأ مجرّد وهم لا حقيقة له، فإنّ المعطيات التاريخية التي تعرضنا لبعضها من قبيل ذكره على لسان بعض المؤرّخين والمحدّثين الذين سبقوا الطبري، لا تساعد على هذا الرأي، ولعلّ من ذهب إلى ذلك أراد نفي ما له من آثار كبيرة لم يجد لها دليلاً تاريخياً صحيحاً، فعمد إلى نفي وجود ابن سبأ؛ لأنّ مثل تلك الآثار تجعل صاحبها من الأساطير، والمهمّ أنّ هذين الرأيين يتّفقان على نفي ضخامة التأثير الذي ينسب إليه.

وإلى هذا الرأي يذهب بعض العلماء والباحثين أيضاً، فقد نفوا تأثيره في الفتنة وإثارة الوضع على الخليفة الثالث، كالباحث الشيخ حسن بن فرحان المالكي، قال: أنّا أنفي دوره([638]) يعني: ابن سبأ في الفتنة، ومن المشكّكين في ضخامة تأثيره أو وجوده أيضاً الدكتور جواد علي في مقال له بعنوان (عبد الله بن سبأ) في مجلة المجمع العلمي العراقي([639]) وفي مجلّة الرسالة([640]).

والدكتور محمد عمارة أيضاً في كتابه (الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية)، يقول فيه: «تنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا، نشاطاً عظيماً وجهداً خرافياً»([641]).

وكذلك الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة، قال: «وليس هناك ما يمنع أيضاً أن يستغلّ يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان؛ ليحدث فتنة، وليزيدها اشتعالاً، ويؤلّب الناس على عثمان، بل أن ينادي بأفكار غريبة، ولكن السابق لأوانه أن يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق، فيحدث هذا الانشقاق العقائدي بين طائفة كبيرة من المسلمين»([642]).

وعليه يلتقي هذا الرأي ـ القائل بنفي تضخيم آثار وما نسب إلى ابن سبأ ـ بمماثله الشيعي؛ لينفي انفراد الشيعة به.

أمّا لماذا حدث هذا التضخيم؟ ولماذا نسبت هذه الأدوار الخرافية إلى ابن سبا؟ وما هي الأسباب والدواعي لذلك؟ فهذا ممّا ينبغي التعرّض له ولو بشكل مجمل، فنقول:

دواعي تضخيم دور ابن سبأ

يستطيع المرء من خلال رؤية موضوعيّة لتاريخ الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنّة، وما ترتّب على ذلك الخلاف من نتائج، أن يجد عدّة أسباب ودواع ساهمت في إسناد هذا التأثير الكبير إلى عبد الله بن سبأ في صناعة أحداث ووقائع تاريخية، واختراع أفكار وعقائد خاصة، كان الشيعة المتّهم الأوّل فيها، ومن جملة هذه الأسباب:

1ـ أنّ اعتقاد الشيعة بالنصّ على الإمام والوصية عليه من النبيّ وعصمته وشرائطه، هذا الاعتقاد يستند إلى الكتاب والسنّة الصحيحة المؤيّدة بأقوال وآراء علماء أهل السنّة هذا من جهة، ومن جهة اُخرى إنّ أئمّة أهل السنّة وخلفاءهم لا تتحقّق فيهم شرائط الإمام المستقاة من الكتاب والسنة الصحيحة، فأدّى هذا الأمر إلى أن يرجح المذهب الشيعي، وينتشر في وسط الاُمّة، فللوقوف بوجه هذه المسألة الخطيرة التي قوّضت شرعية الخلافة والإمامة عند أهل السنة، كان لابدّ أن يُربَط الفكرُ الشيعي وعقائده بجذور يهودية من خلال إلصاق فكرة الوصية والعصمة وغيرها من عقائد الشيعة بشخصية يهودية أسلمت حديثاً، وتتشيّع لعليّ× وأهل بيته^، والقول بأنّها هي من أسّست هذه المعتقدات وابتكرتها!! فكانت هذه الشخصية هي شخصية عبد بن سبأ؛ ليصبح هو مخترع فكرة الوصية والنصّ على الإمامة، وعقائد كثيرة اُخرى؛ لكي يشوّهوا بذلك صورة التشيّع في أذهان المسلمين، ويبعدوهم عنه، وعن فهمه والاقتراب منه.

2ـ أنّ أهل السنّة بعد أن ابتعدوا عن أهل البيت الذين جعلهم رسول الله عدلاً للقرآن، ووسيلة لإنقاذ الاُمّة من الضلالة، وتمسّكوا بالصحابة، وقالوا بعدالتهم، بل بعصمتهم، وجعلوا أقوالهم وأفعالهم سنّة كسنّة رسول الله يقتدون بهم، ويأخذون الدين عنهم، وجدوا أنفسهم أمام إشكال كبير، وهو: أنّ تاريخ الصحابة مليء بالخلافات والصراعات والحروب فيما بينهم وهذا يعني بالضروة أنّ فريقاً منهم قد خرج عن جادّة الصواب وطريق الحقّ، قال سعد الدين التفتازاني المتوفّى (791هـ): «إنّ ما وقع بين الصحابة: من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حادّ عن طريق الحقّ، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد، واللداد، وطلب الملك والرئاسة»([643]).

وهذا بلا شكّ ينافي بطبيعة الحال جعلهم مرجعاً ومصدراً للشريعة الإسلامية، فلتنزيه ساحة الصحابة عن كلّ ما وقعوا فيه: من فتن وتناقضات، ولكي تبقى صورتهم ناصعة كما رسموها لهم، عمدوا إلى إيجاد مخارج ومحامل؛ للخلاص من هذا المأزق، فكان أحدها أن يبحثوا عن شخص ما؛ ليلقوا على كاهله مسؤولية القيام بكلّ تلك الفتن والاختلافات بين الصحابة، ويجعلوه المسبّب الرئيس لهذه المشاجرات والحروب التي وقعت بينهم، فوقع الاختيار على عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم في وقت متأخّر، والذي لم يجدوا أفضل منه؛ ليكون بطل هذه الأحاجي والأقاصيص الاُسطورية التي سوّدوا بها جبين التاريخ قبل صحائفه. 

قال الدكتور أحمد محمود صبحي اُستاذ الفلسفة في جامعة الإسكندرية في مصر: «ويبدو أنّ مبالغة المؤرّخين وكتّاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلى سبب آخر غير ما ذهب إليه الدكتور طه حسين، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة، كمقتل عثمان، ثُمّ حرب الجمل، وقد شارك فيها كبار الصحابة وزوجة الرسول، وكلّهم يتفرقون ويتحاربون، وكلّ هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبّع لتاريخه السياسي، أن يبتلي تاريخ الإسلام هذه الابتلاءات، ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله’، وشاركوا في وضع اُسس الإسلام، كان لابدّ أن تلقى مسؤولية هذه الأحداث الجسام على كاهل أحد، ولم يكن من المعقول أن يحتمل وزر ذلك كلّه صحابة أجلاّء أبلوا مع رسول الله’ بلاءً حسناً، فكان لابدّ أن يقع عبء ذلك كلّه على ابن سبأ، فهو الذي أثار الفتنة التي أدّت لقتل عثمان، وهو الذي حرّض الجيشين يوم الجمل على الالتحام على حين غفلة من عليّ وطلحة والزبير»([644]).

وبهذا استطاع أصحاب هذا الرأي أن يتخلصوا من الإشكالات والشبهات الكثيرة التي واجهت تاريخ الصحابة.

وبعد هذا العرض للآراء المتباينة في حقيقة ابن سبأ يكون من اللائق التعرّض لحقيقته في المصادر الشيعية الروائية ومصادر الفرق والمقالات وكذلك أقوال الرجاليين؛ فإنّ البحث فيها يشكّل نقطة هامّة على صعيد تشخيص هوية الرأي الصحيح في مسألة ابن سبأ، على أنّ كثيراً من الباحثين تجاهلوا هذا البحث، وهو خطأ كان ينبغي استدراكه، فلمّا كان المقصود المهمّ في الحقيقة السبئية هم الشيعة بالذات، كان من المنطقي الاطّلاع على حقيقة شخصية ابن سبأ من خلال كتبهم ومصادرهم، وكيف يرونه عندهم.

ابن سبأ في نظر الشيعة

ورد ذكر ابن سبأ في عدد من الكتب والمصادر الشيعية الحديثية منها والرجالية وكتب المقالات والفرق، وجاءت بعدّة ألسنة ومضامين اختلفت في تعاطيها لشخصية ابن سبأ اختلافاً لعلّه لا يقل عن الاختلاف في شخصيته في كتب أهل السنّة وإن أجمعت على أنّه شخص جانب الصواب، وانحرف بادّعائه اُموراً منكرة أدّت إلى لعنه وذمّه والبراءة منه.

عبد الله بن سبأ في الروايات

لقد تعرّضت الروايات الشيعية الصحيحة السند لذمّه ولعنه والبراءة منه، في حين لم نجد أحداً ممّن اتّهم التشيّع بالسبئية من أهل السنّة أنّه يذكر ذمّ الشيعة لابن سبأ في كتبهم، وإليك نماذج من هذه الروايات:

روى الكشّي بسنده إلى أبان بن عثمان، قال: «سمعت أبا عبد الله× يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ إنّه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين× وكان والله أمير المؤمنين× عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإنّ قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم»([645]).

2ـ روى الكشّي بسنده إلى أبي حمزة الثمالي، قال: «قال عليّ بن الحسين: لعن الله من كذب علينا، إنّي ذكرت عبد الله بن سبأ، فقامت كلّ شعرة في جسدي، لقد ادّعى أمراً عظيماً، ما له لعنه الله، كان عليّاً× والله عبداً لله صالحاً»([646]).

3ـ روى الكشّي بسنده إلى هشام بن سالم، قال: «سمعت أبا عبد الله× يقول وهو يحدّث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ، وما ادّعى من الربوبية في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فقال: أنّه لمّا ادّعى ذلك، استتابه أمير المؤمنين×، فأبى أن يتوب، فأحرقه بالنار»([647]).

ابن سبأ في كتب الفرق والمقالات

لعلّ أقدم كتاب تعرّض لابن سبأ هو فرق الشيعة للنوبختي، وكتاب المقالات والفرق للأشعري القمّي.

قال النوبختي حين تعرّض لذكر فرق الشيعة: «(فرقة) منهم قالت: إنّ عليّاً لم يقتل ولم يمت، ولا يقتل ولا يموت حتّى يسوق العرب بعصاه» إلى أن قال: «... وهذه الفرقة تسمّى (السبئية)، أصحاب (عبد الله بن سبأ) وكان ممّن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة...» ثُمّ قال: «وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب عليّ× أنّ عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى عليّاً× وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى× بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبيّ’ في عليّ× بمثل ذلك... فمن هنا قال من خالف الشيعة: إنّ أصل الرفض مأخوذ من اليهودية...»([648]).

وقريب من هذا الكلام ما ذكره الأشعري القمّي في المقالات والفرق([649]).

ابن سبأ في أقوال الرجاليين

قال الكشّي: «ذكر بعض أهل العلم أنّ عبد الله بن سبأ كان يهودياً، فأسلم ووالى عليّاً... وكان أوّل من شهر بالقول بفرض إمامة عليّ، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفّرهم، فمن ها هنا قال من خالف الشيعة: أصل التشيّع والرفض مأخوذ من اليهودية»([650]).

قال الطوسي: «عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر، وأظهر الغلوّ»([651])

قال العلاّمة الحلّي: «عبد الله بن سبأ: غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين× بالنار، كان يزعم أنّ عليّاً× إله، وأنّه نبيّ. لعنه الله»([652]).

ومن جاء بعدهم من الرجاليين الشيعة قد اعتمد على أقوال هؤلاء.

وخلاصة القول: أنّ عقيدة الشيعة في ابن سبأ هو رجل غالى في عليّ×، وقد لُعِنَ من قبل الأئمّة، وليس له أيّ تأثير مهمّ في بناء الكيان الشيعي مطلقاً.

وواضح من هذه الروايات الآمرة بلعنه وذمّه أن الرجل لم يكن صانع مذهب الشيعة، وإلاّ كيف يكون جزاؤه اللعن!!

وهذا الاعتقاد الشيعي في ابن سبأ يؤيّده بعض علماء الرجال من أهل السنّة أيضاً.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال: «عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة، ضالّ مضلّ، أحسب أنّ عليّاً حرقه بالنار»([653]).

وقال الصفدي: «عبد الله بن سبأ هو رأس الطائفة السبئية وهو الذي قال لعليّ بن أبي طالب: أنت الإله، فنفاه عليّ إلى المدائن»([654]).

وذكر ابن حجر نفس عبارة الذهبي([655]).

وقد اقتصر ذكرهم على أنّه غالى في عليّ×، وادّعى الألوهية، ولم يتعرّضوا لمسألة اختراعه الوصية أو غيرها.

وبعد هذا سوف نتعرّض للإجابة عن شبهة أنّ ابن سبأ هو أوّل من قال بالنصّ على إمامة أمير المؤمنين×.


الشبهة: ابن سبأ هو أول من قال بأن الإمامة وصاية من النبي

قال القفاري: «أوّل من تحدّث عن مفهوم الإمامة بالصورة الموجودة عند الشيعة هو ابن سبأ الذي بدأ يشيع القول بأنّ الإمامة هي وصاية من النبيّ، ومحصورة بالوصي، وإذا تولاّها سواه، يجب البراءة منه وتكفيره، فقد اعترفت كتب الشيعة بأنّ عبد الله بن سبأ كان أوّل من أشهر القول بفرض إمامة عليّ، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفّرهم»([656]).

الجواب: الوصية بالإمامة أكبر من أن يخترعها ابن سبأ

أوّلاً: لقد بيّنا فيما سبق([657]) من أبحاث أنّ الإمامة عهد من الله سبحانه جعله لاُناس مخصوصين، وقد بلّغ الرسول ذلك ببيانات شرعية متعدّدة أشرنا إلى بعض منها، وسيأتي الحديث عنها مفصّلاً، كآية: {إنّما وَلِيُّكُم} وحديث الغدير، وحديث المنزلة، وغيرها من الأدلّة، ومع تلك الأدلّة كيف يكون ابن سبأ هو أوّل من قال بالوصية والنصّ على الإمامة؟!

ثانياً: إنّ كتب الشيعة التي استند إليها القفاري والتي تذكر أنّ ابن سبأ هو أوّل من قال بالوصية، قد اقتصر فيها القفاري على كتاب الكشّي وكتاب فرق الشيعة للنوبختي والمقالات والفرق للأشعري القمّي فقط، وقد ترك القفاري ـ عمداً ـ الروايات الصحيحة السند وأقوال علماء رجال الشيعة الكبار التي نقلنا شطراً من كلماتهم، وهي تبيّن حقيقة ابن سبأ في نظر الشيعة، ولم تتعرّض لمسألة أنّ الإمامة من مخترعات عبد الله بن سبأ، بل تعرّضت لكونه إنساناً منحرفاً مغالياً قد تبرّأ الشيعة منه، ولعنوه على لسان أئمّتهم.

ومن هنا قال السيد الخوئي&: «وأمّا عبد الله بن سبأ، فعلى فرض وجوده، فهذه الروايات تدلّ على أنّه كفر، وادّعى الألوهية في عليّ×، لا أنّه قائل بفرض إمامته×»([658]).

يقول محمد كرد عليّ: «وأمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب: من أنّ أصل مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، فهو وهم وقلّة علم بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف في ذلك، علم مبلغ هذا القول من الصواب»([659]).

وأمّا كتاب الكشي، فنصّ عبارته: «ذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً... وكان أوّل من شهر بالقول بفرض إمامة عليّ... فمن هاهنا قال من خالف الشيعة: أصل التشيّع والرفض مأخوذ من اليهودية...»([660]).

أمّا كتاب فرق الشيعة، فنصّ العبارة فيه: «وحكى جماعة من أهل العلم أنّ عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم... وهو أوّل من شهر بالقول بفرض إمامة عليّ بن أبي طالب×»([661]).

ونفس الكلام نقله الأشعري القمّي، إلاّ أنّه ذكر بدل عبارة: «وهو أوّل من شهر بالقول» قال: «وهو أوّل من شهد بالقول»([662]).

فنقول:

1ـ إنّ ما قاله الكشّي والنوبختي والأشعري قد ذكروه بعنوان الحكاية، ولا يظهر أنّ هذه الحكاية هي لعلماء الشيعة بالخصوص؛ إذ لم يتعرّض هؤلاء الثلاثة لحقيقتها، ومن وراءها، فلم يسمّوا لنا من هم هؤلاء أهل العلم الذين ذكروا ذلك، وإن ذكر النوبختي بأنهم من أصحاب عليّ×، لكن هذا التعبير لا يختصّ بالشيعة؛ إذ لو كان المقصود ذلك لعبّر بتعبيرات اُخرى، مثل: أصحابنا أو علمائنا، ومن هنا يحتمل قوياً أن يكون المقصود بهذه الجماعة من غير الشيعة، خصوصاً أنّه عبّر أنّهم من أصحاب عليّ×، وقد نقل الشيخ الطوسي في رجاله الكثير من الرواة من غير الشيعة، وفي نفس الوقت عبّر عنهم أيضاً بأنّهم من أصحاب الأئمّة^([663]).

2ـ إنّ هذه الحكاية مرسلة، ولا سند لها، فلا قيمة علمية لها، فهي مجهولة السند في النقول الثلاثة المذكورة.

3ـ على تقدير صحّة هذه المنقولات عن الشيعة ـ مضافاً إلى أنّ الاعتقاد باختراع ابن سبأ لمسألة الإمامة مخالف لضرورة مسلّمة عند الشيعة إذ إنّ الإمامة ثابتة عندهم بأدلة عقلية ونقلية صحيحة قبل أن يَسْلِمَ ابن سبأ ـ نقول: لا ظهور لكلمات العلماء الثلاثة في أنّ ابن سبأ هو أوّل من اخترع الإمامة، فلو تأمّلنا كلماتهم نجد أنّ الشيء الواضح فيها هو أن ابن سبأ أوّل من أعلن وأظهر هذا الاعتقاد، وأن الاعتقاد كان موجوداً وسابقاً، لكنّه أعلنه بعد أن زالت عناصر الخوف، واستلم الإمام عليّ× الخلافة، والشاهد على ذلك أنّ الأشعري القمّي ذكر أنّ ابن سبأ كان يقول: إنّ التقية لا تجوز؛ ممّا يكشف عن أنّ هذا الاعتقاد كان موجوداً، لكنّه لا يجاهرون به في زمن الخلفاء الذين سبقوا عليّاً×.

وممّا يؤيّد ذلك عبارة النوبختي والكشّي: «وهو أوّل من شهر بالقول» فكلمة (شهر) معناها: كَشْف ما كان مستوراً، لا أنّه اختراع جديد.

ثُمّ لا يخفى أنّ مجرّد نقل الكشّي والنوبختي والقمّي للقضية لا يشكّل اعترافاً منهم كما يريده القفاري، بل هو حكاية لقول لا يرتضونه؛ لذلك قالوا: إنّ هذا الكلام كان مسوّغاً لمخالفي الشيعة لاتّهامهم بأنّ التشيّع أصله يهودي.

وممّا يزيد القضية وضوحاً وجلاءً هو أنّ الوصية لعليّ× بالإمامة أمر متعارف ومشهور في التراث الإسلامي، قبل أن يدخل ابن سبأ في الإسلام، وهذا ما سنكشف النقاب عنه في مبحث الوصية.

الوصي والوصية في حديث رسول الله

لقد ورد مصطلح الوصيّ والوصية لعليّ× في أحاديث النبيّ في مناسبات مختلفة، وألفاظ متعدّدة، وبطرق وأسانيد متكثرة تناقلها الرواة، وثبتت في مصادر المسلمين على رغم توفّر الدواعي العديدة على طمسها وإخفائها بعدما تولّى بنو اُمية مهمّة تدوين أحاديث النبيّ وكتابتها، وهي مسألة واضحة لمن أنصف، وترك التعصّب والتقليد، فوصول هذه البيانات النبوية في هذه القضية الحسّاسة جدّاً أكبر دليل على صحّتها ووقوعها، ولا ينبغي التشبّث بما أصاب بعض هذه الأحاديث من تضعيف وتحريف وتبديل؛ لأنّها من الطبيعي جداً أن تواجه مثل هذه الاُمور وإلاّ لشككنا في صحّتها، ومع هذا فقد صحّحنا بعض طرقها وأسانيدها، وتركنا بعضاً كشواهد ومؤيّدات ممّا يُفنّد من الأساس دعوى اختراعها من قبل ابن سبأ.

الوصية في أحاديث الدار

جاء لفظ الوصية والوصيّ في السنة الثالثة للبعثة، بعد نزول قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} في عدّة روايات، منها:

الرواية الأولى ودراسة سندها

أخرج الطبري عن ابن حميد قال: «حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، عن عبد الله بن عبّاس، عن عليّ بن أبي طالب في حديث طويل... تكلّم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال: يا بني عبد المطلب، إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثُمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون»([664]).

هذا الحديث إسناده جيّد:

1ـ ابن حميد، فهو محمد بن حميد بن حيان، أبو عبد الله الرازي، (ت 248هـ)([665]):

2ـ سلمة بن الفضل الأبرش الأنصاري، تُوفّي بعد 190 هـ([666]):

3ـ محمد بن إسحاق صاحب السيرة المعروفة، ت150 هـ([667]):

4ـ عبد الغفار بن قاسم بن قيس الأنصاري فهو أبو مريم الكوفي([668]):

5ـ المنهال بن عمرو([669]):

6ـ عبد الله بن الحارث بن نوفل([670]):

الرواية الثانية ودراسة سندها

أخرج ابن عساكر في تاريخه، قال: «أخبرنا أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيدي العلوي بالكوفة، أنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد، أنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين، أنا أبو عبد الله محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، نا عباد بن يعقوب، نا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي بن أبي طالب، قال: لمّا نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل، قال: ففعلت، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): يا علي اجمع بني هاشم، وهم يومئذ أربعون رجلاً أو أربعون غير رجل» إلى أن قال: «أيكم يقضي ديني ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الكلام، فسكت القوم وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) الكلام الثالثة، قال: وإني يومئذ لأسوأهم هيئة، إني يومئذ لأحمش الساقين، أعمش العينين، ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: أنت يا علي، أنت يا علي»([671]).

الرواية جيدة الإسناد:

1ـ أبو البركات، هو عمر بن إبراهيم، ت539 هـ([672]):

2ـ أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان الشاهد، ت446 هـ([673]):

3ـ محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين، ت402 هـ([674]):

4ـ أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زكريا المحاربي، ت320 هـ([675]):

5ـ عباد بن يعقوب الرواجني، ت250 هـ([676]):

6ـ عبد الله بن عبد القدوس([677]):

7ـ الأعمش: هو سليمان بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي ت148هـ([678]):

8ـ المنهال بن عمرو([679]):

9ـ عباد بن عبد الله الأسدي([680]):

الرواية الثالثة: ما أخرجه ابن عساكر بسنده عن ابن عباس عن علي× جاء فيه أنّ رسول الله، قال: «يا بني عبد المطلب أي والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وإن ربي أمرني أن أدعوكم، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعاً وأني لأحدثهم سنّاً، فقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثمّ قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»([681]).

هذا، وقد أخرج ابن عساكر حادثة استدعاء النبيّ لبني عبد المطلب وعرضه عليهم مسألة الوصية والخلافة، بطريقين مختلفين لم يتّضح منهما أنّهما كانا عقب نزول قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}.

فقد روى ابن عساكر بسنده عن أبي رافع عن أبيه، قال: «قال أبو رافع: جمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولد بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً وإن كان منهم لمن يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن، فقال: لهم يا بني عبد المطلب، إن الله لم يبعث رسولاً إلاّ جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً ووصيّاً ومنجزاً لعداته وقاضياً لدينه، فمن منكم يتابعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وينجز عداتي وقاضي ديني؟ فقام إليه علي بن أبي طالب، وهو يومئذ أصغرهم، فقال له: اجلس، وقدّم إليهم الجذعة والفرق من اللبن، فصدروا عنه حتى أنهلهم وفضل منه فضله، فلمّا كان في اليوم الثاني أعاد عليهم القول، ثمّ قال: يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وقاضي ديني ومنجز عداتي، فقام إليه علي بن أبي طالب، فقال: اجلس، فلمّا كان اليوم الثالث أعاد عليهم القول، فقام علي بن أبي طالب، فبايعه بينهم، فتفل في فيه، فقال أبو لهب: بئس ما جبرت به ابن عمك إذ أجابك إلى ما دعوته إليه ملأت فاه بصاقاً»([682]).

والطريق الآخر لابن عساكر هو بسنده عن أبي رافع أيضاً، قال: «كنت قاعداً بعدما بايع الناس أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعباس: أنشدك الله هل تعلم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش، فقال: يا بني عبد المطلب إنّه لم يبعث الله نبياً إلاّ جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفةً في أهله، فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أهلي، فلم يقم منكم أحد، فقال: يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، والله ليقومن قائمكم أو لتكونن في غيركم، ثمّ لتندمن، فقام علي من بينكم، فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)؟ قال: نعم»([683]).

رواية: وصيي علي بن أبي طالب×

أخرج الطبراني في المعجم الكبير عن محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي، ثنا يحيى بن يعلى عن ناصح بن عبد الله عن سماك بن حرب عن أبي سعيد الخدري عن سلمان، قال: «قلت: يا رسول الله، لكلّ نبي وصي، فمن وصيّك؟ فسكت عني، فلمّا كان بعد رآني فقال: يا سلمان، فأسرعت إليه، قلت: لبيك، قال: تعلم من وصيّ موسى؟ قلت: نعم، يوشع بن نون، قال: لِمَ؟ قلت: لأنّه كان أعلمهم، قال: فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب، قال أبو القاسم: قوله: وصيي يعني أنّه أوصاه في أهله لا بالخلافة، وقوله: خير من أترك بعدي، يعني من أهل بيته (صلّى الله عليه وسلّم)»([684]).

وأخرج قريباً منه أحمد بن حنبل في الفضائل بسنده عن أنس بن مالك، قال: «قلنا لسلمان: سل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) من وصيه، فقال له سلمان: يا رسول الله، من وصيك؟ قال: يا سلمان، من كان وصي موسى؟ قال: يوشع بن نون، قال: فإنّ وصيي ووارثي يقضي ديني، وينجز موعودي: علي بن أبي طالب»([685]).

دراسة في سند الرواية

الرواية جيدة الإسناد:

1ـ محمد بن عبد الله الحضرمي، هو المعروف بالمطين([686]):

2ـ إبراهيم بن الحسن الثعلبي([687]):

3ـ يحيى بن يعلى الأسلمي([688]):

4ـ ناصح بن عبد الله([689]):

5ـ سماك بن حرب، الذهلي، ت123هـ([690]):

رواية: اتخذت عليا× وصياً

أخرج الطبراني في الكبير بلفظ (اتخذت علياً وصياً) فعن محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن مرزوق، ثنا حسين الأشقر، ثنا قيس عن الأعمش عن عباية بن ربعي، عن أبي أيوب الأنصاري أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال لفاطمة (رضي الله عنها): «أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى أهل الأرض، فاختار منهم أباك فبعثه نبياً، ثمّ اطّلع الثانية، فاختار بعلك فأوحى إليّ، فأنكحته واتخذته وصياً»([691]).

دراسة في سند الرواية

الرواية جيدة الإسناد:

1ـ محمد بن عبد الله الحضرمي مرّ توثيقه في الرواية السابقة([692]).

2ـ محمد بن مرزوق، ت248هـ([693]):

3ـ حسين الأشقر الفزاري، ت208هـ([694]):

4ـ قيس بن الربيع الأسدي([695]):

5ـ الأعمش، قد مرّ توثيقه([696]).

6ـ عباية بن ربعي الأسدي([697]):

وأخرج الطبراني أيضاً في الكبير والأوسط قريباً من الحديث السابق بسنده عن علي بن علي الهلالي عن أبيه، قال: «دخلت على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) طرفه إليها، فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت: أخشى الضيعة من بعدك، قال: يا حبيبتي أما علمت أن اللّه اطّلع على الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك، فبعثه برسالته، ثمّ اطّلع على الأرض اطّلاعة، فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إياه، يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا اللّه سبع خصال لم يعط أحداً قبلنا، ولا تعطى أحد بعدنا، أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على اللّه، وأحبّ المخلوقين إلى اللّه، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء، وأحبّهم إلى اللّه، وهو بعلك»([698]).

وأورد هذا الحديث ابن عساكر في تاريخه([699]).

رواية: علي× وصيي ووارثي

أخرج ابن عساكر عن أبي القاسم بن السمرقندي، أنا أبو الحسين بن النقور، أنا أبو القاسم عيسى بن علي، أنا أبو القاسم البغوي، نا محمد بن حميد الرازي، نا علي بن مجاهد، نا محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة عن أبيه قال: «قال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): لكلّ نبيّ وصيّ ووارث، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي»([700])([701]).

دراسة في سند الرواية

الرواية إسنادها جيد:

1ـ أبو القاسم بن السمرقندي: إسماعيل بن أحمد([702]):

2ـ أبو الحسين بن نقور: هو أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن النقور([703]):

3ـ أبو القاسم عيسى بن علي بن الجراح الوزير([704]):

4ـ القاسم البغوي: هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي([705]):

5ـ محمد بن حميد الرازي، تقدمت ترجمته([706]).

6ـ علي بن مجاهد بن مسلم بن الكابلي([707]):

7ـ محمد بن إسحاق، صاحب السيرة المعروفة، تقدمت ترجمته وتوثيقه([708]).

8ـ شريك بن عبد الله، أبو عبد الله النخعي([709]):

9ـ أبو ربيعة الإيادي، عمر بن ربيعة([710]):

10ـ عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي([711]):

وأخرج ابن عساكر الحديث نفسه بسنده عن يوسف بن عاصم الرازي عن محمد بن حميدالرازي([712]).

هذا وهناك أحاديث كثيرة جاء فيها لفظ الوصية لعلي×، وهي وأن ضعّف الكثير منها ألا أنّها مع كثرتها، وتشعّب طرقها، وتعدد مخرجيها وتباين ألفاظها واختلاف مناسباتها، وما صحّحناه من بعض طرقها، كلّ ذلك يعضد بعضه بعضاً، ويقوّي بعضه بعضاً، وبهذا المبنى صحّحوا كثيراً من القضايا والمسائل التي لم يرد فيها مثل هذه الكثرة، كما هو الحال هنا في مسألة الوصية.

أحاديث الوصية وموضوعات ابن الجوزي

ولا يضر بأحاديث الوصية إدراج ابن الجوزي لبعضها في موضوعاته([713])، لأنّ ابن الجوزي قد وهم كثيراً في كتابه هذا، وأدرج عدداً من الروايات التي لها أصل وإن ضعّفت بعض طرقها، لكنها لا تصل إلى حدّ الوضع، بل وأدرج حتى الصحيح في الموضوعات، وذلك أمر في غاية الغرابة، وقد أشار عدة من العلماء إلى ذلك، فقد نقل الحافظ السيوطي عن الحافظ النووي، قال: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين أعني أبا الفرج بن الجوزي، فذكر كثيراً ممّا لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف»([714]).

وزاد الحافظ السيوطي في شرحه لتقريب النواوي: «بل وفيه الحسن والصحيح، وأغرب من ذلك أن فيها حديثاً من صحيح مسلم»([715]).

ومن أمثلة ما ضعّفه ابن الجوزي من الحديث الصحيح، هو حديث الثقلين: كتاب الله والعترة الطاهرة اللذين أمر النبيّ بالتمسك بهما، وبيّن أنّهما أمان من الضلال والانحراف، وهذا الحديث أورده في كتابه العلل المتناهية([716]) فردّ عليه العلماء وخطّؤوه، قال ابن حجر الهيتمي نقلاً عن الحافظ السخاوي: «ولم يصب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية، كيف وفي صحيح مسلم وغيره»([717]).

وقال المناوي: «ووهم من زعم وَضْعه كابن الجوزي، قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة»([718]). وقال سبط ابن الجوزي: «والعجب كيف خفي عن جدي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم»([719]).

وقال الذهبي عن موضوعات ابن الجوزي: «وربما ذكر في الموضوعات أحاديث حساناً قوية، ونقلت من خطّ السيف أحمد بن المجد، قال: صنّف ابن الجوزي كتاب الموضوعات، فأصاب في ذكره أحاديث شنيعة مخالفة للنقل والعقل.

ومما لم يصب فيه، إطلاق الوضع على أحاديث بكلام بعض الناس في أحد رواتها، كقوله: فلان ضعيف، أوليس بالقوي، أو ليّن، وليس ذلك الحديث ممّا يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفة ولا معارضة لكتاب ولا سنة [و] لا إجماع، ولا حجة بأنّه موضوع، سوى كلام ذلك الرجل في رواية([720])، وهذا عدوان ومجازفة، وقد كان أحمد ابن حنبل يقدم الحديث الضعيف على القياس»([721]).

ثمّ ذكر أمثلة على ذلك، ومن الشواهد التي ذكروها على إيراد ابن الجوزي لبعض الأحاديث المتعددة الطرق ـ وإن كانت ضعيفة ـ في الموضوعات هو حديث «من قرأ آية الكرسي دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلاّ الموت»([722]).

قال المناوي: «أورده ابن الجوزي في الموضوعات لتفرد محمد بن حميد([723]) به وردّوه بأنّه احتج به أجلّ من صنّف في الصحيح وهو البخاري، ووثّقه أشدّ الناس مقالة في الرجال ابن معين، قال ابن القيم: وروي من عدة طرق كلّها ضعيفة، لكنّها إذا انضمّ بعضها لبعض مع تباين طرقها واختلاف مخرجيها، دلّ على أن له أصلاً وليس بموضوع، وقال ابن حجر في تخريج المشكاة: غفل ابن الجوزي في زعمه وضعه، وهو من أسمج ما وقع له، وقال الدمياطي: له طرق كثيرة إذا انضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة»([724]).

وهذا الحديث شبيه إلى حدّ ما بحديث الوصية من حيث تباين الطرق واختلاف المخرجين.

شهرة حديث الوصية بين الصحابة وغيرهم

ومما يؤيد وبقوة صحّة صدور حديث الوصية من رسول الله ـ مضافاً إلى ما أفلت من يد الحذف وسياسة التعتيم الأموي من أحاديث نقلنا جزءاً منها ـ هو شهرة لقب الوصي لأمير المؤمنين علي× بين الصحابة والتابعين وغيرهم حتى صار مختصاً به سلام الله عليه.

ودليل شهرته بين الأصحاب وتداوله بينهم هو ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ للأول ـ بسنديهما عن الأسود بن يزيد، قال: «ذكروا عند عائشة أنّ علياً (رضي الله عنهما) كان وصيّاً، فقالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري، أو قالت: حجري فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري، فما شعرت أنّه قد مات، فمتى أوصى إليه؟»([725]).

فالظاهر من هذا الحديث وبكل وضوح أن الصحابة وغيرهم كان معروفاً بينهم ثبوت هذا اللقب لعلي× إلى الحدّ الذي كانوا يطرحونه في مجالسهم بشكل مسلّم.

إنكار عائشة الوصية لا يدل على عدمها

وأمّا إنكار عائشة للوصية، فلا يؤثر في نفيها؛ لعدة اُمور:

إنّ السيدة عائشة (رضي الله عنها) كانت تحمل شيئاً في قلبها تجاه أمير المؤمنين× وربما كان ذلك قد أثّر على رأيها فيه، وهذا أمر مشهور عنها إلى درجة أنّها لا تطيق ذكر اسم أمير المؤمنين×، فقد أخرج البخاري في صحيحه ومسلم أيضاً ـ واللفظ للأول ـ بسندهما عن عائشة، قالت: «لما ثقل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض، بين عباس وبين رجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس، فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي»([726]).

وأخرج الحديث أحمد بن حنبل في مسنده([727]) وعبد الرزاق في مصنفه([728]) وابن سعد في طبقاته([729]) وزادوا فيه قوله: «ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفساً بخير» وحذف هذه الزيادة ـ كما ترى ـ البخاري ومسلم وأوردها الطبري بعبارة اُخرى: «ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع»([730]).

2ـ إذا كان مقصود السيدة عائشة من إنكارها الوصية عند موته، إنكارها للوصية مطلقاً، فهذا لا يصحّ؛ لأنّه يتعارض مع ما ثبت من طريق صحيح، من أن النبيّ قد أوصى بثلاث عند موته، فقد روى البخاري بسنده عن ابن عباس: «... وأوصى عند موته بثلاث... اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة!»([731]).

وأمّا لوكانت تقصد أن النبيّ لم يوص بخصوص علي×، فهذا ممّا نستبعده جداً، لأنّنا لا نشك في أن الثالثة المنسية هي الوصية لعلي× حيث لا يوجد مبرر للقول بنسيانها إلاّ لكونها تتصادم مع الجو الأموي السائد آنذاك؛ لأنّ إثبات أنّ علياً× كان وصياً يؤدي إلى سلب مشروعية الحكام الأمويين؛ لذا خاف الراوي على نفسه من بطشهم، فادّعى نسيان الوصية الثالثة!.

3ـ نقول: أنّه هل يكفي لإنكار حديث الوصية هو عدم تفوّه النبيّ به وهو في سكرات الموت على صدر عائشة أو في حجرها؟! وهل كان يجب على رسول الله لو كان له وصي أن يعيّنه في آخر لحظات عمره الشريف، وإذا لم يعيّن فلا وصي إذاً؟! وهل هناك عاقل يصدق بهذا؟!

الشوكاني ينكر على عائشة نفيها الوصية

ويدعم ما ذكرناه من الاُمور الثلاثة المتقدمة، ما ذهب إليه العلاّمة الشوكاني في نيل الأوطار، وفي رسالة كتبها في خصوص إنكار عائشة للوصاية في الحديث، حيث تصدّى فيهما لإثبات أن نفي عائشة لم يكن مبرّراً، وأن الوصية ثابتة لعلي×.

قال في نيل الأوطار: «والإنكار لوصاية أمير المؤمنين علي المفهوم من استفهام اُمّ المؤمنين لا يدلّ على عدم ثبوتها. وعدم وقوعها من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك الوقت الخاصّ لا يدلّ على العدم المطلق، وقد استوفينا الكلام على ذلك في رسالة مستقلة لمّا سأل عن ذلك بعض العلماء»([732]).

وتلك الرسالة المستقلة التي أشار إليها هي (العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين) قد ألّفها للردّ على إنكار عائشة الوصية في خصوص الحديث المتقدّم، وقد احتوت رسالته على مقدمة ومبحثين: أحدهما: اختص بإثبات مطلق الوصية من النبيّ’، وثانيهما: في إثبات كون الوصية لخصوص علي× من خلال بعض الأحاديث التي تضمّنت ذكر الوصية له، فقال في المقدمة: «وبعد: فإنّه سألني بعض آل الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)... عن إنكار عائشة اُمّ المؤمنين زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لصدور الوصية من رسول اللّه (صلّى الله عليه وسلّم)، لمّا ذكروا عندها أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان وصياً لرسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا ثابت من قولها في الصحيحين والنسائي عن طريق الأسود بن يزيد بلفظ: متى أوصى إليه وكنت مسندته إلى صدري ... ولنقدم قبل الشروع في الجواب مقدمة ينتفع بها السائل: فنقول:

ينبغي أن يُعلم أوّلاً: أنّ قول الصحابي ليس بحجة، وأنّ المثبت أولى من النافي، وأنّ من علم حجة على من لم يعلم، وأنّ ‏الموقوف لا يعارض المرفوع على فرض حجّيته. وهذه الاُمور قد قرّرت في الاُصول، ونيطت بأدلّة تقصر عن نقضها أيدي‏الفحول، وإن تبالغت في الطول.

ويُعلم ثانياً: إن اُمّ المؤمنين (رضي اللّه عنها) كانت تسارع إلى ردّ ما خالف اجتهادها، وتبالغ في الإنكار على راويه، كما يقع مثل ‏ذلك لكثير من المجتهدين».

وفي معرض حديثه عن إثبات مطلق الوصية، بعد أن ساق بعض الأحاديث التي تثبت وصية النبيّ في بعض الاُمور، أنكر على عائشة نفيها للوصية بصورة مطلقة في الحديث المتقدم، ؛ لأنّ صدق ذلك يتنافى مع ثبوت الوصية للنبيّ في الجملة، فلا يشترط في صدق الوصية أن تكون بأمور متعددة، قال: «لأنّ صدق اسم الوصية لا يعتبر فيه أن يكون بأمور متعددة حتى يمتنع صدقه على الأمر الواحد، لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً؛ للقطع بأنّ من أوصى بأمر واحد، يقال له موصٍ لغة وشرعاً وعرفاً».

ثم تابع مبيّناً سبب عدم دلالة كلامها على نفي الوصية لعلي×: «هذا، وإن عدم علم عائشة ‏بالوصية لا يستلزم عدمها، ونفيها لا ينافي الوقوع، وغاية ما في كلامها الإخبار بعدم علمها، وقد علم غيرها، ومن علم حجة على من لم يعلم، أو نفي الوصية حال الموت لا يلزم من نفيها في الوقت الخاص، نفيها في كلّ ‏وقت».

وقال في آخر رسالته تحت عنوان: تنبيه: «اعلم أن جماعة من المبغضين للشيعة عدّوا قولهم: إنّ علياً× وصيّ لرسول اللّه من خرافاتهم، وهذا إفراط ‏وتعنّت يأباه الإنصاف، وكيف يكون الأمر كذلك، وقد قال بذلك جماعة من الصحابة، كما ثبت في‏الصحيحين أن جماعة ذكروا عند عائشة أن علياً وصيّ، وكما في غيرهما، واشتهر الخلاف بينهم في المسألة ‏وسارت به الركبان، ولعلّهم تلقّنوا قول عائشة في أوائل الطلب، وكبر في صدورهم حتى ظنّوه مكتوباً في‏اللوح المحفوظ، وسدّوا آذانهم عن سماع ما عداه، وجعلوه كالدليل القاطع، وهكذا فليكن الاعتساف والتنكّب عن مسالك الإنصاف، وليس هذا بغريب بين أرباب المذاهب، فإن كلّ‏طائفة في الغالب لا تقيم لصاحبتها وزناً، ولا تفتح لدليلها ـ وإن كان في أعلى رتبة الصحةـ اُذناً، إلاّ من عصم اللّه، وقليل ما هم»([733]).

الوصية على لسان أهل بيت النبي

ويعضد حديث الوصية ما ذكر على لسان أهل البيت^ كعلي× نفسه على ما رواه الخوارزمي عن علي× حين قال لعدّة أرسلهم معاوية إليه: «معاشر الناس أنا أخو رسول اللّه’ ووصيّه»([734]).

وهكذا في كتابه× إلى أهل مصر([735]) وفي احتجاجه على الخوارج([736])، وفي خطبته بعد انصرافه من صفّين([737]).

وكذلك ما رواه الطبراني عن الحسن بن علي‘ قال: «خطب الحسن بن علي بن أبي طالب، فحمد اللّه وأثنى عليه، وذكر أمير المؤمنين علياً (رضي اللّه عنه) خاتم الأوصياء ووصيّ خاتم الأنبياء»([738]).

وخطب الإمام الحسن× بعد مقتل أبيه، فقال: «من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن الوصي»([739]).

وقال الحسين بن علي‘ في يوم عاشوراء في خطبة له: «... ألست ابن بنت نبيكم (صلّى الله عليه وسلّم) وابن وصيّه، وابن عمّه، وأول المؤمنين بالله، والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربه...»([740]).

فكيف يتسنّى بعد كلّ هذا لأحد أن يتصوّر أنّ الوصية فكرة أجنبية، أدخلها رجل واحد أسلم في زمن الخليفة عثمان، هو عبد الله بن سبأ؟!

الوصي في كتب اللغة

من الواضح أنّ ما يدرج في كتب اللغة مضافاً إلى أنّه يبيّن ما وضعت له الألفاظ من معان أو استعمالات حقيقية أو مجازية، كذلك يدرج فيها ما اشتهر بين الناس من استعمالات عرفية لألفاظ معينة، ومن بينها لقب الوصي للإمام علي× الذي اشتهر وذاع بين المسلمين حتى أدخلوه في كتب اللغة، قال ابن منظور: «وقيل لعلي×: وصِيٌّ»([741]) وقال الزبيدي: «والوصي كغني لقب علي (رضي اللّه تعالى عنه)»([742]).

وقال المبرّد في الكامل بعد نقله أبياتاً للكميت يذكر فيها لقب الوصي لعلي×: «قوله الوصي، فهذا شيء كانوا يقولونه ويكثرون فيه»([743]).

الوصية في الشعر الإسلامي

وكذلك انتشرت واشتهرت كلمة الوصي في شعر الشعراء في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممّا يدلّ على حضورها الحقيقي في الفكر الإسلامي والذهنية العامة، ومن الجلي أنّ هذا الحضور والانتشار يحتاج إلى وقت طويل حتى يأخذ هذا الحيّز في العرف العام، خصوصاً وأنّ مادة الشعراء هو ما تعورف وانتشر عند عامة الناس غالباً، فلا يعقل أن فكرة الوصية ابتكرها ابن سبأ في وقت متأخر، ثمّ وبقدرة قادر تنتشر بهذه السرعة حتى يتناولها الشعراء في شعرهم، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّها فكرة لا يستسيغها الكثير من المسلمين حسب الفرض، علماً أن العديد من هذه النصوص الشعرية يرجع تاريخ إنشادها إلى ما قبل إسلام عبد الله بن سبأ، وفي مصادر مختلفة.

ومن تلك النماذج الشعرية:

الوصية في كلمات الشاعر حسان بن ثابت

قد ورد ذكر الوصية في شعر الصحابة أمثال حسان بن ثابت المعروف بكونه شاعر النبيّ قال:

جزى اللّه عنّا والجزاء بكفّه

 

 

أبا حسن عنّا ومن كأبي حسن؟

حفظت رسول اللّه فينا وعهده

 

 

إليك ومن أولى به منك من ومن

ألست أخاه في الهدى ووصيّه

 

 

وأعلم منهم بالكتاب والسنن([744])

الوصية في كلمات بعض شعراء قريش

أورد الزبير بن بكار عن بعض شعراء قريش في مدح عبد اللّه بن عباس قوله:

واللّه ما كلّم الأقوام من بشر

 

 

بعد الوصيّ علي كابن عباس([745])

الوصية في كلمات الفضل بن عباس

قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط([746]) في مقتل عثمان:

ألا أنّ خير الناس بعد ثلاثة

 

 

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

فأجابه الفضل بن عباس بأبيات جاء فيها:

ألا إنّ خير الناس بعد محمد

 

 

وصيّ النبيّ المصطفى عند ذي الذكر

وأوّل من صلّى وصنو نبيّه

 

 

وأوّل من أردى الغواة لدى بدر([747])

الوصية في كلمات شاعر الأنصار النعمان بن العجلان

قال النعمان بن العجلان في قصيدته ـ أيضاً ـ بعد وفاة النبيّ:

وكان هوانا في علي وإنّه

 

 

لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

وصي النبيّ المصطفى وابن عمه

 

 

وقاتل فرسان الضلالة والكفر([748])

الوصية في كلمات المغيرة بن الحارث

وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب في أبيات يحرّض فيها أهل العراق على حرب معاوية في صفّين:

فيكم وصيّ رسول اللّه قائدكم

 

 

وصهره وكتاب اللّه قد نشرا([749])

واستشهد المبرّد على قوله بأنّ الإمام علياً× كان مشهوراً بلقب الوصي بما ورد في شعر أبي الأسود الدؤلي([750]) حيث قال:

أحبّ محمداً حبّاً شديداً


 

وعبّاساً وحمزة والوصيّا([751])


الوصية في شعر السيد الحميري

واستدلّ المبرد أيضاً بقول السيد الحميري([752]):

إنّي أدين بما دان الوصيّ به


 

يوم النخيلة من قتال المحلّينا([753])


وقوله أيضاً:

واللّه منّ عليهم بمحمد

 

وهداهم وكسا الجنوب وأطعما

ثمّ انبروا لوصيّه ووليّه

 

بالمنكرات فجرّعوه العلقما([754])

الوصية في كلمات المأمون

أنشد المأمون:

اُلامُ على حبّي الوصيَّ أبا الحسن

 

 

وذلك من أعاجيب الزمن([755])

الوصية في أشعار وأراجيز حرب الجمل وصفين وغيرهما

قال ابن أبي الحديد في شرح خطبة أمير المؤمنين المشتملة على ذكر آل محمد وقوله فيهم: ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصية والوراثة في عنوان: (ما ورد في وصاية علي من الشعر):

«وممّا روينا من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمّن كونه× وصيّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قول عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:

قال عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:

ومنّا علي ذاك صاحب خيبر

 

 

وصاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصيّ النبيّ المصطفى وابن عمّه

 

 

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

وقال عبد الرحمن بن جعيل إذ بايع الناس عليّاً بعد عثمان:

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

 

 

على الدين معروف العفاف موفقا

عليّاً وصي المصطفى وابن عمّه

 

 

وأوّل من صلّى أخا الدين والتقى

 قال أبو الهيثم بن التيهان، وكان بدريّاً، من أبيات أنشأها يوم الجمل:

إنّ الوصيّ إمامنا ووليّنا

 

برح الخفاء وباحت الأسرار


وقال عمر بن حارثة الأنصاري من أبيات له في محمد بن أمير المؤمنين المعروف بابن الحنفية:

سَميّ النبيّ وشبه الوصي

 

ورايته لونها العندم


وقال رجل من الأزد يوم الجمل:

هذا علي وهو الوصيّ

 

آخاه يوم النجوة النبيّ

وقال هذا بعدي الولي

 

وعاه واع ونسي الشقي

وخرج يوم الجمل شاب من بني ضبة معلّم من عسكر عائشة، وهو يقول:

نحن بنو ضبّة أعداء عليّ

 

 

ذاك الذي يعرف قدما بالوصي

وفارس الخيل على عهد النبيّ

 

 

ما أنا عن فضل عليّ بالعمي

لكنّني أنعي ابن عفان التقي

وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل، وكان مع عليّ:

أيّة حرب أضرمت نيرانها

 

وكسرت يوم الوغى مرانها

قل للوصيّ أقبلت قحطانها

 

فادع بها تكفيكها همدانها

هم بنوها وهم إخوانها

وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل، وكان من أصحاب عليّ:

كيف ترى الأنصار في يوم الكلب

 

 

إنّا أناس لا نبالي من عطب

ولا نبالي في الوصيّ من غضب

 

 

وإنّما الأنصار جدّ لا لعب

هذا علي وابن عبد المطلب

 

 

ننصره اليوم على من قد كذب

من يكسب البغي فبئس ما اكتسب

وقال حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضاً:

يا ربّنا سلّم لنا علياً

 

سلّم لنا المبارك المضيّا

المؤمن الموحّد التقيّا

 

لا خطل الرأي ولا غويّا

بل هادياً موفّقاً مهديّاً

 

واحفظه ربّي واحفظ النبيّا

فيه فقد كان له وليّا

 

ثمّ ارتضاه بعده وصيّا

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وهو بدري، من أبيات أنشأها يوم الجمل أيضاً.

يا وصي النبيّ قد أجلت الحر

 

ب الأعادي وسارت الأظعان

وقال (رضي اللّه عنه):

أعائش خلّي عن عليّ وعيبه

 

 

بما ليس فيه إنّما أنت والده

وصيّ رسول اللّه من دون أهله

 

 

وأنت على ما كان من ذاك شاهده

وقال عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي، يوم الجمل وهو من أبطال الصحابة، وقد استشهد في صفين هو وأخوه عبد الرحمن:

يا قوم للخطة العظمى التي حدثت

 

 

حرب الوصيّ وما للحرب من آسي

قال عمر بن أحيحة يوم الجمل، في خطبة الحسن بن علي× بعد خطبة عبد اللّه الزبير:

حسن الخير يا شبيه أبيه

 

 

قمت فينا مقام خير خطيب

لست كابن الزبير لجلج في القول

 

 

وطأطأ عنان فسل مريب

وأبى اللّه أن يقوم بما قام

 

 

به ابن الوصيّ وابن النجيب

إنّ شخصاً بين النبيّ لك الـ

 

 

خير وبين الوصي غير مشوب»

وقال ابن أبي الحديد بعد إيراد الأبيات:

«ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل، وأبو مخنف من المحدّثين، وممن يرى صحّة الإمامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها، وممّا رويناه من أشعار صفين التي تتضمّن تسميته× بالوصي ما ذكره نصر بن مزاحم بن يسار المنقري في كتاب صفين، وهو من رجال الحديث.

قال نصر: ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس:

أتانا الرسول رسول الإمام

 

فسرّ بمقدمه المسلمون

رسول الوصيّ وصيّ النبيّ

 

له السبق والفضل في المؤمنين

قال نصر بن مزاحم: من شعر أمير المؤمنين× في صفين:

ما كان يرضي أحمد لو أخبرا

 

 

أن يقرنوا وصيّه والأبترا

وقال جرير بن عبد اللّه البجلي الصحابي من أبيات أرسلها إلى شرحبيل بن السمط، وقد ذكر فيها عليّاً:

وصيّ رسول اللّه من دون أهله

 

 

وفارسه الحامي به يضرب المثل

وقال النعمان بن العجلان الزرقي الأنصاري في صفين:

كيف التفرّق والوصي إمامنا

 

 

لا كيف إلاّ حيرة وتخاذلا

فذروا معاوية الغوي وتابعوا

 

 

دين الوصيّ لتحمدوه آجلا

 وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي من أبيات يهدّد فيها معاوية بجنود العراق:

يقودهم الوصي إليك حتى

 

 

يردّك عن ضلال وارتياب»

قال ابن أبي الحديد: «والأشعار التي تتضّمن هذه اللفظة ـ الوصيّة ـ كثيرة جداً، ولكنّا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين ـ يعني كتاب وقعة الجمل لأبي مخنف، وكتاب نصر بن مزاحم في صفين ـ فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر، ويعظم عن الإحصاء والعدّ، ولولا خوف الملالة والإضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة»([756]).

حديث الوصية وأنواع الطمس والتحريف

لقد تعرّض حديث الوصية لمحاولات عديدة لطمسه وتحريفه وإخفائه؛ لأنّه يعالج مسألة مفصلية وحساسة في الواقع الإسلامي تتعارض وبشكل صارخ مع ما اُسّس في سقيفة بني ساعدة، وما ترتب عليها من اُمور دخلت حيّز المسلّمات والثوابت التي لا يمكن المساس فيها ولو استلزم طرح كلّ ما يتعارض ويتصادم معها وإن أدى ذلك إلى رفض ما صحّ عن النبيّ من أحاديث ومواقف، فمضافاً إلى ما بذلوه من جهود كبيرة في تضعيف طرق ما تبقى من أحاديث الوصية في كتب المسلمين ورمي رواتها بالضعف والوهن ـ وقد لاحظت جانباً منها ـ عمدوا إلى محاولات اُخرى لإخفاء هذه القضية والتشويش عليها، وفيما يلي نستعرض لك بعضاً منها:

الوصية ونزول آية الإنذار

من المواطن التي جاء بها حديث الوصية لأمير المؤمنين× هو ما ورد عن رسول الله من مواقف وأحاديث عقب نزول قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فدعا النبيّ عشيرته (بني عبد المطلب) وعرض عليهم الإسلام وطلب أن يكون أحدهم خليفته ووصيّه ومعينه على هذا الأمر، ولم يتقدم لذلك غير علي× وذلك في قصة طويلة نقلناها فيما سبق([757])، في حين نجد أنّهم وضعوا أحاديث في قبالها كتفسير لهذه الآية، وقد جمع ابن كثير عدة أحاديث، منها:

عن ابن عباس: «لمّا أنزل الله {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، أتى النبيّ’ الصفا، فصعد عليه، ثمّ نادى: يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله’: يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب لعنه الله: تباً لك سائر اليوم، أمّا دعوتنا إلاّ لهذا؟ وأنزل الله عزّ وجلّ: {تَبَّتْ يَدا أبي لَهب وَتبَّ}»([758]).

2ـ عن عائشة، قالت: «لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: يا فاطمة ابنة محمد يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم»([759]).

عن أبي هريرة، قال: «لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قريشاً فعمّ وخص، فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئاً، إلاّ أن لكم رحماً سأبلها ببلالها»([760]).

4ـ عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو، قالا: «لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) رضمة من جبل على أعلاها حجر، فجعل ينادي: يا بني عبد مناف إنّما أنا نذير، إنّما مثلي ومثلكم كرجل رأى العدو فذهب يربأ أهله رجاء أن يسبقوه فجعل ينادي ويهتف: يا صباحاه»([761]).

وهذه الروايات وغيرها التي تم إقحامها في الصحيح لو تأمّل فيها المنصف الذي لا يبحث إلاّ عن الحقيقة سيجدها بعيدة عن التفسير الواقعي والقريب للآية وسبب نزولها، وسيجد في التفسير الذي يتضمّن دعوة النبيّ لأفراد عشيرته المقربين الذين يشكّلون الساند والداعم القوي له، وإقامة الوليمة للطعام، سيجد أنّ هذا هو التفسير الذي ينسجم مع عقله ووجدانه لكونه التفسير المعبر عن حكمة النبيّ وأخلاقه وكرمه.

حذف كلمة الوصي والوصية

أمّا متن الأحاديث التي تعرضت لذكر الوصية، فقد كانت هدفاً لمعارضي الفكر الشيعي، فقاموا بتشويه أغلب المتون وتزييفها باقتطاع كلمات منها، أو بإضافة كلمات إليها، ومما كان يسوء المخالفين ذِكْرُه هو حديث الدار الذي نقلناه سابقاً، فعمدوا إلى الالتفاف عليه بالحذف والتمويه، ومن الأمثلة على ذلك ما نقلناه عن الطبري سابقاً حيث ذكر في تاريخه أنّ النبيّ قال لعلي×: «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»([762])، في حين نجد أنّ الحديث في تفسيره قد ذكره بنفس الإسناد، لكن حذفت منه عبارة (وصيي وخليفتي فيكم) واستبدلت بعبارة كذا وكذا، قال: «ثمّ قال’: إنّ هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا»([763]). فحذت كلمة (وصيي) واستبدلت بـ(كذا وكذا).

وهكذا فعل ابن كثير في تاريخه([764]) وتفسيره([765])، حيث حذف كلمة (أخي ووصيي) وأبدلها بـ(كذا وكذا).

وروى أحمد في مسنده هذا الحديث، لكنّه حذف كلمة (ووصيي) واستبدلها بعبارة: خليفتي في أهلي، أو خليفتي فيكم، مع أن المناسب للسياق في الكلام هو الوصي: «عن علي (رضي الله عنه)، قال: لمّا نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قال: جمع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا، قال: فقال لهم: من يضمن عنى ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟»([766]).

وقال في رواية اُخرى: «فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟»([767]).

وأما البيهقي فقد تخلّص من الجزء الأخير بكامله واستراح من عناء ذلك، فقد ذكر الرواية بهذا التعبير: «ثمّ قال رسول الله: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة»([768]).

وأما النسائي في السنن فروى: «وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟»([769]).

وكذلك اتّبع هذا المنهج بعض المعاصرين كالكاتب المعروف محمد حسين هيكل حيث ذكر الحديث بتمامه في الطبعة الأولى من كتابه (حياة محمد)، لكنّه بدا له فحذفه أو حُذف من الطبعة الثانية([770]).

ولم يقتصر التشويه على رواية ومتن محدد، بل شمل أغلب الأحاديث التي تتضمن كلمة وصيّ، أو وصية، فقد أورد الطبري وابن الأثير في تاريخيهما خطبة الحسين×، فقالوا: قال الحسين: «أما بعد فانسبوني من أنا، فانظروا من أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، هل يجوز لكم قتلي، وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه؟!»([771]).

لكن ابن كثير ذكر الخبر([772]) وقام بحذف عبارة: وابن وصيّه وابن عمه!!

تأويل معنى الوصية

وكذلك تعرّضت ألفاظ الوصي والوصية إلى تأويل معناها تأويلاً لا يرتضيه الطبع السليم، ولا يستسيغه من له أدنى معرفة بأساليب اللغة العربية وطرقها في إيصال المعنى، فقد تأوّل الطبراني الحديث الذي رواه عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، قال: «قلت: يا رسول الله: لكلّ نبي وصي فمن وصيك؟ فسكت عني، فلما كان بعد رآني، فقال: يا سلمان، فأسرعت إليه، قلت: لبيك، قال: تعلم من وصي موسى؟ قلت: نعم يوشع بن نون، قال: لِمَ؟ قلت: لأنّه كان أعلمهم يومئذ، فقال النبيّ: إنّ وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب».

قال الطبراني بعد روايته للحديث: «وصيي: يعني أنّه أوصاه بأهله لا بالخلافة»([773]).

نقول: وهل يحتاج الوصي في الأهل أن يكون الأعلم وأن يقارن بيوشع بن نون؟! مالكم كيف تحكمون؟!

ونجد ابن أبي الحديد الذي يتّهمونه بالتشيّع يؤول الوصية بشيء يبعث على التعجب والاستغراب حذراً من دلالتها على الخلافة، قال: «أما الوصية فلا ريب عندنا أنّ علياً× كان وصيّ رسول الله’، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد، ولسنا نعنى بالوصية النصّ والخلافة، ولكن اُموراً اُخرى لعلها ـ إذا لمحت ـ أشرف وأجلّ»([774]).

ولكنّا نقول لابن أبي الحديد: أي شيء أشرف من الإمامة والخلافة؟! ولكن مخالفة الحق أدّت به إلى ارتكاب هذه الهفوات والسقطات.

فبعد كلّ هذه الأدلّة والشواهد أليس من الإزراء بالمسلمين من صحابة وغيرهم القول بأنهم قد انطلت عليهم فكرة أجنبية أدخلها رجل يهودي أسلم في وقت متأخر؟! ألا يعدّ هذا انتقاصاً من فهم وإدراك وإيمان المسلمين بعقيدتهم بحيث يصدقون هذه الشائعة الدخيلة؟!

ألا يعتبر مجتمع المسلمين بعد هذا مجتمعاً هشّاً تتسرّب إليه العقائد الباطلة؟!

ألا يزلزل هذا الكلام اعتقادنا بكل ما وصل إلينا عن طريق الصحابة وغيرهم من معتقدات؟!

وهل يلتزم القفاري ـ ومن روّج فكرة أن الوصية من اختراع ابن سبأ ـ بلوازم كلامه هذه؟!


الشبهة: سرية مبدأ الإمامة عند الشيعة

قال القفاري: «إذا كانت الولاية صنو النبوّة، أو أعظم فلماذا تكون سرّيّة مُحاطة بالكتمان، حتى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) والذي أمره الله أن يبلّغ ما أنزل إليه يخفي أمرها ويسرّها إلى عليّ، ثمّ يسرّها عليّ إلى من شاء؟! ولا تحدد هذه الرواية الأشخاص الذين أسرّها عليّ إليهم... وتترك الأمر لمشيئته يختار ما يريد، أما غير علي فلا خيرة له في الاختيار! فكيف تكون الولاية التي هي أصل النجاة عندهم، وأساس قبول الأعمال، والفيصل بين الإيمان والكفر كيف تظل سرّية حتى يتولّى نشرها ولد كيسان؟!»([775]).

بيان الشبهة

إنّ أمر الإمامة التي تدّعي الشيعة أنّها الفيصل بين الإيمان والكفر وأنها أصل النجاة عندهم، قد أحيطت بسرّية بالغة وكتمان شديد من قبل الشيعة، فلو كانت الإمامة أمراً مهماً وصنواً للنبوّة، فلماذا كانت متّسمة بهذا الخفاء، بحيث يتولى نشرها ولد كيسان؟ حيث كشفت بعض نصوصهم أن بداية إذاعة أمر الولاية كان على يد ولد كيسان «ما زال سرّنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان»، بل نجدهم قد أخفوا حتى أسماء أئمتهم.

مرتكزات الشبهة

لقد ارتكز القفاري في هذه الشبهة على الخلط بين مفهوم الإمامة أي ما نسمّيه الإمامة العامة وبين مصداق الإمامة، وهو الشخص الذي يتلبس بهذه الإمامة خارجاً، وهو ما نسمّيه الإمامة الخاصة، هذا أولاً.

وثانياً: استند في هذه الشبهة إلى مجموعة من الروايات، وحدّد دلالاتها وفق فهمه، ثمّ أسّس على ذلك شبهته. والروايات ما يلي:

1ـ ما رواه الكليني في الكافي، عن أبي جعفر× قال: «ولاية الله أسرّها إلى جبرائيل، وأسرّها جبرائيل إلى محمد، وأسرهّا محمد إلى علي، وأسرّها علي إلى من شاء الله، ثمّ أنتم تذيعون ذلك، من الذي أمسك حرفاً سمعه؟

قال أبو جعفر: في حكمة آل داود ينبغي لمسلم أن يكون مالكاً لنفسه مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتّقوا الله ولا تذيعوا حديثنا»([776]).

2ـ وكذلك ما رواه الكليني، عن أبي جعفر× قال: «... ولا تبثّوا سرّنا ولا تذيعوا أمرنا»([777]).

3ـ في حديث آخر عن أبي جعفر× قال: «المذيع حديثنا كالجاحد له»([778]).

4ـ وفي رواية: «إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق، فمن هتك علينا أذلّه الله»([779]).

5ـ تحدد بعض النصوص إذاعة أمر الولاية على يد طائفة الكيسانية، فتقول: «ما زال سرّنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان»([780]).

هذه مجمل الروايات التي نقلها القفاري التي أراد أن يثبت من خلالها سرّية أمر الإمامة وإحاطته بالكتمان.

فإذن لابدّ من دراسة هذه الروايات، وفهم المراد بالسرية فيها، ثمّ بعد ذلك الحكم بصحّة هذه الدعوى أو بطلانها، فنحاول أن نسلّط الضوء على هذه الروايات بموضوعية دون أن نلوي عنق الروايات بما يتلاءم وما نعتقده من مبدأ.

الجواب: الإمامة أمر واضح وصريح في الدين الإسلامي

الإمامة كما مرّ بحثها هي من الاُمور المكمّلة للرسالة المحمدية والمنجزة لوظائفها، وقد بيّنا موقعيتها حسب الفهم الشيعي الذي نعتقد بأنّه هو الفهم الموافق للشريعة، وهذه الإمامة لم تكن سرية كما يزعم القفاري في شبهته، بل هي أمر قد صرّح به النبيّ في موارد عديدة وجاء ذلك في كثير من الأحاديث الصحيحة، ومن تلك الموارد:

1ـ ما صرّح به النبي حين دعا عشيرته الأقربين للإسلام، لما نزلت هذه الآية على رسول الله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}([781])، فجاء ذلك مترافقاً مع بدايات الدعوة إلى دين الإسلام.

وكانت هذه الدعوة في السنة الثالثة من البعثة، وهي المرّة الاُولى التي أظهر فيها الرسول الدعوة إلى الإسلام، وشخّص فيها الإمام من بعده وعرّفه للأقربين إليه حين قال النبيّ لعلي×: «أنت وصيي وخليفتي بعدي»([782]). وقد مرّ ذلك مفصلاً في البحوث السابقة.

فنلاحظ أنّ النبيّ قد ذكر الخلافة والإمامة في أوّل يوم دعي فيه إلى التصريح بالدعوة إلى الإسلام، فنعرف حينئذ أن الإمامة جزء مهم من الرسالة النبوية.

2ـ شرع بعد ذلك رسول الله في التصريح بها في مجتمع خاص ولجماعة معيّنة وفي مناسبات عديدة، فهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي نقلت لنا تؤكّد ذلك، مثل حديث الثقلين المتواتر، الذي ورد ذكره في صحيح مسلم وصحّحه الحاكم والذهبي وابن كثير في تفسيره، وذكره البغوي في المصابيح والألباني في الأحاديث الصحيحة وغيرهم([783]) وكذلك حديث المنزلة([784])، وغيرها من الأحاديث([785]) التي صرّح النبيّ فيها بالإمامة.

3ـ ثمّ انتقل النبيّ إلى مرحلة التصريح لعموم المسلمين، والتي كان فيها لدى النبيّ بعض المخاوف؛ لمعرفته بطبيعة المجتمع آنذاك وما يحمله من رواسب جاهلية قد تؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى رفض هذا الأمر، لكن الله تعالى أمره بالتصريح ونبذ مخاوفه جانباً {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}([786]) فأعلن رسول الله هذا الأمر في حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، وكان معه من الصحابة والأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة وغيرهم مائة وعشرون ألفاً([787]) وهم شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه حديث الغدير «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهذا الحديث في أعلى مراتب الصحة، فضلاً عن كونه متواتراً، كما صرّح بذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء([788])، وابن حجر المكي في الصواعق المحرقة([789])، والفقيه ضياء الدين المقبلي([790]). وسوف يأتي بحث ذلك مفصلاً.

وبهذا يتّضح أن الإمامة هي أمر صريح وجوهري وحيوي بالنسبة للإسلام، فلا يمكن أن يسعى الشيعة لإخفاء الإمامة بهذا المعنى، بحيث يكون الإخفاء والكتمان لهذا المبدأ جزءاً من عقيدتهم، وعليه لابدّ أن يكون الكتمان المذكور في الروايات المروية عن الأئمّة^ له معنى آخر، وأن يكون مرتبطاً بموضوع آخر، ولابدّ أن تكون له مبررات موضوعية وفي مقاطع زمنية محددة.

تفسير روايات الكتمان والسرية

لكي يتّضح التفسير الصحيح للخوف والكتمان والسرية في الروايات التي تمسّك بها القفاري، لابدّ أن نفهم تلك الأحاديث التي صدرت من الأئمّة بلحاظ الفترة الزمنية التي عاشوها، حيث كانت الإمامة والتصريح بها في تلك الفترة يعدّ من الاُمور الحسّاسة والخطيرة والتي تشكل تهديداً لكيانات السلطة الحاكمة آنذاك، فلابدّ عندئذ أن يكون أمر الإمامة في وقته سرياً، وأن يدعوا أئمّة أهل البيت^ إلى ضرورة كتمانها، خوفاً على حياتهم من القتل، وكذلك خوفاً على شيعتهم.

وخير شاهد على ما ندّعي، قول القرطبي الذي يشرح فيه ما جرى على أهل بيت النبوّة من قتل وظلم وسبي وأسر، حين علّق على حديث «هلاك أمتي على يد غلمة من قريش» قائلاً: «وغير خاف ما صدر من الحجاج وسليمان بن عبد الملك وولده من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك، وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصيّة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخرّبوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا لعنهم وشتمهم، فخالفوا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في وصيته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه»([791]).

وعلّق المناوي بعدما نقل مقالة القرطبي، فقال: «وهذا الخبر من المعجزات»([792]).

وهذا الحسن البصري لا يذكر اسم علي× خوفاً من القتل، روى المزّي عن الحسن البصري، عن يونس بن عبيد، قال: «سألت الحسن، قلت: يا أبا سعيد إنك تقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وإنك لم تدركه؟ قال: يا بن أخي، لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك منّي ما أخبرتك، إنّي في زمان كما ترى ـ وكان في عمل الحجّاج ـ كلّ شيء سمعتني أقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فهو عن علي بن أبي طالب، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً»([793]).

وكذلك نجد الشعبي يقول: >ما لقينا من آل أبي طالب؟! إن أحببناهم قتلونا، وإن أبغضناهم أدخلونا النار»([794]).

وينقل لنا الطبري في تاريخه عن المغيرة أنّه قال لصعصعة بن صوحان: «إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإيّاك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئاً من فضل عليّ علانية، فإنك لست بذاكر من فضل عليّ شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن نَدَع كثيراً ممّا أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بُدّاً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا. فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سرّاً، وأمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا»([795]).

بل تجاوز الأمر هذا الحدّ بكثير حتى أصبح الرجل يخشى وهو في المنام ـ في عالم الرؤيا ـ أن يتّهم بالقرب من علي×.

فقد روى الخطيب عن الفتح بن شخرف، قال: «حملتني عيني فنمت، فبينا أنا نائم إذا أنا بشخصين، فقلت للذي يقرب مني: من أنت يا هذا؟ فقال لي: من ولد آدم، قلت: كلّنا من ولد آدم، قلت: فما الذي وراءك؟ قال لي: علي بن أبي طالب، قال: قلت له: أنت قريب منه ولا تسأله؟! قال: أخشى أن يقول الناس إنّي رافضي!»([796]).

إذن أهل البيت^ كانوا في أجواء يشاع فيها قتلهم وسفك دمائهم ودماء شيعتهم، ومن البدَهي أن يكون الحديث عن إمامتهم في ذلك الظرف محاطاً بالكتمان والسرّية.

معنى قوله ×: ولاية الله أسرها إلى جبرائيل

تمسّك القفاري بعدة روايات كأساس لشبهته، منها:

1ـ ما رواه الكليني&: «عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا عن مسألة، فأبى وأمسك، ثمّ قال: لو أعطيناكم كلّما تريدون كان شرّاً لكم، واُخِذ برقبة صاحب هذا الأمر، قال أبو جعفر×: ولاية الله أسرّها إلى جبرائيل×، وأسرّها جبرائيل إلى محمد’، وأسرها محمد إلى علي، وأسرها علي إلى من شاء الله...»([797]).

لقد زعم القفاري أن هذه الرواية تؤكّد أن الإمامة سرّية، فكيف يعقل أن تكون بتلك المثابة من الأهمية التي يراها الشيعة لها، ومع هذا تكون سرية ـ بحسب دلالة هذه الرواية ـ ولا يعرفها إلاّ القليل؟

نقول: لا دلالة في الرواية على أنّ مبدأ الإمامة لابدّ أن يكون سرّياً، وما فهمه القفاري منها هو فهم مبني على مسبقات قبْلِية كانت تعيش في ذهنه، فأراد أن يثبتها، لذلك عمد إلى تأويل الروايات بما يتلاءم مع تلك القَبْلِيّات.

وبالتحليل الدقيق للرواية التي تنقل لنا كلام الإمام الرضا×: نجد أنّ ابن أبي نصر ـ وهو من أصحاب الإمام ـ قد سأل الإمام× عن مسألة يكون الجواب عنها من قبل الإمام× ـ لو اُفشي فيه ضرر على الآخرين؛ لأنّ بعض أصحاب الامام× لا يحتاط في نقل ما يقوله الإمام× ويفشيه إلى الآخرين الذين يحاولون الإيقاع بالإمام وبشيعته أمام السلطة التي تسعى للحدّ من ظاهرة الإمامة التي تهدد السلطة وشرعيتها.

ثمّ يبيّن الإمام الرضا× أنّ ولاية الله تعالى قد أسرّها إلى جبرائيل× وأنه أسرّها للنبيّ وهو أسرّها إلى علي× وهو يسرّها إلى من شاء.

والمقصود من ذلك أنّ الإمامة الإلهية لها مقامان وبعدان:

البعد الأول: هو ما يفهمه ويدركه غالب الناس وتنصرف له أذهانهم، وهو مقام الرئاسة والحكومة في أمور الدين والدنيا بعد رسول الله، والإمامة بهذا المعنى قد جاء في كثير من بيانات النبي منذ بدايات البعثة النبوية، وهو أمر لم يسرّه النبي، بل أعلنه في مناسبات عديدة، كما ذكرنا.

البعد الثاني: وهو البعد الذي تتجلّى فيه عظمة الإمامة وروحها وجوهرها، وهو مقام الأولوية الذي كان يتمتع به النبي ومعناه التصرف الولائي والتكويني المستفاد من قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}([798]) وهو المعنى الذي ذكّر النبي به المجتمعين في يوم الغدير، قائلاً: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وبهذا البعد العظيم تصبح الإمامة امتداداً حقيقياً وطبيعياً للنبوّة،؛ لأنها بهذا المعنى تضمّ كلّ شؤون الإمامة ووظائفها بما فيها البعد الأول الذي ذكرناه، والإمامة بهذا اللحاظ هي التي أسرّها الله تعالى لجبرائيل× أي أبلغها له مع تحفظّه عليها والتأكيد على أنّها تتسم بالعظمة والسمو والأسرار، وهي سرّ نجاة الاُمّة وخلاصها، ثم جبرائيل× بدوره قد أسرّها لنبيه بأمر من الله تعالى، ومن هنا جاء تردّد النبي في تبليغها يوم الغدير؛ لأنها من الأمور التي لا تطيقها نفوس الناس ولا تتقبلها، فكان النبي يخشى رفض الناس لها، لكن الله تعالى أمر نبيه الكريم بالمضي في الإبلاغ وأنه سوف يعصمه من الناس، فقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}([799]).

وبهذا البيان يندفع ما يرد على استدلال الشيعة من أنّ آية البلاغ قد أمرت النبي في أن يبلّغ بإمامة علي× وقد شدّد الله تعالى خطابه للنبي بلهجة أقرب للتهديد، والحال أنّ الشيعة يقولون: إنّ النبي قد بلّغ أمر الإمامة في مناسبات عديدة، فإنّه يقال: إنّ ما بلغ به النبي في تلك المناسبات هو الإمامة بمعناها المتعارف عند الناس، وأمّا ما أمره الله تعالى بتبليغه يوم الغدير بتلك اللهجة هو الإمامة المتضمنة للمعنى الولائي والتصرف التكويني الذي مرّ توضيحه.

وهذا المعنى الذي يلازم الإمامة لا يمكن لشخص أن يتقبّله بسهولة من دون أن يتحلّى باسمى مراتب الإيمان والخضوع لله تعالى؛ لذا فقد يكون هذا أحد الدواعي على تحفّظ الأئمّة على الإمامة.

وأين هذا الفهم من الفهم الساذج الذي يزعم أنّ الإمامة سرّية بدليل (أسرّها)؟! وكيف نحمل كلام الإمام الرضا× على هذا الفهم الساذج في قبال الأدلّة الكثيرة والصحيحة التي أسست للإمامة وصرحت بها وبضرورتها؟!

معنى قوله×: ولا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا

2ـ أمّا في تفسير قول الإمام×: «... ولا تبثوا سرّنا ولا تذيعوا أمرنا» وكذلك قوله: «المذيع حديثنا كالجاحد له»([800]).

فنقول: واضح ممّا تقدم أن إذاعة أمرهم في ذلك الظرف يعود بالضرر عليهم وعلى شيعتهم، ولذلك نجد أنّ المعلّى بن خنيس (قُتل)؛ لأنّه أذاع أمر إمامتهم^.

فقد روى الكشي بإسناده عن المفضل، قال: «دخلت على أبي عبد الله× يوم قتل فيه المعلّى، فقلت له: يا بن رسول الله، ألا ترى إلى هذا الخطب الجليل الذي نزل بالشيعة في هذا اليوم؟ قال: وما هو؟ قلت: قتل المعلّى بن خنيس، قال: رحم الله المعلّى، قد كنت أتوقّع ذلك، إنّه أذاع سرّنا»([801]).

وقال المازندراني معلّقاً على هذا الحديث: «وضرر الإذاعة يعود إلى المذيع وإلى المعصوم وإلى المؤمنين، واعلم أنّه× كان خائفاً من أعداء الدين على نفسه المقدّسة وعلى شيعته، وكان في تقيّة شديدة منهم، فلذلك نهى عن إذاعة خبر دالّ على إمامته وإمامة آبائه وأولاده الطاهرين»([802]).

إذن كتمان أمرهم لا علاقة له بأمر الإمامة العامة التي نصّ عليها رسول الله فأمر الإمامة العامة شيء وإذاعة هذا الأمر خوفاً من السلطة الحاكمة ومن القتل، شيء آخر، فالرواية أجنبية، ولسانها يتحدث عن الظرف الذي كانوا يحتاطون فيه خوفاً على أنفسهم وعلى شيعتهم.


معنى قوله×: إن أمرنا مستور مقنع بالميثاق

3ـ أمّا عن قوله×: «إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق فمن هتك علينا أذله الله».

فنقول: هذه الرواية لا تختلف في مضمونها عمّا سبق، قال المازندراني: «أي أخذ الله عهداً على المقرّين بأمرنا على استتاره وكتمانه على المنكرين، فمن هتك علينا بإظهاره... أذلّه الله لنقض عهده المتضمّن للإضرار علينا»([803]).

فالإضرار عليهم هو السبب في كتمان هذا الأمر، وهذا الأمر لا علاقة له بإمامتهم العامة^.

معنى قوله: ما زال سرنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان

4ـ أما عن معنى قوله×: «ما زال سرّنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان» التي يظهر منها أنّ الذي أخرج هذا السرّ (الإمامة) إلى العلن هم ولد كيسان.

فنقول: إنّ هذه الرواية ضعيفة؛ لأنّ فيها الربيع بن محمد المسلمي، وهو مجهول، إذاً فتأسيس الكلام على رواية ضعيفة مخلّ بالمنهج العلمي، ولا يمكن قبوله بحال، وبهذا اندفع ما ارتكز عليه القفاري في هذه الشبهة.

نعم، يبقى الكلام في الرواية الأولى التي استنتج منها أن الأئمّة غير معلومي العدد.

القفاري يشكك في عدد أئمة الشيعة ^

قد شكّك القفاري في عدد الأئمة وأشخاصيهم مستنداً إلى الروايات التي نقلها من مصادر الشيعة، كما تقدم في الرواية الأولى عن الكليني&.

قال القفاري: «ولا تحدّد هذه الرواية الأشخاص الذين أسرّها عليّ إليهم، وتترك الأمر لمشيئته يختار ما يريد، أمّا غير علي فلا خيرة له في الاختيار»([804]).

وقال أيضاً: «ليس هناك نصّ صحيح متواتر في تعيين أئمتهم...»([805]).

الروايات الدالة على عدد الأئمة الاثني عشر

نقول: إنّ عدد الأئمّة في تراث الحديث الشيعي يكاد يكون متواتراً، فمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية قائم على هذه الحقيقة، ويدلّ على ذلك شهرتهم بالشيعة الإمامية الاثني عشرية، وقد حصرت الرواياتُ الصحيحة التي جاءت بطرق كثيرة العددَ باثني عشر إماماً، فليس الأمر مقصوراً على هذه الرواية. فهناك روايات شخّصت لنا عددهم، وهناك روايات نصّت على أسمائهم الشريفة، وسوف نقسّم الروايات التي تشير إلى ذلك إلى قسمين:

القسم الأول: الروايات التي نصت على أن الأئمة هم من ولد الحسين ×

وهذه الروايات ـ بهذا العنوان ـ تجيب على عدة أسئلة، فهي من جهة تدفع شكوك المشككين المدّعين عدم وجود نص على الأئمّة بعد الإمام الحسين×، في حين هذه الروايات تعتبر نصّاً على هذا العنوان، أي: أولاد الحسين×، وأيضاً فهي تحدد نسب الأئمّة بعده وتحصرهم في هذه الذرية الطاهرة، فتنفي هذا المنصب عمّن ليس من هذه الذرية بالخصوص، فكل من ادّعى الإمامة من غيرهم، فادعاؤه باطل، ولو كان هاشمياً قرشياً، بل حتى لو كان من أولاد أمير المؤمنين من غير نسل الحسين×. وهذه الروايات أيضاً تدلّ بالدلالة الالتزامية على أنهم من قريش، بل هي مفسِّرة لذلك الحديث المروي من طرق أهل السنّة: بأنّ الأئمّة الاثني عشر كلّهم من قريش.

ولهذا فما ورد من أنّ الأئمّة من قريش يكون مفسّراً بهذه الروايات، حيث إنّ من كان من أبناء الحسين× فهو بالضرورة قرشيّ، والروايات هي:

‌‍‌1ـ ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر×، قال: «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم»([806]).

2ـ ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله الصادق× من كلام يذكر فيه الأئمّة... إلى أن قال: «فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من وُلد الحسين× من عقب كلّ إمام، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلّما مضى منهم إمام نصّب لخلقه من عقبه إماماً، علماً وهادياً...»([807]).

3ـ وروى أيضاً عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان، عن زرارة، قال: «سمعت أبا جعفر× يقول: نحن اثنا عشر إماماً منهم حسن وحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين×»([808]).

4ـ روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد ابن الحسين بن أبي الخطاب والهيثم بن مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب السراد، عن علي بن رئاب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر× قال: «سمعته يقول: إنّ أقرب الناس إلى الله عزّ وجلّ وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد صلى الله عليه، والأئمة^، فادخلوا أين دخلوا، وفارقوا من فارقوا ـ عنى بذلك حسيناً وولده^ ـ فإنّ الحق فيهم، وهم الأوصياء، ومنهم الأئمّة، فأينما رأيتموهم فاتّبعوهم، وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً منهم فاستغيثوا بالله عزّ وجلّ، وانظروا السنة التي كنتم عليها واتّبعوها، وأحبّوا من كنتم تحبون، وأبغضوا من كنتم تبغضون، فما أسرع ما يأتيكم الفرج»([809]).


القسم الثاني: الروايات التي نصت على أسماء الأئمة^ جميعاً

1ـ روى الشيخ الكليني بسند صحيح عن عدة من أصحابنا([810]) عن أحمد بن محمد البرقي([811]) عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري([812]) عن أبي جعفر الثاني× قال: «أقبل أمير المؤمنين× ومعه الحسن بن علي× وهو متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلم على أمير المؤمنين، فردّ× فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم، وإن تكن الاُخرى علمت أنك وهم شرع سواء! فقال له أمير المؤمنين×: سلني عمّا بدا لك، قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين× إلى الحسن، فقال: يا أبا محمد أجبه! قال: فأجابه الحسن×، فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلاّ الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أن محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصيّ رسول الله’ والقائم بحجته ـ وأشار إلى أمير المؤمنين ـ ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيه والقائم بحجته ـ أشار إلى الحسن ـ وأشهد أنّ الحسين بن علي وصيّ أخيه والقائم بحجته بعده، وأشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمد أنّه القائم بأمر محمد، وأشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمد، وأشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن [العسكري] لا يكنّى ولا يسمّى حتى يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ قام فمضى، فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمد اتبعه! فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن بن علي×، فقال: ما كان إلاّ أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأعلمته، فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم. قال: هو الخضر»([813]).

2ـ روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن عبد الله بن جندب([814]) عن موسى بن جعفر× أنّه قال: «تقول في سجدة الشكر: اللّهم إني اُشهدك واُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك [أنت] الله ربّي، والإسلام ديني، ومحمداً نبيي، وعلياً والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن بن علي، أئمّتي بهم أتولّى ومن أعدائهم أتبرّأ»([815]).

فهذه الرواية تنص على أسماء الأئمّة^ في سجدة الشكر عقيب كلّ صلاة، حيث يُشهد المصلي ربّه والملائكة والخلق على مجمل اعتقاداته التي ينبغي أن يلقاه بها، ومنها تولّيه للأئمّة الطاهرين من أهل البيت^ وتبرّيه من أعدائهم، ولا يخفى الارتباط بين الصلاة وبين ذكر الأئمّة الهادين وفضلهم على الخلق في تعليمهم معالم الدين.

وهناك العديد من الروايات التي ذكرت هذه الحقيقة، فقد ذكر (الخزاز القمي) ثمانية وثلاثين طريقاً في النصّ على الأئمّة الاثني عشر وأسمائهم، حيث نقل عن أكثر من خمس وعشرين صحابياً وصحابية في هذا المضمون، فالمسألة مستفيضة، ولعلها تكاد تكون متواترة، ولا تحتاج إلى مراجعة أسانيدها([816]).

وفي ضوء ما تقدم تمّ بطلان ما ادّعاه القفاري من عدم وجود النصّ الصحيح على عدد الأئمّة، فهو مجرد زعم لا دليل عليه، وأن القول بسرّية أمر الإمامة ليس صحيحاً؛ لأنّ ادّعاء ذلك يخالف النصوص الصحيحة التي نادى بها رسول الله في أكثر من مناسبة، والتي أشار فيها إلى إمامتهم وخلافتهم على رؤوس الأشهاد، وسيأتي بيان ذلك في بحوث لاحقة.


الشبهة: حصر أئمة الشيعة بعدد معين يرفضه العقل والمنطق

قال القفاري: «ومسألة حصر الأئمّة بعدد معين لا يقبلها العقل ومنطق الواقع؛ إذ بعد انتهاء العدد المعين هل تظل الاُمّة بدون إمام؟ ولذلك فإنّ عصر الأئمّة الظاهرين عند الاثني عشرية لا يتعدّى قرنين ونصف إلاّ قليلاً.

وقد اضطرّ الشّيعة للخروج عن حصر الأئمّة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة... وفي هذا العصر اضطرّوا للخروج نهائيّاً عن هذا الأصل الذي هو قاعدة دينهم، فجعلوا رئاسة الدّولة تتمّ عن طريق الانتخاب.. لكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه الشيعي»([817]).

بيان الشبهة

يزعم القفاري أن القول بحصر الأئمّة بعدد معين يلزم منه محذور عقلي، وبيان المحذور:

إنّ عمر الدنيا بعد تاريخ الإسلام ليس محدداً بزمن معين إلاّ في علم الله تعالى، فعمر الإسلام الآن منذ ولادته قد بلغ أكثر من ألف سنة وقد يستمرّ إلى ما شاء الله تعالى له من الزمان إلى أن تقوم الساعة.

والشيعة تعتقد أنّ كلّ زمان لابدّ فيه من وجود إمام أو حجة على العباد، فلو فرضنا أن النبيّ قد عيّن اثني عشر إماماً فقط بعده، هذا يستلزم أن يخلو الزمان الذي تنقضي فيه أعمارهم عن الإمامة فلا يوجد إمام فيه؛ لأنّ أعمارهم محدودة فهم بشر، وهذا خلاف الاعتقاد عندهم بعدم خلو الزمان من الإمام أو الحجة.

وكذلك فكرة الغيبة كان باعثها الاضطرار والفرار من المحذور العقلي، ثمّ إنهم مع الإيمان بفكرة المهدي وغيابه اضطروا إلى أمر آخر، لكون الغيبة تقتضي عدم ممارسة الإمامة؛ لذلك لجأ الشيعة إلى القول بنيابة المجتهد فراراً من تجميد وتعطيل الإمامة، فالمجتهد ينوب عن الإمام ويمارس صلاحيات المهدي.

ثمّ خرجوا عن مسألة حصر الإمامة بعدد معين، في الزمن المعاصر، واكتفوا بالحصر النوعي للإمامة، فالمطلوب هو نوع الإمام لا العدد، وهذا النوع يتحقق خارجاً عن طريق الانتخاب بواسطة نظرية ولاية الفقيه.

الجواب:

الشارع المقدس يؤيد فرضية إمكان حصر العدد

أولاً: أنّ العقل والواقع يشهدان بقبول هذه الحقيقة، حقيقة حصر الأئمّة باثني عشر؛ لأنّهما لا يمكن أن يتجاوزا الشرع، فهما يسيران في خطين متوازيين ولا يمكن أن يتقاطعاً إطلاقاً، والشيعة تسير ضمن مقررات الشريعة المحمدية الأصيلة؛ لذا فإن اعتقادهم بالأئمة الاثني عشر قد جاء على إثر النصوص الشرعية الصحيحة من الفريقين والتي لا يمكن لمسلم أن يتجاوز مضامينها، فهي حجة عليه، كحديث «الاثني عشر من قريش» المفسر بأنهم من أهل البيت كما في حديث الثقلين «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، وغيرها من الأحاديث.

لا محذور عقلي في حصر الأئمة

ثانياً: إنّ القول بالامتناع العقلي في أن يحدد النبيّ الأئمّة باثني عشر إماماً الذي يلزم منه استيعاب المحدود أو القصير (عمر الأئمّة)، اللامحدود أو الطويل (زمن الحياة)، هذا القول ليس تاماً؛ إذ لا محذور عقلي في المقام، بل العقل يتقبّل هذه الفرضية بلحاظ أمرين:

الأمر الأوّل: هذا المحذور لا يأتي بناء على ما تعتقده الشيعة من وجود إمام حيّ غائب، فهو يمارس الإمامة، ولا تنحصر الإمامة بالحكومة وقيادة المسلمين، كما هو مقتضى فهم القفاري، بل للإمامة وظائف عديدة أشرنا إليها([818])، وعليه فلا تخلو الأرض من إمام مع وجود الإمام المهدي×.

الأمر الثاني: يمكننا دفع المحذور أيضاً بناء على عدم الاعتقاد بغيبة الإمام المهدي×([819]) فلعل قائلاً يقول: إنّ الجواب الأوّل يبتني على ما أنتم معتقدون به، وهو لا أساس له من الصحة، فنقول: إشكال الامتناع يرتفع بالتقرير التالي:


عدد الأئمة كاف في إيصال الخلق إلى الكمال

نقول: إنّ الله تعالى قد خلق الخلق وغرضه من ذلك هو إيصال الإنسان إلى كماله المطلوب الذي رسمه له خالقه من خلال ممارسة العبادة الصحيحة، فواحدة من حِكَم الخلق هي إيصاله إلى الكمال، فلو فرضنا أن الأئمّة قد سنحت لهم الفرصة في ممارسة الإمامة وأدوا وظائفهم في الهداية التشريعية والتكوينية بحيث تدين لهم الاُمّة بكاملها ويتمكنون من ممارسة هذه الوظائف دون موانع، فإن الاُمّة سوف تصل إلى كمالها المطلوب في فترة تواجدهم بحيث تصل إلى أوج كمالها في آخر حياة الإمام الثاني عشر، ثمّ بعد ذلك تقوم الساعة.

فإن قلت: من غير الممكن أن يتحقق كمال الاُمّة في فترة قصيرة من الحياة تقدر بعمر الأئمّة.

نقول: قد تقتضي الحكمة إطالة عمر كلّ إمام من الأئمّة الاثني عشر بحيث يمنح كلّ واحد منهم عمر نوح× وهكذا تكون فترة أعمارهم كبيرة نسبياً بلحاظ جميعهم، ثمّ بعدها تقوم الساعة.

ولا يخفى أن هذا الإشكال جاء بعد مرور حقبة زمنية طويلة تجاوزت عمر الأئمّة الذين مُنعوا بشكل قسري من ممارسة إمامتهم، وإلاّ فإن الإشكال في بداية الإسلام لم يكن له واقع، بل إنّ عدد الاثني عشر يتقبله جميع المسلمين. فهو إشكال نشأ بعد عدم تمكّن الأئمّة الاثني عشر من الخلافة.


الشبهة: اضطرار الشيعة للقول بنيابة المجتهد

قال القفاري: «وقد اضطرّ الشّيعة للخروج عن حصر الأئمّة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة...»([820]).

الجواب:

لم تكن الشيعة مضطرة للخروج عن حصر العدد

نقول في الجواب: إنّ الشيعة لم تضطرّ للخروج عن حصر العدد؛ بل الشيعة تقول إنّ عدد الأئمّة ينتهي بالإمام المهدي وهو حي غائب، وهو الإمام الثاني عشر، كما هو معلوم من النصوص المتقدمة والتي لا تطبيق صحيح لها سوى ما تقوله المدرسة الإمامية.

إذن هناك مغالطة واضحة، فالقفاري افتعل مسألة الاضطرار ليرتب عليها مسألة النيابة وهو باطل، وهذا واضح لكلّ من راجع عقائد الشيعة.

وأمّا مسألة النيابة: فهي مرتبطة بالغيبة الكبرى للإمام المهدي× ـ بناءً على إيمان الشيعة وفق ما وجدوه من أدلّة تلزمهم بهذا الأمر؛ وليس من الضرورة أن يكون الطرف الآخر مقتنعاً بذلك، فلكلّ أدلته، ولكلّ رؤيته فيما توصل إليه من بيان الشريعة والسنّة النبويّة ـ وبيان الوظيفة الشرعية للمقلّد بعد قول الإمام×: «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم»([821]).

وقد رسم الأئمّة^ للناس طريقاً يسيرون عليه في أخذ دينهم وهو التقليد، يقول الإمام الحسن العسكري×: «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه»([822]).

حدود نيابة الفقيه وقيام الدولة الإسلامية

واختلف فقهاء الشيعة في هذه النيابة، فهناك من يرى أن ولاية الفقيه محدودة وجزئية في اُمور معينة، وهناك من يرى الولاية المطلقة للفقيه، فهي أنظار اجتهادية، خاضعة لموازين وأدلة فقهية، فكل فقيه له أدلّته التي استنبطها من وحي الشريعة.

ومن يؤمن بالولاية المطلقة للفقيه يؤمن بإقامة الدولة الإسلامية في زمن الغيبة، قال الإمام الخميني& في كتابه الحكومة الإسلامية: «إنّ خصائص الحاكم الشرعي لا يزال يعتبر توفرها في أي شخص مؤهلاً ليحكم في الناس، وهذه الخصائص التي هي عبارة عن: العلم بالقانون والعدالة موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر، فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة»([823]).

فالسيد الإمام الخميني& كلامه واضح في أن الفقيه الجامع للشرائط ـ ومنها العلم بالقانون والعدالة ـ له أهلية أن يقيم دولة إسلامية عادلة فعلى الفقهاء الآخرين أن يأخذوا بيده ويعضدوه في إقامة هذا الحكم الإسلامي؛ لأنّه يعتبر ضرورة في زمن الغيبة الكبرى.

أما قول القفاري: «جعلوا رئاسة الدولة تتم عن طريق الانتخاب، وذلك بتحديد جملة من المواصفات والمؤهلات التي تعين الرئيس بالنوع وهو الفقيه الشيعي...».

نقول: إنّ جعل رئاسة الدولة عن طريق الانتخاب لا يلغي الاعتقاد بمحدودية عدد الأئمّة؛ لأنّ كون الفقيه الجامع للشرائط حاكماً لا يعني كونه إماماً معصوماً، بل هو نائب عنه في إدارة الدولة، ويبدو أن القفاري وفق اعتقاداته الخاطئة لا يميز بين الإمام بالمعنى الشيعي ورئيس الدولة أي الحاكم اليوم، فهو لا يفهم الإمامة إلاّ في معنى رئاسة الدولة، وهكذا يتّضح أن الاعتقاد بعدد الأئمّة باق في عقيدة الشيعة ولم يتخلّوا عنه، وأن الإمامة لم تنقطع حتى مع غياب الإمام المهدي×؛ لأنّنا نعتقد بأنّه يمارس وظائف الإمامة المتنوعةـ التي تكلمنا عنها سابقاً ـ  وليس من الضروري أن تشعر الاُمّة بذلك.


الشبهة: إن أئمة الشيعة الإمامية ثلاثة عشر

قال القفاري: «كما أنك ترى الكافي أصح كتبهم الأربعة قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر. فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): إني واثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض ـ يعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا. فهذا النصّ أفاد أن أئمتهم ـ بدون علي ـ اثنا عشر ومع علي يصبحون ثلاثة عشر. وهذا ينسف بنيان الاثني عشرية... كذلك روت كتب الشيعة الاثني عشرية عن أبي جعفر عن جابر، قال: دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي.

فانظر كيف اعتبروا أئمتهم اثني عشر كلّهم من أولاد فاطمة، فإذن علي ليس من أئمتهم؛ لأنّه زوج فاطمة لا ولدها، أو يكون مجموع أئمتهم ثلاثة عشر.

ومما يدلّ أيضاً على أنهم لم يعتبروا علياً من أئمتهم، قوله: ثلاثة منهم علي، فإن المسمى بعلي من الأئمّة عند الاثني عشرية أربعة: أمير المؤمنين علي، وعلي بن الحسين، وعلي الرضا، وعلي الهادي...».

ثمّ قال: «والقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر قامت فرقة من الشيعة تقول به، ولعل تلك النصوص من آثارها، وقد ذكر هذه الفرقة الطوسي في ردّه على من خالف الاتجاه الاثني عشري، الذي ينتمي إليه، وكذلك النجاشي في ترجمة هبة الله أحمد بن محمد. وكل فرقة من هذه الفرق تدعي أنّها على الحق، وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر، وتبطل ما ذهبت إليه الفرق الشيعية الاُخرى، وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم»([824]).

أساسيات الشبهة

لقد ارتكز القفاري في شبهته على اُمور أهمّها:

1ـ ذكر رواية للشيخ الكليني، في كتابه الكافي وقال بصحّة هذه الرواية، بناءً على أنّه جاءت في أصح الكتب عند الشيعة، وفسّرها ـ وفق ذوقه ـ على أنّها تفيد أن أئمتهم ـ بدون علي× ـ اثنا عشر، ومع علي× يصبحون ثلاثة عشر.

2ـ أدرج القفاري كلاماً غير موجود في أصل رواية الكافي، فالرواية التي ذكرها الكليني هي: (إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض...)([825]) فلا توجد كلمة (إماماً).

3ـ تفسير الحديث الذي نقله عن الكافي والمشهور بحديث اللوح بأنّ الاثني عشر كلّهم من أولاد فاطمة، فلا يكون علي× من أئمة الشيعة؛ لأنّه زوج فاطمة لا ولدها، وعليه فيكون المجموع ثلاثة عشر.

4ـ جاء في الرواية: «فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمداً وثلاثة منهم علي»، فتنحصر أسماء الأئمّة الذين أسماؤهم (علي) بثلاثة فقط، في حين أنهم أربعة عند الشيعة، وهم: أمير المؤمنين علي×، وعلي بن الحسين×، وعلي الرضا×، وعلي الهادي×، وهذا النص من آثار إحدى الفرق الشيعية وهو يخالف فرقة الإمامية التي تدعي أنّ أئمّتها ثلاثة عشر.

5ـ إنّ كلّ فرقة من هذه الفرق تدعي أنّها الحق وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر، وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم.

الجواب:

الاعتقاد باثني عشر إماماً من بدهيات معتقدات الشيعة

نقول في الإجابة عن هذه الشبهة: إن كان يقصد القفاري من شبهته هذه التشكيك فيما تسالم عند الشيعة من كون أئمتهم اثني عشر، فهذا لا مجال له، وإثبات خلافه يعدّ لغواً من القول؛ فإنّ الشيعة الإمامية اشتهرت بالفرقة الاثني عشرية، وهذا واضح لكلّ من له إلمام بأبجدية الفرق وعلومها، ومنشأ هذه التسمية هو اعتقادهم باثني عشر إماماً من بني هاشم نصّ عليهم رسول اللّه كما هو معلوم للجميع، ومن ثمّ نصّ كلّ إمام على الإمام الذي بعده، بشكل يخلو من الشك والإبهام.

قال الشهرستاني في الملل والنحل: «أسامي الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية المرتضى والمجتبى والشهيد والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والتقي والنقي والزكي والحجة القائم المنتظر»([826]).

وقد تقدم منا قريباً في بحث (سرية وكتمان أمر الإمامة) تضافر الروايات ـ وبأسانيد صحيحة ـ الدالّة على عددهم والنصّ عليهم، كما ورد من طرقنا الشيعية في روايات «الأئمّة من ولد الحسين» وكذلك نصت عليهم جميعاً.

إذن مذهب الإمامية في أساسه قائم على أنّ أئمتهم اثنا عشر إماماً، وكتبهم تعج بذلك، ومن تتبع مصادرهم يعرف هذه الحقيقة التي لا يعتريها الشك والريب.

علماء أهل السنة يصرحون أن الأئمة اثنا عشر عند الشيعة

إنّ أعلام أهل السنّة الذين ترجموا لأئمة هذا المذهب الشريف، قالوا بصراحة إنّ الأئمّة اثنا عشر عند الشيعة، ولم نجد أحداً قد خالف منهم، وقال: إن الأئمّة ثلاثة عشر، فهذا الأمر من المسلّمات حديثياً وتأريخياً، ومن يدّعي خلافه شاذّ نادر، لا يعبأ به ولا يعتمد عليه، وإليك بعض النصوص التي تشير إلى ذلك:

قال الذهبي في ترجمته للإمام الباقر×: «وهو أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تبجّلهم الشيعة الإمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين»([827]).

قال ابن خلكان في ترجمة الإمام الباقر×: «أبو جعفر محمد بن زين العابدين، الملقب بالباقر، أحد الأئمّة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية»([828]).

وقال الذهبي في ترجمة الإمام الجواد×: «هو أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تدّعي الشيعة فيهم العصمة»([829]).

وقال الصفدي في ترجمة الإمام الهادي×: «علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو أبو الحسن الهادي بن الجواد بن الرضا بن الكاظم بن الصادق بن الباقر بن زين العابدين أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية»([830]).

وقال ابن كثير في تعليقه على حديث الاثني عشر كلّهم من قريش: «وليس المراد الأئمّة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة الذين أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا، وهو محمد بن الحسن العسكري»([831]).

فهنا ابن كثير يعتقد ويسلّم أن الأئمّة عند الشيعة هم اثنا عشر إماماً، أولهم الإمام علي× وآخرهم الإمام المهدي المنتظر×.

وقال ابن خلدون في تاريخه عند تعليقه على نسب الطالبيين: «وكان الكاظم على زيّ الأعراب مائلاً إلى السواد، وكان الرشيد يؤثره ويتجافى عن السعاية فيه كما مرّ، ثمّ حبسه، ومن عقبه بقية الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية من لدن علي بن أبي طالب الوصي، ووفاته سنة خمس وثلاثين، ثمّ ابنه الحسن ووفاته سنة خمس وأربعين، ثمّ أخوه الحسين ومقتله سنة إحدى وستين، ثمّ ابنه زين العابدين ووفاته [سنة أربع وتسعين]([832]) ثمّ ابنه محمد الباقر ووفاته سنة إحدى وثمانين ومائة، ثمّ ابنه جعفر الصادق ووفاته سنة ثلاث وأربعين ومائة، ثمّ ابنه موسى الكاظم، ووفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو سابع الأئمّة عندهم، ثمّ ابنه علي الرضا ووفاته سنة ثلاث ومائتين، ثمّ ابنه محمد المقتفى ووفاته سنة عشرين ومائتين، ثمّ ابنه علي الهادي ووفاته سنة أربع وخمسين ومائتين، ثمّ ابنه حسن العسكري ووفاته سنة ستين ومائتين، ثمّ ابنه محمد المهدي وهو الثاني عشر وهو عندهم حي منتظر وأخبارهم معروفة»([833]).

وبهذا يتضح أنّ هناك اتفاقاً بين أرباب أهل التراجم على أنّ أئمة الشيعة هم اثنا عشر وليس ثلاثة عشر، والإطالة أكثر من هذا ليست نافعة.

دعوى أصحية جميع ما ورد في الكافي

كثيراً ما يُرَدّد في أكثر من مقال أنّ الكافي أو نهج البلاغة هما أصح الكتب عند الشيعة؛ حيث قال القفاري في مقاطع متعددة: «كما أنك ترى الكافي أصح كتبهم الأربعة»([834])، أو قوله: «وفي كتاب الكافي أصح كتاب عندهم»([835])، أو قوله: «وهذه الرواية وردت في الكافي أصح كتاب عندهم»، أو قوله: «وكتاب النهج الذي هو أصح كتاب عند الشيعة»([836]).

نقول: كثيراً ما يضطرنا أسلوب القفاري ومنهجيته إلى تكرار بعض المطالب تبعاً لذلك، فأغلب شبهاته تكون أحدى مقدماتها فاسدة متكررة في ثنايا الشبهات، لذا نضطر إلى التنبيه على فسادها في كلّ مرة، فبالإضافة إلى ما ذكرناه في مقدمة الإمامة حول نهج البلاغة، حيث زعم أيضاً هناك أنّ نهج البلاغة أصح الكتب عند الشيعة، نقول: الظاهر من تكرار هذه الكلمات بالنسبة لكتاب الكافي أنّه يريد القول: إنّ جميع ما ورد في الكافي هو صحيح، لذا نجد أنّه يقول في مقدمة كتابه: «قال محب الدين الخطيب: إنَّ الكافي عند الشيعة هو كصحيح مسلم عند المسلمين... ولذا كانت منابع اطّلاع الكليني قطعية الاعتبار»([837]).

فإن كان مقصوده كذلك، فنجيب:

إنّ علماء الشيعة رضوان الله عليهم تعاملوا مع كتاب الكافي بروح الاعتدال والإنصاف بعيداً عن التعصب ـ إذا ما قارنّا ذلك مع صحيحي البخاري ومسلم الذي نجد أن هالة من القداسة قد أضفيت عليهما ـ فلقد احترموا هذا الكتاب وقدّروه؛ لما يتمتع به مؤلفه الكليني& من النزاهة والصدق والأمانة فضلاً عن كونه من العلماء الأجلاء، لكن مع ذلك الإجلال والتقدير لم يقولوا بصحّة كلّ ما جاء فيه بل عمدوا إلى إخضاع جميع رواياته إلى موازين التصحيح السندي، فما كان صحيحاً وفق تلك الموازين فهو حجة وما كان ضعيفاً فهجروه ولم يستندوا له في مقام الفتوى أو الاعتقاد.

قال المحدّث النوري في مستدركه في حديثه عن الكافي: «ويمتاز عمّا سواه من كتب الحديث بقرب عهده إلى الأصول المعوّل عليها والمأخوذ عنها وما فيه من دقة الضبط وجودة الترتيب وحسن التبويب وإيجاز العناوين، فلا ترى فيه حديثاً ذكر في غير بابه، كما أنّه لم ينقل الحديث بالمعنى أصلاً، ولم يتصرف فيه، كما حدث للبخاري مرات ومرات.

ومع جلالة قدره وعلّو شأنه بين الأصحاب، لم يقل أحد بوجوب الاعتقاد بكل ما فيه، ولم يسمّ صحيحاً كما سمّي البخاري ومسلم»([838]).

لذا فإننا لم نجد من علمائنا من يقول بأنّ من روى عنه الكليني فقد جاز القنطرة، كما قال الكثير من محدثي أهل السنّة في رجال صحيح البخاري ومسلم([839]).

هذا هو موقف علماء الشيعة من كتاب الكافي، بل كلّ كتاب من كتبهم وكتب غيرهم أيضاً، فهم يمحصون كلّ كلمة تقال، ويعرضونها على كتاب الله جلّ وعلا، فما وافقه أخذوا به، وما خالفه تركوه.

وإما إن كان مقصود القفاري من عبارة أصح الكتب، الأصحية النسبية أي بالنسبة لغيره فهو أصحّ كتاب، فهذه الدعوى صحيحة؛ لأنّ الشيخ الكليني قد عرف بالجلالة والوثاقة العالية وقد أمضى عشرين سنة في تصنيف الكافي، ولا يخفى أن تلك المدة الطويلة، تستدعي تحرّي الدقة والضبط في الرجال والأسانيد والمتون والطرق، وهذا بدوره يستلزم الإحاطة بما ورد فيه من روايات؛ لذا أصبح هذا الكتاب موضع إجلال وتقدير من علماء الطائفة (رضوان الله عليهم).

لكن كون الكافي أصح الكتب عند الشيعة لا يلزم منه صحّة كلّ ما فيه كما هو واضح؛ بل رواياته خاضعة لميزان التصحيح والتضعيف وفق المباني المتّبعة عند علماء الشيعة، وقد كررنا ذلك مراراً.

روايات الكليني التي يتوهم منها أن الأئمة ثلاثة عشر

أشرنا إلى أنّ مذهب الشيعة الإمامية قائم على أنّ الأئمّة (اثنا عشر) وبروايات متواترة لا يمكن التشكيك فيها، بل أصبح هذا الاعتقاد عَلماً للشيعة، فضلاً عمّن اعترف بذلك من علماء أهل السنّة كما أسلفنا سابقاً، فلو فرضنا جدلاً صحّة هذه الأحاديث، فلا يمكن أن تمسّ ما ورد من الروايات المتعددة وبطرق كثيرة جداً، والتي عقد لها نفس الكليني أبواباً كما سيأتي، مع أن روايات الثلاثة عشر ضعيفة من حيث السند، وقابلة للتأويل من حيث الدلالة.

وقد استشهد القفاري بروايتين من الكافي لإثبات ادعائه؛ ولكي نقف على دفع هذه الشبهة، لابدّ من دراسة وافية لجميع الروايات في كتبنا الحديثية التي يبدو منها القول بهذا الأمر، كما ورد في كتاب الكافي لثقة الإسلام الكليني&.

وهذه الروايات مع ضعف سندها كما سيتضح، فقد وقع فيها التصحيف الناشئ من خطأ النسّاخ، وسوء تعبير بعض الرواة، فإننا نجد ذلك الخطأ أو السهو أمراً مألوفاً ووارداً في الكتب القديمة؛ لأنّ معظم هذه الكتب قد نُسخت باليد، ولهذا نجد كثيراً من علماء الحديث وضعوا دراسات لمعالجة هذا الداء، وأيضاً هناك من أهل السنّة من كتب في هذا المجال كما في كتاب (بيان خطأ البخاري في تأريخه) وأشاروا فيه إلى الخطأ من بعض النسّاخ، حيث نقرأ في مقدمة هذا الكتاب:

«موضوع الكتاب على التحديد بيان ما وقع من خطأ أو شبهة في النسخة التي وقف عليها الرازيان من تاريخ البخاري. والشواهد تقضي أن أبا زرعة استقرأ تلك النسخة من أولها إلى آخرها، ونبّه على ما رآه خطأ أو شبهة مع بيان الصواب عنده»([840]).

ومما يؤكد لنا أن هذه الروايات من خطأ الرواة أو النسّاخ، هو أن الكليني هدفه وغرضه من كتاب الكافي بيان عقيدة الشيعة الإمامية الصحيحة، وذلك من خلال الروايات التي تنصّ على عددهم مع النصّ على أسمائهم، وهذا واضح في أبواب كتابه، فلو قلنا بعكس ذلك لزم نقض الغرض وهو قبيح.

إذن بلا شك هناك خطأ قد وقع في بعض النسخ لكتاب الكافي، وبمراجعة فاحصة في الكتب التي تنقل عن الكليني&، أو بمراجعة الأصل المنقول منه الحديث، والنظر فيه يتّضح صدق ما نقول، ثمّ لو تنزلنا وقلنا بعدم التصحيف فإننا سننقل أقوال علمائنا الذين شرحوا هذه الأحاديث التي يتراءى منها أن الأئمّة ثلاثة عشر، وسوف يتلخص جوابنا بالنقاط التالية:

1ـ نقل روايات الكافي التي ورد فيها التصحيف، ونقصد من التصحيف الأعم من التغيير أو التبديل أو الإضافة والنقصان بحيث يساهم في تغيير معنى الرواية.

2ـ مناقشة سند هذه الروايات.

3ـ شرح متن هذه الروايات.

4ـ نقل مضامين نفس الروايات من الكتب بدون تصحيف، أي أنّها تفيد معنى صريحاً هو أن الأئمّة اثنا عشر لا ثلاثة عشر بلا إشكال.

5ـ نقل الروايات من الكافي بلفظ (الأئمّة اثنا عشر).

روايات الكليني التي وقع فيها التصحيف

الرواية الأولى: (إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي رز الأرض)

روى ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي: «محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر× قال: قال رسول الله’: إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي رز الأرض، يعني: أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا»([841]).

ضعف سند الرواية بأبي الجارود

الرواية ضعيفة: فيها زياد بن المنذر أبو الجارود: تنسب إليه الجارودية، رويت في ذمه روايات، كان إمامياً ثمّ صار زيدياً([842]).

قال التفرشي في نقد الرجال عن الكشي: «تنسب إليه السرحوبية من الزيدية، وسماه بذلك الباقر×. وذكر أنّ سرحوباً اسم شيطان أعمى يسكن البحر، ثمّ فيه رواية تدل على كذبه»([843]).

شرح متن الرواية

على تقدير أنها غير مصحفة، وأن الرواية جاءت بلفظ (إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي)، فنقول:

أولاً: لقد تعرضت الرواية إلى كونهم رزّ الأرض، وليس إلى كونهم أئمة، فالرواية في مقام بيان هذا المقصود، والمراد من رز الأرض كونهم أوتادها بحيث لولاهم لساخت الأرض بأهلها، كما قيل من أن أربعة من الأنبياء أحياء هم أمان لأهل الأرض، قال ابن حجر في فتح الباري، نقلاً عن كعب أنّه قال: «أربعة من الأنبياء أحياء أمان لأهل الأرض، اثنان في الأرض الخضر والياس، واثنان في السماء إدريس وعيسى»([844]).

وكذلك روي عن علي×: «فلم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً، فلولا ذلك، هلكت الأرض ومن عليها»([845]).

وثانياً: أنّ قوله: (اثنا عشر من ولدي) هو بإضافة فاطمة÷، قال المازندراني شارحاً ومعلقاً على هذه الرواية: «قوله: (واثنا عشر من ولدي) هم اثنا عشر مع فاطمة^. قوله: (رز الأرض) بالرز بالراء المهملة والزاي المعجمة، يقال: رززت الشيء في الأرض رزاً أي أثبته فيها، والرزة الحديدة التي يدخل فيها القفل فيستحكم بها الباب»([846]).

وعلى تقدير عدم دخول فاطمة÷ في الحديث ، فهو يصح أيضاً، بلحاظ صحة إطلاق الولد على أمير المؤمنين تغليباً، لأن سائر الأئمةكلهم أولاد النبي ’، وأما  عطف الضمير (أنت) عليه، من قبيل عطف الخاص على العام؛ تأكيداً وتشريفاً، كعطف جبرائيل على الملائكة([847]). هذا على أن الرواية قد وردت من دون تصحيف بلفظ( أحد عشر) كما يأتي.

الكتب التي ذكرت الرواية من دون تصحيف

في مقابل هذه الرواية قد ذُكرت روايات اُخرى لم يكن فيها هذا التصحيف الناشئ من خطأ الرواة وسهوهم كما أشرنا، بل هي صريحة في أن عدد الأئمّة هو اثنا عشر مع الإمام علي×، وقد ورد مضمون الرواية الأولى في عدة كتب لعلماء الشيعة، وبعدة طرق، منها:

أصل أبي سعيد عباد العصفري

قد ذكرت الرواية من دون تصحيف في أحد أصول كتب الشيعة وهو أصل أبي سعيد عباد العصفري: «عباد عن عمرو عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله’: إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا على رز الأرض أعني أوتادها جبالها، وقال: وتّد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا»([848]). والملاحظ أن الكليني قد روى هذه الرواية عن هذا الأصل، فالتمسك به هو المعتمد. ويؤيد ذلك أن الرواية وردت في كتاب غيبة الطوسي بسنده إلى الأصل المذكور بلفظ (وأحد عشر من ولدي)([849]).

الرواية الثانية: (إن لهذه الامة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها)

روى ثقة الإسلام الكليني (رضوان الله عليه) في كتابه الكافي: «محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله([850]) ومحمد بن الحسين، عن إبراهيم، عن أبي يحيى المدائني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب، وتزعم يهود المدينة أنّه أعلم أهل زمانه حتى رفع إلى عمر، فقال له: يا عمر، إني جئتك أريد الإسلام فإن أخبرتني عمّا أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمد بالكتاب والسنة وجميع ما أريد أن أسأل عنه، قال: فقال له عمر: إني لست هناك لكني أرشدك إلى من هو أعلم امتنا بالكتاب والسنة وجميع ما قد تسأل عنه وهو ذاك ـ فأومأ إلى علي×... فقال له أمير المؤمنين×: إن لهذه الاُمّة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني، وأما منزل نبينا في الجنة ففي أفضلها وأشرفها جنة عدن، وأما من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته، وأمهم وجدتهم وأم أمهم وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد»([851]).

ضعف سند الرواية بجهالة إبراهيم بن ابي يحيى

الرواية ضعيفة لعدة أسباب:

أولاً: الظاهر أنّ في هذا السند تصحيفاً؛ لأنّ إبراهيم هو ابن أبي يحيى المدائني، وصحفت كلمة (بن) إلى كلمة (عن)، وهذا الرجل لم يُتعرض لذكره في اُصول الرجال([852]).

ثانياً: إن هذه الرواية فيها سندان: الأوّل من طرق أهل البيت^ والثاني من طرق أهل السنة لا علاقة لنا به.

والطريق الأوّل ضعيف بالإرسال، قال المجلسي في مرآة العقول: «الظاهر أن في السند الأوّل إرسالاً، إذ مسعدة من أصحاب الصادق× ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب من أصحاب الجواد والهادي والعسكري^»([853])، فيبعد أن مسعدة قد عمّر طويلاً حتى التقى بهؤلاء الأئمّة حتى يروي عنه ابن الخطاب([854]).

شرح متن الرواية الثانية

قال المازندراني: «قوله: (من ذرية نبيها) هذا باعتبار الأكثرية في التغليب، وكذا في قوله: (من ذريته)»([855]).

وقال المجلسي: «قوله×: (من ذرية نبيها). أقول: كون أمير المؤمنين من الذرية له وجوه: الأوّل: إن السائل لمّا علم بوفور علمه× وما شاهد من آثار الإمامة والوصاية فيه أنّه أول الأوصياء^ فكأن سؤاله عن التتمة، فالمراد بالاثني عشر تتمتهم وتكملتهم غيره×.

الثاني: أن يكون إطلاق الذرية عليه للتغليب وهو مجاز شائع.

الثالث: أنه قد استُعير لفظ الذرية للعترة ويريد بها ما يعم الولادة الحقيقة والمجازية، فإنّ النبيّ’ كان والد جميع الاُمّة لا سيما بالنسبة إلى أمير المؤمنين× فإنّه كان مربّيه ومعلمه، وعلاقة المجاز هنا كثيرة.

الرابع: أن يكون (من ذرية نبيها) خبر مبتدأ محذوف، أي بقيتهم من الذرية أو هم من الذرية بارتكاب استخدام في الضمير بإرجاع الضمير إلى الأغلب تجوزاً، وأكثر تلك الوجوه يجري في قوله: (من ذريته) وكذا قوله: (أمهم) يعني (فاطمة) وجدتهم يعني (خديجة)‘ وقوله: (وهم مني) على الأوّل والرابع ظاهر، وعلى الوجهين الأخيرين يمكن أن ترتكب تجوز في كلمة (من) بما يشمل العينية أيضاً، أو يقال: ضمير (هم) راجع إلى الذرية مطلقا»([856]).

الكتب التي ذكرت الرواية الثانية من دون تصحيف

1ـ كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني

«عن أبي هارون العبدي، عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله’ وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال:... وأخبرني عن موضع محمد في الجنة أي موضع هو؟ وكم مع محمد في منزلته؟ فقال علي×: يا يهودي، لهذه الاُمّة اثنا عشر إماماً مهدياً كلّهم هاد مهدي لا يضرهم خذلان من خذلهم...»([857]).

2ـ كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق

«عن أبي عبد الله× قال: لما بايع الناس عمر بعد موت أبي بكر أتاه رجل من شباب اليهود وهو في المسجد فسلّم عليه والناس حوله، فقال: يا أمير المؤمنين، دلّني.... وأما قولك: من مع محمد من أمته في الجنة فهؤلاء الاثنا عشر أئمة الهدى، قال الفتى: صدقت، فوالله الذي لا إله إلاّ هو أنّه لمكتوب عندي بإملاء موسى وخط هارون بيده...»([858]).

وروى الصدوق أيضاً: «عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: شهدنا الصلاة على أبي بكر ثمّ... (أما) منزل محمد’ من الجنة في جنة عدن وهي وسط الجنان وأقربها من عرش الرحمن جلّ جلاله، قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت، قال له علي×: والذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء (الأئمّة) الاثنا عشر، قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت»([859]).

3ـ الخصال للشيخ الصدوق

«عن جعفر بن محمد×، قال: والثلاث الأخرى: كم لهذه الاُمّة من إمام هدى لا يضرهم من خذلهم؟ قال: اثنا عشر إماماً، قال: صدقت والله أنّه لبخط هارون وإملاء موسى، قال: فأين يسكن نبيكم من الجنة؟ قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكاناً في جنة عدن، قال: صدقت والله أنّه لبخط هارون وإملاء موسى، ثمّ قال: فمن ينزل بعده في منزله؟ قال: اثنا عشر إماماً، قال: صدقت والله أنّه لبخط هارون وإملاء موسى...»([860]).

إذن فالروايات التي ذكرها النعماني والصدوق، لم نجد فيها ذكر لكلمة (من ذرية نبيها أو من ذريته)؛ وذُكر فقط (الاثنا عشر) وواضح أن المراد ينصرف إليهم جميعاً بما في ذلك أمير المؤمنين×.

الرواية الثالثة: الأوصياء من ولد فاطمة اثنا عشر آخرهم القائم×

روى ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي: «محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر×، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة÷ وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم×، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي»([861]).

ضعف سند الرواية بأبي الجارود

الرواية ضعيفة: لضعف أبي الجارود كما تقدم.

شرح متن الرواية

قال المازندراني: «قوله (فعددت اثني عشر) أي: فعددت الأوصياء أو أسماءهم جميعاً اثني عشر، فلا ينافي هذا قوله من ولدها؛ لأنّ الأوّل باعتبار البعض، والثاني باعتبار الجميع. قوله (ثلاثة منهم علي) أي: ثلاثة من ولدها، فلا ينافى هذا أنّ علياً أربعة»([862]).

الكتب التي ذكرت مضمون الرواية من دون إشكال

1ـ كتاب عيون أخبار الرضا× للشيخ الصدوق

«عن أبي الجارود، عن أبي جعفر×، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة÷ وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي^».

وقال أيضاً: «عن أبي الجارود عن أبي جعفر× عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة÷ وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم×، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي^»([863]).

وقد رواها أيضاً المجلسي في بحار الأنوار، والميرزا النوري في خاتمة المستدرك بنفس اللفظ عن عيون أخبار الرضا: «ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي^»([864]).

كتاب الخصال للشيخ الصدوق

« عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر × ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة ÷ وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر أحدهم القائم، ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي »([865]).

3ـ كتاب العدد القوية لعلي بن يوسف الحلي

قال: «وفي رواية اُخرى قال: دخلت على فاطمة÷ وبين يديها لوح مكتوب فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم×»([866]).

إذن هذه الروايات لسانها واضح في أن الأئمّة اثنا عشر من دون لفظ ولد فاطمة ÷: ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي، فيكون أمير المؤمنين× داخلاً فيهم.

الرواية الرابعة: (الاثنا عشر الإمام ... من ولد رسول الله وولد علي)

روى الكليني في كتابه الكافي: «أبو علي الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر× يقول: الاثنا عشر الإمام من آل محمد كلّهم محدث من ولد رسول الله’ وولد علي بن أبي طالب×، فرسول الله’ وعلي× هما الوالدان»([867]).

ضعف سند الرواية بعلي بن سماعة

الرواية ضعيفة؛ لكون علي بن سماعة مهملاً، فلم يذكر علماء الرجال توثيقاً له في كتبهم.

شرح متن الرواية

قال المازندراني: «قوله (كلّهم محدث) مبتدأ وخبر، وإفراد الخبر باعتبار لفظ الكلّ، وقوله: من ولد رسول الله ومن ولد علي: خبر بعد خبر على الظاهر، وهذا الحكم باعتبار الأكثر والقرينة علم المخاطب به»([868]).

الكتب التي ذكرت الرواية من دون تصحيف

1ـ كتاب عيون أخبار الرضا× للشيخ الصدوق

«عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر× يقول: نحن اثنا عشر إماماً من آل محمد كلّهم محدثون بعد رسول الله’ وعلي بن أبي طالب منهم»([869]).

2ـ كتاب الإرشاد للشيخ المفيد

«عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر× يقول: الاثنا عشر الأئمّة من آل محمد كلّهم محدث، علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعلي هما الوالدان، صلى الله عليهما»([870]).

وقد رواها الطبرسي في إعلام الورى والكراجكي في الاستنصار، والأربلي في كشف الغمة بنفس اللفظ (علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده)، عن المفيد، عن الكافي([871]).

الرواية الخامسة: (من ولدي اثنا عشر نقيباً)

روى ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي:

«وبهذا الإسناد، عن أبي سعيد رفعه، عن أبي جعفر×، قال: قال رسول الله’: من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً»([872]).

ضعف سند الرواية

الرواية ضعيفة؛ لأنّها مرفوعة أولاً، والمرفوع بحكم المرسل عندنا، وثانياً: في سندها أبو الجارود، وقد تقدم ضعفه.

شرح متن الرواية

قال المازندراني: «قوله: (من ولدي اثنا عشر نقيباً) من باب التغليب أو أطلق الولد على علي× مجازاً»([873]).

الكتب التي ذكرت الرواية من دون تصحيف

أصل العصفري المتقدم ذكره

: «عباد رفعه إلى أبي جعفر× قال: قال رسول الله’: من ولدي أحد عشر نقيباً، نجيباً (نقباء نجباء)، محدثون، مفهمون آخرهم القائم بالحق يملؤها (الأرض) عدلاً كما ملئت جوراً»([874]).

قال التستري في قاموس الرجال في ترجمة (عباد أبي سعيد العصفوري):

جاء فيها: «وقوله (أي عباد) في خبر بعده: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من ولدي اثنا عشر نقباء، نجباء، محرّف: أحد عشر، كما هو كذلك في أصل أبي سعيد المشتمل على تسعة عشر حديثاً»([875]).

وواضح من كلام الشيخ التستري أنّ هناك تصحيفاً في الرواية، والأصل رواية أبي سعيد، التي تقول: (من ولدي أحد عشر) وبالطبع فإن أمير المؤمنين هو الثاني عشر.

هذه مجمل الروايات التي ذكرها الكليني& والتي يُدّعى فيها أن الأئمّة (ثلاثة عشر) وقد تقدم الكلام فيها.

الأئمة (الاثنا عشر) في روايات الكافي

إنّ الكليني& عقد أبواباً وفصولاً في النصّ على الأئمّة وبيان عددهم^، وهذا بطبيعة الحال يلغي مفاد تلك الروايات القليلة النادرة ـ على فرض صحتها ـ ولا تعارضها؛ لاستفاضتها وكثرة طرقها.

والأبواب هي كالتالي:

1ـ باب فيما جاء في الاثني عشر والنص عليهم([876]).

2ـ باب ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة واحداً فواحداً([877]).

وسوف ننقل بعض النصوص الصحيحة التي تدل على أن الأئمّة (اثنا عشر) ونترك للقارئ الروايات الاُخرى الكثيرة الطرق التي يشد ويقوّي بعضها بعضاً.

الروايات الكثيرة التي مفادها أن الأئمة اثنا عشر

1ـ روى الكليني بسند صحيح، قال: «عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني× قال: أقبل أمير المؤمنين× ومعه الحسن بن علي× وهو متّكئ على يد سليمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلّم على أمير المؤمنين، فردّ× فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم، وإن تكن الاُخرى علمت أنك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين×: سلني عمّا بدا لك، قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين× إلى الحسن، فقال: يا أبا محمد أجبه، قال: فأجابه الحسن× فقال، الرجل: أشهد أن لا إله إلاّ الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أن محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصي رسول الله’ والقائم بحجته ـ وأشار إلى أمير المؤمنين ـ ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيّه والقائم بحجته ـ وأشار إلى الحسن× ـ وأشهد أنّ الحسين بن علي وصي أخيه والقائم بحجّته بعده، وأشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمد بأنّه القائم بأمر محمد، وأشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمد، وأشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد بأنّه القائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي بأنّه القائم بأمر علي بن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ قام فمضى، فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمد اتبعه، فانظر أين يقصد، فخرج الحسن بن علي‘ فقال: ما كان إلاّ أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين× فأعلمته، فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، قال: هو الخضر×»([878]).

ثمّ ذكر روايات كثيرة في النصّ عليهم واحداً فواحداً، ابتداءً بأمير المؤمنين× وانتهاءً بالقائم المهدي بن الحسن العسكري×، بعدة طرق، وهذا كافٍ في صحتها باعتضاد الروايات الصحيحة التي ذكرناها سابقاً.

2ـ روى الكليني بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر× قال: «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي، تاسعهم قائمهم»([879]).

3ـ ما رواه أيضاً بسند صحيح عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله الصادق× من كلام يذكر فيه الأئمّة... إلى أن قال: «فلم يزل الله يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كلّ إمام، كلّما مضى منهم إمام نصّب لخلقه من عقبه إماماً وَعَلَماً هادياً...»([880]).

نتيجة ومقارنة

ممّا تقدم يتّضح بجلاء أن مجمل الروايات التي رواها الكافي ـ والتي يظهر منها (أن الأئمّة ثلاثة عشر) ـ ضعيفة سنداً، وأن هناك تصحيفاً طرأ على هذه الروايات، وقد بينّا أصل هذه الروايات، ونقلنا شروحها، واتضح المقال فيها، ونقلنا بعض الروايات الصحيحة بلفظ (الأئمّة الاثني عشر والنص عليهم)، التي ذكرها الكليني، ولكثرتها وتعدد طرقها أعرضنا عن نقلها جميعاً.

وهناك الروايات المتواترة في كتبنا الاُخرى، كما ذكرها الصدوق وعقد لها أبواباً وفصولاً في كتابه كمال الدين وتمام النعمة، وفي كتابه الخصال، وكذلك ذكر الخزاز القمي كتاباً بعنوان (كفاية الأثر في النصّ على الاثني عشر) وذكر فيه أكثر من ثلاثين طريقاً لإثبات النصّ على الأئمّة الاثني عشر.


الشبهة: هناك فرقة من الشيعة تقول بأن الأئمة ثلاثة عشر

قال القفاري: «والقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر قامت فرقة من الشيعة تقول به، ولعل تلك النصوص من آثارها، وقد ذكر هذه الفرقة الطوسي في ردّه على من خالف الاتجاه الاثني عشري الذي ينتمي إليه، وكذلك النجاشي في ترجمة هبة الله أحمد بن محمد»([881]).

الجواب: لا توجد فرقة من الشيعة تقول بذلك

إنّ هذا غير صحيح البتة، فلا توجد (فرقة) للشيعة تقول بهذا الكلام، إلاّ هبة الله بن أحمد حفيد العمري، وقد قال عنه النجاشي: «كان يتعاطى الكلام، ويحضر مجلس أبي الحسين بن أبي شبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتاباً وذكر أنّ الأئمّة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي أن الأئمّة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين×»([882]).

وهذا الرجل (هبة الله بن أحمد العمري) قال عنه التستري في قاموسه: «الظاهر أن الرجل إمامي غير ورع أراد استمالة جانب ابن أبي شيبة الزيدي بدرج زيد في الأئمّة^ لا أنّه زيدي، وكيف يكون زيدياً والزيدي لا يرى إمامة السجاد× ومن بعده؛ لأنّهم يشترطون في الإمامة الخروج بالسيف»([883]).

عدد الأئمة في كتاب سليم بن قيس

أمّا ما ورد في كتاب سليم بن قيس الهلالي من أنّ الأئمّة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين×، فإنّ هذا النقل غير ثابت في كتاب سليم، فإن النسخة التي بين أيدينا خالية من ذلك، وما نقل من أن هبة الله قد استشهد على كون الأئمّة ثلاثة عشر من رواية في كتاب سليم بن قيس، فإن ثبت حقاً فهي من المدسوسات كما أن هبة الله لم يكن موثقاً، قال التستري: «قلت: نسخ كتاب سليم مختلفة بالزيادة والنقصان شديداً، والخبر الذي قال: هبة الله وإن لم يك فيما وصل إلينا من نسخته... والصواب في الجواب: ما تقدم في (سليم) عن المفيد: أن الكتاب دسّ فيه، فالعمل منه بما لم يقم على صحته شاهد غير جائز»([884]).

إذن لا توجد هناك (فرقة) تقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر؛ ولكن القفاري أراد أن يوهم القارئ بذلك فنسب إلى الشيخ الطوسي أنّه قال بهذه الفرقة، وأوهم أيضاً أن النجاشي قال بذلك، في حين أن النجاشي ذكر ترجمة هبة الله، وقال أنّه يقول بذلك، ولم يتطرق إلى هذه الفرقة إطلاقاً. وحسب تتبعنا لم نجد في مصادرنا الشيعية من يقول بأنّ هناك فرقة من الشيعة تقول بذلك.

لا توجد فرقة من الشيعة تدعي التواتر في أن الأئمة ثلاثة عشر

قال القفاري: «وكل فرقة من هذه الفرق تدعي أنّها على الحق، وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر، وتبطل ما ذهبت إليه الفرق الشيعية الاُخرى، وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم»([885]).

نقول: أولاً: لا توجد فرقة تقول: (بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر) حتى يترتب عليها القول بأنّها على الحق.

وثانياً: إنّ التواتر الذي تدعيه الشيعة الإمامية هو (أنّ الأئمّة اثنا عشر) ومذهبهم قائم على هذه الحقيقة، وكتبهم تنصّ على عددهم، وكذلك أسمائهم، وأنّ ذلك اشتهر حتى صار بدَهياً عند غير الشيعة أيضاً، وقد أشرنا في مقدمة هذا البحث إلى ما ذكره أعلام أهل السنّة الذين ترجموا لأئمة الشيعة^، وقالوا صراحة: إنّهم من الأئمّة الاثني عشر، ولم نجد أحداً قد خالف منهم، وقال: إنّ الأئمّة ثلاثة عشر، وهذا دليل على تسالمهم على هذه المسألة، وأيضاً تقدم في البحوث السابقة، التفصيل في ذكر الأدلّة والروايات الصحيحة من الفريقين على أنّ الأئمّة اثنا عشر.

ثمّ إن فرض الاختلاف بين الفرق ليس بالضرورة يبطل كلا الفرقتين، فخلق التعارض لا يسقطهما معاً؛ ومعلوم بالبداهة أنّ هناك كثيراً من الفرق عند أهل السنّة تدعي التواتر في إثبات صحّة فرقتها، وتبطل الدعاوى الاُخرى لبقية الفرق.

إذن دعوى أن التعارض بين تواتر فرقة وفرقة اُخرى يبطل كلا التواترين دعوى باطلة لا يقول بها أهل العلم والمعرفة.

 


 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

شبهات حول أدلة الإمامة القرآنية

 


الشبهة: الاستدلال بآية الولاية إنما هو استدلال بالرواية

بعد أن نقل القفاري أنّ الشيعة يعتبرون أنّ قوله تعالى: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} من أقوى الأدلّة القرآنية على إمامة علي×، وذلك للروايات الدالّة على نزولها في علي×، أشكل قائلاً: «فأنت ترى أنّ الشيعة تعتمد في استدلالها بالآية بما روي في سبب نزولها؛ لأنّه ليس في نصّها ما يدلّ على مرادهم، فصار استدلالهم بالرواية، لا بالقرآن»([886]).

بيان الشبهة

تدّعي الشيعة أنّ من أقوى أدلّتهم القرآنية على إمامة أهل البيت^ وخصوصاً علي× هي آية: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([887])، حتى أنّهم سمّوها بآية الولاية، بينما نجدهم عندما لم يسعفهم نصّ الآية على ما يريدون تمسّكوا بالروايات الدالّة على سبب نزولها، فتحوّل الاستدلال بها من استدلال قرآني إلى استدلال بالسنّة والروايات، فيبطل ما يدّعونه من أنّه استدلال بالقرآن، فضلاً عن أن يكون أقوى الأدلّة القرآنية.

تمهيد

لقد جرى القرآن الكريم في خطابه وفق السياقات العرفية والعقلائية في الخطاب والتفهيم وإيصال المطلوب إلى السامع، والتي لا تنفكّ ـ كما هو واضح ـ عن مجمل ما يكتنفها من أسباب ومناشئ ومناسبات وقرائن حالية ومقالية تساهم مساهمة أساسية في صياغة المعنى وتوضيحه؛ ولذا نجد أنّ كثيراً من الآيات القرآنية نزلت على أثر حوادث أو قصص شكّلت أسباباً لنزول هذه الآيات، والتي لا يمكن فهم هذه الآيات فهماً كاملاً بمعزل عن دراسة الأسباب والمناشئ المرتبطة بها، ممّا أفضى إلى تبلور علم خاصّ ومهمّ من علوم القرآن، عرف بعلم أسباب النزول.

دخالة سبب النزول في فهم النص القرآني

لقد قرر المفسّرون والعلماء المهتمون بدراسة القرآن أنّ لسبب نزول الآية مدخليةً في فهم النصّ القرآني والتعرف على أسرار التعبير فيه، وفقاً لما يقتضيه ذلك السبب؛ ولذا عدّوا ذلك من الفوائد المهمّة والضرورية لأسباب النزول.

ذكر الواحدي في كتابه (أسباب النزول) عن أهمية هذا الموضوع وفاعليته في فهم النصّ القرآني، قال: «فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدئين المتستّرين بعلوم الكتاب إبانة ما اُنزل فيه من الأسباب؛ إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تُصرف العناية إليها؛ لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصّتها وبيان نزولها»([888]).

وقال الزركشي في معرض حديثه عن معرفة أسباب النزول وتعداد فوائدها: «ومنها: الوقوف على المعنى، قال أبو الفتح القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز»([889]).

وقال ابن تيمية: «معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإنّ العلم بالسبب يورث العلم بالمسبّب»([890]).

فمن هذا يفهم أنّ سبب النزول والروايات الواردة في بيانه إنّما هو طريق للوصول إلى تفسير الآية وفهمها، كما أنّ هناك آياتٍ نستعين في تفسيرها بالمأثور من الروايات والأحاديث عن النبيّ’، حتى عُدّ هذا نوعاً من التفسير وهو التفسير بالمأثور من الروايات، وهو متعارف عند الفريقين، واُلّفت فيه الكثير من المصنّفات، كالدرّ المنثور للسيوطي وغيره.

ولم يدّع أحد من المفسّرين وعلماء القرآن أنّ الاستدلال بالآيات التي لها شأن نزول معيّن أنّه من قبيل الاستدلال بالسنّة والروايات.

علماء أهل السنة يستعينون بأسباب النزول في الاستدلال القرآني

استدلّ العديد من علماء أهل السنّة على بعض الاُمور من القرآن الكريم واعتبروه استدلالاً قرآنياً، مع أنّهم استعانوا في ذلك بأسباب النزول.

قال الإيجي في كتاب (المواقف) في معرض استدلاله على أفضلية أبي بكر من القرآن: «لنا وجوه: الأوّل: قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}، قال أكثر المفسّرين وقد اعتمد عليه العلماء: إنّها نزلت في أبي بكر»([891]).

وقال التفتازاني في هذا الصدد، وهو الاستدلال على أفضلية أبي بكر من القرآن: «أمّا الكتاب فقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}، فالجمهور على أنّها نزلت في أبي بكر رض»([892]).

فقد استدلوا على تقديم الخليفة أبي بكر بهذه الآية مستندين في ذلك على روايات تثبت أنّ هذه الآية في أبي بكر([893])، بزعم أنّ الآية تثبت وصف الأتقى لأبي بكر، وبضميمة مدلول آية اُخرى، وهي {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} يكون أبو بكر هو المقدّم([894]).

وتمامية هذا الاستدلال موقوف ـ كما هو واضح ـ على سبب النزول، ومع هذا فقد اعتبرها هؤلاء العلماء من صنف الاستدلال القرآني؛ ممّا يدلّ على أنّ الاستعانة بسبب النزول لا يقلب الاستدلال القرآني إلى استدلال روائي، خصوصاً وأنّهم استدلّوا بالسنّة على أفضلية أبي بكر، ولم يجعلوا سبب النزول تابعاً له.

الاعتراضات على آية الولاية

الاعتراض الأول: كذب دعوى إجماع السنة على نزول الآية في علي

ذكر القفاري أنّ الشيعة في كيفية استدلالهم على إمامة علي بآية: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...} «يقولون: (اتفق المفسرون والمحدّثون من العامة والخاصة أنّها نزلت في عليّ لمّا تصدّق بخاتمه على المسكين في الصلاة بمحضر من الصحابة، وهو مذكور في الصحاح الستّة). و(إنّما) للحصر باتفاق أهل اللغة، والولي بمعنى الأولى بالتصرف المرادف للإمام والخليفة... وهل وجه استدلالهم سليم؟ يتبين هذا بالوجوه التالية:

أولاً: أنّ زعمهم بأنّ أهل السنّة أجمعوا على أنّها نزلت في عليّ هو من أعظم الدعاوى الكاذبة»([895]).

الجواب: أجمع المفسرون على نزول الآية في علي ×

أولاً: من الواضح أنّ المقصود من إجماع أهل السنّة الذي ادّعاه علماء الشيعة هو إجماع مفسّريهم؛ لأنّهم هم الذين يقع بيان أسباب نزول الآيات في دائرة اختصاصهم، ولم يكن ادّعاؤهم خالياً من الدليل والبرهان كما قال القفاري، بل ذلك الإجماع كان مشهوراً في زمان مثل العلاّمة الحلّي والإيجي والجرجاني والتفتازاني، وإن كان مثل هذا الاجماع صار محلّ إشكال في زماننا هذا؛ لأسباب معروفة، والدليل على وجود مثل هكذا إجماع عند المفسّرين السابقين هو: أنّ علماء أهل السنّة مثل الإيجي وغيرهم من العلماء حينما ينقلون دليل الشيعة على إثبات الإمامة لعلي× لغرض مناقشتها ودفعها، نجدهم يقرّرون برهان الشيعة المتكوّن من عدّة مقدمات، ومن ضمن تلك المقدمات ادعاء الشيعة وجود الإجماع من المفسّرين على أنّ الآية نازلة في علي×، وحينما يبدؤون بمناقشة ذلك البرهان لا نجدهم يتعرضون لمسألة الإجماع المدّعى من الشيعة في شأن نزول الآية، وهذا يكشف أنّ هناك إجماعاً بالفعل كان في زمانهم.

وإليك نماذج من كلماتهم:

1ـ القاضي عضد الدين الإيجي: قال في المواقف في معرض ردّ أدلّة الشيعة من القرآن على إمامة علي×: «الثاني: قوله تعالى: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، والولي: إمّا المتصرف أي الأولى والأحقّ بالتصرف كوليّ الصبي والمرأة، وإمّا المحب والناصر؛ تقليلاً للاشتراك في لفظ (الولي)، وأيضاً لم يعهد له في اللغة معنى ثالث، والناصر غير مراد في هذه الآية؛ لعموم النصرة والمحبة في حق كلّ المؤمنين، قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، أي بعضهم محب بعض وناصره، فلا يصحّ حصرها بكلمة (إنّما) في المؤمنين الموصوفين بالصفة المذكورة في الآية، فهو المتصرف، والمتصرف في الاُمّة هو الإمام، وقد أجمع أئمّة التفسير على أنّ المراد بالذين يقيمون الصلاة إلى قوله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} عليّ، فإنّه كان في الصلاة راكعاً، فسأله سائل فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية، وللإجماع على أنّ غيره كأبي بكر مثلاً غير مراد، فتعيّن أنّه المراد، فتكون الآية نصّاً في إمامته.

والجواب: أنّ المراد هو الناصر، والأول نظم الآية على إمامته، وكونه أولى بالتصرف حال حياة الرسول، ولا شبهة في بطلانه؛ ولأنّ ما تكرّر فيه صيغ الجمع كيف يحمل على الواحد؟ وكونه نازلاً في حقّه لا ينافي شموله لغيره أيضاً ممّن يجوز اشتراكه معه في تلك الصفة، ولأنّ ذلك ـ أي حمل الولي في الآية على الأولى والأحق بالتصرف ـ غير مناسب لما قبلها وهو قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}؛ فإنّ الأولياء ها هنا بمعنى الأنصار، لا بمعنى الأحقّين بالتصرف، وغير مناسب ما بعدها، وهو قوله: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}؛ فإنّ التولّي ها هنا بمعنى المحبة والنصرة دون التصرف، فوجب أن يحمل ما بينهما على النصرة أيضاً؛ ليتلاءم أجزاء الكلام»([896]) انتهى كلامه.

وواضح من كلامه أنّه لم يتعرض لنفي الإجماع المدّعى من الشيعة، مع أنّه لو لم يكن ثابتاً لكان من أسهل الاُمور التي يمكن هدم الدليل بها، فكيف يتركه؟!

2ـ الشريف الجرجاني: قال في شرحه للمواقف، حيث نقل دليل الشيعة على وجود إجماع في نزول الآية في عليّ×، وسكت أيضاً عن مناقشته، قال: «وقد (أجمع أئمة التفسير) على (أنّ المراد) بـ {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ} إلى قوله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} (علي)، فإنّه كان في الصلاة راكعاً، فسأله سائل فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية»([897]).

3ـ سعد الدين التفتازاني: قال في شرح المقاصد مقرراً برهان الشيعة: «نزلت باتفاق المفسرين في عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته»([898]). وقد سكت عن مناقشة ذلك الإجماع، مع أنّه بصدد نفي كلّ دليل على الإمامة.

4ـ عليّ بن محمد القوشجي: قال في دليل آية الولاية مقرراً بيان الشيعة: «بيان ذلك: أنّها نزلت باتفاق المفسّرين في حقّ علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته»([899]). وسكت كذلك ولم يناقش بالإجماع المدّعى.

ويؤيد وجود ذلك الإجماع عند المفسرين سابقاً: ما قاله الآلوسي من أنّ غالب الأخباريين يرون آية الولاية نزلت في علي×، حيث قال: «وغالب الأخباريّين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه»([900]). وكان ديدن المفسّرين القدامى هو التفسير بالروايات والأخبار.

وقال في موضع آخر: «والآية عند معظم المحدّثين نزلت في عليّ كرّم الله وجهه»([901]).

فهل يبقى بعد هذا مجال للقول: إنّ دعوى إجماع المفسرين على أنّ الآية نزلت في علي× هو من الدعاوى الكاذبة كما يدّعي القفاري، تقليداً لابن تيمية الذي أنكر كثيراً من المسلّمات والاُمور الواضحة؛ لمجرد أنّها لا تتلاءم مع أفكاره وتوجّهاته؟!

ثانياً: أنّ القفاري نسب هذا القول ـ وهو أنّ السنّة أجمعوا على نزولها في علي× ـ إلى جميع علماء الشيعة، بينما القائل هو العلاّمة الحلّي، فمن أين جاء بهذا التعميم لجميع الشيعة؟

فهل يرضى القفاري أن نعمِّم قولاً أو رأياً على جميع أهل السنّة لمجرّد أنّ عالماً من علمائهم ذهب إليه، مهما علت منزلة هذا العالم ومكانته بينهم؟

هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ ما ذهب إليه العلاّمة الحلّي& لم يكن قولاً جزافياً أو ادّعاءً كاذباً كما اتهمه ابن تيمية؛ لأنّ له ما يبرّره من الناحية العلمية والمنطقية، وقد شاطره في هذا الرأي عدد من علماء أهل السنّة كما بيّنا؛ إذ أنّ خبر نزول الآية في أمير المؤمنين× بلغ من الشهرة حدّاً كبيراً، فقد روي الخبر بأسانيد وطرق متعددة، وعن جمع من الصحابة والتابعين، وتناقلته كتب الفريقين رغم توفّر الدواعي والمسوّغات على طمس هذه الفضيلة والمنقبة العظيمة لأمير المؤمنين× من قبل أعداء أهل البيت^ من الاُمويّين وغيرهم، والذين أشرفوا على كتابة الحديث وتدوينه، كلّ هذا يورث لدى الباحث المنصف اطمئناناً بأنّ هذه القضية هي من الوضوح بمكان بحيث لم تستطع حجبها أكفّ التحريف والتبديل، وأنّها قضية قد أجمعت عليها الاُمّة وتلقّتها بالقبول والرضا.

ثالثاً: وأمّا قول القفاري: «وقوله: إنّها (مذكورة في الصحاح الستّة) كذب؛ إذ لا وجود لهذه الرواية في الكتب الستّة»([902]).

فإنّ أصل هذا الكلام هو في كتاب نهج الحق وكشف الصدق للعلاّمة الحلّي، وكلّ من تأخّر عن العلاّمة فقد أخذه منه، ولكنّ العلاّمة التستري نقل في كتابه إحقاق الحق عن كتاب العلاّمة نفسه عبارة: «وهو مذكور في الجمع بين الصحاح الستّة»([903])، أي مذكور في (كتاب الجمع بين الصحاح الستة) لمؤلّفه رزين العبدري، ممّا يدلّ على أنّ هناك نسخة من كتاب العلاّمة عند التستري تختلف عن نسخة غيره ممّن نقل عنه العبارة الاُولى، وهناك عدة قرائن تؤيد ما ذهب إليه التستري، منها:

1ـ وجود الحديث فعلاً في كتاب الجمع بين الصحاح الستّة على ما نقل عنه ابن الأثير في (جامع الاُصول)، إذ قال بعد نقله للحديث عن عبد الله بن سلام: «أخرجه رزين»([904]).

2ـ يستبعد أن يصدر من العلاّمة الحلّي المعروف بدقّته العلمية وأمانته وتقواه القول بأنّ الحديث مذكور في الصحاح الستّة هكذا بلا تعيين كتاب بعينه، وقد شهد بمكانته ودقّته العلمية كثير من العلماء حتى المخالفين له([905]).

3ـ لقد عثرنا على نسخة خطّية لكتاب نهج الحق وكشف الصدق في مكتبة السيد المرعشي& يوجد فيها عبارة: «أجمعوا على نزولها في عليّ×، وهو مذكور في صحاح السنّة» بدلاً عن عبارة: «وهو مذكور في الصحاح الستّة»، وهذا يعطي انطباعاً واضحاً عن مدى الإبهام الذي اعترى العبارة؛ نتيجة لاختلاف النسخ وما وقع فيها من اختلاف، وهو أمر كثير الوقوع في كتب المتقدمين التي يتم استنساخها يدوياً عادةً، فيحصل فيها السقط والتصحيف والاختلاف، خصوصاً عند تشابه الكلمات إلى حدّ كبير، كما هو الحال في هذه العبارة، فيندفع بذلك ما شنَّع به القفاري الذي لم يحتمل ولو احتمالاً ضئيلاً وقوع مثل هذه الاُمور التي ذكرناها، بل سارع إلى اتهام الآخرين ورميهم بالكذب.

رابعاً: قال القفاري: «إنّ قوله: (الصحاح الستّة) تسمية غير سليمة؛ لأنّ أهل السنّة لا يعدّون جميع الكتب الستّة صحاحاً؛ ولهذا يسمونها (الكتب الستّة)، ولكنّ الروافض أصحاب مبالغات، وليس هذا بكثير على من يتعمد الكذب على الله ورسوله»([906]).

نقول أولاً: إنّ تسمية الكتب الستّة بالصحاح الستّة تسمية سليمة من الناحية اللغوية والاصطلاحية، فمن الناحية اللغوية يوجد في الاستعمال اللغوي باب يسمّى باب التغليب في التسمية، حيث يغلب اسم شيء على آخر، ويسمّى كلا الشيئين باسمه، كإطلاق الوالدين على الأب والاُمّ، مع أنّ الاُمّ هي الوالدة فقط، وكذلك إطلاق القمرين على الشمس والقمر، وهكذا، ففي المقام كذلك، فلوجود الصحيحين من بين هذه الكتب، وكذلك وجود بعض الأحاديث الصحيحة في السنن الأربع، فغلب ذلك على جميع الكتب الستّة؛ لأنّها تُعدّ أكثر الكتب الحديثية اعتباراً عند أهل السنّة.

قال المباركفوري: «قيل للكتب الستّة المشهورة ـ أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم والجامع للترمذي والسنن لأبي داود والنسائي وابن ماجة ـ الصحاح الستة، مع أنّ في السنن الأربع أقساماً من الحديث من الصحاح والحسان والضعاف، فتسميتها بالصحاح الست بطريق التغليب»([907]).

ثانياً: وأمّا من الناحية الاصطلاحية فإنّ هذه الكتب الستّة تُعدّ من أصحّ الكتب عند أهل السنّة، سواء بلحاظ جميع ما فيها من الأحاديث كما في صحيح مسلم والبخاري، أم بلحاظ أغلبها، كما هو الحال في كتب أصحاب السنن الذين يعدّون كتبهم صحاحاً حسب نظرهم واجتهادهم؛ لذا اُطلق على بعضها بالسنن الصحاح.

قال المباركفوري: «وقد أطلق الحاكم عليه [سنن الترمذي] الجامع الصحيح، وأطلق الخطيب عليه وعلى النسائي اسم الصحيح»([908]).

ثالثاً: أنّ التعبير بالصحاح الستّة عن هذه الكتب أمر شائع ومتعارف عند علماء السنّة أنفسهم، ويكفيك أن تكتب عبارة (الصحاح الستّة) في برامج الحاسوب التي تضمّ كتب السنّة، حتى تظهر لك نسبة كبيرة ممّن يعبّرون بهذا التعبير([909])، بل إنّ هناك من وضع هذا التعبير في عنوان كتابه كالحافظ رزين بن معاوية العبدري الذي أسمى كتابه (الجمع بين الصحاح الستّة)([910])، والصدّيق حسن القنوجي صاحب كتاب (الحِطّة في ذكر الصحاح الستّة)، فأين مبالغات الشيعة وكذبهم في ذلك؟! وليعلم القارئ مَن هو الكاذب والمفتري؟!


الشبهة: آية الولاية لم تنزل في علي × بإجماع  علماء السنة

قال القفاري: «بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي× بخصوصه، وأنّ علياً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع»([911]).

الجواب: علماء أهل السنة يكذبون هذا الإجماع

لقد نقل القفاري هذا القول عن ابن تيمية في كتابه منهاج السنّة، وسلّم بصحّته، وأرسله إرسال المسلّمات، وكأنّه وحي منزل لا يقبل المناقشة والردّ. ولا ندري من أين أتى ابن تيمية بهذا الإجماع المزعوم؟

وهل استقرأ جميع أقوال وآراء أهل العلم؟!  

ومَنْ هم أهل العلم الذين أجمعوا على ذلك؟!

ثمّ إنّه في منهاج سنّته ادّعى أنّ أهل العلم الكبار وأهل التفسير مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وابن أبي حاتم لم يذكروا هذه الرواية([912])، مع أنّ الواقع يكذّب مدّعاه، فقد نقلها ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما كما سنبيِّن.

لكنّ ابن تيمية كما هو معروف ـ يعتمد على ما يحفظه بلا مراجعة وتدقيق للمصادر، مع تحامله على أتباع أهل البيت^ الذي أوقعه في كثير
من الأخطاء والهفوات والزلاّت التي أوصلته إلى حدٍ التطاول على أمير المؤمنين×! فلامه على ذلك كبار الحفاظ.

قال ابن حجر: «وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها؛ لأنّه كان لاتساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره»([913]).

ولذا نجد على النقيض من كلام ابن تيمية أنّ هناك من علماء السنة وأهل الاختصاص من لم يكذِّب دعوى الإجماع على نزولها في علي× كما ذكرنا، ومنهم من ذهب إلى أنّ غالب الأخباريين ومعظم المحدّثين ـ كما يقول الآلوسي ـ على أنّها نزلت في علي×.

ولهذا فإنّ نزول هذه الآية في علي× من الاُمور التي اتفق الفريقان على روايتها، وبالأسانيد الكثيرة، وعن جمع كبير من الصحابة والتابعين، كعلي× وعمار والمقداد وابن عباس وأبي ذرّ وجابر بن عبد الله الأنصاري وابن جريج المكّي ومجاهد ومقاتل والضحّاك وغيرهم، وإليكَ ـ على سبيل المثال ـ عدداً من نصوص هذا الخبر في الكتب المعتبرة والمشهورة:

1ـ أخرج ابن أبي حاتم في تفسير قوله تعالى: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} مسنداً عن سلمة بن كهيل، قال: «تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: {إنّما وَلِيُّكُمُ...}»([914]).

2ـ أخرج أبو جعفر الطبري بسنده عن أيوب بن سويد، قال: «ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} قال: علي بن أبي طالب»([915]).

3ـ أخرج الثعلبي، قال: «قوله تعالى: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} قال ابن عباس، وقال السدي وعتبة بن حكيم وثابت بن عبد الله: إنّما عني بقوله: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، مرّ به سائل وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه»([916]).

ثمّ أخرج حديثاً مطوّلاً عن أبي ذرّ الغفاري في نزول هذه الآية في علي×.

4ـ أخرج الواحدي بسنده، عن ابن عباس، قال: «أقبل عبد الله بن مسلم ومعه نفر من قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول الله، إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدّث، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله ورسوله وصدّقناه رفضونا، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا ينكحونا ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا، فقال لهم النبيّ’: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} الآية، ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلاً، فقال: هل أعطاك أحد شيئاً، قال: نعم، خاتم من ذهب، قال: من أعطاكَهُ؟ قال: ذلك القائم، وأومأ بيده إلى عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فقال: على أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبّر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، ثمّ قرأ: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ لْغَالِبُونَ}»([917]).

وغير ذلك من الروايات الدالّة على نزول الآية في علي×، والواردة في مصادر متعددة وبطرق كثيرة، وما نقلناه كان يمثّل نموذجاً من تلك الروايات، والتي سوف نثبت صحّة واعتبار عدد من طرقها، ممّا يبطل دعوى كونها موضوعة، وأنّ أهل العلم والحديث أجمعوا على كونها لم تنزل في علي×، ونترك الحكم لمن يحمل ضميراً حيّاً وعقلاً واعياً، ولم يقع في أسر التقليد الأعمى.

الأسانيد المعتبرة في نزول الآية في علي×

لقد وردت عدة من الأسانيد المعتبرة لهذا الخبر من بين تلك الطرق الكثيرة له، ننقل بعضاً منها على سبيل المثال:

أولاً: رواية ابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل

وهي من الأسانيد المعتبرة، فقد أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي سعيد الأشج: ثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، ثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، قال: «تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: {إنّما وَلِيُّكُمُ}»([918]).

فرجال السند كلّهم ثقات، وممن يحتج بروايتهم، وهم:

1ـ ابن أبي حاتم: وهو الحافظ المشهور والناقد المعروف، صاحب التفسير، شيخ المحدّثين، الذي برع في المتن والإسناد، فقد جمع وصنّف وجرح وعدّل([919]).

2ـ أبو سعيد الأشجّ: وهو عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي، من رجال الصحاح الستّة، قال الذهبي: قال أبو حاتم: ثقة، إمام أهل زمانه، وقال الشطوي: ما رأيت أحفظ منه([920])، وقال ابن حجر: ثقة([921]).

3ـ الفضل بن دكين: من رجال الصحاح الستّة، عن ابن أبي حاتم، قال: سألت أبي عن أبي نعيم الفضل بن دكين؟ فقال: ثقة([922]).

وقال الذهبي: الفضل بن دكين الحافظ أبو نعيم... [روى] عنه البخاري وأبو زرعة واُمم([923]).

وقال ابن حجر: ثقة ثبت، وهو من كبار شيوخ البخاري([924]).

4ـ موسى بن قيس الحضرمي: روى ابن أبي حاتم، عن يحيى بن معين، قال: موسى بن قيس الحضرمي ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سألت عنه أبي؟ فقال: لابأس به([925]).

وقال الذهبي: ثقة شيعي([926]).

وقال ابن حجر: >موسى بن قيس الحضرمي، أبو محمد الفرّاء الكوفي، يلقّب عصفور الجنة، صدوق، رُمِيَ بالتشيّع<([927]).

5ـ سلمة بن كهيل: أبو يحيى الكوفي، من كبار علماء التابعين وقد اشتهر بوثاقته وتثبته في الحديث، ولم نعثر على من طعن فيه أو في وثاقته، قال المزي في التهذيب: >قال أبو طالب، عن أحمد بن حنبل: سلمة بن كهيل متقن للحديث، وقيس بن مسلم متقن للحديث ما تبالي إذا أخذت عنهما حديثهما.

وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ثقة.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي تابعي ثقة ثبت في الحديث...

وقال محمد بن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وقال أبو زرعة: ثقة مأمون ذكي، وقال أبو حاتم: ثقة متقن. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت على تشيعه.

وقال النسائي: ثقة ثبت...

وقال ابن المبارك، عن سفيان: حدثنا سلمة بن كهيل وكان ركناً من الأركان وشدّ قبضته. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة : منصور، وأبي حصين، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن مرة<([928]).

وقال ابن حجر: >ثقة<([929]).

قال الذهبي في الكاشف: >سلمة بن كهيل أبو يحيى الحضرمي من علماء الكوفة<([930]).

وقال في السير: >سلمة بن كهيل ابن حصين الإمام الثبت الحافظ أبو يحيى الحضرمي<([931]).

فالرواية صحيحة، وصالحة للاحتجاج بها([932]).


ثانياً: رواية ابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم

أخرج ابن أبي حاتم في تفسير الآية، قال: «حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، ثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب»([933]).

رجال السند هم:

1ـ ابن أبي حاتم، تقدمت الإشارة إليه([934]).

2ـ الربيع بن سليمان المرادي: أبو محمد المصري المؤذّن، صاحب الشافعي، قال الذهبي: «المؤذّن الفقيه الحافظ»([935]).

وقال ابن حجر: «ثقة»([936]).

3ـ أيوب بن سويد: الرملي، أبو مسعود الحميري. وهذا الرجل قد اختلف فيه، وقد وثّقه ابن حبّان، وكذلك نجد أنّ الحاكم النيسابوري وابن حجر العسقلاني والألباني عندما يعلّقون على الأحاديث التي ورد فيها (أيوب بن سويد) يوثّقون تلك الأسانيد، وهذه قرينة على اعتبار رواياته وإن جرحه بعضٌ، قال ابن حجر العسقلاني في التقريب: «صدوق يخطئ»([937]).

وقال الحاكم بعد ذكر حديث هو في سنده: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»([938]).

وقال أيضاً في موضع آخر: «صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»([939]).

قال ابن حجر في حديث هو في سنده: «ورجاله ثقات»، ثمّ قال: «وأخرجه أيّوب بن سويد، عن... قال ابن القطّان: حديث ابن عباس صحيح»([940]).

وذكر الألباني حديثاً هو في سنده، وعقّب عليه قائلاً: «حديث صحيح بما قبله، فإنّ أيوب بن سويد صدوق يخطئ، وبقيّة رجاله ثقات»([941]).

وهذا يعني أنّ حديثه حسن في نفسه.

وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: «يتّقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه؛ لأنّ أخباره إذا سبرت من غير رواية ابنه عنه وجد أكثرها مستقيمة»([942]).

وهذا الحديث لم يروه ابنه عنه، وإنّما رواه الربيع بن سليمان.

4ـ عتبة بن أبي حكيم: الهمداني، أبو العباس، قال المزي: «قال محمود بن خالد السلمي: سمعت مروان بن محمود الطاهري يقول: عتبة بن أبي حكيم ثقة من أهل الأردن، وقال عباس الدوري والمفضّل بن غسّان الغلابي، عن يحيى بن معين: ثقة... وقال أبو القاسم الطبراني: عتبة بن أبي حكيم من ثقات المسلمين»([943]).

وذكره ابن حبان في الثقات([944]).

وقال ابن أبي حاتم: «سئل أبي عنه؟ فقال: صالح لا بأس به»([945]).

قال عنه النووي: «وقد اختلفوا في توثيقه، فوثّقه الجمهور، ولم يبيّن مَنْ ضعّفه سببَ ضَعفه، والجرح لا يقبل إلاّ مفسّراً، فيظهر الاحتجاج بهذه الرواية([946])»([947]).

وروى الحاكم في المستدرك أحاديث لعتبة بن أبي حكيم وصحّحها ووافقه الذهبي عليها في التلخيص([948]).

ثالثاً: رواية ابن جرير الطبري عن عتبة بن أبي حكيم

قال: «حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} قال: علي بن أبي طالب»([949]).

رجال سند الرواية هم:

1ـ ابن جرير الطبري: هو محمد بن جرير بن يزيد، أبو جعفر الطبري، قال الذهبي: «كان ثقة، صادقاً، حافظاً، رأساً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف...»([950]).

2ـ إسماعيل بن إسرائيل الرملي: أبو محمد، قال الرازي في الجرح والتعديل: «كتبنا عنه وهو صدوق»([951])([952]).

وأخرج عنه حديثاً في تفسيره([953]).

3ـ أيوب بن سويد، تقدمت الإشارة إليه([954]).

4ـ عتبة بن أبي حكيم، تقدمت الإشارة إليه([955]).

وعلى هذا فالرواية جيدة السند، وتثبت أن عتبة كان يعتقد بنزول الآية في أمير المؤمنين.

رابعاً: رواية الحاكم النيسابوري عن علي×

قال: «حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفّار، قال: ثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد بن سلم الرازي بإصبهان، قال: ثنا يحيى بن الضريس، قال: ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي، قال: نزلت هذه الآية على رسول الله: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، فخرج رسول الله ودخل المسجد، والناس يصلّون بين راكع وقائم، فصلى، فإذا سائل، قال: يا سائل، أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا، إلاّ هذا الراكع ـ لعلي ـ أعطاني خاتماً»([956]).

ورجال سند الرواية هم:

1ـ محمد بن عبد الله الصفّار: قال الذهبي: «الشيخ الإمام المحدِّث القدوة، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الصفّار الزاهد»([957]).

وقال السمعاني: «كان زاهداً، حسن السيرة، ورعاً، كثير الخير، سمع بإصبهان... ذكره الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور، فقال: أبو عبد الله الصفّار الإصبهاني، محدّث عصره بخراسان، كان مجاب الدعوة، لم يرفع بصره إلى السماء»([958]).

2ـ أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد: قال عبد الله بن حبان: «كان من محدِّثي إصبهان، وكان مقبول الحديث، إمام مسجد الجامع»([959]).

وقال عنه الذهبي: «الحافظ المجوِّد، العلاّمة، المفسّر... وكان من أوعية العلم، صنّف المسند والتفسير وغير ذلك»([960]).

3ـ محمد بن يحيى بن الضريس: قال الرازي في الجرح والتعديل: «سمع منه أبي وروى عنه، سمعت أبي يقول ذلك: نا عبد الرحمن، قال: سئل أبي عنه؟ فقال: صدوق»([961]).

وأخرج له الحاكم أحاديث في المستدرك، وسكت عنها الذهبي في تلخيصه([962]).

4ـ عيسى بن عبد الله العلوي، ذكره ابن حبّان في الثقات([963]).

5ـ عبد الله: وهو عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال عنه الذهبي: «ثقة»([964]).

وأمّا ما ذكر في سند الرواية من أنّ والد عبد الله هو عبيد الله فهو اشتباه وتصحيف، فلا وجود لهذا الشخص في كتب الرجال والتراجم، كما ذكر ذلك ابن حبّان في الثقات، والذهبي في الميزان، وابن حجر في لسان الميزان. نعم، هناك راوٍ باسم عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وليس ابن عمر بن علي بن أبي طالب.

ولعلّ سبب الاشتباه والتصحيف هو: أنّ عمر بن علي قد ذكروا أنّ لديه ولدين هما: محمد وعبيد الله([965])، فنسبوا عبد الله إلى عمّه، أو أنّ سبب الاشتباه هو أنّ عبد الله بن محمد له أخ يدعى عبيد الله بن محمد([966])، والله العالم.

6ـ محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: قال عنه الذهبي: «ثقة»([967]).

وقال ابن حجر: «صدوق»([968]).

7ـ عمر بن علي بن أبي طالب، قال ابن حجر: «ثقة»([969]).

وقال الذهبي: «وثّق»([970]).

فالرواية معتبرة السند ويمكن الاعتماد عليها.

وبهذا نكون قد نقلنا مجموعة من الطرق الصحيحة والمعتبرة التي تثبت أنّ آية الولاية قد نزلت في أمير المؤمنين× عندما تصدّق بخاتمه، بالإضافة إلى عدد كبير من الطرق والأسانيد الاُخرى التي نقلت هذا المعنى والتي جاءت في كثير من المصادر، والتي نقلنا قسماً منها وتركنا الباقي رعاية للاختصار، وهذه الطرق التي ذكرناها يمكن أن يقوّي ويشدّ بعضها بعضاً، كما نبّه إلى ذلك الحافظ السيوطي، فبعد أن نقل بعض هذه الطرق قال: «فهذه خمس طرق لنزول الآية الكريمة في التصدق على السائل في المسجد يشدّ بعضها بعضاً»([971])، فتورث الاطمئنان والوثوق بصحتها.

هذا، وقد نقل بعض هذه الطرق الحافظ ابن حجر في تخريجه لأحاديث الكشّاف، ولم يخدش ببعض طرق هذه الروايات، مع أنّه طعن في بعضها الآخر، ممّا يشكّل قرينة قوية على صحّة ذلك، نعني: بعضه الذي لم يخدش([972]).

إذن فلا يصحّ ـ بناءً على ما تقدم ـ أن يقال: إنّ هذه قصّة كاذبة جاءت من نسج خيال الشيعة!

ابن كثير يرد جميع روايات التصدق بالخاتم

قال القفاري: «وقد ساق ابن كثير الآثار التي تُروى في أنّ هذه الآية نزلت في عليّ حين تصدّق بخاتمه، وعقّب عليها بقوله: وليس يصحّ شيء منها بالكلّية؛ لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها»([973]).

الجواب:

ابن كثير لم يذكر تضعيفاً لجميع الروايات

من الواضح أنّ ابن كثير لم يتعامل بموضوعية وعلمية في تفسيره([974]) مع الأحاديث الواردة في سبب نزول آية الولاية في أمير المؤمنين×؛ إذ يمكننا تسجيل عدة ملاحظات على كلامه، وهي:

1ـ إنّه لم يتعرض إلى ذكر جميع طرق الرواية، فهناك روايات معتبرة لم ينقلها، كرواية الحاكم النيسابوري، وابن جرير الطبري بسنده عن عتبة بن أبي حكيم، وقد ذكرناهما سابقاً.

2ـ لقد تعامل بانتقائية واضحة مع الروايات التي ساقها، فقدح في سند بعضها، وتجاهل بعضها الآخر ولم يصفه بالصحة أو الضعف، وإليك الروايات التي لم يطعن بها بخصوصها:

أ ـ رواية ابن أبي حاتم بسنده عن عتبة بن أبي حكيم.

ب ـ رواية ابن أبي حاتم أيضاً بسنده عن سلمة بن كهيل.

ج ـ رواية ابن جرير بسنده عن مجاهد.

وأمّا الروايات التي طعن بها على وجه الخصوص فهي:

أـ رواية عبد الرزاق، عن عبد الوهّاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس، فقد ضعّفها من جهة عبد الوهاب بن مجاهد؛ كونه لا يحتجّ به.

ب ـ رواية ابن مردويه بسنده، عن الضحّاك، عن ابن عباس التي ضعّفها بسبب الإرسال؛ لأنّ الضحّاك لم يلقَ ابن عباس.

ج ـ رواية ابن مردويه أيضاً من طريق محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعلّة طعنه بهذا السند: أنّ محمد بن السائب الكلبي متروك، وعلّق على هذا الإسناد بقوله: «وهذا إسناد لا يفرح به»([975])، بينما ورد في بعض النسخ المطبوعة للتفسير عبارة: «وهذا إسناد لا يقدح به»([976]).

وكيف كان فإنّ سكوت ابن كثير عن بعض الطرق والأسانيد وخدشه في طرق اُخرى يكشف أنّ الاُولى لم يجد فيها مطعناً ومغمزاً، وأنّها صحيحة، وإلاّ لأشار إليه كما فعل مع الطائفة الثانية، ويدعم هذا الاستنتاج هو ما أثبتناه من صحّة بعض هذه الطرق التي ذكرناها، خصوصاً رواية ابن أبي حاتم بسنده عن سلمة بن كهيل التي لا يمكن التشكيك فيها أبداً.

3ـ تبيّن ممّا تقدم أنّ حكمه على جميع هذه الطرق ـ أنّها غير صحيحة ـ يتّسم بالتحامل والانفعال، والذي يظهر بشكل واضح في كتابه البداية والنهاية أيضاً، فبعد نقله لبعض أحاديث التصدّق بالخاتم لم يحتمل ابن كثير هذه الروايات المتكاثرة والطرق المتشعّبة التي تثبت الولاية والإمامة لأمير المؤمنين×، فأجاب عنها باُسلوب متشنّج فاقد للتوازن وبشكل إجمالي مبهم، قائلاً: «وهذا لا يصحّ بوجه من الوجوه؛ لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شيء من القرآن بخصوصه»([977]).

وهذا الاُسلوب بعيد عن الصواب، ومجانب للموضوعية وموازين البحث العلمي، فكان الأجدر بالقفاري أن لا يسلم قياده لكلام كلّ عالم مهما كانت أهميته دون أن يبحث ويحقق فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه يكتب رسالة علمية من المفترض أن يراعي فيها الدقّة إلى حدّ كبير، خصوصاً وهي تتناول موضوعاً حسّاساً وخطيراً يمسّ عقائد طائفة كبيرة من المسلمين.

هذا، وقد اتّبع ابن حجر في تخريجه لأحاديث الكشّاف نفس اُسلوب ابن كثير في الطعن ببعض الروايات والسكوت عن بعضها الآخر، كما أشرنا.

الاعتراض الثاني: الاستدلال بآية الولاية ينفي إمامة غيرعلي×

قال القفاري: «ثانياً: أنّ هذا الدليل الذي يستدلّون به ينقض مذهب الاثني عشرية؛ لأنّه يقصر الولاية على أمير المؤمنين بصيغة الحصر (إنّما)، فيدلّ على سلب الإمامة عن باقي الأئمّة. فإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد حصر الآية في بعض الأوقات ـ أعني وقت إمامته لا وقت إمامة مَن بعده ـ وافقوا أهل السنّة في أنّ الولاية العامة كانت له وقت كونه إماماً، لا قبله، وهو زمان خلافة الثلاثة»([978]).

بيان الشبهة

إنّ الدليل الذي تعتمد عليه الشيعة في إثبات إمامة علي× وهو آية {إنّما وَليّكُم الله...}، هذا الدليل لو تمّ فهو ينقض مذهب الشيعة في بقية أئمتهم؛ وذلك لأنّ الاستدلال عندهم مبنيّ على الحصر المستفاد من الأداة (إنّما)، وهذا الحصر هو حصر حقيقي يحصر الإمامة في علي×، وينفي إمامة غيره من الأئمّة.

وهذا التقرير كما ينفي إمامة الخلفاء كذلك فهو بنفسه ينفي أيضاً إمامة بقية أئمة الشيعة المعروفين؛ لأنّه يقصر الولاية على علي× قصر الصفة على الموصوف.

و لو اُجيب بأنّ الحصر هنا إضافي لا حقيقي، بمعنى أنّ حصر الإمامة فيه بالإضافة إلى بعض الأوقات فالدليل عندها سيحصر الإمامة بعلي في وقت إمامته، وعليه فلا تعارض بين إمامته وإمامة من يأتي بعده من بقية الأئمّة الاثني عشر.

عندئذٍ سيجيب الطرف الآخر: أنّ هذا الجواب سيكون موافقاً لرأينا في كوننا نقول بأنّ الإمامة ثابتة لعلي× في وقته فقط، أي بعد خلافة عثمان، فلا تنافي بين هذه الآية وخلافة الخلفاء الثلاثة.

الجواب:

الإمامة سفارة إلهية ونيابة عامة للنبوة في كل زمان

تعدّ هذه الشبهة من أوهى الشبهات والإشكالات المطروحة حول الاستدلال بآية الولاية على إمامة أمير المؤمنين، وهي من الشبهات القديمة؛ إذ استقاها القفاري من محمود الآلوسي في تفسيره، والتي انتحلها بدوره عن الدهلوي المتوفى (1220هـ) في كتابه التحفة الاثني عشرية، ومثل هذه الشبهات والتشكيكات لا يمكنها أن تقلّل من شأن قوة الاستدلال بهذه الآية الكريمة، فلعلمائنا أجوبة وردود متينة على هذه الشبهة.

ويمكننا الإجابة عنها بعدّة وجوه، وعلى جميع الاحتمالات، سواء كان الحصر حقيقياً أم إضافياً.

وقبل التعرض للإجابة تجدر الإشارة إلى مسألةٍ غايةٍ في الأهمّية؛ لما لها من تأثيرات واضحة على الإشكال وركائزه، ما قد يكشف عن وجه المغالطة فيه، وهذه المسألة هي من نتاجات الفهم الخاطئ لحقيقة الإمامة وجوهرها في الفكر الإمامي.

فهي عند الشيعة الإمامية ومن خلال مجموعة من الروايات والآيات تعني سفارة إلهية وقيادة للاُمّة في اُمور الدين والدنيا، ونيابة عامة للنبوّة، تضطلع بمهامّها المرتبطة ببيان الشريعة وحفظها والدفاع عنها، فعليه لا غِنى للاُمّة عنها في أي وقت من الأوقات بعد انقضاء زمن النبوّة، لا أنّ الإمامة فقط هي الخلافة والحكومة السياسية المتمثّلة بتسنّم الإمرة على الناس كما يفهمها أهل السنّة من ناحية عملية؛ لذا تستند كثير من شبهات وإشكالات المخالفين حول الإمامة على هذا الفهم الخاطئ والرؤية المشوّشة للإمامة، ومنها هذا الإشكال الذي نحن بصدد الإجابة عنه، الأمر الذي سيتّضح من خلال الجواب عن هذه الشبهة.

وأمّا الوجوه والتقريبات التي يمكن الإجابة بها عن هذه الشبهة هي:

الوجوه الممكنة في الجواب

الوجه الأول: النفي بمفهوم الآية لا يعارض منطوق ما دل على إمامتهم

لا شكّ في دلالة كلمة (إنّما) على الحصر، وهذا ما تسالم عليه أهل اللغة والعرف، والأصل في الحصر أن يكون حقيقياً([979])، وثبت أنّ {الَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} هو أمير المؤمنين علي×([980])، وهو المصداق الأوحد لهذه الآية بالأدلّة التي ذكرناها من أقوال المفسّرين والروايات الصحيحة، فيثبت أنّه هو الإمام والولي بعد رسول الله، وكذا تنفي خلافة من كان معاصراً معه من الأصحاب.

ولا منافاة بين دلالة هذه الآية وإمامة الأئمّة الباقين من أهل البيت^؛ لأنّ نفي الآية لسائر الأئمّة من أبناء علي× ـ بناءً على الحصر الحقيقي ـ إنّما يكون بالمفهوم المستفاد من كلمة (إنّما)، حيث إنّ الأداة (إنّما) كما تفيد معنى حصر الإمامة بعلي× وكذلك تنفي خلافة غيره.

والمفهوم عند علماء الاُصول هو المدلول الالتزامي الذي يستفاد من وراء اللفظ، لا من المنطوق مباشرة، فاللفظ أحياناً يعطينا معنىً واحداً من خلال ألفاظه التي ليس لها معنى وراء معنى اللفظ، وتارةً نستفيد منه معنىً ثانياً ليس من اللفظ نفسه، بل هو معنى ملازم له.

فحين يقول المتكلم في خطابه: (إن جاءك عمرو فأكرمه) فإنّ هذا الكلام ينحلّ إلى معنيين: أحدهما مستفاد من ظاهر المنطوق، وهو: يجب إكرام عمرو حين مجيئه، والآخر معنىً مستفاد من وراء المنطوق لم يذكر في الكلام، وهو: لا يجب إكرامه في حالة عدم مجيئه.

وقد اختلف علماء الاُصول في المفاهيم، وأيّ الجمل يمكن أن تفيد المفهوم؟ فقد اختلفوا مثلاً في الجملة الشرطية، وكذا في الجملة الوصفية، والجملة الاستثنائية والغائية([981]) كما أنّهم اشترطوا شروطاً معينة لكي تنتج الجملة مفهوماً معيناً.

فبناءً على القول بأنّ الجملة الحصرية لا مفهوم لها ـ كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء ـ فلا تدلّ الآية المباركة على نفي سائر أئمة أهل البيت^؛ لأنّ النفي إنّما يكون من خلال المفهوم.

وأمّا بناءً على القول بأنّ للجملة الحصرية مفهوماً ـ كما هو المتعارف عند كثير من علماء الاُصول ـ فإنّ نفي إمامة سائر الأئمّة سيكون بالمفهوم، لكنّ هذه الدلالة المفهومية لا تقوى على معارضة منطوق الأدلّة الدالّة على إمامة سائر أئمة أهل البيت^، فعندنا الكثير من الروايات الصحيحة والصريحة الدالّة دلالة منطوقية على صحّة إمامة بقية الأئمّة بنقل عن النبيّ، وكذا بنقل عن علي×.

وقد ثبت في علم الاُصول أنّ الدلالة المفهومية لا تعارض الدلالة المنطوقية؛ لضعف الدلالة المفهومية أمام المنطوقية، قال الرازي في محصوله: «المنطوق مقدم على المفهوم إذا جعلنا المفهوم حجّة؛ لأنّ المنطوق أقوى دلالة على الحكم من المفهوم»([982]).

وربما يعترض الخصم على ذلك بالقول: إنّه يمكن أيضاً إثبات صحّة إمامة الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا علياً× بالأدلّة الصحيحة عندنا، والتي تدل على إمامتهم بالمنطوق، فلا يعارضها مفهوم الآية كذلك.

فنقول: إنّ أدلتكم لإثبات صحّة إمامة الثلاثة لا تصمد أمام دلالة نفس الآية، وتوضيح ذلك: أنّ الآية كما تدلّ على حصر الإمامة في علي× ونفي ما عداه، فإنّ ظاهرها يدلّ على إثبات الإمامة له في جميع الأوقات والأحوال، بدلالة جملة إنما وليكم الله، مع ملاحظة أن الولي صفة مشبهة، والجملة الاسمية وكذلك الصفة المشبهة دالّتان على الدوام والثبات والاستمرار وفي كلّ الأحوال والأوقات. نعم، خرج من تحت الآية وقت نبوة النبيّ الأكرم؛ للإجماع القائم على عدم وجود إمامة أحد في زمن النبيّ، فتدلّ الآية على إمامة علي× بلا فصل بعد رسول الله، وتبطل خلافة ما عداه في ذلك الوقت.

الوجه الثاني: الحصر الإضافي بالنسبة إلى وقت إمامته يستلزم لغوية الحصر

لو تنزّلنا وافترضنا صحّة ما يقوله المخالف من أنّ الشيعة ربّما تدّعي أنّ الحصر إضافي، بمعنى أن يكون الحصر بلحاظ بعض الأوقات فتكون النتيجة موافقة لأهل السنّة، قال القفاري: «فإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد حصر الآية في بعض الأوقات ـ أعني وقت إمامته لا وقت إمامة مَن بعده ـ وافقوا أهل السنّة في أنّ الولاية العامة كانت له وقت كونه إماماً لا قبله، وهو زمان خلافة الثلاثة»([983]).

نقول: لو افترضنا صحّة ذلك وأن الحصر في الآية هو حصر إضافي، فإنّ ذلك لا يدلّ على أنّ معناه حصر إمامته بالإضافة إلى بعض الأوقات، أي وقت إمامته؛ لأنّ هذا الحصر بهذا المعنى لا محصّل له؛ لأنّه يفرغ الحصر في الآية عن مضمونه؛ لأنّ معنى ذلك: أنّ الآية تريد أن تحصر الإمامة في علي× في وقته، أي بعد إمامة الخلفاء الثلاثة، وهذا لا يحتاج إلى تكلّف الحصر، بل مجرد القول بأنّ إمامة علي× تأتي بعد إمامة الثلاثة يكفي في ذلك، ويكون المجيء بالحصر لغواً وكلام الحكيم منزه عن ذلك.

نعم، ربما يقال: إنّ هناك فائدة من حصر الإمامة في وقته× بلحاظ دفع من شكك في إمامته من قبيل الخوارج مثلاً.

فيجاب عنه: أنّ ذلك ليس له أهمية كبيرة تستدعي الحصر في كلام الله تعالى؛ وذلك لأنّه لم يكن النزاع والتشكيك آنذاك في أصل إمامته×، بل في اُمور ثانوية اُخرى، فلابدّ من افتراض حصر إضافي يكون له معنى محصل، وهذا المعنى المعقول للحصر له احتمالان:

الأوّل: أن نفترض معنى الحصر الإضافي بالإضافة إلى مدة حياته ووجوده المبارك بعد رحيل النبيّ الأكرم، أي أنّ الآية بصدد حصر الإمامة في علي× بعد النبيّ وتنفي إمامة ما عداه من الأئمّة في زمنه×، الأمر الذي ينفي إمامة الخلفاء الثلاثة بنصّ الآية، وهو أمر في غاية الأهمية؛ لذا استدعى الحصر الإضافي، وهذا الحصر كما ترى له ما يبرّره من الناحية اللغوية والمضمونية، بخلاف الحصر الإضافي الذي تبرّع المستشكل وأجاب به نيابة عن الشيعة.

الثاني: «أن نفترض أن الحصر إضافي بالنسبة إلى من يتوقّع أنّه وليّ مثله في ذلك الزمان، ويكفي للحصر علمه تعالى بأنّه سيقع التردّد فيه، فإنّ لله أن يخبر بأنّه الإمام حين الاحتياج، وهو بعد موته’ بغير فصل وهو ظاهر»([984]).

وعلى هذا فالآية لا تنفي إمامة سائر الأئمّة من بعده، حتى على القول بالحصر الإضافي.

الوجه الثالث: إمامة الأئمة في طول إمامة علي× وليست في عرضها

إننا يمكننا وبناءً على الحصر الحقيقي تصوير الإجابة بشكل آخر، وهو أنّنا أشرنا في المقدمة وفي بحوث سابقة إلى أنّ الإمامة كما نفهمها ـ ومن خلال الأدلّة العقلية والنقلية ـ تختلف في مضمونها وجوهرها عمّا تفهمه المدرسة السنّية، فهي تعني عندنا الوظيفة الربانية والعهد الإلهي الذي أعطاه الله لاُناس مخصوصين ذوي كمالات خاصة؛ لكي يقوموا بهذه المهمّة الخطيرة في الحفاظ على ما قام به النبيّ الخاتم؛ لكي يتكامل المشروع الرباني عبر التطبيق الصحيح والواقعي لمفردات الشريعة، لا أن تترك نهباً لاجتهادات المجتهدين من عامة الناس، فهي إمامة ربانية تمثّل الخلافة الإلهية على الأرض، التي بدأت بالأنبياء وتنتهي بالأئمة الصالحين من آل بيت الرسول.

وهذه الإمامة والخلافة الربانية وحدة واحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها، فهي في طول الإمامة الإلهية للرسول الأكرم ومتفرّعة عنها، كما أنّ إمامة الرسول وولايته هي في طول ولاية الله ومتفرّعة عنها، والآية المباركة جاءت لتشير إلى هذه الحقيقة، وأنّ الولاية محصورة بالله سبحانه وتتفرع عنها ولاية الرسول والأئمّة من آله، وحدّدت مصداقها في ذلك الزمان، وهو أمير المؤمنين بلا فصل، وإمامة الأئمّة متفرّعة عليها، فكيف تنفيها؟!

ولهذا فإنّ السائد في الاعتقاد الشيعي أنّ مَن يؤمن ببعض الأئمّة ولا يؤمن ببعضهم الآخر فإنّه لا يعدّ معتقداً بالإمامة برمّتها، فهذا يكشف أنّ الإمامة مفهوم واحد وحقيقة واحدة غير قابلة للتجزئة.

وهذا المعنى تؤكّده أحاديث أهل البيت^ التي نُقلت لنا، فقد عقد المجلسي في البحار باباً بعنوان: (بدو أرواحهم وأنوارهم وطينتهم^ وأنهم من نور واحد)([985]).

فكما أنّ الحصر في إمامة الرسول لا يعني نفي إمامة أمير المؤمنين؛ لأنّها متفرّعة عليها، وهذا بخلاف الإمامة التي يفهمها أهل السنّة والتي هي نوع من الحكومة والخلافة السياسية التي لا تمثّل حقيقة واحدة، فخلافة كلّ واحد من الخلفاء في عرض الاُخرى وليست متفرعة عنها. نعم، صحّة الخلافة المتأخرة تتفرّع على صحّة الخلافة التي تسبقها.

على أنّ البحث إنّما يكون بين إمامة علي× وإمامة مَن يتفرّع عليها، وبين إمامة أبي بكر وإمامة مَن يتفرّع عليها، كإمامة عمر وعثمان ومعاوية ويزيد، فإذا صحّت إمامة علي× من خلال الآية فإنّه تثبت وتصح إمامة ولده وتبطل إمامة أبي بكر وغيره.


الاعتراض الثالث: الآية لم تنزل في علي× لتضمنها مدحاً للتصدق وهو مما لا يمدح

قال القفاري: «ثالثاً: إنّ الله تعالى لا يُثني على الإنسان إلاّ بما هو محمود عنده، إمّا واجب وإمّا مستحب، والتصدق أثناء الصلاة ليس بمستحب باتفاق علماء الملّة، ولو كان مستحباً لفعله الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) ولحض عليه، ولكرّر فعله، وأنّ في الصلاة لشُغلاً، وإعطاء السائل لا يفوت؛ إذ يمكن للمتصدّق إذا سلّم أن يعطيه؛ بل إنّ الاشتغال بإعطاء السائلين يبطل الصلاة، كما هو رأي جملة من أهل العلم»([986]).

الجواب:

التصدق بالصلاة ممدوح

بنى القفاري إشكاله هذا ـ الذي أخذه من ابن تيمية ولطالَما تعبّد بأقواله ـ على أنّ الآية ليس لها دلالة إلاّ المدح والثناء على علي×، ومن هنا قال: إنّ الآية خالية من المدح له؛ لأنّ التصدّق أثناء الصلاة ليس موجباً للمدح. لكن غفل القفاري أنّ الآية لها مدلول آخر، فهي كما مدحت فقد أشارت أيضاً إلى شخص الإمام، ويكفي في صحّة الاستدلال أن تكون الآية في معرض الإشارة إلى الوليّ والإمام، عن طريق بيان الحالة التي كان عليها عندما تصدّق بخاتمه على السائل في المسجد وهو في حال الركوع، وهي الصفة التي لا تنطبق في ذلك الوقت إلاّ على أمير المؤمنين×، كما دلّت على ذلك الروايات المعتبرة من الفريقين، فلا قيمة علمية إذن لهذا الإشكال، ولكنّنا مع هذا باستطاعتنا الإجابة عن هذه الشبهة بناءً على كون انحصار دلالة الآية المباركة على الثناء والمدح فقط.

فنقول: إنّ المتبادر من الآية ـ بعد العلم بأنّها نازلة في علي× ـ كونها تؤسّس مدحاً وثناءً له×، وممّا يؤيد ويصلح أن يكون شاهداً على ذلك: بعض الروايات والأقوال التي يظهر منها أن فعله هذا ممدوح ومورد للثناء.

قال الآلوسي في تفسيره: «أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما، عن ابن عباس (رضي الله تعالى عنهما) بإسناد متصل، قال: أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبي (صلّى الله عليه وسلّم)، فقالوا: يا رسول الله، إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس، وإن قومنا لمّا رأونا آمنّا بالله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) وصدّقناه، رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا، فقال لهم النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): إنّما وليكم الله ورسوله، ثمّ أنّه (صلّى الله عليه وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم، خاتم من فضة، فقال: مَن أعطاكه؟

فقال: ذلك القائم، وأومأ إلى عليّ (كرم الله تعالى وجهه)، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم): على أيّ حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع، فكبّر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية، فأنشأ حسّان (رضي الله تعالى عنه) يقول:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

 

وكل بطيءٍ في الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعاً

 

وما المدح في جنب الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً

 

زكاةً فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

 

وأثبتها أثنا كتاب الشرائع»([987])

ثمّ إنّ نفي كون الآية المباركة بصدد المدح والثناء مرتبط بعدم مشروعية التصدق في أثناء الصلاة، وأن فعله حرام مثلاً فلو كان كذلك فلا يعقل المدح عندئذٍ.

ولكنّنا لا نعتقد بصحّة عدم مشروعيته؛ إذ لا دليل عليه؛ لأنّه لم يثبت بدليل صحيح حرمة أو كراهة التصدّق في أثناء الصلاة، فإنّ أدلّة استحباب التصدّق ثابتة بوضوح في الشريعة، وبإطلاقها نثبت الاستحباب لجميع الموارد، إلاّ إذا جزمنا بخروج مورد من هذا الإطلاق.

وما ادّعاه القفاري من تحقق الإجماع على عدم الاستحباب لا قيمة له؛ لأنّه لم يثبت مثل هذا الإجماع؛ لوجود عدد من علماء أهل السنّة الذين صرّحوا بجوازه كالجصّاص والنسفي وغيرهما، وسوف نتعرض لاحقاً لنقل بعض أقوالهم.

وغاية ما يمكن تقريره في الدليل على الكراهة هو منافاة فعل التصدّق للصلاة.

والفعل المنافي للصلاة: إمّا أن يكون كثيراً بحيث تنمحي معه صورة الصلاة، وإمّا أن يكون قليلاً يشغل المصلّي عن التوجّه إلى الصلاة، وكلاهما لم يحصل لأمير المؤمنين×، فأمّا الأوّل فإنّ فعل التصدّق لم يكن كثيراً؛ إذ لم يتطلّب من أمير المؤمنين× سوى الإشارة اليسيرة إلى السائل بأخذ الخاتم، مضافاً إلى أنّ الخاتم كان مرجاً في يده ممّا سهل تناوله بكل يُسر.

قال الزمخشري معلّقاً على الآية: «وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة، بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنّها نزلت في علي ـ كرم الله وجهه ـ حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنّه كان مرجاً في خنصره، فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته»([988]).

ففعله× يعدّ من الفعل اليسير، وكما هو معروف فالفعل اليسير لا يضرّ بالصلاة، وهذا ما فهمه بعض علماء أهل السنّة، واستنبطوا منه جواز ذلك في الصلاة.

قال الكيا الطبري: «وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل الصلاة، فإن التصدق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة»([989]).

قال الجصّاص في أحكام القرآن: «فإن كان المراد فعل الصلاة في حال الركوع فإنّه يدلّ على إباحة العمل اليسير في الصلاة»([990]).

وقال النسفي في تفسيره: «والآية تدل على جواز الصدقة في الصلاة، وعلى أنّ الفعل القليل لا يُفسد الصلاة»([991]).

وقال السيوطي: «وإعطاء السائل فيه قربة يثاب عليها وليس بمكروه فضلاً عن أن يكون حراماً هذا هو المنقول والذي دلت عليه الأحاديث، أما النفل فقال النووي في شرح المهذب في باب الغسل: فرع لا بأس بأن يعطى السائل في المسجد شيئاً... ومن الأحاديث الدالة لما قلناه ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن عمار بن ياسر قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}»([992]).

وكذا ذهب علماء الشيعة إلى جوازه، بل استحباب التصدّق في حال الصلاة، فقد عقد صاحب الوسائل باباً بعنوان: (جواز الصدقة في حال الركوع)([993]).

ممّا يعني أنّه من الفعل اليسير غير المضرّ والمؤثّر في صورة الصلاة، وهو من قبيل ما فعله رسول الله أثناء صلاته من الأفعال التي تصنّف على هذا المعنى.

فقد أخرج مسلم في صحيحه، قال: «حدّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، وقتيبة بن سعيد قالا: حدّثنا مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، وحدّثنا يحيى بن يحيى، قال: قلت لمالك: حدّثك عامر بن عبد الله عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كان يصلّي وهو حامل اُمامة بنت زينب بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ولأبي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها؟ قال يحيى: قال مالك: نعم»([994]).

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم تعليقاً على هذا الحديث: «والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلّت أو تفرّقت، وفعل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) هذا بياناً للجواز»([995]).

وكذلك روى البخاري في صحيحه: أن النبيّ صلّى وهو على المنبر، ثمّ نزل وصعد مرة اُخرى عليه وهو في صلاته، وهو ما أخرجه بسنده عن حازم بن دينار، قال: «إنّ رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي، وقد امتروا في المنبر ممّ عوده، فسألوه عن ذلك؟ فقال: والله، إنّي لأعرف ممّا هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، أرسل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى فلانة ـ امرأة من الأنصار قد سمّاها سهل ـ مُري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهنّ إذا كلّمت الناس، فأمرته، فعملها من طرفاء الغابة، ثمّ جاء بها فأرسلت إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فأمر بها فوضعت ها هنا، ثمّ رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) صلّى عليها وكبّر وهو عليها، ثمّ ركع وهو عليها، ثمّ نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثمّ عاد، فلمّا فرغ أقبل على الناس، فقال: أيّها الناس، إنّما صنعت هذا لتأتمّوا، ولتعلموا صلاتي»([996]).

إذن كلّ هذه الأفعال تندرج في سلك الأفعال القليلة التي لا تضرّ في الصلاة، وهي إن لم تكن أكثر من فعل التصدّق في الصلاة فلا أقلّ من مساواتها له.

وأمّا قول القفاري: «ولو كان مستحباً لفعله الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) ولحض عليه، ولكرر فعله».

فمردود؛ لأنّه لا خصوصية لاستحباب التصدّق في حال الصلاة حتى يفعله رسول الله أو يحثّ عليه، قال الشريف المرتضى: «وبعد، فإنّا لم نجعل إيتاء الزكاة في حال الركوع جهة لفضل الزكاة حتى يجب الحكم بأنّ فعلها في حال الركوع أفضل»([997]).

فيبقى على استحبابه العام بعد أن لم يكن مؤثّراً على الصلاة، ولا يجب على النبيّ أن يحضّ على كلّ أفراد الاستحباب في هذه الدنيا، فهو غير ممكن من ناحية عملية.

فليس مطلوباً من النبيّ أن يفصل جميع أفراد المستحبات في الشريعة، هذا مع أنّ فعل علي× وصدور التصدّق منه في حالة صلاته لا يضاهيه فعل مستحب قد يصدر من غيره؛ لأنّه حين يفعله علي× فهو يمثّل كمال العبادة والطاعة والفناء في الله تعالى.

إذن ففعله يعدّ فرداً ومصداقاً لدليل استحباب التصدّق العام وداخلاً فيه، ولا دليل على عدم استحبابه في خصوص الصلاة، ولا ندري من أين جاء ابن تيمية ـ وتبعه القفاري ـ بالقول بعدم الاستحباب؟! وعلى أي دليل استند؟! وكيف حصل اتفاق علماء الملّة على ذلك بعدما نقلنا أقوال علماء السنّة والشيعة على خلاف ذلك؟! ولكنّ هذا ديدن ابن تيمية في إطلاق الدعاوى جزافاً وبلا مستند.

وأما إذا قيل بأنّ هذا الفعل وإن لم يكن كثيراً ولكنّه يؤدّي إلى الانشغال عن الصلاة، فيكون مكروهاً بسبب ذلك الانشغال.

فنقول: إنّ ما فعله أمير المؤمنين× من التصدّق لا يستوجب من التوجّه والانشغال أكثر ممّا تتطلّبه الأفعال التي فعلها رسول الله من الالتفات والتوجّه لها، فما تجيبون به هناك نتمسك به هنا، هذا، مضافاً إلى أنّ الانشغال المضرّ بالصلاة معناه هو عدم التوجّه لله سبحانه والتلهّي عنه، وهذا لم يحصل لأمير المؤمنين×، فهو في ذات الوقت الذي كان فيه غارقاً في طاعة الله وعبادته وهو يؤدي صلاته كان متوجّهاً إلى الله، طالباً رضاه وهو يتصدق على ذلك المسكين ليسدّ به حاجته ويرد لهفته، فكان فعله طاعةً في طاعةٍ، وهذا غاية في القرب، وبيان لاستيلاء سلطان المحبة لله على ظاهر العبد وباطنه وسرّه وعلانيته؛ لذا يقول ابن الجوزي في هذا المعنى:

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

 

 

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعه سكره حتى تمكّن من

 

 

فعل الصُحاةِ فهذا واحد الناس([998])


ثمّ إنّه ليس ببعيد أن يقال: إنّ صلاة علي× كانت نفلاً لا واجبة فيتسامح فيها، وذلك ما نفهمه من بعض الروايات، ولهذا المعنى أشار بعض علماء التفسير.

قال القرطبي في تفسيره: «قال ابن خويز منداد: قوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ...}... وقد يجوز أن تكون هذه صلاة تطوع»([999]).

كما يمكن القول بأنّ فعل علي× كان قضاءً لحاجة ماسّة لمؤمن، وقد اشتهر في الروايات استحباب قضاء حاجة المؤمن، وأنّها من الأهمية بمكان، أو كان إدخالاً للسرور على قلب ذلك السائل المسكين، وجبراً لما أحسّ به من انكسار بعد أن لم يجد من يتصدّق عليه من المسلمين في المسجد، خصوصاً وأنّ السائل قد بثّ شكواه إلى الله كما في بعض الروايات؛ لذا أشفق علي× عليه، وهو العالم بأنّ الله تعالى يحب إدخال السرور على قلب المؤمن ورفع الانكسار عنه، بل هناك تشريع بهذا الخصوص كما في قوله تعالى: ٍ{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}([1000])، فخشي× أن يخرج ذلك السائل من المسجد فيفوته ذلك الخير العظيم؛ لذا بادر إلى إعطائه وهو في أثناء صلاته حين ركوعه؛ طالباً بذلك مرضاة الله بإدخال السرور على أحد عبيده المؤمنين([1001]).

الاعتراض الرابع: لو كانت الآية نازلة في علي لذكرت أوصافه المعروفة

قال القفاري: «رابعاً: أنّه لو قدر أن هذا مشروع في الصلاة لم يختص بالركوع، فكيف يقال: لا وليّ إلاّ الذين يتصدقون في حال الركوع، فإن قيل: هذه أراد بها التعريف بعلي، قيل له: أوصاف علي التي يعرف بها كثيرة ظاهرة، فكيف يترك تعريفه بالأمور المعروفة ويعرف بهذا الأمر الذي لا يعرفه إلاّ من سمعه وصدق به؟! وجمهور الاُمّة لا تسمع هذا الخبر ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة»([1002]).

بيان الشبهة

لو أصرّت الشيعة على أن التصدق في أثناء الصلاة مشروع ومستحب، فإننا سنقول لهم: إنّ هذا ليس مختصاً في حال الركوع، بل يشمل كلّ حالات الصلاة، فكيف تحصر الآية الولاية بالذين يتصدقون بحال الركوع فقط دون من يتصدق في حال السجود مثلاً؟ فإن أجابت الشيعة بأنّ وصف إتيان الزكاة في أثناء الركوع أريد به الإشارة والتعريف بعلي×، فسنقول للشيعة: فلماذا اقتصرت الآية على هذا الوصف الخفي وغير المعروف ولم تذكر أوصافه المعروفة الاُخرى، خصوصاً في قضية ومسألة مهمّة جداً وهي مسألة الإمامة؟!

الجواب:

الآية ذكرت وصفاً حالياً وهو أكثر انطباقاً من الوصف النعتي

إنّ هذه الشبهة يمكن أن يجاب عنها بعدة تقريبات:

وصف الحال أبلغ للتمييز

أولاً: أنّ الداعي للاقتصار على الوصف المذكور إنّما هو لخصوصية فيه، وهذه الخصوصية هي أنّ هذا الوصف الحالي ـ بناءً على كون الجملة حالية كما هو الصحيح ـ أكثر تمييزاً عن الغير من الوصف النعتي أو غيره من الأوصاف، فلو قال قائل: (إنّ قائدكم هو زيد الذي يطيل بسجوده الآن)، وقال آخر: (إنّ قائدكم هو زيد المتصف بإطالة السجود في صلاته)، فالثاني قابل للاشتراك والانطباق على زيد الواقعي وغيره، بحيث يكون له تطبيقات كثيرة في الخارج، فما أكثر وجود شخص باسم زيد، وما أكثر وجود زيد المتصف بطول السجود، بخلاف الأوّل وهو الوصف الحالي فإنّه قليل ودائرة تطبيقاته ضيقة جداً.

من هنا فسيكون الوصف الحالي أبلغ في التمييز من غيره من الأوصاف، فهو كالنص بالنسبة للظاهر.

السنة النبوية تبينه وتميزه

ثانياً: لو فرضنا جدلاً أنّ هذا الوصف لا يكفي في التعريف، وأنّ هناك نوعاً من الغموض، فإنّه يقال عندئذٍ: إنّ هذا الغموض المفترض يمكن رفعه من خلال السنّة النبويّة التي جاءت لتوضح وتبيّن كثيراً من مداليل الآيات القرآنية، وهذا ليس بغريب، فكثير من الأحكام والاعتقادات نعتمد فيها على القرآن وبيان السنّة، فالنبيّ يبيّن ما نزل إلينا من القرآن، قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}([1003])، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}([1004])، وأخرج أحمد بن حنبل بسنده، عن المقداد بن معديكرب، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعاناً على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه»، قال حمزة أحمد الزين: «هذا الحديث صحيح الإسناد»([1005]).

فإنّنا لا نقتصر في إثبات الإمامة على هذا الدليل القرآني فحسب، وإن كنّا نعتقده تامّ الدلالة على الإمامة، فهو ليس الوحيد في الاعتماد، بل إنّ الإمامة قد ذكرت في السنّة النبويّة، وإنّ معالمها تكتمل من خلال القرآن والسنّة معاً.

ولا يخفى ما للسنّة والأحاديث من دور في بيان القرآن وشرحه وتفسيره، وأنّهما متعاضدان على استيفاء الحق، وأنّ القرآن بحاجة إلى السنة، وأنّ جبرائيل ينزل القرآن وينزل معه السنّة التي تفسّره، وأنّ النبيّ لم ينطق بشيء إلاّ ويوجد له أصل في القرآن.

قال الزركشي: «اعلم أنّ القرآن والحديث أبداً متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدار الحكمة»([1006]).

وقال الأوزاعي: «الكتاب أحوج إلى السنّة من السنّة إلى الكتاب، قال أبو عمر: يريد أنّها تقضي عليه وتبيّن المراد منه»([1007]).

وروى الأوزاعي أيضاً عن حسّان بن عطية «قال: كان الوحي ينزل على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ويحضره جبريل بالسنّة التي تفسّر ذلك»([1008]).

وقال ابن برجان: «ما قاله النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) من شيء فهو من القرآن، وفيه أصله قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمه عنه من عمه»([1009]).

ومن أدلتنا على الإمامة من السنّة النبويّة ما اشتهر من الروايات التي تصرّح بإمامة علي×، كحديث الغدير وحديث الثقلين وحديث المنزلة، وستأتي الإشارة إليها مفصّلاً في مباحث لاحقة.

ثالثاً: كذلك لو تنزّلنا وقلنا: إنّ الآية القرآنية دلالتها غير واضحة على تنصيب علي× ولياً على المسلمين؛ لأنّها لم تذكر علياً بأوصاف ترفع الغموض بشكل كامل، لكنّنا يمكننا أن نقول: إنّه من الواضح أنّ منصب الإمامة منصب هامّ وخطير ويمتاز بحسّاسية خاصّة، وأن تنصيب أمير المؤمنين علي× ليس من السهولة أن تستوعبه الكثير من النفسيات؛ لأنّ المجتمع الإسلامي آنذاك لم تغادره رواسب الجاهلية بشكل كامل([1010])، فلعلهم لا يتحملون أن يقلد الرسول ابن عمّه وصهره الخلافة من بعده، ويعدونه من قبيل الاستئثار بالسلطة ـ والعياذ بالله ـ فلذا اتخذ القرآن أسلوب التدرج في إيصاله إلى الناس عبر تهيئة نفوسهم بهذا النوع من التبليغ الذي يمتاز بشيء من عدم الوضوح، ولتصبح قابلة لتقبله شيئاً فشيئاً، وهذا ما حصل بالفعل بالنسبة لعقيدة الإمامة التي توالت الروايات بالإشارة إليها فيما بعد وبألسنة متعددة، وفي مناسبات مختلفة، كان آخرها التتويج العظيم في غدير خمّ.

رابعاً: المتتبع للقرآن يجد أن هناك الكثير من الموارد القرآنية التي أثبتت حكماً أو اعتقاداً، أو أخبرت عن أمر ما، وقد بينها القرآن بأوصاف من قبيل ما جاء في قضية تصدق الإمام علي× بخاتمه، ومع هذا نجد أنهم اعتمدوا عليها وأخذوها أخذ المسلّمات، كما أن أهل السنّة قد استدلوا على إمامة أبي بكر من القرآن بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} قال الإيجي: «قال أكثر المفسرين واعتمد عليه العلماء أنّها نزلت في أبي بكر، فهو أكرم عند الله لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وهو الأفضل»([1011]).

وقد حاول ابن تيمية من أجل أن يثبت أنّها نزلت في الخليفة أبي بكر، وأنّها غير مختصة بأبي الدحداح، وخلص إلى أنّه هو الأتقى فيكون هو الأفضل بدلالة قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}([1012])، فأنت ترى أنّ ابن تيمية وغيره يجزم بنزولها في أبي بكر، مع أن الرواية ضعيفة، والأقوال فيها مختلفة، وأنّ الآية لم تُشِر إلى اسمه، أو إلى صفة بارزة فيه، بينما يشكّك في نزول آية الولاية في أمير المؤمنين×، في الوقت الذي أشارت فيها إلى حالةٍ وصفةٍ لم يشاركه فيها أحد في ذلك الحين!

خامساً: إذا كان المراد من تعرّض الآية للإمام باُسلوب أكثر تعريفاً وتوضيحاً حتى يرتفع النزاع والخلاف في مسألة الإمامة، ومعرفة من هو الولي والخليفة بعد النبيّ؟ وبما أنّها لم تتعرض لذلك فلابدّ أن تكون الآية ليست بصدد بيان إمامة علي×.

فنقول: إنّ النزاع والخلاف لن ينتهي ولن يحسم في مسألة الإمامة التي لم يقع خلاف وصراع في مسألة كما وقع فيها، قال الشهرستاني: «وأعظم خلاف بين الاُمّة خلاف الإمامة، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان»([1013])؛ ولذا لو ذكرت الآية الإمام علياً× بأبرز صفاته وأوضح ما يمكن أن يشار به إليه فإنّه سيقال: إنّها لا تعني الإمامة، وستؤوّل بشتّى التأويلات ومختلف التمحّلات، حتى وإن أدّى ذلك إلى تجاوز أوضح القواعد اللغوية والشواهد الروائية والتاريخية، كما هو حاصل في الآية؛ إذ فُسّر الولي بمعنى المحب أو الناصر، وأنّها واقعة في سياق لا يساعد على استنباط معنى الإمامة منها، وأنّ علياً× فقير، وأنّه لا تجب عليه الزكاة و...

وهذا نظير ما حصل من تشويه لبعض المفاهيم الإسلامية التي نطق بها القرآن الكريم، وجاء بها بأوضح بيان، كالمتعة والتقية، ولكنّنا نجد أنّها لمّا تعارضت مع اجتهادات بعضٍ ورؤاهم شُوّهت وكثر حولها الكلام وابتعدوا بها عن وجهتها الحقيقية، مع ملاحظة ما لعبته السياسة من دور كبير في ذلك؛ لأنّ إثبات الإمامة والخلافة لأهل البيت^ أمر لا يمكن أن يتقبّله من تربّع على سدّة الحكم من بني اُمية وغيرهم، الذين لا يتوانون عن عمل أي شيء من شأنه أن يثبت أركان حكمهم، والوقوف بوجه أي شيء يزعزع ذلك حتى وإن كان صريح القرآن والسنّة.

سادساً: نقول: إنّ ذكر الأوصاف الأكثر تعريفاً واشتهاراً لعلي× سيفضي ذلك إلى تحريف القرآن الكريم؛ إذ سيعمد أعداؤه إلى حذف اسمه أو صفته البارزة([1014])؛ ممّا سيعرّض القرآن إلى النقص أو التحريف، ولا يتعارض ذلك مع الوعد الإلهي بحفظ القرآن من كلّ أشكال التحريف؛ لأنّ حكمة الله اقتضت حفظ القرآن الكريم وفق القانون الطبيعي المتعارف في الحفظ وبحسب الأسباب والمسببات، فكان من المناسب عندئذٍ أن يكون ذكر علي بهذا المقدار الذي كان واضحاً للصحابة آنذاك، وبهذا يبتعد عن أن تمسّه يد التحريف البشرية([1015]).

وهذا المقدار من الوصف الذي ذكرته الآية لا يضرّ في تحقّق الحجة آنذاك؛ بسبب وجود من يبيّن تلك الآيات القرآنية ويوضّح ما هو المقصود منها؟ وهو النبيّ، وإن كنّا الآن نختلف فيما هو المقصود منها بسبب تدخّل الكثير من الاُمور السياسية التي لها الأثر البالغ في وقوع هذه الخلافات كما بيّنا سابقاً.

تعقيب على كلام القفاري

قال القفاري: «كيف يترك تعريفه بالاُمور المعروفة ويعرف بهذا الأمر الذي لا يعرفه إلاّ من سمعه وصدّق به؟».

نقول: هل مراد القفاري ومن ورائه ابن تيمية أن يعلم جميع المسلمين بكل التعاليم الإسلامية دفعة واحدة، أو أنّ المتعارف أنّ تبليغ الأوامر الإلهية والتعاليم الإسلامية عن طريق الرسول إلى مجموعة من المسلمين، ثمّ يتم تبليغها إلى سائر المسلمين وهو الأمر المتعارف في التبليغ في كلّ زمان ومكان؟ إذ من غير المعقول أن يسمع جميع المسلمين بجميع التعاليم الإلهية وقت الخطاب، فلا يقول بذلك أحد، وهذه الحادثة بعد أن وثّقها القرآن وأرّخها لم تُعَد أمراً غير معروف للمسلمين.

ثمّ هل يشترط في سريان الحكم الإلهي أن يصدّق به الجميع؟! إنّ هذا غير معروف إلاّ في فكر ابن تيمية وأتباعه.

وقال أيضاً: «إن جمهور الاُمّة لم تسمع بهذا الخبر، ولا هو في شيء من كتب المسلمين»([1016]).

نقول: لقد اتضح الجواب عن هذا الإشكال في الأبحاث السابقة، فقد أثبتنا ورود الحديث وبطرق متعددة، وفي مصادر معتمدة، وقد ذكرها ممّن يعدّ من أهل العلم ـ باعتراف ابن تيمية ـ كالطبري وابن أبي حاتم والحاكم النيسابوري وغيرهم، بل لا يكاد يخلو تفسير من تفاسير المسلمين من ذكر هذه القصة عند التعرّض لتفسير هذه الآية، فكيف لم يسمع جمهور الاُمّة بهذا الخبر؟!


الاعتراض الخامس: أن علياً× كان فقيراً فكيف تجب عليه الزكاة؟!

قال القفاري: «خامساً: وقولهم: إنّ علياً أعطى خاتمه زكاة في حال ركوعه فنزلت الآية، مخالف للواقع؛ ذلك أنّ علياً (رضي الله عنه) لم يكن ممّن تجب عليه الزكاة على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فإنّه كان فقيراً، وزكاة الفضة إنّما تجب على من ملك النصاب حولاً، وعلي لم يكن من هؤلاء. كذلك فإنّ إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزي عند كثير من الفقهاء إلاّ إذا قيل بوجوب الزكاة في الحلي، وقيل: إنّه يخرج من جنس الحلي، ومن جوّز ذلك بالقيمة فالتقويم في الصلاة متعذّر، والقيم تختلف باختلاف الأحوال»([1017]).

الجواب:

الزكاة لا تختص بالزكاة الواجبة بل تشمل الصدقة

الشبهة التي يذكرها القفاري ترتكز على أنّ لفظة (الزكاة) التي ذكرت في الآية هي بمعنى الزكاة المصطلحة الواجبة، وأنّ علياً× لم يكن غنياً حتى تجب عليه هذه الزكاة، كما أنّه على تقدير كونه كان غنياً فإنّ دفع الخاتم لا يجزي عن الزكاة الواجبة؛ لذا فإنّ الآية ليست نازلة في حقه كما تدّعي الشيعة.

وهذه المرتكزات كلّها ليست صحيحة، وذلك ببيان: أنّ الزكاة لغةً هي النماء والطهارة والبركة والمدح، قال ابن الأثير: «وأصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح، وكلّ ذلك قد استعمل في القرآن والحديث»([1018]).

«قال ابن قتيبة: الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة، سميت بذلك؛ لأنّها تثمر المال وتنمّيه، يقال: زكا الزرع إذا كثر رَيعه، وَزَكت النفقة: إذا بورك فيها»([1019]).

وغلبة استعمال لفظ (الزكاة) في معناها المصطلح المعروف إنّما نشأت متأخرة في عرف المتشرّعة بعد نزول القرآن بوجوبها وتشريعها في الدين، وأمّا الذي تعطيه اللغة ـ كما هو واضح ـ فهو أعمّ من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرعة.

وتسمية إخراج المال المخصوص في الزكاة المصطلحة أو إنفاقه في سبيل الخير بالزكاة ـ التي تعني الطهارة والنماء ـ من باب أنّ ذلك سبب لطهارته أو لنمائه وزيادته.

فيدخل تحت عموم لفظ (الزكاة): الزكاة الواجبة المعروفة، وكذا الزكاة المستحبة وهي التصدق بالمال وإنفاقه في سبيل الله تعالى.

وحين تطلق هذه الكلمة، أو تقابل كلمة الصلاة فإنّ المراد بها غالباً بحسب تتبّع الاستعمالات القرآنية وغيرها: هو التصدّق والإنفاق لوجه الله تعالى، كما في قوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ}([1020])، وقوله تعالى في إسماعيل: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً}([1021])، وقوله تعالى حكاية عن عيسى× في المهد: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}([1022])، ومن الواضح أنّه لم يكن في شريعتهم وجوب الزكاة بالمعنى المعروف في الإسلام.

وكذلك حين نلحظ الآيات التي نزلت في مكة المكرمة قبل تشريع الزكاة المخصوصة، فإنّ هناك العديد من الآيات التي استعملت كلمة (زكاة) وأرادت منها التصدّق والإنفاق، من قبيل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}([1023])، وكذا قوله تعالى: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}([1024])، وقوله تعالى: {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}([1025])، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}([1026]).

قال السيد الطباطبائي: «بل آية الزكاة ـ أعني قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} ـ تدل على أنّ الزكاة من أفراد الصدقة؛ وإنّما سمّيت زكاةً لكون الصدقة مطهرة مزكية مطلقاً، فلا مانع من تسمية مطلق الصدقة والإنفاق في سبيل الله زكاةً»([1027]).

وهكذا ـ بناءً على أنّ كلمة (الزكاة) في الآية المباركة ظاهرة في معنى الإنفاق والتصدّق ـ سوف لا يؤدي ذلك إلى رفض كون الآية نازلة في علي×.

ولو أصرّ المخالف على أنّ المراد بها هو الزكاة المصطلحة وأنّ علياً× من البعيد جداً أنّه كان غنياً لتجب عليه الزكاة.

فنقول: إنّ هذا الاستبعاد ليس في محله؛ «لأنّه غير ممتنعٍ وجوبها عليه في وقت من الأوقات بحصول أدنى مقادير النصاب الذي تجب في مثله الزكاة، وليس هذا من اليسار المستبعد فيه؛ لأنّ ملك مائتي درهم لا يسمّى مؤسراً»([1028]).

فليس من قيود وجوب الزكاة أن يكون المكلف غنياً ثرياً، بل الذي يشترط هو امتلاكه حدّ النصاب الذي إذا ملكه الشخص تجب عليه تزكيته، وإن لم يسمّ في نظر العرف غنياً.

وليس بعيداً على الإمام علي× أن يمتلك هذا المال البسيط، خصوصاً وأنّ بعض الأحاديث تنقل لنا أنّه امتلك بعض المال من كدّ يمينه وعرق جبينه، وتصدّق به في سبيل الله، وقد نقلوا في هذا المجال أنّه× أعتق وحرّر ألف رقبة من الرقيق، كان قد اشتراهم من ماله الخاصّ الذي كان حصيلة كدّه ومعاناته، فقد روى الشيخ الكليني في الكافي عن الإمام الصادق×: أنّ أمير المؤمنين× أعتق ألف مملوك من كدّ يده([1029]).

أضف إلى ذلك فقد كان× يحصل أيضاً على حصّته من غنائم الحرب، وعلى هذا الأساس فلا يمتنع عليه ملكية مائتي درهم لكي تجب فيهما الزكاة.

فهو يستطيع إذن أن يمتلك حدّ النصاب الذي تجب فيه الزكاة، وليس هذا ممتنع عقلاً، كيف لا وهو يقول: «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع»([1030]).

اعتراض على إخراج خاتم الفضة عن الزكاة الواجبة

وبعد هذا يبقى إشكال: أنّه كيف يجوز إخراج خاتم الفضة عن الزكاة الواجبة؟ وقبل الإجابة عن هذا الاعتراض نقول: إنّ في المسألة عدة احتمالات ممكنة:

أولاً: فيما يخصّ تعلّق الزكاة: يوجد احتمالان، هما: أنّ الواجب يمكن أن يكون قد تعلق بجنس الفضة النقدية بالخصوص، وكذا يمكن أن يكون قد تعلق بجنس الفضة التي هي من الحلي.

ثانياً: فيما يخصّ الأداء: أيضاً يوجد احتمالان: فيمكن أن يكون الأمير× قد أخرج الواجب من جنس ما تعلقت به الزكاة، فيما لو كان قد تعلّق الواجب الزكوي بالحلي، فأخرج الخاتم من جنس الحلي. كما يمكن أن يكون قد أخرج الخاتم كقيمة بدلاً عن الجنس فيما لو كان قد تعلق الواجب بالفضة النقدية.

فهذه مجموعة من الاحتمالات الممكنة، ويكفي في دفع الشبهة عدم امتناع أحد هذه الاحتمالات.

ونحن نختار إمكانية احتمال أن يكون الواجب قد تعلق بجنس الفضة النقدية، أي بالمائتي درهم فضةً، كما نختار أنّ ما أخرجه هو القيمة بدلاً عن الجنس.

وإشكال عدم جواز دفع القيمة بدلاً عن العين مندفع: بأنّه لم يثبت عدم الجواز عند كلّ الفقهاء، فقد جوّزه الكثير من علماء الطائفتين، فعند الشيعة الأمر معروف، فقد قال به مشهور فقهائهم، فكل ما له قيمة وينتفع الفقراء بمثله جائز أن يخرج في الزكاة، وكذا عند أهل السنّة، فقد ذهب إلى جوازه أبو حنيفة وغيره، قال في المغني: «وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز، وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن، وقد روي عن أحمد مثل قولهم»([1031]).

وقد نقل القرطبي في تفسيره([1032]) خمسة أدلّة تثبت الجواز، وفي بعض هذه الأدلّة ما لا يمكن الاعتراض عليه، فيجب والحال هذه أن تراعى المصلحة للمزكّي، فله الحق أن يخرجها من تلك السلع، لا سيما أنّ الدين يُسرٌ وليس عسراً، وقد أشار ابن تيمية إلى هذه الحيثية، قال في فتاويه: «وقد قال في الحديث الصحيح: إنّما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسّرين»([1033]).

ويبقى اعتراض يتوجّه إلى إخراج القيمة، وهو ما أشار له القفاري في شبهته، من أنّ حساب القيمة البدلية تحتاج إلى تقويم جنس الفضة ومعرفة قيمتها، ثمّ دفع قيمة المثل، وقال: إنّ مثل هذا التقويم متعذّر في أثناء الصلاة.

وهذه الشبهة مرتفعة؛ وذلك باحتمال أن يكون الإمام× قد حسب القيمة قبل شروعه في الصلاة ودفع في الأثناء.

كما أنّه من المحتمل أنّ الإمام× دفع ما هو أكثر من القيمة، فقد تكون قيمة ما دفعه أكثر من قيمة الجنس الزكوي، بل قد يقال: بأنّه لا تأثير أصلاً لقيمة الخاتم من حيث الزيادة والنقصان؛ وذلك لاحتمال أن يكون× قد دفع الخاتم عمّا في ذمّته، وبعد الصلاة يقوّم ما كان قد أعطاه، فإن وجده ناقصاً أكمله من مال آخر ولو في مورد آخر، وإن كان زائداً عن الصدقة فلا يبالي بذلك، وهو المعروف بكثرة صدقاته وإحسانه.

وبهذا يرتفع هذا الاعتراض الذي تمسّك به القفاري وأورده هنا، اعتماداً منه على أسلافه الذين نقلوا قبله مثل هذه الاعتراضات من دون دراية وتمحيص.

الاعتراض السادس: قرينة السياق تحدد معنى الولاية بالنصرة

قال القفاري: «سادساً: لمّا تبيّن أنّ الروايات التي أوّلوا بمقتضاها الآية باطلة سنداً ومتناً، فلا متمسّك لهم حينئذٍ بالآية بوجه سائغ؛ بل إنّ الآية حجة عليهم؛ لأنّها جاءت بالأمر بموالاة المؤمنين والنهي عن موالاة الكافرين، وليس للرافضة ـ فيما يظهر من نصوصها وتاريخها ـ من ذلك نصيب.

وهذا المعنى يدرك بوضوح من سياق الآيات؛ إذ قبل هذه الآية الكريمة جاء قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. فهذا نهي صريح عن موالاة اليهود والنصارى بالودّ والمحبة والنصرة... ولا يراد بذلك ـ باتفاق الجميع ـ الولاية بمعنى الإمارة، وليس هذا بوارد أصلاً، ثمّ أردف ذلك بذكر من تجب موالاته وهو الله ورسوله والمؤمنون، فواضح من ذلك أنّ موالاة المحبة والنصرة التي نهى عنها في الاُولى هي بعينها التي أمر بها المؤمنين في هذه الآية بحكم المقابلة، كما هو بيّن جلي من لغة العرب.

قال الرازي: (لمّا نهى في الآيات المتقدمة عن موالاة الكفّار أمر في هذه الآية بموالاة من تجب موالاته).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنّه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفاً عن سلف أنّ هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة المؤمنين)»([1034]).

بيان الشبهة

بعد أن ثبت أنّه ليس للشيعة مستند صحيح يستطيعون بمقتضاه أن يفسّروا الآية المباركة وفق ما يعتقدونه من كونها نازلةً في خصوص علي×، فلو نظرنا إلى الآية ومن خلال التأمّل في سياقها، وبملاحظة بعض القرائن لتبيّن أن الآية حجّة عليهم، بمعنى أنّ مفاد الآية ينسجم مع ما يذهب إليه ويعتقد به أهل السنّة من كونها بصدد بيان النصرة، وأنّ الولي بمعنى الناصر، لا بمعنى الأمير، فالناصر هو الله تعالى ونبيه والمؤمنون بمواصفات معينة.

ومن هذه القرائن: أنّ الآية التي سبقت آية الولاية وهي آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فهذه الآية واضحة في أنّها تنهى عن ولاية ونصرة اليهود والنصارى، فمادة الولاية التي فيها تعني النصرة، وهذا يشكّل قرينة على أن، المراد من لفظة (الولاية) في الآية المختلف فيها بمعنى النصرة أيضاً، بحكم المقابلة بين الآيتين.

وعليه سيكون مفاد الآية: حصر النصرة في ثلاثة، وهم: الله تعالى، ونبيه، والمؤمنون المتصفون بأنّهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ويبقى إشكال جملة {وَهُمْ رَاكِعُونَ} فلا ينسجم مع هذا المعنى إن قلنا بأنّ الركوع فيها بمعنى الركوع المتعارف في الصلاة، لكنّها ليست كذلك، فجملة {يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} بمعنى: وهم خاضعون.

وقبل البدء بالجواب لابدّ من بحث معنى الولاية:

بحث في معنى الولاية

إنّ التتبّع والتمعّن في كلمات اللغويين وغيرهم في معنى (الولي) و(المولى) و(الولاية) يفضي إلى أنّها تتفرّع من جذر لغوي واحد وهو (الولْي) بسكون اللام، والذي يعني القرب والدنو، قال الفيروزآبادي: «الوَلْي: أي القرب والدُنوّ»([1035]).

والذي يدقّق ويتعمّق أكثر في كتب اللغويين يجد أنّ (الوَلْي) ليس معناه مطلق القرب والدُنّو، بل هو القرب الخاص الذي يلازم انتفاء الموانع بين المتقاربين، بحيث تتحقق المرتبة العليا من ذلك الاقتراب.

قال الراغب: «الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد»([1036]).

ومعنى ذلك أنّ الشيئين المتواليين قد اقتربا من بعضهما اقتراباً لا يفصل بينهما شيء ثالث غيرهما.

وهذا الاقتراب الخاصّ تارةً يحصل بين الأجسام المادية، واُخرى يحصل في الاُمور غير المادية، أي في القضايا المعنوية.

فالقرب بين الأجسام واضح، أمّا القرب في الاُمور المعنوية فيختلف بحسب الجهات والحيثيات التي لأجلها حصل الاقتراب، فإذا كانت الجهة المعنوية هي النصرة فالولي سوف يكون بمعنى الناصر، وإن كانت الجهة المعنوية المقرّبة هي المحبة والمعاشرة والانسجام الروحي فالولي سيكون بمعنى المحبوب الذي لا يملك المقترب نحوه من أن يمنع نفسه من الانجذاب إليه والانفعال معه.

وإن كانت الجهة المعنوية هي القرب النَسبي فالولي هو الذي يرثه مثلاً من دون أن يحجبه عن الوراثة شيء، وهكذا إن كانت الجهة المعنوية المقرّبة هي الطاعة، بأن يكون سبب الاقتراب هو الانقياد والطاعة فالولي سيكون بمعنى من يملك حق التصرف والتدبير فيمن وليه كيف يشاء.

وهذا المعنى الذي أوضحناه للولاية ـ وهو القرب الخاص ـ يلازمه معنى آخر لا يكاد ينفكّ عنه، وهو معنى السلطنة والتصرف، فكلّما وجدت الولاية تحقق معها هذا المعنى من السلطنة.

فمعنى الولاية على الميت مثلاً قد اُخذت فيها معنى سلطنة الولي على شؤون الميت، والتي هي بعينها التي كانت ثابتة للميت أثناء حياته، فقد كان مسلّطاً على أمواله وشؤونه، وبموته انتهت تلك السلطنة وانتقلت إلى وليه الذي له الحق أيضاً في إدارة تلك الشؤون، وهذا ما نفهمه عرفاً من الولاية على الميت.

وولي الصغير هو مَن يتصرف بولايته وسلطنته عليه في شؤونه المالية بتدبير أمره.

وولي النصير من له بسبب ولايته هذه حق التصرف والسلطنة، بحيث يتصرف في أمر المنصور من جهة تقويته في حالات الدفاع.

وهذا المعنى الذي أثبتناه للولاية يشهد له ما ذهب إليه بعض علماء اللغة وغيرهم، قال ابن الأثير: «الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل»([1037]).

ويشهد لذلك ويؤيده أيضاً: الاستعمالات اللغوية لكلمة الولي في هذا المعنى الذي ذكرناه، فقد أخرج الحاكم بسنده عن الزهري، قال: «سمعت عروة يقول: سمعت عائشة (رض) تقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها...» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»([1038]). وكذلك صحّح هذا الحديث البيهقي في سننه([1039]).

ومعنى ذلك: أنّه ليس للمرأة حق التصرف والاستقلال بإيقاع عقد النكاح لنفسها من دون إذن من يملك ذلك، وهو وليها.

قال ابن منظور: «وولي المرأة الذي يلي عقد النكاح عليها، ولا يَدَعَها تستبدّ بعقد النكاح دونه»([1040]).

وهذا صريح في أنّ معنى السلطنة قد اُخذ في معنى الولي. والمتتبِّع لكلمات العرب يجد أنّ هذا المعنى الذي ذكرناه للولي ـ وهو من يملك حق السلطنة والتصرف ـ شائع في استعمالاتهم.

وبعد هذا نقول: إنّ ما ذكره القفاري في الاعتراض السادس على آية الولاية من أنّ الولاية في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}([1041]) تعني خصوص النصرة أو المحبة، فهذا المعنى ليس له وجه وجيه، فقد عرفت أنّ معنى الولاية العام هو القرب الخاص الذي يلازم السلطنة والقدرة والتصرف للولي على من وليه.

وعلى هذا فالمنهيّ عنه في الآية المباركة هو هذا النوع من الولاية، أي أن يجعل المؤمنُ اليهودَ والنصارى أولياءَ، فيكون لهم حق التصرف والسلطنة بحيث يسلّم لهم قياده ويخضع لهم في اُمور حياته، وذلك يعدّ ظلماً، كما علل الله تعالى في ذيل الآية: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

وبعد هذا النهي عن الولاية بالمعنى المتقدّم بيّنت الآيات كذلك من له حق التصرف والسلطنة على المؤمنين، فحصرتهم بالله تعالى وبالنبي وبالمؤمنين الذين لهم مواصفات خاصّة، فهؤلاء هم الأولياء الحقيقيون الذين تجب موالاتهم.

وعلى هذا فإن بنينا على وحدة السياق بين جميع الآيات المذكورة في البحث، وعدم انقطاع بعضها عن بعض فالولاية في آية {إنّما وَليّكُمُ اللهُ} سوف تكون بهذا المعنى الذي ذكرناه، وهو مَن له حق التصرف والسلطنة؛ لأنّ هذا المعنى هو الصحيح والثابت في الآية السابقة عليها، وهي آية: {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ}.

وإن أبيت عن تقبّل هذا المعنى الواضح للولاية وحصرت تفسيرها في المحبة والنصرة في آية {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى} واستعنت بوحدة السياق وقرينة المقابلة لتفسير الولاية في آية {إنّما وَليّكُمُ اللهُ} بنفس ذلك المعنى وهو النصرة والمحبة أيضاً، فهناك وقفتان:

وقفتان

الوقفة الأولى: عدم وحدة السياق بين آية الولاية والآيات السابقة

لا نُسلّم وحدة السياق بين آية الولاية والآيات السابقة عليها؛ لأنّ السياق إنّما يؤثّر أثره في تحديد المعنى حين يأتي الكلام في حادثة واحدة وفي وقت واحد، فمثلاً حين تأتي مجموعة أوامر من النبيّ في وقت واحد، ونعلم من الخارج أنّ أكثر تلك الأوامر كانت استحبابية فهذا يؤثّر أثره في بقية الأوامر ويجعلها ظاهرة في الاستحباب، بحيث لولا هذا السياق لكان مقتضى ظهور تلك البقية بحسب طبعها في الوجوب، لا الاستحباب.

أمّا في المقام فليس الأمر كذلك، فمن غير المعلوم أنّ الآيات التي كانت محلّ البحث قد نزلت دفعة واحدة، وفي وقت واحد، وذات غرض واحد؛ لكي تشكّل سياقاً واحداً يؤثّر أثره في المعنى ويحدّد معاني المفردات، فإنّ من المسلّم عند المفسّرين أنّ سورة المائدة وإن نزلت في آخر حياة النبيّ في حجة الوداع لكن لم تنزل جميع آياتها دفعة واحدة في وقت واحد، فإنّه في ضمن آياتها ما قد نزل قبل ذلك الوقت، وأنّ مضامينها تشهد بذلك الانقطاع.

فليس مجرد نزول آية بعد آية أو قبل آية يدلّ على وحدة السياق، أو أنّ هناك بعض مناسبة بين آية واُخرى يدلّ على الوحدة تلك([1042]).

ويؤيد هذا الانقطاع في الوقت والغرض: ما ذكره المفسّرون في أسباب النزول، فقد ذكروا أسباباً مختلفة لنزول هذه الآيات، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} قد اختلفوا في سبب نزولها على أقوال:

منها: أنّها نزلت في أبي لبابة، قاله عكرمة.

ومنها: أنّها نزلت في يوم اُحدٍ حين شعر المسلمون بالخوف؛ حتى همّ قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى.

ومنها: أنّها نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن اُبي بن سلول، فتبرأ عبادة (رض) من موالاة اليهود وتمسّك بها ابن اُبي، وقال: «إني أخاف أن تدور بي الدوائر»([1043]).

وأمّا آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فقد اختلفوا أيضاً في سبب نزولها:

فقد قيل: إنّها نزلت في الولاة من قريش.

وقيل: إنّها نزلت في أهل الردّة، وزعموا أنّ هذا من إعجاز القرآن والنبيّ، حيث أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده، فكان ذلك غيبياً، وكان ما أخبر به بعد مدة وأهل الردّة كانوا بعد موته، إلى غير ذلك من الأقوال المختلفة في أسباب النزول([1044]).

ومن المعلوم أنّ اختلاف سبب النزول في الآيات يدلّ على اختلاف الغرض، كما يدلّ أيضاً على اختلاف الوقت، ومع هذا الاختلاف لا تنحفظ وحدة السياق كما هو معلوم.


الوقفة الثانية: آية الولاية لا تدل على معنى الحب والنصرة

لو سلّمنا جدلاً أنّ السياق واحد، وأنّ جميع الآيات قد نزلت دفعة واحدة، وفي وقت واحد، فإنّه مع ذلك لا يستوجب حمل الولاية في آية {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} على معنى الحب والنصرة؛ لأنّ ذلك غير ممكن، والسياق وقرينة المقابلة إنّما تحدّدان المعنى حين تكون الكلمة قابلة لهذا المعنى ويمكن حملها عليه، وفي مقامنا يمتنع ذلك لعدة قرائن:

القرائن المانعة من أن تكون الولاية بمعنى النصرة

القرينة الاُولى: أنّ الولاية في الآية نُسبت بمعنى واحد إلى الله وإلى رسوله والذين آمنوا، فلا يصحّ لنا أن نحصر ولاية الله سبحانه بالنصرة والودّ والحبّ والتحالف، فإنّ ولايته سبحانه ولاية عامة، تشمل جميع مصاديق الولاية، فإذا كانت الولاية منسوبة بمعنىً واحد إلى الثلاثة، فيجب أن تُفسَّر بمعنى واحد، لا أن تفرز الولاية المنسوبة إلى الله عمّا نسبت إلى الآخرين.

وبهذا يمتنع أن تكون الولاية هنا في خصوص النصرة أو المحبة فقط، بل تتعدّى ذلك إلى جميع مصاديق الولاية.

القرينة الثانية: لو فسّرنا الولاية بالنصرة والودّ والتحالف يلزم من ذلك اتحاد الولي والمولّى عليه؛ لأنّ ولاية النصرة تشمل جميع المؤمنين، كما في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، فلو كان المؤمنون المصلّون المزكّون أولياء النصرة والتحالف فَمَن المولّى عليه إذن؟

وبعبارةٍ اُخرى: أنّه سبحانه يُعَدّ جميع المؤمنين أولياء، فيجب أن يكون هناك مولّى عليه غيرهم، ولا يوجد كما هو واضح.

القرينة الثالثة: لو فسّرنا الولاية بالنصرة والودّ والتحالف فالمؤمنون كلّهم في مرتبة واحدة كما أشرنا، فلماذا قيّد الولاية بالزكاة في حالة الركوع؟ فلو افترضنا أن مؤمناً صلّى وزكّى في غير حال الصلاة فهل يخرج عن عداد الأولياء؟

وحمل الركوع على معنى الخضوع خلاف الظاهر، لا يمكن المصير إليه إلاّ مع القرينة الصارفة عن المعنى الظاهر، وهي مفقودة في المقام، هذا أولاً.

وثانياً: الركوع في القرآن الكريم قد استعمل فقط للدلالة على فعل الركوع من الصلاة، والذي هو فعل على صورة الركوع بمدلوله اللغوي، أو أحياناً للدلالة على الصلاة بمجموعها كونه الأظهر من أفعالها، بحيث إذا شاهده الإنسان عَلِمَ أنّ الفاعل في حال الصلاة، ومثله في ذلك السجود الذي استُعمل على نحو مطابق، فلا معنى لإخراج مدلول الركوع هنا عن السياق المعهود في استعماله القرآني.

ثالثاً: أنّ حمل الركوع على الخضوع يجعل الكلام ركيكاً، ويتعارض مع مقتضيات البلاغة في التعبير؛ ذلك لأنّ إقام الصلاة وإيتاء الزكاة بذاتهما فعل خضوعٍ ومظهر من مظاهره، وإضافة (وهم خاضعون) لا تضيف شيئاً مفيداً على قوله تعالى: {يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، فتكون فضولاً من الكلام لا مبرّر له، وهذا ما تنزّه عنه كلام الباري تعالى، نعم، لو لم يكن الفعل ذاته من مظاهر الخضوع لصحّت الإضافة.

القرينة الرابعة: أنّ النصرة التي تكون محطّ اهتمام الله تعالى في آياته، والتي يدعو لها ويأمر بها في كثير من آياته هي خصوص نصرة الدين، وهذا الدين الذي يراد نصرته تارةً يُنسَب إلى الله تعالى فيقال: دين الله؛ لأنّه جاعله ومشرِّع قوانينه وأحكامه، فيندب ويدعو الله إلى نصرة هذا الدين، ويتحقّق ذلك: إمّا أن يدعو خصوص النبيّ لنصرته، أو يدعو المؤمنين، أو يدعوهما معاً إلى نصرته، أو يدعو أنصاراً له فيما شرّعه من الدين، كقوله تعالى: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ}، وقوله تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، أو قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ}.

وتارةً اُخرى ينسب هذا الدين إلى النبيّ ويسند إليه؛ لأنّه ـ صلوات الله عليه وعلى آله ـ الداعي لهذا الدين والمبلّغ له.

وثالثةً يُنسَب إلى الله تعالى وإلى رسوله معاً، فيقال: الدين لله ورسوله، بمعنى التشريع والهداية، فيتوّجه خطاب الدعوة إلى النصرة للناس، أو يمدح المؤمنين بسبب نصرتهم، فيقول: {وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ}، وقوله تعالى: {وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، {وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ}.

ورابعةً يُنسَب الدين إلى النبيّ وإلى المؤمنين جميعاً، فيقال الدين دين النبيّ والمؤمنين، بمعنى أنهم المكلفون بشرائعه العاملون به، فيخاطب الله النبيّ والمؤمنين معاً بأنّه وليهم وناصرهم، كقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}([1045])، وقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}([1046])، وقوله تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}([1047]).

لكن لا يمكن أن ينسب الدين للمؤمنين فقط، بحيث هم الأصل فيه والنبيّ يكون بمعزل عنه، ثمّ نعتبر النبيّ ناصراً لهم فيما هو لهم؛ لأنّ ذلك يستوجب عزل النبيّ عن المشاركة والمساهمة في الدين، بينما على العكس من ذلك؛ «إذ ما من كرامة دينية إلاّ وهو مشاركهم فيها أحسن مشاركة، ومساهمهم فيها أفضل سهام؛ ولذلك لا نجد القرآن يعدّ النبيّ’ ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة، وحاشا ساحة الكلام الإلهي أن يتساهل في رعاية أدبه»([1048]).

فلو قلنا: إنّ معنى ولاية النبيّ في الآية المباركة {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} هي ولاية النصرة للمؤمنين فهذا يعني أن يكون النبيّ ناصراً للمؤمنين فيما هو لهم مع عزله عنهم، وهذا ليس وجيهاً.

وهكذا يتبيّن أنّ ما قاله القفاري في اعتراضه السادس ليس سليماً من الإشكالات، بل هو في غاية الضعف والوهن.


الاعتراض السابع على آية الولاية: لفظة (وليُّكم) في الآية لا تدل على معنى الإمارة

قال القفاري: «سابعاً: قولهم: إنّ المراد بقوله: {إنّما وَلِيُّكُمُ} هو الإمارة لا يتفق مع قوله سبحانه: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}؛ فإنّ الله سبحانه لا يوصف بأنّه متولٍّ على عباده وأنّه أمير عليهم؛ فإنّه خالقهم ورازقهم وربّهم ومليكهم له الخلق والأمر، لا يقال: إنّ الله أمير المؤمنين كما يسمّى المتولّي مثل علي وغيره أمير المؤمنين، وأمّا الولاية المخالفة للعداوة فإنّه يتولّى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومَن عادى له ولياً فقد بارزه بالمحاربة، فهذه الولاية هي المقصودة في الآية»([1049]).

وقال في الهامش: «بل الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) أيضاً لا يقال: إنّه متولّ على الناس وإنّه أمير عليهم؛ فإنّ قدره أجلّ من هذا، بل أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) لم يكونوا يسمّونه إلاّ خليفة رسول الله، وأوّل من سمّي من الخلفاء أمير المؤمنين عمر»([1050]).

بيان الشبهة

حينما تدّعي الشيعة أنّ المراد من لفظة (وليكم) في الآية المباركة هو معنى الإمارة، فوليّكم بمعنى أميركم، هذا المعنى كما هو واضح لا ينسجم مع سياق نفس الآية المباركة؛ لأنّها ذكرت الولاية وأسندتها إلى الله تعالى ورسوله والمؤمنين من دون تكرار، مع أنّ الله تعالى من غير الصحيح وصفه بكونه أميراً، فإنّ الله تعالى خالق الخلق ورازقهم وربّهم ومليكهم، له الخلق والأمر، فلا يقال: إنّ الله أمير المؤمنين كما يُسمّى المتولّي مثل علي وغيره أمير المؤمنين، بل الرسول أيضاً لا يقال: إنّه متوّل على الناس، وإنّه أمير عليهم؛ فإنّ قدره أجلّ من هذا، بل أبو بكر لم يكونوا يسمّونه إلاّ خليفة رسول الله، وأول من سُمّي من الخلفاء أمير المؤمنين هو عمر.

من هنا يكون حمل اللفظة على معنى المحبة أو النصرة ضرورياً، فهو الأنسب في الآية المباركة.

الجواب:

الولي لغة وعرفاً: من له حق التصرف

لقد بيّنا في الجواب عن الاعتراض السادس في بحث الولاية: أنّ معنى الولي لغةً وعرفاً واستعمالاً هو من له حق التصرف في شؤون من يليه، وأنّ الولاية قد اُخذت في معناها السلطنة والتصرف، فالوليّ بالنسبة لمن يليه هو الأولى به من غيره، والأقرب إليه من حيث الجهة التي لأجلها اقترب منه، قال المبرّد: «إنّ أصل الولي هو الأولى والأحق، وكذلك المولى»([1051]).

وقال الجوهري: «وكلّ من وَلِيَ أمر واحد فهو وليّه»([1052]).

فيطلق الوليّ على المحب والنصير والجار وغيره؛ لأنّ كلّ واحد من هؤلاء له اختصاص بصاحبه، فهو الأقرب والأحقّ به من سواه.

معنى ولاية الله تعالى

لم يفهم القفاري ولاية الله تعالى، ولم يفهم ولاية الرسول، بل حاول فهم ولاية الله ورسوله من خلال ما يفهمه من ولاية المؤمنين، وهي تعني عنده الإمارة والحكومة والسلطة والخلافة الدنيوية، ولكونه يحمل هذا الفهم عن الولاية فوجوده في هذه الآية لا ينطبق على الله تعالى، ولا على رسوله، فلا يمكن أن يقال لله (وليّ)، بمعنى أمير المؤمنين، وكذلك الرسول، وبما أنّ الولاية لم تتكرّر في هذه الآية حتى يمكنه التفكيك بين المعاني فرفض نسبة هذا المعنى للمؤمنين أيضاً.

وهذا الفهم السطحي لمعنى الولاية لا يمتّ لحقيقتها كما بيّنا، فهنا نجد من الضروري بيان معنى ولاية الله تعالى، ثمّ بيان معنى ولاية الرسول؛ لكي يتّضح معنى ولاية المؤمنين في الآية المباركة.

فنقول: اُسندت كلمة (الولي) في الآية الكريمة إلى الله سبحانه والرسول والذين آمنوا بنسق واحد ولم تتكرر، ممّا يعني أنّها قد استُعملت واُريد منها معنىً واحد في الآية، ولو كانت الولاية المنسوبة إلى الله تعالى وإلى نبيه في الآية غير الولاية المنسوبة إلى الذين آمنوا لكان الأنسب أن تُفرَد ولاية اُخرى للمؤمنين بالذكر؛ دفعاً للالتباس، كما نرى نظيرها في قوله تعالى: {قُلْ اُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}([1053])، فنرى أنّه سبحانه كرّر لفظ (الإيمان)، وعدّاه في أحدهما بالباء، وفي الآخر باللام؛ للاختلاف في حقيقة إيمانه بالله وللمؤمنين، حيث إن إيمانه بالله سبحانه إيمان وتصديق واقعي، بينما تصديقه للمؤمنين المخبرين بقضايا متضادة؛ حيث لا يمكن تصديقهم جميعهم تصديقاً جدّياً، والذي يمكنه هو تصديقهم بالسماع وعدم الرفض والردّ، ثمّ التحقيق في الأمر، وترتيب الأثر على الواقع المحقَّق.

وممّا يكشف عن وحدة معنى الولاية في الآية الكريمة: أنّ الله تعالى جاء بلفظ (وليكم) بالإفراد، وأسنده إلى نفسه وإلى رسوله وإلى الذين آمنوا، ولم يقل: (وإنّما أولياؤكم)، وما هذا إلاّ لأنّ الولاية في الآية بمعنىً واحد، وهو المعنى العام الذي بيّناه، وهو الأحق والأولى بالتصرف فيمن يليه، غير أنّ هذا المعنى بالنسبة إليه سبحانه يكون بالأصالة، وفي غيره بالتبع.

فمعنى ولايته: أنّ الله سبحانه هو المدبرِّ والمهيمن والمتصرّف في شؤون خلقه تكويناً وتشريعاً، له الأمر من قبلُ ومن بعدُ، لا رادّ لحكمه، ولا مفنّد لقضائه، وعلى خلقه وعباده الطاعة والانقياد والتسليم المطلق له سبحانه، فالربّ جلّ وعلا وليّ؛ لأنّه أولى بخلقه من أي قاهر عليهم، يدبّر أمرهم في الدنيا والآخرة، لا وليّ غيره، وهو وليّ المؤمنين في تدبير أمر دينهم بالهداية والدعوة والتوفيق والنصرة وغير ذلك.

وهذه الولاية بشِقّيها التكويني والتشريعي قد أشار لها القرآن الكريم في جملة من الآيات، نذكر منها فيما يخصّ الولاية التكوينية، كقوله تعالى: {مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وليٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}([1054])، وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ}([1055]).

وأمّا ولايته على المؤمنين فيما يرجع إلى أمر دينهم من التشريع والهداية والإرشاد والتوفيق ونحو ذلك، والمعبّر عنها بالولاية التشريعية فأشار إليها في قوله تعالى: {اللَّهُ وَليُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّوُرِ}([1056])، وغيرها من الآيات.

معنى ولاية الرسول وولاية المؤمنين

لمّا اقتضت حكمته سبحانه وتعالى في خلقه أن يحقق لهم السعادة الأبدية ويوصلهم إلى الكمال؛ وذلك بأن يهديهم إلى طريق الهدى والاستقامة، فبعث لهم الأنبياء وأرسل إليهم الرسل، فكان خاتمهم وأفضلهم نبيّنا الأكرم الذي جاء بالشريعة الإسلامية السمحاء؛ لتتحقّق للإنسانية سعادتها؛ ولكي ينهض النبيّ بهذه المهمّة لابدّ أن يكون له حقّ التصرف في جميع شؤون الاُمّة، ويكون هو الأقرب والأولى بهم؛ لذا خصّه سبحانه وتعالى بالولاية على الناس ووهبه إيّاها، وهي القيام بالتشريع والدعوة والتبليغ، وتربية الاُمّة وقيادتها، والقيام بشؤونها، والحكم فيها، والقضاء في أمرها، فأوجب الله سبحانه على الاُمّة الطاعة له والتسليم لأمره، وهذا المعنى أوضحته العديد من الآيات القرآنية، كقوله تعالى: {النبيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}([1057])، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}([1058])، وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([1059])، وقوله: {رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}([1060])، وقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}([1061])، وقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}([1062])، وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}([1063]).

وولاية الرسول هذه مستمدّة من ولايته سبحانه وتعالى، وطاعته متفرّعة من طاعته تعالى، كما يدلّ عليه بعض الآيات السابقة، كقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ...}، وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ...}، وغير ذلك.

وهذا المعنى من الولاية لله ورسوله هو بنفسه الذي تذكره الآية للذين آمنوا بعطفه على الله ورسوله في قوله تعالى: {إنّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}، على ما عرفت من دلالة السياق على كون هذه الولاية ولاية واحدة هي لله سبحانه بالأصالة، ولرسوله والذين آمنوا بالتبع، وبإذنٍ منه تعالى.

وبعد هذا البيان المختصر يتبيّن وبوضوح ضعف ما أشكل به القفاري في اعتراضه هذا من أنّ تفسير الولاية للذين آمنوا بالإمارة يتنافى مع سياق الآية؛ لأنّ الله سبحانه لا يقال بشأنه أمير المؤمنين، فإنّنا بينّا وبشكلٍ جليٍّ معنى الولاية للذين آمنوا، وأنّها من سنخ وحقيقة معنى ولاية الله والرسول، وهي القيام بأمر الاُمّة وقيادتها وهدايتها، وتبيين ما تحتاج إليه من اُمور دينها ودنياها، وعليها الرجوع للأئمّة^ في كلّ صغيرة وكبيرة، وإذا قضوا في أمر فليس للاُمّة الخيرة من أمرها، بل عليها السمع والطاعة، وهذا لا يتوقف على تسنّم مقاليد الإمرة والحكومة، بل هي بعض وظائف الولي، فإذا تعذّر عليه القيام به ـ كأن تتعرض إلى اعتداء أو اغتصاب ـ تبقى سائر الوظائف منوطة بهم، فليست الإمرة أو الحكومة هي جوهر الولاية وحقيقتها حتى يدّعي القفاري أنّها لا يمكن إطلاقها على الله سبحانه.

وهذا هو المنهج الصحيح في فهم معنى ولاية المؤمنين في الآية، فنحن فهمناها من خلال فهم ولاية الله وفهم ولاية رسوله، ثمّ بعد ذلك حدّدنا معنى ولاية المؤمنين، لا كما فعله القفاري، فهو انطلق في فهم ولاية المؤمنين بما يحمله من فهم سطحي للولاية، وهي الإمارة والسلطة والحكومة، ثمّ حاول تعميم هذا المعنى على ولاية الرسول وولاية الله تعالى، فأشكل ذلك عنده؛ لعدم إمكانه، وعدم صحّة نسبة الولاية بمعنى الإمارة لله ولرسوله؛ لذلك اتّجه في فهم معنى الولاية إلى فهم آخر، وهو معنى النصرة والمحبة.


الاعتراض الثامن: الولي لغة اسم للولاية ـ بالفتح ـ وهي المحبة والنصرة

قال القفاري: «ثامناً: أنّ الفرق بين الوَلاية ـ بالفتح ـ والوِلاية ـ بالكسر ـ معروف في اللغة، فالولاية ضد العداوة، وهي المذكورة في هذه النصوص ليست هي الولاية ـ بالكسر ـ التي هي الإمارة، وهؤلاء الجهّال يجعلون الولي هو الأمير ولا يفرّقون بين اللفظين، مع أنّه واضح (أنّ الوَلاء ـ بالفتح ـ وهو ضد العداوة، والاسم منه مولى وولي، والولاية ـ بالكسر ـ والاسم منها والي ومتولّي)؛ ولهذا قال الفقهاء: إذا اجتمع في الجنازة الوالي والولي فقيل: يُقدَّم الوالي، وهو قول أكثرهم، وقيل: يُقدَّم الولي، فلفظ (الولي) و(الولاية) غير لفظ (الوالي). ولو أراد سبحانه الولاية التي هي الإمارة لقال: (إنّما يتولى عليكم).. فتبيّن أنّ الآية دلّت على الموالاة المخالفة للمعاداة الثابتة لجميع المؤمنين بعضهم على بعض، ولهذا جاء قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بصيغة الجمع»([1064]).

بيان الشبهة

إنّ مَن يتابع اللغة العربية ويدقق في مفرداتها يجد أنّ هناك فرقاً بين الوَلاية ـ بالفتح ـ والوِلاية بالكسر، فالاُولى تعني المحبة والنصرة وهي ضد العداوة، بينما الثانية هي التي تعني الإمارة والسلطان.

وحين نتأمّل في الآية المباركة نرى أنّ الله تعالى ذكر لفظة (وليّكم)، وهذه اللفظة هي اسم للوَلاية بالفتح، بينما الوِلاية ـ بالكسر ـ وهي الإمارة التي هي المستند في استدلال الشيعة على الإمامة الاسم منها: والٍ ومتولٍّ، وهذا لم يذكر في الآية، وهم ـ أي الشيعة ـ لا يفرّقون بين الولي والوالي مع وضوح الفرق، فيجعلون الولي بمعنى الأمير، وبهذا ينهدم الاستدلال بهذا الكلام.

وببيان أكثر وضوحاً: يرتكز هذا الإشكال على كون لفظة (وليّكم) في الآية المباركة هي من اشتقاقات الوَلاية بالفتح، والوَلاية ـ بالفتح ـ معناها النصرة والمحبة، حيث كلمة (وليّكم) من ناحية لغوية اسم لها.

ولو كان المراد من الآية هو بيان الوِلاية ـ بالكسر ـ بمعنى الإمارة لكان مقتضى الكلام أن يذكر لفظة (واليكم) أو (متولّيكم) فهو الاسم من الوِلاية بالكسر.

الجواب:

الولي في اللغة والاستعمال هو القرب والدنو الخاص

ذكرنا سابقاً في جوابنا على الاعتراض السادس والسابع: أنّ أصل الولاية هي من اشتقاقات الولْي بسكون اللام، وهو الدُنوّ والقرب الخاص الذي من لوازمه التصرف والتسلّط، ومن هذا الجذر يشتق الوالي والمولى والولاء والولاية ـ بالفتح ـ والولاية بالكسر، وهذه الاشتقاقات وإن كان لها استعمالات مختلفة بحسب المصاديق والأفراد ولكنّها ترجع كلّها إلى المعنى الذي أشرنا إليه من المعنى العام للولاية، وهذا المعنى ينطبق على المحب والنصير والحاكم، وغيرها من استعمالات الولي؛ لأنّ كلاًّ منهم أولى وأحق بالتصرف والتأثير بصاحبه من غيره، فالمحبّ والناصر كلّ منهما أولى بالدفاع عمّن أحبه ونصره، والحاكم والقائد وليّ؛ لأنّه أولى بالتصرف في اُمور من تولّى أمره، والله تعالى وليّ ووالٍ ومتولٍّ لاُمور خلقه، وهكذا بقية الاشتقاقات.

وبعد هذه المقدمة نعود إلى ما قاله القفاري، فإنّه يظهر من كلامه أنّ الوليّ هنا بمعنى المحب أو النصير؛ لأنّه اسم من الوَلاية بالفتح، وهي تعني النصرة أو المحبة، ولو أراد الوِلاية ـ بالكسر ـ وهي الإمرة لقال: والِيكم أو متولّيكم؛ لأنّه هو الاسم منها.

ويمكننا أن نسجل على كلامه هذا عدة ملاحظات:

الملاحظة الاُولى: أنّ التفريق بين المولى من جهة، والوالي والمتولّي من جهة اُخرى بكون الأوّل هو اسم من الوَلاء والوَلاية بالفتح، والثاني اسم من الوِلاية بالكسر، قد اعتمد فيه على المقدسي صاحب كتاب (رسالة في الردّ على الرافضة) وهو بدوره اعتمد على كتاب مختار الصحاح، ولكن بعد مراجعة كتاب مختار الصحاح تبيّن أنّه لم يذكر ذلك الفارق، غاية الأمر أنّه نقل قولاً عن ابن السكّيت، قال: «الوِلاية بالكسر: السلطان، والوَلاية بالفتح والكسر: النصرة»([1065])، وهو لا يعني أنّ الاسم من كلّ منهما مختلف عن الآخر، بل ادّعى بعضٌ أنّه لا فرق بين الوِلاية ـ بالكسر ـ والوَلاية ـ بالفتح ـ من جهة المعنى، وإنّما الفرق من ناحية اُخرى، وهو: أن الوَلاية ـ بالفتح ـ هي المصدر، والاُخرى هي اسم المصدر، وقد نقل صاحب مختار الصحاح نفسه ذلك عن سيبويه، وهو من أعاظم اللغويين، فقال: «قال سيبويه: الوَلاية ـ بالفتح ـ المصدر، وبالكسر الاسم»([1066]).

وواضح أنّ الفرق بين المصدر واسمه هو: أنّ المصدر هو الحدث المستند إلى فاعله، واسم المصدر هو نتيجة الحدث، كالفرق بين التوضّؤ والوضوء، والاغتسال والغسل، ولم يتّضح لنا كيف يكون الاسم من الوَلاية ـ بالفتح ـ هو الولي، والاسم من الوِلاية ـ بالكسر ـ هو الوالي؟!

بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وادعى أنّهما لغتان كالدَلالة والدِلالة([1067]).

قال الراغب في المفردات: «قيل: الوَلاية والوِلاية نحو الدَلالة والدِلالة، وحقيقته تولّي الأمر. والولي والمولى يستعملان في ذلك كلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل، أي الموالي، وفى معنى المفعول أي الموالى، يقال للمؤمن هو وليّ الله عزّ وجلّ ولم يرد مولاه»([1068]).

فما قاله القفاري([1069]) بأنّ الفرق بين الوَلاية ـ بالفتح ـ والوِلاية ـ بالكسر ـ معروف في اللغة ليس دقيقاً، فلا أقلّ من كونه أمراً مختلفاً فيه، هذا أولاً.

وثانياً: على فرض وجوده فهو اختلاف في الاستعمال اللغوي لا أكثر؛ ولذا قال ابن السكّيت: «الولاية ـ بالفتح ـ والكسر هي النصرة» كما مرّ، وهذا يدلّ على أنّه لا فرق واضح بين الكسر والفتح.

الملاحظة الثانية: تبيّن من خلال ما استعرضناه من أقوالٍ في الردّ على الاعتراض السادس والسابع وما ذكرناه في مقدمة هذا الجواب عن هذا الاعتراض تبيّن أنّ الولي والوالي والمولى، كلّ هذه الألفاظ تعطي معنى واحداً، وهو الأولى والأقرب والأحقّ بالشيء؛ تبعاً للمعنى الذي أثبتناه للولي ـ بكسر اللام ـ والذي قلنا: إنّه من مشتقّات ذلك الجذر، كما قال صاحب القاموس: «والولي: الاسم منه»([1070])، والشواهد على ذلك:

1ـ ما ذكره أهل اللغة من أنّ كلمة (وليّ) على وزن فعيل بمعنى فاعل أي: والٍ، مثل شهيد بمعنى شاهد، قال الزبيدي: «والولي فعيل بمعنى فاعل» ممّا يعني أن (وليّ ووالٍ) بمعنى واحد([1071]).

2ـ ذكر أهل اللغة أيضاً أنّ اسم الله (الولي) كما يأتي بمعنى الناصر يأتي أيضاً بمعنى المتولّي والوالي، قال الزبيدي: «الوليّ في أسماء الله تعالى: هو الناصر، وقيل: المتولّي لاُمور العالم القائم بها، وأيضاً الوالي: وهو مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها»([1072]). فالله سبحانه وليّ ووالٍ ومتولٍّ، أي هو المتصرف والمدبّر لهذا الكون.

3ـ قد ورد في الاستعمال القرآني استعمال كلمة (وال) بمعنى (وليّ)، وذلك في قوله: {وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}([1073])، فقد فسّره الراغب في المفردات بمعنى الولي([1074]).

وقال الثعلبي: «والٍ: وليّ أمرهم ما يدفع العذاب عنهم»([1075])، وذكر ذلك غيرهما من علماء التفسير، ما يدلّ على أنّ الكلمتين في واقعهما المضموني والمعنوي يهدفان إلى بيان معنى واحد، وهو الأولوية بالتصرف والتدبير.

الملاحظة الثالثة: أنّ كلمة (وليّ) استعملت في مواطن عديدة بمعنى الأمير والخليفة والسلطان، ومن الشواهد على ذلك: ما ورد عن الخليفة عمر بن الخطاب في صحيح البخاري: «... ثمّ توفى الله نبيّه (صلّى الله عليه وسلّم)، فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)... ثمّ توفّى الله أبا بكر، فقلت: أنا وليّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»([1076]).

وكقول الخليفة عمر بن الخطاب أيضاً: «لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لولّيته الخلافة»([1077]).

وهناك الكثير من الشواهد للمتتبع لكلام العرب قديماً وحديثاً تؤيد صحّة ما قلناه.

وبهذا نعرف أنّ كلمة (وال) و(ولي) و(مولى) تهدف إلى معنى واحد وهو معنى الأقرب والأولى به، وهذا المعنى يتغير بحسب تعلقه ومصاديقه.

فالأمير وليّ بلحاظ قربه إلى المأمورين، حيث يقوم بتدبير اُمورهم وتنظيم شؤون حياتهم.

إلى هنا ينتهي الجزء الأول، وسوف نكمل أجاباتنا على شبهات القفاري في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.


مصادر الكتاب

الكتب:

* القرآن الكريم

1. آقا بزرگ الطهراني، محمد محسن بن علي، تاريخ حصر الاجتهاد، تحقيق: محمد علي الأنصاري، ط1ـ 1401هـ.

2. الآلوسي البغدادي، أبو الفضل شهاب الدين محمود، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

3. ابن أبي الحديد المعتزلي، عزّ الدين، أبو حامد بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

4. ابن أبي الدنيا، عبد الله بن محمد بن عبيد القرشي، المنامات، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، ط1ـ 1413هـ.

5. ابن أبي شيبة الكوفي، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق وتخريج وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1403هـ.

6. ابن أبي عاصم الضحاك، أبو بكر عمرو الشيباني، كتاب السنّة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3ـ 1993م.

7. ابن أبي يعلى، أبو الحسين، محمد بن محمد، طبقات الحنابلة، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

8. ابن الأثير الجزري، عزّ الدين أبو الحسن علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

9. ابن الأثير الجزري، عزّ الدين أبو الحسن علي بن محمد، الكامل في التاريخ، الناشر: دار صادر ـ بيروت، طبعة عام 1386هـ.

10.         ابن الأثير الجزري، مجد الدين، أبو السعادات، المبارك بن محمد، جامع الأصول، تحقيق وتعليق: عبد القادر الأرنؤوط، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1420هـ.

11.         ابن الأثير الجزري، مجد الدين أبو السعادات، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط4ـ 1364ش.

12.         ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، الفتاوى الكبرى، قدم له: حسنين محمد مخلوف، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

13.         ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد العاصمي وابنه محمد، الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط2.

14.         ابن تيمية، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1ـ 1406هـ.

15.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، تحقيق: حسن السقاف، الناشر: دار الإمام النووي ـ الأردن، ط3ـ 1413هـ.

16.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تحقيق: خليل الميس، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1403هـ.

17.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، كشف المشكل من حديث الصحيحين، تحقيق: علي حسين البواب، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، طبعة عام 1418هـ.

18.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1415هـ.

19.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، الموضوعات، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1386هـ.

20.         ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، مناقب أحمد، تحقيق: د. عبد الله بن محسن التركي، الناشر: هجر للطباعة والنشر.

21.         ابن حبان، التميمي البستي، محمد بن حبان، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 2ـ 1414هـ.

22.         ابن حبان، التميمي البستي، محمد، كتاب الثقات، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند، ط1ـ 1993م.

23.         ابن حبان، التميمي البستي، محمد، كتاب المجروحين، تحقيق: محمود إبراهيم زايد.

24.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

25.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تقريب التهذيب، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1415هـ.

26.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1984م.

27.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الدراية في تخريج أحاديث الهداية، صححه وعلق عليه: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

28.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق: محمد عبد المعيد، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ الهند، ط2ـ 1972م.

29.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط2.

30.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، القول المسدد في مسند أحمد، الناشر: عالم الكتب، طبعة عام 1404هـ.

31.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، لسان الميزان، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط2.

32.         ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، هدي الساري مقدمة فتح الباري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

33.         ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، أسماء الصحابة الرواة وما لكلّ واحد من العدد، تحقيق: مسعد السعدني، الناشر: مكتبة القرآن للطبع والنشر ـ القاهرة.

34.         ابن حزم الظاهري، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، الناشر: مكتبة الخانجي ـ القاهرة.

35.         ابن حيان، عبد الله بن محمد بن جعفر، طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها، تحقيق: عبد الغفور عبد الحق البلوشي، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط2ـ 1412هـ.

36.         ابن خزيمة، أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، أبو بكر السلمي النيسابوري، صحيح ابن خزيمة، تحقيق وتعليق وتخريج وتقديم: د. محمد مصطفى الأعظمي، الناشر : المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1412هـ.

37.         ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، تاريخ ابن خلدون (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

38.         ابن خلكان، أبو العباس، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، الناشر: دار الثقافة.

39.         ابن داود الحلي، رجال ابن داود، تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف، طبعة عام 1392هـ.

40.         ابن سعد، أبو عبد الله، محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

41.         ابن شاهين، أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان، تاريخ أسماء الثقات، تحقيق: صبحي السامرائي، الناشر: دار السلفية ـ تونس، ط1ـ 1404هـ.

42.         ابن الصباغ المالكي، علي بن محمد بن أحمد، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، تحقيق: سامي الغريري، الناشر: دار الحديث، ط1ـ 1422هـ.

43.         ابن طلحة الشافعي، كمال الدين محمد، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تحقيق: ماجد أحمد العطية.

44.         ابن طولان، شمس الدين، ذخائر القصر في نبلاء العصر ـ نسخة مخطوطة.

45.         ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1.

46.         ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، جامع بيان العلم وفضله، الناشر: دار الكتب العلمية، طبعة عام 1398هـ.

47.         ابن العجمي، إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي، الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث، تحقيق وتعليق: صبحى السامرائي، الناشر: عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

48.         ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد، عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

49.         ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1415هـ.

50.         ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، تأويل مختلف الحديث، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

51.         ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، عيون الأخبار، كتاب الحرب، تحقيق: لجنة دار الكتب المصرية، الناشر: مطبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة، ط2ـ 1966م.

52.         ابن قدامة المقدسي، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

53.         ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب، الروح، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1975م.

54.         ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب، زاد المعاد، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية  ـ بيروت ـ الكويت، ط14، 1407هـ

55.         ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

56.         ابن كثير الدمشقي، أبو الفداء، إسماعيل، تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة عام 1412هـ. ونشر: بيت الأفكار الدولية، طبعة عام 1420هـ.

57.         ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

58.         ابن المغازلي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي، مناقب علي بن أبي طالب×، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت، ط3ـ 1424هـ.

59.         ابن الملقن، سراج الدين عمر بن علي بن أحمد الأنصاري، المقنع في علوم الحديث، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، الناشر: دار فواز للنشر ـ السعودية، ط1ـ 1413هـ.

60.         ابن منظور، أبو الفضل، جمال الدين بن مكرم، لسان العرب، الناشر: دار صادر ـ بيروت، ط1.

61.         ابن ميثم البحراني، كمال الدين، أبو الفضل ميثم بن علي، النجاة من القيامة في تحقيق أمر الإمامة، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ط1ـ 1417هـ.

62.         ابن النجار البغدادي، محب الدين، أبو عبد الله محمد بن محمود، ذيل تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر يحيى، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

63.         أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1ـ 1422هـ.

64.         أبو داود، ابن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكر، ط1ـ 1410هـ.

65.         أبو رية، محمود، أضواء على السنة المحمدية، الناشر: البطحاء، ط5.

66.         أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى، تاريخ المذاهب الإسلامية، الناشر: دار الفكر العربي، طبعة عام 1989م.

67.         أبو زهو، محمد محمد، الحديث والمحدثون، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، طبعة عام 1404هـ

68.         أبو نعيم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1405هـ.

69.         أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث.

70.         الأربلي، أبو الحسن علي بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الأئمّة، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت.

71.         الأردبيلي، الغروي، محمد بن علي، جامع الرواة، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم ـ إيران.

72.         الأردبيلي، الغروي، محمد بن علي، زبدة البيان في أحكام القرآن، تحقيق: محمد باقر البهبودي، الناشر: المكتبة الرضوية ـ طهران.

73.         الإسفراييني، أبو المظفّر، طاهر بن محمد، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق: كمال يوسف الحوت، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت، ط1ـ 1983م.

74.         الأشعري القمي، أبو القاسم سعد بن عبد الله، المقالات والفرق، تصحيح: د. محمد جواد مشكور، الناشر: مركز انتشارات علمي وفرهنگي ـ قم، ط1ـ 1341هـ ش.

75.         الأصبهاني، أبو الفرج، علي بن الحسين بن محمد، الأغاني، تحقيق: سمير جابر، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط2.

76.         الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ.

77.         الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

78.         الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح سنن الترمذي، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض، ط2ـ 1422هـ.

79.         الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح الجامع الصغير وزيادته، الناشر: المكتب الإسلامي، ط3ـ 1408هـ.

80.         الألباني، محمد ناصر الدين، ضعيف سنن الترمذي، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

81.         الأمين، محسن، أعيان الشيعة، حققه وأخرجه: حسن الأمين، الناشر: دار التعارف ـ بيروت.

82.         الأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط4ـ 1977م.

83.         الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد الشافعي، المواقف، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، ط1ـ 1997م.

84.         البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، التاريخ الكبير، الناشر : المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا.

85.         البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح) الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1401هـ. وترقيم الأحاديث نسخة: بيت الأفكار الدولية، اعتنى به: أبو صهيب الكرمي، طبعة عام 1419هـ.

86.         البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، مسند البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، الناشر: مؤسسة علوم القرآن ـ بيروت، ط1ـ 1409هـ.

87.         البسوي، أبو يوسف بن سفيان، المعرفة والتاريخ، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، الناشر: مكتبة الدار بالمدينة المنوّرة، ط1ـ 1410هـ.

88.         البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد، الفَرْقُ بين الفِرَق وبيان الفرقة الناجية، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت، ط1ـ 2005م.

89.         البغوي، الحسين بن مسعود الشافعي، تفسير البغوي (معالم التنزيل)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

90.         البغوي، الحسين بن مسعود الشافعي، مصابيح السنة، إشراف: إبراهيم محمد رمضان، الناشر: دار القلم.

91.         البكري الدمياطي، محمد شطا، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

92.         البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: د. سهيل زكار، ود. رياض زركلي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

93.         البيضاوي، ناصر الدين عبد الله الشيرازي، تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

94.         البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، علّق عليه: د. عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ودار الريان للتراث، ط1ـ 1408هـ

95.         البيهقي، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

96.         البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، شعب الإيمان، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

97.         الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي (الجامع الصحيح) تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3ـ 1983م.

98.         التستري، محمد تقي، قاموس الرجال، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط1ـ 1419هـ.

99.   التستري، نور الله، إحقاق الحق وإزهاق الباطل، نسخة مطبوعة مع شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي، الناشر: مكتبة السيد المرعشي ـ قم.

100.   التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله، شرح المقاصد في علم الكلام، الناشر: دار المعارف النعمانية ـ باكستان، ط1ـ 1401هـ.

101.   التفرشي، مصطفى بن الحسين الحسني، نقد الرجال, الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

102.   التهانوي الحنفي، ظفر أحمد، إعلاء السنن، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1421هـ.

103.   الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف، أبو زيد المالكي، تفسير الثعالبي (الجواهر الحسان في تفسير القرآن)، تحقيق: الشيخ محمد عوض، والشيخ عادل عبد الموجود، ود. عبد الفتاح أبو سنة، الناشر: دار إحياء التراث العربي ، مؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

104.   الثعلبي، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، تفسير الثعلبي (الكشف والبيان)، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1422هـ.

105.   الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، الحيوان، الناشر: دار الجبل ـ لبنان، طبعة عام 1416هـ.

106.   الجرجاني، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، الكامل في ضعفاء الرجال، قراءة وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط3ـ 1409هـ.

107.   الجرجاني، علي بن محمد، شرح المواقف، ط1ـ 1325هـ، مصر.

108.   الجصاص، أبو بكر أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، تخريج: عبد السلام شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1994م.

109.   جمال الدين، أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد، منتقى الجمان، تعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، طبعة عام 1406هـ.

110.   الجوزجاني، أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب، أحوال الرجال، الناشر: مدرسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 1405هـ.

111.   الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط4 ـ 1407هـ.

112.   الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، إشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

113.   الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، معرفة علوم الحديث، تحقيق: السيد معظم حسين، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1397هـ.

114.   الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، نشر وتحقيق: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم المشرفة، ط2ـ 1414هـ.

115.   الحسكاني، عبد الله بن أحمد، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ إيران، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، ط1ـ 1411هـ.

116.   حسين، طه، الفتنة الكبرى ـ علي وبنوه، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة، ط13.

117.   حسين، محمد كامل، أدب مصر الفاطمية، الناشر: دار الفكر العربي ـ القاهرة، ط1ـ 1970م.

118.   الحموي الرومي، أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله البغدادي، معجم البلدان، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1399هـ.

119.   الخزاز القمي، أبو القاسم علي بن محمد، كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الخوئي، الناشر: بيدار، طبعة عام 1401هـ.

120.   الخزرجي الأنصاري، صفي الدين، أحمد بن عبد الله، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب ـ دار البشائر الإسلامية، ط4ـ 1411هـ.

121.   الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، تاريخ بغداد، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

122.   الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، تقييد العلم، تحقيق: يوسف العش، الناشر: دار إحياء السنّة النبويّة، ط2ـ 1974م.

123.   الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، الكفاية في علم الرواية، تحقيق: أحمد عمر هاشم، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1405هـ.

124.   الخلال، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد، السنة، تحقيق: عطية الزهراني، الناشر: دار الراية ـ الرياض، ط1ـ 1410هـ.

125.   الخميني، روح الله الموسوي، الحكومة الإسلامية، الناشر: وزارة الإرشاد ـ إيران.

126.   الخميني، روح الله الموسوي، كتاب الطهارة، مطبعة الآداب في النجف الأشرف، طبعة عام  1389هـ.

127.   الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي، البيان في تفسير القرآن، الناشر: دار الزهراء ـ بيروت، ط4ـ 1395هـ.

128.   الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي، كتاب الطهارة، ط3ـ 1410هـ، الناشر : دار الهادي للمطبوعات ـ قم.

129.   الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي، معجم رجال الحديث، ط5ـ 1413هـ.

130.   الخوارزمي، الحنفي، الموفق بن أحمد، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط2ـ 1414هـ.

131.   الدمشقي الجزائري، طاهر بن صالح بن أحمد، توجيه النظر إلى أصول الأثر، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط1ـ 1416هـ.

132.   الدولابي، محمد بن أحمد الرازي، الذرية الطاهرة، تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، طبعة عام 1407هـ.

133.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

134.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، تذكرة الحفاظ، تصحيح: عبد الرحمن بن يخي المعلمي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

135.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط9ـ 1413هـ.

136.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، العرش، تحقيق: د. محمد بن خليفة التميمي، الناشر: مكتبة أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1420هـ.

137.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، تحقيق: محمد عوامة، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة، ط1ـ 1413هـ.

138.   الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ط1ـ 1963م.

139.   الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الشافعي الطبرستاني، التفسير الكبير، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1421هـ.

140.   الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم (تفسير القرآن)، تحقيق: أسعد محمد الطيب، الناشر: المكتبة العصرية.

141.   الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، الجرح والتعديل، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1371 هـ.

142.   الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، بيان خطأ البخاري، الناشر: المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا.

143.   الرازي، فخر الدين محمد بن عمر بن حسين، المحصول في علم الأصول، تحقيق: طه جابر العلواني، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود ـ الرياض، ط1ـ 1400 هـ.

144.   الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، تحقيق: أحمد شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

145.   الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، الناشر: دفتر نشر الكتاب ـ إيران، ط2ـ 1404هـ.

146.   الروياني، محمد بن هارون، مسند الروياني، تحقيق: أيمن علي أبو يماني، الناشر: مؤسسة قرطبة ـ القاهرة، ط1ـ 1416هـ.

147.   الزبيدي، محب الدين أبو فيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي الحنفي، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1994م.

148.   الزبير بن بكار، الأخبارالموفقيّات، تحقيق: د. سامي العاني، الناشر: عالم الكتب، ط2ـ 1416هـ.

149.   الزركشي، أبو عبد الله، محمد بن بهادر بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط1ـ 1957م.

150.   الزركشي، أبو عبد الله، محمد بن بهادر بن عبد الله، النكت على مقدمة ابن الصلاح، تحقيق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج، الناشر: أضواء السلف ـ الرياض، ط1ـ 1419هـ.

151.   الزركلي، خير الدين بن محمود الدمشقي، الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط5ـ 1980م.

152.   الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمي، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل وبهامشه الكاف الشاف في تحرير أحاديث الكشّاف لابن حجر العسقلاني، الناشر: منشورات البلاغة، طبعة مصورة.

153.   الزيلعي، جمال الدين عبد الله بن يوسف الحنفي، تخريج الأحاديث والآثار، الناشر: دار ابن خزيمة، ط1ـ 1414هـ.

154.   السبحاني، جعفر، بحوث في الملل والنحل، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط5ـ 1415هـ.

155.   سبط ابن الجوزي، أبو المظفّر يوسف بن قزغلي، تذكرة الخواص، الناشر: ذوي القربى ـ قم، ط1ـ 1427هـ.

156.   السخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن، استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف، تحقيق ودراسة: خالد بن أحمد الصمي بابطين، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، طبعة عام 1421هـ.

157.   السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهيل، اُصول السرخسي، تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1414هـ.

158.   سزگين، فؤاد، تاريخ التراث العربي، مراجعة: د. عرفة مصطفى، ود. سعيد عبد الحميد، الناشر: إدارة الثقافة والنشر، طبعة عام 1411هـ.

159.   السلمي، محمد بن الحسين الأزدي، تفسير السلمي (حقائق التفسير)، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1ـ 1421 هـ.

160.   السمعاني، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور، الأنساب، تعليق: عبد الله البارودي، الناشر: دار الجنان ـ بيروت، ط1ـ 1408هـ.

161.   السمعاني، أبو المظفّر منصور بن محمد، تفسير السمعاني (تفسير القرآن)، الناشر: دار الوطن ـ الرياض، ط1ـ 1418 هـ.

162.   السمهودي، علي بن عبد الله الحسني، جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب العلي، تحقيق: موسى بناي العليلي، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ بغداد.

163.   السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء، تحقيق: محمد محيي الدين، الناشر: مطبعة السعادة ـ مصر، ط1ـ 1371هـ.

164.   السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

165.   السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1418هـ.

166.   السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الحاوي للفتاوي، تحقيق: الشيخ خالد الطرطوسي، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، طبعة عام 1425هـ.

167.   السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الخصائص الكبرى، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1405هـ.

168.   السيوطي، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، طبعة عام 1993م.

169.   السيوطي، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر، لباب النقول في أسباب النزول، الناشر: دار إحياء العلوم ـ بيروت.

170.   الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي، الموافقات في اُصول الفقه، تحقيق: عبد الله دراز، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

171.   الشافعي، محمد بن إدريس، كتاب الأمّ، الناشر: دار الفكر، ط2ـ 1403هـ.

172.   الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي، نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، الناشر: دار الذخائر ـ قم، ط1ـ 1412هـ.

173.   الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، العقد الثمين في وصاية أمير المؤمنين، الناشر: إدارة الطباعة المنيرية، طبعة عام 1348 هـ.

174.   الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

175.   الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، مجموعة الرسائل اليمينة، الرسالة الثانية: العقد الثمين في وصاية أمير المؤمنين، الناشر: إدارة الطباعة المنيرية ـ القاهرة.

176.   الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار، الناشر: دار الجيل ـ بيروت، طبعة عام 1973م.

177.   الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

178.   الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1ـ 1403هـ.

179.   الشيباني، أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، الناشر: دار صادر ـ بيروت. ونشر: دار الحديث ـ القاهرة، تعليق: حمزة أحمد الزين، وأحمد محمد شاكر، ط1ـ 1995م.

180.   الشيبي، كامل مصطفى، الصلة بين التصوف والتشيّع، الناشر: دار الأندلس، ط3ـ 1982م.

181.   الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1423هـ.

182.   الصافي، لطف الله، لمحات في الكتاب والحديث والمذهب، الناشر: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة ـ قم.

183.   صالح، أحمد عباس، اليمين واليسار في الإسلام، الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت، ط2ـ 1973م.

184.   صبحي، أحمد محمود، نظرية الإمامة، الناشر: دار النهضة العربية ـ بيروت، طبعة عام 1411هـ.

185.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الاعتقادات في دين الإمامية، تحقيق: عصام عبد السيد، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

186.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، التوحيد، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

187.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الخصال، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، طبعة عام 1403هـ.

188.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صفات الشيعة، الناشر: كانون انتشارات عابدي ـ طهران.

189.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا×، تحقيق: حسين الأعلمي، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، طبعة عام 1404هـ.

190.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة, تحقيق: علي أكبر غفاري، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، طبعة عام 1405هـ.

191.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، معاني الأخبار، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، طبعة عام 1379هـ ش.

192.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، من لا يحضره الفقيه، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم المشرفة.

193.   الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الهداية، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام الهادي× ـ قم، ط1ـ 1418هـ

194.   الصفّار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد^، تصحيح وتعليق وتقديم: ميرزا كوجه باغي، الناشر: منشورات الأعلمي ـ طهران، طبعة عام 1414هـ.

195.   الصفدي، صلاح الدين خليل، الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرنؤوط، وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت، طبعة عام 1420هـ.

196.   الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، المصنف، تحقيق وتخريج وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

197.   الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

198.   الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسني، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة، طبعة عام 1415هـ.

199.   الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الصغير، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

200.   الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط2ـ 1404هـ.

201.   الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1ـ 1417هـ.

202.   الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق: السيد محمد باقر الخرسان، الناشر: دار النعمان ـ النجف الأشرف.

203.   الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، مراجعة: نخبة من العلماء، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط4ـ 1403هـ.

204.   الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1415هـ.

205.   الطبري، محمد بن جرير، المنتخب من كتاب ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

206.   الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة، شرح مشكل الآثار، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ لبنان، ط1ـ 1978م.

207.   الطرابلسي الشافعي، محمد رشيد رضا، الوحي المحمدي، الناشر: مؤسسة عزّ الدين، ط2ـ 1406هـ.

208.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، تصحيح وتعليق: مير داماد الاسترابادي، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم، طبعة عام 1404هـ.

209.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، رجال الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط1ـ 1415هـ.

210.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، الرسائل العشر، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

211.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، الفهرست، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط1ـ 1417هـ.

212.   الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن، كتاب الغيبة, تحقيق: الشيخ عبد الله الطهراني ـ أحمد الناصح، الناشر: مؤسسة المعارف ـ قم، ط1ـ 1411هـ.

213.   الطيالسي، سليمان بن داود، مسند الطيالسي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

214.   ظهير، إحسان إلهي، الشيعة والتشيع، إدارة ترجمان السنة ـ لاهور/ باكستان، مكتبة بيت السلام ـ الرياض.

215.   العجلوني الجراحي، إسماعيل بن محمد، كشف الخفاء ومزيل الالتباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط3ـ 1408هـ.

216.   العجلي، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح، معرفة الثقات، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة، ط1ـ 1405هـ.

217.   العراقي، زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسيني، طرح التثريب في شرح التقريب، تحقيق: عبد القادر محمد علي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 2000م.

218.   العسكري، مرتضى، عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرى، الناشر: المجمع العالمي الإسلامي، ط1ـ 1997م.

219.   العظيم آبادي، أبو الطيب محمد شمس الحق، عون المعبود شرح سنن أبي داود، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

220.   العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو المكي، كتاب الضعفاء الكبير، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط2ـ 1418هـ.

221.   العلاّمة الحلّي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط1ـ 1417هـ.

222.   العلوي، محمد بن عقيل بن عبد الله، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، الناشر: دار الثقافة ـ قم.

223.   علي، محمد كرد، خطط الشام، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، ط2ـ 1390هـ.

224.   عمارة، محمد، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بغداد، ط2ـ 1984م.

225.   العيني، بدر الدين أبو محمد، محمد بن أحمد الحنفي، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

226.   الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، تقديم د. إبراهيم جوبوقجي ود. حسين آتاي، طبعة جامعة أنقرة، كلية الإلهيات، طبعة عام 1962م.

227.   الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، مجموعة رسائل الغزالي ـ الرسالة اللدنية، تحقيق: إبراهيم أمين لحد، الناشر: المكتبة التوفيقية ـ مصر.

228.   الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد، كتاب العين، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، ط2ـ 1410هـ.

229.   الفياض، عبد الله، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، ط2ـ 1975م.

230.   الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

231.   القاري، علي بن سلطان محمد، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1422هـ.

232.   القاسمي، محمد جمال الدين، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1399هـ.

233.   القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1421هـ.

234.   القرطبي الأنصاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تحقيق: إبراهيم أبو طفيش، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1405هـ.

235.   القرطبي، الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، حققه وعلق عليه: محيي الدين ديب مستو، يوسف علي بديوي، أحمد محمد السيد، محمود إبراهيم البزال، الناشر: دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق ـ بيروت، ط1ـ 1417هـ.

236.   القزويني، محمد الحسيني، قصة الحوار الهادئ، الناشر: مؤسسة وليّ العصر ـ قم، ط1ـ 1427هـ

237.   القسطلاني، شهاب الدين أحمد، إرشاد الساري شرح صحيح البخاري الناشر: دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1421هـ.

238.   القضاعي، محمد بن سلامة، مسند الشهاب، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1ـ 1407هـ.

239.   القفاري، ناصر بن عبد الله بن علي، اُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة، ط3ـ 1418هـ.

240.   القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق : سيد علي جمال أشرف الحسيني، الناشر: دار الأسوة، ط1ـ 1416هـ.

241.   القوشجي الأشعري، علاء الدين علي بن محمد، شرح تجريد الاعتقاد، (نسخة مخطوطة).

242.   القهبائي، زكي الدين عناية الله بن مشرف الدين، مجمع الرجال، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

243.   كاشف الغطاء، محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، تحقيق: علاء آل جعفر، الناشر: مؤسسة الإمام علي×، ط1ـ 1415هـ.

244.   كحالة، عمر رضا، معجم قبائل العرب، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، طبعة عام 1388هـ.

245.   الكراجكي، أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان، الاستنصار، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت، ط2ـ 1405هـ.

246.   الكليني البغدادي، أبو جعفر، محمد بن يعقوب، الكافي، تعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية.

247.   المازندراني، محمد صالح، شرح اُصول الكافي مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط1ـ 1421هـ.

248.   المالكي، حسن بن فرحان، نحو انقاذ التاريخ الإسلامي، الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية، طبعة عام 1418هـ.

249.   المالكي، حسن بن فرحان، مع الدكتور سليمان العودة في عبد الله بن سبأ، الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ عمان ـ الأردن، طبعة عام 1425هـ.

250.   المباركفوري، أبو العلاء، محمد عبد الرحمن، تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1410هـ.

251.   المبرد، أبو العباس، محمد بن يزيد، الكامل في اللغة، تحقيق: د. محمد أحمد الدالي، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

252.   المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: بكري حياني، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، طبعة عام 1409هـ.

253.   مجاهد، أبو الحجاج بن جبر، تفسير مجاهد، تحقيق: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية ـ إسلام آباد.

254.   المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، ط3 ـ 1403هـ.

255.   المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط2ـ 1404هـ.

256.   المحقق الحلي، نجم الدين، أبو القاسم، جعفر بن الحسن بن سعيد، المسلك في اُصول الدين، تحقيق: رضا الاستادي، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، ط2ـ 1421هـ.

257.   محمد بن عبد الوهاب، مجموعة مؤلفات محمد بن عبد الوهاب، ط2ـ 1423هـ.

258.   محمد بن عبد الوهاب، مختصر السيرة، تحقيق: عبد العزيز بن زيد الرومي، د. محمد بلتاجي، د. سيد حجاب، الناشر: مطابع الرياض ـ الرياض، ط1.

259.   المرتضى، علم الهدى، أبو القاسم علي بن الحسين، الشافي في الإمامة، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط2ـ 1410هـ.

260.   المزي، أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن، تهذيب الكمال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط4ـ 1413هـ.

261.   المصري الشافعي، أبو المنذر سامي بن أنور، الزهرة العطرة في حديث العترة، الناشر: دار الفقيه ـ مصر، طبعة عام 1969م.

262.   المطهر الحلي، علي بن يوسف، العدد القوية, تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة ـ قم، ط1ـ 1408هـ.

263.   المظفّر، محمد رضا، اُصول الفقه، الناشر : جماعة المدرّسين ـ قم.

264.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

265.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، أوائل المقالات، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

266.   المفيد، العكبري البغدادي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، تصحيح اعتقادات الإمامية، الناشر: دار المفيد ـ بيروت، ط2ـ 1414هـ.

267.   المقريزي، أبو العباس، أحمد بن علي بن عبد القادر، النزاع والتخاصم، تحقيق: السيد علي عاشور.

268.   المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تصحيح: أحمد عبد السلام، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1ـ 1415هـ.

269.   المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، الناشر: المؤسسة العربية الحديثة ـ القاهرة، ط2ـ 1382هـ ش.

270.   ميرداماد، محمد باقر الحسيني الاسترآبادي، الرواشح السماوية، تحقيق: غلام حسين قيصريه‌ها، نعمة الله الجليلي، الناشر: دار الحديث، ط1ـ 1422هـ.

271.   النجاشي، أبو العباس، أحمد بن علي بن أحمد، رجال النجاشي، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط5ـ 1416هـ.

272.   نخبة من الرواة، الأصول الستة عشر، الناشر: دار الشبستري للمطبوعات ـ قم، ط2ـ 1405 هـ.

273.   النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، تحقيق: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.

274.   النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، السنن الكبرى، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، ط1ـ 1411هـ.

275.   النسائي، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي، السنن، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، ط1ـ 1348هـ.

276.   النسفي، أبو البركات، عبد الله بن أحمد بن محمود، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، تحقيق: مروان محمد الشعار، الناشر: دار النفائس ـ بيروت، طبعة عام 2005م.

277.   النشار، علي، نشأة الفكر الفلسفي، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة، ط8.

278.   النعماني، محمد بن إبراهيم، كتاب الغيبة، الناشر: أنوار الهدى ـ قم، طبعة عام 1422هـ.

279.   النوبختي، أبو محمد، الحسن بن موسى، فرق الشيعة، صحّحه وعلّق عليه: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، الناشر: المكتبة المرتضوية ـ النجف الأشرف، طبعة عام 1355هـ.

280.   النوري الطبرسي، حسين بن محمد تقي، خاتمة مستدرك الوسائل، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم، ط1ـ 1415هـ.

281.   النووي، أبو زكريا، محيي الدين، المجموع (شرح المهذب)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

282.   النووي، أبو زكريا، محيي الدين، شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، طبعة عام 1407هـ.

283.   النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم (الجامع الصحيح)، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وترقيم الأحاديث نسخة دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1421هـ، اعتنى به: صدقي جميل العطار.

284.   الواحدي النيسابوري، أبو الحسن علي بن أحمد، أسباب نزول الآيات، الناشر: مؤسسة الحلبي وشركاه ـ القاهرة، طبعة عام 1388هـ

285.   الوردي، علي حسين عبد الجليل، وعّاظ السلاطين، الناشر: دار كوفان ـ لندن، ط2 ـ 1995م.

286.   الهروي، الأمير جمال الدين، الأربعين في فضائل أمير المؤمنين، تحقيق: محمد حسن زبري القايني، الناشر: مؤسسة الطبع التابعة للأستانة الرضوية، إيران، ط2ـ 1421هـ.

287.   الهلابي، عبد العزيز صالح، عبد الله بن سبأ، دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة، الناشر: صحارى للطباعة ـ لندن، ط2ـ 1989م.

288.   الهيتمي، ابن حجر، المكي، أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي، الصواعق المحرقة، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي، وكامل محمد الخراط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ط1ـ 1997م.

289.   الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، طبعة عام 1408هـ.

290.   اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، تاريخ اليعقوبي، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

المجلات:

مجلة المجمع العلمي العراقي.

مجلّة الرسالة.


محتويات الكتاب

المقدمة. 9

نظرة إلى محتوى كتاب ا ُصول مذهب الشيعة. 23

نقد منهج القفاري.. 26

خصائص الكتاب.. 27

دوافع المصنف وأهدافه. 28

المنهج الذي اشترطه القفاري على نفسه. 30

مناقشة القفاري فيما اشترطه على نفسه. 30

شواهد على عدم التزام القفاري بمنهجه. 31

الافتراءات على الشيعة. 31

أسلوب تقطيع الأحاديث.. 36

افتقاره للأمانة العلمية وعدم الرعاية في النقل. 41

جهله بمباني وضروريات المذهب الشيعي.. 43

تهافت القفاري.. 48

خروجه عن أدب الحوار 50

هدفنا من الرد على الكتاب.. 51

منهجنا في رد شبهاته. 53

خطة البحث.. 55

شكر وتقدير 57

الباب الأول. 59

شبهات حول عقيدة الشيعة بالسنة النبوية. 59

الشبهة: الشيعة لا يؤمنون بالسنة النبوية. 61

تمهيد. 61

أسباب اختيار الشيعة طريق أهل البيت^. 62

السبب الأول: 62

السبب الثاني: 62

مناشئ السبب الأول. 62

1ـ حديث الثقلين.. 63

من هم أهل البيت؟. 64

معنى التمسك بأهل البيت.. 65

2ـ حديث السفينة. 66

3ـ حديث النجوم. 68

4ـ حديث الاثني عشر خليفة. 70

أهل السنة يختلفون في تفسير حديث: الأئمة اثنا عشر 73

ابن عربي لا يرى للحديث معنى.. 74

النووي يرى تفسير الحديث مرتبطاً بعلم الله تعالى.. 74

ابن الجوزي لا يرى أحداً ينطبق عليه الحديث.. 75

ابن كثير والسيوطي يريان أن المهدي من الاثني عشر 75

مناشئ السبب الثاني في اختيار الشيعة لطريق أهل البيت   77

1ـ منع التدوين والتحديث.. 78

2 ـ الأمر بإحراق الأحاديث.. 79

3ـ تعرض السنة للتغيير والتبديل. 81

4ـ اختلاف الصحابة في رواية السنة وفهمها 84

اعتراض الصحابة بعضهم على بعض... 84

قلة اهتمام الصحابة بالرواية عن رسول الله 85

جهل الصحابة بالسنة النبوية. 86

5 ـ بنو أمية وتدوين الحديث.. 91

الناس يتركون علوم علي وأهل البيت ^. 97

الاحتجاج بالنواصب وترك الاحتجاج بروايات الإمام الصادق.. 97

شيوع ظاهرة الوضع وكثرة الفرق والبدع. 100

الإسرائيليات في كتب أهل السنة. 101

كتب الصحاح لم تخل من الخرافات والاسرائيليات.. 103

ابن كثير يشخص الكثير من الاسرائيليات المنقولة عن كعب   104

اختلاف النظريات في الجرح والتعديل ودوره في اضطراب السنة  107

الشبهة: قول الإمام كقول الله ورسوله. 108

الجواب: 110

الأئمة حفظة السنة النبوية وحماتها 110

سنة الأئمة لا تختلف عن سنة النبي 115

سنة الخلفاء عند أهل السنة. 116

الأئمة يبينون الأحكام الواقعية. 117

الأئمة ليسوا من قبيل الرواة. 118

دعوى أن علوم الأئمة عند الشيعة وحي وإلهام من الله... 124

بيان الدعوى.. 127

الشبهة: علم الأئمة الإلهامي وحي.. 129

أساسيات الشبهة. 129

الجواب: 129

تمهيد: الإمامة سفارة إلهية وامتداد للرسالة المحمدية. 129

علوم الأئمة وآليات تحققها 133

العلم الحادث.. 133

النقر في الأسماع وتحديث الملك.. 136

الشبهة: أرواح أئمة الشيعة تطوف بالعرش كل جمعة. 143

أساسيات الشبهة. 143

لمحة عن الروح وحقيقتها 144

تكامل الروح وطرق تلقيها للعلوم الإلهية. 145

معنى العرش وعروج الروح إليه. 147

فضيلة يوم الجمعة. 152

الشبهة: الله يناجي علياً× فهو يوحي إليه. 154

الجواب: 154

النجوى تحديث وليست وحياً 154

معنى النجوى.. 155

الله تعالى ينتجي علياً×. 156

المناجاة في روايات أهل السنة. 158

1 ـ رواية الترمذي.. 158

سند الرواية. 158

2 ـ رواية ابن أبي عاصم. 159

سند الرواية. 160

تضعيف الألباني لروايات أبي الزبير عن جابر 160

المناقشة. 161

الحديث في كتب الحفاظ. 168

معنى الحديث.. 168

الشبهة: جبريل يملي وحياً على علي×. 171

بيان الشبهة. 171

الجواب: 171

لم يكن إملاء جبرائيل لعلي وحياً 171

الشبهة: ادعاء الشيعة بأن الله يتحف علياً×. 176

ركائز الشبهة. 176

تمهيد. 176

المؤمن موضع محبة الله... 178

علي× ملئ إيماناً من رأسه حتى قدميه. 179

حب علي× علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق.. 181

علي× حبيب الله... 183

إكرام الله تعالى لعلي×. 184

تحف الله تعالى لمريم ÷. 185

الشبهة: الشيعة يعتقدون أن أئمتهم يرون أعمال العباد. 188

بيان الشبهة: 188

الجواب: 188

الاعتقاد برؤية الأعمال يلائم القرآن والسنة. 188

الإمامة والهداية. 189

الهداية ورؤية الأعمال. 190

رؤية الأعمال في القرآن والسنة. 191

التفسير الأقرب إلى الصحة. 196

رؤية أعمال العباد في السنة النبوية. 199

الشهادة ورؤية الأعمال. 202

رؤية الأعمال وأثرها في كمال العمل وتمامه. 208

آليات وطرق رؤية الأعمال. 210

الشبهة: عدم انقطاع الوحي عند الشيعة. 213

بيان الشبهة. 213

الجواب: انقطاع الوحي عند الشيعة من ضروريات مذهبهم  214

أدلة الشيعة على انقطاع الوحي.. 214

الشبهة: أن الأئمة عند الشيعة متى شاؤوا أوحي إليهم  218

تمهيد. 218

مرتكزات الشبهة. 218

قلب المؤمن يشرق بنور الله... 219

دوام الفيض الإلهي.. 222

إيمان أهل البيت^ وعلومهم. 223

علم الإمام ليس وحياً 224

الباب الثاني.. 227

شبهات حول عقيدة الشيعة بالإمامة. 227

الفصل الأول. 229

شبهات حول مفهوم الإمامة ومنزلتها 229

مقدمة في الإمامة. 231

مفهوم الإمامة. 231

الإمامة لغة. 232

الإمامة في الاصطلاح. 232

الاصطفاء حقيقة قرآنية. 234

حاجة الإمامة إلى الاصطفاء الإلهي.. 239

الأدلة على اصطفاء أهل البيت ^. 239

الإمامة عهد إلهي.. 242

الإمامة الإلهية أعلى مرتبة من النبوة. 245

مصطلح الأئمة لا يختص بأئمة أهل البيت ^. 247

ضرورة الإمامة. 248

الإمامة والهداية. 252

الإمامة عند أهل السنة. 254

الشبهة: مفهوم الإمامة لدى الشيعة من اختراعات ابن سبأ 258

تمهيد. 258

الإمامة مفهوم قرآني.. 258

ابن سبأ بين الوهم والواقع. 262

الاختلاف الشديد في شخصية ابن سبأ 263

أصناف العلماء في ابن سبأ 263

الصنف الأول: الذين يؤمنون بأصل وجود ابن سبأ وبضخامة دوره 263

مناقشة الصنف الأول. 264

أولاً: أن سيف بن عمر هو من ضخم دور ابن سبأ 264

ثانياً: هذا الرأي يستلزم الطعن بعدالة الصحابة ومرجعيتهم العلمية  265

عقائد كبار الصحابة تقع تحت تأثير ابن سبأ 265

ابن سبأ يدفع بالصحابة إلى قتل الخليفة عثمان. 269

ثالثاً: تضارب الآراء في شخصية ابن سبأ 272

1ـ التعارض في منشئه وبيئته. 273

2ـ الاختلاف في شخصيته. 274

3ـ التعارض في زمن ظهور نشاطه الفكري.. 275

4ـ تضارب الأقوال في معتقدات ابن سبأ 276

5ـ تعارض الأقوال في زمان إسلامه. 276

تناقض آخر 277

الصنف الثاني: العلماء الذين نفوا أصل وجود شخصية ابن سبأ 278

المنكرون لشخصية عبد الله بن سبأ من الشيعة. 278

المنكرون لعبد الله بن سبأ من أهل السنة. 281

مناقشة المنكرين لأصل وجود شخصية ابن سبأ 285

الصنف الثالث: العلماء الذين ينفون ضخامة تأثيره لا أصل وجوده 289

دواعي تضخيم دور ابن سبأ 291

ابن سبأ في نظر الشيعة. 294

عبد الله بن سبأ في الروايات.. 294

ابن سبأ في كتب الفرق والمقالات.. 295

ابن سبأ في أقوال الرجاليين.. 296

الشبهة: ابن سبأ هو أول من قال بأن الإمامة وصاية من النبي 299

الجواب: الوصية بالإمامة أكبر من أن يخترعها ابن سبأ 299

الوصي والوصية في حديث رسول الله 303

الوصية في أحاديث الدار 303

الرواية الأولى ودراسة سندها 304

الرواية الثانية ودراسة سندها 308

رواية: وصيي علي بن أبي طالب×. 316

دراسة في سند الرواية. 317

رواية: اتخذت عليا× وصياً 322

دراسة في سند الرواية. 322

رواية: علي× وصيي ووارثي.. 326

دراسة في سند الرواية. 326

أحاديث الوصية وموضوعات ابن الجوزي.. 331

شهرة حديث الوصية بين الصحابة وغيرهم. 334

إنكار عائشة الوصية لا يدل على عدمها 335

الشوكاني ينكر على عائشة نفيها الوصية. 337

الوصية على لسان أهل بيت النبي 340

الوصي في كتب اللغة. 341

الوصية في الشعر الإسلامي.. 341

الوصية في كلمات الشاعر حسان بن ثابت.. 342

الوصية في كلمات بعض شعراء قريش... 343

الوصية في كلمات الفضل بن عباس... 343

الوصية في كلمات شاعر الأنصار النعمان بن العجلان. 344

الوصية في كلمات المغيرة بن الحارث.. 345

الوصية في شعر السيد الحميري.. 345

الوصية في كلمات المأمون. 346

الوصية في أشعار وأراجيز حرب الجمل وصفين وغيرهما 346

حديث الوصية وأنواع الطمس والتحريف.. 352

الوصية ونزول آية الإنذار 353

حذف كلمة الوصي والوصية. 355

تأويل معنى الوصية. 357

الشبهة: سرية مبدأ الإمامة عند الشيعة. 360

بيان الشبهة. 360

مرتكزات الشبهة. 361

الجواب: الإمامة أمر واضح وصريح في الدين الإسلامي.. 362

تفسير روايات الكتمان والسرية. 365

معنى قوله ×: ولاية الله أسرها إلى جبرائيل. 368

معنى قوله×: ولا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا 371

معنى قوله×: إن أمرنا مستور مقنع بالميثاق.. 373

معنى قوله: ما زال سرنا مكتوماً حتى صار في يد ولد كيسان  373

القفاري يشكك في عدد أئمة الشيعة ^. 374

الروايات الدالة على عدد الأئمة الاثني عشر 374

القسم الأول: الروايات التي نصت على أن الأئمة هم من ولد الحسين ×  374

القسم الثاني: الروايات التي نصت على أسماء الأئمة^ جميعاً 377

الشبهة: حصر أئمة الشيعة بعدد معين يرفضه العقل والمنطق   381

بيان الشبهة. 381

الجواب: 382

الشارع المقدس يؤيد فرضية إمكان حصر العدد. 382

لا محذور عقلي في حصر الأئمة. 383

عدد الأئمة كاف في إيصال الخلق إلى الكمال. 384

الشبهة: اضطرار الشيعة للقول بنيابة المجتهد. 385

الجواب: 385

لم تكن الشيعة مضطرة للخروج عن حصر العدد. 385

حدود نيابة الفقيه وقيام الدولة الإسلامية. 386

الشبهة: إن أئمة الشيعة الإمامية ثلاثة عشر 388

أساسيات الشبهة. 389

الجواب: 390

الاعتقاد باثني عشر إماماً من بدهيات معتقدات الشيعة. 390

علماء أهل السنة يصرحون أن الأئمة اثنا عشر عند الشيعة  391

دعوى أصحية جميع ما ورد في الكافي.. 393

روايات الكليني التي يتوهم منها أن الأئمة ثلاثة عشر 396

روايات الكليني التي وقع فيها التصحيف.. 399

الرواية الأولى: (إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي رز الأرض) 399

ضعف سند الرواية بأبي الجارود. 399

شرح متن الرواية. 400

الكتب التي ذكرت الرواية من دون تصحيف.. 401

أصل أبي سعيد عباد العصفري.. 401

الرواية الثانية: (إن لهذه الامة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها) 402

ضعف سند الرواية بجهالة إبراهيم بن ابي يحيى.. 403

شرح متن الرواية الثانية. 404

الكتب التي ذكرت الرواية الثانية من دون تصحيف.. 405

1ـ كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني.. 405

2ـ كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق.. 405

3ـ الخصال للشيخ الصدوق.. 406

الرواية الثالثة: الأوصياء من ولد فاطمة اثنا عشر آخرهم القائم×  407

ضعف سند الرواية بأبي الجارود. 407

شرح متن الرواية. 407

الكتب التي ذكرت مضمون الرواية من دون إشكال. 407

1ـ كتاب عيون أخبار الرضا× للشيخ الصدوق.. 407

2ـ كتاب الخصال للشيخ الصدوق.. 408

3ـ كتاب العدد القوية لعلي بن يوسف الحلي.. 408

الرواية الرابعة: (الاثنا عشر الإمام ... من ولد رسول الله وولد علي) 409

ضعف سند الرواية بعلي بن سماعة. 409

شرح متن الرواية. 409

الكتب التي ذكرت الرواية من دون تصحيف.. 410

1ـ كتاب عيون أخبار الرضا× للشيخ الصدوق.. 410

2ـ كتاب الإرشاد للشيخ المفيد. 410

الرواية الخامسة: (من ولدي اثنا عشر نقيباً) 411

ضعف سند الرواية. 411

شرح متن الرواية. 411

الكتب التي ذكرت الرواية من دون تصحيف.. 411

أصل العصفري المتقدم ذكره. 411

الأئمة (الاثنا عشر) في روايات الكافي.. 412

الروايات الكثيرة التي مفادها أن الأئمة اثنا عشر 413

نتيجة ومقارنة. 416

الشبهة: هناك فرقة من الشيعة تقول بأن الأئمة ثلاثة عشر 417

الجواب: لا توجد فرقة من الشيعة تقول بذلك.. 417

عدد الأئمة في كتاب سليم بن قيس... 418

لا توجد فرقة من الشيعة تدعي التواتر في أن الأئمة ثلاثة عشر 419

الفصل الثاني.. 421

شبهات حول أدلة الإمامة القرآنية. 421

الشبهة: الاستدلال بآية الولاية إنما هو استدلال بالرواية  423

بيان الشبهة. 423

تمهيد. 423

دخالة سبب النزول في فهم النص القرآني.. 424

علماء أهل السنة يستعينون بأسباب النزول في الاستدلال القرآني   425

الاعتراضات على آية الولاية. 427

الاعتراض الأول: كذب دعوى إجماع السنة على نزول الآية في علي   427

الجواب: أجمع المفسرون على نزول الآية في علي ×. 428

الشبهة: آية الولاية لم تنزل في علي × بإجماع  علماء السنة  437

الجواب: علماء أهل السنة يكذبون هذا الإجماع. 437

الأسانيد المعتبرة في نزول الآية في علي×. 440

أولاً: رواية ابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل. 440

ثانياً: رواية ابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم. 446

ثالثاً: رواية ابن جرير الطبري عن عتبة بن أبي حكيم. 449

رابعاً: رواية الحاكم النيسابوري عن علي×. 450

ابن كثير يرد جميع روايات التصدق بالخاتم. 454

الجواب: 454

ابن كثير لم يذكر تضعيفاً لجميع الروايات.. 454

الاعتراض الثاني: الاستدلال بآية الولاية ينفي إمامة غيرعلي×  457

بيان الشبهة. 457

الجواب: 458

الإمامة سفارة إلهية ونيابة عامة للنبوة في كل زمان. 458

الوجوه الممكنة في الجواب.. 459

الوجه الأول: النفي بمفهوم الآية لا يعارض منطوق ما دل على إمامتهم  459

الوجه الثاني: الحصر الإضافي بالنسبة إلى وقت إمامته يستلزم لغوية الحصر 462

الوجه الثالث: إمامة الأئمة في طول إمامة علي× وليست في عرضها 464

الاعتراض الثالث: الآية لم تنزل في علي× لتضمنها مدحاً للتصدق وهو مما لا يمدح  466

الجواب: 466

التصدق بالصلاة ممدوح. 466

الاعتراض الرابع: لو كانت الآية نازلة في علي لذكرت أوصافه المعروفة  475

بيان الشبهة. 476

الجواب: 476

الآية ذكرت وصفاً حالياً وهو أكثر انطباقاً من الوصف النعتي   476

وصف الحال أبلغ للتمييز 476

السنة النبوية تبينه وتميزه. 477

تعقيب على كلام القفاري.. 484

الاعتراض الخامس: أن علياً× كان فقيراً فكيف تجب عليه الزكاة؟! 486

الجواب: 486

الزكاة لا تختص بالزكاة الواجبة بل تشمل الصدقة. 486

اعتراض على إخراج خاتم الفضة عن الزكاة الواجبة. 490

الاعتراض السادس: قرينة السياق تحدد معنى الولاية بالنصرة 493

بيان الشبهة. 494

بحث في معنى الولاية. 495

وقفتان. 499

الوقفة الأولى: عدم وحدة السياق بين آية الولاية والآيات السابقة  499

الوقفة الثانية: آية الولاية لا تدل على معنى الحب والنصرة 502

القرائن المانعة من أن تكون الولاية بمعنى النصرة. 502

الاعتراض السابع على آية الولاية: لفظة (وليُّكم) في الآية لا تدل على معنى الإمارة 506

بيان الشبهة. 506

الجواب: 507

الولي لغة وعرفاً: من له حق التصرف.. 507

معنى ولاية الله تعالى.. 508

معنى ولاية الرسول وولاية المؤمنين.. 510

الاعتراض الثامن: الولي لغة اسم للولاية ـ بالفتح ـ وهي المحبة والنصرة 513

بيان الشبهة. 513

الجواب: 514

الولي في اللغة والاستعمال هو القرب والدنو الخاص... 514

مصادر الكتاب.. 521

محتويات الكتاب.. 557



([1]) آل عمران: 103.

([2]) الأنفال: 46.

([3]) آل عمران: 105.

([4]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج8 ص20 ح6481، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([5]) البيهقي، السنن الكبرى: ج8 ص29، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([6]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج6 ص22 ح4689. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص341، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([7]) السيوطي، الجامع الصغير: ج2 ص230، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([8]) مخالفة ابن تيمية للثوابت والمسلّمات الدينية أمر واضح، اُنظر كتاب: ذخائر القصر في نبلاء العصر، للحافظ المؤرّخ شمس الدين بن طولان، (نسخة مخطوطة): ص69ـ 70، قال ـ نقلاً عن أبي الحافظ العلائي: «ذكر [الحافظ العلائي] المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الاُصول والفروع، فمنها ما خالف الإجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب...».

([9]) ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: ج1 ص179ـ 183، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ الهند.

([10]) المصدر نفسه: ج1 ص184.

([11]) اُنظر: جعفر السبحاني، الملل والنحل: ج4 ص339ـ 340، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([12]) لقد تمخّضت جهود علماء الشيعة، عن ولادة مجمع للتقريب بين المذاهب الإسلامية، الذي يهدف إلى تقريب وجهات النظر بين المسلمين، وفهم بعضهم بعضاً بشكل صحيح.

([13]) كقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} آل عمران: 103.

([14]) نهج البلاغة: ج1 ص124، شرح الشيخ محمّد عبده، الناشر: دار الذخائر.

([15]) نهج البلاغة: ج3 ص119، شرح الشيخ محمّد عبده، الناشر: دار الذخائر.

([16]) المصدر نفسه: ج2 ص8.

([17]) المصدر نفسه: ج3 ص77.

([18]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج18 ص74، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([19]) الصدوق، الهداية: ص53، الناشر: مؤسّسة الإمام الهادي× ـ قم. واُنظر: الكليني، الكافي: ج2 ص219، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([20]) الكليني، الكافي: ج3 ص380.

([21]) الصدوق، صفات الشيعة: ص27، الناشر: كانون انتشارات عابدي ـ طهران.

([22]) مجلة تراثنا: العدد 6 ص32، مقالة بعنوان: موقف الشيعة من هجمات الخصوم.

([23]) اُنظر: ناصر بن عبد الله القفاري، مقدمة كتاب اُصول مذهب الشيعة: ص29ـ 30، واُنظر الخاتمة: ص1541ـ 1553، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([24]) اُنظر: القفاري، مقدّمة كتاب اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص10، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([25]) المصدر نفسه: ج1 ص7ـ 18.

([26]) المصدر السابق: ج1 ص27.

([27]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج3 ص1392، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([28]) المصدر السابق: ج3 ص404.

([29]) هو محمّد صادق بن السيّد محمّد حسين، من عائلة الصدر، وليس هو السيّد محمّد باقر الصدر أو محمّد صادق الصدر.

([30]) القفاري، مقدمة كتاب اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص23، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([31]) المحدّث النوري، خاتمة المستدرك: ج3 ص470، الناشر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([32]) العسكري، معالم المدرستين: ج3 ص283.

([33]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص640، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([34]) المصدر السابق: ج3 ص1477، واُنظر الخاتمة: ج3 ص1547.

([35]) لا يخفى أن السجود على التربة، عند الشيعة، لم يكن بلا دليل، فقد وردت روايات صحيحة من طرق أهل البيت^ تدل على أن السجود لا يصحّ إلاّ على الأرض أو ما أنبتت ، فقد روي عن الإمام الصادق× أنّه قال : «لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلاّ ما اُكل أو لبس، فقال له: جعلت فداك، ما العلّة في ذلك؟ قال : لأن السجود خضوع لله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يلبس؛ لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده، في عبادة الله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته، في سجوده، على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها، والسجود على الأرض أفضل؛ لأنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّ وجلّ». الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص272، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([36]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص113 ح438، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([37]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص327، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([38]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص679ـ 680، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([39]) المجلسي، بحار الأنوار: ج42 ص189، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([40]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص335، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([41]) قال السيّد الخوئي: «الشبهة الثالثة : أن الروايات المتواترة عن أهل البيت^ قد دلّت على تحريف القرآن، فلابدّ من القول به، والجواب: أن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه، وتوضيح ذلك: أن كثيراً من الروايات، وإن كانت ضعيفة السند... إلاّ أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها... فلا حاجة إلى التكلّم في سند كلّ رواية بخصوصها، وعلينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات، وأيضاً أنّها ليست متّحدة في المفاد...».

وخلاصة كلامه ـ رحمه الله ـ أن كثرة الروايات، وإن كان يورث القطع بصدور بعضها، لكنها لا تدلّ على وقوع التحريف. الخوئي، البيان في تفسير القرآن: ص259، الناشر: دار الزهراء ـ بيروت.

([42]) الخوئي، البيان في تفسير القرآن: ص259، الناشر: دار الزهراء ـ بيروت.

([43]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص589، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([44]) المجلسي، بحار الأنوار: ج25 ص279، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([45]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص809، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([46]) الكليني، الكافي: ج1 ص534، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([47]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص410.

([48]) المصدر الذي اعتمده القفاري هو كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، وورد فيه: >وتزوجت بامرأة سرّاً، فلما وطئتها علقت وجاءت بابنة فاغتممت وضاق صدري فكتبت أشكو ذلك، فورد (ستكفاها) فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت، فورد : (إن الله ذو أناة وأنتم تستعجلون)<. الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص489، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([49]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص391، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([50]) ورد في الكتاب (ويحيى أم الطويل) والصحيح ما أثبتناه.

([51]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص895، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([52]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص809.

([53]) المصدر نفسه: ج2 ص870.

([54]) المصدر نفسه: ج2 ص809.

([55]) المصدر نفسه: ج2 ص813.

([56]) المصدر نفسه.

([57]) المصدر السابق: ج2 ص1150.

([58]) الصدوق، الاعتقادات: ص41، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([59]) المفيد، أوائل المقالات: ص185ـ 186، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([60]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص644، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([61]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص109، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([62]) المصدر نفسه: ج1 ص109.

([63]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص373، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

(1) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص370، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة. والأنوك: الأحمق، وجمعه النوكى. ابن منظور: لسان العرب: ج10 ص501، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

(1) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج3 ص1333.

([66]) المصدر نفسه: ج3 ص1194.

([67]) إلاّ إذا كانت تلك الروايات الضعيفة قد وجد لها شاهد يعضدها أو متابع يرفعها لدرجة الحسن أو الصحيح..

([68]) الحشر: 7.

([69]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص123 ح6119، باب فضائل علي بن أبي طالب×، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([70]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص329، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([71]) الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته: ج1 ص482 ح2457، الناشر: المكتب الإسلامي.

([72]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص14وص17 وص26 وص59، ج5 ص182، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([73]) النسائي، السنن الكبرى: ج5 ص51 ح8175، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([74]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([75]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله تلخيص الذهبي: ج3 ص109ـ 110. ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج4 ص122. ابن حجر, المطالب العالية: ج16 ص142. الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ج4 ص355, ح1761.

([76]) أبو المنذر، سامي بن أنور خليل جاهين المصري الشافعي، الزهرة العطرة في حديث العترة: ص69ـ 70، الناشر: دار الفقيه ـ مصر.

([77]) مسلم النيسابوري, صحيح مسلم: ج7 ص130.

([78]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص328، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([79]) الطبري، تفسير الطبري: ج22 ص12 ح21736، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([80]) الطحاوي، شرح مشكل الآثار: ج1 ص235، 237، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ لبنان.

([81]) الترمذي, سنن الترمذي: ج5 ص361. الحاكم النيسابوري, المستدرك: ج2 ص 416، ج3 ص 146. الألباني, صحيح سنن الترمذي: ج3 ص306, ص543, ص570.

([82]) ملاّ علي القاري، مرقاة المفاتيح: ج11 ص307، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([83]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج3 ص20، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([84]) أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة: ج2 ص785، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص343، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([85]) الطبراني، المعجم الكبير: ج3 ص45ـ 46، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الطبراني، المعجم الأوسط: ج4 ص10، ج5 ص354ـ 355، ج6 ص85، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة. الطبراني، المعجم الصغير: ج1 ص139ـ 140، ج2 ص22، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([86]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص343، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([87]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج12 ص90، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([88]) أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء: ج4 ص306، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([89]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج2 ص675، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([90]) السخاوي، استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف: ج2 ص484 ح220، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت.

([91]) المناوي، فيض القدير: ج5 ص660، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([92]) ملاّ عليّ القاري، مرقاة المفاتيح: ج11 ص327، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([93]) أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة: ج2 ص671 ح1145، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت. الطبراني، المعجم الكبير: ج7 ص22، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص448، ج3 ص149، ج3 ص457، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. الروياني، مسند الروياني: ج2 ص253ـ 258، الناشر: مؤسّسة قرطبة ـ القاهرة. السخاوي، استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف: ج2 ص477 ح211، الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت.

([94]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص149، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([95]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج2 ص675، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([96]) المناوي، فيض القدير: ج6 ص386ـ 387 ح9313، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([97]) السخاوي، استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف: ج2 ص478 ح212.

([98]) السمهودي، جواهر العقدين في فضل الشرفين، القسم الثاني، النسب الشريف: ج1 ص72، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ العراق.

([99]) المصدر السابق: ص94.

([100]) المناوي، فيض القدير: ج6 ص386، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([101]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص149، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([102]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص127 ح7222، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([103]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج6 ص3ـ 4 ح4602 وح4603، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([104]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج5 ص86 ـ 89، ص96، ص98، ص101، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([105]) الترمذي، سنن الترمذي: ج3 ص340 ح2323، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([106]) أبو داود، سنن أبي داود: ج5 ص29 ح4278 و ح4279، الناشر: دار الفكر.

([107]) روي عن رسول الله’ قال: «إن الله عزّ وجلّ بدأ هذا الأمر نبوّة ورحمة، وكائناً خلافة ورحمة، وكائناً ملكاً عضوضاًٍ، وكائناً عنوّة وجبريّة وفساداً في الأرض». الطيالسي، مسند الطيالسي: ص131، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. مسند أبي يعلى: ج2 ص177، الناشر: دار المأمون للتراث. الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص345، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة. الطبراني، المعجم الكبير: ج1 ص157، ج20 ص53، ج22 ص223، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الهيثمي، مجمع الزوائد: ج5 ص189، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، وغير ذلك من المصادر.

([108]) ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج15 ص392، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت. الخلال، السنّة: ج2 ص427 ح647، وغيرها من المصادر.

([109]) أبو بكر بن العربي المالكي، عارضة الأحوذي في شرح صحيح الترمذي: ج9 ص68ـ 69، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([110]) النووي، شرح صحيح مسلم: ج12 ص201ـ 202، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([111]) ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين: ج1 ص449ـ 450، الناشر: دار الوطن ـ الرياض.

([112]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج13 ص185، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([113]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج3 ص312، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([114]) السيوطي، تاريخ الخلفاء: ج1 ص12، الناشر: مطبعة السعادة ـ مصر، ط1، 1371هـ.

([115]) محمود أبو ريّة، أضواء على السنّة المحمّدية: ص235، الناشر: نشر البطحاء.

([116]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج13 ص184، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. الطبراني، المعجم الكبير: ج3 ص201، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الطبراني، المعجم الأوسط: ج2 ص196، ص256، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة.

([117]) الذهبي، تذكرة الحفّاظ: ج1 ص2ـ3، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([118]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص12، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([119]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج1 ص102، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([120]) الذهبي، تذكرة الحفّاظ: ج1 ص7.

([121]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج67 ص343، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([122]) الذهبي، سير أعلام النبلاء (بتحقيق الأرنؤوط): ج2 ص601.

([123]) الذهبي، تذكرة الحفّاظ: ج1ص5، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([124]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج5 ص188، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([125]) الخطيب البغدادي، تقييد العلم: ص52ـ53، الناشر: دار إحياء السنّة النبويّة.

([126]) محمود أبو ريّة، أضواء على السنة المحمدية: ص259، الناشر: البطحاء.

([127]) محمّد محمّد أبو زهو، الحديث والمحدّثون: ص127، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت، ويعدّ أبو زهو من علماء الأزهر، وعمل أستاذاً بكلّية اُصول الدين.

([128]) المصدر السابق: ص126.

([129]) البخاري، صحيح البخاري: ج8 ص87 ح7050، كتاب الفتن، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وجاء مضمون الحديث ذاته في مواضع اُخرى من الصحيحين، وغيرهما من كتب المسلمين.

([130]) الشافعي، أبي عبد الله محمّد بن إدريس، كتاب الأمّ: ج1 ص208، الناشر: دار الفكر.

([131]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص134 ح530.

([132]) السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تنوير الحوالك شرح موطأ مالك: ص93، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([133]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله: ج2 ص244، الناشر: دار الكتب العلمية.

([134]) أي: عمران بن الحصين.

([135]) البخاري، صحيح البخاري ج1 ص190، ح784، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([136]) المصدر السابق: ج5 ص66 ح417.

([137]) نقيّة: طيّبة.

([138]) المصدر السابق: ج1 ص28 ح79.

([139]) المصدر نفسه ج2 ص81 ح1287.

([140]) المصدر نفسه: ج2 ص81 ح1288.

([141]) ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث: ص41، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([142]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص37ـ 38 ح118، ج8 ص158 ح7354، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص166 ح6291، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([143]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج2 ص346، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([144]) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص7 ح2062.

([145]) ابو داود السجستاني، سنن أبي داود: ج2 ص5، الناشر: دار الفكر.

([146]) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص6ـ 7 ح2062، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([147]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص193 ح706، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([148]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج8 ص117، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([149]) نهج البلاغة: ج2 ص188ـ 190، شرح: الشيخ محمّد عبده، الناشر: دار الذخائر. واُنظر: الكليني، الكافي: ج1 ص62، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([150]) ابن الجوزي، دفع شبه التشبيه: ص167، الناشر: دار الإمام النووي ـ الأردن.

([151]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج2 ص606، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([152]) ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث: ص42، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([153]) أبو يعلى، طبقات الحنابلة: ج2 ص32، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([154]) أي مقاصد الطالبين في اُصول الدين.

([155]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد: ج5 ص310ـ 311، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([156]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد: ج5 ص310ـ 311.

([157]) الخطيب البغدادي، تقييد العلم: ص107، الناشر: دار إحياء السنّة النبويّة.

([158]) ابن عبد البرّ، جامع بيان العلم وفضله: ج1 ص77، الناشر: دار الكتب العلمية.

([159]) السيوطي، تدريب الراوي: ج1 ص90، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

([160]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص33 ح99، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([161]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج1 ص185، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([162]) قال ابن حجر العسقلاني: «كتابة تدوين الحديث من قبل أبي بكر بن حزم لم تر النور؛ لأن كتبه وكراريسه قد ضاعت، فعن ابنه عبد الله بن أبي بكر أنّه سئل عن تلك الكتب، فقال: ضاعت». تهذيب التهذيب: ج12 ص39، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وقال فؤاد سزكين: «إن عمر بن عبد العزيز قد توفي دون أن يرى عمل أبي بكر بن حزم، غير أن أبا بكر بن حزم شكا لمالك من ضياع هذه المجموعات». تاريخ التراث العربي: ج1 ص121، الناشر: إدارة الثقافة والنشر بالجامعة.

([163]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6114، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([164]) المصدر نفسه: ج7 ص123ـ 124 ح6123.

([165]) انظر: محمّد بن عقيل، النصائح الكافية: ص105، الناشر: دار الثقافة ـ قم.

([166]) يميثها فيها: أي يمرسها ويذيبها في الطست. ماث الشيء: مرسه وأذابه. لسان العرب. مادة: موث.

([167]) الخطيب البغدادي، تقييد العلم: ج1 ص54، الناشر: دار إحياء السنّة النبويّة.

([168]) أي الحسن البصري.

([169]) المزّي، تهذيب الكمال: ج6 ص124، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([170]) الخوارزمي، مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة: ج1 ص170ـ172، الناشر: مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، ط1ـ 1321هـ.

([171]) انظر: اسد حيدر, الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ج1 ص397, نقلاً عن كتاب الحسن البصري, لأبي الفرج بن الجوزي. واُنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج4 ص96. وفيه: «... ولولا ذلك لشالت بي الخشب».

([172]) ابن قتيبة، عيون الأخبار: مج1 ج2 ص212, تحقيق: لجنة بدار الكتب المصرية, القاهرة, ط2 ـ 1996م.

([173]) كذا في المصدر، والصحيح: عليّاً.

([174]) مصغّر: علي.

([175]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص280، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([176]) ابن تيمية، منهاج السنّة: ج7 ص529، الناشر: مؤسّسة قرطبة.

([177]) المصدر نفسه: ج7 ص531.

([178]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص160، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([179]) الحش: البستان. اُنظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج1 ص390، باب الحاء مع الشين، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان ـ قم.

([180]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص23، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([181]) المصدر نفسه: ج5 ص22.

([182]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص96.

([183]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج2 ص209، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([184]) المصدر نفسه: ج2 ص209.

([185]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج5 ص232ـ 234، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([186]) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص432، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([187]) في المصدر: (وا ضربة من كميّ) ويبدو أن هناك خطأ مطبعيّاً في النسخة والصحيح ما أثبتناه.

([188]) التهانوي الحنفي، إعلاء السنن: ج14 ص6754ـ 6755، كتاب القضاء، باب يجوز للحاكم ترجمان واحد، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([189]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج1 ص10، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

([190]) المصدر نفسه: ج1 ص11.

([191]) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص488، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([192]) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون: ج1 ص439، الناشر: دار إحياء التراث العربى ـ بيروت.

([193]) مجلّة المنار، العدد 27، ص541.

([194]) المصدر نفسه: ص783.

([195]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج8 ص127 ح6948، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وكذا روي ذلك في صحيح ابن خزيمة: ج3 ص117، الناشر: المكتب الإسلامي. ابن حبّان، صحيح ابن حبّان: ج14 ص30، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([196]) السجدة: 4.

([197]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج1 ص72، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([198]) المصدر نفسه: ج1 ص143.

([199]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج1 ص602، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([200]) المصدر نفسه: ج3 ص106.

([201]) المصدر نفسه: ج3 ص106.

([202]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج4 ص19، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([203]) المصدر نفسه: ج4 ص331.

([204]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج8 ص117، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([205]) ذكر ابن حزم أن أبا هريرة يروي لوحده خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً. ابن حزم، أسماء الصحابة الرواة وما لكلّ واحد من العدد: ص31، الناشر: مكتبة القرآن للطبع والنشر ـ القاهرة.

([206]) راجع: د. محمّد الحسيني القزويني، كتاب (قصّة الحوار الهادئ) ، وأنظر مثلاً الإشكالات الموجهة إلى صحيح البخاري: ج1 ص432ـ 448، الناشر: مؤسّسة وليّ العصر ـ قم.

([207]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص374، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([208]) الصفّار، بصائر الدرجات: ص300، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ طهران.

([209]) رجال السند:

الصفّار: هو محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار. قال النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا القميّين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية». وذكر له كتباً كثيرة، وفي جملتها هذا الكتاب وهو بصائر الدرجات. رجال النجاشي: ص354 رقم 948، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

2ـ إبراهيم بن هاشم: هو أبو علي بن إبراهيم، من أكابر وأجلاّء علماء الحديث عند أصحابنا، كثير الحديث. قال النجاشي: «أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم». رجال النجاشي: ص16 ح18، الفهرست: ص35ـ 36 رقم 6، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

وأورده العلاّمة في القسم الأوّل الذي عيّنه لذكر الثقات والممدوحين، وقال: «ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله». الخلاصة: ص49 رقم 9، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

وكذا أورده ابن داود أيضاً في القسم الأوّل من رجاله. ابن داود الحلي، رجال ابن داود: ص34 رقم 43، الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف.

وقال السيّد الخوئي: «لا ينبغي الشك في وثاقة إبراهيم بن هاشم»، واستدلّ على ذلك بعدة اُمور. معجم رجال الحديث: ج1 ص291 رقم 332.

3ـ يحيى بن أبي عمران. قال السيّد الخوئي: «هو ثقة؛ على ما التزمنا به». فإنّه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي. معجم رجال الحديث: ج21 ص28 رقم 13472.

قال المامقاني في تعليقه على رواية الكشّي التي ذُكر فيها دعاء الإمام الرضا ليحيى بن أبي عمران: «ويستفاد منه كونه إمامياً مخلصاً وجهاً بين الإمامية... وأقلّ ما يحصل من ذلك أعلى درجات الحسن». تنقيح المقال: ج3 ص308 رقم 12974، نسخة حجرية.

4ـ يونس، هو يونس بن عبد الرحمن، مولى علي بن يقطين. قال النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا، متقدماً، عظيم المنزلة». رجال النجاشي: ص446 رقم 1208، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

قال الشيخ الطوسي: «طعن عليه القمّيون، وهو عندي ثقة». رجال الطوسي: ص368 رقم 5478، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

5ـ عنبسة: هو عنبسة بن بجاد العابد. قال النجاشي: «كان قاضياً، ثقة». رجال النجاشي: ص302 رقم 822، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

وروى الكشّي عن حمدويه، أنّه قال: «سمعت أشياخي يقولون: عنبسة بن بجاد كان خيّراً فاضلاً». الطوسي، اختيار معرفة الرجال: ص670 رقم 697.

([210]) رجال السند:

1ـ عليّ: هو عليّ بن إبراهيم بن هاشم، بقرينة كثرة روايته عن محمّد بن عيسى، قال النجاشي فيه: «ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً». رجال النجاشي: ص260 رقم 680.

2ـ محمّد بن عيسى، قال النجاشي: «جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف» رجال النجاشي: ص333.

وأمّا تضعيف الشيخ الطوسي له فلا أساس له، كما يرى ذلك بعض المحقّقين، كالسيد الخوئي، فلا معارض في البين. معجم رجال الحديث: ج18 ص121ـ 122 رقم 11536، ط5ـ 1992م.

3ـ يونس، هو يونس بن عبد الرحمن وقد تقدّم ترجمته في الرواية السابقة.

4ـ قتيبة، هو قتيبة بن محمّد الأعشى، قال النجاشي: «ثقة، عين». رجال النجاشي: ص317 رقم 869.

وأورده العلاّمة في القسم الأوّل الذي أدرج فيه الثقات خاصة. خلاصة الأقوال: ص232ـ 233 رقم2.

([211]) لسنا من (أرأيت) في شيء: أي لسنا من الناس الذين يُسأل عن رأيهم في شيء، فنحن لسنا من أصحاب الآراء الخارجة عن السنّة النبويّة وعن القرآن.

([212]) الكليني، الكافي: ج1 ص58، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([213]) الصفّار، بصائر الدرجات: ص319 ح3، الناشر: منشورات الأعلمي ـ طهران.

([214]) رجال السند:

1ـ عبد اللّه بن عامر، قال النجاشي فيه: «شيخ من وجوه أصحابنا، ثقة»، رجال النجاشي: ص218 رقم 570، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

عبد اللّه بن محمّد الحجّال، قال النجاشي فيه: «ثقة ثقة، ثبت»، رجال النجاشي: ص226 رقم 595.

3ـ داود بن أبي يزيد الأحول، هو داود بن يزيد العطّار بقرينة رواية الحجّال عنه، اُنظر: الصفار، البصائر: ص319.

قال النجاشي فيه: «ثقة» رجال النجاشي: ص158 رقم 417.

([215]) رجال السند:

1ـ يعقوب بن يزيد، قال النجاشي فيه: «كان ثقة صدوقاً». رجال النجاشي: ص450 رقم 1215.

2ـ محمّد بن أبي عمير، قال الشيخ فيه: «كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامّة، وأنسكهم نسكاً، وأورعهم وأعبدهم..» الفهرست: ص218 رقم 607، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

وقال النجاشي فيه: «جليل القدر عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين». رجال النجاشي: 326 رقم 887، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

3ـ عمر بن أذينة، قال الشيخ الطوسي فيه: «ثقة». الفهرست: ص184رقم 503.

4ـ الفضيل بن يسار، قال النجاشي فيه: «ثقة». رجال النجاشي: 309 رقم 846.

([216]) الصفّار، بصائر الدرجات: ص319 ح2، الناشر: منشورات الأعلمي ـ طهران.

([217]) آقا بزرك الطهراني، حصر الاجتهاد: ص122، تحقيق: محمّد علي الأنصاري.

([218]) الشيخ حسن صاحب المعالم، منتقى الجمان: ج2 ص439، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([219]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص16، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. أبو داود، سنن أبي داود: ج2 ص393، الناشر: دار الفكر. الترمذي، سنن الترمذي: ج4 ص150، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وغيرها من المصادر.

([220]) الشاطبي، الموافقات في اُصول الفقه: ج4 ص74، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([221]) أي السنة.

([222]) السرخسي، اُصول السرخسي: ج1 ص113، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([223]) النحل: 89.

([224]) الأنعام: 38.

([225]) النحل: 44.

([226]) المظفّر، محمّد رضا، اُصول الفقه: ج3 ص64ـ 65، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([227]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص122، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه».

([228]) الكليني، الكافي: ج1 ص53، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([229]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج2 ص226، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([230]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص376، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([231]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج2 ص226.

([232]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص376، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([233]) الكليني، الكافي: ج1 ص52، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([234]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج2 ص595، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([235]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج2 ص216، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([236]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص377ـ 382، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([237]) وهذا لا يتنافى مع مسألة إكمال الدين، فالرسالة قد خُتمت به’، وهذا لا خلاف فيه. نعم، جزئيات وبيان الأحكام وتطبيقها وديمومة حركة الرسالة من مهام الإمامة، كما سيتضح لاحقاً.

([238]) فإنّ هداية الاُمة غرض إلهي يريد الله استمرار تحققه في كلّ زمان، كما سيتضح ذلك في بحث الإمامة.

([239]) البقرة: 247.

([240]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج3 ص246، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ لبنان.

([241]) الشوكاني، فتح القدير: ج1 ص264، الناشر: عالم الكتب.

([242]) الثعالبي، تفسير الثعالبي: ج1 ص490، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([243]) انظر: الجزء الثاني من هذا الكتاب: ص51 ـ52.

([244]) لقمان: 12.

([245]) مجاهد، تفسير مجاهد: ج2 ص504، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية ـ إسلام آباد.

([246]) الطبري، تفسير الطبري: ج21 ص81، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([247]) الراغب الأصفهاني، مفردات القرآن: ص455، الناشر: دفتر نشر الكتاب.

([248]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص363، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([249]) القصص: 7.

([250]) الطبري، تفسير الطبري: ج20 ص37.

([251]) البغوي، تفسير البغوي: ج3 ص434، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([252]) المائدة: 111.

([253]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص363، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([254]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج20 ص43ـ 44، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

([255]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج20 ص42، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

([256]) آل عمران: 42.

([257]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج1 ص370، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. واُنظر: العيني، عمدة القاري: ج16 ص23، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([258]) البيضاوي، تفسير البيضاوي: ج2 ص38، الناشر: دار الفكر.

([259]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص200 ح3689، الناشر: دار الفكر، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([260]) القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: ج8 ص204 ح3689، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([261]) القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: ج8 ص204 ح3689.

([262]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص200 ح3689، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([263]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج4 ص664، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([264]) يقصد من (ذلك): ما تكلم عنه سابقاً، وهو: «أنّه لما ثبت أن النبيّ حذّر وبشّر وأنذر وندب وتصرف بمقتضى الخوارق من الفراسة الصادقة والإلهام الصحيح والكشف الواضح والرؤيا الصالحة كان من فعل ذلك، ممّن اختص بشيء من هذه الاُمور على طريق من الصواب، وعاملاً بما ليس بخارج عن المشروع، لكن مع مراعاة شرط ذلك، ومن الدليل على صحته: أمران... ثانيهما: عمل الصحابة بمثل ذلك...» الشاطبي، الموافقات: ج2 ص263ـ 266، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([265]) الشاطبي، الموافقات: ج2 ص266، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([266]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص146 ح3464.

([267]) فصّلت: 30.

([268]) الآلوسي، روح المعاني: ج22 ص40، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([269]) أي: وحي تبليغ.

([270]) أي: المرسلين.

([271]) الآلوسي، روح المعاني: ج14 ص159.

([272]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص377، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([273]) المصدر السابق: ج1 ص378.

([274]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة:ج1 ص379، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([275]) أي أرواح الأئمّة^.

([276]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص381، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([277]) اُنظر: الفخر الرازي، تفسير الرازي: ج21 ص31، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([278]) البكري الدمياطي، إعانة الطالبين: ج2 ص122، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([279]) البكري الدمياطي، إعانة الطالبين: ج2 ص122، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([280]) النمل: 78.

([281]) مجموعة رسائل الغزالي، الرسالة اللدنية، فصل في بيان التحصيل للعلوم: 248، الناشر: المكتبة التوفيقية ـ مصر.

([282]) ابن قيّم الجوزية، الروح: ج1 ص188، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([283]) البيهقي، شعب الإيمان: ج3 ص29، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([284]) المناوي، فيض القدير: ج4 ص358، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([285]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج1 ص12، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([286]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج5 ص151، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

([287]) الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية: ص45ـ 47، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([288]) الصدوق، معاني الأخبار: ص29، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([289]) الصدوق، التوحيد: ص327، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([290]) الذهبي، العرش: ج1 ص251، الناشر: مكتبة أضواء السلف ـ الرياض.

([291]) الأعراف: 54.

([292]) الثعالبي، تفسير الثعالبي: ج3 ص37، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([293]) اُنظر: مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج5 ص52، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

([294]) التوبة: 129.

([295]) غافر: 7.

([296]) الحاقة: 17.

([297]) الزمر: 75.

([298]) اُنظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: ج8 ص155، الناشر: جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم.

([299]) المناوي، فيض القدير: ج5 ص365، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([300]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص344، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([301]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج2 ص457، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([302]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج2 ص164، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([303]) اُنظر معنى العرش: ص147 وما بعدها.

([304]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص382، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([305]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط: ج1 ص1723، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([306]) ابن منظور، لسان العرب: ج15 ص304، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([307]) محمّد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح: 332، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([308]) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن: ص484، الناشر: دفتر نشر الكتاب ـ إيران.

([309]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: ج5 ص25، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان ـ قم.

([310]) النووي، شرح صحيح مسلم: ج14 ص167، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. العظيم آبادي، عون المعبود: ج13 ص137، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([311]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص17، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([312]) رواه صاحب المستدرك بسند صحيح عن أحمد بن حنبل. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص107، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([313]) ابن الجوزي، مناقب أحمد: ص220، الناشر: هجر للطباعة والنشر.

([314]) ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج3 ص1115، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([315]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص393، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. ابن أبي عاصم، السنة: ص584، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمّد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([316]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص303، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([317]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص703، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([318]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص48، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([319]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج2 ص125، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([320]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص211، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([321]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص72.

([322]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص229.

([323]) المصدر نفسه: ج2 ص216.

([324]) ابن أبي عاصم، السنّة: ص584، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمّد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([325]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص356، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([326]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج2 ص291، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([327]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص366.

([328]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص189.

([329]) الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج7 ص86، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([330]) الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج1 ص162 ـ 163رقم الحديث: 65، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([331]) النسائي، السنن الكبرى: ج 1 ص 640، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([332]) قد جاء في الكامل لابن عدي قال: «وقد أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه». الكامل في ضعفاء الرجال: ج2 ص146، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([333]) الحاكم النيسابوري، معرفة علوم الحديث: ص78، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([334]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج1 ص 162 ـ 163، ص346، ص370، ص390، ج2 ص36، ص61، وغيرها الكثير.

([335]) عبد الله بن عدي، الكامل :ج 6 ص 124، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. العقيلي، ضعفاء العقيلي: ج 4 ص 133، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([336]) البسوي، المعرفة والتاريخ: ج1 ص166، الناشر: مكتبة الدار بالمدينة المنوّرة.

([337]) قال عنه الذهبي في الكاشف: «وكان مدلساً واسع العلم». الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة: ج2 ص216، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([338]) قال ابن حجر في التقريب: «صدوق إلا أنه يدلّس». تقريب التهذيب: ج2 ص132، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([339]) الحاكم النيسابوري، المستدرك المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج1 ص162ـ 163، ص346، ص370، ص390، ج2 ص36، ص61، وغيرها الكثير، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([340]) ابن حجر، فتح الباري: ج 10 ص 12، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([341]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص34 ح19، ص66 ح173، ص148 ح464، ج2 ص80 ـ 81 ح1139، ج6 ص77 ح4975، وغير ذلك من المواضع، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([342]) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج1 ص278 ص409، ج2 ص48، ص251، وغيرها. ابن خزيمة، صحيح ابن خزيمة: ج1 ص68، ص124، ج2 ص49، وغيرها، الناشر: المكتب الإسلامي.

([343]) قال المزي: «وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة». تهذيب الكمال: ج12ص55، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت، ووثّقه الذهبي وابن حجر. الكاشف: ج1 ص463، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة. تقريب التهذيب: ج1 ص390، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([344]) الرازي، الجرح والتعديل:ج 4 ص 136، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([345]) ابن قيّم الجوزية، زاد المعاد: ج5 ص406، الناشر: مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية ـ بيروت ـ الكويت.

([346]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص213 ص220، وغيرها، شرحه وصنع فهارسه: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([347]) قال حمزة أحمد الزين بعد أن صحّح حديثاً عن أبي الزبير عن جابر : «وقد كثر الكلام حول أبي الزبير في عنعنته عن جابر واتّهموه بالتدليس في سماعه منه، فقال بعضهم: إنه مدلس لا تقبل عنعنته عن جابر، وقبل منه ذلك آخرون، وكل ذلك تابع لاختلافهم فيه، فقد وثّقه ابن معين وقبله أحمد، كما وثقه النسائي أيضاً، وقبله آخرون لأنّ مالكاً حدّث عنه في الموطأ، وكذلك روى له مسلم في الصحيح، ويخطئ من يظنّ أنّ مسلماً لم يرو له إلاّ مصرّحاً بالسماع، فقد تتبعت رواياته وعنعنته في صحيح مسلم، فزادت عن مائة موضع، وأشرت إلى أماكن ذلك كلّه في الصحيح، في مقدمة (المفهم شرح صحيح مسلم) وهي في مجلد ضخم، وخلاصة ذلك كلّه أنّ الراجح توثيق أبي الزبير وقبول عنعنته عن جابر على شرط مسلم، إلى جانب توثيق الأئمة الذين ذكرناهم». مسند أحمد: ج11 ص357ـ 358، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([348]) أبو يعلى الموصلي، مسند أبي يعلى: ج3 ص303، ص316، ص324، ص347، ج4 ص32، ص210، وغيرها، الناشر: دار المأمون للتراث ـ دمشق.

([349]) ابن خزيمة، صحيح ابن خزيمة: ج1 ص68، ص124، ج2 ص49، وغيرها، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([350]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج3 ص414، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([351]) أبو يعلى الموصلي، مسند أبي يعلى: ج4 ص118ـ 119، الناشر: دار المأمون للتراث.

([352]) الطبراني، المعجم الكبير: ج2 ص186، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([353]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص315ـ 317، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([354]) ابن المغازلي، المناقب: ص144 ص340، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت.

([355]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج10 ص159، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([356]) أي: على علي×.

([357]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص382، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([358]) ابن منظور، لسان العرب: ج11 ص628، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([359]) الجوهري، الصحاح: ج6 ص2497، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([360]) المجلسي، بحار الأنوار: ج39 ص152، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([361]) المصدر السابق: ج39 ص152.

([362]) المجلسي، بحار الأنوار: ج31 ص319، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([363]) فإنّ الشيخ المفيد قد توفي سنة 413هـ، ومن غير الممكن أن يروي إسماعيل الذي يعد من مشايخ الشيخ الصفّار المتوفى سنة 291هـ.

([364]) أيضاً لا يمكن أن يروي عن الخطاب وأحمد بن عيسى وأخيه؛ بسبب عدم إمكان اللقاء، للبعد الزمني بين الشيخ المفيد المتوفى في القرن الخامس، والخطاب وأحمد بن عيسى وأخيه الذين عاشوا في القرن الثالث.

([365]) أي: في كتاب البحار.

([366]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص382، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([367]) لقمان: 20.

([368]) الشمس: 8.

([369]) البلد: 10.

([370]) العنكبوت: 2.

([371]) الذاريات: 56.

([372]) البيّنة: 7.

([373]) التوبة: 72.

([374]) آل عمران: 76.

([375]) آل عمران: 146.

([376]) آل عمران: 159.

([377]) البقرة: 222.

([378]) قال رسول الله مخاطباً علي×: «... والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي» الخوارزمي، المناقب: ص129، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([379]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج3 ص83، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([380]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج11 ص202، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

وهذا مشهور عنه وقد أشار لذلك الشاعر البوصيري في همزيته:

ووزير ابن عمه في المعالي
لم يزده كشف الغطاء يقينا

 

ومن الأهل تسعد الوزراء
بل هو الشمس ما عليه غطاء



 

([381]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص561، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ابن الأثير، اُسد الغابة: ج4 ص38، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([382]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص132، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([383]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص130، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([384]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج1 ص60 ح144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([385]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص84، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([386]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه: ج1 ص42، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([387]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص206، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([388]) النسائي، سنن النسائي: ج8 ص117، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([389]) النسائي، خصائص أمير المؤمنين: ص76، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.

([390]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص129، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([391]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج2 ص328، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة.

([392]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج4 ص29، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. ابن طلحة الشافعي، مطالب السؤول: ص103، تحقيق: ماجد أحمد العطية. ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمّة: ص588، الناشر: دار الحديث، وغيرها من المصادر.

([393]) البخاري، صحيح البخاري: ج5 ص76 ح4209، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. والحديث أخرجه مسلم في صحيحه: ج5 ص195 ح4570، ج7 ص122 ح6118، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وغيره من المصادر الكثيرة.

([394]) آل عمران: 31.

([395]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج7 ص57، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([396]) ابن منظور، لسان العرب: ج9 ص17، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([397]) العجلوني، كشف الخفاء: ج2 ص87، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([398]) آل عمران: 37.

([399]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج1 ص368، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([400]) آل عمران: 37.

([401]) الشوكاني، فتح القدير: ج1 ص335، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([402]) الزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار: ص185، الناشر: دار ابن خزيمة، ونقله عن ابن كثير في تفسيره: ج1 ص368، وأخرجه الثعلبي في تفسيره: ج3 ص58، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([403]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص382، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([404]) البقرة: 124.

([405]) وسيأتي مزيد بحث لهذا الموضوع في مبحث الإمامة، انظر: ص245.

([406]) الأنبياء: 73.

([407]) الإنسان: 3.

([408]) مواقفه: تعني تقريرات الإمام التي تعني سكوته تجاه فعل أو حادثة وقعت أمامه، فنكتشف من سكوته أن الفعل ليس بحرام.

([409]) الأنعام: 75.

([410]) الأنبياء: 73.

([411]) التوبة: 94.

([412]) التوبة: 105.

([413]) السلمي، تفسير السلمي: ج1 ص285، الناشر: دار الكتب العلمية.

([414]) السمعاني، تفسير السمعاني: ج2 ص347، الناشر: دار الوطن ـ الرياض.

([415]) البغوي، تفسير البغوي: ج2 ص325، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([416]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج2 ص401، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([417]) السيوطي، الدر المنثور: ج3 ص276، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([418]) الفخر الرازي، تفسير الرازي: ج16 ص149، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([419]) المراد من العلم هنا هو علم المؤمنين بأفعال العباد بتوسط الرؤية.

([420]) الآلوسي، روح المعاني: ج11 ص16، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([421]) الآلوسي، روح المعاني: ج11 ص16.

([422]) الفخر الرازي، تفسير الرازي: ج16 ص150، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([423]) الآلوسي، روح المعاني: ج11 ص16.

([424]) قال الفخر الرازي: «المسألة الثانية: دلّت الآية على مسائل اُصولية: الحكم الأوّل: أنّها تدل على كونه تعالى رائياً للمرئيات؛ لأن الرؤية المعدّاة إلى مفعول واحد هي الإبصار، والمعدّاة إلى مفعولين هي العلم، كما تقول: رأيت زيداً فقيهاً، وهاهنا الرؤية معدّاة إلى مفعول واحد، فتكون بمعنى الإبصار». التفسير الكبير: ج16 ص149، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([425]) الجوهري، الصحاح: ج6 ص2347، الناشر: دار العلم.

([426]) الزبيدي، تاج العروس: ج19 ص434ـ 435، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([427]) البزّار، البحر الزخار [مسند البزّار]: ج5 ص308، الناشر: مؤسّسة علوم القرآن ـ بيروت.

([428]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص24، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([429]) زين الدين العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب: ج3 ص275، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([430]) السيوطي، الخصائص الكبرى: ج2 ص491، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([431]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج3 ص165، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([432]) عبد الله بن محمّد القرشي، ابن أبي الدنيا، المنامات: ج1 ص6، الناشر: مؤسّسة الكتب ـ بيروت.

([433]) الطيالسي، مسند الطيالسي: ج1 ص248، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([434]) العجلوني، كشف الخفاء: ج1 ص307، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([435]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج4 ص307، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([436]) البيهقي، شعب الإيمان: ج7 ص261، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([437]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج4 ص307.

([438]) البقرة: 143.

([439]) النساء: 41.

([440]) النحل: 89.

([441]) المزمل: 15.

([442]) سوف يأتي التعرّض لبعض هذه الاُمور في الأبحاث اللاحقة.

([443]) المائدة: 117.

([444]) النساء: 159.

([445]) الرازي، تفسير الرازي: ج16 ص150، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([446]) الصفّار، بصائر الدرجات: ص102، الناشر: منشورات الأعلمي ـ طهران.

([447]) الكليني، الكافي: ج1 ص190، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([448]) النساء: 69.

([449]) الزمر: 69.

([450]) النحل: 89.

([451]) الرازي، تفسير الرازي: ج20 ص80، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([452]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج10 ص164، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([453]) الزمر: 69.

([454]) الآلوسي، روح المعاني: ج20 ص109، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([455]) البقرة: 225.

([456]) الرازي، تفسير الرازي: ج16 ص187ـ 188، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([457]) المصدر نفسه: ج16 ص189.

([458]) الصدوق، الخصال: ص528، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([459]) الصدوق، عيون أخبار الرضا: ص217، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

([460]) ذكر المتّقي الهندي أنّه رواها: «ابن الإعرابي في كرامات الأولياء، والدير عاقولي في فوائده، وأبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين، وأبو نعيم (عق) معاً في الدلائل، واللالكائي في السنّة، (كر)، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: إسناده حسن». كنز العمّال: ج12 ص471، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. [عق: يعني العقيلي في كتابه الضعفاء. كر: ابن عساكر في تاريخ دمشق].

([461]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص396، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([462]) المصدر نفسه: ج1 ص177.

([463]) الكليني، الكافي: ج8 ص314، ح492، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([464]) المفيد، أوائل المقالات: ص68، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([465]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1ص391 ص397، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([466]) محمّد رشيد رضا، الوحي المحمدي: ص82، الناشر: مؤسّسة عزّ الدين.

([467]) المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية: ص120ـ 122، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([468]) أي: علوم الأئمّة^.

([469]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص382، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([470]) اُنظر: ص144.

([471]) سورة (ص): 72.

([472]) إنّ استشهادنا بكلام ابن تيمية من باب إلزام الخصم بكلام من هم مقبولون عنده، وإلاّ فهناك الكثير من العلماء من له أقوال وآراء قيّمة في هذه الأبحاث وغيرها.

([473]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج20 ص45ـ 46، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

([474]) البخاري، التاريخ الكبير: ج7 ص354، الناشر : المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا. الترمذي، سنن الترمذي: ج4 ص360، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الطبراني، المعجم الأوسط: ج8 ص23، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة. أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء: ج10 ص281، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج3 ص191، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([475]) الطبراني، المعجم الكبير: ج8 ص102، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([476]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج3 ص312.

([477]) أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء: ج6 ص118.

([478]) محمّد بن سلامة القضاعي، مسند الشهاب: ج1 ص387، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([479]) أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء: ج4 ص81.

([480]) الطبري، تفسير الطبري: ج14 ص46، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([481]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج10 ص268، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([482]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج8 ص441، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([483]) البخاري، صحيح البخاري: ج7 ص190 ح6502، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([484]) الآلوسي، روح المعاني: ج26 ص83، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([485]) المصدر نفسه: ج17 ص212.

([486]) الإسراء: 20.

([487]) الآلوسي، روح المعاني: ج5 ص52.

([488]) الرعد: 17.

([489]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج9 ص305، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([490]) الشوكاني، فتح القدير: ج3 ص75، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([491]) الآلوسي، روح المعاني: ج13 ص183، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([492]) الكليني، اُصول الكافي: ج1 ص256، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([493]) المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية: ص121، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([494]) أي: بناءً على الاعتقاد أنّ الأئمّة متى شاؤوا علموا.

([495]) الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن: ص24، الناشر: دفتر نشر الكتاب.

([496]) الجوهري، الصحاح: ج5 ص1865، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([497]) ابن ميثم البحراني، النجاة من القيامة في تحقيق أمر الإمامة: ص41، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي ـ قم.

([498]) المحقّق الحلّي، المسلك في اُصول الدين: ص187، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية.

([499]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد: ج2 ص278، الناشر: دار المعارف النعمانية ـ باكستان.

([500]) الفراهيدي، كتاب العين: ج7 ص162ـ163، الناشر: مؤسّسة دار الهجرة.

([501]) الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن: ص283، الناشر: دفتر نشر الكتاب.

([502]) آل عمران: 33.

([503]) الحجّ: 75.

([504]) البقرة:130.

([505]) سورة ص: 47.

([506]) آل عمران: 42.

([507]) البقرة: 247.

([508]) الحديد: 26.

([509]) العنكبوت: 27.

([510]) مريم: 58.

([511]) الأنعام: 84 ـ 87.

([512]) الطبري، ابن جرير، جامع البيان: ج3 ص357، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([513]) يقصد من النظار أصحاب النظر والاستدلال.

([514]) ابن تيمية، منهاج السنّة: ج3 ص416، الناشر: مؤسسة قرطبة.

([515]) البيضاوي، تفسير البيضاوي: ج1 ص543، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([516]) آل عمران: 33ـ 34.

([517]) آل عمران: 68.

([518]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص138، ح3430، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([519]) الأحزاب: 33.

([520]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص130 ح6155، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([521]) الألباني، صحيح سنن الترمذي: ج3 ص306 ح3205، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([522]) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: ج6 ص302ـ 303، الناشر: دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب ـ دمشق، بيروت.

([523]) ابن تيمية، الفتاوى الكبرى: ج4 ص420، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([524]) الرعد: 43.

([525]) اُنظر: ابن المغازلي، مناقب الإمام عليّ×: ص262. الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج5 ص303. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج9 ص336، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل: ج1 ص400 وما بعدها. القندوزي الحنفي، ينابيع المودّة لذوي القربى: ج1 ص305 وما بعدها، الناشر: دار الاُسوة، وغير ذلك من المصادر.

هذا، وقد روى بعضٌ أنّ آية {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} نزلت في عبد الله بن سلام، وهو ليس بصحيح؛ لأنّ المشهور أن سورة الرعد مكّية وعبد الله بن سلام أسلم في المدينة. ومن أجاب: بأن مكية السورة لا تنافى كون بعض آياتها مدنية، فلِمَ لا يجوز أن تكون هذه الآية مدنية مع كون السورة مكية؟ يردّه: أنّ مجرّد إمكان ذلك لا يثبت كون الآية مدنية، ما لم يكن هناك نقل صحيح قابل للتعويل عليه.

([526]) فقد ورد ذلك في عدة روايات، منها ما رواه الكليني عن بريد بن معاوية، قال: >قلت لأبي جعفر×: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، قال : إيّانا عنى، وعلي× أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي’<. الكافي: ج1 ص229، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

ومنها ما رواه الصدوق في أماليه عن أبي سعيد الخدري، قال: >سألت رسول الله’ عن قول الله جلّ ثناؤه : {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} قال: ذاك وصي أخي سليمان بن داود. فقلت له: يا رسول الله، فقول الله عز وجل: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب<. الأمالي: ص659، الناشر : مؤسسة البعثة ـ قم.

([527]) فاطر: 32.

([528]) البقرة: 124.

([529]) البيضاوي، تفسير البيضاوي: ج1 ص397ـ 398، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([530]) الطبري، تفسير الطبري: ج1 ص738، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([531]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج1 ص169، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([532]) الطلاق: 1.

([533]) الحجر: 51ـ 53.

([534]) هود: 71ـ 73.

([535]) الأنبياء: 59ـ 60.

([536]) الصافات: 102ـ 106.

([537]) إبراهيم: 39.

([538]) الأنبياء: 73.

([539]) الطبري، تفسير الطبري: ج17 ص64، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([540]) السجدة: 24.

([541]) الطبري، تفسير الطبري: ج21 ص136.

([542]) المائدة: 3.

([543]) وهذا المعنى مُفاد روايات وردت عن النبيّ’ وعن الأئمّة^، ففي الكافي عن الإمام أبي عبد الله× قال: «... فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». الكليني، الكافي: ج1 ص32، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

كما ورد عن النبيّ مرسلاً: «في كلّ خلف من اُمّتي عدلٌ من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين» المجلسي، بحار الأنوار: ج27 ص222، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([544]) هود: 118ـ 119.

([545]) البقرة: 213.

([546]) النساء: 59.

([547]) الأنبياء: 73.

([548]) السجدة: 24.

([549]) الأنعام: 89ـ 90.

([550]) الأنبياء: 72ـ 73.

([551]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج11 ص305، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الشوكاني، فتح القدير: ج3 ص416، الناشر: عالم الكتب.

([552]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج3 ص194، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([553]) هناك عدّة شواهد من التاريخ الإسلامي في مدرسة أهل السنّة تثبت جهل الخلفاء، وعدم معرفتهم بالكثير من الأحكام الشرعية والعقائد، وإقرارهم بالعجز عن معرفتها، والوقوع في الكثير من الاشتباهات في مسائل جوهرية، على عكسه في مدرسة أهل البيت^، فلم يؤثر عنهم ـ من طرق أهل البيت^ ـ أنّهم اعترفوا بالعجز عن معرفة الأحكام، أو صدرت عنهم اشتباهات، وإن حاول بعضٌ إثبات جهلهم ببعض الاُمور، لكنّه بلا دليل صحيح.

فقد أخرج غير واحد من المحدّثين أنّ الخليفة أبا بكر لم يعرف حكم إرث الجدّة حتّى سأل بعض الصحابة وأخبروه، روى ذلك الترمذي بسنده عن قبيصة بن ذؤيب قال: «جاءت الجدّة إلى أبي بكر تسأله ميراثها، قال: فقال لها: ما لك في كتاب الله شيء، وما لك في سنّة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) شيء، فارجعي حتّى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فأعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمّد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو بكر، قال: ثمّ جاءت الجدة الاُخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما فيه، فهو بينكما، وأيّتكما خلت به فهو لها.

قال أبو عيسى: وفي الباب عن بريدة، وهذا أحسن، وهو أصحّ من حديث ابن عيينة». الترمذي، سنن الترمذي: ج3 ص284، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وأخرج الحاكم حديث الجدّة أيضاً بنفس المضمون في المستدرك، وقال عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي في التلخيص. المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج4 ص338ـ 339، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وغيرها من المصادر الكثيرة التي ذكرت هذا الحديث.

وكان الخليفة عمر يجهل حديث الاستئذان الذي كان يعرفه أصاغر الصحابة، كما أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عبيد بن عمير، قال: «إنّ أبا موسى الأشعري استأذن على عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه)، فلم يؤذن له، وكأنّه كان مشغولاً، فرجع أبو موسى ففرغ عمر فقال: ألم اُسمع صوت عبد الله بن قيس، ائذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه، فقال: كنّا نؤمر بذلك، فقال: تأتيني على ذلك بالبيّنة، فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلاّ أصغرنا أبو سعيد الخدري، فَذهَبَ بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: أخفي هذا عليّ من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ ألهاني الصفق بالأسواق». صحيح البخاري: ج3 ص6ـ 7 ح2062، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وغير ذلك من الشواهد.

([554]) اعتبر الشيعة الإمامة من اُصول المذهب، لا من اُصول الدين، وهناك فارق بين الأمرين، قال السيد الخوئي: «نعم، الولاية بمعنى الخلافة من ضروريات المذهب لا من ضروريات الدين». كتاب الطهارة: ج1 ص86، الناشر: دار الهادي للمطبوعات قم. وقال السيد الخميني: «فالإمامة من اُصول المذهب، لا الدين». كتاب الطهارة: ج3 ص323. مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

([555]) أي: الإمامة.

([556]) الإيجي، المواقف: ج3 ص578، الناشر: دار الجبل ـ لبنان.

([557]) أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد: ص234، طبعة جامعة أنقرة، كلّية الإلهيات.

([558]) البغدادي، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية: ص312، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت.

([559]) الجرجاني، شرح المواقف: ج8 ص350، تحقيق: عليّ بن محمّد الجرجاني.

([560]) الإيجي، المواقف: ج3 ص585، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([561]) البغدادي، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية: ص341، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت.

([562]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص792، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([563]) البقرة: 124.

([564]) الأنبياء: 73.

([565]) السجدة: 24.

([566]) ابن حبّان، صحيح بن حبّان: ج10 ص434، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت. أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج4 ص96، الناشر: صادر ـ بيروت.

([567]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج6 ص22 ح4686، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([568]) المائدة: 55.

([569]) اُنظر: ابن الأثير، جامع الاُصول: ج8 ص665، الناشر: دار الفكر ـ بيروت، نقلاً عن الجمع بين الصحاح الستة.

([570]) قال رسول الله مخاطباً عشيرته بعد أن نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} «... وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبيّ الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثُمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع». الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص62ـ 63، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

ويؤيّده ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس أنّ الرسول’ قال لعلي×: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي». قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة». ووافقه الذهبي في التلخيص. المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص132ـ 134، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وقال عنه الهيثمي: «رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري، وهو ثقة، وفيه لين». مجمع الزوائد: ج9 ص120، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([571]) وهو من الأحاديث المتواترة، وقد أخرجه جمع من الحفّاظ والمحدّثين، وسيأتي البحث فيه مفصّلاً في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.

([572]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص120 ح6111 وح6112 وح6114، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وغيره من المصادر.

([573]) ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج4 ص259، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([574]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص335، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([575]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص379.

([576]) الترمذي، سنن الترمذي: ج5 ص334، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([577]) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص295، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([578]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص378، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([579]) تعبير الفجرة والأوباش يذكره علماء أهل السنّة، قال الذهبي: «وروى سليمان بن أبي شيخ عن عبد الله بن صالح العجلي قال: أقبل الحكم بن هشام يريد مندلاً، فلمّا جلس قال له أصحاب مندل: يا أبا محمّد، ما تقول في عثمان، قال: كان والله خيار الخيرة، أمير البررة، قتيل الفجرة، منصور النصرة، مخذول الخذلة. أمّا خاذله فقد خُذِلَ، وأمّا قاتله فقد قُتِلَ، وأمّا ناصره فقد نصر». تاريخ الإسلام: ج11 ص93، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

ولا ندري هل الصحابة قد خذلهم الله، لكونهم لم ينصروه؟!

وقال ابن تيمية: «وإنّما قتله طائفة من المفسدين في الأرض، من أوباش القبائل وأهل الفتن...». منهاج السنّة: ج3 ص323، الناشر: مؤسسة قرطبة.

([580]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص376، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([581]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج3 ص71، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([582]) ابن الأثير، اُسد الغابة: ج3 ص309، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([583]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص402، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([584]) محمّد بن عبد الوهاب، مختصر السيرة: ج1 ص316، الناشر: مطابع الرياض ـ الرياض.

واُنظر أيضاً مجموعة مؤلّفات الشيخ محمّد بن عبد الوهاب: ج1 ص222، ط2ـ 1423هـ

([585]) إحسان إلهي ظهير، الشيعة والتشيّع: 77، مكتبة بيت السلام ـ الرياض.

([586]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص378، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([587]) البغدادي، الفرق بين الفرق: ص143، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت.

([588]) محمّد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية: ص38، الناشر: دار الفكر العربي.

([589]) وقد ورد في بعض نسخ البداية والنهاية لابن كثير قوله: «وكان أصله رومياً، فأظهر الإسلام...».

وفي نسخ اُخرى وردت كلمة (ذمياً)، ولعلّ الأصل هي (رومياً) ثمّ صحّفت في النسخ اللاحقة؛ للتشابه بينهما.

([590]) ياقوت الحموي، معجم البلدان: ج2 ص306ـ 307، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([591]) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء: ج4 ص142. مكتبة الخانجي ـ القاهرة.

([592]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص155ـ 156، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([593]) عمر رضا كحّالة، معجم قبائل العرب: ج3 ص1225، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([594]) الإسفراييني، التبصير في الدين: ص124، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([595]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص378، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([596]) البغدادي، الفرق بين الفرق: ص15، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت.

([597]) اُنظر: الإسفراييني، التبصير في الدين: ص123، الناشر: عالم الكتب ـ بيروت.

([598]) اُنظر: البغدادي، الفرق بين الفرق: ص15. الاسفراييني، التبصير في الدين: ص21.

([599]) اُنظر: الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص172، ص149، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([600]) اُنظر: البغدادي، الفرق بين الفرق: ص225، الناشر: دار ابن حزم ـ بيروت.

([601]) اُنظر: الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص172. الإيجي، المواقف: ج3 ص679، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([602]) اُنظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص378، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([603]) اُنظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص335. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص114، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([604]) اُنظر: الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص368، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص145، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([605]) الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص433ـ 434. انظر: عبد العزيز صالح الهلابي: عبد الله بن سبأ، دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة: ص17ـ 18، الناشر: صحارى للطباعة والنشر.

([606])  اُنظر: الذهبي، تاريخ الإسلام: ج3 ص312. ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص169. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص88.

([607]) حسن بن فرحان المالكي، نحو إنقاذ التاريخ: ص79، الناشر: مؤسّسة اليمامة الصحفية.

([608]) كاشف الغطاء، أصل الشيعة واُصولها: ص181، الناشر: مؤسسة الإمام علي×.

([609]) استظهر العديد من العلماء من عبارة السيد الخوئي&: أنّه ينكر شخصية عبد الله بن سبأ، وقد ناقش بعضٌ في هذا الظهور، وادّعى أنّه ينكر دوره وما قام به من الفتنة، هذا الدور الذي اختلقه سيف بن عمر، لا أنّه ينكر أصل وجوده.

([610]) الخوئي، معجم رجال الحديث: ج11 ص207، ط5ـ 1992م.

([611]) اُنظر: الطباطبائي، تفسير الميزان: ج9 ص260، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([612]) مرتضى العسكري، عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرى: ج1 ص12، الناشر: المجمع العلمي الإسلامي.

([613]) عليّ الوردي، وعّاظ السلاطين: ص90ـ 112، الناشر: دار كوفان ـ لندن.

([614]) كامل مصطفى الشيبي، الصلة بين التصوّف والتشيّع: ص95ـ 100، الناشر: دار الأندلس.

([615]) عبد الله الفياض، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة: ص95، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([616]) هو عميد الأدب العربي، وأحد المصريين البارزين المعاصرين في تاريخ الثقافة، تعلّم في جامعة الأزهر، نال العديد من المناصب الجامعية المرموقة منها أنّه كان اُستاذاً لتاريخ الأدب العربي القديم، وعميد كليّة الآداب جامعة القاهرة.

([617]) طه حسين، الفتنة الكبرى ـ علي وبنوه: ج2 ص90 ـ 91، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

([618]) مفكّر إسلامي، من أساتذة الفلسفة الإسلامية.

([619]) عليّ النشار، نشأة الفكر الفلسفي: ج2 ص39، الناشر: دار المعارف ـ القاهرة.

([620]) د. حامد حفني داود من أساتذة الأدب العربي بكلّية الألسن العليا بالقاهرة، حاصل على درجة الدكتواره في الأدب العربي مع مرتبة الشرف.

([621]) العلاّمة العسكري، عبد الله بن سبأ وأساطير اُخرى: ج1 ص17، الناشر: المجمع العالمي الإسلامي.

([622]) طبيب وعالم وفيلسوف مصري (1901م ـ 1977م)، وهو أوّل مصري ينال جائزة الأدب والعلوم، له عدّة كتب مهمّة، منها: التحليل البايلوجي للتاريخ، ووحدة المعرفة، وغير ذلك من الكتب.

([623]) محمّد كامل حسين، في أدب مصر الفاطمية: ص7، الناشر: دار الفكر العربي ـ القاهرة.

([624]) عبد العزيز صالح الهلابي، عبد الله بن سبأ، دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة: ص73، الناشر: صحارى للطباعة.

([625]) ابن الجوزي، المنتظم: ج3 ص302، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([626]) أحمد عبّاس صالح، اليمين واليسار في الإسلام: ص95ـ 96، الناشر: المؤسّسة العربية للدراسات والنشرـ بيروت.

([627]) الجاحظ، الحيوان: ج2 ص271، الناشر: دار الجبل ـ لبنان. الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص55، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([628]) الجوزجاني، أحوال الرجال: ص37ـ 38، الناشر: مدرسة الرسالة ـ بيروت.

([629]) ابن قتيبة الدينوري، تأويل مختلف الحديث: ص70، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([630]) البلاذري، أنساب الأشراف: ج3 ص155ـ 156، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([631]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج29 ص7، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([632]) المصدر نفسه.

([633]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج29 ص8، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([634]) الذاريات: 22.

([635]) الصدوق، الخصال: ص628ـ 629، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([636]) الطوسي، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج1 ص324، الناشر: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم.

([637]) المصدر السابق: ج1 ص323.

([638]) حسن بن فرحان المالكي، مع الدكتور سليمان العودة: ص60 ـ 61، الناشر: مركز الدراسات التاريخية ـ عمان، الأردن.

([639]) مجلد 6 ص84ـ 100.

([640]) العدد: 787 ص609ـ 610.

([641]) محمّد عمارة، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية: ص154ـ 155، الناشر: المؤسّسة العربية للدراسات والنشر ـ بغداد.

([642]) د. أحمد محمود صبحي، نظرية الإمامة: ص37، الناشر: دار النهضة العربية ـ بيروت.

([643]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد: ج2 ص306، الناشر: دار المعارف النعمانية ـ باكستان.

([644]) أحمد محمود صبحي، نظرية الإمامة: ص39، الناشر: دار النهضة العربية ـ بيروت.

([645]) الطوسي، اختيار معرفة الرجال: ج1 ص324 ح172، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([646]) الطوسي، اختيار معرفة الرجال: ج1 ص324 ح173، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([647]) المصدر نفسه: ج1 ص323 ح171.

([648]) النوبختي، فرق الشيعة: ص22، الناشر: المكتبة المرتضوية ـ النجف الأشرف.

([649]) الأشعري القمّي، المقالات والفرق: ص19ـ 20، الناشر: مركز انتشارات علمي وفرهنكي ـ قم.

([650]) الطوسي، اختيار معرفة الرجال: ج1 ص324، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([651]) الطوسي، رجال الطوسي: ص75، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([652]) العلاّمة الحلّي، خلاصة الأقوال: ص372، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة.

([653]) الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص426، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([654]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج17 ص100، الناشر: دار إحياء التراث.

([655]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج4 ص22، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

([656]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص792، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([657]) اُنظر: ص242.

([658]) الخوئي، معجم رجال الحديث: ج11 ص207، ط5ـ 1413هـ.

([659]) محمّد كرد علي، خطط الشام: ج6 ص246، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([660]) الطوسي، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج1 ص324، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([661]) النوبختي، فرق الشيعة: ص22، الناشر: المكتبة المرتضوية ـ النجف الأشرف.

([662]) الأشعري القمّي، المقالات والفرق: ص20، الناشر: مركز انتشارات علمي وفرهنگي ـ قم.

([663]) إنّ اصطلاح الأصحاب أو أصحاب الإمام عندما يطلقه علماء الشيعة لا يعني بالضرورة أنّهم من شيعة الإمام بالمعنى المتعارف للصحابي الشيعي، بل قد يطلق ويراد به أصحاب الرواية، أي: من روى عن الإمام، مؤمناً كان أو فاسقاً، شيعياً كان أم غيره، فعدّ الشيخ الطوسي في رجاله معاوية بن معاوية، وعمرو بن العاص، وزياد بن أبيه، وبعض الخوارج ممّن روى عن عليّ×، وعدّ المنصور الدوانيقي من أصحاب الإمام الصادق×؛ ولذا قال المحقّق الداماد عن اصطلاح الشيخ الطوسي في الأصحاب: «اصطلاح كتاب الرجال للشيخ في الأصحاب،‌ أصحاب الرواية، لا أصحاب اللقاء». ميرداماد، الرواشح السماوية، الراشحة الرابعة عشرة: ص108، الناشر: دار الحديث.

([664]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص62ـ 63، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

([665]) محمّد بن حميد بن حيان التميمى التوحيدي، أبو عبد اللّه الرازي: (ت 248 هـ). روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، قال أبو زرعة: «من فاته ابن حميد يحتاج أن ينزل في عشرة آلاف حديث.

وعن أحمد بن حنبل، قال: لا يزال بالري علم ما دام محمّد بن حميد حيّاً.

وقيل لمحمد بن يحيى الذهلي: ما تقول في محمّد بن حميد؟ قال: ألا تراني هو ذا أحدّث عنه.

وعن محمّد بن إسحاق وقد سئل: أتحدّث عن محمّد بن حميد؟ فقال: وما لي لا أحدّث عنه، وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.

وسئل يحيى بن معين عنه، فقال: ثقة، ليس به بأس، رازي كيّس.

وقال أبو العبّاس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: ابن حميد ثقة كتب عنه يحيى.

وروى عنه من يقول فيه: هو أكبر منهم». اُنظر: المزي، تهذيب الكمال: ج25 ص100ـ 101، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

وقال الخليلي: «كان حافظاً عالماً بهذا الشأن، رضيه أحمد ويحيى». ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج9 ص115، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([666]) سلمة بن الفضل الأبرش الأنصاري (ت بعد 190 هـ).

روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه في التفسير. عن ابن معين [قال]: «ثقة كتبنا عنه، كان كتُب مغازيه أتمّ، ليس في الكتب أتمّ من كتابه.

وقال الدوري عن ابن معين: كتبنا عنه، وليس به بأس، وكان يتشيّع...

وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقاً، وهو صاحب مغازي ابن إسحاق...

قال ابن عدي: عنده غرائب وإفراد، ولم أجد في حديثه حديثاً قد جاوز الحدّ في الإنكار، وأحاديثه متقاربة محتملة. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: يخطئ ويخالف...

وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، وذكر ابن خلفون أنّ أحمد سئل عنه، فقال: لا أعلم إلاّ خيراً». ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج4 ص135ـ 136.

([667]) محمّد بن إسحاق بن يسار المدني (ت 150).

وهو صاحب السيرة المعروفة، اشتهر بالعلم والوثاقة إلى حدّ لا يسمع معها جرحه.

روى له البخاري ـ تعليقاً ـ وروى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

قال الذهبي عنه: «العلاّمة الحافظ الأخباري أبو بكر... صاحب السيرة النبوية... وهو أول من دوّن العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحراً عجاجاً...

قال ابن المديني، عن سفيان، عن الزهري، قال: لايزال بالمدينة علم ما بقي هذا ـ عنى ابن إسحاق...

وقال أيضاً: مدار حديث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ على ستة، فذكرهم، ثمّ قال: فصار علم الستة عند اثني عشر، أحدهم محمّد بن إسحاق.

قال الخليلي: قال ابن إدريس الحافظ: كيف لا يكون ابن إسحاق ثقة وقد سمع من الأعرج، ويروي عنه، ثمّ يروي عن أبي الزناد عنه، ثمّ يروي عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عنه». الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج7 ص33ـ 37، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

وقال البخاري: «رأيت علي بن عبد الله يحتجّ بحديث ابن إسحاق. وذكر عن سفيان أنّه ما رأى أحداً يتّهمه». ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج9 ص36، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وحجة من أمسك عن الاحتجاج به اتهامه بالتشيع ورميه بالقول بالقدر والتدليس، وأما الصدق كما قال الذهبي، فليس بمدفوع عنه. سير أعلام النبلاء: ج7 ص33ـ 37، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت. ولا يخفى أن اتهامه بالتشيع أو القدر لا يضر في الرواية كما عليه التحقيق، وأما التدليس، فهو من الحالات النادرة عنده، وعنعنته محمولة على الاتصال، وقد حققنا حاله في كتابنا قصة الحوار الهادئ في الجزء الثالث، فليراجع.

([668]) عبد الغفار بن القاسم بن قيس الأنصاري:

هو أبو مريم الكوفي، مشهور بكنيته، روى عنه شعبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وآخرون.

وقال شعبة: «لم أر أحفظ منه... وكان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال». ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج4 ص42، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

قال ابن عدي: «ولعبد الغفار بن القاسم أحاديث صالحة، وفي حديثه ما لا يتابع عليه، وكان غالياً في التشيع، وقد روى عنه شعبة حديثين ويكتب حديثه مع ضعفه». الكامل في ضعفاء الرجال: ج5 ص328، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وقال ابن عدي أيضاً: «سمعت أحمد بن محمّد بن سعيد[ابن عقدة] يثني على أبي مريم ويطريه وتجاوز الحدّ في مدحه حتى قال: لو انتشر علم أبي مريم لم يحتج الناس إلى شعبة». الكامل: ج5 ص327، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

ويعدّ ابن عقدة من كبار الحفاظ وعلماء الحديث ونقّاد الرجال، قال الذهبي: «حافظ العصر والمحدّث البحر، أبو العباس... وكان إليه المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث». تذكرة الحفاظ: ج3 ص839، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال أبو علي الحافظ: «ما رأيت أحداً أحفظ لحديث الكوفيين من أبي العباس، ابن عقدة، فقيل له ما يقول له بعض الناس فيه، فقال: لا يشتغل بمثل هذا، أبو العباس امام حافظ محلّه محلّ من يسأل عن التابعين وأتباعهم، فلا يسأل عنه أحد من الناس». ابن حجر، لسان الميزان: ج1 ص265.

وقال ابن عدي في الكامل: «كان صاحب معرفة وحفظ ومقدّم في هذه الصناعة... ولم أجد بُدّاً من ذكره؛ لأني شرطت في أول كتابي هذا أن أذكر فيه كلّ من تكلّم فيه متكلم، ولا أحابي، ولولا ذلك لم أذكره؛ للذي كان فيه من الفضل والمعرفة» الكامل: ج1 ص206، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وقد علّق ابن حجر على كلام ابن عدي: «ثمّ لم يسق له ابن عدي شيئاً منكراً» لسان الميزان: ج1 ص236، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

ولكن مع هذه المكانة العلمية التي لابن عقدة عند ابن عدي نجد أنّه حينما مدح أبا مريم وأطرى عليه، عدّ ذلك في نظر ابن عدي تجاوزاً للحد وإنما مال إليه بسبب تشيعه؟!! الكامل: ج5 ص372.

نعم قد ضعّف أبا مريم عدة من علماء الجرح والتعديل ولكن المتتبع لكلماتهم في تضعيفه يتّضح له أنّها كانت بسبب مواقفه الاعتقادية من بعض الصحابة، وروايته لفضائل أمير المؤمنين×، من هنا فقد اتّهم بالرفض والتشيع، وقد صرّح بعضهم بذلك في سياق تضعيفه له، قال أحمد بن حنبل: «كان أبو عبيدة إذا حدثنا عن أبي مريم يضجّ الناس ويقولون: لا نريده. قال أحمد: كان أبو مريم يحدّث ببلايا في عثمان» الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص640، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وفي مصدر آخر قال أحمد أيضاً: «ليس بثقة كان يحدّث ببلايا في عثمان» ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج6 ص54، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال أبو حاتم: «هو متروك الحديث، كان من رؤساء الشيعة» ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج6 ص54.

وهذا وقد صرّح ابن حنبل بأن سبب تضعيفه إنّما جاء من اعتقاده ورأيه، وهذا من الغرائب، فقد سئل يوماً، فقيل له: «أبو مريم من أين جاء ضعفه، من قبل رأيه أو من قبل حديثه؟ قال: من قبل رأيه، ثمّ قال: وقد حدّث ببلايا في عثمان». العقيلي، الضعفاء: ج3 ص102، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

فهل يبقى بعد هذا التصريح مجال لقبول كلماتهم في تضعيفه؟!

([669]) المنهال بن عمرو:

روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

«قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة، وكذلك قال النسائي... وقال العجلي: كوفي، ثقة. وقال الدارقطني: صدوق». المزي، تهذيب الكمال: ج28 ص570ـ 571، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

قال ابن حجر: «المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي صدوق، ربّما وهم، من الخامسة». تقريب التهذيب: ج2 ص216، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

قال الذهبي في الكاشف: «وثّقه ابن معين». الكاشف: ج2 ص298، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([670]) عبد الله بن الحارث بن نوفل.

روى له: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

قال ابن حجر: «قال ابن معين وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال ابن المديني: ثقة...

قال محمّد بن عمر: كان ثقة كثير الحديث، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: أجمعوا على أنّه ثقة، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثقة، ظاهر الصلاح وله رضى في العامة، وقال ابن حبّان: هو من فقهاء أهل المدينة». تهذيب التهذيب: ج5 ص158، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وقال ابن حجر أيضاً: «له رؤية ولأبيه وجده صحبة، قال ابن عبد البر أجمعوا على ثقته، مات سنة تسع وسبعين ويقال سنة أربع وثمانين». تقريب التهذيب: ج1 ص485.

([671]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص47ـ 48، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([672]) أبو البركات عمر بن إبراهيم (539هـ).

قال الذهبي: «الشيخ العلاّمة المقرئ النحوي، عالم الكوفة، وشيخ الزيدية، أبو البركات، عمر بن إبراهيم... قال السمعاني: شيخ كبير، له معرفة بالفقه والحديث واللغة والتفسير والنحو، وله التصانيف في النحو، وهو فقير قانع باليسير، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب، لكني أفتي على مذهب السلطان». سير أعلام النبلاء: ج20 ص145ـ 146، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

وقال في الميزان: «روى عنه ابن السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وكان مشاركاً في علوم، وهو فقير متقنّع خيّر ديّن على بدعته، وكان مفتي الكوفة ويقول: أفتي بمذهب أبي حنيفة ظاهراً وبمذهب زيد تديّناً... مات سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وصلّى عليه ثلاثون ألفاً...» الذهبي، ميزان الاعتدال: ج3 ص181، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقال ابن عساكر: «كتبت عنه بالكوفة وهو أورع علوي لقيته». تاريخ مدينة دمشق: ج43 ص543.

وقال ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد: «قرأت في كتاب معجم شيوخ الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمّد السلفي الأصبهاني بخطه وأخبرنيه عنه أبو الحسن بن المقدس بمصر، قال: أخبرني أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمّد بن حمزة العلوي الزيدي بالكوفة وذكر حديثاً، ثمّ قال: الشريف عمر هذا أديب نحوي... وكان من عقلاء الرجال، حسن الرأي في الصحابة مثنياً عليهم متبرئاً ممّن تبرأ منهم.

أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمّد بن الحسن بن هبة الله الشافعي بدمشق أنبأ عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ، قال: عمر بن إبراهيم بن محمّد أبو البركات الزيدي الكوفي كتبت عنه بالكوفة، وهو أورع علوي لقيته...

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه، قال: عمر بن إبراهيم بن محمّد أبو البركات من أهل الكوفة يسكن بمحلة يقال لها السبيع، ويصلي بالناس في مسجد أبي إسحاق السبيعي، شيخ كبير فاضل، له معرفة بالفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والأدب، وله التصانيف الحسنة السايرة في النحو، وهو خشن العيش، صابر على الفقر والقلة، قانع باليسير، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب [و] لكني أفتي على مذهب السلطان ـ يعنى أبا حنيفة ـ رحمه الله، كتبت عنه الكثير، وهو شيخ متيقّض حسن الإصغاء سليم الحواس». ذيل تاريخ بغداد: ج5 ص9ـ 10، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([673]) أبو الفرج محمّد بن أحمد بن علان الشاهد (446هـ).

قال عنه الذهبي: «الشيخ، المسند، الثقة، أبو الفرج، محمّد بن أحمد بن علان الكرجي ثمّ الكوفي... قال النرسي: هو ثقة من عدول الحاكم». سير أعلام النبلاء: ج18 ص451.

([674]) محمّد بن جعفر بن محمّد (402هـ).

قال الذهبي: «الإمام المقرئ، المعمر، المسند... التميمي النحوي الكوفي، ابن النجار... قال العتيقي: هو ثقة». سير أعلام النبلاء: ج17 ص100ـ 101، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([675]) محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي (326هـ).

قال الذهبي: «الشيخ المحدّث المعمر، أبو عبد الله محمّد بن القاسم بن زكريا، المحاربي الكوفي السوداني... عن حسين بن نصر بن مزاحم، قال: وكان يؤمن بالرجعة». سير أعلام النبلاء: ج15 ص73.

وفي ميزان الاعتدال: «تكلم فيه، وقيل: كان يؤمن بالرجعة... حدّث عنه الدارقطني، ومحمد بن عبد الله [ القاضي ] الجعفي». الذهبي، ميزان الاعتدال: ج4 ص14، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. فالكلام فيه لما قيل من أنّه كان يؤمن بالرجعة، لكن إيمانه بذلك غير ثابت، وعلى فرض وجوده فلا يؤثر، وإلاّ لما روى عنه مثل الدارقطني.

فإيراده في الضعفاء والمجروحين لا وجه له؛ إذ لم يبيّنوا سبب ضعفه، وغاية ما يذكرون أنّه قد تُكلم فيه، وكلامهم فيه إنما من جهة عقيدته، وهي لا تؤثر كما أشرنا مراراً. وإذا ما أضفنا أن الرجل ممن حدث عن الدراقطني ومحمد بن عبد الله الجعفي وجماعة، انظر: سير أعلام النبلاء: ج15 ص73. فيكون في النتيجة: صدوقاً حسن الحديث في أقل حالته.

([676]) عباد بن يعقوب الرواجني(250هـ).

قال الذهبي في الكاشف: «شيعي جلد، عن الوليد بن أبي ثور وشريك وعدة، وعنه البخاري مقروناً والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن صاعد وخلق، وثّقه أبو حاتم». الكاشف: الذهبي: ج1 ص532ـ 533، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

وقال الذهبي في السير: «الرواجني، الشيخ العالم الصدوق، محدّث الشيعة... قال أبو حاتم: شيخ ثقة. وقال الحاكم: كان ابن خزيمة يقول: حدثنا الثقة في روايته، المتهم في دينه، عباد بن يعقوب.

وقال ابن عدي: فيه غلو في التشيع. وروى عبدان عن ثقة، أن عبّاداً كان يشتم السلف، وقال ابن عدي: روى مناكير في الفضائل والمثالب... وقال ابن جرير: سمعته، يقول: من لم يبرأ في صلاته كلّ يوم من أعداء آل محمّد، حشر معهم...» سير أعلام النبلاء، الذهبي: ج11 ص536ـ 538، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

وقال في التقريب: «صدوق رافضي حديثه في البخاري مقرون، بالغ ابن حبّان، فقال: يستحق الترك». ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص469ـ 470، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وقال الخزرجي الأنصاري: «وثّقه أبو حاتم وابن خزيمة، وقال ابن عدي: فيه غلو، روى أحاديث منكرة في فضائل أهل البيت، وقال صالح بن محمّد: يشتم عثمان». خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: ص187، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب.

وعن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: «سئل أبي عنه فقال: كوفي شيخ». ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج6 ص88، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

فالرجل لا غبار على وثاقته وصدقه، وما قد يخدش به من هنا وهناك فلروايته فضائل أهل البيت^ ومجاهرته بالحق، وعدم خوفه ووجله من النطق به، هذا ويلاحظ أن الذهبي في السير ينقل أن أبا حاتم قال بحقه: شيخ ثقة، بينما المنقول عن أبي حاتم في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم قوله: كوفي شيخ، من دون لفظة (ثقة)، فلا ندري هل أن الذهبي اطلع على كلام آخر لأبي حاتم في كتاب آخر، أم أنّه اشتبه في النقل عنه، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!

([677]) عبد الله بن عبد القدوس.

روى عنه البخاري ـ تعليقاً ـ والترمذي.

وفي التهذيب عن محمّد بن عيسى أنّه قال: «هو ثقة، وقال البخاري: هو في الأصل صدوق إلاّ أنّه يروي عن أقوام ضعاف. وقال أبو داود: ضعيف الحديث كان يرمى بالرفض. قال: وبلغني عن يحيى أنّه قال: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت^، وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: ربما أغرب... وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير، وقال يحيى بن المغيرة: أمرني جرير أن أكتب عنه حديثاً». ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج5 ص265، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وقال ابن حجر: «صدوق رمي بالرفض». تقريب التهذيب: ج1 ص510، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. وقال عنه الهيثمي: «وثقه البخاري وابن حبّان وضعفه ابن معين». مجمع الزوائد: ج1 ص120، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وقال في موضع آخر: «فيه كلام وقد وثق». مجمع الزوائد: ج3 ص15.

نقول: بعد ملاحظة أقوال الجارحين له والمعدّلين يتّضح أن أسباب جرحهم له واضحة جداً، وهي تشيّعه وروايته لفضائل أهل البيت^ بل إن عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت^ حتى نعتوه بنعوت قاسية كقولهم: رافضي خبيث، أو أنّه ليس بشيء وغيرها من الأحكام، وليتهم أطلقوا تلك النعوت على من يستحقها كحريز بن عثمان الذي كان يلعن علياً× في الغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة، ومع ذلك فهو ثقة ثبت مع كونه ناصبياً!! فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

([678]) سليمان بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي (ت 148هـ).

روى له الستة، «قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت». ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج4 ص196.

وقال ابن حجر: «سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمّد الكوفي الأعمش، ثقة، حافظ عارف بالقراءات، ورع لكنّه يدلس». تقريب التهذيب: ج1 ص392، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. غير أن العلماء قبلوا رواية الأعمش المعنعنة ما لم يظهر الانقطاع فيها. انظر: الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج4 ص403.

وقال الذهبي: «سليمان بن مهران الحافظ أبو محمّد الكاهلي الأعمش، أحد الأعلام». الكاشف: ج1 ص464، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

ووثقه العجلي، معرفة الثقات: ج1 ص432، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة. وذكره ابن حبّان في الثقات. ابن حبّان، الثقات: ج4 ص302، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

([679]) مرّ الكلام عنه: ص308.

([680]) عباد بن عبد الله الأسدي الكوفي.

من التابعين، روى عن علي× وسلمان (رض) وروى عنه المنهال بن عمرو، قال المزّي: «روى له النسائي في خصائص علي وفي مسنده أحاديث». المزي، تهذيب الكمال: ج14 ص139، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

وأورده العجلي في الثقات، وقال: «كوفي تابعي ثقة». معرفة الثقات: ج2 ص17. وذكره ابن حبّان في الثقات. ابن حبّان، الثقات: ج5 ص141، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

وأخرج له ابن أبي حاتم في تفسيره. ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج1 ص45، الناشر: المكتبة العصرية.

وصحح له الحاكم في المستدرك حديثين عن علي×: الأوّل قوله×: «إني عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، صلّيت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة». المستدرك: ج3 ص112، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. 

والحديث الثاني في تفسير قوله تعالى: {إنّما أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال×: «رسول الله’ المنذر، وإنا الهادي». وقال عنه الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». المستدرك: ج3 ص129ـ 130.

الأمر الذي لم يطق الذهبي سماعه، فحكم بأنّه كذب رجماً بالغيب، فقال: «هذا كذب على علي». الذهبي، ميزان الاعتدال: ج2 ص369، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وسئل أحمد بن حنبل عن حديث: أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق، فقال: «اضرب عليه فإنه حديث منكر». سبط ابن العجمي، الكشف الحثيث: ص144، الناشر: عالم الكتب.

فهذان الحديثان، وحديث الوصية وغيرها من أحاديث مناقب ومقامات أهل البيت^ كانت سبباً في تضعيف عباد بن عبد الله الأسدي من قبل بعض علماء الجرح والتعديل، ولا يوجد طعن في عدالته ووثاقته.

([681]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص48ـ 49، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([682]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص49ـ 50، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([683]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص50، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([684]) الطبراني، المعجم الكبير: ج6 ص221، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([685]) أحمد بن حنبل، فضائل الصحابة: ج2ص615 ح1052، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([686]) محمّد بن عبد الله الحضرمي.

قال ابن أبي حاتم الرازي: «محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي المعروف بالمطين... كتب إلينا ببعض حديثه، وهو صدوق». الجرح والتعديل: ج7 ص298، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال الذهبي: «كان من أوعية العلم... قال أبو بكر بن دارم الحافظ: كتبت عن مطين مائة ألف حديث. وسئل عنه الدارقطني، فقال: ثقة جبل... ولأبي جعفر العبسي كلام في مطين، وعدد له نحواً من ثلاثة أوهام، فلا يلتفت إلى كلام الأقران بعضهم في بعض، وبكلّ حال فمطين ثقة مطلقاً، وليس كذلك العبسي». تذكرة الحفاظ: ج2 ص662ـ 663، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

ووثّقه الهيثمي في مجمع الزوائد: ج6 ص104، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

ووصفه عمرو بن أبي عاصم في كتاب السنة بالحافظ. ابن أبي عاصم، السنة: ص317، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمّد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

وصحّح الحاكم في المستدرك أحاديث جاء في أسانيدها الحضرمي ووافقه الذهبي. المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص41ـ 42، ج3 ص560، ج4 ص319ـ 320، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. وغيرها من الموارد.

([687]) إبراهيم بن الحسن الثعلبي.

قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عنه، فقال: شيخ». الجرح والتعديل: ج2 ص92.

وذكره ابن حبّان في الثقات: ج8 ص80، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

([688]) يحيى بن يعلى الأسلمي:

يعدّ يحيى بن يعلى الأسلمي من الرواة الذين لهم دور كبير في نقل الحديث وروايته والذي يتّضح من خلال كثرة من نقل عنهم من كبار الرواة والمحدثين، كإسماعيل بن أبي خالد والأعمش، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعثمان بن الأسود، وفطر بن خليفة، ويونس بن خباب وغيرهم كثير إلى الحد الذي يصفهم ابن حجر بـ (الخلق). ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج11 ص266، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وهذا فيه دلالة على كثرة عددهم، وكذلك يروي عنه عدد كبير من الرواة كأبي بكر بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد، وأبي هشام الرفاعي، وإسماعيل بن أبان الوراق، وجبارة بن المغلس، والوليد بن حماد، وأبي نعيم الطحان، وعباد بن يعقوب الرواجني وآخرين.

روى له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي في سننه، وابن أبي حاتم في تفسيره: ج9 ص3032ـ 3033. وقال ابن أبي حاتم في تفسيره عن الروايات الوارده فيه: «فتحريت إخراج ذلك بأصح الأخبار أسناداً، وأشبهها متناً». تفسير ابن أبي حاتم: ج1 ص14، الناشر: المكتبة العصرية.

وروى له ابن حبّان في صحيحه: ج15ص392ـ 395، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

وقال ابن حبّان عن سبب تأليفه للصحيح: «وإني لمّا رأيت الأخبار طرقها كثرت، ومعرفة الناس بالصحيح منها قلّت لاشتغالهم بكتبة الموضوعات وحفظ الخطأ أو المقلوبات... فتدبّرت الصحاح لأسهل حفظها على المتعلمين، وأمعنت الفكر فيها لئلا يصعب وعيها على المقتبسين». صحيح ابن حبّان: ج1 ص102ـ 103، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

وأخرج ليحيى بن يعلى، ابن أبي شيبة في مصنفه. ابن أبي شيبة، المصنف: ج1ص253، ج3 ص129، ج5 ص415، ج8 ص452، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

وصحح له الحاكم حديثاً في مستدركه. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص128، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

ولكن العديد من علماء الجرح والتعديل ضعّفوه وجرحوه، قال عبد الله الدورقي عن يحيى ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بالقوي، وقال ابن عدي: كوفي من الشيعة. ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج11 ص266.

والمتأمل في أقوالهم وتجريحم له يتّضح له أن تضعيفهم لم يكن مستنداً إلى الطعن في عدالته وصدقه، فهذه الألفاظ المذكورة مضافاً إلى أنّها تعتبر أدنى مراتب الجرح عندهم، فهي لا تمسّ صدقه ووثاقته، بل نعتقد أن ذنبه وجريرته هو تشيّعه وروايته لفضائل أهل البيت^ التي تكون في كثير من الأحيان كافية في تضعيف الراوي وردّ أحاديثه، لذا قرن الألباني تشيّعه بضعفه، فقال: «وهو شيعي ضعيف». السلسلة الضعيفة: ج2 ص391.

وهذا ما يظهرأيضاً من كلام ابن عدي، فإنه بعد أن نقل قول البخاري في يحيى: مضطرب الحديث، ذكرحديثاً له كشاهد على ذلك، وهو قول رسول الله’: «من أطاعني أطاع الله، ومن عصاني عصى الله، ومن أطاع علياً أطاعني، ومن عصى علياً عصاني». ثمّ علّق قائلاً: «وهذا لا أعلم يرويه عن بسام بهذا الإسناد غير يحيى بن يعلى، ويحيى بن يعلى هذا كوفي، وهو في جملة شيعتهم». عبد الله بن عدي، الكامل في الضعفاء: ج7 ص233، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وأخرج له ابن أبي حاتم عن السدي في تفسير قوله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، قال: «الذين صدقوا: علي بن أبي طالب وأصحابه». تفسير ابن أبي حاتم: ج9 ص3032ـ 3033، الناشر: المكتبة العصرية.

وروى له الحاكم بسنده عن رسول الله’، قال: «من يريد أن يحيى حياتي، ويموت موتى، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتولّ علي بن أبي طالب؛ فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة». المستدرك: ج3 ص128، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

فهذه الأحاديث إذن هي التي تجعل الراوي مضطرب الحديث، ضعيف الحديث، ليس بشيء؛ لأنّها تعدّ من المناكير والبلايا والطامات عندهم!! ولذا وصف ابن حجر الحديث الذي يرويه ابن حبّان في صحيحه عن يحيى بن يعلى، والذي فيه أن رسول الله’ قد ردّ أبا بكر وعمر عندما خطبا الزهراء÷، ثمّ زوجها لعلي× قال ابن حجر عنه: «وأخرج ابن حبّان له في صحيحه حديثاً طويلاً في تزويج فاطمة، فيه نكارة». تهذيب التهذيب: ج11 ص266، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. كما يمكن أن نضيف: أن هناك من صرح بوثاقته: قال الطبري: >حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثني يعلى بن يحيى الأسلمي وكان ثقة. انظر: الطبري، المنتخب من ذيل المذيل: ص51.

([689]) ناصح بن عبد الله.

كان من كبار الحفاظ وحملة العلم، روى عنه كبار العلماء والحفاظ كأبي حنيفة النعمان، وإسماعيل بن عمرو البجلي، وعبد الله بن صالح العجلي، وعبد العزيز بن الخطاب، وإسحاق بن منصور السلولي وغيرهم من الثقات، ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج10ص 358ـ 359.

واشتهر بالتديّن والصلاح، قال الذهبي: «كان من العابدين، ذكره الحسن بن صالح، فقال: رجل صالح، نعم الرجل». ميزان الاعتدال: ج4 ص240، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقال ابن حبّان: «كان شيخاً صالحاً». المجروحين: ج3 ص54، تحقيق: محمود إبراهيم زايد.

ولكن مع هذا فقد تعرّض ناصح بن عبد الله إلى حملة واسعة من التضعيف والتجريح لروايته فضائل ومناقب أهل البيت^ بيد أنهم لم يستطيعوا من خلال حملتهم تلك أن يقدّموا دليلاً واحداً على عدم صدقه أو وثاقته، أو سوء حفظه أو غيرها من الاُمور التي تضرّ في رواية الراوي وتؤثر على صحّة نقله، وإنما تراوحت عباراتهم بين الإبهام والغموض وعدم إعطاء تفسير مقنع، كقولهم: منكر الحديث، ليس بشيء، ذاهب الحديث، ضعيف، ليس بالقوي، ليس بثقة. المزي، تهذيب الكمال: ج29ص 261ـ 264، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

وبين الإفصاح عن السبب الحقيقي لتضعيفه وجرحه، وهو روايته ونقله لفضائل ومناقب أهل البيت^ فعبّروا عن ذلك بقولهم: منكر الحديث، عنده عن سماك، عن جابر بن سمرة مسندات في الفضائل كلّها منكرات. المزي، تهذيب الكمال: ج29 ص261.

أو قولهم: متروك الحديث روى عن سمّاك أحاديث منكرة. المزي، تهذيب الكمال: ج29 ص261.

أو قولهم: يروي عن الثقات ما ليس يشبه حديث الأثبات، وينفرد بالمناكير عن ثقات مشاهير، غلب عليه الصلاح، فكان يأتي بالشيء على التوهّم، فلمّا فحش ذلك منه استحق ترك حديثه. ابن حبّان، المجروحين: ج3 ص54، تحقيق: محمود إبراهيم زايد.

وهذه الأقوال والتعابير كلّها، كما ترى لا تحطّ من قدر الرجل في الحفظ والرواية للحديث بعد تصريحهم بأنّه من العابدين وكونه من الصالحين وقد روى عنه كبار أئمة أهل السنّة كأبي حنيفة وغيره؛ فلذا لا تغترّ بما يطعن به هذا الرجل بعد أن عرفت علّة الطعن، وإليك بعض أحاديثه التي وصفوها بأنّها منكرات، لأنّها تعارض وتضادّ مسلّمات عندهم، كوقوعه في سند رواية عن جابر، قال: «قالوا: يا رسول الله: من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: من يحسن أن يحملها إلاّ من حملها في الدنيا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، الطبراني». المعجم الكبير: ج2 ص247، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وكذلك نقله لحديث الوصية الذي نحن بصدده، والذي لم يحتمله الذهبي، فقال عنه: «هذا خبر منكر». ميزان الاعتدال: ج4 ص240، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([690]) سماك بن حرب الذهلي (123هـ).

قال الذهبي: «سماك بن حرب ابن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة، الحافظ الإمام الكبير أبو المغيرة الذهلي البكري الكوفي أخو محمّد وإبراهيم، حدث عن ثعلبة بن الحكم الليثي، وله صحبة، وابن الزبير... قال علي بن المديني: له نحو مئتي حديث، وروى حماد بن سلمة عنه: أدركت ثمانين من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان قد ذهب بصري، فدعوت الله تعالى، فردّ عليّ بصري». سير أعلام النبلاء: ج5 ص245ـ 249، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

وقال المزي: «قال عبد الرزاق، عن سفيان الثوري: ما سقط لسماك بن حرب حديث... وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة... وكان جائز الحديث لم يترك حديثه أحد، ولم يرغب عنه أحد، وكان عالماً بالشعر وأيام الناس، وكان فصيحاً. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: صدوق ثقة... قال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح... وقال النسائي: ليس به بأس، وفي حديثه شيء.

وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: في حديثه لين. قال أبو الحسين بن قانع: مات سنة ثلاث وعشرين ومئة. استشهد به البخاري في الجامع، وروى له في القراءة خلف الإمام وغيره، وروى له الباقون». تهذيب الكمال: ج12 ص115، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

قال ابن عدي: «ولسماك حديث كثير مستقيم إن شاء الله كلّها، وقد حدّث عنه الأئمّة، وهو من كبار تابعي الكوفيين، وأحاديثه حسان عمّن روى عنه، وهو صدوق لا بأس به». الكامل في الضعفاء: ج3 ص462، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([691]) الطبراني، المعجم الكبير: ج4 ص171 ح4046، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([692]) اُنظر: ص317.

([693]) محمّد بن مرزوق (ت248 هـ).

«روى عنه: مسلم، والترمذي، وابن ماجه.... قال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات». المزي، تهذيب الكمال: ج26ـ ص378ـ 379. وقال ابن حجر في التقريب: «صدوق له أوهام». تقريب التهذيب: ج2 ص130، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([694]) حسين الأشقر الفزاري الكوفي (208هـ)

لم يتّهمه أحد في وثاقته أو عدالته، بل اعترفوا بصدقه وعدم تعمّده الكذب، فقد ورد عن أحمد بن محمّد بن هانئ، قال: «قلت لأبي عبد الله ـ يعني ابن حنبل: تحدّث عن حسين الأشقر؟ قال: لم يكن عندي ممّن يكذب... وقال ابن الجنيد: سمعت ابن معين ذكر الأشقر، فقال: كان من الشيعة الغالية، قلت: فكيف حديثه؟ قال: لا بأس به، قلت: صدوق؟ قال: نعم، كتبت عنه». ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج2 ص291ـ 292، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وقال ابن حجر: «صدوق يهم، ويغلو في التشيع». تقريب التهذيب: ج1 ص214.

وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات. ابن حبّان، الثقات: ج8 ص184، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

وأخرج له ابن أبي حاتم في تفسيره أحاديث بعضها في فضائل أهل البيت^: ج3 ص729 ج4 ص1328 ج10 ص3277، الناشر: المكتبة العصرية.

وصحّح له الحاكم في المستدرك حديثاً في تفسير قوله تعالى: {إنّما أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، قال علي: «رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) المنذر، وأنا الهادي». وعلّق عليه الذهبي بكل تشنّج وانفعال كعادته مع هكذا أحاديث، قائلاً: «بل كذب قبح الله واضعه!!». الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص140، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

بينما علّق على حديث آخر صحّحه الحاكم، وفي إسناده حسين الأشقر، قال: «الأشقر وثّق، وقد اتهمه ابن عدي». الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص130، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

والسبب في الفرق بين التعليقين هو أن الحديث الثاني لم يكن فيه ما يثير حفيظة الذهبي.

ويعدّ الأشقر من الرواة والحفاظ الذين جنّدوا أنفسهم لنقل فضائل أهل البيت^ والتحدّث بها فجرّ عليه ذلك أن اتّهم بأنّه يروي المناكير والبلايا، فقال عنه البخاري: «فيه نظر، وقال في موضع آخر: عنده مناكير، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: غال من الشتامين للخيرة». المزي، تهذيب الكمال: ج6 ص366ـ 369. هذا، وقد ترجمنا الأشقر في ج2 من كتابنا قصة الحوار, وذكرنا أن الترمذي والبخاري يقبلون روايته, بل وكذلك النسائي والدارقطني وابن خزيمة, فليراجع.

([695]) قيس بن الربيع الأسدي المتوفّى سنة بضع وستين بعد المائة.

روى له الترمذي وابن ماجه وأبو داود، قال الذهبي: «أحد أوعية العلم، صدوق في نفسه... كان شعبة يثني عليه، وقال أبو حاتم: محلّه الصدق». ميزان الاعتدال: ج3 ص393، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

قال ابن حجر: «قال عبيد الله بن معاذ عن أبيه: سمعت يحيى بن سعيد ينقص قيساً عند شعبة، فزجره ونهاه، وقال عفان: وقلت ليحيى بن سعيد: هل سمعت من سفيان يقول فيه يغلطه أو يتكلم فيه بشيء؟ قال: لا، قلت ليحيى: أفتتهمه بكذب؟ قال: لا، قال عفّان: فما جاء فيه بحجة. وقال حاتم بن الليث الجوهري عن عفان: قيس ثقة، يوثّقه الثوري وشعبة، وعن أبي الوليد: كان قيس ثقةً حسن الحديث، وقال عمرو بن علي: قلت لأبي الوليد: ما رأيت أحداً أحسن رأياً منك في قيس، قال: إنّه كان ممّن يخاف الله». تهذيب التهذيب: ج8 ص350ـ 351، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

قال ابن حجر: «قال ابن حبّان: تتبعت حديثه فرأيته صادقاً إلاّ أنّه لمّا كبر ساء حفظه، فيدخل عليه ابنه فيحدّث منه ثقة به، فوقعت المناكير في روايته فاستحق المجانبة... وكان شعبة يروي عنه وكان معروفاً بالحديث صدوقاً، ويقال: إن ابنه أفسد عليه كتبه بآخره، فترك الناس حديثه، وقال عثمان بن أبي شيبة: كان صدوقاً، ولكن اضطرب عليه بعض حديثه... وقال ابن خزيمة: سمعت محمّد بن يحيى، يقول: سمعت أبا الوليد، يقول: كتبت عن قيس بن الربيع ستة آلاف حديث هي أحبّ إلي من ستة آلاف دينار». تهذيب التهذيب: ج8 ص352ـ 353.

ومن خلال مجمل كلماتهم وأقوالهم فيه يظهر أن الرجل كان صدوقاً لا يعرف عنه الكذب باعترافهم، وكان من أوعية العلم لكثرة ما يروي وينقل، وما ورد من جرح بعضٍ له فهو إمّا مبهم غير مفسّر، أو بسبب تشيّعه، كما صرّح بذلك أحمد بن حنبل، أو من جهة تصرف ابنه في رواياته وهي قضية غير ثابتة ذكروها على نحو الاحتمال، كما يظهر من تعبيرهم بـ (قيل) وما أشبه ذلك.

([696]) اُنظر: ص313.

([697]) عباية بن ربعي الأسدي.

قال ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل: «عباية بن ربعي الأسدي كوفي روى عن علي، وأبي أيوب، وابن عباس، روى عنه خيثمة بن عبد الرحمن، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وموسى بن طريف، سمعت أبي يقول ذلك، نا عبد الرحمن، قال: سألت أبي عنه، فقال: كان من عتّق الشيعة، قلت: ما حاله؟ قال: شيخ». الجرح والتعديل: ج7 ص29، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وذكره ابن حبّان في الثقات: ج5 ص281، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

ولا يوجد للعقيلي سبب وجيه في عدّ عباية من الضعفاء سوى روايته حديثاً في فضائل علي× فقال: «عباية بن ربعي الأسدي روى عنه موسى بن طريف، كلاهما غاليان ملحدان». ثمّ ساق الحديث الذي بسببه استحقّا هذا الوصف من العقيلي، وهو ما رواه عباية بن ربعي الأسدي أنّه سمع علياً يقول: أنا قسيم النار... وحديث آخر عمّى عليه ولم يبيّنه، وهو: فلان كذا وكذا على الصراط. ضعفاء العقيلي: ج3 ص415ـ 416، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

في حين وصفهما الذهبي بأنهما من غلاة الشيعة فقط، ولم يحكم عليهما بالإلحاد، وقد تعسّف العقيلي وأورد كثيراً من الثقات في الضعفاء كعلي بن المديني ممّا حدا بالذهبي إلى تأنيبه على ذلك، فقال: «أفما لك عقل يا عقيلي؟ أتدري فيمن تتكلم؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذبّ عنهم، ولنزيّف ما قيل فيهم، كأنك لا تدرى أنّ كلّ واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك». ميزان الاعتدال: ج3 ص140، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

هذا وقد صحّح الحاكم لعباية بن ربعي حديثاً قال عنه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وعلّق عليه الذهبي بقوله: «على شرط البخاري ومسلم». الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج2 ص461، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([698]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج6 ص327، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة. الطبراني، المعجم الكبير: ج3 ص57، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([699]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص130، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([700]) المصدر نفسه: ج42 ص392.

([701]) لا شكّ في أنّه ليس المقصود بالوراثة هنا معناها المادي أي: وراثة الأموال، بل هي هنا بمعنى وراثة العلم والخلافة، فإنّ أوصياء الأنبياء لا يرثون من الأنبياء إلاّ علمهم ومنزلتهم ومقامهم وخلافتهم في قومهم، وإلا فالمعنى المادي غير مراد بهذه الوراثة خصوصاً مع وجود من يحجب أمير المؤمنين× عن وراثة النبيّ’، كابنته الزهراء÷ وعمّه العباس على القول بذلك.

([702]) إسماعيل بن أحمد أبو القاسم السمرقندي:

كان من كبار الحفّاظ، روى عن الكثير وروى عنه الكثير، قال ابن عساكر: «ولد بدمشق... خرج إلى بغداد فاستوطنها إلى أن مات بها، وأدرك بها إسناداً حسناً... وكان مكثراً، ثقة، صاحب نسخ واُصول... وبقي إلى أن خلت بغداد، وصار محدّثها كثرة وإسناداً». تاريخ مدينة دمشق: ج8 ص357، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

قال الذهبي: «الشيخ الإمام المحدّث المفيد المسند، أبو القاسم، إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، السمرقندي، الدمشقي المولد، البغدادي الوطن، صاحب المجالس الكثيرة... قال السمعاني: قرأت عليه الكتب الكبار والأجزاء، وسمعت أبا العلاء العطار بهمذان يقول: ما أعدل بأبي القاسم بن السمرقندي أحداً من شيوخ العراق وخراسان، وقال عمر البسطامي: أبو القاسم إسناد خراسان والعراق، قال ابن السمرقندي: ما بقي أحد يروي (معجم) ابن جميع غيري، ولا عن عبد الدائم الهلالي... قال السلفي: هو ثقة، له اُنس بمعرفة الرجال». سير أعلام النبلاء: ج20 ص29ـ 31، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([703]) أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن النقور(470هـ)

قال الخطيب البغدادي: «أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله، أبو الحسين البزاز المعروف بابن النقور... كتبت عنه وكان صدوقاً». تاريخ بغداد: ج5 ص146، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.

وقال الذهبي: «ابن النقور الشيخ الجليل، الصدوق، مسند العراق، أبو الحسين، أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن النقور، البغدادي، البزاز، مولده في جمادى الأولى، سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. وكان صحيح السماع، متحرّياً في الرواية... قال الخطيب: كان صدوقاً. وقال ابن خيرون: ثقة، قال الحسين سبط الخياط: كان إذا تكلّم أحد في مجلس ابن النقور، قال لكاتب الأسماء: لا تكتبه. وقال أبو الحسن بن عبد السلام: كان أبو محمّد التميمي يحضر مجلس ابن النقور، ويسمع منه، ويقول: حديث ابن النقور سبيكة الذهب. مات ابن النقور في سادس عشر رجب، سنة سبعين وأربعمائة، عن تسعين سنة». سير أعلام النبلاء: ج18 ص372ـ 374، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

وقال عنه ابن الأثير: «وكان مكثراً من الحديث، ثقة في الرواية». الكامل: ج10 ص107ـ 108، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([704]) أبو القاسم عيسى بن علي بن الجراح الوزير.

عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح، أبو القاسم: «سمع أبا القاسم عبد الله بن محمّد البغوي... وكان ثبت السماع، صحيح الكتاب». الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج11 ص179، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وقال الذهبي: «عيسى بن علي بن الجراح الوزير، أبو القاسم. أملى مجالس عن البغوي وطبقته، ووقع من عواليه، وسماعاته صحيحة. وقال ابن أبي الفوارس: كان يرمى بشيء من رأي الفلاسفة. قلت: لم يصحّ ذا عنه». ميزان الاعتدال: ج3 ص318، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([705]) أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي (317هـ).

قال الذهبي: «عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز، أبو القاسم البغوي، الحافظ، الصدوق، مسند عصره. تكلّم فيه ابن عدي بكلام فيه تحامل، ثمّ في أثناء الترجمة أنصف ورجع عن الحط عليه، وأثنى عليه بحيث أنّه قال: ولولا أن شرطت أن كلّ من تكلّم فيه ذكرته وإلا كنت لا أذكره... قلت: قد وثقه الدارقطني والخطيب وغيرهما. قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً مكثراً فهماً عارفاً، وقال: رأيت أبا عبيد ولم أسمع منه، وأول ما كتبت الحديث سنة خمس وعشرين ومائتين. قال: وولد سنة أربع عشرة ومائتين. مات البغوي ليلة الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمائة رحمه الله، فله منذ مات أربعمائة سنة وثماني سنين. وهذا الشيخ الحجار بينه وبين البغوي أربعة أنفس. وهذا شيء لا نظير له في الأعصار. قال فيه السليماني: يتهم بسرقة الحديث. قلت: الرجل ثقة مطلقاً، فلا عبرة بقول السليماني». ميزان الاعتدال: ج2 ص492ـ 493.

([706]) اُنظر: ص304ـ305.

([707]) علي بن مجاهد الكابلي: هو علي بن مجاهد بن مسلم بن رفيع، أبو مجاهد الرازي، ابن الكابلي.

قال في الكاشف: «علي بن مجاهد الكابلي أبو مجاهد الرازي، قاضي الري، عن حجاج بن أرطاة ومسعر وابن إسحاق وعنه أحمد وزياد بن أيوب وجماعة، كذّبه يحيى بن الضريس، ووثقه غيره». الذهبي، الكاشف: ج2 ص46، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

وقال ابن حجر العسقلاني: «قال أبو داود عن أحمد: كتبت عنه ما أرى به بأساً، وقال ابن حبّان عن ابن معين: رأيته على باب هشيم ولم أكتب عنه شيئاً، ما أرى به بأساً..(*) وقال الترمذي في جامعه: حدثنا محمّد بن حميد الرازي ثنا جرير(**)، قال: حدثنيه علي بن مجاهد وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري، قال: إنّما كره المنديل بعد الوضوء؛ لأن الوضوء يوزن، وذكره ابن حبّان في الثقات». تهذيب التهذيب: ج7 ص330ـ 331، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

هذا وقد ضعّفه جماعة من علماء الجرح والتعديل، فلا أقل من القول بأن الرجل مختلف فيه، وقد ذهب أكثر أهل الفن في هذه الصناعة إلى أنّه ليس كلّ مختلف فيه فهو غير مقبول، بل قد تكون رواياته حسنة.

(*) أورد الخطيب البغدادي بسنده عن أبي خيثمة، قال: «قلت ليحيى بن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف، قال: إذا قلت لك: ليس به بأس، فهو ثقة». الكفاية في علم الرواية: ص39، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

(**) جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب. المباركفوري، تحفة الأحوذي: ج1 ص147، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([708]) اُنظر: ص305ـ306.

([709]) شريك بن عبد الله، أبو عبد الله النخعي.

روى له البخاري تعليقاً، وروى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. قال ابن سعد في الطبقات: «وكان شريك ثقة مأموناً كثير الحديث، وكان يغلط كثيراً». الطبقات الكبرى: ج6 ص378ـ 379، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

وقال ابن حجر العسقلاني: «قال يزيد بن الهيثم عن ابن معين: شريك ثقة، وهو أحبّ إليّ من أبي الأحوص... قال ابن معين: ولم يكن شريك عند يحيى ـ يعني القطان ـ بشيء وهو ثقة ثقة. وقال أبو يعلى: قلت لابن معين: أيّما أحب إليك جرير أو شريك؟ قال: جرير، قلت: فشريك أو أبو الأحوص؟ قال: شريك، ثمّ قال: شريك ثقة إلاّ أنّه لا يتقن، ويغلط، ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة... وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: شريك صدوق ثقة إلاّ أنّه إذا خالف فغيره أحبّ إلينا منه... وقال أبو داود: ثقة يخطئ على الأعمش ........ وقال إبراهيم الحربي: كان ثقة، وقال محمّد بن يحيى الذهلي: كان نبيلاً، وقال صالح جزرة: صدوق... وقال الساجي: كان ينسب إلى التشيّع المفرط، وقد حكى عنه خلاف ذلك، وكان فقيهاً، وكان يقدم علياً على عثمان، وقال يحيى بن معين: قال شريك: ليس يقدّم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير، وقال الأزدي كان صدوقاً». تهذيب التهذيب: ج4 ص294ـ 296، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ووثّقه العجلي. معرفة الثقات: ج1 ص119، الناشر: مكتبة الدار ـ المدينة المنورة. وذكره ابن حبّان في الثقات: ج6 ص444، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

([710]) أبو ربيعة عمر بن ربيعة.

قال ابن أبي حاتم الرازي: «عمر بن ربيعة أبو ربيعة الإيادي، روى عن الحسن البصري وابن بريدة، روى عنه الحسن وعلى ابنا صالح، ومالك بن مغول، وشريك سمعت أبي يقول ذلك، وسألته عنه فقال: منكر الحديث، نا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إليّ، قال: أنا عثمان بن سعيد قال: سألت يحيى بن معين عن أبي ربيعة الذي يروى عنه شريك، فقال: كوفي ثقة». الجرح والتعديل: ج6 ص109، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال ابن حجر: «أبو ربيعة الإيادي مقبول من السادسة». تقريب التهذيب: ج2 ص397، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. وحسّن الترمذي حديثه في السنن: ج5 ص299، 332، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وصحح له الحاكم في المستدرك أحاديث، ووافقه الذهبي في بعضها. الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص130، 137، ج2 ص194، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقال عنه المناوي: «صدوق». فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج2 ص271، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

ويبقى قول أبي حاتم عنه بأنّه منكر الحديث غير كاف في تضعيفه أمام هذه التوثيقات الكثيرة، مع أننا نعتقد أنّ سبب حكمه عليه بهذا الحكم هو روايته لفضائل علي× والتي جعلته منكر الحديث!! وإلاّ فالرجل لم يطعن فيه من جهة وثاقته وعدالته.

([711]) عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي.

قال الذهبي: «عبد الله بن بريدة بن الحصيب الحافظ، أبو سهل الأسلمي المروزي، قاضي مرو، وعالم خراسان حدّث عن أبيه وعائشة وسمرة بن جندب وعمران بن حصين وأبي موسى الأشعري... وهو متفق على الاحتجاج به، وقد عاش مائة سنة، توفي سنة خمس عشرة ومائة، وقد نشر علماً كثيراً ولله الحمد». تذكرة الحفاظ: ج1 ص102، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وقال عنه في الميزان: «من ثقات التابعين. وثّقه أبو حاتم والناس». ميزان الاعتدال: ج2 ص396، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

قال ابن حجر العسقلاني: «وقال ابن معين والعجلي وأبو حاتم: ثقة... وقال ابن خراش: صدوق كوفي نزل البصرة...». تهذيب التهذيب: ج5 ص138، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وذكره ابن حبّان في الثقات: ج5 ص16، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

([712]) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص391ـ 392، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([713]) ابن الجوزي، الموضوعات: ج1 ص374 وما بعدها، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.

([714]) السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: ج1 ص278، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

([715]) المصدر نفسه: ج1 ص278.

([716]) ابن الجوزي، العلل المتناهية: ج1 ص268، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([717]) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: ج2 ص652، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([718]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج3 ص20، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([719]) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص407، الناشر: ذوي القربى ـ قم.

([720]) كذا في المصدر والظاهر: رواته أو راويه.

([721]) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث وفيات (591ـ 600): ج42 ص300، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([722]) ابن الجوزي، الموضوعات: ج1 ص242، الناشر: المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.

([723]) كذا في المصدر، والصحيح: محمّد بن حمير، بالراء المهملة، وهو محمّد بن حمير بن أنيس الحمصي القضاعي. تقريب التهذيب: ج2 ص69، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([724]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج6 ص256، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([725]) البخاري، صحيح البخاري: ج3 ص186 ح2741، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([726]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص57 ح198، ص162 ح665، ج3 ص134ـ 135 ح2588، ج5 ص139ـ 140 ح4442، وغيرها. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج2 ص22 ح824، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([727]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج6 ص34، ج5 ص139، ج7 ص18، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([728]) عبد الرزاق الصنعاني، المصنف: ج5 ص429ـ 430، الناشر: منشورات المجلس العلمي.

([729]) ابن سعد، الطبقات الكبرى: ج2 ص232، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([730]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص433، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([731]) البخاري، صحيح البخاري: ج4 ص31 ح3053، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([732]) الشوكاني، نيل الأوطار: ج1 ص107، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([733]) اُنظر: الشوكاني، مجموعة الرسائل اليمينة، الرسالة الثانية: العقد الثمين في وصاية أمير المؤمنين: ص3ـ 10، الناشر: إدارة الطباعة المنيرية ـ القاهرة.

([734]) الموفق الخوارزمي، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×: ص222، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([735]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج6 ص71، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([736]) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: ج2 ص193، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([737]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص138.

([738]) الطبراني، المعجم الأوسط: ج2 ص336، الناشر: دار الحرمين ـ القاهرة.

([739]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص172، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. محمّد الدولابي، الذرية الطاهرة: ص110، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([740]) الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص322، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([741]) ابن منظور، لسان العرب: ج15 ص394، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([742]) الزبيدي، تاج العروس: ج20 ص297، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([743]) المبرد، الكامل في اللغة: ج3 ص1124، الناشر: مؤسّسة الرسالة.

([744]) الزبير بن بكار، الموفقيّات: ص477، الناشر: عالم الكتب.

وورد شعر حسان في تاريخ اليعقوبي: ج2 ص128، الناشر: دار صادر ـ بيروت، مع اختلاف في اللفظ، وكذلك ورد في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص35، الناشر: دار إحياء الكتب العربية. والنزاع والتخاصم للمقريزي: 98، تحقيق: السيد علي عاشور.

([745]) الزبير بن بكار، الموفقيات: ص461، الناشر: عالم الكتب. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج2 ص262، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([746]) قال في الإصابة: الوليد بن عقبة بن أبي معيط... أخو عثمان بن عفان لأمه، أمهما أروى بنت كريز بن ربيعة... قتل أبوه بعد الفراغ من غزوة بدر صبراً، وكان شديداً على المسلمين، كثير الأذى لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فكان ممّن أسر ببدر فأمر النبيّ’ بقتله، فقال: يا محمّد من للصبية؟ قال: النار، وأسلم الوليد وأخوه عمارة يوم الفتح، ويقال: أنّه نزل فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية، قال ابن عبد البرّ: لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنّها نزلت فيه، وذلك أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعثه مصدقاً إلى بني المصطلق، فعاد فأخبر عنهم أنهم ارتدّوا ومنعوا الصدقة، وكانوا خرجوا يتلقّونه وعليهم السلاح، فظنّ أنهم خرجوا يقاتلونه فرجع، فبعث إليهم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) خالد بن الوليد، فأخبره بأنهم على الإسلام، فنزلت هذه الآية...

وقصة صلاته بالناس الصبح أربعاً وهو سكران مشهورة مخرّجة، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضاً مخرّجة في الصحيحين. ابن حجر العسقلاني، الإصابة: ج6 ص481ـ 482، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([747]) الطبري، تاريخ الطبري: ج3 ص449، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص189ـ 190، الناشر: دار صادر ـ بيروت. لكن ابن الأثير ذكر في البيت الأوّل (ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة) بدل (بعد محمّد). شرح نهج البلاغة: ج2 ص115، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([748]) النعمان بن عجلان الزرقي الأنصاري: لسان الأنصار وشاعرهم استعمله علي× على البحرين. اُنظر: ترجمته في الاستيعاب: ج4 ص1501 رقم: 2619. والأبيات عن كتاب الموفّقيات للزبير بن بكار: ص473ـ 474. وكذلك رواها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج6 ص31، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([749]) نصر بن مزاحم، وقعة صفين: ص385، الناشر: المؤسّسة العربية الحديثة ـ القاهرة. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص150.

([750]) أبو الأسود، ظالم بن عمرو الدؤلي، من الفقهاء والأعيان والشعراء، واضع علم النحو، رسم له علي بن أبي طالب× شيئاً من اُصول النحو. فكتب فيه أبو الأسود، وأخذ عنه جماعة، وهو أول من نقّط المصحف، شهد مع علي× صفين، توفي بالبصرة سنة: 69هـ. اُنظر: الزركلي، الأعلام: ج3 ص236، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([751]) المبرّد، الكامل في اللغة: ج2 ص1125، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت. وأورده أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني: ج7 ص269، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([752]) الحميري هو السيّد إسماعيل بن محمّد كان واحداً من ثلاثة أكثر الناس شعراً في الجاهليّة والإسلام، كان مقدماً عند المنصور والمهدي العباسييّن، توفى سنة: 173هـ. الزركلي، الأعلام: ج1 ص322.

([753]) المبرّد، الكامل في اللغة: ج2 ص175. وأورده أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني: ج7 ص292.

([754]) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني: ج7 ص264.

([755]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج6 ص54، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([756]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص143ـ 150، الناشر: دار إحياء الكتب العربية. ومن أراد الاطلاع على الأشعار التي يذكر فيها الوصية من النبيّ’ للإمام علي×: فليراجع: وقعة صفين لنصر بن مزاحم، المناقب للخوارزمي الحنفي، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي الحنفي، مروج الذهب للمسعودي، كفاية الطالب للكنجي الشافعي، العقد الفريد لابن عبد ربّه المالكي، الفصول المهمّة لابن الصباغ المالكي، فرائد السمطين للجويني. وقد فصّل البحث فيها أيضاً صاحب كتاب الغدير المرحوم الأميني في الجزء الثاني والثالث من كتابه.

([757]) اُنظر: ص303 من هذا الجزء، وما بعدها.

([758]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج3 ص362، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([759])ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج3 ص362، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([760]) المصدر نفسه.

([761]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج3 ص363، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([762]) الطبري، تاريخ الطبري: ج2 ص62ـ 63، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

([763]) الطبري، تفسير الطبري: ج19 ص149، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([764]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج3 ص53، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([765]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج3 ص364، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([766]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد: ج1 ص111، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([767]) المصدر نفسه: ج1 ص159.

([768]) البيهقي، دلائل النبوّة: ج2 ص180، دار الكتب العلمية ـ بيروت، دار الريان للتراث.

([769]) النسائي، السنن الكبرى: ج5 ص126، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([770]) محسن الأمين، أعيان الشيعة: ج1 ص81، الناشر: دار التعارف ـ بيروت. العلاّمة الأميني، الغدير: ج2 ص288، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([771]) الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص322، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج4 ص61، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([772]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج8 ص193ـ 194، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([773]) الطبراني، المعجم الكبير: ج6 ص221، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([774]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج1 ص139ـ 140، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([775]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص799، وكذلك اُنظر: ج2 ص808، فقد كرر نفس الكلام، والغريب أن منهج القفاري يعتمد على خلط الكلام بعضه بعض بلا مناسبة، فنجده يقفز على المنهج الموضوعي والعلمي، فمثلاً عندما يتحدّث عن (سرية مبدأ الإمامة) في ج2 ص808 نجده في الصفحة نفسها يتحدّث عن (البداء)، فأين البداء من سرية مبدأ الإمامة؟!

([776]) الكليني، الكافي: ج2 ص224، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([777]) المصدر نفسه: ج2 ص222.

([778]) المصدر نفسه: ج2 ص370.

([779]) المصدر السابق: ج2 ص227.

([780]) الكليني، الكافي: ج2 ص225، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([781]) الشعراء: 214.

([782]) في حديث الدار أو حديث الإنذار، دعا رسول الله’ رجال عشيرته إلى وليمة، ودعاهم إلى الإسلام، فعن علي× قال: «لما نزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فقال: يا علي، إنّ الله يأمرني أن أنذر عشيرتي... قال: فأخذ برقبتي، وقال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا». روي هذا الحديث بأسانيد صحيحة، روى أحمد قريباً منه في مسنده: ج1 ص111، ص159، الناشر: دار صادر ـ بيروت. وأخرجه الطبري في تاريخه: ج2 ص63، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت. والحافظ النسائي في الخصائص: ص86ـ 87، مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران.

([783]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج7 ص123 ح6119، كتاب الفضائل، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج3 ص109، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج4 ص122، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. البغوي، مصابيح السنة: ج2 ص522، رقم 2705، الناشر: دار القلم. الألباني، الأحاديث الصحيحة: ج4 ص355، الناشر: مكتبة المعارف ـ الرياض.

([784]) حديث المنزلة رواه أكثر من عشرين صحابياً وصحابية، وخرّجه أكثر من أربعين عالماً، رواه البخاري في صحيحه: ج4 ص208 ح3706 وح4416، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. ومسلم في صحيحه: ج7 ص120 ح6111، الناشر: دار الفكر ـ بيروت. وقال الشيخ محمّد جعفر الكتاني: «حديث... متواتر جاء عن نيف وعشرين صحابياً». نظم المتناثر في الحديث المتواتر: ص195، الناشر: دار الكتب السلفية ـ مصر. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: «هو من أثبت الآثار وأصحّها». الاستيعاب: ج3 ص1097، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([785]) كحديث الراية والسفينة والمؤاخاة وحديث تبليغ سورة براءة وحديث سدّ الأبواب وحديث باب حطة وغيرها.

([786]) المائدة: 67.

([787]) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص58، الناشر: ذوي القربى ـ قم.

([788]) قال الذهبي: «هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه متواتر». سير أعلام النبلاء: ج8 ص335، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([789]) وقال ابن حجر: «إنّه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جداً، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابياً... ولا التفات لمن قدح في صحته». الصواعق المحرقة: ج1 ص106ـ 107، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([790]) قال الفقيه ضياء الدين المقبلي: «إن لم يكن هذا معلوماً فما في الدين معلوم» نقله العلاّمة الأميني في كتاب الغدير: ج1 ص307ـ 314، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([791]) القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: ص563، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([792]) المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج6 ص459، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([793]) المزّي، تهذيب الكمال: ج6 ص124، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([794]) ابن قتيبة، عيون الأخبار: مج1 ج2 ص212, تحقيق: لجنة بدار الكتب المصرية, القاهرة, ط2 ـ 1996م.

([795]) الطبري، تاريخ الطبري: ج4 ص144، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت. ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج3 ص430، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([796]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ج12 ص382، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([797]) الكليني، الكافي: ج2 ص224، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([798]) الأحزاب: 6.

([799]) المائدة: 67.

([800]) الكليني، الكافي: ج2 ص222، 370، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([801]) المجلسي، بحار الأنوار: ج72 ص85، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([802]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج10 ص33، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([803]) المصدر السابق: ج9 ص136.

([804]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص799، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([805]) المصدر نفسه: ج2 ص812.

([806]) الكليني، الكافي: ج1 ص533، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([807]) الكليني، الكافي: ج1 ص203، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([808]) المصدر نفسه: ج1 ص533.

([809]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص328، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([810]) قال العلاّمة الحلي: «قال الشيخ الصدوق محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: عدة من أصحابنا... وقال: كلّما ذكرته في كتابي المشار إليه عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فهم علي بن إبراهيم وعلي بن محمّد بن عبد الله بن أذينة وأحمد بن عبد الله بن أمية وعلي بن الحسين». خلاصة الأقوال: ص430. ومعلوم أنّ علي بن إبراهيم (ثقة) عند جميع علماء الرجال.

([811]) قال النجاشي والشيخ الطوسي: >كان ثقة في نفسه<. رجال النجاشي: ص76، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. فهرست الطوسي: ص62، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

وقال العلاّمة: >أبو جعفر، كوفي، ثقة< خلاصة الأقوال: ص63، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

ولا يضرّ في وثاقته ما قيل: من أنه يكثر النقل عن الضعاف ويعتمد المراسيل، فإن هذا لا يعدّ طعناً في شخصه كما نبّه على ذلك الغضائري ـ مع ما عرف عنه من تشدده في توثيق الرجال ـ قال: >طعن عليه القمّيون، وليس الطعن فيه، إنّما الطعن فيمن يروي عنه<. نقلاً عن العلامة في الخلاصة: ص63.

وكذلك نجد أنّ أحمد بن عيسى أعاده إلى مدينة قم واعتذر إليه، ولما توفي مشى في جنازته حافياً حاسراً ليبرّئ نفسه ممّا قذفه به. اُنظر: الخوئي، معجم رجال الحديث: ج3 ص88، ط5ـ 1413هـ .

وفي الرواية التي نحن بصددها لم نجد أنّ (أحمد بن محمّد بن خالد) يروي عن الضعفاء ولم يرسل، بل روى عن داود بن القاسم الجعفري (الثقة) بشهادة النجاشي والطوسي.

فهذه الرواية صحيحة ولا غبار عليها.

([812]) قال النجاشي والشيخ الطوسي: >كان عظيم المنزلة عند الأئمّة^, شريف القدر، ثقة<. رجال النجاشي: ص156، فهرست الطوسي: ص375، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

([813]) الكليني، الكافي: ج1 ص526، باب: ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم^، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([814]) قال الشيخ الصدوق في المشيخة: >وما كان فيه عن عبد الله بن جندب فقد رويته عن محمّد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه) عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الله بن جندب<. من لا يحضره الفقيه: ج4 ص458، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

وقد صرّح المحقّق الأردبيلي والقهبائي بأنّ طريق الصدوق إلى عبد الله بن جندب معتبر، اُنظر: الأردبيلي، جامع الرواة: ج2 ص536، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم. والقهبائي، مجمع الرجال: ج7 ص253، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان ـ قم.

فالسند إلى عبد الله بن جندب في غاية الوضوح وجميعهم ثقات، وعبد الله بن جندب وثّقه الطوسي في رجاله: ص340 رقم الترجمة 5059، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. وقال العلاّمة في الخلاصة: >عبد الله بن جندب البجلي، عربي كوفي... ثقة<. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص193 رقم الترجمة 16، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة. وعليه فالسند في غاية الصحة.

([815]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص329ـ 330، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([816]) الخزاز القمّي، كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر: ص149، الناشر: بيدار.

([817]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص814، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([818]) ومن تلك الوظائف: حفظ الشريعة من خلال التطبيق الصحيح لأحكام الشريعة وكذلك هداية العباد إلى كمالهم وغيرها.

([819]) والشيعة قد تواتر عندهم هذا الأمر، وهذا بَدَهي وواضح، ولكن فرض الامتناع أيضاً مدفوع بلحاظ الوجوه التي سنذكرها تباعاً.

([820]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص814، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([821]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص484, الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. الشيخ الطوسي، الغيبة: ص291, الناشر: مؤسّسة المعارف ـ قم. الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج27 ص140، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([822]) الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج18 ص94ـ 95. الطبرسي، الاحتجاج: ج2 ص264، الناشر: دار النعمان ـ النجف الأشرف.

([823]) السيد الخميني، الحكومة الإسلامية: ص48ـ 49، الناشر: وزارة الإرشاد ـ إيران.

([824]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص809ـ 811، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([825]) الكليني، الكافي: ج1 ص534، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([826]) الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص173، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([827]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج4 ص402، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([828]) ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج1 ص327، الناشر: دار الثقافة ـ بيروت.

([829]) الذهبي، تأريخ الإسلام: ج13 ص385، الناشر: دار الكتاب العربي.

([830]) الصفدي، الوافي بالوفيات: ج22 ص48، الناشر: دار إحياء التراث.

([831]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج1 ص177، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([832]) يوجد هنا بياض في المصدر.

([833]) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون: ج4 ص115، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

([834]) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون: ج2 ص809.

([835]) المصدر نفسه: ج1 ص194.

([836]) المصدر نفسه: ج2 ص813.

([837]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج1 ص23، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([838]) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل: ج1 ص28ـ 29، الناشر: مؤسّسة آل البيت^ ـ قم.

([839]) قال ابن حجر العسقلاني: «وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرّج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعنى بذلك أنّه لا يلتفت إلى ما قيل فيه». هدي الساري مقدمة فتح الباري: ص381, الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

وفي ترجمة (الحصين بن داود) قالوا عنه: كيف لا يكون ثقة وقد روى له الأئمّة الستة فضلاً عن الشيخين، ومن روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، كما قاله علي بن الفضل المقدسي. اُنظر: سبط بن العجمي، الكشف الحثيث: ص112، الناشر: عالم الكتب, مكتبة النهضة العربية ـ بيروت.

([840]) ابن أبي حاتم الرازي، بيان خطأ البخاري: ص3, مقدمة المصحح، الناشر: المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا.

([841]) الكليني، الكافي: ج1 ص534، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران. فالرواية تقول: (اثني عشر من ولدي). وليس (اثني عشر إماماً). كما يدعي القفاري.

([842]) النجاشي، رجال النجاشي: ص170، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. الطوسي، الفهرست: ص131ـ 132، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة. العلاّمة الحلّي، خلاصة الأقوال: ص348، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة.

([843]) التفرشي، نقد الرجال: ج2 ص279ـ 280, الناشر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([844]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ج6 ص310، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([845]) ابن أبي شيبة، المصنف: ج5 ص97، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([846]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج7 ص380، ، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([847]) المجلسي، بحار الأنوار: ج36 ص260، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([848]) انظر: أصل العصفري المطبوع ضمن كتاب الاُصول الستة عشر: ص16, الناشر: دار الشبستري للمطبوعات ـ قم.

([849]) الطوسي، الغيبة: ص139.

([850]) أي الإمام الصادق×.

([851]) الكليني، الكافي: ج1 ص531، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([852]) الخوئي، معجم رجال الحديث: ج1 ص182، ط5ـ 1413هـ.

([853]) المجلسي، مرآة العقول : ج6 ص223، الناشر: دار الكتب الإسلامية.

([854]) قد أبرز المجلسي قرينة تقوّي أن يكون مسعدة قد عمّر طويلاً، فالتقى بالإمام الجواد والإمام الهادي‘، قال: «لكن يروي هارون بن مسلم عنه [مسعدة] كثيراً مع أنّه قال النجاشي فيه: لقي أبا محمّد وأبا الحسن عليهما السلام، فيحتمل أن يكون مسعدة معمّراً روى عنه محمّد». مرآة العقول: ج6 ص223ـ 224. وبهذا يصبح السند متصلاً، لكن بعض علماء الشيعة ردّ هذه القرينة وأثبت الإرسال في الحديث، قال : «لا يرفع بذلك احتمال الإرسال لبعد فوز مسعدة بلقاء مولانا الكاظم والرضا والجواد^ في مدة تزيد على خمسين سنة».

ودعم كلامه هذا أيضاً بقرينة إضافية، وهي: «عدم روايته [مسعدة] عنهم ولو بالمكاتبة أو بالواسطة، فالظاهر أنّه توفي من زمن الصادق عليه× ـ وقد قبض في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة ـ أو أوائل عصر الكاظم.

ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب توفي في سنة اثنتين وستين ومائتين، وبذلك يستبعد رواية محمّد بن الحسين عنه بلا واسطة، بل ورواية هارون بن مسلم، فبقي احتمال الإرسال على حاله والله أعلم». لطف الله الصافي، لمحات: ص225ـ 226، الناشر: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة ـ قم.

([855]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج7 ص373، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([856]) المجلسي، بحار الأنوار: ج36 ص382، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([857]) النعماني، الغيبة: ص98ـ 99، الناشر: أنوار الهدى.

([858]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص297ـ 298، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([859]) المصدر نفسه: ص297ـ 298.

([860]) الصدوق، الخصال: ص475ـ 477، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([861]) الكليني، الكافي: ج1 ص532، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([862]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج7 ص373، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([863]) الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج2 ص52، الناشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

([864]) المجلسي، بحار الأنوار: ج36 ص202، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. الميرزا النوري، خاتمة المستدرك: ج5 ص417ـ 418، الناشر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([865]) الصدوق، الخصال: ص 478، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم، ط1403هـ .

([866]) علي بن يوسف الحلي، العدد القوية: ص71, الناشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة ـ قم.

([867]) الكليني، الكافي: ج1 ص533، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([868]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج7 ص370، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([869]) الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج2 ص60، الناشر: مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

([870]) المفيد، الإرشاد: ج2 ص347، الناشر: دار المفيد ـ بيروت.

([871]) الطبرسي، إعلام الورى: ج2 ص171، الناشر: مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث. الكراجكي، الاستنصار: ص17، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت. الأربلي، كشف الغمة: ج3 ص246، الناشر: دار الأضواء ـ بيروت.

([872]) الكليني، الكافي: ج1 ص534، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([873]) المازندراني، شرح اُصول الكافي: ج7 ص381، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([874]) أصل أبي سعيد عباد العصفوري: ص15، الناشر: دار الشبستري للمطبوعات ـ قم.

([875]) التستري، قاموس الرجال: ج11 ص347، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([876]) الكليني، الكافي: ج1 ص525، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([877]) المصدر نفسه: ج1 ص286.

([878]) الكليني، الكافي: ج1 ص526، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران. وقد ذكرنا صحّة هذا السند: ص366.

([879]) الكليني، الكافي: ج1 ص533. أمّا السند إلى ابن أبي عمير فواضح صحته، وسعيد بن غزوان وثقه النجاشي، قال: «سعيد بن غزوان الأسدي مولاهم، كوفي، روى عن أبي عبد الله×، ثقة». رجال النجاشي: ص181، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([880]) الكليني، الكافي: ج1 ص203، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران. أمّا السند ففي غاية الصحة. فمحمد بن يحيى هو العطار، قال النجاشي: «محمّد بن يحيى أبو جعفر العطار القمّي، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث». رجال النجاشي: ص353، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. والعلاّمة الحلّي، الخلاصة: ص260، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة. وأحمد بن محمّد هو: ابن عيسى الأشعري: وثقه الشيخ في رجاله. اُنظر: الطوسي، رجال الطوسي: ص351، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. وقال العلاّمة الحلّي: «وأبو جعفر شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع... وكان ثقة». خلاصة الأقوال: ص61.

وأما ابن محبوب فهو: السراد، ويقال: الزراد، وثقه الشيخ الطوسي في رجاله، وقال عنه العلاّمة في الخلاصة: الحسن بن محبوب السراد، ثقة، عين ... وكان جليل القدر، يعد في الأركان الأربعة في عصره. اُنظر: الطوسي، رجال الطوسي: ص334. العلاّمة الحلّي، خلاصة الأقوال: ص97.

وأما إسحاق بن غالب: فهو الأسدي، وثقه النجاشي والعلاّمة، اُنظر: رجال النجاشي: ص72، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم. العلاّمة الحلّي، خلاصة الأقوال: ص59.

([881]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص809، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة. وقد ذكر القفاري في الحاشية: أن هبة الله كان يتعاطى الكلام ويحضر مجلس أبي الحسين بن الشبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتاباً، وذكر أن الأئمّة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي: أن الأئمّة ثلاثة عشر من ولد أمير المؤمنين. رجال النجاشي: ص343، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([882]) النجاشي، رجال النجاشي: ص440.

([883]) التستري، قاموس الرجال: ج10 ص499، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([884]) التستري، قاموس الرجال: ج10 ص500.

([885]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص811، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([886]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص823، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([887]) المائدة: 55.

([888]) الواحدي، أسباب النزول: ص4، الناشر: مؤسسة الحلبي وشركاه ـ القاهرة.

([889]) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: ج1 ص22، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([890]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج13 ص339، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

([891]) الإيجي، المواقف: ج3 ص629، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([892]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد: ج2 ص298، الناشر: دار المعارف النعمانية.

([893]) يتوقف الاستدلال بهذه الآية المباركة على أنّها نزلت في أفضلية أبي بكر على صحّة سند الرواية، مع غضّ الطرف عن قولهم بأنّها نزلت في عامة المؤمنين، ولا اختصاص لها بأحد منهم. أو نزلت في قصة أبي الدحداح وصاحب النخلة. السيوطي، الدر المنثور: ج6 ص358، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

ومن الروايات: ما يرويه الطبراني، وينقلها عنه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد،قال: «في سنده مصعب بن ثابت، وفيه ضعف». مجمع الزوائد: ج9 ص50، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت. وذكره العقيلي في الضعفاء، ناقلاً عن أحمد بن حنبل: أنّه ضعيف الحديث. العقيلي، الضعفاء: ج4 ص196.

وذكره ابن حبّان في المجروحين، وقال: «منكر الحديث، ممّن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلمّا كثر ذلك منه استحقّ مجانبة حديثه». كتاب المجروحين: ج3 ص29، تحقيق: محمود إبراهيم زايد.

ونقل ابن حجر عن ابن معين: «أنّه ضعيف، وعن النسائي قوله: إنّه ليس بالقوي في الحديث». تهذيب التهذيب: ج10 ص144، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

وهكذا قال الرازي في الجرح والتعديل. ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج8 ص304، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([894]) الرازي، التفسير الكبير: ج31 ص185، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([895]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص824، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([896]) الإيجي، المواقف: ج3 ص614ـ 615، الناشر: دار الجبل ـ بيروت.

([897]) الجرجاني، شرح المواقف: ج8 ص360، ، ط1ـ 1325هـ ـ مصر.

([898]) التفتازاني، شرح المقاصد: ج2 ص288، الناشر: دار المعارف النعمانية.

([899]) القوشجي، شرح تجريد الاعتقاد: ص368. (نسخة مخطوطة).

([900]) الآلوسي، روح المعاني: ج6 ص167، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([901]) المصدر السابق.

([902]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص824، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([903]) اُنظر: نسخة إحقاق الحق للعلامة التستري المطبوعة مع شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج2 ص399، الناشر: مكتبة السيد المرعشي ـ قم.

([904]) ابن الأثير، جامع الاُصول: ج8 ص665، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([905]) قال الصفدي: «الحسين بن يوسف بن المطهر الإمام العلاّمة ذو الفنون جمال الدين ابن المطهر الأسدي الحلي... صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته... شرح مختصر ابن الحاجب، وهو مشهور في حياته، وله كتاب في الإمامة ردّ عليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ثلاث مجلدات وكان يسمّيه ابن المنجس، وكان ابن المطهر ريّض الأخلاق مشتهر الذكر تخرج به أقوام كثيرة». الوافي بالوفيات: ج13 ص54، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت.

وقال ابن حجر عن العلاّمة الحلّي: «عالم الشيعة وإمامهم ومصنفهم، وكان آية في الذكاء شرح مختصر ابن الحاجب شرحاً جيداً سهل المأخذ غاية في الإيضاح، واشتهرت تصانيفه في حياته، وهو الذي ردّ عليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في كتابه المعروف بالرد على الرافضي، وكان ابن المطهر مشتهر الذكر وحسن الأخلاق، ولما بلغه بعض كتاب ابن تيمية قال: لو كان يفهم ما أقول أجبته». لسان الميزان: ج13 ص317، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

([906]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: هامش ص823، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([907]) المباركفوري، تحفة الأحوذي، المقدمة: ص291، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([908]) المباركفوري، تحفة الأحوذي، المقدمة: ص291، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([909]) ومن الأمثلة على ذلك: قال المباركفوري: «وفي الباب أحاديث كثيرة أخرجها أصحاب الصحاح الستة وغيرهم». تحفة الأحوذي: ج1 ص113، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وقال الصفدي في ترجمة محمّد بن إبراهيم التيمي: «وقد روى له أصحاب الكتب الصحاح الستة». الوافي بالوفيات: ج1 ص254، الناشر: دار إحياء التراث ـ بيروت. وقال ابن خلكان في ترجمة ابن الأثير الجزري عند حديثه عن كتابه جامع الاُصول: «جمع فيه بين الصحاح الستة». وفيات الأعيان: ج4 ص141، الناشر: دار الثقافة. وغيرها من الأمثلة الكثيرة جداً.

([910]) أو تجريد الصحاح الست في الحديث، لكن الكتاب مشهور بعنوان: الجمع بين الصحاح الستة.

([911]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: هامش ص824، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([912]) ابن تيمية، منهاج السنّة: ج7 ص13، الناشر: مؤسسة قرطبة.

([913]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان: ج6 ص319، الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.

([914]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1162، الناشر: المكتبة العصرية.

([915]) الطبري، تفسير الطبري: ج6 ص389، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([916]) الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج4 ص80، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([917]) الواحدي، أسباب النزول: ص133ـ 134، الناشر: مؤسسة الحلبي وشركاه ـ القاهرة.

([918]) ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1162، الناشر: المكتبة العصرية.

([919]) ابن أبي حاتم يُعدّ من العلماء الأكابر الذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمّنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير، هكذا وصفه ابن تيمية في منهاج السنّة، اُنظر: ابن تيمية، منهاج السنّة: ج7 ص179، الناشر: مؤسّسة قرطبة. واُنظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج13 ص247، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت. كما أنّ ابن أبي حاتم بنفسه قد وثّق روايات تفسيره في مقدمة كتابه قال: «تحرّيت إخراج ذلك بأصحّ الأخبار إسناداً، وأشبهها متناً». تفسير ابن أبي حاتم: ج1 ص14، الناشر: المكتبة العصرية.

([920]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص558، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([921]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص497، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([922]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج7 ص62، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([923]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص122.

([924]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج2 ص11.

([925]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج8 ص158، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([926]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص307، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([927]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج2 ص227، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([928]) المزي، تهذيب الكمال: ج11 ص315ـ 317، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([929]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص378، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([930]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص454، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([931]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج5 ص298، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([932]) ولا يقال: إنّ سند هذه الرواية مبتل بوجود الإرسال، حيث إنّ سلمة بن كهيل من التابعين وهو لم يدرك الحادثة؛ لأنّ هذا الإشكال ليس له وجه صحيح، ويمكن الإجابة عنه بعدة أمور:

الأمر الأول: لقد قبل كثير من العلماء الكبار مرسل التابعي مطلقاً، واحتجّوا به وعملوا به، وأقوالهم كثيرة في المجال:

قال القاسمي في قواعد التحديث: «المذهب الثاني، وهو من قال: المرسل حجة مطلقاً، فقد نقل عن مالك وأبي حنيفة وأحمد ـ في رواية حكاها النووي ـ وابن القيم وابن كثير وغيرهم، وحكاه النووي أيضاً في شرح المهذب عن كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم» قواعد التحديث: ج1 ص134، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وقال الزركشي في النكت: «قال القاضي أبو بكر في التقريب: الجمهور على قبول المرسل ووجوب العمل به إذا كان المرسِل ثقة عدلاً، وهو قول مالك وأهل المدينة وأبي حنيفة وأهل العراق». النكت على مقدمة ابن الصلاح: ج1 ص491، الناشر: أضواء السلف ـ الرياض.

وقال السرخسي في اُصوله: «فأما مراسيل القرن الثاني والثالث حجة في قول علمائنا رحمهم الله». اُصول السرخسي: ج1 ص360، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وقال ابن الملقن: «ونقل الآمدي قبوله عن أحمد أيضاً واختاره، وبالغ بعضهم فجعله أقوى من المسند؛ لأنه إذا أسنده فقد وكل أمره إلى الناظر ولم يلتزم صحته، وذهب ابن الحاجب إلى قبوله من أئمة النقل دون غيرهم، وذهب عيسى بن أبان إلى قبول مراسيلهم ومراسيل تابعي التابعين وأئمة النقل مطلقاً». المقنع في علوم الحديث: ص139ـ 140، الناشر: دار فواز للنشر ـ السعودية.

ونقل القاسمي عن القرافي في شرح التنقيح نفس السبب الذي ذكره الآمدي آنفاً في جعل بعض العلماء، المرسل أقوى من المسند، قال: «حجة الجواز أن سكوته عنه مع عدالة الساكت، وعلمه أن روايته يترتب عليها شرع عام، فيقتضى ذلك أنه ما سكت عنه إلاّ وقد جزم بعدالته؛ فسكوته كإخباره بعدالته، وهو لو زكّاه عندنا قبلنا تزكيته وقبلنا روايته، فكذلك سكوته عنه، حتى قال بعضهم: إنّ المرسل أقوى من المسند بهذا الطريق؛ لأن المرسل قد تذمم الراوي وأخذه في ذمته عند الله تعالى: وذلك يقتضى وثوقه بعدالته، وأمّا إذا أسند فقد فوّض أمره للسامع، ينظر فيه، ولم يتذممه، فهذه الحالة أضعف من الإرسال» قواعد التحديث: ج1 ص134، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

الأمر الثاني: إنّ سلمة بن كهيل ـ كما اتّضح من أقوال العلماء فيه ـ يعدّ من كبار علماء التابعين المتقنين للحديث والمتثبتين فيه، فلم يعرف عنه الإرسال أو التدليس أو النقل من غير الثقات، ولم يتهمه أحد بشيء من ذلك مطلقاً، ولقد تتبّعنا شيوخه ومن روى عنه، فوجدناهم بين عالم ثبت أو ثقة أو صدوق، فمرسله ـ ما دام عدلاً ثقة ـ في قوّة مسنده إن لم يكن أقوى، وقد تقدّم الكلام الذي نقله القاسمي عن القاضي أبي بكر في التقريب، قال: «الجمهور على قبول المرسل ووجوب العمل به إذا كان المرسل ثقة عدلاً، وهو قول مالك وأهل المدينة وأبي حنيفة وأهل العراق». الزركشي، النكت على مقدمة ابن الصلاح: ج1 ص491، الناشر: أضواء السلف ـ الرياض.

ثم إنهم لم يفرّقوا في المرسل بين كون المرسِل تابعياً كبيراً أو صغيراً، فالمرسَل «هو الحديث الذي سقط من آخر سنده من بعد التابعي: وصورته أن يقول التابعي سواء كان كبيراً أو صغيراً: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كذا أو فعل كذا». الدمشقي الجزائري، توجيه النظر إلى اُصول الأثر: ج2 ص555، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب.

فاصطلاح المرسَل يطلق على حديث التابعي سواء كان صغيراً أم كبيراً، والمشهور قد ساووا في ذلك، قال الزركشي: «المشهور التسوية بين التابعين وغيرهم ». النكت على مقدمة ابن الصلاح: ج1 ص459.

وقال الدمشقي: «قال بعض العلماء: لم أر التقييد بالكبير صريحاً في كلام أحد من المحدّثين، وأمّا تقييد الشافعي المرسَل الذي يقبل إذا اعتضد بأن يكون من رواية التابعي الكبير، فليس فيه دلالة على أنّ ما يرفعه التابعي الصغير لا يسمى مرسلاً». توجيه النظر إلى اُصول الأثر: ج2 ص556، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ـ حلب.

وما يقال من أن هذا الحديث ليس مرسلاً, بل هو موقوف على التابعي سلمة بن كهيل, وأن حكم الموقوف التابعي هو الضعف. والجواب: بأنّ المقرر عند أهل الحديث أنّ موقوف التابعي إذا كان مما لا يكون ناشئاً من الرأي, له حكم المرفوع المرسل.

الأمر الثالث: لو قبلنا أنّ مرسل ابن كهيل ليس بنفسه حجة، فإنه مما يتقوّى بغيره مرسلاً كان أو مسنداً ـ وسوف نذكر لاحقاً عدة روايات، مسندة ومرسلة، في مسألة تصدق علي× بالخاتم ـ ولهذا ذهبوا إلى أن مرسل التابعي يكون مقبولاً فيما لو اعتضد بمسند أو مرسل آخر، وقد نقل السيوطي عن النووي قوله: «فإن صحّ مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسنداً أو مرسلاً أرسله من غير رجال الأول كان صحيحاً». تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: ج1 ص198، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض.

وقال ابن حجر في فتح الباري في معرض تعليقه على حديث مسح العمامة بدلاً عن مسح مقدم الرأس: «قلنا: قد روى عنه مسح مقدم الرأس من غير مسح على العمامة ولا تعرض لسفر، وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء أن رسول الله’ توضّأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه، وهو مرسل لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولاً أخرجه أبو داود من حديث أنس، وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله، فقد اعتضد كلّ من المرسل والموصول بالآخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة، وهذا مثال لما ذكره الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند، وظهر بهذا جواب من أورد أنّ الحجة حينئذ بالمسند». فتح الباري: ج1 ص239، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقال السيوطي: «ما جعلناه من قبيل المسند من الصحابي إذا وقع من تابعي فهو مرفوع أيضاً، لكنه مرسل، فقد يقبل إذا صحّ السند إليه، وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، أو اعتضد بمرسل آخر ونحو ذلك». لباب النقول في أسباب النزول:ج1 ص15، الناشر: دار إحياء العلوم ـ بيروت.

([933]) ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم: ج4 ص1162، الناشر: المكتبة العصرية.

([934]) اُنظر: ص441.

([935]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص392، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([936]) ابن حجرالعسقلاني، تقريب التهذيب: ج1 ص294، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([937]) المصدر السابق: ج1 ص118.

([938]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج1 ص483 وج2 ص139 وج4 ص223، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([939]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص198.

([940]) ابن حجر العسقلاني، الدراية في تخريج أحاديث الهداية: ج2 ص61، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([941]) ابن أبي عاصم، كتاب السنّة: ص106، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة بقلم: محمّد ناصر الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي ـ بيروت.

([942]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص125، الناشر: مؤسّسة الكتب الثقافية ـ الهند.

([943]) المزي، تهذيب الكمال: ج19 ص301 ـ 303، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([944]) ابن حبّان، الثقات: ج7 ص271، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ الهند.

([945]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج6 ص371. ، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([946]) وهي قوله’: «يا معشر الأنصار، قد أثنى الله عليكم في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء، فقال: هو ذلك فعليكموه». رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي.

([947]) النووي، المجموع: ج2 ص99، الناشر: دار الفكرـ بيروت.

([948]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج1 ص155، ج2 ص334ـ 335، ج4 ص322، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([949]) الطبري، تفسير الطبري: ج6 ص390، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([950]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج14 ص270، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([951]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج2 ص270، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([952]) ولكنّ السمعاني قال: «سمع منه أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم، وقال: كتبت عنه، وهو ثقة، صدوق». الأنساب: ج5 ص670، ولاحظ الفارق بين ما موجود في كتاب الجرح والتعديل المطبوع، وبين ما ينقله السمعاني، تجد أنّ كلمة (الثقة) غير موجودة في كتاب الجرح والتعديل، فلا ندري هل هو اشتباه من السمعاني، أو أنّها قد حذفت لسبب من الأسباب؟

([953]) ابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم: ج5 ص1660، الناشر: المكتبة العصرية.

([954]) اُنظر: ص446.

([955]) اُنظر: ص448.

([956]) الحاكم النيسابوري، معرفة علوم الحديث: ص156، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([957]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج15 ص437، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([958]) السمعاني، الأنساب: ج3 ص546، الناشر: دار الجنان ـ بيروت.

([959]) عبد الله بن حيان، طبقات المحدثين بإصبهان: ج3 ص530، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([960]) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج13 ص531، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([961]) ابن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل: ج8 ص124، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([962]) الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص127ـ 184، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([963]) ابن حبّان، الثقات: ج8 ص492، الناشر: مؤسّسة الكتب الثقافية ـ الهند.

([964]) الذهبي، الكاشف: ج1 ص595، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([965]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج7 ص427، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([966]) المزي، تهذيب الكمال: ج19 ص153، الناشر: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت.

([967]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص205، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ـ جدة.

([968]) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب: ج2 ص117، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([969]) المصدر نفسه: ج1 ص724.

([970]) الذهبي، الكاشف: ج2 ص67.

([971]) السيوطي، الحاوي للفتاوي: ص107، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([972]) الزمخشري، الكشّاف، وبهامشه الكاف الشاف في تحرير أحاديث الكشّاف لابن حجر العسقلاني: ج1 هامش ص649، الناشر: منشورات البلاغة، طبعة مصورة.

([973]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: هامش ص824، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([974]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج2 ص74، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([975]) ابن كثير، تفسير ابن كثير: ص560، الناشر: بيت الأفكار الدولية.

([976]) المصدر نفسه: ج2 ص74، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([977]) ابن كثير، البداية والنهاية: ج7 ص395، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([978]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص824 ـ 825، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([979]) مستندهم في ذلك هو التبادر والظهور العرفي.

([980]) مرّ إثبات ذلك في بداية البحث: ص428.

([981]) ذهب بعض العلماء إلى أنّ جملة الشرط تفيد المفهوم فتكون حجة في الكلام، فحين يقول المتكلم: (أكرم زيداً إن جاءك)، فهي حجة في الدلالة المطابقية، وهي إكرام زيد على تقدير مجيئه، وكذلك حجة في المفهوم، وهو: عدم وجوب إكرامه على تقدير عدم مجيئه.

وكذلك الحال في الجملة الوصفية، مثل: يجب إكرام العادل، فمن قال: لها مفهوم قال بدلالتها على عدم وجوب إكرام غير العادل، بمعنى أنّه لا يوجد هناك مصلحة تستدعي جعل وجوب لإكرامه. وهكذا في الجمل الاشتقاقية والحصرية.

([982]) الرازي، المحصول: ج5 ص579، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود ـ الرياض.

([983]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص824 ـ 825، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([984]) الأردبيلي، زبدة البيان: ص108، الناشر: المكتبة الرضوية ـ طهران.

([985]) المجلسي، بحار الأنوار: ج25 ص1، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([986]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص825، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([987]) الآلوسي، روح المعاني: ج6 ص167، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([988]) الزمخشري، الكشّاف: ج1 ص649، الناشر: منشورات البلاغة، طبعة مصورة.

([989]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص221، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([990]) الجصّاص، أحكام القرآن: ج2 ص558، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([991]) النسفي، تفسير النسفي: ج1 ص417، الناشر: دار النفائس ـ بيروت.

([992]) السيوطي، الحاوي للفتاوي: ج1 ص87ـ 88، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([993]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة: ج9 ص477، الناشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم.

([994]) مسلم النيسابوري، صحيح مسلم: ج2 ص73 ح1099، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([995]) النووي، شرح صحيح مسلم: ج5 ص32، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([996]) البخاري، صحيح البخاري: ج1 ص220 ح917، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([997]) الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة: ج2 ص232، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

([998]) الآلوسي، روح المعاني: ج6 ص169، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([999]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص222، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([1000]) الأنبياء: 90.

([1001]) قد ورد في رواياتنا ممّا صحّ عن أهل البيت^ استحباب قطع بعض العبادات كالطواف لغرض قضاء حوائج المؤمنين، وأن قضاء حوائجهم عبادة تفوق في ثوابها الكثير من العبادات، اُنظر: الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج13 ص183.

([1002]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص825، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([1003]) النحل: 44.

([1004]) الحشر: 7.

([1005]) أحمد بن حنبل، مسند أحمد، بتعليق حمزة أحمد الزين: ج13 ص291، الناشر: دار الحديث ـ القاهرة.

([1006]) الزركشي، البرهان: ج2 ص129، الناشر: دار إحياء الكتب العربية.

([1007]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله: ج2 ص191، الناشر: دار الكتب العلمية.

([1008]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله: ج2 ص191.

([1009]) الزركشي، البرهان: ج1 ص129.

([1010]) مسألة بقاء رواسب الجاهلية في قلوب الصحابة آنذاك ليست مستبعدة؛ فإنّ الإسلام لم يقضِ بشكل كامل على تلك الرواسب في فترة وجود النبيّ’، خصوصاً وأنّ المجتمع الذي أحاط بالنبي’ كان متأثّراً بعادات وأعراف من الصعوبة اقتلاعها من جذورها بشكل سريع، بل هي بحاجة إلى تدرّج زماني، وبحاجة إلى ترسّخ قوي لمبادئ الإسلام بحيث يتمكن الإسلام بمبادئه الجديدة من قلوبهم.

وهناك العديد من الشواهد تؤيد ذلك: فقد روي عن عمر، قال: «يا رسول الله، إنّا حديثو عهد بجاهلية، فاعف عنّا يعفو الله سبحانه وتعالى عنك». ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج2 ص69، وص175، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

وقد أخرج البخاري عن عائشة «قالت: سألت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم، قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إنّ قومك قصّرت بهم النّفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أنّ قومك حديثٌ عهدُهم بالجاهليّة فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض». صحيح البخاري: ج2 ص156 ح1584، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

فقد خشي النبيّ’ إنكار قلوب قومه، كونهم حديثي عهد بجاهلية أو بشرك كما في بعض الروايات أو بكفر، في مسألة ليس لها أثر كبير في حياتهم الاجتماعية، فكيف والحال هذه أن لا يخشى إنكار تلك القلوب في مسألة تنصيب علي× للخلافة؟! وهي مسألة غاية في الأهمية، ومبررات إنكار القلوب لها قوية؛ لما لها من صلة حقيقية في حياة الناس بشكل عام.

وقد أخرج الحافظ المحاملي في أماليه على ما نقله عنه الشيخ إبراهيم الوصابي الشافعي في كتاب (الاكتفاء) بإسناده، عن ابن عباس، قال: «لما أمر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) إلى مكة، فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر بجاهلية، ومتى أفعل هذا به يقولوا: صنع هذا بابن عمه». جمال الدين الهروي، الأربعين في فضائل أمير المؤمنين: ص46ـ 47، الناشر: مؤسّسة الطبع التابعة للأستانة الرضوية ـ إيران.

وروى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: «فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس من الغد، فقال: يا أيها الناس، إنّ الله أرسلني إليكم برسالة، وإني ضقت بها ذرعاً مخافة أن تتهموني وتكذّبوني، حتى عاتبني ربي فيها بوعيد أنزله عليّ بعد وعيد، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها». شواهد التنزيل: ج1 ص258، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ إيران، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

وغيرها من الروايات التي تصلح أن تكون شاهداً على حداثة القوم بالإسلام وبمبادئه، وأنّه لا زالت هناك نزعات تعصبية قبلية وأعراف اعتادوا عليها في زمن الجاهلية يصعب عليهم تجاوزها؛ لأنّها مترسّخة بشكل قوي في نفوسهم، وأنّها تحتاج إلى وقت طويل لإزالتها.

هذا، مع ما عليه القوم من حسّاسية مفرطة تجاه أمير المؤمنين×، فإن الكثير منهم لم ينظر له بعين الرضا وطيب نفس، ولعلّ ذلك ناجم من حسد في النفوس أو ضغائن في القلوب، لما يرون من أنّ أمير المؤمنين× كان سباقاً لكلّ مكرمة، وحائزاً على كلّ مغنمة، فلم يخلُ منه ميدان من ميادين التقوى والعلم والجهاد، فكيف والحال هذه يتحمّلون إعطاءه منصب الإمامة والخلافة؟! ولعل هذا المعنى يستشعر من قول رسول الله’ الذي أخرجه غير واحد من المحدّثين، كأحمد في مسنده عن علي×، قال: «قيل: يا رسول الله، من يؤمر بعدك... وإن تؤمّروا علياً (رض) ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم». مسند أحمد بن حنبل: ج1 ص109، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

وهكذا بعد أن امتثل رسول الله’ الأمر الإلهي بتنصيب علي× خليفةً وإماماً للمسلمين، أخبره النبيّ’ بأنّ الاُمّة ستغدر بك بعدي، وستظهر لك مكنون صدرها من حقد وغلّ بعد أن أرحل عن هذه الدنيا، فقد أخرج أبو يعلى في مسنده عن علي×، قال: «بينما رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) آخذ بيدي ونحن نمشي في سكك المدينة إذ أتينا على حديقة، فقلت يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة، قال: لك في الجنة أحسن منها، ثمّ مررنا باُخرى، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة، قال: لك في الجنة أحسن منها، حتى مررنا بسبع حدائق، كلّ ذلك أقول: ما أحسنها، ويقول: لك في الجنة أحسن منها، فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثمّ أجهش باكياً، قال: قلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟ قال، ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي، قال: قلت: يا رسول الله، في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك»، مسند أبي يعلى: ج1 ص427، الناشر: دار المأمون للتراث.

قال الهيثمي: «رواه أبو يعلى والبزار، وفيه الفضل بن عميرة وثقه ابن حبّان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات». مجمع الزوائد: ج9 ص118، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

وعن حيان الأسدي سمعت علياً يقول: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الاُمّة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني». رواه الحاكم النيسابوري وصححه، وقال عنه الذهبي في التلخيص: «صحيح». الحاكم النيسابوري، المستدرك وبذيله التلخيص للذهبي: ج3 ص143، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1011]) الإيجي، المواقف: ج3 ص623، الناشر: دار الجيل ـ بيروت.

([1012]) ابن تيمية، منهاج السنّة: ج8 ص493ـ 497، الناشر: مؤسسة قرطبة.

([1013]) الشهرستاني، الملل والنحل: ج1 ص24، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1014]) فإنّ الذي سنّ سبّ علي× على المنابر عشرات السنين، والذي نكّل بالصحابة الذين رووا فضائله، وبذل الأموال لمن عارضها واخترع فضائل لغيره في قبالها؛ تغطيةً على فضائله، لن يتورّع عن فعل ما هو أعظم من ذلك إذا اقتضت مصالحه.

([1015]) بل لا يستبعد من الذين اتهموا النبيّ بالهجر في حديث القرطاس أن يتّهموا جبرائيل بالخطأ، أو أن يقولوا: ليس هذا بأمر من الله تعالى، أو يقوموا بتأويله بحسب ما تقتضيه مصالحهم.

([1016]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص824، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([1017]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص825ـ 826، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([1018]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج2 ص307، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان ـ قم.

([1019]) ابن قدامة، المغني: ج2 ص433، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([1020]) الأنبياء: 73.

([1021]) مريم: 55.

([1022]) مريم: 31.

([1023]) الأعلى: 14ـ 15.

([1024]) الليل: 18.

([1025]) فصّلت: 7.

([1026]) المؤمنون: 4.

([1027]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: ج6 ص11، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([1028]) السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ج2 ص238، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان ـ قم.

([1029]) الكليني، الكافي: ج5 ص74، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

([1030]) نهج البلاغة: ج3 ص71ـ 72، شرح الشيخ محمّد عبده، الناشر: دار الذخائر.

([1031]) عبد الله بن قدامة، المغني: ج2 ص671، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

([1032]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج8 ص175، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([1033]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى: ج22 ص314، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

([1034]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص826، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([1035]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط: ج1 ص1732.

([1036]) الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن: ص533، الناشر: دفتر نشر الكتاب.

([1037]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: ج5 ص227، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان ـ قم.

([1038]) الحاكم النيسابوري، المستدرك: ج2 ص168، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت.

([1039]) البيهقي، السنن الكبرى: ج7 ص111، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([1040]) ابن منظور، لسان العرب: ج15 ص405، الناشر: دار صادر ـ بيروت.

([1041]) المائدة: 51.

([1042]) مسألة ترتيب الآيات في القرآن لاشك أنّها توقيفية، وقد كانت بأمر النبيّ’، وهناك من الآيات التي نزلت بمكة قد جعلها النبيّ’ في سور مدنية، أو أن آية نزلت في سنة متأخرة يجعلها في سنة لاحقة.

([1043]) اُنظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص216، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([1044]) اُنظر: ابن كثير، تفسير ابن كثير: ج7 ص72، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص219، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

([1045]) بمعنى أنّ الله تعالى ينصر ـ نصرة دين ـ كلّ من ينصر الله من حيث العمل بالدين والشريعة سواء كان النبيّ’ أم المؤمنون.

([1046]) بمعنى أن الله تعالى ينصر ـ نصرة دين ـ رسله الذين نصروا الدين بالعمل به، وكذلك ينصر المؤمنين، وهنا جاءت النصرة للرسول’ وللمؤمنين معاً.

([1047]) الروم: 47.

([1048]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: ج6 ص7، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([1049]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص827، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([1050]) المصدر نفسه.

([1051]) نقلاً عن الرسائل العشر للشيخ الطوسي: ص130، الناشر: جماعة المدرّسين ـ قم.

([1052]) الجوهري، الصحاح: ج6 ص2529، الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت.

([1053]) التوبة: 61.

([1054]) السجدة: 4.

([1055]) الشورى: 9.

([1056]) البقرة: 257.

([1057]) الأحزاب: 6.

([1058]) النساء: 105.

([1059]) الشورى: 52.

([1060]) الجمعة: 2.

([1061]) النحل: 44.

([1062]) النساء: 59.

([1063]) الأحزاب: 36.

([1064]) القفاري، اُصول مذهب الشيعة: ج2 ص828، الناشر: دار الرضا ـ الجيزة.

([1065]) محمّد بن عبد القادر، مختار الصحاح: ص376، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت.

([1066]) محمّد بن عبد القادر، مختار الصحاح: ص376.

([1067]) والتعبير (باللغة) واضح، من قبيل لغة بني تميم ولغة الحجاز وغيرها.

([1068]) الراغب الأصفهاني، المفردات: ص533، الناشر: دفتر نشر الكتاب ـ إيران.

([1069]) يظهر أنّ القفاري قد اعتمد كلياً فيما قاله على شيخ مشايخه ابن تيمية في منهاج سنته، اُنظر: ابن تيمية، منهاج السنّة: ج7 ص28، الناشر: مؤسسة قرطبة. وقد استشهد بكلام المقدسي من باب زيادة المصادر وتنويعها.

([1070]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط: ج1 ص1732، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

([1071]) الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس: ج20 ص315، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([1072]) المصدر نفسه.

([1073]) الرعد: 11.

([1074]) الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن: ص534، الناشر: دفتر نشر الكتاب.

([1075]) الثعلبي، تفسير الثعلبي: ج5 ص278، الناشر: دار إحياء التراث العربي. الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن: ص885، الناشر: دفتر نشر الكتاب ـ إيران.

([1076]) البخاري، صحيح البخاري: ج6 ص191ـ 192 ح3094، الناشر: دار الفكر ـ بيروت.

([1077]) اُنظر: أبو حيان الأندلسي، تفسير أبي حيان الأندلسي: ج4 ص314، الناشر: دار الكتب العلمية. ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون: ج1 ص194، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.