الخاتمة

فهرست الكتاب

سماحة الدكتور عصام العماد:

تكرر في هذه المناظرة بيني وبين  أخي سماحة الشيخ عثمان الخميس طرح قضية العصمة للأئمة الاثني عشر, ومن هنا لا بدّ لنا أن ندرك العصمة ولا بدّ أن نعلم أن أكبر مشكلة يعاني من فهمها اليوم الملايين من الوهابيين, هي مشكلة عصمة الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ , ومشكلة غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ ، وهما أكبر مشكلتين, فلم أنتقل مِن الوهابية إلى الاثني عشرية إلا بعد معالجة هاتين المشكلتين.

ومن هنا لا بدّ من توضيح (العصمة), ولا بدّ من توضيح (الغيبة) حتى يدركهما الشيخ عثمان الخميس, ويدركهما كل الوهابيين الحاضرين في هذه المناظرة.

ومن أجل تقريب معنى العصمة عند الاثني عشرية للشيخ عثمان الخميس، أقول إنه لا يوجد إنسان في هذه الأرض إلا وهو معصوم، فهي عصمة لجنس الإنسان كله، وصفة العصمة قائمة على أساس إنسانيته، بدون حاجة إلى أية صفة أخرى وراء كونه إنساناً، فصفة العصمة ملازمة لكل إنسان, بدون حاجة أن يكون نبياً أو يكون إماماً, ولكن هذه العصمة تدرج في هذا الإنسان، فهي تكون قليلة في الرجل الفاسق، وتكون أكثر وجوداً في الطفل الصغير النظيف، فصفة العصمة هي من أهم الصفات التي يمتلكها الطفل الصغير بحكم فطرته, فقد ثبت أن الطفل بفطرته يكون بريئاً ومعصوماً ويكون قلبه بعيداً عن صفة الحقد، والتجارب الإنسانية تكشف أن الإنسان بفطرته الأصيلة فيه، يمتنع عن ارتكاب الكثير من الجرائم، ومن هنا إذا شذ إنسان وارتكب الجرائم الشنيعة يقال إنه شذ عن فطرته الإنسانية المعصومة، وهذا الامتناع عن ارتكاب الكثير من الجرائم إنما يعبِّر على أن صفة العصمة هي صفة أصيلة لهذا الإنسان, وهي اللبنة الأولى في الحفاظ على هذا الإنسان، الذي يستهدف الإسلام إنشاءه على أساس الفطرة السليمة.

ولكن العصمة تتفاوت بين الناس، ويصور القرآن الكريم ترتيب النماذج البشرية للمعصومين.

فأما النموذج الأول فهم الأنبياء الذين يمثلون الرتبة الأولى من المعصومين, ثم يأتي من بعدهم أوصياؤهم, كما تأتي مريم المعصومة في هذه المرتبة إلى أن تخفت صفة العصمة عند النماذج الإنسانية المنحرفة، لأن النماذج المنحرفة لا زالت تمتلك قليلاً من العصمة, بدلالة إنها ترتكب بعض الجرائم وتمتنع عن إتيان البعض الآخر, وإذا كان التاريخ السني يذكر أن الإمام أحمد بن حنبل ـ رضوان الله عليه ـ كان يصلي الفجر بوضوء المغرب, فلا يمكن أن يقدر على هذا العمل إلا من يمتلك مقداراً معيناً من صفة العصمة.

والنموذج الآخر من المعصومين, هو نموذج أوصياء النبي الاثني عشر, فهو نموذج آخر من المعصومين أقل مِنْ النبي الأكرم, وأعلى من نموذج الإمام أحمد بن حنبل، وأعتقد إنني قد استطعت أن أقرّب معنى العصمة لأخي الشيخ عثمان الخميس؛ لأنه طوال هذه المناظرة وهو يشن حملة شعواء على العصمة.

والآن سوف اتناول قضية أخرى أثارها الشيخ عثمان الخميس في هذه المناظرة وهي قضية حكم منكر الإمامة عند الاثني عشرية, ولكنني سوف أتناول هذه القضية بعنوان آخر وهو: «دور أهل البيت في التقريب بين الاثني عشرية وأهل السنة» أو بعبارةٍ أخرى «موقف الاثني عشرية من أهل السنة», ثم أتناول قضية «التقية عند الاثني عشرية», ثم أتناول في الأخير قضية «غيبة الإمام الثاني عشر عند الاثني عشرية<.

إن مشكلة الشيخ عثمان الخميس إنه لم يقرأ كل جزئيات وروايات أهل البيت الاثني عشر في قضية كيفية التعامل بين المسلمين, ومن أبرز القضايا التي أولاها الأئمة الاثنا عشر عناية كبرى قضية تعليم شيعتهم كيف يتعاملوا مع بقية المسلمين من غير الاثني عشرية, ومشكلة الشيخ عثمان أنه يأخذ رواية واحدة عَن أهل البيت من دون النظر إلى بقية الروايات, مع أنه لا يمكن فهم دور أهل البيت في التأليف بين الاثني عشرية وأهل السنة, إلا بمراجعة كلما روي عنهم في هذا الموضوع؛ لأنني وجدت أن هنالك ترابطاً عضوياً متيناً بين أجزاء هذه الروايات. وأهل البيت ضمن مهمة الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة, اتخذوا جهوداً كثيرة, أذكر من هذه الجهود التي بذلوها من أجل الحفاظ على وحدة الأمة.

أولاً: الممارسة العملية, والتطبيق العملي لهذه الوحدة, حيث عاش أهل البيت بين الاثني وبين أهل السنة واختلطوا وامتزجوا واقعياً مع السنة ومع الاثني عشرية, فكان يحضر في دروسهم علماء أهل السنة ومثل أبي حنيفة ويحضر في دروسهم كبار علماء الاثني عشرية مثل زرارة بن أعين.

ثانياً: الروايات الكثيرة والمتواترة, التي بينت بشكل واضح إن كلمة «الإسلام» تطلق على الاثني عشري كما تطلق على السني, فالاثنا عشريون مسلمون وأهل السنة مسلمون, كما ثبت وتواتر عن أئمة أهل البيت.

ثالثاً: الجهود العظيمة التي بذلها أهل البيت, والروايات الصادرة والمتواترة عنهم في الوقوف أمام كل الذين يسعون إلى تمزيق وتفريق الألفة بين الاثني عشرية وأهل السنة.

رابعاً: الجهود المضنية التي بذلوها في توعية الاثني عشرية, من أجل تعليمهم كيف يتعاملون مع المسلمين من غير الاثني عشرية, وهذه الجهود هي التي جعلت الاثني عشريين يحسنون التعامل مع أهل السنة.

والآن بعد هذه الإشارة الكلية سوف نفصل ما أجملناه من هذه المشاريع الأربعة, التي قدمها أهل البيت مِن أجلِ الحفاظ على الأمة؛ ولن أتناول في هذه المناظرة شرح هذه الأقسام الأربعة, بل سأكتفي بالأول والرابع, ثم أشير إشارة مختصرة إلى الثاني, أمّا الثالث فقد تناولته في كتابي >رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية<.

أما فيما يتعلق بالمشروع الأول: وهو الممارسة العملية والتطبيق العملي لهذه الوحدة الإسلامية المقدسة, وكما قلت إن أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ عاشوا بين الاثني عشرية وبين أهل السنة ودرَّسوا كبار الاثني عشرية كما درسوا كبار أهل السنة, فقد كان من ثمرات ذلك أن نجد أن كل المسلمين يحملون مشاعر الاحترام والحب لأهل البيت, لقد حاول الأمويون وبذلوا جهوداً كبيرة مِنْ أجل نزع مشاعر الاحترام لأهل البيت من قلوب أهل السنة, لكن أهل البيت أفشلوا هذا المشروع الأموي, مِن خلال جهودهم, التي بذلوها في كسب كبار علماء أهل السنة, ومن هنا عجزت الدولة الأموية من نزع قداسة أهل البيت من قلوب أهل السنة, واستطاع أهل البيت أن يغرسوا موقعاً خاصاً مقدساً يؤمن به جميع المسلمين, وهذا كله من ثمرة الجهود التي قام بها أهل البيت, من أجل الحفاظ على وحدة المسلمين, ولنا أن نتصور, ماذا لو كان نجح المشروع الأموي في نزع القداسة عن أهل البيت؟! ـ كما نجح في فصل أهل السنة عن أخذ مذهب أهل البيت ـ حينئذ لن يكون هنالك أي صلة وأي تقريب بين الاثني عشرية وبين أهل السنة, كما إننا يجب أن نلتفت إلى حقيقة هامة في منتهى الأهمية, وهي أن أهم سبب في عجز بني أمية عن انتزاع القداسة لأهل البيت من قلوب أهل السنة, إنما يرجع لأن قدسية أهل البيت هي أصلٌ ثابت في الإسلام, وهذا الأصل مغروس في القرآن الكريم, وفي السنة النبوية, ولا يستطيع أي مسلم أن يتجاهل هذا الأصل العظيم في الإسلام, ومن هنا نجد أن أهل السنة كتبوا المئات بل الآلاف من الكتب التي تبين أهمية هذا الأصل الأساسي عند أهل السنة, وأعتقد إنني بينت جزء من هذا الأصل الأصيل من خلال هذه المناظرة مع  أخي الشيخ عثمان الخميس, وكما إنني بينت في هذه المناظرة دور بني أمية في عزل أهل السنة عن أهل البيت, لا بدّ لي أن أبيّن عجز بني أمية عن نزع قداسة أهل البيت من قلوب أهل السنة, ولا بدّ لي أن أبين هنا كيف وقف أهل البيت ضد ذلك المشروع الأموي.

إخواني من كل الحاضرين في هذه الغرفة من أهل السنة ومن الوهابية ومن الاثني عشرية ومن السلفية, أريد أن أقول إنه كان الحكام من أمويين وعباسيين يسعون إلى تقسيم الأمة إلى طوائف متعادية, ولما لم يجد بنو أمية أساساً معقولاً لهذا العداء لجأ بنو أمية إلى أساليب الكذب, فكانت الاستخبارات الأموية تنشر الإشاعات بين السنة؛ من أجل أن يسوء ظنهم بإخوانهم الشيعة, وكانت هذه الاستخبارات الأموية تروج أن الشيعة يقولون بتأليه الإمام علي والعياذ بالله, وهذا كذب محض وتزوير قبيح, ولكن تصديق هذا اللغو كان الباعث على تمزيق الأمة الواحدة, وكان أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ يعلمون إنها ضجة مفتعلة بين السنة والشيعة لحساب الاستخبارات الأموية, وكانوا ـ رضوان الله عليهم ـ يعالجون الخلافات بين الشيعة والسنة بطريقة علمية.

ومن هنا نجد أن منهج أئمة أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ قد حال دون تحوّل هذا الخلاف إلى خصام يستثمره الإعلام الأموي لصالحه, وأنا أتمنى أن يرجع أهل السنة إلى روايات أهل البيت, وسوف تدركون أن أهل البيت يضمرون المحبة للسنة والشيعة ويعدون تكفير أهل السنة انحرافاً وزيغاً, ولكني هنا أريد أن أقول لأخي الشيخ عثمان الخميس, هب يا أخي أن عالماً اثني عشرياً أخطأ, وقال إن أهل السنة غير مسلمين ـ هب ذلك وقع ـ فما صلة هذا الخطأ بالمذهب الاثني عشري؟!, إذا كانت الروايات المدونة في كتب الاثني عشرية تصرّح وهي منقولة عن أئمة هذا المذهب, وتصرح بأن أهل السنة مِن المسلمين, فكيف تجيز لنفسك يا شيخ عثمان أن تقول إن الاثني عشرية ترى أن أهل السنة غير مسلمين.

وأنا في نظري أن الشيخ عثمان الخميس أخطأ في فهم بعض الروايات, وفي فهم أقوال علماء الاثني عشرية فضن إنها تنفي الإسلام عَنْ أهل السنة, نعم إن الشيخ أخطأ ولكن المشكلة إن الشيخ لا يقبل الاعتراف بهذا الخطأ, ولماذا لا يراجع الشيخ عثمان الخميس كتب الاثني عشرية, التي بينت معاني هذه الروايات وهذه الأقوال التي نقلها الشيخ عثمان من علماء الاثني عشرية وحسب إنها تعتبر أهل السنة غير مسلمين؟!! ولست أنفي إنني عندما كنت وهابياً كنت أفهم هذه الأقوال كما فهمها الشيخ عثمان, بيد إنني استيقنت أنني أخطأت خطأً حقيقياً, ولكنني لست مثل الشيخ عثمان, وأقولها صريحة إنني أعترف بذلك الخطأ, وإنني أرى لو جلست مع الشيخ عثمان في جلسة ثنائية, لبينت له خطأه؛ لأنني مؤمن بأن طرح الخلافات في أجواء يحضرها هذا العدد الهائل من السنة والشيعة, يحول بين المرء وبين الحقيقة.

والآن سوف أعود إلى موضوعي الأصلي, إخواني لقد كان أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ يغرسون الألفة من خلال سلوكهم, ومن هنا كانوا يدركون أن بني أمية لا يهمهم الإسلام ولا المسلمين, ففي سبيل الحكم والملك سوف يدمرون الإسلام والمسلمين, ومن هنا نجد أن أهل البيت كانوا يلجؤون اضطراراً للمسالمة والمصالحة مع الحكم الأموي الفاسد, من أجل الحفاظ على أصل الإسلام, والحفاظ على الوحدة المقدسة, وأرجو من كل المستمعين أن يتأملوا في ما قاله الإمام الحسن ـ رضوان الله عليه ـ حينما ذكر الأسباب التي اضطرته إلى الصلح مع حكومة معاوية الفاسدة, حيث قال: كما نقل عنه صاحب كتاب كشف الغمة في الصفحة (170): «وقد رأيت إن حقن الدماء خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا إصلاحكم وبقاءكم».

وذكر المجلسي في بحار الأنوار الجزء العاشر, الصفحة (101) إن الإمام الحسن قال: «إني خشيت أن يُجتَث المسلمون عَن وجه الأرض، فأردت أن يكونَ للدين ناعي», وأرجو من الجميع أن يتأملوا في هذه العبارة للإمام الحسن حيث نقل صاحب كتاب الكامل في التاريخ, الجزء (3)، الصفحة (409) عبارة هامة, قالها ـ رضوان الله عليه ـ لمعاوية, عندما طلب منه قتال الخوارج فقال مجيباً لمعاوية: «لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها».

تأملوا يا إخواني من الوهابيين وأهل السنة ومن الاثني عشرية والسلفية, إن الإمام الحسن أطلق عليهم كلمة «أهل القبلة», وترك قتالهم «لصلاح الأمة».

ويكفينا أن نقرأ سلوك الإمام علي بن الحسين ـ رضوان الله عليه ـ فعلى الرغم أن الدولة الأموية قتلت أباه الإمام الحسين وارتكبت مجزرة كبرى رآها بعينه فقد كان حاضراً في معركة كربلاء ورأى الإمام زين العابدين مشاهد المجزرة الجماعية لأهل البيت النبوي, ثم أخذ أسيراً مع عمته زينب بنت الإمام علي ومع أخواته, وعاصر الإمام زين العابدين أكبر محنة مر بها أهل البيت, ولكن مع كل الذي حدث كان الإمام يعلّم شيعته وأتباعه أن الحفاظ على الإسلام ومصلحة الإسلام فوق كل شيء وعندما كانت الجيوش تتحرك بقيادات أموية كان الإمام يدعو لهذه الجيوش بالنصر والغلبة على الكفار وهذا الدعاء مدون ومعروف عن الإمام في صحيفته المعروفة بصحيفة الإمام السجاد, وهو دعاء الثغور, وهذه بعض أدعية الإمام لنصرة الجيش الأموي الذي يواجه الخطر الصليبي: «اللهم صلِّ على محمدٍ وآلهِ، وحصِّن ثغور المسلمين بعزَّتِك، وأيِّد حُماتها بقوّتِك، واَسْبغْ عطاياهُم من جدَتِك، اللهُمّ صلِّ على محمدٍ وآله، وكثر عِدَّتَهُم، واشْحَذ أسلحَتَهُم، واحرُس حورَتَهُم، وامنع حومتَهُم، وألِّف جمعهُم، ودَبِّر أمرَهُم، وواتِرْ بين مِيَرِهُم، وتوحَّد بكفاية مُؤَنِهُم واعضُدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطُف لهم في المكرِ، اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلهِ، وعرّفهُم ما يجهلون، وعلّمهُم ما لا يعلمون، وَبَصِّرهم ما لا يُبصرون، اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآله، وأنسِهُم عند لقائِهم العدوَّ ذِكرَ دنياهم الخدّاعة الغروّر، وامحُ عن قلوبِهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنَّةَ نصبَ أعينِهم...».

هذا سلوك الأئمة حتى مع الذين ظلموهم وسوف نرى كيف ترك هذا السلوك أثراً قوياً على الاثني عشريين. ومع اقتناع الإمام زين العابدين بأن حكام بني أمية من الظالمين وحرصه على تبيين الجرائم التي ارتكبوها في حق أهل البيت, وفي حق الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إلا أن حرص الإمام علي بن الحسين على الأمة الإسلامية من أن تتعرض إلى صدمة خطيرة من الصليبيين, هذا الحرص جعل الإمام يدعو لهم بالنصر والغلبة.

أما بالنسبة للمشروع الثاني: كما قلت إن هنالك روايات متواترة عن الأئمة الاثني عشر تبين أن كلمة «مسلم» تطلق على «السني» كما تطلق على «الاثني عشري» وتطلق على كلِّ الفرق الإسلامية, ومن خلال ذلك استطاع أهل البيت أن يواجهوا تيارات التكفير التي كانت مدعومة من الدولة الأموية من أجل تفتيت الأمة إلى فرق متناحرة ومتقاتلة يكفِّرُ بعضُها بعضاً, ويكفي أن تتأملوا إلى معنى كلمة الإسلام في روايات أهل البيت.

ينقل الإمام شرف الدين ـ رضوان الله عليه ـ في كتابه القيم «الفصول المهمّة في تأليف الأمة» صفحة (21) رواية عظيمة عن الإمام محمد الباقر ـ وهو الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر ـ, يقول الإمام الباقر ـ رضوان الله عليه ـ شارحاً ومبيناً وموضحاً معنى الإسلام: «والإسلامُ ما ظهر مِنْ قولٍ أو فعل، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرقِ كلها».

لاحظوا يا إخواني كلمة الإمام الباقر: «من الفرق كلها», فكل الفرق المخالفة للاثني عشرية مِن أهل القبلة يشملهم الإسلام, كما يقول الإمام الباقر, ثم يقول ـ رضوان الله عليه ـ: «وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلِّها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاةِ والزكاةِ والصومِ والحج فخرجوا بذلك عَنْ الكفرِ، وأضيفوا إلى الإيمان».

وهكذا ينقل الإمام البروجردي في كتابه «جامع أحاديث الشيعة» جزء (5), صفحة (216) ينقل هذه الرواية القيمة, يقول الإمام جعفر الصادق ـ رضوان الله عليه ـ, وهو الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر الذين أشار إليهم النبي في حديث جابر بن سمرة الوارد في البخاري ومسلم, يقول ـ رضوان الله عليه ـ في شرحه لمعنى الإسلام: «الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وبه حقنتْ الدماء، وعليه جرتْ المناكح والمواريث وعليه جماعة الناس».

إذن فمصطلح الإسلام عند الخلفاء الاثني عشر يطلق على كل الفرق الإسلامية مهما تعددت ومهما اختلفت.

وقد عمل فقهاء الاثني عشرية بمضمون هذه الروايات, ولكن الوقت لا يتسع لتبيين ذلك وبإمكان أخي الشيخ عثمان أن يراجع كتابي «رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية» وسيجد إنني بينت هذا الموضوع بصورة مفصلة.

أمّا بالنسبة للمشروع الثالث لأهل البيت: فلا مجال لذكره هنا وسوف أتناول في المشروع الرابع قضية التقية بصورة مختصرة؛ لأنني تناولتها في كتابي >المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين< ثم سوف أذكر بعض آثار مشروع أهل البيت على علماء الاثني عشرية.

أما فيما يتعلق بالمشروع الرابع لأهل البيت: مِنْ أجلِ الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة, فهذا المشروع يتعلق ويرتبط بالتقية.

لقد سعى أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ أن يكون هنالك انسجاماً وتعاوناً بين الاثني عشرية وبين بقية المذاهب الإسلامية من أهل السنة, ومن غيرهم ومن أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة أمر أهل البيت شيعتهم أن يمارسوا التقية مع المذاهب الإسلامية, وكان للتقية دور كبير في عدم تمزيق الصف الإسلامي, حيث استطاع أهل البيت من خلال التقية أن يفرضوا على شيعتهم التعايش مع بقية المذاهب الإسلامية, ويكفي أيها الإخوة أن تتأملوا في هذه الرواية العظيمة التي رواها الإمام الكليني ـ رضوان الله عليه ـ في الأصول ونقلها عنه الحر العاملي في وسائل الشيعة الجزء الثامن صفحة (399) الباب الأول من أبواب العشرة الحديث الخامس, والرواية رويت بسندٍ صحيح عن مرازم عن أبي عبد الله الصادق ـ رضوان الله عليه ـ أن قال: «عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز, إنه لا بدّ لكم مِنْ الناس, إن أحداً لا يستغني عَنْ النّاس في حياته، الناس لا بدّ لبعضهم مِنْ بعض».

لقد وضع أهل البيت مشروع التقية من أجل مواجهة المخطط الأموي الذي كان يسعى إلى تمزيق الوحدة بين السنة والشيعة, لقد كان بنو أمية يستغلون الخلاف الموجود بين السنة والشيعة, من أجل تفريق الصف الإسلامي وكان أهل البيت ـ  رضوان الله عليهم ـ يدركون خطر المشروع الأموي على وحدة الأمة وكانوا يعلمون أن غرض الدولة الأموية من إثارة الخلاف بين السنة والشيعة هو الحفاظ على وجودِهم وحكمهم, وفقاً لقاعدة فرِّق تسد, فكان أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ في كثير من الأوقات يتغاضون عن المسائل الخلافية بين السنة والشيعة, ويأمرون شيعتهم بالعمل وفق المذاهب الإسلامية السنية من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية, بل كان أهل البيت من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية يجيبون بعض السائلين مِنْ شيعتهم إجابات فيها مجاراة للفقه السني, فإذا خلوا إليهم ذكروا لهم الرأي الذي يرونه, وبينوا لهم الإجابة الصحيحة, ويأمرونهم بكتمان السر وهذا هو ما يعني بـ «التقية» في الفقه الاثني عشري ـ خلافاً لرأي أخينا الشيخ عثمان ـ ولما كان أهل البيت هم حماة الوحدة الإسلامية, وما كانت الدولة الأموية ترغب أن يصلّي السنة والشيعة في مسجد واحد حتى يتاح للاستخبارات الأموية الصيد في الماء العكر والبقاء في الحكم, فكان أهل البيت يأمرون شيعتهم ويحثونهم على حسن المعاشرة مع أهل السنة, وعلى الصلاة معهم ومشاركتهم في الجماعة والحضور في جنائزهم وعيادة مرضاهم, مع أمرهم لهم بأن يصلوا كما يصلون, ويعملون ما يعملون حفاظاً على الوحدة والانسجام بين السنة والاثني عشرية.

وقد عمل أتباع أهل البيت بهذه التوصيات, وتركت أثراً كبيراً في نظرتهم إلى أهل السنة وغرس أهل البيت في نفوس أتباعهم التسامح مع أهل السنة, ومن هنا ينقل التاريخ لنا أن الشيعة عندما كانوا يتمكنون من الحكم لم يكونوا يمارسوا الظلم أو القتل أو التشريد ضد أهل السنة, وقد اعترف أحمد أمين بأن التسامح الموجود عند الشيعة لا يوجد عند أهل السنة, لقد رسم أهل البيت خطوطاً واضحة جلية ناصعة في كيفية التعامل مع المسلمين من أهل القبلة, ويتمثل ذلك بالروايات التي تواترت عن الإمام جعفر الصادق حينما كان يأمر الشيعة بالمشاركة في الجماعة والجمعة التي تنعقد من قبل الحكام والولاة؛ من أجل المحافظة على الوحدة بين أبناء الأمة الواحدة, وكان رضوان الله عليه يقول كما نقل عنه صاحب كتاب الهداية في الصفحة العاشرة, كان يقول لشيعته: «من صلى معهم في الصفِّ الأوّل, كان كمن صلى خلف رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في الصفِّ الأول.

وروى الشيخ الإمام الكليني في كتابه الكافي (ج 2 ص 219) أن الإمام الصادق كان يقول: «كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً، صلوا عشائرهم وعودوا مرضاهم, واشهدوا جنائزَهم, ولا يسبقونَكُم إلى شي مِنْ الخيرِ فأنتم أولى به منهم».

ونقل الإمام الكاشاني في كتابه المحجة البيضاء (ج 1 ص 343) عن الإمام الصادق أنه قال ـ رضوان الله عليه ـ: «ما من عبدٍ يصلي في الوقت ويفرغ، ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمساً وعشرين درجة».

وهكذا يا إخواني من الوهابيين ومن أهل السنة نجد ـ أيضاً ـ المجلسي في بحار الأنوار (ج 16 ص 47) ينقل عن الإمام الصادق, إنه قال لأصحابه وشيعته: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل, ولورع في دينكم والاجتهاد لله, وصدق الحديث, وأداء الأمانة, صلوا عشائرهم واشهدوا جنائزَهم وعودوا امرضاهم، وأدوا حقوقَهم، فإن الرجلَ منكم إذا وَرِعَ في دينهِ وصدق الحديث وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل عليّ منه السرور, وقيل هذا أدب جعفر».

ويبقى الآن أن أبيّن آثار مشروع أهل البيت على علماء الاثني عشرية, ولا شك أن من يتتبع فقهاء الاثني عشرية سوف يجد أنهم طبقوا وصايا أهل البيت في الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة, وبإمكانكم إخواني مِنْ الحاضرين في هذه الغرفة أن تلمسوا ذلك من خلال هذه الحقائق الأربع التي سوف أذكرها:

الحقيقة الأولى: لا شك أن روايات الأئمة الاثني عشر في التقريب بين المسلمين قد تركت نتائجاً مهمة في وسط الاثني عشريين, وبإمكان إخواننا مِن الوهابية ومن أهل السنة أن يلحظوا ذلك من خلال سبق الاثني عشريين في ذكر آراء أهل السنة في الكتب الفقهية, حيث إن علماء الاثني عشرية قد سبقوا أهل السنة في الدراسات الفقهية المقارنة بين الفقه السني والقفه والاثني عشري, وأذكر من قدماء الاثني عشرية علم الهدى الشريف المرتضى في كتابه «الانتصار» وهكذا الشيخ الطوسي في كتابه «الخلاف» والعلامة الحلي في كتابه «التذكرة».

الحقيقة الثانية: نلمس أثر روايات أهل البيت, من خلال تتبع أقوال علماء الاثني عشرية في أن أهل السنة من المسلمين.

الحقيقة الثالثة: لا شك أن المنهج السلوكي لأهل البيت وكيفية تعاملهم مع أهل السنة, قد ترك أثراً قوياً على سلوك ومواقف الاثني عشريين, ومن هنا نجد أن الدولة العثمانية في أخريات حياتها عندما تعرضت للخطر الصليبي تصدى الاثنا عشريون للدفاع عن الدولة العثمانية السنية, حرصاً على كيان الإسلام السياسي, وحرصاً على المصلحة العليا للإسلام, ومن هنا نجد أن علماء الاثني عشرية أفتوا في الربع الأول من القرن العشرين بوجوب الجهاد لحماية الحكم السني العثماني.

الحقيقة الرابعة: كما إننا وجدنا أثر مشروع أهل البيت على الاثني عشرية من خلال مبدأ التسامح عند الاثني عشرية مع أهل السنة, حتى أن أحمد أمين المصري مع عدائه للشيعة, اعترف بأنه لا يوجد عند أهل السنة تسامح مع الشيعة في حين أن الشيعة متسامحون مع أهل السنة.

والآن سوف أتناول القضية الأخيرة في هذا الحوار وهي قضية غيبة الإمام الثاني عشر, وأجد من الضرورة أن أتوسع في استعراض خاصية الغيبة؛ لأنني رأيت أخي الشيخ عثمان الخميس, وأخي الشيخ عبد الرحمن الدمشقية, وأخي الشيخ محمد علي, وأخي الشيخ أبا أحمد البكري وغيرهم من إخواننا الوهابيين الذين حضروا في هذا الحوار بيني وبين الشيخ عثمان, ولأنني ـ أيضاً ـ قرأت ما كتبته الوهابية عن الغيبة, فوجدتها تخلط أثناء الكتابة عن الغيبة؛ لأنها تريد أن تفهم خاصية الغيب قبل أن تدرك حديث الثقلين, وقبل أن تدرك حديث الاثني عشر, وقبل أن تدرك آية التطهير, وقبل أن تدرك آية المباهلة, وقبل أن تدرك بعض المباحث التي تحاورت فيها مع أخي وحبيبي الشيخ عثمان, وهذه الحقائق لا بدّ للوهابية أن تدركها إذا أرادت أن تدرك الغيبة.

تعريف الغيبة: المرّة من غاب([1])، وتعني البعد والتّواري، يقال: أو حشتني غيبة فلان، وقد أطلت غيبتك.

والقول بغيبة الإمام الثاني عشر، من أولويات خصائص المذهب الاثني عشري، وهو تصورٌ اعتقادي عند الاثني عشرية مصدره ومنبعه الرسول الأكرم، وأوصياءه الاثنا عشر لا من غيرهم, ويستطيع الإنسان ـ وهو واثق ـ أن يقول: إن عقيدة الاثني عشرية بغيبة الإمام الثاني عشر حقيقة أساسية أخبر عنها الرسول الأكرم، قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائتين عاماً، وكان الأئمة الاثنا عشر ـ من لدن الإمام علي إلى الإمام المهدي ـ يبينوا للناس هذه الحقيقة ويعرّفوهم بأنّ الإمام الثاني عشر سوف يغيب، ووضحوا لهم ذلك بالنصوص الصريحة المتواترة، حتى أصبحت حقيقة مسلّمة لدى جماعة كبيرة من المسلمين.

وقبل أن نبحث عن هذه الحقيقة، نشير هنا إلى حقيقة أخرى، تقول: إنّه لا يستطيع الإنسان أن يفهم حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر إلا بعد أن يدرك حقيقة الإمامة الربانية لمذهب الاثني عشرية, فلا شك أن حقيقة الغيبة تنبثق من الإيمان بنص الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ على إمامة الأئمة الاثني عشر، وما لم نؤمن بذلك فلا يمكن لنا أن ندرك هذه الحقيقة، والذين يبحثون عنها، قبل الاعتقاد بالنص على الأئمة الاثني عشر، سوف تبقى نظرتهم حولها في حدود المعرفة الفكرية الباردة، ولا يمكن لهم أن يؤمنوا بها، ومن ثمّ أخرّنا البحث عن الغيبة بعد البحث عن الإمامة ـ وجعلناها في خاتمة المناظرة مع أخي سماحة الشيخ عثمان ـ مع وجود التلازم بين حقيقة الإمامة وحقيقة الغيبة، بل ما هو أكثر من التلازم، هناك الانبثاق الذاتي، فغيبة الإمام الثاني عشر فرع من حقيقة إمامة الأئمة الاثني عشر،‌ ومن ثمّ فسماع المناظرات الخمسة عشر مقدّمة على هذا البحث، وهذه الخاصية هي آخر ما آمنتُ به بعد انتقالي من الوهابية إلى الاثني عشرية، ومن ثمّ جعلناها في آخر «هرم الاثني عشرية» لأن الإيمان بها يحتاج إلى مقدمات.

إن المسألة ـ في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ ليست هي أن نبحث عن حكمة الغيبة فحسب، وليست هي البحث عن إمكانية أن يعيش الإمام الثاني عشر أكثر من ألف سنة، إنما المسألة ترتبط أولاً ـ قبل كل شيء ـ بالبحث عن الأحاديث والروايات المتواترة القاطعة الصريحة، التي دوّنت في كتب الحديث، وانتشرت بين الناس، وكُتب حولها الكتب، وارتبطت بعقيدة الناس بعد أن سمعوا من الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ ، ثم سمعوها من الإمام علي, ثم سمعوها من الإمام الحسن، ثم من الإمام الحسين، ثم من الإمام الباقر، ثم من الإمام الصادق، ثم من الإمام الكاظم، ثم من الإمام الرضا، ثم من الإمام الجواد، ثم من الإمام الهادي، ثم من الإمام الحسن العسكري، ثم من الإمام المهدي ـ رضوان الله عليهم جميعاً ـ ، وبتلك الأحاديث والروايات المتواترة، المستمدة مباشرة من الرسول الأكرم، ومن أوصيائه الاثني عشر، تكيّفت جماعةٌ‍ من المسلمين وآمنت بحقيقة الغيبة قبل تحققها، ودوّنتها وجمعتها في كتب الحديث، بل أفردت لها كتباً مستقلة قبل تحقيق الغيبة بأكثر من مائتين عاماً ـ كما سيتضح لنا قريباً ـ إلى أن تحققت مضامين تلك النصوص في الواقع التاريخي بنفس الصورة التي أخبرت عنها تلك الأحاديث والروايات التي كانت هي المرجع الأوّل للاعتقاد بالغيبة، فمنها انبثقت تلك الحقيقة، وكانت مفاجئة كبيرة للذين تحققت الغيبة في زمانهم، لأنها تحققت بعد أن أخبر بها النبي الأكرم بأكثر من قرنين من الزمان، فعلموا أن تحققها في الواقع التاريخي إنّما كان تطبيقاً حتمياً لخبر النبي الأكرم، وآمنوا أن أخباره ـ صلى الله عليه وآله ـ عن حدثٍ سوف يقع في المستقبل لا بدّ‌‌ له أن يظهر في الواقع التاريخي.

ونحن نحاول في خاتمة هذه المناظرة, بيني وبين أخي الشيخ عثمان عرض حقيقة «غيبة الإمام الثاني عشر» مصحوبة بالشرح والتوضيح والتجميع والتبويب، حتى يصل كل الحاضرين في هذه المناظرة من إخواني أهل السنة ومن إخواني الوهابيين إلى الإيمان والتصديق بتلك الحقيقة الأساسية العظيمة.

ولعله يحسن ـ لتكون هذه الحقيقة واضحة وضوحاً يناسب أهميتها ـ أن نذكر ـ قبل ذلك ـ أن الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي كان يعتقد أن الإمام المهدي هو أحد الاثني عشر, قال في شرحه لحديث الاثني عشر: «... أحدهما المهدي ـ المنتظر ـ ، لأنه من آل بيت محمّد صلى الله عليه وسلم<([2])، وكان الإمام ابن كثير الدمشقي ـ  أيضاً ـ من أئمة أهل السنة الذين يعتقدون أن الإمام المهدي أحد الأئمة الاثني عشر وقد صرّح بذلك في تفسيره([3]) وفي تاريخه([4])، ونقل عنه مفتي الديار السعودية « ابن باز» ذلك([5]).

ويحسن أن يكون مفهوماً إنني آمنت بهذا الأمر؛ لأن النصوص النبوية واستقراء الحوادث المحيطة بها تؤكّد صحة هذه النصوص، ولا يمكن أن يهجس في خاطري أن أنسب إلى الإسلام ما هو بريء منه!. إن مثل هذا الخاطر لا يهجس في نفـسي أبداً إنما أنا أسير مع النصوص الثابتة, فجنحت إلى هذا الأمر بإيحاء النص واتجاهه.

ويحسن لي هنا أن أنقل للمستمع البيان الصادر من علماء المملكة العربية السعودية, الذي بين أن الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر في حديث الاثني عشر، وقد صدر البيان من قبل « رابطة العالم الإسلامي» المعروفة باتجاهها الوهابي, وكان بإشراف جماعة من كبار علماء السعودية، مع إمضاء مدير إدارة المجمع الفقهي الإسلامي محمد المنتصر الكناني, وقام بكتابة هذا البيان فضيلة الشيخ محمد المنتصر الكناني وأقرّت به اللجنة المكونة من أصحاب الفضيلة والعلم الشيخ الجليل صالح بن عثيمين وفضيلة الشيخ أحمد محمد جمال وفضيلة أحمد علي وفضيلة الشيخ الجليل عبد الله خياط, وبإشراف الشيخ محمد صالح القزاز مدير الرابطة, والذي يهمني في هذا البيان الطويل هـي هذه العبارة المقتطفة: «هو ـ الإمام المهدي ـ آخر الخلفاء الراشدين، الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح، وأحاديث المهدي، واردة عن كثير من الصحابة...<.

وقد كان إمام أهل السنة ـ أبو داود السجستاني ـ من الذين يؤمنون بأنّ الإمام المهدي هو أحد الأئمة الاثني عشر، ومن ثم فقد أورد في سننه أحاديث الأئمة الاثني عشر, في كتاب الإمام المهدي ـ رضي الله عنه ـ , وفي هذا يقول الإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي في كتابه «النهاية»: «فصل‌ٌ في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين ..<.

وقد عقد أبو داود السجستاني ـ  رحمه اللّه ـ كتاب المهدي مفرداً في سننه، فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة، عن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله ـ: «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليهم الأمة», وفي رواية «لا يزال الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال فكبّر الناس وضجوا، ثم قال كلمه خفيت، قلت لأبي: ما قال، قال كلهم من قريش»([6]), والمهم الآن أن نقول: إننا لا نشك أن الإمام المهدي هو أحد الأئمة الاثني عشر، وبالتحديد هو الإمام الثاني عشر، وسبق أن ذكرنا بعض أدلتنا على ذلك، عند البحث عن إمامة الأئمة الاثني عشر, عندما طرحنا هذا الموضوع في هذه المناظرة المباركة, وبقي هنا أن نذكر دليلا ً قوياً وهذا الدليل هو الشرارة الأولى, التي قادتني إلى الإيمان بعقيدة الإمام المهدي حسب العقيدة الاثني عشرية, وقد كنت أبحث عن السبب الذي جعل الإمام أبا داود السجستاني يقرن بين الإمام المهدي وحديث الاثني عشر إلى أن اكتشفت هذا الدليل, فعرفت سبب ذلك, لكنه يفرض على كل مستمع أن يتأمل في الأحاديث والروايات التي وردت في الإمام المهدي، والواردة في إمامة الأئمة الاثني عشر، وسوف يجد أن الروايات الأولى ذكرت أن «الهرج» سوف يكون بعد مضى الإمام المهدي ـ رضي الله عنه ـ ، وإن الروايات الثانية ذكرت أن الهرج سوف يكون بعد مضـي الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ , ولعله يحسن ـ ليكون هذا الدليل واضحاً وضوحاً يناسب أهميّته ـ أن نزيد في إيضاحه وبيانه فنقول: إننا عندما نطرح روايات الإمام المهدي، أمام الروايات التي ذكرت أن الأئمة اثنا عشر سوف نلاحظ إنها تذكر أن الأئمة الاثنا عشر، لن تنتهي حياة آخرهم إلاّ قبيل القيامة، ثم يكون ماذا؟ أي ما الذي سوف يحدث بعد مضي الإمام الثاني عشر؟ فيجيب الرسول الأكرم ـ صلى الله عيه وآله وسلم ـ: «ثم يكون الهرج», فالرسول ـ صلى اللّه عليه وآله وسلم ـ أخبرنا أن «الهرج» سوف يكون بعد مضي الإمام المهدي، ثم أخبرنا إنه سيكون «الهرج» بعد مضي الإمام الثاني عشر، فعلمنا من خلال الجمع بين الخبرين أن الإمام المهدي هو الإمام الثانـي عشر, وبعد أن انتقلت من عقيدة أهل السنة في الإمام المهدي إلى عقيدة الاثني عشرية رأيت أن هذا الدليل من الأدلة المذكورة في كتب الاثنـي عشرية, وقد أشار إلى هذا المحدث الجليل الإمام النعماني (من كبار المحدثين فـي القرن الرابع الهجري) في كتابة القيم «الغيبة», بعد أن ذكر روايات عن الأئمة الاثني عشر في كتب أهل السنة‌: «...وفـي قوله صلى الله عليه وآله في آخر الحديث الأوّل([7]): «ثم يكون الهرج» أدلّ دليل على ما جاءت به الروايات متّصلة, من وقوع الهرج بعد مضي القائم «الإمام المهدي» عليه السلام بخمسين سنة، وعلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرد بذكره الاثني عشر خليفة ألا الأئمة الذين هم خلفاؤه...»([8]).

ونحب أن نذكر حقيقة مسلّمة تحدّثنا عن الكثرة الهائلة من الروايات المتواترة الصادرة من الأئمة الاثني عشر، التي ينص فيها كل إمام من الأئمة الاثني عشر، على إمامه الإمام الذي بعده, إلى أن ينص الإمام الحادي عشر على إمامة الإمام المهدي آخر الأئمة ـ رضوان الله عليهم ـ حتى أصبح نص كل إمام على الإمام الذي بعده قاعدة ضرورية التزم بها كل الأئمة، وننصح أخانا الشيخ عثمان ـ هداه الله ـ أن يقرأ تلك الروايات قبل دراسة حقيقة الغيبة وقبل أن ينتقدها ويسخر منها, كما ننصحه أن يقرأ الدلائل القوية المتعددة والمتنوعة التي تثبت أن الإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري, الذي ولد في سنة (255 هـ)، وبعد الإيمان بتلك الحقائق الأساسية السابقة الموثوق بصحتها، والمستمدة من الكتاب والسنة، سيكون الإيمان بالغيبة ‌أمراً ضرورياً، والذي يريد أن يؤمن بحقيقة الغيبة قبل التصديق بتلك الحقائق، إنما مثله مثل الذي يسعي بأن يسلِّم بأن رسالة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ رسالة ربّانية قبل التصديق بنبوته, ومن ثمّ لا بدّ لمن يريد أن يدرك حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر أن يلتزم بمسألة التدرج في البحث وبمنهج البحث الذي اتفقنا عليه مع الشيخ عثمان في المناظرة الأولى حينما قلت لأخي الشيخ عثمان إنني كتبت كتاباً بعنوان «المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين<، فلا يمكن الإيمان بحقيقة الغيبة قبل التصديق بمقدماتها, عندئذٍ من السهولة أن نصل إلى الجزم والقطع بغيبة الثاني عشر.

والذين يعانون من الإنكار لهذه الحقيقة من أمثال أخي الشيخ عثمان، هم الذين يفصلون بين الأحاديث والروايات المتواترة في حقيقة الغيبة, وتلك الحقائق الأساسية المسلّمة المستمدة من السنة القطعية, حقيقة نص الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ على إمامة الأئمة الاثني عشر، وحقيقة نص كل إمام على الإمام الذي بعده، وحقيقة أن الإمام الثاني عشر، هو محمّد بن الحسن العسكري، وهو المهدي المنتظر الذي ولد في سنة (255 هـ).

ولما كان قصدنا في هذه المناظرة مع أخي الشيخ عثمان, هو بيان أسباب التحوّل من المذهب الوهابي إلى المذهب الاثني عشري، أرى من الضرورة، تبيين أن حقيقة الغيبة، هي آخر خاصية من خصائص الاثني عشرية وجدت مكاناً في العقل والقلب، ومن ثمّ جعلتها في آخر نقطة في الهرم العظيم للاثني عشرية.

إنني قبل التصديق والتسليم بحقيقة غيبة الإمام الثاني عشر المهدي ـ رضوان الله عليه ـ قد اضطريت أن أبحث عن كتب الحديث والروايات القديمة، التي ذكرت أحاديث وروايات الغيبة قبل أن تتحقق في الواقع التاريخي, وأن أراجع تراجم رواتها، وتراجم كل المؤلفين حول حقيقة الغيبة, كما إنني لم أعتمد إلاّ على الراوي الذي أحرزت وتأكّدت من عدالته ووثاقته, من خلال دراستي الخاصة، لاسيما بعد أن تبين لي الأثر المحسوس للخصومة المذهبية على بعض علماء الجرح والتعديل ومن ثمّ لم أسلّم بكل ما ذكروه في جرح بعض الرواة، خاصة إذا ثبت لي أن منشأ جرح الراوي هو الخصومة المذهبية، واعتمدت في الدرجة الأولى على كتب الحديث والرواية التي كتبت قبل تحقق الغيبة في واقع الحياة، ثم اعتمدت في الدرجة الثانية على كتب الحديث والرواية التي كتبت في عصر تحقق الغيبة، ثم الكتب التي كتبت في الزمان القريب من عصر تحقق الغيبة، كما استفدت في معرفة تاريخ تأليف بعض كتب الحديث المتخصصة في جمع أحاديث الغيبة على الفهارس القديمة، لاسيما على الفهرست القيم للرجالي الكبير الشيخ النجاشي، وعلى فهرست الإمام المحدّث الشيخ الطوسي, ورجعت ـ أيضاً ـ إلى فهرست ابن النديم، وعقدت مقارنة بين الفهارس القديمة لعلماء الاثني عشرية والفهارس القديمة لعلماء أهل السنة، وبعد المقارنة استيقنت بصدق ما ذكرته فهارس الاثني عشرية, وكانت المقارنة ضرورية بالنسبة لي؛ لأنني لم أكن ـ في البداية ـ أطمئن لعلماء الاثني عشرية, ولا شك أن الأمانة العلمية التي وجدتها ـ بعد بحث طويل ـ عند المفيد والنجاشي والطوسي، كانت من الأسباب الرئيسية التي خلقت في نفسي الاطمئنان لأقوال المحققين من علماء الاثني عشرية, إنني أؤمن من أنه ليس من المنطق السليم التشكيك في كل أحاديث وروايات الاثني عشرية، قبل دراسة كتبهم الحديثية والروائية بروح علمية بعيدة عن الخصومة المذهبية، ومن ثمّ فأنا أرفض منهج الوهابية في التعامل مع روايات الاثني عشرية حول الغيبة، ولو فتح باب الشك من دون دليل أو برهان، لما أمكن لنا أنّ نصدّق بأية رواية.

إنّما يكون الشك مفيداً عندما يبعثنا على البحث عن الرواية من حيث المتن والسند, أمّا إذا جعلنا نرفض أي رواية دون بحثٍ وتحقيق, فسوف يكون مرضاً فكرياً خطيراً، ومن البديهيات أن الشك ليس غاية بل هو وسيلة، وليس محلاً للبقاء بل هو مقدّمة للحركة الفكرية.

ومنهجنا عند البحث عن روايات الاثني عشرية أن لا نسلّم أو نشكك بأي رواية، إلا بعد التحقيق والبحث في متنها وسندها، وحتى الرواية الضعيفة من حيث السند التي نشك فيها، فنحن لا نقبل متنها إلا إذا صحت لدينا بسندٍ آخر، فمن ثمّ فالأحاديث والروايات التي سنذكرها في خاصية الغيبة قد أحرزنا ثبوتها بصورة مجملة، وإذا ذكرنا رواية ضعيفة من حيث السند, إنما نذكرها لأننا تأكدنا من صحتها بأسانيد أخرى صحيحة, ومن هنا فأنا أرفض تشكيك أخي الشيخ عثمان الخميس, حيث رأيته في هذه المناظرة يكذِّب كلما رواه الاثنا عشريون, فقد وجدت أن الأحاديث والروايات الواردة في الغيبة قد تواترت من حيث المعنى واللفظ, وتناقلها المحدّثون في كتب الحديث والروايات قبل الغيبة, ثم تحققت مضامينها ومعانيها بنفس الصورة التي رسمتها, ومن ثم فلم نحتاج إلى حذف الرواية الضعيفة من حيث السند.

فلنترك الشك الذي يراه الشيخ عثمان؛ لأنه لا يستند على دليل، ولنقدّر تبعتنا الخطيرة تجاه تلك الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة العظيمة, وقد تبين لي أن منبع الشك في روايات الاثني عشرية كانت عندي قديماً وهي عند الشيخ حالياً, إنما يرجع هذا الشك إلى إنني وجدت أنه في القرن الرابع الهجري ـ بعد الغيبة الكبرى ـ انتشرت روايات الأئمة الاثني عشرية ـ التي تذكر حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ في وسط علماء أهل السنة حتى شك بعضهم فيها، بحجة واهية، وهي أن روايات الأئمة الاثني عشر في غيبة الإمام الثاني عشر, لماذا اختفت في القرون الثلاثة الأولى؟!! وفي هذا التساؤل تجاهلاً لما حدث لروايات أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى, وأنتم رأيتم أن الشيخ عثمان قرأ عبارة ابن تيمية ـ رضوان الله عليه ـ التي بين فيها أن أهل السنة لم يأخذوا عن أهل البيت وعرفتم دور دائرة الرجس من بني أمية في عزلنا عن روايات أهل البيت, لقد أتى على روايات أهل البيت المطهرين وغير المطهرين وقتٌ حكم عليها فيه بالحرق والإعدام، وكان اقتناء شيء منها يعد جريمة لا يعلم عقوبتها إلا الله، بل أن مجرّد ذكر اسم أحد الأئمة الاثني عشر، أو الإشارة إلى رواياتهم، أو الاستفادة منها في كتاب من كتب الحديث لدى المذهب السني، أو حتى مجرد ذكر اسم أحد الرواة من اتباع الأئمة الاثني عشر، كان يعتبر جناية يعاقب عليها صاحبها، وكان إذا أجبرت الضرورة أحد المحدّثين ـ من أهل السنة ـ على أن يذكر في كتابه رواية واحدة من روايات أهل البيت المطهرين, أو حتى روايات أهل البيت غير المطهرين، كان يبتعد كل البعد عن التصريح بأسمائهم([9])، ويكتفي بأن يطلق عليهم اسماً لا يعرفه الحكّام، بل الأكثر من ذلك، أن بعض المحدثين ـ من أهل السنة ـ الذين عاشوا في عصر محنة الأئمة الاثني عشر اضطروا أن يحذفوا روايات الأئمة الاثني عشر، من الكتب التي جمعوا فيها الأحاديث الصحيحة، لاسيما وإن كتب الحديث ـ في المذهب السني ـ جمعت في عصر محنة الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ ، ومن ثم فقد اكتفوا بمجرد الإشارة إلى الأئمة الاثني عشر في كتب الحديث وحذف الجزء الخاص بذكر أسماءهم!! واختفت روايات الأئمة الاثني عشر من كتب محدّثي أهل السنة بسبب هذه الظروف تماماً, كما بينت للشيخ عثمان كيف أن الإمام الصنعاني بين أن أهل السنة حذفوا الصلاة على الآل خوفاً من بني أمية، وتضاعفت المسؤولية على أصحاب الأئمة الاثني عشر، وعلى شيعتهم المتمسكين بحديث الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ  في الأئمة الاثني عشر، وبذلوا كل جهدهم في سبيل حفظ وتدوين روايات الأئمة الاثني عشر, ولكن شدة المحنة التي مرت فيها روايات الأئمة الاثني عشر فرضت على شيعتهم الصعوبات، والتعرض لهجوم السلطان وصل أحياناً إلى إعدام بعض الذين جمعوا روايات أهل البيت, أو تعرضوا لتشويه السمعة حتى عدّوهم من المجروحين بعد أن عرف السلطان اتصالهم بأهل البيت، ولعلي لا أخرج من الموضوع المتفق عليه بيننا في هذه المناظرة إذا ذكرت واحدة من محاولات السلطان في إحراق وإعدام روايات الأئمة الاثني عشر, عندما حاول السلطان أن يبطش بأحد كبار محدّثي الاثني عشرية المهتمين بجمع روايات أهل البيت وهو المحدّث الخبير «محمّد بن عمير الأزدي»([10]) حتى اضطرت أخته أن تدفن كتبه([11])، التي تضمنت بعض روايات الأئمة الاثني عشر, ولا شك أن محنة أهل البيت تعد من الضروريات والبديهيات التاريخية التي أجمع عليها المؤرخون السنة والشيعة ووافقهم أخي الشيخ عثمان، وفي محنة الأئمة الاثني عشر يقول العالم والمفكّر السني المشهور، الشيخ محمّد الغزالي
ـ رضوان الله عليه ـ : «كان تنقل أهل البيت في أقطار الأرض، إثر ما وقع عليهم قديماً من حيف, وفي العصر الأول ذهب الإمام جعفر الصادق([12]) إلى مدينة رسول الله صلى لله عليه وسلم يعتزل بها من الفتن ويبتعد بدينه عن مؤامرات السلطة وإرهاب العباسيين, وجعفر الصادق رجلٌ مطارد من حكومة ذلك العصر، يرقب في أية لحظة أن يقاد إلى مصرعه، كما اقتيد غيره من آل البيت النبوي<([13]).

وفي القرن الرابع الهجري كانت الدولة العباسية ـ بسبب ضعف الخليفة العباسي الذي عجز عن السيطرة على مدينة بغداد([14]) وأعمالها فضلاً عن غيرها من بلدان العالم الإسلامي ـ قد رفعت الحصار على روايات الأئمة الاثني عشر, فكان من الطبيعي أن تظهر روايات الأئمة الاثني عشر بعد أن انتهى عصر محنتهم!! وبعد أن أمن شيعتهم من بطش السلطان, ومن ثم أخرجوا كتب الحديث والروايات التي اختفت في عصر المحنة، وبذلك نكون قد أجبنا على السؤال الذي ذكرناه في كتابنا «الصلة بين الاثني عشرية وفرق الغلاة» والذي ردده الشيخ عثمان في هذه المناظرة وفي كتبه وأشرطته, وهو لماذا اختفت روايات الأئمة الاثني عشر في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر إلى أن ظهرت في القرن الرابع؟([15]).

ٍوسنرى بوضوح كيف تم تدوين أحاديث وروايات الغيبة في عصر المحنة، ولكن منهج السير في هذا الحوار يقتضي أن نذكر ـ قبل ذلك ـ أقوال المحدثين القدماء في الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة الغيبة ـ فسوف تسهّل لنا معرفة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة ـ ولقد كان الإمام الشيخ الصدوق (شيخ المحدّثين في القرن الرابع)([16]) يبذل جهداً عظيماً في جمع أحاديث وروايات الغيبة، كان ثمرته كتابه «إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة»، ويقول في هذه الأحاديث والروايات: «إن الأئمة ـ عليهم السلام ـ قد أخبروا بغيبته ـ عليه السلام ـ ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة ـ عليهم السلام ـ إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنّفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأصول, مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب [يعني: كتاب إكمال الدين] في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلّفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألّفوا ذلك في كتبهم ودوّنوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محالٌ عند أهل اللبّ والتحصيل، أو أن يكونوا قد أسسوا في كتبهم الكذب فاتّفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقق كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم، وهذا ـ أيضاً ـ محال كسبيل الوجه الأوّل، فلم يبق في ذلك إلاّ أنّهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوّنوه في كتبهم وألّفوه في أصولهم، وبذلك وشبهه فلح الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً»([17]).

ويقول ـ أيضاً ـ : « قد صح بالأخبار الكثيرة الواردة الصحيحة عن النبي والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ من أمر القائم الثاني عشر من الأئمة وغيبته حتى يطول الأمد، وتقسو القلوب، ويقع اليأس من ظهوره، ثم يطلعه الله، وتشرق الأرض بنوره، ويرتفع الظلم والجور بعدله»([18]).

وفي تلك الحقيقة الكبيرة والأساسية، وفي تلك الروايات الصريحة الصحيحة التي أخبرتنا عن غيبة الإمام الثاني عشر، يقول الإمام أمين الإسلام المحدّث الخبير الطبرسي: «وخلّدها المحدّثون من الشيعة في أصولهم المؤلّفة في أيّام السيّدين الباقر والصادق عليهما السلام، وآثروها عن النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد»([19]).

ومن جملة كبار المحققين القدماء الذين ذكروا أحاديث وروايات الغيبة, وتركوا لأجلها مذهب أهل السنة ودخلوا في مذهب الاثني عشرية الشيخ الإمام أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي([20]), كان من أهل السنة قبل معرفته لأحاديث وروايات الغيبة، قال في تلك الأحاديث والروايات: «نقل إليهم أسلافهم حالة (الإمام الثاني عشر) وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر»([21]).

وأمثال هذه الأقوال الصادرة من المحدثين والمحققين كثيرة والمهم الآن أن نقول: إن هناك اتفاقاً بين سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة وبين هذه الأقوال التي نقلناها عن المحدثين ـ رضوان الله عليهم ـ ، فنحن وجدنا بعد الرجوع إلى عشرات الكتب الحديثية والروائية ودراستها في أكثر من عشر سنوات, مصداقية وحقانية تلك الأقوال، وسوف نثبت ذلك بالأدلة القوية عندما يتقدم بنا البحث في هذه الحقيقة الهائلة.

وفي هذا القول نجد مواجهة الإمام الأقدم إسماعيل بن علي بن أبي سهل ـ رضوان الله عليه ـ ، لشبهات بعض المنكرين لحقيقة الغيبة، أو الغافلين عن الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة، والذين أغلقوا على أنفسهم باب البحث في متونها ورواتها، ويبيّن الفرق بين الروايات التي يرفضها ويحاربها السلطان, والروايات التي يسعى ويرغب أن تنشر بين الناس، ثم يذكر تلك الحقيقة المسلّمة, حقيقة نص كل إمام من الأئمة الاثني عشر على الإمام الذي بعده, قال ـ رضي الله عنه ـ في كتابه «التنبيه والإمامة»([22]): «فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السلام على ما شرحت وإنّه قد غاب, كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشيعة تتوقّعها وتترجاها»([23]).

«أخبار الشيع [يعني: الشيعة الاثني عشرية] أوكد من أخبار غيرهم من المسلمين؛ لأنه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة، وإنما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك، وإذا صحّ بنقل الشيعة النصّ من النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام، صحّ بمثل ذلك النصَّ من علي على الحسن، ومن الحسن على الحسين، ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن علي، ثمّ على الغائب الإمام بعده عليه السلام؛ لأن رجال أبيه الحسن عليه السلام الثقات كلّهم قد شهدوا له بالإمامة وغاب عليهم السلام؛ لأن السلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكّل بمنازله وحرمه سنتين<([24]).

وليست هذه الحقيقة تعبر عن رأي أصحاب تلك الأقوال، كما إنها ليست رأياً لغيرهم من العلماء، إنما هي النصوص القاطعة التي لا مجال لتأويلها.

ونؤثر أن ننقل للمستمعين لهذه المناظرة ما كتبه عنها المحدّث الخبير (شيخ المحدّثين في القرن الخامس) الإمام محمّد بن الحسن الطوسي، في كتابه القيم «الغيبة» فهو أدّق ما يكون, قال بعد أن بيّن بياناً قاطعاً من نصوص السنة في كتب أهل السنة، وكتب الاثني عشرية، أن أوصياء الرسول الأكرم هم الأئمة الاثنا عشر: «ويدلّ أيضاً على إمامة ابن الحسن [الإمام الثاني عشر المهدي عليه السلام] وصحّة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه عليهم السلام قبل هذه الأوقات بزمان طويل، من أنّ لصاحب هذا الأمر غيبة، وصفة غيبته وما يجري فيها من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وإنّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، وإن الأولى يعرف فيها خبره، والثانية لا يعرف فيها أخباره، فوافق ذلك على ما تضمنته الأخبار، ولولا صحّتها وصحّة إمامته لما وافق ذلك، لأنه لا يكون إلاّ بإعلام الله تعالى على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله, ونحن نذكر من الأخبار التي تضمّنت ذلك طرفاً؛ ليعلم صحّة ما قلناه، لأنّ استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول، وهو موجود في كتب الأخبار»([25]).

وقال بعد أن بيّن بياناً كاملاً من الأحاديث المتواترة عن الرسول الأكرم
ـ صلى الله عليه وآله ـ ومن الروايات المتواترة عن الأئمة الاثني عشر، أن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر من الحقائق القطعية والحتمية: «والأخبار في هذا المعنى [أي في غيبة الإمام المهدي رضوان الله عليه] أكثر من أن تحصى ذكرنا طرفاً منها لئلا يطول به الكتاب, على أن هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنى, وأمّا اللفظ فإنّ الشيعة تواترت بكلّ خبر منه، وأمّا المعنى فإنّ كثرة الأخبار، واختلاف جهاتها وتباين طرقها وتباعد رواتها يدلّ على صحتها»([26]).

واعتبر الإمام العظيم الشيخ المفيد حقيقة الغيبة من الحقائق الكبرى في الإسلام، فلننظر كيف وصف ـ رضي الله عنه ـ تلك الحقيقة ورسمها بما يناسب شأنها الكبير في السنة النبوية القطعية, قال: «وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر] من نبي الهدى صلى الله عليه وآله  ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ونصّ عليه الأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحدٍ إلى أبيه الحسن عليه السلام, ونصّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته»([27]).

«وكان الخبر بغيبته [الإمام المهدي] ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته, وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار»([28]).

وآخر ما ننقله من أقوال كبار المحدّثين القدماء في شأن الأحاديث والروايات التي ذكرت حقيقة الغيبة، ما قاله المحدّث الكبير الإمام النعماني في كتابه القيّم والعظيم: «الغيبة», قال بعد أن ذكر النصوص والروايات المتواترة في إمامة الأئمة الاثني عشر, وفي حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر، وبعد أن شرحها بدقةٍ وعمق: «هذا الأحاديث التي يذكر فيها، أنّ للقائم عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحّت عندنا بحمد الله، وأوضح الله قول الأئمة الاثني عشر عليهم وأظهر برهان صدقهم فيها، فأمّا الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم، والأجوبة عن كلّ ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة([29]) التي انقضت أيّامها وتصرّمت مدّتها, والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدّعي هذا الأمر كما قال عزّ وجلّ: (مَا كانَ اللهُ لِيَذَرِ المؤمنينَ على ما أنتُم عليهِ حتّى يَميزَ الخبيثَ مِن الطيِّبِ، وما كان اللهُ ليُطلِعَكُم على الغَيبِ ...)([30]) وهذا زمان ذلك قد حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحقّ، وممّن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا له غيبتان»([31]).

«للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله صلى الله عليه وآله ذكرها وتقدّم من أمير المؤمنين عليه السلام خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من كلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الأئمة من ولده عليهم السلام واحد بعد واحد أخبارها حتّى ما منهم أحدٌ إلاّ وقد قدّم القول فيها، ووصف امتحان الله تبارك وتعالى اسمه خلقه بها»([32]).

ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة الغيبة في الحديث والروايات، القول بأنّ هذه الحقيقة العظيمة ـ حتى تستقر في العقل والقلب ـ بحاجة إلى بيان سير تدوينها في كتب الحديث، وقد تبيّن لنا بالأدلة القطعية العظيمة، إن أحاديث الغيبة كانت في البداية في صحيفة الإمام علي التي أملاها عليه النبي الأكرم، ثم نقلت إلى كتب الأصول القديمة ـ التي جمعت روايات الأئمة الاثني عشر من صحيفة الإمام علي ـ ثم نقلت في كتب مستقلة ـ سنذكرها عندما يتقدّم بنا الحوار ـ وكل ذلك تمّ قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، وعندما تحققت الغيبة ـ بعد أن كان الرسول الأكرم وأوصيائه الاثنا عشر يبينون للناس حتمية وضرورة وقوعها في المستقبل ـ قام المحدّثون بجمع الروايات من كتب الحديث، وجمع كتب الغيبة الحديثية الصغيرة ـ التي كتبت قبل الغيبة ـ في كتب كبيرة، أشمل من تلك الكتب الصغيرة، فبعد تحقق الغيبة في واقع الحياة، قام المحدّث الخبير الشيخ الأقدم محمّد بن إبراهيم النعماني ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ بتأليف كتابه الكبير القيم الذي ضمّ الكثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة بغيبة الإمام الثاني عشر، ثم قام في نفس القرن المحدّث الجليل الشيخ الصدوق بتأليف كتابه الكبير حول الغيبة، وفي النصف الأوّل من القرن الخامس كتب الشيخ المحدّث محمّد بن الحسن الطوسي كتاباً كبيراً حول الغيبة.

وبعد هذا العرض السريع المختصر في بيان كيفية تدوين أحاديث وروايات الغيبة, سوف نوضّح ونبيّن ذلك بصورة واسعة ومشروحة لعل أخي الشيخ عثمان يتراجع عن تشكيكاته, فنقول إن هذه الحقيقة ظهرت ابتداء من خلال:

أولاً: أحاديث الغيبة في صحيفة الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ :

بإملاء الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ ، وهي أقدم مجموعة حديثية دوّنت في حياة الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ ، واتفق على القيمة العظيمة والهائلة لتلك الصحيفة كبار محدّثي أهل السنة، وكبار محدّثي الاثني عشرية أمّا الذين ذكروها من أهل السنة فهم كثير, نشير إلى بعضهم، وفي هذه الصحيفة ينقل الدكتور محمّد عجّاج الخطيب ـ من كبار أهل السنة المهتمين في علم الحديث ـ عن محدثي أهل السنة القدماء قولهم: في أن «خبر صحيفة علي رضي الله عنه مشهور»([33])، أمّا الباحث السني المعاصر الدكتور رفعت فيقول في كتابه «صحيفة علي بن أبي طالب»: «إن هذه الصحيفة [صحيفة الإمام علي] فيها أمورٌ كثيرة وموضوعات متعددةٌ<([34]).

وقد تحدث عن أهمية «صحيفة علي» كبار علماء أهل السنة في العصور القديمة والحديثة([35])، واكتسبت تلك الأهمية لوجود الروايات ـ في كتب الحديث السنيّة ـ التي بينت اهتمام الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ بإملائها على الإمام علي، فكان ـ صلى الله عليه وآله ـ هو السبب في إيجاد «صحيفة الإمام علي»، وفي هذا نذكر الروايات السنيّة التالية التي تبين ما ذكرنا ولا تدع مجالاً للشك في اهتمام الرسول في تدوين تلك الصحيفة:

1 ـ روى كبار محدّثي أهل السنة بإسنادهم عن عائشة رضي الله عنها: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بأديمٍ ودواةٍ، فأملى عليه، وكتب حتى ملاء الأديم»([36]).

2 ـ وروى أئمة أهل السنة عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ إنها قالت: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأديم، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه عنده، فلم يزل رسول الله يملي، وعلي يكتب، حتى ملأ بطن الأديم، وظهره، وأكارعه»([37]).

وبالتأمل في الروايتين نجد إنهما تقررا ـ أيضاً ـ أن صحيفة الإمام علي واسعة من حيث المساحة ومن حيث اشتمالها على أحاديث ذات مواضيع متعددة، ومن ثمّ يعبّر عنها بالكتاب والجامعة.

وليس هنا مكان تفصيل كلما جاء في هذه الصحيفة, فنكتفي بهذا القدر، على إنه ينبغي أن نشير أن كبار محدّثي أهل السنة إنما نقلوا([38]) جزاء يسيراً من صحيفة الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ بسبب المنع والحصار الذي فرضه السلطان على روايات الإمام علي ـ كما سبق أن ذكرنا في بداية هذا الحوار, حينما ذكرت للشيخ عثمان دور بني أمية في عزلنا عن أهل البيت ـ والجزء الأعظم من الصحيفة روي عن طريق الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي الذين لم يخضعوا لأمر السلطان, وقاموا بنشر روايات الإمام علي بين جماعة من أصحابهم وشيعتهم, ومن ثم يتضح السبب في اختلاف السنة والاثني عشرية في أمر الصحيفة من حيث حجمها ومضمونها.

وحتى تتضح الصورة الكاملة لـ«صحيفة الإمام علي»، سوف نستعرض ـ على سبيل الاختصار ـ نظرة الاثني عشرية إلى تلك الصحيفة العظيمة.

وفي شأن هذه الصحيفة نؤثر أن ننقل بعض ما روي في شأنها الإمام الأعظم الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين ابن بابويه (من كبار أعلام الغيبة الصغرى260 ـ 329 هـ) شيخ المحدثين في زمانه وأعلمهم بشأن الصحيفة:

1 ـ روى بسنده عن أمّ سلمة، قالت: «أقعد رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً رضي الله عنه في بيته، ثمّ دعا بجلد شاةٍ فكتب فيه حتى أكارعه...»([39]).

2 ـ وروى بسنده عن الإمام الباقر ـ رضوان الله عليه ـ عن آبائه، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين ـ كرم الله وجهه ـ : أكتب ما أملي عليك...»([40]).

وفي الوقت الذي يترك بعض المسلمين روايات الإمام علي يكون حينئذٍ من الطبيعي أن يتركوا الجزء الأعظم مما في تلك الصحيفة؛ بسب المحنة التي مرّت فيها روايات الإمام علي، في حين إننا وجدنا الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي يبذلون حياتهم، ويعرّضون أنفسهم لخطر السلطان من أجل تعليم أصحابهم وشيعتهم بما في تلك الصحيفة([41])، ويشعر المتدبر في روايات الأئمة الإحدى عشر حول تلك الصحيفة أنّها تحتل عندهم مكانة عظيمة لا يمكن أن يسمو إليها أي كتابٍ آخر من كتب الحديث, ومنهج الأئمة الإحدى عشر في التعريف بتلك الصحيفة وما فيها من المواضيع، يختلف عن منهج غيرهم اختلافاً تاماً، وكنت ـ وأنا أراجع روايات الأئمة الإحدى عشر في الصحيفة ـ أقف أمام أكبارهم وتعظيمهم لشأن تلك الصحيفة حتى أصبحت حية حاضرة في قلوبهم وحياتهم, ولم يحدث قط أن فارقوا تلك الصحيفة, ومن ثم لا يبلغ قول قائل في وصف «تلك الصحيفة» ولا في تبيين حجمها وتجلية محتواها ما يبلغه الأئمة الإحدى عشر. لذلك نؤثر أن نعرض نماذج من تلك الروايات الفريدة، في تعريف الناس بحقيقة الصحيفة، حتى يسمعوا ما قاله أوصياء الرسول الأكرم في شأنها:

1 ـ قال الإمام الباقر ـ الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر ـ في «صحيفة الإمام علي»: «هذا خطّ علي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله<([42]).

2 ـ وقال الإمام الصادق ـ الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم: «الكتاب([43]) الذي هو إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطّه علي رضي الله عنه بيده»([44]).

3 ـ وقال الإمام الهادي علي بن محمّد بن علي بن موسى ـ الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم ـ : «إنّها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب، بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله<([45]).

إن المتمرس في روايات الأئمة الإحدى عشر ـ الذين تورثوا تراث الإمام علي ـ يجد أن منبعها تلك الصحيفة([46])، وحتى نثبت ذلك بالأدلة نذكر بعض ما جاء عن الأئمة الإحدى عشر ـ رضوان الله عليهم ـ في تبيين مصدر ومنبع أقوالهم:

1 ـ قال أبو دعامة: أتيت علي بن محمّد بن علي بن موسى [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم] عائداً له في علّته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلمّا هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة: قد وَجَبَ حقُّك، أفلا أحدّثك بحديث تسربه؟ فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله, قال: حدّثني محمّد بن علي [الإمام التاسع رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي علي بن موسى، [الإمام الثامن رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر [الإمام السابع رضي الله عنه] قال حدّثني أبي جعفر بن محمّد [الإمام السادس رضي الله عنه] قال: حدثني أبي محمّد بن علي [الإمام الخامس رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي علي بن الحسين [الإمام الرابع رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي الحسين بن علي [الإمام الثالث رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب [الإمام الأول من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم]، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : أكتب يا علي.

فقلت: ما أكتب؟

قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب، وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان وحلّت به المناكح.

قال أبو دعامة: فقلتُ: يا ابن رسول الله، ما أدري ـ والله ـ أيّهما أحسن؟ الحديث أم الإسناد؟([47]).

فقال: إنّها لصحيفة بخطّ علي بن أبي طالب، بإملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، نتوارثها صاغراً عن كابر([48]).

2 ـ يقول الإمام الصادق ـ رضوان الله عليه ـ : «حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل»([49]).

والآن ـ بعد هذا البيان ـ نستطيع أن نقول:

إنما ذكرنا كتاب الإمام علي لأن هنالك تلازماً وثيقاً بين روايات الغيبة وكتاب علي ـ كرم الله وجهه ـ ، بل هناك ما هو أكثر من التلازم, هناك الانبثاق, فأحاديث غيبة الثاني عشر هي فرع من أحاديث الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ في كتاب علي، ومن ثمّ فمعرفة كتاب علي ضرورة يفرضها منهج البحث عن حقيقة الغيبة.

وهنالك حقيقة لها أدلتها القوية تقول: ـ ولا بدّ من الالتفات إلى الحقيقة السابق ذكرها التي تقول إن روايات الأئمة الإحدى عشر في حقيقة الغيبة مصدرها ومنبعها كتاب علي  كرم الله وجهه ـ إن روايات الأئمة الإحدى عشر المستخرجة من صحيفة الإمام علي جمعت من قبل أصحاب الأئمة وشيعتهم في الأصول والمدونات الأولية القديمة، التي تم كتابتها في عصر المحنة لأهل بيت النبوة قبل الغيبة، ومن ثمّ فهناك تلازم وثيق بين كتاب علي وبين روايات الأئمة الإحدى عشر من جهة، كما أن هناك تلازماً وثيقاً بين رواياتهم وبين الأصول والمدونات الأولية القديمة الحديثية من جهة أخرى ـ مثل الأصول الأربعمائة المشهورة ـ التي جمع أصحاب الأئمة وشيعتهم روايات الأئمة من كتاب الإمام علي ـ رضوان الله عليه ـ في تلك الأصول.

ولقد تضمنت الأصول الأولية القديمة ـ المصنفة قبل الغيبة ـ روايات الأئمة في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ ، وتعتبر رواياتهم شرحاً وتوضيحاً لحقيقة الغيبة المرسومة من الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ في صحيفة الإمام علي ـ رضوان الله عليه ـ .

تأمّل قول الإمام زين العابدين في رواية عنه من روايات الغيبة: «إي وربّي إنَّ ذَلِكَ مكتوبٌ عندَنا في الصحيفة» لتعلم أن منبع روايات الأئمة الإحدى عشر في حقيقة الغيبة، هي صحيفة الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ بإملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ .

ثانياً: الغيبة في الأصول الأولية القديمة الحديثية:

سبق أن ذكرنا أن الأصول الأولية هي المدونات الحديثية التي ضمت روايات الأئمة الإحدى عشر من صحيفة الإمام علي، ونحب أن نتحدّث أنه ليس هناك كالأصول الأولية في التعريف بنصوص حقيقة الغيبة, وفي هذا يقول الإمام المحدّث الخبير أبو الفتح محمّد بن عثمان الكراجكي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (588 هـ) في كتابه «الاستنصار في النص على الأئمة الاثني عشر الأطهار» كلاماً عميقاً, يستند على أدلة قوية سبق أن ذكرناها، ويبيّن حقيقة تاريخية مسلمة تقول: إن الأصول الأولية كتبت قبل الغيبة، وأدنى مراجعة لتراجمهم تثبت لنا أن مؤلفيها ماتوا قبل الغيبة، ثم يذكر أن الإخبار بالغيبة يرتبط بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ , ثم في النهاية يذكر الشيخ لفتة عميقة ذات قيمة كبيرة، تفرّق بين الرواية الدخيلة الموضوعة والرواية الصحيحة, فالرواية الكذوبة عندما تخبر عن أمرٍ سوف يقع في المستقبل لا بدّ أن يخذلها ويكشف زيفها المستقبل نفسه, أمّا الروايات الصحيحة الواردة في الغيبة، فقد وصفت الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بمائتين عاماً ثم نصرها الواقع، ولا شك أن الإخبار عن أمور الغيب لا يكون إلاّ من الله سبحانه، ويمضي الشيخ فيقول في حقيقة جمع أحاديث وروايات الغيبة في الأصول المدونة قبل تحقق الغيبة: «إن هذه الأخبار [أي الأخبار التي ذكرت حقيقة الغيبة] مضمنة في كتب سلفهم المعروفة بالأصول عندهم، مما قد مات مؤلفوها قبل الغيبة وكمال عدّة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وكان الأمر موافقاً لما رووه من غير اختلاف والإخبار بالكائن قبل كونه لا يكون إلاّ من الله سبحانه وتعالى، ويؤخذ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهذا مقنع لمن أنصف من نفسه»([50]).

ويقول الشيخ الإمام محمّد بن النعمان المفيد ـ رضوان الله عليه ـ في بعض تلك الأصول القديمة: «صنّفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عصر أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول»([51]).

ومن المسلمات التاريخية، أنّه لم يؤلف شيء من هذا الأصول بعد الإمام الحادي عشر أبو محمّد الحسن العسكري, ومقتضى ذلك إنها كتبت قبل تحقق الغيبة, وقد كانت أحاديث الغيبة‌ موزّعة في تلك الأصول الحديثية‌ قبل تحقق الغيبة، وفي هذا يقول إمام المحدثين في القرن الرابع الهجري الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ : «إن الأئمة عليه السلام قد أخبروا بغيبته عليه السلام‌ ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة‌ بمائتي سنة أو أقل أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة عليهم السلام إلا وقد ذكر ‌‌ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته, وهي الكتب التي تعرف بالأصول, مدوّنة مستحفظة عند شيعة‌ آل محمد من قبل بما ذكرنا من السنين»([52]).

وأحب هنا أن أشير إلى أن حقيقة الغيبة لم تنحصر بذكرها الأصول الأربعمائة، بل ذكرت ـ أيضاً ـ في مئات الأصول والمصنفات والكتب التي مات مؤلفوها قبل الغيبة والتي لا تقل‌ شأنا عن الأصول الأربعمائة‌، ومن المعروف لدى القدماء والمتأخرين من أئمة‌ علم الحديث أن الأصول والكتب والمصنفات التي دوّنها الاثنا عشرية‌ قبل تحقق الغيبة، بسبب كثرتها وانتشارها في البلدان قد أعجزت العلماء، ومن ثم لم يستطيعوا حصرها في عددٍ معين، وفي هذا يقول الإمام المحدث الشيخ الطوسي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (460 هـ)، في مقدمة «فهرسته»: «ولم أضمن أن أستوفي ذلك إلى آخره [أي لم يضمن ذكر كل أصول ومصنفات وكتب الشيعة] فإن تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض»([53]).

ويتحدّث الإمام الأكبر السيد محسن الأمين ـ رحمه الله ـ عن ذلك ويقول: «وصنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للأئمة «الاثني عشر» من عهد أمير المؤمنين إلى عهد أبي محمّد الحسن العسكري من الأحاديث المروية من طريق أهل بيت عليهم السلام ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب مذكورة في كتب الرجال, على ما ذكره الشيخ محمّد بن الحسن بن الحّر العاملي صاحب الوسائل»([54]).

وهذا العدد المذكور تقريبي واجتهادي في نظري؛ لأننا وجدنا أصحاب الفهارس القديمة قد عجزوا عن حصرها بعدد معين، وكتب الرجال لم تتكفل بذكر كل الكتب التي كتبها المعاصرون للأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ وحتى نزيد الأمر إيضاحاً، سوف نذكر بعض تلك الأصول والمصنفات والكتب، التي كتبت قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، وتضمنت روايات الغيبة.

ولعله يحسن ـ ليكون الأمر ‌‌بيّناً وواضحاً بما يناسب أهميته ـ أن نذكر أثناء استعراضنا لهذه الأصول والمصنفات والكتب القديمة التي تضمنت روايات غيبة‌ الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ , نذكر بعض ما جاء حول تلك الأصول.

1 ـ كتاب([55]) المشيخة([56]): تصنيف الحسن بن محبوب السرّاد ـ رضي الله عنه ـ صاحب الإمام الرضا (الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر), وهو من الأصول الحديثية القديمة التي ذكرت أحاديث الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائة عام، وفي هذا الكتاب القيّم يقول المحدّث الخبير أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ـ رضوان الله عليه ـ ( من كبار أعلام الإسلام في القرن السّادس الهجري): «ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزرّاد، وقد صنّف كتاب المشيخة، الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله، قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر، وحصل كلّ ما تضمّنه الخبر بلا اختلاف.

2 ـ كتاب الغيبة‌: للشيخ الجليل العباس بن هشام الناشري الأسدي, والمتوفى سنة (219 هـ), كان ـ رضي الله عنه ـ من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ـ الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر ـ ... وكان من الذين اهتّموا بتعريف الناس بحقيقة الغيبة قبل تحقق الغيبة .

3 ـ كتاب الغيبة: للفضل بن شاذان بن الخليل الأزدي النيشابوري المتوفى سنة (260 هـ), وقد ذكر فيه أحاديث الغيبة‌ قبل تحققها في الواقع التاريخي، ثم اختصره([57]) بهاء الدين علي بن غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي، وما يزال الكتاب موجوداً إلى زماننا، ولمّا كان منهجنا في هذا الحوار مبنياً على الاختصار, فمن هنا نرجو من المستمعين لهذه المناظرة أن يراجعوا هذه الكتب ويقرؤون الروايات بأنفسهم, ولاحظ يا شيخ عثمان وكل المستمعين يجب أن يلاحظون إننا ذكرنا في البداية أحاديث الرسول في حققية الغيبة، ثم ذكرنا بعد ذلك روايات الأئمة‌ الاثني عشر في تلك الحقيقة، وقصدنا من هذا تبيين أن روايات الأئمة‌ الاثني عشر ـ رضي الله عنهم ـ , ما هي إلا شرح وتوضيح لما ورد عن الرسول الأكرم فـي شأن غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ ولا يمكن أن تختلف مع وصف الرسول الأكرم للغيبة، وفي هذا يقول الإمام الرضا رضي الله عنه ـ الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر ـ : «لأنا لا نرخص في ما لم يرخّص فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فأمّا أن نستحل ما حّرم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو نحرّم ما استحل رسول الله فلا يكون ذلك أبداً، لأنا تابعون لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مسلّمون له كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ تابعاً لأمر ربه مسلّما له، وقال الله عز وجل: وما آتاكم الرسّول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا< ([58]).

بهذه الأصول والمصنفات والكتب الحديثية كلها يستشعر المسلم أهمية حقيقة‌ الغيبة‌, فليست أمراً ثانوياً، إنما هي من الحقائق الأولية المرسومة منذ حياة النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وعندما يتصورّها المسلم على هذا النحو، لا جرم سوف ترتفع قيمتها في نفسه، وسوف يبحث عنها بجدية، ويرفع من اهتمامه في دراستها, ومن هنا كانت حقيقة‌ الغيبة‌ عند الاثني عشرية من أهم الأسباب التي جعلتني أترك الوهابية وانتقل إلى الاثني عشرية.

ومرة‌ أخرى نتناول بعض كتب  الغيبة الحديثية، لكننا في هذه المرة‌ سوف نتحدث عن الكتب التي كتبت بعد الغيبتين الكبرى أو الصغرى.

1 ـ كتاب الغيبة والحيرة‌([59]): للشيخ الجليل أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري، من أصحاب الإمام الهادي([60]) [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر] ـ رضوان الله عليهم ـ ، والإمام الحسن العسكري([61]) [الإمام الحادي عشر من الأئمة‌ الاثني عشر] يشتمل كتابه على رواياته في حقيقة‌ الغيبة، التـي جمعها بعد تحقق الغيبة‌ الصغرى وقبل تحقق الغيبة‌ الكبرى.

روى بسنده عن الإمام الصادق جعفر بن محّمد عن آبائه ـ رضوان الله عليهم ـ ، قال:‌ قال رسول الله ـ صلى الله عليه واله وسلم ـ فـي الإمام المهدي: «تكون له غيبة وحيرة‌»([62]).

2 ـ كتاب الغيبة وكشف الحيرة([63]):‌ للشيخ الجليل والفقيه الفاضل،‌ أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن صفوان الجمّال وقعت الغيبة في زمانه، وكان من أعلام الغيبة الصغرى (260 ـ 329 هـ)، وعندما رأى ـ رحمه الله ـ الغيبة‌ قد تحققت في الواقع التاريخي بعد أن كان من رواة‌ أحاديثها، أظهر البهجة‌ والفرحة، بعد أن صدّق الله ـ سبحانه وتعالى ـ نبيّه الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وصدّق أوصياءه.

وفي نهاية‌ البحث عن سير تدوين أحاديث الغيبة‌ سأذكر هذه الثلاثة‌ الكتب الأخيرة في الغيبة‌, وهي «الغيبة‌» للنعماني و«وإكمال الدين في الغيبة» للصدوق, و«الغيبة‌» للطوسي, وأريد هنا أن أبين أن أصحاب الكتب الأخيرة‌ كانوا ينقلون من الأصول والكتب والمصنفات في القرن الأول والثاني والثالث، التي ذكرت النص على الأئمة‌ الاثني عشر, وذكرت أحاديث المهدي وأحاديث الغيبة‌, ومن هنا نجدهم في موارد عديدة يصرحون بأسماء تلك المصنفات والكتب والأصول ويبينون إنها موجودة بين أيديهم, ويكفي أن نراجع ما قاله الشيخ الصدوق في كتابه >من لا يحضره الفقيه<, وهكذا ما قاله الشيخ الطوسـي في كتابه >تهذيب الأحكام< فسوف نستيقن أنهم نقلوا من الكتب التي كتبت في القرون الثلاثة الأولى والتي ما يزال بعضها موجوداً إلى زماننا, وقد راجعتها وطابقت بين تلك الكتب القديمة‌ وبين ما نقلة أصحاب الكتب الثلاثة‌, فوجدت لديهم الدقة‌ والأمانة العلمية‌ والتحري القوي الذي يبين مصداقية‌ علماء هذا المذهب العظيم, والحمد لله الذي هدانا إلى الاثني عشرية‌.

3 ـ كتاب الغيبة‌: للشيخ المحدّث الجليل الإمام محمّد بن إبراهيم النعماني (من أعلام القرن الرابع الهجري) وأحسن من يتحّدث عن هذا الكتاب القيم، هو الإمام الشيخ المفيد (من أعلام الإسلام في القرن الرابع الهجري)([64]), قال بعد أن ذكر الروايات الواردة فـي النص على إمامة‌ الإمام الثانـي عشر ـ رضي الله عنه ـ: «وهذا طرف يسير ممّا جاء في النصوص على الثاني عشر من الأئمة رضوان الله عليهم، والروايات في ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم، فممّن أثبتها على الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنفه‌ في الغيبة‌»‌([65]).

وتأتي أهمية الكتاب أنه كتب في عصر المحنة‌ التي وقعت بعد تحقق الغيبة، وقد أشار إلى هذا شيخنا الإمام النعماني ـ رضوان الله عليه ـ في مقدمة‌ كتابه, قال: «وشكّوا جميعاً إلاّ القليل، في إمام زمانهم [أي الإمام الثاني عشر] وولي أمرهم وحجة ربّهم التي اختارها بعلمه, كما قال جل وعز: (وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)([66]), للمحنة الواقعة بهذه الغيبة‌ التي سبق من رسول الله ذكرها»([67]).

ولقد كان لكتابه أثراً كبيراً في معالجة تلك المحنة, وفي الحقيقة أن كتاب الغيبة للنعماني هو الكتاب الذي جعلني أسلّم لحقيقة‌ الغيبة‌ بعد أن كنت من أشد المنكرين لها, ويعد منذ قرون عديدة مرجعاً للمحدّثين ولكل الباحثين عن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر في أحاديث الرسول الأكرم وروايات أوصيائه ولا أدري أي حديث أو رواية‌ أنقل من هذا الكتاب؛ لكثرتها وصغر وقت الحوار، فليراجع إخواني الحاضرين من الوهابيين الروايات التي ذكرها الإمام النعماني في كتابه.

4 ـ كمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة‌ وكشف الحيرة‌([68]): لشيخ المحدثين الإمام الصدوق المتوفى سنة (381 هـ)، ويعد الموسوعة الثانية ـ بعد كتاب الغيبة للنعماني ـ التي جمعت الأحاديث والروايات الواردة‌ في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر, ويتحد مع كتاب الغيبة للمحدّث الإمام النعماني ـ رضوان الله عليه ـ في الغاية من تأليفه، فبعد وفاة علي بن محمّد السمري في سنة (328 أو 329 هـ) وتحقق الغيبة الكبرى في الواقع التاريخي، شكّ بعض الضعفاء في حقيقة الغيبة، وكتب خصوم الاثني عشرية كتباً في ردّ الغيبة، فتصدّى لهؤلاء الإمام الصدوق, وبذل جهداً عظيماً في إحياء حقيقة الغيبة وإنهاضها.

والحاجة إلى جلاء تلك الحقيقة الأساسية تقتضي القراءة العميقة لكتابه مع ملاحظة أن المؤلّف لم يقصد جمع الأحاديث الصحيحة في حقيقة الغيبة فحسب، بل ذكر في كتابه كلما روي في حقيقة الغيبة من رواية صحيحة وضعيفة، لكنه في مقام الاستدلال لم يستند إلاّ على الرواية الصحيحة, وفي هذا يقول ـ رضوان الله عليه ـ في كتابه المذكور: «إنّما صحّت لي (غيبة الإمام الثاني عشر) بما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة (الاثني عشر) من ذلك بالأخبار التي بمثلها صحّ الإسلام وشرائعه وأحكامه»([69]).

وأريد التنبيه أنه عندما تثبت حقيقة بالأحاديث المتواترة، وتصبح من الحقائق اليقينية، فلا غرابة من مجرّد ذكر الرواية الضعيفة لأنّها حينئذٍ ستذكر على سبيل الاستشهاد, لا على سبيل الاستدلال.

وأخيراً قد كنّا نرغب أن نذكر ـ هنا ـ بعض ما رواه في كتابه بشأن حقيقة الغيبة ونذكر ما قاله فيها، لكنّا لسنا بحاجة إلى ذلك؛ لأن الكتاب موجود في كل مكان من أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي.

5 ـ كتاب الغيبة([70]): للشيخ الإمام محمّد بن الحسن الطوسي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (460 هـ), وهو شيخ المحدّثين في زمانه، ويعد كتابه الموسوعة الثالثة بعد كتابي الشيخ الإمام النعماني والشيخ الإمام الصدوق, والكتاب جمع الأحاديث والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت في الغيبة. وتصدّى للرد على إشكالات المنكرين والمشككين فيها, وفي هذا الكتاب القيم يقول الشيخ الطهراني([71]): «وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي هذا هو من الكتب القديمة الذي يمتاز على غيره، فإنه قد تضمّن أقوى الحجج والبراهين العقلية والنقلية على وجود الإمام الثاني عشر, محمّد بن الحسن صاحب الزمان عليه السلام وعلى غيبته في هذا العصر, ثم ظهوره في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً»([72]).

وبعد قد تضمّن هذا البحث الأدلة القوية على حقيقة الغيبة، ومن يرغب التوسّع فليراجع الكتب المتخصصة في حقيقة الغيبة، وهي كثيرة حسب تتبعنا حتى أننا وجدنا مصداقية قول العلامة المجلسي في أن: «أكثر أصحاب الكتب من أصحابنا أفردوا كتاباً في الغيبة»([73])، وعلى المستمع لهذه المناظرة أن يلتمس هذه الحقيقة في الموسوعات الحديثية الثلاث التي سبق أن ذكرناها([74])، وفي الكتب الكبيرة التي كتبت في حقيقة الغيبة وهي كثيرة، قال فيها العلامّة المحقق الطهراني ـ رضوان الله عليه ـ صاحب كتاب الذريعة: «قد كَتَبَ في غيبة الإمام الثاني عشر كثير من الأعلام الخاصة والعامّة من المتقدمين والمتأخرين منها مخطوط، ومنها مطبوع»([75]).

وأخيراً فإننا سنحاول تلخيص سير تدوين أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الاثني عشر، في كتب الحديث، بعد أن تحدثنا عنها بصورة واسعة وطويلة، ولا شك أن جلاء ومعرفة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة سوف تكشف لنا عن الحقائق‌ الأساسية التالية:

الأولى: حقيقة أن أحاديث الغيبة، كانت في البداية في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول الأكرم.

والثانية: حقيقة أن روايات الأئمة الإحدى عشر في الغيبة، كان منبعها ومصدرها صحيفة الإمام علي.

والثالثة: حقيقة أن أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الإحدى عشر في الغيبة جمعت في الأصول والمدونات القديمة, التي مات مؤلفوها قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي.

والرابعة: وحقيقة أنّها جمعت في كتب مستقلة صغيرة ـ قبل الغيبة ـ بعد أن كانت موّزعة في الأصول والمدونات القديمة.

والخامسة: حقيقة أنّها جمعت في كتب مستقلة كبيرة بعد تحقق الغيبة في الواقع التاريخي بزمان قصير.

وبعد فتلك الحقائق الخمس هي خلاصة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة، وبعد أن انتهينا من دارسة سير تدوين أحاديث وروايات حقيقة الغيبة في كتب الحديث نحبّ أن نعرف كيف تجلّت حقيقة الغيبة في عقل وقلب الذين كانوا من علماء أهل السنة, لكن تلك الحقيقة بكل دلائلها، وبكل تأثيراتها أجبرتهم أن يتركوا مذهب أهل السنة ويدخلوا مذهب الاثني عشرية وهم كثير، وسوف نذكر بعض كتبهم التي برهنت وأوردت الحجج القوية على غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضي الله عنه ـ.

1 ـ صاحب «كتاب الغيبة» الشيخ الجليل محمّد بن مسعود العياشي([76]) ـ رضوان الله عليه ـ ، ذكره الشيخ النجاشي([77]) وابن النديم([78]) والشيخ الطوسي([79]) ولقد كان ـ رضي الله عنه ـ من أهل السنة لكن حقيقة الغيبة أصبحت حاضرة في عقله وقلبه، بعد أن قرأ وجمع النصوص النبوية التي توجب الإيمان والتصديق بها.

وفي الحقيقة إنني كنت ـ أثناء مراجعة تراجم بعض قدماء أهل السنة الذين دخلوا مذهب الاثني عشرية ـ أقف متسائلاً كيف ترك أولئك الأعلام مذهبهم السني؟! وكيف أصبح المذهب الاثنا عشري حاضراً في عقولهم وقلوبهم وفي حياتهم على هذا النحو العجيب؟

كيف امتلأت قلوبهم وعقولهم بهذه الحقيقة ـ حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ هذا الامتلاء؟ ولكن لم أكن أدرك كيف تم هذا؟! حتى عدت إلى الأحاديث النبوية الصريحة أقرؤها وأبحث فيها حقيقة الغيبة, فوجدتها تتحدث عن حقيقة الغيبة وصفتها بشكل صريح, وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله! وعرفت لماذا ترك بعض علماء أهل السنة مذهبهم واتبعوا مذهب الاثني عشرية؟! إنهم كانوا غافلين عن أحاديث الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ في الأئمة الاثني عشر وفي غيبة المهدي, ولما ذهبت عنهم الغفلة آمنوا بالغيبة.

والآن نعود إلى موضوعنا وحسبنا في هذه العجالة ما ذكرناه، ونرجع المستمع لهذه المناظرة إلى الأحاديث والروايات التي ذكرت في المصادر التي ذكرناها في ثنايا هذا الحوار، وللإمام العياشي أحاديث كثيرة رواها بسنده عن النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ ، وروايات متعددة رواها بسنده عن الأئمة الاثني عشر, ذكرت وشرحت خاصية الغيبة يمكن مراجتها في الكتب المتخصصة التي سبق أن ذكرناها.

2 ـ ومنهم الإمام العظيم أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي ـ رضوان الله عليه ـ كان من كبار علماء أهل السنة الذين عاشوا في فترة الغيبة الصغرى (260 هـ ـ 329 هـ) لكنه بعد أن عرف الحق اتبعه وقال كلمته المشهورة بين العلماء المحققين: «نقل إليهم أسلافهم ـ أي أسلاف الاثني عشرية ـ حالة (الإمام الثاني عشر)  وغيبته، وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر»([80]).

أمّا الذين تركوا المذهب السني ورحلوا إلى المذهب الاثني عشري في القرن العشرين, فلا يمكن لنا حصرهم ولا يعلم عددهم إلاّ الله, حتى إنه يمكن أن نسمي هذا القرن قرن معرفة الاثني عشرية, وفي هذا يقول الكاتب الوهابي المعروف الأستاذ ربيع بن محمّد السعودي أثناء ذكره لانتشار الاثني عشرية في مصر: «وبعد: ففي زيارة لمصر بعد انقطاع عنها بدأت أحسّ باتجاه جديد, ومما زاد عجبي أن إخواناً لنا ومنهم أبناء أحد العلماء الكبار المشهورين في مصر، ومنهم طلاب علم طالما جلسوا معنا في حلقات العلم، ومنهم بعض الإخوان، سلكوا هذا الدرب، وهذا الاتجاه الجديد وهو التشيع»([81]).

ونحن نقول: إن ظاهرة انتشار الاثني عشرية لم تنحصر في مصر وحدها, بل هي ظاهرة عمّت كل العالم, وأنا أعرف أن هنالك المئات من أهل اليمن الذين انتقلوا إلى المذهب الاثني عشري، ويقول الكاتب الوهابي الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري: «وقد تشيع الكثير, ومن يطالع كتاب «عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد» يجد قبائل بأكملها قد تشيعت»([82]) والله الموفق والهادي والمعين لمعرفة الحق المبين.

ويقول والكاتب الوهابي المعاصر الدكتور علي أحمد السالوس: «والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة»([83]), وعندما نبحث عن الأسباب التي جعلت أهل السنة يتركون المذهب السني ويدخلون المذهب الاثني عشري حتى أصبح ذلك المذهب أكبر المذاهب الإسلامية المعاصرة, سوف نجد لهذه الخاصية ـ خاصية الغيبة ـ العظيمة دوراً كبيراً في الدخول إلى المذهب الاثني عشري، ويصوّر الكاتب الوهابي المعاصر مجدي محمّد علي محمّد حالة أحد أهل السنة الذين جذبته خصائص المذهب الاثني عشري، وبدأ يشك في مذهبه السابق ويقول: «جاءني شاب من أهل السنة حيران، وسبب حيرته أنّه قد امتدت إليه أيدي الشيعة، حتى ظن المسكين أنهم (يعني: الاثني عشرية) ملائكة الرحمة وفرسان الحق ـإلى أن يقول ـ لم يفلح ذلك كله مع صاحبي»([84])، لقد غابت عن فضيلة الشيخ مجدي حقيقة عظيمة, تقول: إن من عرف خصائص الاثني عشرية فمن العبث أن تحاول أن ترجعه إلى مذهبه السابق.

وقد حدثت لي قصة قريبة من القصة التي ذكرها الشيخ «مجدي» فبعد انتقالي من الوهابية إلى الاثني عشرية, كان عمّي يتلطف معي ويقول أنا على يقين إنك لا يمكن أن تصبح اثني عشرياً لاسيّما وأنت قرأت عند العلماء ولست من الجاهلين، وبذل كل جهده من أجل أن أعود من جديد إلى الوهابية, وبعد حوار طويل بيني وبينه، وهو حوار الابن مع أبيه، قال لي يا بني إن كان لديك إشكالاً فتحاور مع الدكتور عبد الوهاب الديلمي([85])، ودار بيني وبين الدكتور حواراً طويلاً, وكان عمّي يراقب الحوار, ثم دار في نفس المجلس بيني وبين الأخ الشيخ عبد الله صعتر حواراً, وحين شعر عمي إنه لا جدوى في الحوار, خرج من إطار الحوار إلى إطار التهديد بالقتل والخطف, وبدأ يحذّر أقربائي وأصدقائي من معاشرتي, ولكن الذي أدرك خصائص الاثني عشرية، وآمن بهذه الخاصية (خاصية الغيبة)، وآمن بالأئمة الاثني عشر، لا يمكن لأي قوّة ـ مهما بلغت ـ أن تفصل بينه وبين خصائص المذهب الاثني عشري؛ لأن هذه الخصائص تجذب الإنسان إليها بحركة لا شعورية, وما يدري بنفسه إلاّ وقد أصبح عاشقاً ومحباً ومتفانياً لكل خاصية من خصائص الاثني عشرية, بحيث يقبل أن يضحي بنفسه وحياته وسمعته وشخصيته ومكانته؛ من أجل خاصية واحدة من خصائص المذهب الاثني عشري, ومن المحال أن يستطيع أن يتخلى عن أي خاصية من خصائص هذا المذهب, وحينئذ تصبح كل معانات الغربة والبعد عن الأقرباء, وكل التهديدات والإهانات، ويصبح انعدام التأمين على حياته وفقدان كل آماله التي كان يحلم بها سابقاً، ومفارقة الأصدقاء بل مخاصمتهم, تصبح كل تلك المعانات ملذات يأنس بها أكثر مما كان يأنس بالأقرباء والأصدقاء وبالمكانة الاجتماعية أو الوظيفة الدنيوية؛ لأن أي خاصية من خصائص الاثني عشرية قد أصبحت أعزّ عليه من كلّ قريب وصديق, وأعزّ عليه من أبيه وأمه ومن نفسه وسمعته ومستقبله ووظيفته ومكانته؛ لأنه يشعر بعد أن عرف خصائص الاثني عشرية أنه صار يمتلك كل شيء، فليأخذ بخاصية من خصائص الاثني عشرية, وبعد ذلك فليخسر كل أمرٍ يرتبط بهذه الدار الفانية، لأنه أصبح يشعر بلذةٍ سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الدنيا الفانية.

إنه أصبح يقف في أعلى هرم في العالم (أعني: هرم الاثني عشرية), وينظر من أعلى نقطة في هذا الهرم العظيم إلى ذلك المذهب الذي كان ينتمي إليه, كما ينظر الرجل العظيم للطفل الصغير, ليس استعلاءً وكبرياء على مذهبه السابق، ولكن لأنه أصبح يقف في أعلى نقطة من هرم الاثني عشرية, ومن المعلوم أن هذا الهرم من عجائب العالم.

إنه لا يمكن أن يدرك عظمه خاصية ـ أي خاصية ـ من خصائص الاثني عشرية إلاّ من عاش في الوهابية، كما أنه لا يمكن لنا أن ندرك خاصية النور إلاّ إذا عشنا في الظلام.

والآن سوف نذكر بعض علماء أهل السنة الذين تركوا التعصب لمذهبهم, وأذعنوا للحق بعد أن اطلعوا على الأدلة القوية التي تثبت إمامة الأئمة الاثني عشر, وتثبت حقيقة الغيبة؛ من أجل أن يدرك أخي الشيخ عثمان أن هنالك الكثير من العلماء الذين سبقوني للدخول إلى هذا المذهب العظيم, ولا يمكن لنا أن نذكرهم جميعاً حتى لا يتضخم حجم هذا الحوار الذي أردت منه مجرد الرد على أخي الشيخ عثمان.

1 ـ منهم صاحب كتاب (تذكرة الخواص): «تذكرة خواص الأمّة في خصائص الأئمة»([86]), العلامة يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي ـ رضوان الله عليه ـ سبط أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي([87]), المتوفى سنة (654 هـ), وقد كان من أبزر علماء أهل السنة الذين جذبتهم الأدلة القوية الواردة في حقيقة الغيبة، وذكر في كتابه النصوص النبوية الصريحة في النص على الأئمة الاثني عشر، والنصوص النبوية الصريحة في وجوب الإيمان والتصديق بغيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ـ رضوان الله عليه ـ ولم يستطع هذا العالم العظيم أن يخفي الحق الذي عرفه، ونذكر الآن بعض من أثنى عليه من علماء أهل السنة.

قال فيه العلامة محمّد عبد الحي في كتابه «الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية»: «تفقه وبرع وسمع من جده لأمه ابن الجوزي, وكان عالماً فقيهاً وكان واعظاً، حسن المجالسة، مليح المحاورة فارساً في البحث مفرطاً في الذكاء له تصانيف...< ([88]). منها شرح صحيح مسلم([89]).

ومن يتأمّل في كتابه «تذكرة الخواص», سوف يعرف أنه في هذا الكتاب يثبت إمامة الأئمة الاثني عشر, ويثبت غيبة الإمام الثاني عشر, ومن خلال بعض مقتطفاتنا منه سوف يتبين صدق ما ذكرناه, فبعد أن ذكر الأئمة الإحدى عشر من الأئمة الاثني عشر عقد فصلاً في ذكر الإمام الثاني عشر ثم قال: «فصل في ذكر الحجة المهدي, هو محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم, وهو الخلف الحجة صاحب الزمان، القائم والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة، أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزاز عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي, يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي» وهذا حديث مشهور([90]).

وقال في موضع آخر: «وقد جمع الأئمة ـ أي الأئمة الاثني عشر ـ أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي في قصيدته المشهورة التي أنشدنيها جماعة من مشايخنا ببغداد:

أم اتَهموا أم أيمنوا أم أنجَدوا
حظُّهُمُ وَحظّ عَيْني السّهَدُ
فأين صَبرِي بَعدَهُم والجَلَدُ
لكنْ نُحولي بِالغَرامِ يَشْهَدُ
وَما لمَن يَظلِم فيهِم مُسعدُ
وَلا عَلى القاتِلِ ظُلماً قَوَدُ
إقرأ إعلاناً به أم إجحدُ
حُبُّهمُ، وهوَ الهُدى والرّشَدُ
ثمّ علي وابنُهُ محمّدُ
موسى، وَيَتلوهُ علي السّيدُ
ثمّ علي وابنُهُ المُسَدّدُ
محمّدُ بن الحَسنِ المفتَقَدُ
وَإن لحَاني مَعشرٌ وَفَنّدُوا
أسماؤهُم مَسرودَةٌ لا تُطرَدُ
وَهُم إلَيهِ مَنْهجٌ وَمَقَصدُ
وَفي الدّياجي رُكّعٌ وَسُجّدُ
هَل شَكَ في ذلك إلّا مُلحِدُ
لا بَل لَهُم في كلّ قلبٍ مشهدُ
والمَروتانِ لَهم وَالمسجِدُ
خيف([91])وجمعٌ([92])وَالبقيعُ([93])الفرقدُ
يَعرِفُهُ المُشرِكُ وَالمُوَحّدُ

 

 

هُم الحياةُ اعرقوا أم اشأموا
ليهنهِم طيبُ الكَرَى فإنّهُ
هُمُ تَوَلّوا بالفؤادِ وَالكَرَى
لولا الضّنا جَحَدْتُ وَجْدى بهمُ
تَلهُفاً يا جور حُكّام الهَوَى
لِيس عَلى المُتْلَفِ غَرمٌ عندَهم
وسائل عن حُبِّ أهل البَيتِه َلـ
هَيْهاتَ ممزُوجٌ بلَحمي وَدَمي
حَيدَرَةٌ والحَسنانِ بَعدَهُ
وَجَعفرُ الصّادِقُ، وابنُ جعفرٍ
أعني الرّضا، ثمّ ابنُهُ محمّدٌ
الحَسَنُ التالي وَيَتلُو تِلوَهُ
فإنّهم أئِمّتي وَسَادَتي
أئِمّةٌ أكرِم بهِم أئمةً
هُم حُجَجُ الله عَلى عِبادِه
كلُ النّهارِ صَوّمٌ لِرَبّهِم
قَومٍ أتى في «هل أتى»([94])مديحهم
قَومٌ لَهُم في كلّ أرضٍ مَشهَدُ
قَومٌ منى([95])، والمَشّعَرَ إنِ لَهمُ
قَومٌ لَهم مَكّةُ وَالأبطَحُ([96]) وَالـ
قَومُ لَهم فَضلٌ وَمَجدٌ باذخٌ

 

ثم ذكر سبط ابن الجوزي الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ وأوصياءه في بيتين, قال: وقال آخر:

 بأربعة أسـماء كلهـم محمّـد           وأربعـة أسـماء كلـهـم علـي

 وبالحسنين السيدين و جعفر           وموسى أجرني إنني لهم ولي([97])

2 ـ وصاحب كتاب (الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمة)([98]): وهو الإمام العلامة علي بن محمّد بن أحمد الشهير بابن الصبّاغ المالكي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (855 هـ) كان من كبار علماء أهل السنة في القرن التاسع الهجري, وهو من الذين اطلعوا على النصوص الصريحة في الأئمة الاثني عشر, والنصوص الصريحة في غيبة الإمام الثاني عشر، وقد كتب كتابه «الفصول المهمة» في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر وإثبات غيبة الإمام الثاني عشر، ويكفينا في الدلالة على هذا أنه في هذا الكتاب، بعد أن ذكر الأدلة النقلية والعقلية في النصّ على إمامة الأئمة الاثني عشر، قال: «الفصل الثاني عشر, في ذكر أبي القاسم محمّد الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمّد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر, وتاريخ ولادته ودلايل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته ومدة قيام دولته وذكر كنيته ونسبه, وغير ذلك مما يتصل به»([99]). ثم نقل رحمه الله كلاماً للشيخ الإمام المفيد ـ رضي الله عنه ـ على سبيل الإقرار والتسليم به، قال: «قال صاحب الإرشاد الشيخ المفيد, أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ـ رحمه الله ـ : كان الإمام بعد أبي محمّد الحسن ابنه محمّداً ولم يخلف أبوه ولداً غيره, وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر] في ملّة الإسلام من النبي محمّد صلى الله عليه وآله وكذلك من جدّه علي بن أبي طالب ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب, وهو صاحب السيف القائم المنتظر, كما ورد ذلك في صحيح الخبر, وله قبل قيامه غيبتان أحدهما أطول من الأخرى»([100]).

وفي الحقيقة إن من تأمل في «الفصول المهمة» سوف يستيقن أن هذا الكتاب يحكي تحولاً مذهبياً عند الإمام ابن الصبّاغ المالكي ـ رضوان الله عليه ـ , ومن ثم فأنا أعتبره من المستبصرين الذين دخلوا في المذهب الاثني عشري.

3 ـ وصاحب كتاب (فرائد السمطين): في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم, وهو شيخ الإسلام المحدّث الكبير إبراهيم بن محمّد ابن المؤيد الجويني الشافعي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (730 هـ)([101])، ينتهي نسبه إلى الصحابي العظيم أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله
عنه ـ , كان من أعلام أهل السنة، وعندما عرف أحاديث النص على إمامة الأئمة الاثني عشر وأحاديث الغيبة ترك العصبية المذهبية, وأذعن للحق وانتقل من مذهب أهل السنة إلى مذهب الاثني عشرية, وبإمكانكم أن ترجعوا إلى رواياته عن الغيبة بسنده، فبعد أن رواها وذكرها وأقرّ بها نقل ـ رحمه الله ـ كلاماً للإمام الطبرسي، على سبيل الإقرار والتسليم به، قال: «قال الطبرسي: هذا بعض ما جاء من الأخبار من طرق المخالفين ورواياتهم في النص على عدد الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم، وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت كما نقلته الإمامية ولم تنكر ما تضمَّنه الخبر، فهو أدلّ دليل على أن الله تعالى هو الذي سخَّرهم لروايته إقامةً لِحجَّته وإعلاءً لكلمته، وما هذا الأمر إلاّ كالخارق للعادة والخارج عن الأمور المعتادة، ولا يقدر عليه إلاّ الله سبحانه الذي يذلّل الصعب ويقلّب القلب، ويسهّل العسير وهو على كل شيء قدير»([102]).

4 ـ وصاحب كتاب ينابيع المودّة([103]): الشيخ الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي([104]) ـ رضوان الله عليه ـ توفي سنة (1294 هـ), كان من كبار علماء أهل السنة الذين عرفوا حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر، وقد روى في كتابه ما يدل عليها ولا يتسع الوقت إلى ذكرها, وبعد أن ذكر رواياته عن الغيبة قال ـ رضي الله عنه ـ ناقلاً ومقرّاً ومصدّقاً: «قال بعض المحققين: إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة, فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان, علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا, الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته, إذ لا يمكن لأن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر, ولا يمكن أن نحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز, ولكونهم غير بني هاشم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كلهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك عن جابر, وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجح هذه الرواية؛ لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أن نحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) ([105])، وحديث الكساء, فلا بدّ أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً، وكانت علومهم عن أبائهم متصلة بجدهم صلى الله عليه وآله وسلم وبالوراثة واللدنية, كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق، ويؤيد هذا المعنى ـ أي إن مراد النبي في أن الأئمة الاثني عشر من أهل بيته ـ ويشهد له ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب وغيره، وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: كلهم يجتمع عليه الأمة، في رواية عن جابر بن سمرة, فمراده صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة تجتمع على الإقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم»([106]).

أرجو من كل مستمع لهذه المناظرة أن يتأمّل ويتعمّق فيما نقله وأقرّ به وأن يعيد قراءته من جديد, فما ذكره يعد من أعظم ما قيل في توضيح وشرح معنى الحديث الذي أجمع على صحته كل علماء الإسلام([107]).

وهكذا .. وهكذا .. هناك المئات من أهل السنة الذين لم يتعصبوا لمذهبهم وأذعنوا للحق لمّا عرفوا الأحاديث التي يستند عليها وعندما أدركوا أن حقيقة الغيبة مستمدة من السنة النبوية، ونستكفي بمن ذكرناهم حتى لا يتضخّم حجم الحوار, ولأن وقت الحاضرين لا يتسع للسماع, فلا شكّ أن تقرير حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر تشغل مساحة واسعة في كتب بعض أهل السنة الذين ثبتت لهم تلك الحقيقة بالأحاديث والروايات المتواترة القطعية, فمن أراد التفصيل الكامل فليرجع إلى الكتب والموسوعات التي تخصصت في البحث عن حقيقة الغيبة في كتب القدماء, الذين تركوا مذهب أهل السنة واتبعوا مذهب الاثني عشرية.

ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة الغيبة ـ وهي خاصية هامة وهائلة من خصائص الاثني عشرية ـ أن نقول ـ ونحن في نهاية الحوار عن هذه الخاصية ـ : إن هذه الحقيقة الهامة قد آمنت بها بعض الفرق الإسلامية المخالفة للاثني عشرية, بل ودوّنوا ما ورد فيها من الروايات في كتب مستقلة قبل تحقق الغيبة ـ وإنما ذكرت ذلك, لأن الشيخ عثمان شنّع على عقيدة الغيبة بسبب إنها عقيدة بعض المخالفين للاثني عشرية ـ نذكر بعض تلك الكتب:

1 ـ كتاب نصرة الواقفة: لعلي بن أحمد الموسوي، وقد كان من المخالفين للاثني عشرية، وروى في كتابه بعض روايات الغيبة, قبل تحققها بأكثر من مائة عام([108]).

ونذكر هنا، أن صاحب الكتاب من الذين وضعوا الغيبة في غير موضعها وخالفوا الاثني عشرية الذين التزموا بالأحاديث والروايات المتواترة، التي تنصّ على أن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر, وقد اشتهر بين المسلمين في القرون القديمة أن جمهور الشيعة يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر وأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر، وإن الذين خالفوهم ووضعوا الغيبة في غير موضعها ـ أي قالوا بغيبة غير الإمام الثاني عشر ـ كانوا شرذمة قليلة انقرضوا في العصور القديمة، وفي هذا يقول المؤرّخ الكبير القديم المسعودي الذي تحققت الغيبة الكبرى في زمانه([109]): «في سنة ستين ومائتين قبض أبو محمّد الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام, ـ أي الإمام الحادي عشر ـ في خلافة المعتمد وهو ابن تسع وعشرين، وهو أبو المهدي المنتظر والإمام الثاني عشر عند القطعية من الإمامية وهم جمهور الشيعة»([110]).

وتأمّل يا شيخ عثمان في عبارات ذلك المؤرخ الكبير حتى لا تقول إن جمهور الشيعة خالفوا الاثني عشريه «وهم جمهور الشيعة» لتعلم أن جمهور الشيعة منذ القرون القديمة كانوا يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر ويعتقدون أن الثاني عشر من الأئمة ـ محمّد بن الحسن العسكري ـ هو الإمام المهدي المنتظر وهو صاحب الغيبة، أمّا الذين خالفوا جمهور الشيعة، من الذين كانوا يزعمون أنهم من الشيعة, ثم يضعون الغيبة في غير موضعها, وينسبونها لغير صاحبها ـ الإمام الثاني عشر ـ من غير دليل أو حجة, فقد انقرضوا في زمان قريب من زمان ظهورهم ـ كما سبق أن ذكرنا ـ وكان منهم صاحب كتاب «نصرة الواقفة», كما كانت مشكلة بعض أولئك تتعلق بالخطأ في فهم بعض أحاديث وروايات الغيبة, ومن ثم عندما رجعنا إلى تراجم الكثير منهم وجدناهم كانوا عندما يعرفون الحقيقة يلتحقون بجمهور الشيعة من الاثني عشرية, بعد أن يستبين لهم بالدليل القطعي أن الأحاديث والروايات المتواترة صريحة وقاطعة بأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر لا الشخص الذي اختاروه من عند أنفسهم، وهذه الرواية تصوّر لنا دور الأئمة الاثني عشر في توضيح وتبيين من هو صاحب الغيبة، وقد كان لذلك التوضيح والتبيين ثمرة كبيرة في هداية الذين لم يصيبوا في معرفة صاحب الغيبة.

روى المحدث الجليل الإمام الشيخ الصدوق ـ بسنده ـ عن السيد الحميري قال: قلت للصادق جعفر بن محمد، يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدى وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق، بقية الله في أرضه، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً»([111]).

فالذين وضعوا الغيبة في غير موضعها ونسبوها لغير صاحبها قد خالفوا النصوص الصريحة إما عمداً أو خطأً لكنهم لم يستطيعوا إنكار أصل أحاديث الغيبة الواردة عن الرسول الأكرم؛ لأنها كانت من الأمور المسلّمة عند الجميع, ومن ثم قال شيخ المحدثين في القرن الرابع الإمام الشيخ الصدوق ـ رضي الله عنه ـ وقد كان قريباً من عصر تحقق الغيبة الكبرى: «إنّ الناس لمّا صحّ لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه, وضع كثير منهم الغيبة في غير موضعها»([112]).

2 ـ كتاب الغيبة([113]): الذي ألّفه قبل تحقق الغيبة بأكثر من مائة عام الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم البطائني، وقد كان من المخالفين لمذهب الاثني عشرية, وذكر في كتابه بعض أحاديث الغيبة وقد كان معاصراً للإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر [أعني: الإمام الرضا رضي الله عنه].

3 ـ كتاب الصفة في الغيبة([114]): كتبه عبد الله بن جبلة بن حيّان كان فقيهاً ثقة مشهوراً، توفي سنة (219 هـ)، وهو من الكتب التي كتبت قبل الغيبة بأكثر من مائة عام.

ولا نستطيع في هذا الحوار أن نذكر جميع كتب المخالفين للاثني عشرية في هذه الحقيقة الأساسية ـ حقيقة الغيبة ـ  , وليس هذا الذي نحاوله في هذا الحوار, لذلك نؤثر أن نقتصر بذكر تلك الكتب.

وبعد هذه هي حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية، وعندما نقرأها كما هي في كتب الاثني عشرية، ندرك حقيقتها في حين الذي يقرأ هذه الحقيقة كما رسمتها الوهابية بطريقة شنيعة فسوف ينفر من هذه الحقيقة العظيمة والفريدة في هذا المذهب العظيم.

وهكذا نأتي إلى نهاية هذا الحوار بيني وبين أخي الشيخ عثمان, ونحن نبحث عن الغيبة، بعد أن تجلّت لنا حقيقة الغيبة ـ بأدلّتها ـ في أحاديث النبي وروايات الأئمة، وقد بذلنا قصارى جهدنا في تبيينها وتوضيحها، ومهما يكن حجم جهدنا قليلاً لكنه بداية الطريق لمن يريد التعرّف على هذه الحقيقة، فأمّا حين يرغب أن تتسع معرفته، فلن يستغني عن الكتب المتخصصة، ويلاحظ المستمع لهذه المناظرة أن أدلّة حقيقة الغيبة قوية إذا أُدركت، أمّا الذين يدركون تلك الأدلة ثم يجحدونها فليس لنا معهم الجدل الجاد وإنّما هو المرء الذي لا يستحق الاحترام.

وقبل أن نختم ننبّه إلى شبهة صدرت من قبل الوهابيين في هذه المناظرة, تقول: إن أحاديث وروايات الغيبة كانت لأجل تبرير تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، ونقول في جواب هذه الشبهة: إن أحاديث وروايات الغيبة, لو كانت كما يزعمون لكان يجب عليهم إثبات أن الغيبة تحققت في الواقع التاريخي قبل وجود أحاديث وروايات الغيبة، ولا يمكن لهم إثبات ذلك, ـ فقد أثبتنا بالأدلة القوية القاطعة أن أحاديث الغيبة كانت في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول, ومن ثم فوجودها كان قبل الغيبة بأكثر من مائتين عاماً ـ ,  وكان ينبغي لهم معرفة إنّما هي الأحاديث الدخيلة والموضوعة التي تأتي لتبرير ما وقع في التاريخ وصبغته بالصبغة الشرعية, وتكون متأخرة زمناً من الحدث التاريخي الذي تبرره، أمّا الأحاديث والروايات المتواترة القطعية التي تحدّثنا عن المستقبل القريب أو البعيد ـ  مثل أحاديث وروايات غيبة الإمام الثاني عشر ـ فإنّها توجد قبل الحدث التاريخي وعندما تحقق في الواقع التاريخي تكون من معجزات خاتم الأنبياء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

والحمد لله الذي ألهمنا معرفة هذه الحقيقة العظيمة, وأعتذر من سماحة الشيخ عثمان الخميس وكل الحاضرين إن كنت أطلت والسلام عليكم ورحمة الله وبركا


 


([1]) معجم لاروس: 888 , المعجم الوسيط: 677.

([2]) تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي: 12 , بتحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد.

([3]) انظر تفسير ابن كثير للآية 12 من سورة المائدة.

([4]) كتاب النهاية لابن كثير: 1 / 102.

([5]) راجع البحث الذي قدمه الشيخ عبد المحسن العباد, وعلّق عليه الشيخ بن باز تحت عنوان «عقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر», في مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثالث السنة الأولى ذو القعدة 1388 هـ ص 39.

([6]) كتاب النهاية للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثر : 1 / 201.

([7]) يقصد الحديث الذي رواه ـ بسنده ـ عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، فلمّا رجع إلى منزله أتته قريش ... الحديث<.

([8]) كتاب الغيبة للمحدّث الإمام النعماني, الباب الرابع: ما روي في أنّ الأئمة اثنا عشر إماماً, ص: 107.

([9]) قال يونس بن عبيد: سألت الحسن البصري إنك تقول: قال رسول الله, وإنك لم تدركه؟ فقال: «..كل شيء سمعتني أقوله: قال رسول الله، فهو عن علي بن أبي طالب، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً<. انظر كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث لإمام أهل السنة في الديار الشامية, الشيخ محمّد جمال الدين القاسمي: 147 ـ 148.

([10]) عاش ـ رضي الله عنه ـ في عصر محنة أهل البيت. قال الرجالي الكبير المحقق النجاشي: إنه مات سنة (217 هـ). رجال النجاشي: 326 ـ 327, رقم (887).

([11]) نفس المصدر: 326.

([12]) الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر.

([13]) ركائز الإيمان بين العقل والقلب للمفكر الإسلامي المعاصر الشيخ محمّد الغزالي: 153 و159.

([14]) كانت بغداد تحت نفوذ البويهيين, ومن ثمّ فسح المجال لروايات الأئمة الاثني عشر وفتح الحصار عليها.

([15]) يقول أحد الوهابيين المشككين ـ وهو من الذين تأثرت بهم قديماً و تأثر بهم الشيخ عثمان الخميس في هذه المناظرة ـ بأحاديث الغيبة: كيف يستقيم للشيعة الاثني عشرية صحة القول بالغيبة مع علمهم إن بعض الفرق المنحرفة تقول بالغيبة؟! وهذا الكلام أضعف ما قرأته من كلمات المشككين من الوهابيين في روايات الغيبة فمن المعلوم أن الكثير من الفرق المنحرفة آمنوا ببعض أصول وفروع الإسلام، ولكن استقام للمسلمين صحة القول بتلك الأصول والفروع، ولو حكمنا بالبطلان على أمرٍ يقول به المنحرفون لسلبنا الصحة على بعض أصول الإسلام وفروعه.

و يقول: إن الإمام الصادق قد تبرأ من اعتقادات الغلاة مثل عقيدتهم ... والغيبة !!!

وصاحب هذا الكلام من الوهابيين المصابين بمشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة, فمن المعلوم بالضرورة أن الإمام الصادق تبرأ من اعتقادات الغلاة لا من اعتقادات الاثني عشرية, فقد تبرأ من الذين لا يميزون بين مقام المخلوق ومقام الخالق ومن الذين يعتقدون بالحلول والتشبيه.

أمّا حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر فهي من الحقائق الثابتة بالكتاب و السنة، بل إنني لاحظت بالتتبع أن أكثر الروايات في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر رويت عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ ، فكيف يتبرأ منها وهو من رواتها؟!.

([16]) وكان والده «علي بن الحسين» من أعظم المحدثين المقرّبين من الإمام الثاني عشر, وأريد هنا أن أنبه أن بعض الكتاب المعاصرين زعم أن والد الشيخ الصدوق لم يشر في كتابه «الإمامة والتبصرة من الحيرة» إلى حقيقة الغيبة، ونحن نطلب منه أن يكلّف نفسه بقراءة مقدمة والد الصدوق لكتابه فسوف يعلم إنه كتب كتابه في موضوع الحيرة التي هي نتيجة لتحقق الغيبة، ولو رجع إلى روايات الأئمة الاثني عشر, سوف يجد أنهم كانوا يحذرون من الحيرة التي سوف تقع بعد الغيبة, ومن ثم فإن الكثير من الكتب التي كتبت حول غيبة الإمام الثاني عشر, كانت تذكر كلمة «الحيرة» بعد ذكر كلمة «الغيبة», مثل كتاب الشيخ أبي الحسن الأرزي سلامة بن محمّد (ت 339) له كتاب «الغيبة وكشف الحيرة» ذكره النجاشي وكذلك الشيخ محمّد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة له كتاب «الغيبة وكشف الحيرة»، فكيف يزعم أن كتاباً كتب لأجل الغيبة لم يذكر الغيبة؟!.

([17]) مقدمة الشيخ الصدوق لكتابة إكمال الدين: 19.

([18]) كمال الدين للشيخ الصدوق: 2 / 638 ـ 639.

([19]) إعلام الورى بأعلام الهدى لأمين الإسلام الطبرسي: 2 / 258. الطبعة المحققة في مؤسسة آل البيت.

([20]) كان رضي الله عنه من كبار أعلام الغيبة الصغرى (260 ـ 329 هـ).

([21]) كمال الدين: 1 / 107.

([22]) راجع فهرست النجاشي: 31 , رقم (68).

([23]) نقلنا من كتابه بواسطة كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق: 94 , من مقدمة كتابه.

([24]) نفس المصدر: 89 ـ 90.

([25]) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 157 ـ 158.

([26]) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 173 ـ 174.

([27]) الإرشاد للشيخ المفيد المتوفى سنة (413 هـ): 2 / 339 ـ 440 , طبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

([28]) الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 340.

([29]) كانت سنة 329 هي نهاية الغيبة القصيرة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام وبداية الغيبة الكبرى.

([30]) آل عمران: 179.

([31]) كتاب الغيبة للمحدّث الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني من أعلام القرن الرابع, ص: 173 ـ 174.

([32]) من مقدمته لكتابه الغيبة: 21.

([33]) السنة النبوية قبل التدوين، الدكتور محمّد عجّاج الخطيب: 317.

([34]) صحيفة علي بن أبي طالب, الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب, ص: 41 , دار السلام, حلب 1406.

([35]) راجع دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث للدكتور امتياز أحمد: 420 ـ 423 ، علوم الحديث للشيخ الدكتور صبحي الصالح: 30 ، أصول الحديث للدكتور محمّد عجاج الخطيب: 88 ـ 189 , ومنهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر: 46.

([36]) محاسن الاصطلاح على مقدّمة ابن صلاح للحافظ البلقيني بتحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن «بنت الشاطئ»: ص 300.

([37]) أدب الإملاء والاستملاء للإمام السمعاني: 12 ـ 13 , وانظر كتاب المحدّث الفاضل بين الراوي والواعي للإمام الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت 360) بتحقيق الدكتور محمّد عجاج الخطيب: 601 , ح 868.

([38]) قد نقل كبار محدّثي أهل السنة بعض ما ورد في تلك الصحيفة, مثل البخاري في صحيحه ذكر في الأحاديث التالية: حديث رقم «6374» وحديث «1771» وحديث «3001» وحديث «3008» وحديث «6870» وحديث «2882» وحديث «6507», وصحيح مسلم في الأحاديث التالية: حديث رقم «1360»، «1370»، «1978», وسنن أبي داود، كتاب الحج، باب في تحريم المدينة, وسنن النسائي ج8 ، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، ومسند أحمد: 1 / 102 و 119.

([39]) كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة: 174 / 28 للشيخ المحدّث الكبير الجليل أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى ابن بابوية القمّي.

([40]) نفس المصدر: 183 / 38.

([41]) حول محنة روايات الأئمة الاثني عشر, يقول فقيه أهل السنة في العصر الحديث الإمام محمّد أبو زهرة ـ رضوان الله عليه ـ : «وظل علم علي في بيته، نتيجة اضطهاد الأمويين للعلويين واقتصار الأمويين على نقل أحكام أبي بكر وقضاء عمر، دون نقل أحكام وأقضية علي، مما جعلها بعيدة عن اهتمام علماء السنة ولذا توارث العلويون تراث علي» الإمام أبو زهرة, كتاب الإمام الصادق: 91.

([42]) رجال النجاشي: 360 , رقم (966) ترجمة محمّد بن عذافر.

([43]) يعبّر عن الصحيفة بالكتاب، وعن الكتاب بالصحيفة «لسان العرب» لابن منظور مادة «كتب», ومن ثم فقد أطلق أصحاب الفهارس القديمة من علماء الحديث عند الاثني عشرية «كلمة» صحيفة على كتاب سليم بن قيس الهلالي.

([44]) الشيخ الصدوق, من لا يحضره الفقيه: 4 / 2 ـ 11.

([45]) مروج الذهب للمسعودي 5 / 82 ـ 83 رقم (3079).

([46]) راجع على سبيل المثال «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» للإمام الشيخ الحر العاملي: 24 / 130 ، 26 / 73 ، 74 ، 81 ، 125 ، 128 ، 170 ، 178 ، 186.

([47]) قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رضوان الله عليه ـ في هذا الإسناد «لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته<, ابن حجر الهيتمي, الصواعق المحرقة: 122 , الطبعة الميمنية.

([48]) مروج الذهب للمسعودي: 5 / 82 ـ 83.

([49]) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للفقيه العظيم زين الدين بن علي العاملي (المشهور بالشهيد الثاني), ص: 193.

([50]) كتاب الاستنصار في النص على الأئمة الأطهار: 20 , الطبعة الثانية (1405 هـ), دار الأضواء  بيروت.

([51]) كتاب معالم الٍَعلماء (فهرست كتب الشيعة) للحافظ محمّد بن شهر آشوب المتوفى سنة (588), ص: 3 , من مقدمته لكتابه.

([52]) كمال الدين وإتمام النعمة‌ في إثبات وكشف الحيرة‌ من مقدمة‌ مؤلفه الإمام الشيخ الصد‌وق رضوان الله عليه.

([53]) فهرست الشيخ الطوسي, المقدمة, ص 33 من مقدمته لكتابه.

([54]) أعيان الشيعة للسيد العلامة محسن الأمين: 1 / 140.

([55]) يطلق أحياناً على الأصل كلمة >كتاب< كما هو معلوم من كتب علوم الحديث عند الاثني عشر.

([56]) فهرست النجاشي: 158 , رقم (416), قال الإمام الشيخ ‌النجاشي: «وهو ـ داود بن كوره ـ الذي بوّب..، وكتاب المشيخة للحسن بن محبوب السرّاد...» وانظر فهرست الإمام الشيخ الطوسي: 91 , رقم (162) وقد قام بتلخيصه الشهيد الثاني الشيخ زين الدين رضوان الله عليه قال المحدث الخبير الحر العاملي رضوان الله عليه: «ورأيت  بخطّه [أي خط الشهيد الثاني] كتاباً فيه أحاديث انتخبها من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب...<, أمل الآمل :‌ 1 / 87 , وقد انتخب بعض أحاديثه الشيخ الفقيه محمّد بن  أحمد بن إدريس الحلّي رضوان الله عليه ا لمتوفـى سنة‌ (598 هـ) في آخر كتابه السرائر وذكره المجلسي الأوّل في كتابه روضة المتقين: 14 / 329 ، وذكره المحدث الجليل علي بن طاووس رضوان الله عليه في كتابه الملاحم والفتن: 351 ، وانظر الذريعة: 19 / 57 رقم (296)، وراجع ترجمة الحسن بن محبوب في رجال السيد الخوئي: 5 / 90 , وراجع فهرست ابن النديم: 276 , الفن الخامس من المقالة‌ السادسة‌, أخبار فقهاء الشيعة وأسماء ما صنفوه من الكتب.

([57]) ذكره صاحب الذريعة تحت عنوان >مختصر كتاب الغيبة<: 1 / 201 , رقم (2574).

([58]) عيون الأخبار: 2 / 20 , حديث (45) , وسائل الشيعة 18 / 81 ـ 86 , حديث (21).

([59]) ذكره الشيخ المحدّث الجليل الإمام أبو غالب الزراري المتوفى سنة‌ (368 هـ), من ضمن فهرست ما رواه من الكتب في رسالته المعروفة‌ باسمه, ص: 171 , رقم (59) بتحقيق العلامة محمّد رضا الجلالي، وانظر فهرست النجاشي: 219 ـ 220 , رقم (573)، وانظر الذريعة: 6 / 83 , رقم (415).

([60]) رجال الطوسي: 389 , رقم (5727).

([61]) رجال الطوسي: 400 , رقم (5857).

([62]) إكمال الدين للشيخ الإمام الصدوق: 1 / 287.

([63]) فهرست الإمام النجاشي: 393 , رقم (1050), والذريعة 16 / 84 , رقم (420).

([64]) للشيخ المفيد الفضل الأكبر عليّ حيث أنه كان السبب الأوّل الذي عرفت من خلاله حقيقة المذهب الاثني عشري ووجدت في كتبه العلاج الكافي لكل الشبهات التي كانت في رأسي ضد الاثني عشرية.

([65]) الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 345.

([66]) سورة القصص, آية: 68.

([67]) مقدمته لكتابه الغيبة: 20 ـ 21.

([68]) هذا هو الاسم الكامل للكتاب كما ذكر ذلك مصنفه في كتابه الخصال: 1 / 186 , الباب 3 ح 257 «وقد رويت هذا الخبر من طرق كثيرة‌، قد أخرجتها في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة‌ وكشف الحيرة‌»‌، وانظر الذريعة‌: 2 / 283 , رقم (1147).

([69]) كمال الدين: 2 / 638 ـ 369.

([70]) فهرست الطوسي: 242 , رقم (714), والذريعة: 16 / 79 , رقم (399).

([71]) كان الشيخ الطهراني أعلم الباحثين ـ في القرن الماضي ـ بما يرتبط بالأصول والكتب والمصنفات القديمة والحديثة.

([72]) من مقدمة الشيخ الطهراني لكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 24.

([73]) المجلد الثالث عشر من الطبعة القديمة ص: 150.

([74]) كتاب الغيبة للنعماني, وكتاب كمال الدين للصدوق, وكتاب الغيبة للطوسي.

([75]) مقدمة العلامة الطهراني لكتابه الغيبة للشيخ الإمام الطوسي: 24.

([76]) كان من كبار أعلام الغيبة الصغرى (260 ـ 329 هـ) أي إنّه عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري, وذكر بعض المعاصرين أن وفاته كانت في سنة (320 هـ) انظر معجم المفسرين لـ«عادل نويهض»: 2 / 636 , وانظر أعلام الزركلي: 7 / 65 , وتاريخ التراث العربي لسزكين 1 / 99 , وعندما ترك المذهب السني و دخل المذهب الاثني عشري بذل كل أمواله ـ وقد كان غنياً ـ في خدمة المذهب الاثني عشري.

([77]) فهرست النجاشي: 325 , رقم (944).

([78]) الفهرست لابن النديم: 245.

([79]) فهرست الطوسي: 213 , رقم (604).

([80]) انظر إكمال الدين: 1 / 107.

([81]) الشيعة الإمامية الاثني عشرية في ميزان الإسلام للكتاب الوهابي ربيع بن محمّد السعودي: مقدمة الكتاب ص 5، مكتبة ابن تيمية القاهرة الطبعة الثانية سنة (1414 هـ).

وقد أثبتنا في كتابنا «المستقبل للمذهب الاثني عشري» أن المستقبل للتشيع من خلال تنبؤات أهل السنة والسلفية و الوهابية في هذا القرن.

([82]) أصول مذهب الشيعة الاثني عشرية, للدكتور الغفاري: 1 / 9.

([83]) مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع, للدكتور السالوس: 1 / 21.

([84]) عبارات مقتطفة من كتاب >انتصار الحق مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية<.

([85]) الدكتور العلامة عبد الوهاب الديلمي هو أعلم الوهابيين في اليمن وقد درس وتخرج من المملكة العربية السعودية وعاش هناك فترة طويلة.

([86]) انظر حول  الكتاب «هدية العارفين لأسماء المؤلفين و آثار المصنفين» لإسماعيل باشا البغدادي: 2 / 54 , وقد سمّاه «تذكرة الخواص من الأمّة في ذكر مناقب الأئمة».

([87]) يخطأ بعض الباحثين عندما يخلط بين كتب سبط ابن الجوزي عندما كان من أهل السنة, وبين كتابه «تذكرة خواص الأمّة» الذي كتبه بعد أن ترك مذهب أهل السنة و دخل في المذهب الاثني عشري, ولكنه لم يستطع أن يصرّح بهذا التحول خوفاً على حياته, تماماً كما هو شأن بعض علماء أهل السنة في زماننا.

([88]) الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية للعلامة محمّد عبد الحي, ص: 230.

([89]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: للشيخ محمّد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم, ص: 1 / 295.

([90]) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 363 ـ 364.

([91]) المراد به خيف منى ويقع فيه مسجد الخيف.

([92]) المراد به المزدلفة بالقرب من منى.

([93]) البقيع مقبرة أهل المدينة في زمن الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ .

([94]) أي في سورة الإنسان, وهو يشير إلى الآيات التي نزلت في أهل البيت عليهم السلام.

([95]) موضع بالقرب من مكة.

([96]) الأبطح مسيل قريب من منى ومكة.

([97]) تذكرة الخواص: 365 ـ 367.

([98]) قال الإمام السخاوي: «وله مؤلفات منها الفصول المهمة لمعرفة الأئمة» الضوء اللامع: 5 / 283 , وذكر هذا الكتاب الزركلي في الإعلام: 5 / 8 , وعمر كحاله في معجم المؤلفين: 7/187.

([99]) الفصول المهمة: 291.

([100]) نفس المصدر: 291.

([101]) انظر ترجمته في خاتمة تذكرة الحفّاظ للإمام الذهبي:  4 / 1505 , وقال فيه ابن حجر: «وكان ديّناً وقوراً مليح الشكل جيدّ القراءة و على يده أسلم غازان الملك<, الدرر الكامنة: 1 / 69 , حرف الألف الرقم (181) وانظر ترجمته في الوافي بالوفيات: 6 / 141 , وطبقات الشافعية للأسنوي: 1 / 454.

([102]) فرائد السمطين: 2 / 329 , رقم (579).

([103]) ذكره أصحاب فهارس الكتب, إيضاح المكنون: 2 / 721 , هدية العارفين: 1 / 408 , معجم المطبوعات: 586.

([104]) انظر ترجمته في أعلام الزركلي: 3 / 186.

([105]) سورة الشورى, الآية: 23.

([106]) ينابيع المودة, ص: 535 ـ 536.

([107]) أي حديث الرسول الأكرم: >الخلفاء بعدي اثنا عشر ...<.

([108]) كتاب نصرة الواقفة, انظر كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 61 ، وانظر الذريعة: 24 / 178 , رقم (924) , وقاموس الرجال للمحقق العظيم المعاصر محمّد تقي التُستري: 7 / 359 ـ 360 , رقم (5020).

([109]) فمن المعلوم أن المسعودي توفي في عام (346 هـ)، والغيبة الكبرى كانت في عام
(329 هـ) راجع ترجمة المسعودي في كتاب «فوات الوفيات» لابن شاكر: 2 / 94 ، وفهرست ابن النديم: 219 , الطبعة المصرية، وكتاب تاريخ اللغة العربية لجورج زيدان: 2/313.

([110]) مروج الذهب للمسعودي.

([111]) إكمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: 2 / 342 , رقم (23).

([112]) إكمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: 1 / 30.

([113]) فهرست النجاشي: 36 ـ 37 , رقم (73) , الذريعة: 16 / 76 , رقم (382).

([114]) فهرست النجاشي: 216 , رقم (563) ، الذريعة: 15 / 45 , رقم (292).

 

فهرست الكتاب