ص 54

والأمير فيصل يملك (5000000) جنيه (وهي) عبارة عن عمارات سكنية في القاهرة فقط.. وهناك أمير آخر يبني الآن قصرا في مشارف القاهرة يطل على (14) عمارة سكنية بناها من قبل. ولو فرضنا جدلا أن بعض أمراء البيت السعودي قد يودون أن يعملوا بعض التحسينات لبلادهم فإنهم في نفس الوقت لا يريدون أن يشعروا الناس بأنهم بدأوا يعرفون معنى الديموقراطية أو معنى مشاركتهم في الثروة. وقد بنيت بعض المستشفيات القليلة جدا، والمدارس الموجهة، وليس هناك أي فائدة لوجودها. وسعود بطئ التفكير، بطئ الحركة، ليس لديه ما يؤهله ليتعامل، ويتفرغ للمشكلات السعودية. وقد تعلم سعود من والده الطرق الوحشية التي كان يجريها والده في الصحراء. فهو لم يدخل مدرسة ما، ولم يتعلم شيئا سوى القرآن، ولكنه تعلم كيف يكون لصا خطيرا، ومواجا شهيرا.. وقد ساعد والده على تقوية الرقابة حول المملكة العربية السعودية عن طريق قطع الرقاب للقبائل المعارضة، والثائرة على الوضع الفاسد. والملك الحالي جاء بعد موت والده في عام (1953 م) وذلك بالنسبة لماضيه الشرير، فهو لا يمكنه أن يفهم، أو يحاول أن يفهم المشاكل المعاصرة في بلاده. فمثلا عندما دعي سعود إلى زيارة رسمية لشركة آرامكو حيث يعمل بها 15000) عامل من العرب هناك (هذا هو كل العدد الذي يعمل في الصناعة في جميع أنحاء المملكة السعودية السعيدة).

ص 55

كان هناك مظاهرة بقيادة (4000) من العمال لمقابلة الموكب الملكي قبل وصوله بقليل، وكنت بنفسي موجودا في الشركة في ذلك الوقت، وعلى ذلك فإني شاهد عيان لما حدث عندما وصل الملك. عندما وصل سعود وحاشيته إلى بوابة الشركة بدأ العمال بالصياح: فليسقط الظلم. فليسقط المستعمرون الأمريكان وذلك في (9 / 6 / 1956 م). وهنا التفت سعود إلى رئيس الحرس وأعطاه أمرا: على الفور نزل الحراس الخصوصيون بين العمال، وبدأوا بضرب المتظاهرين حتى أماتوا الكثير منهم. وتعتبر آرامكو بما فيها من الأمريكان الفنيين الشريان الحيوي للعرش السعودي، وبدون هذه الشركة لا يمكنهم أن يستحوذوا على قطرة من الزيت من باطن الأرض، كما أنهم لا يمكنهم أن يديروا هذه الشركة بما فيها من الآلات المعقدة لأنهم لا يعلمون أبناء الشعب، ولا يعتمدون عليهم، لسبب واحد هو أنهم يخشونهم. وفي الواقع أنه لكي يكون سعر الزيت منخفضا، ومبلغ ال‍ (100) مليون جنيه بعيدة عن أن يشترك فيها أحد، لا بد أن يكون معظم الشعب (المسعدن) جاهلا بما يجري في العالم الآخر من أحداث، ولكن الشعب يفهم واقعه تماما وهو يغلي كالبركان، رغم عدم تعليمه. وهذا هو السبب الذي من أجله لا توجد مدارس، ولا أنظمة لإنشائها. وهذا هو السبب الذي من أجله يسمح فقط لعدد قليل من الكتب، والجرائد بدخول البلاد. ولكن على الرغم من هذا فإن الشعب كما قلت قد عرف مظاهر الحضارة الموجودة في الظهران، أو على الأقل إحدى الوسائل التي يعيش

ص 56

فيها الأمريكان وهي التي بذرت البذرة الأولى وفتحت العيون. وسينتصر الشعب حتما.. انتهى ما أورده الطبيب (1).

(هامش)

(1) تجديد كشف الارتياب ص (57) إلى (69). (*)

ص 57

ما قدمه السعوديون في الحرب الفلسطينية

 لكي نعرف ما قدمه السعوديون في الحرب الفلسطينية يكفي أن نأخذ هذه الفقرة من مذكرات القائد طه الهاشمي (1) الذي كان رئيسا للجنة العسكرية المنبثقة سنة 1947 - 1948) عن جامعة الدول العربية للإشراف على حرب فلسطين. وقد نشر هذه المذكرات في جريدة الحارس البغدادية، قال الهاشمي: إن الحكومة السعودية أبرقت للجنة العسكرية عن أسلحة معدة لإنجاد فلسطين موجودة في (سكاكة) بالصحراء السعودية، فأرسلت الحكومة السورية طيارات عسكرية فأحضرت تلك الأسلحة لدمشق، وسلمتها إلى المصنع الحربي التابع للجيش السوري لفرزها وثبوتها، فإذا هي أسلحة عتيقة متعددة الأنواع، والأشكال، فيها الموزر والشنيدر، والمارتيني الخ، وفيها بنادق فرنسية، وإنكليزية، وعثمانية،

(هامش)

(1) طه الهاشمي هذا هو الذي أراد الإطاحة بحكومة الملك غازي الأول ملك العراق، وهو الذي أصدر قانون حصر المهن بالعراقيين عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين - المؤلف -. (*)

ص 58

ومصرية ويونانية، ونمساوية وكلها بدون جبخانة وكلها مصدئة (خردة) لا تصلح لقتال... . ثم قال الهاشمي: إنهم وجدوا بين هذه الحدايد بنادق مما تعبأ بالكحل من فوهتها وتدك من الفوهة أيضا، وأنها من مخلفات حملة الجيش المصري على الوهابين في أوائل القرن التاسع عشر... (انتهى) . وليس هذا فقط فإن رؤساء الوفود العربية في هيئة الأمم المتحدة أرسلوا عشية الموافقة على قرار تقسيم فلسطين عام 1948) برقية إلى الملك السعودي يلحون عليه بإصدار تصريح - مجرد تصريح - يهدد فيه بقطع البترول إذا صوتت أمريكا على التقسيم واعترفت بإسرائيل. فماذا كان رد الملك؟ كان أن أعطى تصريحا معاكسا قال فيه: إن المصالح الأمريكية في السعودية محمية، وأن الأمريكيين هم من أهل الذمة ، وإن حمايتهم، وحماية مصالحهم واجب منصوص عليه في القرآن الكريم! . وهكذا تم تقسيم فلسطين، وإقامة إسرائيل، واعتراف أمريكا بالدولة المغتصبة بعد إعلان قيامها بدقيقة واحدة! (1).

(هامش)

(1) تجديد كشف الارتياب ص 385، 286). (*)

ص 59

خدمات آل سعود لليهود

(1)

 يقول جون فيلبي: (لقد أصبحت مهمتي المكلف بها من المخابرات الانكليزية بعد مقتل الكابتن شكسبير، قائد الجيش السعودي، هي: الدعم والتمويل والتنظيم والتخطيط لإنجاح عبد العزيز آل سعود في مهمته (2).. كما يفضح جون فيلبي دعم اليهود لآل سعود، واتصال بن غوريون مع عبد العزيز آل سعود. قال جون فيلبي: إنه (بعد مصرع قائد جيش عبد العزيز آل سعود الكابتن شكسبير على أيدي قوات ابن الرشيد في نجد، وصلت رسالة من رئاسة المخابرات الانكليزية في لندن تؤيد وجهة نظر السيد برسي كوكس - حينما كنت سكرتيرا له في العراق - وتحثه الرسالة بدعم عبد العزيز آل سعود وتعيين جون فيلبي خلفا للكابتن شكسبير وتسليمه كامل

(هامش)

(1) تاريخ آل سعود ص 582) إلى 587). (2) انظر أعمدة الاستعمار لخيري حماد، والرسالة المطولة التي بعثها الحاج جون فيلبي مع الحاج حسين العويني إلى الملك سعود حينما نفت السعودية جون فيلبي إلى بيروت.. وهددهم فيلبي بكشف آل سعود على حقيقتهم!.. فأعادوه في حينها، وكذلك محاضرة لجون فيلبي ألقاها في أمريكان سيتي المدينة الأمريكية في الظهران بعد عودته من منافه في بيروت في (24 / 19554). (*)

ص 60

المسؤولية للعمل بكل وسيلة تمكنه من دحر خصوم ابن السعود.. وكانت الرسالة تلك بداية لترك عملي كسكرتير لرئيس مكتب المخابرات في الجزيرة والخليج السير برسي زكريا كوكس لأتفرغ إلى مهمة أهم من عبد العزيز آل سعود، وإعادة تنظيم جيشه وتمويله، وإيجاد ميزانية خاصة له وتسليحه بالذخيرة والسلاح، وإحياء الأفكار الوهابية، والقيام بإيجاد عملاء لنا مهمتهم تزويدنا بمعلومات عن خصوم ابن السعود الأقوياء، مع بث أفكارنا بينهم، وبث الإشاعات المرجفة في هذه المدن والقبائل والقرى المعادية، وركزنا على كسب العديد من الوجهاء ورجال الدين في البلاد، كما استطعنا أن نخلق وجهاء جدد في المناطق التي لم يرض وجهاؤها السابقون السير معنا، وسارت الأمور بقيادتي على أحسن مما أراده قادتي في لندن والخليج، الشيء الذي نلت عليه منهم الثناء - كما ذكرت في مكان آخر وبعد سقوط حكم ابن الرشيد في حائل وسقوط عرش الحسين ابن علي في الحجاز أنشأنا إمارة شرق الأردن ونقلنا إليها الأمير عبد الله بن الحسين، وكلف الانكليز أشخاصا غيري لمراقبة وتوجيه عبد الله وتنظيم الإمارة الجديدة، إلا أن هؤلاء الأشخاص ما استطاعوا ترويض الأمير عبد الله الذي ظن أن هذه القطعة الجديدة من الأرض التي منحت له ما هي إلا ملكه الخاص وعرشه البديل للعرش الضائع في الحجاز وأنه بإمكانه التصرف بمزاجه بعيدا عن خطنا المرسوم وأن بإمكانه أن يجعل من الأردن منطلق هجوم ضد ابن السعود لاستعادة العرش الهاشمي الذي منحه الانكليز لعبد العزيز، وكذلك ظن أن بإمكانه استعادة عرش سوريا الذي منحه الانكليز لأخيه فيصل ثم تنازل عنه الانكليز للفرنسيين، ثم عمل الانكليز جهدهم أخيرا

ص 61

لتخليص سوريا من الفرنسيين!.. ومن أجل ذلك رأى قادتي أنه لا مناص من ذهابي إلى الأردن في مهمة ترويضية.. وكانت أول جملة كلفني السير برسي كوكس بنقلها للأمير عبد الله هي أن يقبل عبد الله بما قسم الله له، وأن لا يجعل من عشه الجديد ثكنة حربية ضد عبد العزيز آل سعود بحجة العمل لاستعادة العرش الهاشمي الملغى ذكره ووجوده في الحجاز وإلى الأبد ، وأيضا يجب أن أفهم عبد الله ألا يحرك ساكنا ضد فرنسا في سوريا ولبنان، وأن يسلم الثوار السوريين للسلطات الفرنسية في دمشق، وأن يتعاون مع الوجود البريطاني واليهودي في فلسطين، وأن يسلم لابن السعود الحجازيين والنجديين والشمامرة الذين هربوا معه أو لجأوا إليه فأخذ يعدهم في الأردن لمضايقة ابن السعود.. هذه هي أسس المهام التي كلفت من قيادتي بترويض الأمير عبد الله عليها)!.. ويتابع جون فيلبي سرد الذكريات قائلا: (وبعد شهرين من وصولي إلى الأردن قمت بجولة في أنحاء فلسطين وكانت الثورة الفلسطينية في بدايتها ويعيش الانكليز في قلق منها، فحاول بعضهم توسيط الأمير عبد الله لدى الثوار الفلسطينين بإيقاف الثورة، فحبذت الفكرة لعلمي أن عبد الله سيفشل في وساطته لعدم نفوذ الأمير عبد الله بين الفلسطينين، وبالتالي سيكون الجو مهيئا لصديقنا العزيز عبد العزيز فتنجح وساطته فترتفع أسهمه لدى الانكليز أكثر فأكثر، وهذا ما تم فعلا، وما اقترحته بعد فشل عبد الله في الوساطة، إذ اقترحت توسيط عبد العزيز آل سعود، وهكذا نجح عبد العزيز بما فشل فيه عبد الله عام (1936 م)، بل إنه بمجرد أن عرض عبد العزيز آل سعود وساطته لدى وجهاء فلسطين قبلوا وساطته بإيقاف الثورة ضد الإنكليز، واثقين مما تعهد لهم عبد العزيز به وأقسم لهم عليه قائلا: إن أصدقاءنا الانكليز تعهدوا لي على حل قضية فلسطين لصالح الفلسطينيين، وإنني أتحمل

ص 62

مسؤولية هذا العهد والوعد وقد نقل لهم هذه الرسالة ابنه فيصل ثم أحلق به ابنه الثاني سعود.. وكان النجاح وساطة عبد العزيز آل سعود صداها القوي لدى الإنكليز واليهود، وكانت المنعطف الأكبر في تاريخ فلسطين، وعزز ذلك النجاح الباهر كافة آرائي بعبد العزيز أمام رؤسائي بل وحتى أمام خصومي في المكتب العربي بالقاهرة الذين ما زال بعضهم يؤيد الهاشميين ويعتبرهم أصلح لنا من آل سعود.. وأثناء رحلتي تلك إلى فلسطين عرجت إلى تل أبيب وقابلني الزعيم اليهودي ديفيد بن غوريون وكان فرحا لنجاح الوساطة السعودية التي أوقفت الثورة الفلسطينية، إلا أنه أبدى قلقه من سبب ابتعادي عن عبد العزيز آل سعود وقال: إن وجودك يا حاج عبد الله مهم بالقرب من عبد العزيز هذه الأيام، فقلت لابن غوريون: إننا لم نعد نخشى على عبد العزيز آل سعود، فلديه من الحصانة ما يكفي لتطعيمي وتطعيمك!.. كما قد حصناه سابقا بعدد من المستشارين العرب، بالإضافة إلى أن هناك من يقوم الآن بدوري لديه، مع أنني لم أبتعد هذه الأيام عنه لغير صالحه في ترويض خصومه في شرق الأردن . هنالك ظهرت على وجه بن غوريون علامة الارتياح، وتشعب الحديث مع بن غوريون في أمور هامة تتعلق في الشؤون العربية ومستقبل اليهود، وأخبرت بن غوريون أن أمير شرق الأردن عبد الله بن الحسين كان في منتهى الشراسة بعد أن أخرجناه من الحجاز، وكان يكن الحقد حينا ويظهره أحيانا لبريطانيا على فعلتها بتسليم عرشه لعبد العزيز آل سعود، ومن أجل ذلك أخذ يتبنى العديد من الرجال المعارضين لعبد العزيز والمعارضين للفرنسيين والانكليز واليهود على حد سواء، وهو ما زال يكره ابن السعود ويجعل من الأردن مكان تجمع لخصوم ابن السعود معدا إياهم للعودة بهم في حرب خاطفة يعيد بها ما فقدوه في الحجاز وحائل ونجد

ص 63

وعسير، فقال بن غوريون: نحن ندرك هذا تماما ونقدر جهودك، والذين اختاروك لا شك يدركون ما لديك من مقدرة فائقة على ترويض الأمراء العرب . قلت لابن غوريون: قبل أيام أخرجت جيش الإخوان المسلمين السعوديين لتأديب الأمير عبد الله فهددوا كيانه، فاستنجد بي لإنقاذه منهم مبديا الكثير من التودد والطاعة لبريطانيا، وبذلك أوعزنا لعبد العزيز آل سعود بإيقاف جيش الإخوان عند حدهم قبل أن يدخلوا الأردن وينزلوا فيها الدمار.. إلا أن عبد العزيز لاقى صعوبة في صد هذا الجند البدوي الشرس صعب الترويض والمراس فاضطررت إلى إعطاء الأمر للطائرات الحربية البريطانية المرابطة في الأردن لتأديبهم، ولو لم توقع الطائرات بهم بعض الخسائر لما تراجعوا وما سمعوا كلمة شيخهم عبد العزيز آل سعود!.. لكنه رغم ما أصاب عبد الله من هلع كان ما زال شرس الطباع ضد بريطانيا، مما جعلني أوحي إلى قبيلة ابن عدوان في الأردن بالخروج لضرب عبد الله وتطويق قصر الشونة لإرهابه كنوع من أنواع الترويض، وحينها استنجد عبد الله بي مرة أخرى قائلا: إنني أعرف أن كل هذه الأعمال ما حدثت إلا بعد مجيئك يا حاج فيلبي بغية ثني إرادتي عن مقاومة حبيبكم عبد العزيز آل سعود.. إنني أعدك بإبعاد هذه الفكرة نهائيا، لكنني أرجو إعفائي من مسألة إبعاد الذين لجأوا معي من الحجاز ونجد هربا من وحشية صاحبكم وجنوده التي أنت أعرف الناس بها. وما مجزرة تربة والخرمة والطائف ببعيدة عن ذاكرتك.. فقلت لعبد الله: إنني أعدك ببذل كل مجهود لحمايتك بعد أن اتضح لنا أنك لا تنوي بابن السعود شرا أما اللاجئين فرأيي بهم كما تراه أنت، هو ألا نسلمهم لابن السعود على ألا يقوم أي أحد منهم بنشاط ضده.. فقال عبد الله: اتفقنا يا حاج فيلبي!.. وهكذا تخلى عبد الله عن أفكاره الوطنية والقومية في غزو

ص 64

الحجاز أو إثارة أي نوع من الشغب ضد ابن السعود بعد أن جمع لهذه الفكرة كل مخلفات جيشه وجيش والده الهارب من الحجاز، جاعلا من الأردن أرض ميعاده الجديدة لإخراج السعوديين من الحاجز ونجد).. وأردف جون فيلبي قوله: (وبذلك اطمأن بن غوريون وابتسم معبرا عن غبطته باستقرار الأمور لصالح ابن السعود وبما توصلت إليه من ترويض للأمير عبد الله بن الحسين، وقال بن غوريون وابتسامة الرضى بادية على وجهه من حديثي: إذن أنت ما زلت أيها العظيم على علاقة حسنة بالرجل العظيم قلت لابن غوريون: من تقصد بالرجل العظيم ؟.. فقال بن غوريون: وهل هناك مقصود في المنطقة العربية خلاف ابن العم عبد العزيز بن سعود .. قال بن غوريون كلمة ابن العم وهو مدرك تمام معرفتي بتسلسل النسب السعودي المنحدر من قبيلة بني القينقاع اليهودية، ثم أخذ بن غوريون يعدد لي زعماء وملوك وقادة اليهود الذين دخلوا الدينين المسيحي والإسلامي وغيرهما من الأديان لخدمة الهدف اليهودي والذين حكموا العالم عملا بتحقيق الغاية الكبرى لبني إسرائيل فأورد أسماء كثيرة. واختتم بن غوريون حديثه عن ملوك وقادة بني إسرائيل عبر التاريخ مفاخرا بقوله: وهكذا ترى يا شيخ عبد الله كيف كانوا ملوكنا وقادتنا عبر التاريخ صناع حضارة وتاريخ ومجد عن عهد سليمان وداوود إلى عهد ابن السعود ).. ويتابع جون فيلبي اعترافاته فيقول: (ولما عدنا إلى الحديث عن الأمير الحجازي الأردني عبد الله الذي نقلناه من الحجاز لإقامة جبرية ينشئ خلالها دولة جديدة في صحراء الأردن السورية أيد بن غوريون إقامة مثل هذه الدولة على أن تكون مملكة فيما بعد. كما أيد إقامة مملكة ابن السعود قائلا: إن جذور الملكية هي التي تضرب في

ص 65

الأرض أكثر من سواها. وقال: إننا بإقامة هاتين المملكتين ستطمئن قلوبنا لوجود سياجين حاميين لدولة إسرائيل المزمع قيامها في الوقت المناسب لولادتها ولادة لا تشويه فيها، وهذا لا يتم بالطبع إلا بإقامة التحصينات حولها باسم العرب الذين نثق بهم . وعدت أداعب بن غوريون قائلا: أنت قد عددت لي الكثير من الملوك والقادة اليهود الذين حكموا العالم لكنك لم تتطرق لنسب ملوك بني هاشم وهل هم من اليهود أم لا؟!.. فقال بن غوريون وهو يبتسم: حتى وإن كانوا من اليهود فإنني لا أحبذ أن ينتسب إلينا أي مهزوم، أما نسبنا مع ابن السعود فهو ثابت أكثر من سواه .. وفي نهاية اللقاء طلبت بن غوريون مرافقتي للأردن لمقابلة الأمير عبد الله، ويومها رافقني وأعددت له المقابلة في مسكني - مقر المندوب السامي رغم تردد الأمير عبد الله في المقابلة التي قبلها من باب الستدرار عطفي طالبا أن يكون المكان خاليا من سوانا نحن الثلاثة، وفي اللقاء تبادر عبد الله وبن غوريون كلمات الود والتعاطف والمجاملات، وقطع الأمير عبد الله وعده لبن غوريون في تلك المقابلة بتأييد القضية اليهودية العادلة .. وبعد الاجتماع حملني بن غوريون رسالة خطية لعبد العزيز آل سعود لأسلمها له شخصيا حينما ألتقي به في اللقاء المرتقب، وحينما جئت لأودع الأمير عبد الله متجها إلى الحجاز متمنيا من سموه تكليفي بأية خدمة يريد مني تأديتها لسموه في الحجاز، ابتسم عبد الله وهو يودعني ويقول: إن الخدمة التي أود تأديتها لي هي أن تخلص لي من صميم قلبك بل تمنحني ولو بعض إخلاصك لابن السعود وسألني عبد الله قائلا: هل لي بمعرفة شيء من مهمتك في الحجاز الآن؟ قلت: إنها يا سمو الأمير مهمة حج لقضاء حاجة كما يقول المثل النجدي .. والحقيقة أنني تعودت قضاء فريضة الحج في مكة مع عبد العزيز كلما سنحت لي الفرصة

ص 66

لأكون معه قريبا من الله!.. وسافرت من الأردن إلى مكة وهناك قابلت الصديق الصدوق عبد العزيز آل سعود المتلهف لأخباري، وما أن قابلته في مجلسه الواسع وسألني عن العلوم أي الأخبار حتى أفهمته بإشارة يفهمها مني تمام الفهم وتعني أن فض هؤلاء الناس الموجودين في المجلس ففضهم، ولم يبق سوانا نحن الاثنين عبد الله فيلبي، وعبد العزيز - فطمأنته من أنني صفيت الوضع في الأردن لصالحه وصالح بريطانيا، ثم قرأت عليه رسالة بن غوريون التي جاء فيها قول بن غوريون لعبد العزيز يا صاحب الجلالة.. يا أخي بالله والوطن وكانت لكلمة يا صاحب الجلالة رنة في أذن عبد العزيز فهي أول كلمة يسمعها عبد العزيز بعد توليه العرش، إذ لم يتعود من عرب نجد سماعها أو دعوته إلا باسمه المجرد (يا عبد العزيز) أو (يا طويل العمر) على أكثر تقدير.. وعندها استوقفني عبد العزيز عن تلاوتي لرسالة بن غوريون متسائلا يقول: لماذا يدعوني - بن غوريون - صاحب الجلالة وأخوه بالله والوطن؟! فقلت لعبد العزيز: إن جميع أهل أوربا لا يلقبون ملوكهم إلا بأصحاب الجلالة لأنهم ظل الله في الأرض!..، أما قول بن غوريون عن أخوتك بالله والوطن ، فكلنا إخوة له بالله والوطن وأنت أعرف بذلك!! .. فقال: (ألآن فهمت.. أتمم رسالتك يا حاج فتلوت الرسالة التي جاء قول بن غوريون: إن مبلغ العشرين ألف جنيه استرليني ما هو إلا إعانة منا لدعمك فيما تحتاج إليه في تصريف شؤون ملكك الجديد في هذه المملكة الشاسعة المباركة، وإني أحب أن أؤكد لك أنه ليس في هذا المبلغ ذرة من الحرام فكله من تبرعات يهود بريطانيا وأوربا الذين قد دعموك لدى الحكومة البريطانية في السابق ضد ابن الرشيد وكافة خصومك، وجعلوا بريطانيا تضحي بصديقها السابق حسين لأجلك لكونه رفض حتى إعطاء قطعة

ص 67

من فلسطين لليهود الذين شردوا في العالم ).. ويتابع فيلبي قوله: لقد استوقفني عبد العزيز مرارا متسائلا عن الكثير من جمل تلك الرسالة، من ذلك أنه سألني عن مبلغ ال‍ (20) ألف جنيه استرليني قائلا: وهل ينوي بن غوريون تهديدي بهذا المبلغ الذي بعثه لي بواسطتك؟ وهل عرفت حكومة بريطانيا العظمى بهذا المبلغ؟ وهل استلامي للمبلغ من بن غوريون لا يغضب حكومة بريطانيا فتقطع عني المرتب الشهري والعون؟.. قلت: أبدا.. إن اليهود في بريطانيا هم حكام بريطانيا بالفعل، إنهم الحكم والسلطة والصحافة والمخابرات البريطانية، إن لهم مراكز النفوذ الأقوى في بريطانيا، وكانوا وراء دعمك وعونك، ووراء الاستمرار في صرف مرتبك حتى الآن عن طريق المكتب الهندي.. كما كانوا في السابق وراء قطع هذا المرتب لاختبارك هل سترفض أو لا ترفض التوقيع بإعطاء فلسطين لليهود .. قال عبد العزيز: وهل اطلع أحد على رسالة بن غوريون هذه ؟ فأجبته: لم يطلع عليها سوى أربعة !!. فبدا على وجه عبد العزيز الامتعاض الشديد أثناء تساؤله بلهفة عن معرفة هؤلاء الأربعة الذين اطلعوا على الرسالة!: من هم الأربعة؟؟.. من هم الأربعة يا حاج فيلبي؟.. أنا لا أخشى غضب أحد إلا غضب الله وبريطانيا! قلت لعبد العزيز إن هؤلاء الأربعة هم: الله وأنا وبن غوريون وعبد العزيز فضحك عبد العزيز لهذا وهو يقول: الله الأول عالم بكل شيء. أما الثلاثة الباقون فقد ضحكوا على الله - لكنني أسألك عن - عبيد الله - وعلى الأخص - عبد الله - الذي في الأردن - هل أخبره بن غوريون بشيء حينما التقى معه؟ ويقصد بذلك أمير الأردن عبد الله - الملك عبد الله فيما بعد -.. قلت: لم يعرف عبد الله أي شيء. وأنت تعلم أننا لو أردنا إطلاعه على الأسرار التي بيننا وبينك لما

ص 68

منحناك عرشي الحجاز ومنحناه غور الأردن .. وانتهى اللقاء بتحميلي وصية شفهية من عبد العزيز لبن غوريون يقول فيها: قل للأخ بن غوريون إننا لن ننسى فضل أمنا وأبونا بريطانيا، كما لم ننس فضل أبناء عمنا اليهود في دعمنا وفي مقدمتهم السير برسي كوكس، وندعو الله أن يلحقنا أقصى ما نريده، ونعمل من أجله لتمكين هؤلاء اليهود المساكين المشردين في أنحاء العالم لتحقيق ما يريدون في مستقر لهم يكفيهم هذا العناء !. ورجعت من الحج قاضيا حاجتي .. وفي الأردن أخبرت الأمير عبد الله أن عبد العزيز بن سعود يسلم على سموكم وأننا سوف نجري مصالحة بين الطرفين نظرا لما تقتضيه مصلحة الجميع . وفي اليوم التالي لوصولي بلغت رسالة صقر الجزيرة لبن غوريون.. و صقر الجزيرة هو الاسم المتعارف عليه في ملفات المخابرات البريطانية. إنه عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود).. انتهى. مشروع بريطانيا العظيم! قال تشرشل: أريد أن أرى ابن السعود سيدا على الشرق الأوسط وكبير كبراء هذا الشرق، على أن يتفق معكم أولا - يا مستر حاييم - ومتى تم هذا، عليكم أن تأخذوا منه ما تريدون أخذه .. هذا ما قاله تشرشل. عن مذكرات الدكتور حاييم وايزمن أول رئيس لدولة إسرائيل في فلسطين. وقال: إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأول.. والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيوني بواسطته !.. هكذا قال (وايزمن) وهو أحد كبار الصهاينة الذين أسسوا الكيان

ص 69

الصهيوني في فلسطين.. ويضيف نقلا عن تشرشل الرئيس الأسبق لبريطانيا، والذي كان له دور أولي بارز في تكوين الكيان السعودي والكيان الصهيوني: (في (11 / 3 / 1932) - إبان وداعي للسيد جون مارتن سكرتير تشرشل الذي كان السكرتير العام للجنة بيل، قال تشرتشل: أريد أن تعلم مكررا - يا وايزمن - أنني وضعت مشروعا لكم وهو لا ينفذ إلا بعد نهاية الحرب الحرب العالمية الثانية وهذا المشروع هو: أنني أريد أن أرى ابن السعود سيدا على الشرق الأوسط وكبير كبراء هذا الشرق، على شرط أن يتفق معكم أولا، ومتى تم هذا المشروع فعليكم أن تأخذوا منه ما أمكن أخذه وليس من شك أننا سنساعدكم في هذا، وعليك أن تحتفظ بكتمان هذا السر، ولكن أنقله إلى روزفلت، وليس هناك شيء يستحيل تحقيقه حين أعمل لتحقيقه أنا وروزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية)!.. هكذا أسس الإنكليز (مشروع) العرش السعودي.. كمشروع أولي لإنشاء كيان اليهود وإنشاء الانكليز لكيان آل سعود هو (مشروع) اليهود رقم (1) كما يقول تشرشل ووايزمن من أجل إقامة (المشروع اليهودي) الثاني.. هذه مشاريع الاستعمار.. عروش يهودية لحماية كيانات يهودية.. وهكذا تستباح أرضنا في الجزيرة العربية وفلسطين (ومن لا يملك يعطي من لا يستحق).. وكما بدأ تكوين اليهود لآل سعود كمشروع أولي باسم الإسلام والعروبة، استمروا بضحكهم ومهازلهم على ذقون العرب وفي مؤتمرات القمم ليستروا بها أدوارهم كلما انكشفت بسراويل قبول القرارات.. والصمت يا عرب، الصمت، فالصامت عن الحق شيطان أخرس، والصامت على الباطل شيطان أخرس .. حديث شريف.

ص 71

من خيانات عبد العزيز آل سعود

 في العدد (1637) من مجلة آخر ساعة المصرية الصادر في (18) مايو (1966) كتب الكاتب الفلسطيني وجيه أبو ذكرى ضمن مقال طويل بعنوان (هكذا ضاعت فلسطين وهكذا تعود) يقول تحت عنوان (ملوك الذهب والصحراء!): ثم يأتي الدور الخطير الثالث من أسباب هزيمتنا على أرض فلسطين. وهو دور الملك عبد العزيز آل سعود. فلم يكن الشعب العربي يطلب منه رجالا أو سلاحا.. كل ما كان يرجوه أن يضغط على أصدقائه الأمريكان. لكي يضغطوا بدورهم على العصابات الصهيونية. وكانت وسيلة الضغط: ذلك السلاح الرهيب الذي يملكه العرب حتى الآن ولم يحاولوا إشهاره في وجه العدو.. سلاح البترول.. ولخطورة هذا السلاح أنقل هذه الحادثة: انتقل الصراع إلى الأمم المتحدة. وبدأ أمريكا تلعب لعبتها القذرة لتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب. ونشط المندوبون العرب لمحاولة إحباط المشروع الذي عرض على الجمعية العامة للمنظمة الدولية، وكان بين العرب الأمير عادل أرسلان. وذهب إلى أحد الوفود يستعطفه ليقف بجانب الحق العربي.. فقال له الرجل: لديكم أيها

ص 72

العرب الورقة الرابحة. ولكنكم تخشون اللعب بها! وأشار الرجل إلى وزير خارجية السعودية وكان وقتها الأمير فيصل - الملك الحالي - وقال له الرجل.. لو ذهب هذا الأمير إلى جورج ماريشال وزير الخارجية الأمريكية وهدده بقطع البترول إذا ناصرت أمريكا اليهود. لوجدت هذه القاعة كلها تقف بجانب العرب. !. ولكن.. هل هذا هو كل خيانة الرجعية السعودية؟.. لا.. إنها أكثر من ذلك بكثير. وهنا.. سأترك الصديق الراحل للملك عبد العزيز يحكي بنفسه قصة عبد العزيز وخيانته الواضحة لقضية فلسطين.. وصديق الملك كان سنت جون فيلبي، الذي أسلم!. واعتنق المذهب الوهابي، وأصبح مستشار الملك عبد العزيز.. يقول جون أو الحاج عبد الله فيلبي أو مستشار الملك.. في كتابه 40 عاما في البحرية : إن مشكلة فلسطين لم تكن تبدو لابن سعود بأنها تستحق تعريض علاقاته الممتازة مع بريطانيا - وأمريكا أخيرا - للخطر! ويقول جون فيلبي: وكان مستقبل فلسطين كله بالنسبة - لعبد العزيز آل سعود وآل سعود كلهم - أمرا من شأن بريطانيا الصديقة العزيزة المنتدبة على فلسطين. ولها أن تتصرف كما تشاء، وعلى عبد العزيز السمع والطاعة . وكان من أساس الاتفاق لإنشاء الوجود السعودي أن تقوم سياسة آل سعود على أن لا يتدخل الملك عبد العزيز وذريته من بعده بشكل من الأشكال ضد المصالح البريطانية والأمريكية واليهودية في البلاد التي تحكمها بريطانيا أو تحت انتدابها أو نفوذها ومنها فلسطين . وكان الملك عبد العزيز يعلن أن العرب سوف يخضعون لتقسيم فلسطين إذا فرضته بريطانيا العظمى.. وقد تقدمت لعبد العزيز باقتراح

ص 73

للموافقة بتسليم فلسطين كلها إلى اليهود مقابل استقلال البلاد العربية كلها. وضمان إسكان أهلها الذين سيخرجون منها بطريقة كريمة !. والرجال الذين حوله كانوا لا يوافقون على آراء الملك بالنسبة لقضية فلسطين. فكان من رأي الملك أنه لا يرى في فلسطين ما يستحق أن يحمله على شل علاقته ببريطانيا وأمريكا . ويبدو أن هذه الإعجاب كان متبادلا بين بريطانيا وأمريكا وبين الملك عبد العزيز في الفترة الأخيرة في حياته التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة، وأنه قد حمله ونستون تشرشل زعيم بريطانيا على التفكير بأن يجعل من الملك السعودي زعيما لا ينازع للعالم العربي! . لقد أعلن الملك رأيه بصراحة بأن العرب لن يوافقوا على التقسيم أو يعترفوا بأي حق لليهود في فلسطين، ولكنهم سيذعنون حتى إذا ما فرضت بريطانيا عليهم التقسيم . لا أعتقد أن هذه الآراء في حاجة إلى مجرد تعليق، ولكن - والحق يقال - إن الملك عبد العزيز قد حزن حزنا عميقا في أعقاب هزيمة الجيوش العربية في فلسطين.. واسمعوا من مستشاره - جون فيلبي - سر هذا الحزن العميق!.. يقول جون فيلبي: .. وكان انتقال الجزء العربي الذي احتفظ به من فلسطين إلى ملكية عبد الله ملك الأردن أمرا أكثر مما يستطيع الملك عبد العزيز استساغته !. لأنه كان يريد ضمه إليه أو إلى إسرائيل، ولذلك وقف في الوقت نفسه موقف المعارضة من إنشاء حكومة عموم فلسطين في قطاع غزة الذي يحتله المصريون، لأنه يخشى أن تقوى هذه الحكومة فتثير القلاقل من جديد ضد اليهود. وقد اتفق مع تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وكذلك مع الرئيس الأمريكي روزفلت على توزيع الفلسطينيين في البلاد

ص 74

العربية، ومن أجل ألا يكون للفلسطينيين أي كيان، قام الملك عبد العزيز آل سعود بإغراء جمال الحسيني - الذي عينته حكومة عموم فلسطين في غزة - وزيرا لخارجيتها، أغراه عبد العزيز ليصبح من مستشاريه في الرياض مقابل مبلغ غير قليل من المال بناء على طلب من أمريكا وبريطانيا كما عمل عبد العزيز لتفتيت بقية حكومة عموم فلسطين - بالمغريات وغيرها !.. هذا هو الموقف الصريح للرجعية اليهودية السعودية، ولكن أحدا لا ينسى بطولات الكتيبة العربية التي خرجت أفرادا من الجزيرة العربية دون رضا آل سعود، واستشهد معظمها بعد أن اشتركت في الحرب كان مقدارها (700 رجل) ومع ذلك تبناها عبد العزيز بعد أن نالت سمعة جيدة لكنه فتتها وقال: إن بريطانيا أرادت إقامة إسرائيل.. وستقوم إسرائيل !!. الكويت وتصدير الخيانة السعودية هرب عبد الرحمن بن فيصل آل سعود وابنه عبد العزيز إلى الكويت عام 1891) بعد أن قضى شعبنا - في نجد وحائل - وللمرة الثالثة - على حكم وتحكم آل سعود الممثل بعبد الرحمن آل سعود وأسرته، لكن شعبنا كان بهم رحيما ويا للأسف - حينما أكتفي الشعب وحاكمه آنذاك قصير النظر أو طيب القلب أو المعتد بنفسه الأمير محمد بن عبد الله آل رشيد، بجلب عبد الرحمن ابن فيصل آل سعود وبقية أسرته الصغيرة بالإضافة إلى محمد بن عبد الوهاب وأسرته.. من العارض (الرياض حاليا) ليضعهم في حائل في غاية المعزة والإكرام.. وكان الأجدر به إنهاء وجودهم.. والأسوأ من هذا الذي فعله محمد بن عبد الله آل رشيد أنه سمح لعبد الرحمن آل سعود وأسرته للسفر بحجة النقاهة

ص 75

في العارض (الرياض) رغم إدراك ابن الرشيد لمعنى النقاهة السعودية التي لو أرادوها نقاهة حقيقية لوجدوها في حائل ذات الأجواء العطرة الجميلة، وما أن وصل عبد الرحمن الرياض حتى قام بانقلابه ضد سالم السبهان منصوب ابن الرشيد.. ويومها لم يتركه محمد بن عبد الله آل رشيد بل أرسل حملة لتسحقه، وادعى وقتها عبد الرحمن: أنه اضطر للقيام بانقلابه ضد سالم السبهان لكونه أهانه، وأن حركته ليست موجهة ضد ابن رشيد وكان عذره أسوأ من فعله، لكنه لا أسوأ منه - فعلا - إلا محمد بن عبد الله آل رشيد المعتد بنفسه، حينما تظاهر بتصديقه، وتركه يقيم مرة أخرى في الرياض حتى بعد قيامه بالانقلاب فهرب منها إلى الكويت وهناك استضافه حاكمها مبارك الصباح، فأكرمه وبقايا أسرته، وبما أن مبارك الصباح كان وقتها على ارتباط مع تركيا في الوقت الذي كان فيه يغازل الانكليز، فقد قام مبارك الصباح بجمع عبد الرحمن آل سعود وابنه عبد العزيز بالقائم مقام التركي وأجرت له تركيا مبلغ - 70) روبية - أي ما يعادل أربع دنانير كويتية - كمرتب لعبد الرحمن وشقيقه محمد وابنه عبد العزيز وبقية أفراد العائلة المكونة آنذاك من (15) من الرجال والأطفال والنساء وخمسة من الطفيليين الخدم، فيصبح مرتب كل واحد منهم ما يعادل خمس (1) قروش سعودية شهريا، أي هللة في اليوم!.. كما أعانهم مبارك الصباح بالرز والتمن والكساء وأهداهم ثلاثة من الحمير للتنقل عليها، إحدى (2) هذه الحمير لعبد الرحمن، والثاني لمحمد، والثالث لعبد العزيز، وكانت الحمير الثلاثة تلك بمثابة

(هامش)

(1) الصحيح: خمسة قروش . (المصحح). (2) الصحيح: أحد . (المصحح). (*)

ص 76

سيارات ثلاثة من الطراز الجيد في الوقت الحاضر، لكن آل سعود تمكنوا من إقناع مبارك الصباح بالتعاون معا لغزو حائل والجوف ونجد والأحساء وضمها إلى الكويت في بادئ الأمر.. فوجد مبارك الصباح بفكرة الغزو والضم ما يرضي طموحاته، وكما اتصلوا من خلال مبارك الصباح بتركيا اتصلوا أيضا بمكتب المخابرات الانكليزية المعروف باسم (المكتب الهندي) هذا المكتب الذي يسيطر عليه الصهاينة ويديره أمثال الصهيوني المعروف السير برسي زكريا كوكس الذي رأى في الولد - عبد العزيز - لا في والد العجوز - عبد الرحمن - مواصفات العميل المؤهل للعب أي دور يريد له الصهاينة تمثيله من أدوار تبدأ بإيقاف مد الوحدة العربية وتنتهي بتقسيم البلاد العربية لإقطاع آل سعود جزء هام (1) من جزيرة العرب، وإحباط كل الثورات الفلسطينية والتوقيع بإعطاء فلسطين لليهود، وغير ذلك من مثل هذه الأدوار التي عجز عن تمثيلها الشريف حسين بن علي فنفوه إلى قبرص واغتالوه بعد أن أدى دوره بإخراج الاستعمار العثماني فقط، ومن ثم سلموا عرشه لعميلهم الأكبر عبد العزيز آل سعود الذي تكفلت مخابرات (المكتب الهندي) بتربيته وتوجيهه وتدريبه على أيدي خبراء مكتب المخابرات الانكليزية المعروفين رجالا ونساء من أمثال: ميس بيلي التي زوجوها لعبد العزيز لكنها هربت منه لشدة ممارساته الجنسية الشاذة معها بعد أن خرق كل اتفاقياتها معه فراح (يقترض) منها - جنسيا - في الأسبوع الواحد ما يمكن استعماله في ثلاثة أشهر، ولم تمر ثلاثة أشهر على زواجها - اللامشروع - بعبد العزيز حتى كان قد اقترض منها ما كان يمكن ممارسته للرجل العادي في ثلاث سنوات

(هامش)

(1) الصحيح: جزءا مهما . (المصحح). (*)

ص 77

قادمة.. بالإضافة إلى مضايقتها جنسيا من قبل والده عبد الرحمن وشقيقه محمد ونواة الخوان.. فهربت منه دون طلاق وراحت تعمل في مصر في منظمة تابعة للمخابرات الانكليزية تسمى منظمة أنصار الحرية)!.. وحل محلها لدى عبد العزيز الكابتن اليهودي ديفيد شكسبير الذي قاد جيش الإخوان المسلمين السعوديين فقتله شعبنا بقطع رأسه بالسيف بيد صالح الذعيت - بقيادة سعود بن عبد العزيز بن متعب آل رشيد في معركة جراب في نجد.. ثم حل محله عضو مكتب المخابرات الانكليزية المعروف جون فيلبي والذي سمى نفسه باسم محمد عبد الله فيلبي تمشيا مع واقع الدعوة الانكليزية السعودية المخادعة باسم الإسلام، والإسلام منها براء.. وكان جون فيلبي من أذكى الخبراء الإنكليز الذين عملوا مع آل سعود، إذ استبدل اسمه، وأسلم إسلاما سعوديا، وشكل برئاسته مجموعة لفقها من كافة الأقطار العربية ضمت من كل قطر عربي أكثر من شخص واحد أطلق على هذه المجموعة اسم مجلس الربع أو مجلس الوكلاء وكانوا ممن كانت لهم خبرة في أقطارهم في فنون السياسة والأحزاب والتخطيط ومنهم حافظ وهبة من مصر، والدكتور عبد الله الدملوجي من العراق، ومهدي بك يهودي من العراق تولى شؤون الأمن السعودي، فقطع عشرات الآلاف من أيدي الأبرياء وأرجلهم ورؤوسهم.. وكذلك يوسف يس وفؤاد حمزة من سوريا، وحسين العويني من لبنان، وخالد قرقري من المغرب، وبشير السعداوي من ليبيا، وآخر من اليمن.. كما أوجد طوابير تجسس في كافة المدن والقبائل، ونظم القبائل فجعل لكل قبيلة مجموعة منها أطلقوا عليهم اسم - هيئة المشايخ - يرأسهم مفتي، وتجمعهم مناطق معينة أطلقوا عليها اسم الهجر (جمع هجرة).. يرتبط هؤلاء جميعا بمشايخ للدين من الحضر، ويرتبط المشايخ بمشايخ العائلة الوهابية المعروفين

ص 78

بسام (آل الشيخ) و حاخامات آل سعود ويتلقى الجميع تعليماتهم بصورة مباشرة وغير مباشرة، وكذلك فتاويهم وتحركاتهم من جون فيلبي الموجه الرئيسي لعبد العزيز والذي تدرب على يده فيصل بن عبد العزيز.. لكنه رغم كل هذا، ورغم إغراء الذهب وتبريرات المذهب الفاسد، ورغم جودة السلاح ووفرته، وعقول الخبراء الذين دعموا آل سعود، فقد قاومهم شعبنا مقاومة ضارية.. ولو لم تلعب الخيانات دورها في نفوس طوابير العمالة الذين أوجدوا ركائز لها في كل مدينة وقبيلة وقرية باسم كبار الجماعة فخانوا الشعب - لما نجح الانكليز في احتلال بلادنا لآل سعود.

ص 79

من هم آل سعود؟

 تنكشف الحقائق جلية في الصفحات التالية عن جوانب الأصول الأصلية (لآل سعود) بشهادة واحد من أتباع آل سعود، هو: محمد التميمي مؤرخ الشجرة السعودية التي دفع له قيمتها الملك عبد العزيز والذي ما زال على قيد الحياة يعمل لديهم بعد أن قلدوه عددا من المناصب (منها: إدارة المكتبات العامة)، وعددا من الأمور القضائية. والشيخ محمد التميمي يكشف دون قصد الإساءة لآل سعود بل ربما يقصد التفاخر بأنسابهم وإبراز دهاء آل سعود الذي ما تواجد في العقول العربية إلا نادرا!.. أو ربما ليبرز أن له دورا رديئا قضاه مع فيلبي . لقد بدأ الشهادة بالحديث عن رحلته وهو لم يدرك أنها شهادة للتاريخ... ورحلته هذه هي التي رافق فيها المؤسس الأول للعرش السعودي الحديث (جون فيلبي) الذي أسلم هو الآخر بطريقة المذهب الوهابي وعلى طريقة الإسلام السعودي نفسه، فسمته المخابرات الانكليزية باسم الشيخ الحاج محمد عبد الله فيلبي ... وكان رفيقه في رحلته تلك إلى نجران الشيخ محمد التميمي... فكم يا محمد تسموا بك * وكم يا محمد أساءوا إليك؟!

ص 80

وملخص الحقائق التالية.. أن فيلبي ومعه التميمي ذهبا برسالة من الملك عبد العزيز آل سعود إلى اليهودي يوسف بن مقرن الياهو (1). عبد العزيز يواصل باستمرار وطلب منه فيلبي - لحساب عبد العزيز - تسليمه الكتاب المهم (وقد أقنعه فيلبي أنهم يريدون طبعه) والكتاب هو: نبع نجران المكين في تراث أهله الأولين الجامع الشامل لتاريخ يهود الجزيرة العربية كلها - الأولين والآخرين - وكافة اليهود الذين دخلوا في الدين الإسلامي والمسيحي، واندسوا في القبائل الأخرى للاحتماء بها، وإثارتها ضد العرب، ونشر النفوذ اليهودي الذي سبق له أن تقلص بعد أن لوحق في جزيرة العرب منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد مؤامراتهم ضده... وانتشرت بقايا اليهود في كافة الديانات والبلدان الأخرى... (وسيأتي) الكشف الواضح لانسلاخ عدد من يهود قبيلة بني القينقاع، وكيف تم إسلامهم، ومنهم آل سعود ، وكيف أطلقوا على أنفسهم اسم (آل سعود)، وكيف هاجروا إلى العراق، وكيف اندسوا في فخذ (المساليخ)، وزعموا أنهم من قبيلة عنزة ، وغير ذلك مما يكشف الغطاء غطاء - الذهب الأسود الخادع عن وجود آل سعود (1).

(هامش)

(1) يجمعه بعبد العزيز آل سعود الجد الخامس.. يهودي سافر من نجران بجواز سعودي ليقاتل في فلسطين، وعاد ومعه بعض الجنود اليهود ليشارك آل سعود في حربهم لثورة اليمن عام (1962 م). (انظر: تاريخ آل سعود (1 / 439) الطبعة الثالثة) (2) انظر: تاريخ آل سعود (1 / 634 - 734) الطبعة الثالثة. (*)

ص 81

حكام آل سعود

 (1) كان في القرن الخامس عشر رجل من عنيزة يسكن في الأحساء، اسمه مانع، وله ابن عم يقيم بقرية بنجد، اسمها منفوحة، واسم هذا النجدي درع، وهو زعيم عشيرة الدروع هناك، وكان موسرا ذا ممتلكات واسعة، وفي إحدى السنين زار مانع الأحسائي قريبه درعا النجدي، فأعطى هذا قطعتين كبيرتين من أرضه لضيفه، فانتقل مانع بأهله إلى نجد يستغل عطية قريبه درع. ومانع هذا هو الجد الأول لآل سعود. وورث الأرض من مانع ولده ربيعة، وأضاف إليها أرضا جدة انتزعها من المجاورين، ومات ربيعة، وورثه ولده موسى، وأضاف ملكا إلى ملك أبيه بالغزو والغارات، ودانت له المنطقة، وصارت له

(هامش)

(1) اخترنا هذا الفصل من كتاب: هذه هي الوهابية للعلامة المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية، وهذا نص مصادره: كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب للسيد محسن الأمين، و تاريخ نجد لفيلبي، و تاريخ الدولة السعودية لأمين سعيد، و الإمام العادل لعبد الحميد الخطيب (1 / 2) و تاريخ الكويت السياسي لحسين خلف الشيخ خزعل ج (1) و(2 - 3). (*)

ص 82

إمارة صغيرة، ومات موسى، فخلفه ولده إبراهيم، ومن بعده ولده فرحان، ورزق فرحان ولدين ربيعة ومقرنا، ورزق مقرن محمدا، ورزق محمد سعودا، رأس الأسرة السعودية، وقد استولى سعود على الدرعية انتزعها من آل معمر، قال فيلبي: وهكذا لم ينقض جيلان، حتى غدا النازحون الغرباء سادة المنطقة التي آوتهم.. وبقيت الدرعية عاصمة الإمارة السعودية إلى عهد تركي الذي يأتي الكلام عنه، ومات سعود 1144 ه‍) فخلفه ولده محمد الذي نشأت الوهابية في عهده، فاعتنقها وآزرها، وما زال السعوديون عليها، حتى اليوم. وفيما يلي نتكلم بإيجاز عن كل أمير من الأمراء السعوديين الوهابيين الذين جعلوا من الوهابية عقيدة متبعة، وكان لهم الفضل الأكبر عليها، ولولاهم لم تكن شيئا مذكورا، نتكلم بإيجاز عن هؤلاء الأمراء منذ الأمير الأول، حتى الملك عبد العزيز والد الملك سعود. محمد بن سعود تولى محمد بن سعود إمارة الدرعية سنة (1158 ه‍) إلى سنة 1178)، وهو صاحب محمد عبد الوهاب وساعده الأيمن الذي تكلمنا عنه في فصل سابق، وأول حاكم وهابي وكانت نجد في عهد محمد بن سعود موزعة إلى ست أو سبع إمارات رغم أن عددها لم يتجاوز في ذاك الحين نصف مليون.. من تلك الإمارات إمارة الدرعية، وفيها محمد المذكور، ومنها إمارة ابن دواس بالرياض، وإمارة آل معمر بالعينية، وإمارة آل هزال بنجران، وإمارة آل علي بالشمال، وإمارة آل جحيلان بالقصيم. أما النظام الذي كانت تتبعه هذه الإمارات فهو أشبه بالنظام القبلي، يتمشى مع أهواء الأمراء والأقوياء.. ويظهر أن المواطنين لم

ص 83

يتأففوا منه، لأنهم قد اعتادوا عليه وآباءهم من قبل، حتى حسبوه أمرا طبيعيا. ودارت بين محمد بن سعود أمير الدرعية، وبين ابن دواس حروب وغزوات انتهت بالصلح بينهما. عبد العزيز بن محمد اختار محمد بن سعود ولده عبد العزيز وليا للعهد من بعده باقتراح محمد بن عبد الوهاب، فكان أول أمير يبايع بولاية العهد من السعوديين، ومنذ ذلك العهد أصبحت الإمارة تنتقل بالمبايعة بولاية العهد تماما كما فعل معاوية مع ولده يزيد، وهذه من حسنات الشيخ محمد بن عبد الوهاب،

ومن غريب الصدف أن:

 سيرة عبد العزيز تشبه سيرة يزيد ابن معاوية من وجوه

 أولا: إن كلا منهما عاش في كنف أبيه الأمير بالعز والدلال. ثانيا: نشأ كل منهما جاهلا لا يزينه علم ولا خلق ولا ثقافة. ثالثا: ما عرفا به من القسوة والغلظة، والبعد عن الرحمة والرأفة. رابعا: الحكم عن طريق المبايعة بولاية العهد بمعاونة الحواشي والهوامش، لا عن طريق الشورى والاختيار. خامسا: ما وقع في عهدهما من القلاقل والفتن والحروب. سادسا: غزا يزيد المدينة المنورة، وأباح منها ما ذكره المؤرخون لوقعة الحرة، وغزا مكة المكرمة، وضرب الكعبة بالمنجنيق. وألف عبد العزيز السعودي الوهابي جيشا بقيادة ولده سعود، وغزا مكة، وهدم قبة مولد النبي، ومولد أبي بكر، وقبة السيدة خديجة، وقبة زمزم، والقباب التي حول الكعبة، وهلك سنة (1218 ه‍). وفي سنة (1221) غزا المدينة، وهدم قبور أئمة البقيع وغيرها، وعن

ص 84

تاريخ الجبرتي: لما استولى الوهابيون على المدينة المنورة أخذوا جميع ذخائر الحجرة النبوية وجواهرها، حتى أنهم ملأوا أربع سحاحير من الجواهر المحلاة بالماس والياقوت العظيمة القدر، ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد، ونحو مئة سيف ملبسة قراباتها بالذهب الخالص، وعليها ياقوت، ونصابها من الزمرد . (كشف الارتياب للسيد الأمين). سابعا: قتل يزيد سيد الشهداء، وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسين ابن أمير المؤمنين علي عليه السلام، وذبح أطفاله، وسبى نساءه في كربلاء.. وكذلك غزا عبد العزيز كربلاء بجيشه الذي قاده ولده سعود، وهدم قبر الحسين، ونهب جميع ما فيه من الذخائر، وأعمال السيف بالكربلائيين ورجالهم ونسائهم وأطفالهم وكان ذلك سنة (1216 ه‍). ثامنا: إن فعلة يزيد وجيشه في كربلاء هزت العالم، ونقم جميع المسلمين على يزيد بخاصة، والأمويين بعامة، وهذا ما حصل بالذات حين فعل جيش عبد العزيز ما فعل في كربلاء، قال فيلبي في تاريخ نجد ص 99): اقتحم سعود بجشي أبيه كربلاء، وبعد حصار قصير أعمل السيف في رقاب أهلها، ودمر ضريح الحسين عليه السلام، ونهب المجوهرات التي كانت تغطي الضريح، وجمع كل شيء ذا قيمة في المدينة.. والحق يقال: إن عمله هذا هز العالم كله فضلا عن الشيعة، فقد كان نقطة انطلاق ركينة للانقلاب على الوهابيين، كما أدى فيما بعد إلى عواقب وخيمة على هذه الدولة (1).

(هامش)

(1) عبد الله فيلبي هذا، اسمه الحقيقي سنت جون فيلبي وهو انكليزي أسلم، وأقام أمدا طويلا في الأراضي السعودية، وكان من الأصدقاء على حكامها، ثم غضبوا عليه، ومنعوا كتابه هذا تاريخ نجد .. ومن أسباب المنع تسجيله هذه الحقيقة التي تدين السعودية والوهابية وتدمغهم بالعار.. (*)

ص 85

أرأيت إلى هذا الشبه القوي بين يزيد بن معاوية من جهة، وبين عبد العزيز وولده سعود من جهة ثانية، وإلى هذا الكره العميق في قلب كل مسلم، لكل من يمس بسوء آثار الرسول وآله الكرام؟.. وبالتالي هل يتفق هذا النوع من القتل والنهب والسلب مع الإسلام وروح الإسلام الذي تدعيه الوهابية أو أنهم يعلنون شيئا، ويعتقدون ويفعلون شيئا آخر؟. هذي هي أيام عبد العزيز كلها حروب وفتن وتدمير وتخريب وضحايا ونهب وسلب وهتك للمقدسات الدينية، وغارات متصلة ليل نهار على الفقراء المستضعفين، والعراة والجائعين، وعن هذا الطريق انتزع الرياض من ابن دواس، وسائر إمارات نجد من حكامها، حتى أخضعها جميعا لسلطانه، وضم إليها عسيرا والحجاز والقطيف. وقتل عبد العزيز سنة (1218 اغتاله رجل من الشيعة انتقاما منه لما فعله بضريح الحسين في كربلاء، قال فيليبي: لقد تنكر القاتل بزي درويش، وذهب إلى الدرعية، بقي فيها أياما يصلي خلف عبد العزيز، وفي ذات يوم ألقى بنفسه على عبد العزيز، وهو يصلي، وطعنه بمدية في ظهره اخترقت إلى بطنه، وعجلت به إلى مقره الأخير.. وتكاثر الناس على القاتل، وقتلوه. وبعد هذا الحادث جرت عادة آل سعود على أن يقف حارسان على رأس الأمير، وهو يؤدي الصلاة خوفا من الاغتيال.

ص 86

سعود بن عبد العزيز

 وحل سعود محل أبيه عبد العزيز، وأول عمل قام به غزو بلدة الزبير والبصرة من أرض العراق، وأعمل فيهما القتل والسلب، وهدم قبر طلحة والزبير، وذلك سنة (1208)، وغزا نجران سنة (1220)، والشام سنة (25)، ودوخ حوران قتلا وسلبا، ووصل، أو كاد إلى أبواب دمشق. وسنة (1226) أرسل محمد علي باشا ولده طوسون لتحرير الحجاز من الوهابين، فصدوه في الكرة الأولى، وتغلب عليهم في الثانية، واستولى على مكة والمدينة، وحاول أن يفتح نجدا، فلم يفلح، وسنة (1228 ه‍) حج محمد علي باشا، وعزل الشريف غالبا، وأرسله منفيا إلى سلانيك، وعين مكانه الشريف محمد بن عون، فانتقلت الإمارة من فرع إلى فرع آخر من أسرة الأشراف، ومحمد بن عون هو جد الشريف حسين أبي فيصل ملك العراق، وعبد الله ملك الأردن. وتجدر الإشارة إلى أن سعودا هذا هو أول أمير أقام هيئة للأمر بالمعروف، ومهمتها التجوال في الأسواق أوقات الصلاة، تخص الناس على أدائها، وما زالت هذه الطريقة متبعة إلى اليوم عند السعوديين، وتطورت بمرور الأيام، حيث اتسع اختصاصها، وأصبحت تحمل العصي، وتجول في الأسواق والشوارع تنهال ضربا بها على حليق الذقن، أو من يلمس قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أو قبر إمام من أئمة البقيع، وغير ذلك مما يخالف عقيدة الوهابية، بل كانوا إلى الأمس القريب يضربون المدخنين علنا، وإن كانوا غرباء عن الديار - كما قيل. ودامت إمارة سعود من سنة (1218) إلى سنة (1229).

ص 87

عبد الله بن سعود

 وتولى بعد سعود ولده عبد الله، فنازعه الإمارة عمه عبد العزيز، وانقسمت الأسرة على نفسها، وتفرقت كلمتها. وسنة (1231 ه‍) جهز محمد علي باشا جيشا بقيادة ولده إبراهيم فتوجه إبراهيم إلى الحجاز، وكانت لم تزل مع أبيه، ثم سار منها إلى نجد، يتواغل فيها شيئا فشيئا إلى أن وصل سنة (1233) إلى الدرعية عاصمة الوهابيين، وبعد حصار دام (5) أشهر استسلم أميرها عبد الله بن سعود، فأرسله إبراهيم إلى الأستانة، حيث قتل ومن معه في ميدان أياصوفيا. وطغى إبراهيم باشا وبغى في البلاد، وأكثر فيها الفساد، وصادر أموال آل سعود، وآل محمد بن عبد الوهاب، وأجلى الكثير من رجالهم ونسائهم وأطفالهم عن الديار، ونفى الكثير منهم إلى مصر، وكان هذا جزاء وفاقا لما فعلوه من قبل بأمة محمد من المظالم والمآثم، وما ارتكبوه من الخيانة لله وكتابه، وللنبي وسنته.. وهكذا كل ظالم لا بد أن يبتلى بأظلم وأغشم. استمر حكم عبد الله بن سعود من سنة (1229) إلى سنة (1234).

 تركي بن عبد الله

 كان لعبد الله بن سعود المتقدم ذكره ابن عم، اسمه تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، ومحمد هذا الذي هو الجد القريب لتركي هو صاحب محمد بن عبد الوهاب، وأول أمير سعودي وهابي. وكان تركي قد فر من وجه إبراهيم باشا تاركا الدرعية تحت جنح

ص 88

الظلام، وراح ينتقل في صحراء نجد داعيا العربان إلى إحياء مجد الأسلاف، وتزوج أثناء تجواله بامرأة من آل تأمر، ولدت له ذكرا، أسماه جلوي لأنه ولد في زمن الجلاء، فتجمع حول تركي أول ما تجمع ثلاثون رجلا، ثم انضمت إليه بعض القبائل، فاسترد الرياض سنة (1235) من باشا مصر، واتخذها عاصمة له، ومن يومه انتقلت عاصمة السعوديين من الدرعية إلى الرياض، وما زالت، وكان لتركي ولد، إسمه فيصل، نفاه إبراهيم باشا مع من نفي إلى مصر، ولما سمع بخبر أبيه هرب، وجاء إليه. ومما قلنا يتبين أن الإمارة السعودية الوهابية ابتدأت بمحمد بن سعود صاحب محمد بن عبد الوهاب، ثم ولده عبد العزيز ثم ولده سعود، ثم ولده عبد الله الذي انتزع منه الإمارة إبراهيم باشا، وقتل في الأستانة. وكان انتصار إبراهيم على السعوديين سببا لانتقال الإمارة من فرع عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى فرع عبد الله بن محمد بن سعود الأمير الوهابي الأول عن طريق عبد الله بن محمد بن سعود، وعبد الله هذا الذي هو أبو تركي لم يتول الإمارة، وإنما تولاها أخوه عبد العزيز الأمير السعودي الوهابي الثاني، فتركي - إذن - هو الأمير السعودي الوهابي الأول من الفرع الثاني لمحمد بن سعود، وبه انتقلت الإمارة من سلالة عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى سلالة أخيه عبد الله بن محمد بن سعود، وما زالت فيها حتى اليوم. وكبر على نسل عبد العزيز أن تخرج الإمارة منهم، قد بر أحد السعوديين، واسمه مشاري، أمر اغتيال تركي، وتم له ذلك، ونادى مشاري بنفسه أميرا، ولم تطل أيامه، حتى قتله فيصل بن تركي المغدور، واسترجع إمارة أبيه.

ص 89

واستمر حكم تركي الذي أعاد النفوذ إلى أسرته، استمر من سنة (1235 إلى سنة 1249).

 فيصل بن تركي

 تولى فيصل بن تركي الحكم بعد أبيه، ولكن محمد علي باشا لم يمهله طويلا، فأرسل حملة كبرى إلى نجد، ومعها خالد بن سعود الذي كان مع السعوديين المنفيين بمصر، فدخل جيش محمد علي باشا، واستولى على العاصمة بلا مقاومة بعد أن فر منها فيصل، فأقام المصريون فيها خالد بن سعود حاكما مكان فيصل، وذلك سنة (1253 ه‍). وكانت الحجاز لم تزل بيد محمد علي. وسنة (1254) ظهر فيصل مع رجال من أتباعه، وحاول طرد المصريين، ولكنه لم يفلح، ولم يجد سبيلا إلا الاستسلام، فاستسلم، ونفي إلى مصر، مع من نفي فيها من السعوديين. وبعد أن قويت شوكة محمد علي بخضوع الجزيرة العربية له بما فيها نجد والحجاز وعسير وتهامة استولى على فلسطين ولبنان وسوريا، وبلغ أبواب الأستانة، ولكن الحلفاء اضطروه إلى التراجع والانسحاب من البلاد التي احتلها، وتسليمها للأتراك، ما عدا مصر، حيث منحت له ولسلالته يديرونها إدارة باشوية باسم سلطان الأستانة. وذلك سنة (1256 ه‍). وفي سنة (1259). عاد فيصل من مصر إلى نجد هو والأمراء السعوديون الذين نفوا إليها من قبل، وحلوا ضيوفا في مدينة حائل شمالي نجد على أميرها ابن الرشيد، وكان من قبل تابعا للسعوديين، بل إن فيصلا هو الذي عينه حاكما لحائل قبل الاحتلال المصري مكافأة له على

ص 90

مناصرته للقضاء على فتنة مشاري الذي قتل أباه تركيا (1). وقد رد له ابن الرشيد هذا الجميل، فاحتفى بفيصل، وقدم له الرجال والمال، ودعا للالتفاف حوله، وأول من استجاب أهل عنزة، وزحف فيصل على الرياض بمعاونة ابن رشيد، وكان فيها أمير يدعى عبد الله بن ثنيان، أقامه المصريون حين جلائهم عنها، فاسترجعها فيصل منه بعد مقاومة، وحصار دام (20) يوما، وأسر ابن ثنيان، ثم عفا عنه. وما استتب الأمر لفيصل، حتى شرع باسترجاع ما أخذ من السعوديين، فأخضع نجدا وعسيرا والأحساء والقطيف، ودان له بالطاعة أمراء البحرين، ومسقط، وسواحل عمان. مات فيصل بن تركي سنة 1382 ه‍).

عبد الله بن فيصل

 كان لفيصل بن تركي أربعة أولاد: عبد الله، وهو الأكبر، وسعود، ومحمد، وعبد الرحمن، وكان فيصل قد بايع ولده الأكبر عبد الله بولاية العهد طبقا للتقاليد المتبعة في البيت السعودي، ولكن سعودا نازع أخاه عبد الله، وثار عليه، واستعرت الحروب الأهلية بين الطرفين، ونشبت الفتن والقلاقل، واستمرت الحرب بين الأخوين (25) عاما، مما أدى إلى ضعف الدولة، وذهاب سلطانها، وانتقاض حكام المقاطعات عليها، واستقلال كل بدويريته، كما هو الشأن في توزيع أسلاب الضعيف، واحتل الأتراك الأحساء، والقطيف. واستطاع سعود أن ينتزع الرياض من أخيه عبد الله بعد أن فر منها،

(هامش)

(1) فيليبي ص (169). (*)

ص 91

ونزل في ديار عتبة، ومات سعود في الرياض سنة 1290)، وتولى بعده أخوه عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز الشهير، وجد الملك سعود الحالي ولكن أبناء أخيه سعود انتفضوا عليه، وطردوه من الرياض، فالتجأ إلى أخيه عبد الله في ديار عتبة، لاجئ إلى لاجئ، واستغل عبد الله هذا الخلاف، وأسرع إلى الرياض بمعاونة بعض العربان، فجلى عنها أولاد سعود قبل وصله. وما استقر فيها، حتى هاجمه محمد بن سعود، ودارت بينهما معارك طاحنة، فاستنجد عبد الله بابن رشيد أمير حائل، وقبل أن تصل النجدة منه تغلب محمد على عمه عبد الله، ودخل الرياض، وسجن عبد الله، ولم يطل الأمد، حتى وصل ابن رشيد، ففر محمد بن سعود، وأخرج ابن رشيد عبد الله من السجن، ولكن لم يرجعه إلى الحكم، بل عهد به إلى أخيه عبد الرحمن الذي كان قد تولى الإمارة بعد أخيه سعود، وقفل ابن رشيد راجعا إلى حائل بعد أن ترك في الرياض مندوبا من قبله يراقب عبد الرحمن، واسم هذا المندوب سالم السبهان، وبهذه الحادثة أصبح ابن رشيد سيد نجد والمسيطر عليها. ومات عبد الله بن فيصل سنة (1307 ه‍).

 عبد الرحمن بن فيصل

 هو الذي تولى الإمارة أياما بعد أخيه سعود، وهو الذي طرده ابن أخيه محمد بن سعود، وهو الذي أقامه ابن رشيد ثانية، وهو أيضا والد الملك عبد العزيز الشهير. أشرنا إلى أن ابن رشيد أقام مندوبا ورقيبا على عبد الرحمن، وأراد عبد الرحمن أن يتخلص من هذا المندوب الرقيب وهو سالم السبهان، فسجنه، وقيل: إنما سجنه، لأنه حاول اغتياله بأمر ابن رشيد، ومهما

ص 92

يكن، فقد توجه ابن رشيد إلى الرياض، وأطلق سراح السجين. ولما رأى عبد الرحمن قوة ابن رشيد بنجد شعر أنه بين أمرين: إما أن يحارب ابن رشيد، وإما أن يخضع له كموظف عنده.. ولا طاقة له على الأولى، ولا تطيعه نفسه على الثانية، فلم يبق أمامه إلا الرحيل.. وهكذا فعل. رحل عن نجد بأهله سنة (1309)، وظل متنقلا في الأمصار.. فذهب أولا إلى الأحساء، ثم إلى الكويت، ثم إلى قبائل بني مرة بقرب الربع الخالي، ثم إلى قطر، ومنها عاد إلى الكويت، واستقر فيها مع عائلته وأولاده، وكان عمر ولده عبد العزيز آنذاك عشر سنوات. وعين له أمير الكويت الشيخ محمد بن الصباح مرتبا إلى أن خصصت له الدولة العثمانية ستين ليرة عثمانية في الشهر، فقطع ابن الصباح عنه المرتب، وعاش هو وأفراد عائلته في شدة وضيق. الملك عبد العزيز أو الأسطورة عبد العزيز بن عبد الرحمن أول من لقب بالملك من السعوديين.. كانت الشمس منذ القديم كما نراها اليوم تطلع من المشرق، وتتوارى في المغرب، ولم يصادف في يوم أن أشرقت حيث تغيب، أو غابت حيث تشرق، أما الأحداث التي تقع بين الشروق والغروب فهي كل يوم، بل كل ساعة في شأن.. فور وغور، وصعود ونزول.. لا قاعدة، ولا ضابط، ولا مقياس ينتظم كل شيء، ولا يشذ عنه شيء.. ترى النجاح منك قاب قوسين أو أدنى، وإذا أنت في الأرض، والنجاح في السموات العلى، وترى نفسك غريقا تتقاذفك الأمواج، وإنك ستلفظ النفس الأخير، وإذا بك على اليابسة تتنفس الصعداء فرحا وسرورا.

ص 93

وترى هذا يزحف كالسلحفاة، وينطلق ذاك إلى المريخ، وبين طرفة عين وانتباهتها ترى الزاحف في الطليعة، والسابق جمادا لا يستطيع الحراك. ومهما شككت فإني لا أشك أبدا أن الحكمة من ذلك أن لا ييأس الضعيف، فيذل ويخنع للقوي، وأن لا يطغى القوي فيتحكم بالضعفاء، وأن لا يحزن الفاقد، ولا يفرح الواجد، وأن يضع الجميع نصب أعينهم أن الغالب قد يصير مغلوبا، والمغلوب غالبا.. والتاريخ وحده يعطينا الدرس الصحيح، لا النظريات ولا الفلسفات (1).

وإليك هذا الدرس من التأريخ القريب: لقد استرجع الفتى البالغ من العمر 20) عاما ما كان لآبائه وأجداده، وهذا الفتى هو عبد العزيز اللاجئ وأبوه عبد الرحمن في الكويت، استرجع ملك الآباء والأجداد، ولكن لا بالمال، ولا بالجيوش، ولا بالانتخاب، ولا بتأليف الأحزاب وإعلان الشعارات المغرية، ولا بالإضراب والمظاهرات، ولا بتغير الزمن بسبب حرب عالمية، ولا بشيء من ذلك، بل بأسطورة، هذا موجزها. كان عبد العزيز وأبوه عبد الرحمن لاجئين عند الشيخ مبارك أمير الكويت، وذات يوم جاء الفتى عبد العزيز إلى الشيخ مبارك، وقال له: أريد أن أنقذ نجدا من ابن رشيد، فهل تساعدني بالمال والعتاد؟. وسخر الشيخ من الفتى، ولكنه لم يشأ أن يصدمه، فأعطاه مئتي

(هامش)

(1) ومن هنا أو من إيمانا لا يشوبه ريب بأن إسرائيل ستمحى من الوجود، وإن بلغت من القوة ما بلغت، وآزرها الغرب والشرق، وهل في قول الله ريب: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة - آل عمران 112 ؟. ثم كيف تعيش دولة مبدأها وشعارها: ما دمت فليهلك العالم كله ؟. (*)

ص 94

ريال، وثلاثين بندقية، وأربعين جملا، فأخذها ومضى هو وبعض أرحامه وأصحابه، ولا يتجاوز عدد الجمع أربعين رجلا.. وكانوا يسيرون ليلا، ويتوارون نهارا، وإذا احتاجوا إلى الطعام اختطفوا شاة أو بعيرا من هنا وهناك، وظلوا يواصلون السير إلى أن بلغوا الرياض ليلا، وهم أهلها، وأعرف الناس بما فيها، ومن فيها، فتسلقوا الحائط إلى منزل الحاكم الرشيدي عجلان، وطافوا في أنحائه، وبدأوا بالخدم، فألقوا القبض عليهم، وشدوا وثاقهم، واقتحم عبد العزيز ببندقيته حجرة الحاكم، فوجد زوجة عجلان وأختها، ولم يجد عجلان. ولما سألهما عنه قالتا: إنه يبيت في الحصن المجاور للبيت، وكان الفجر قد طلع فأسبغ القوم الوضوء، وصلى بهم عبد العزيز صلاة الصبح جماعة في بيت عجلان، ثم جلسوا في البيت كأنهم أهله وأصحابه.. وما أن طلعت الشمس، حتى فتح باب الحصن، وحاول المهاجمون اقتحامه، واغتيال الحاكم، وإذا به يخرج من الحصن متوجها إلى بيته، فاستقبله عبد العزيز برصاصة أصابته في غير مقتله، ولكن ابن جلوي السعودي أجهز عليه، وأرداه قتيلا، وذبح المهاجمون عددا كبير من حامية الحاكم. وما شاع خبر هذه المفاجأة في المدينة، حتى استولى عليهم الذهول، وخافوا سوء العاقبة، فسارعوا إلى تقديم الولاء والطاعة.. وذلك في (3) شوال سنة 1319 ه‍). الموافق (15) كانون الثاني سنة (1902 م). ونقل عبد العزيز والده من الكويت إلى الرياض، واحتفظ الوالد بلقب إمام، والولد برئاسة الحكومة، وقيادة الجيش، وانتقل من نصر إلى نصر، فقتل ابن رشيد واستتب له الأمر بنجد، وأخذ الأحساء والقطيف، والحجاز وعسير، ومات أبوه عبد الرحمن سنة (1928)، وله من العمر 78) عاما، مات بعد أن رأى ولده ملكا على جميع الأراضي الواقعة

ص 95

الآن تحت سيطرة حفيده سعود بن عبد العزيز. وكما كان ابن رشيد حليفا مخلصا للأتراك، فقد كان عبد العزيز حليفا دائما، وصديقا وفيا للانكليز، فكان يذكرها ويشكرها في خطبه وغيرها، وهذا مثال من أقواله بحق الانكليز، جاء في خطبة ألقاها بمكة المكرمة عام (1362 ه‍)، قال: ولا يفوتني في هذا الموقف أن أتمثل بأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، فأثني على الجهود التي قدمتها الحكومة البريطانية بتقديم بواخر الحجاج، وتسهيل سفرهم، كما أثني على مساعدتها، ومساعدة الحلفاء القيمة، ومتابعتهم تتميم تموين البلاد، وما يحتاجه الأهالي من أسباب المعيشة وغيرها، وكذلك لا بد من الإشارة إلى أن سيرة البريطانيين معنا طيبة من أول الزمن إلى آخره . ويعلم الكبير والصغير أن الإنكليز والحلفاء، وأية دولة استعمارية يستحيل أن تفعل شيئا بقصد الخير والإنسانية، وإذا فعلت مع بلد من البلدان ما يبدو كذلك فإنما تتخذ منه وسيلة إلى التسرب إلى أسواقه، والسيطرة على مقدراته.. إن الإستعمار ينافق ويتصنع، ليمتص دماء الشعوب.. وغريب أن تخفى هذه الحقيقة على الملك عبد العزيز، وأن يقول، وهو الوهابي الذي يصلي في أول الوقت، حتى في بيت عدوه عجلان.. غريب أن يقرن شكر الله بشكر الإنكليز، ويقول: من لم يشكر الناس - أي الإنكليز - لم يشكر الله، هذا مع العلم بأن الوهابية - كما قدمنا - يقولون بفساد الصلاة وجميع العبادات إن أديت عند قبر نبي أو ولي، لأنها، والحال هذه، تكون مشوبة بعبادة صاحب القبر، أو تؤدي إليها بزعمهم.. إذن، كيف ربط الملك عبد العزيز شكر الله بشكر الإنكليز، بحيث لا يقبل الأول بدون الثاني؟.. وبعد أن ضعف

ص 96

الإنكليز حل محلهم الأميركون. ودام حكم عبد العزيز (64) سنة من سنة (1309) إلى سنة 1373 ه‍). وتولى الحكم بعده أولاده سعود ثم فيصل فخالد ففهد الملك الحالي. آل سعود يقطعون الرؤوس البشرية ويقدمونها مع الطعام وقد روى حافظ وهبه (المستشار السعودي) في كتابه جزيرة العرب عن الطاغية الملك عبد العزيز الأخير المتوفى سنة (1953) فقال: (قال عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود لقد قاومت دعوتنا كل القبائل أثناء قيامها وكان جدي سعود الأول قد سجن عددا من شيوخ قبيلة مطير فجاءه عدد آخر من القبيلة يتوسطون بإطلاقهم ولكن سعود الأول قد أمر بقطع رؤوس السجناء ثم أحضر الغذاء ووضع الرؤوس فوق الأكل وطلب من أبناء عمهم الذين جاؤوا للشفاعة لهم أن يأكلوا من هذه المائدة التي وضعت عليها رؤوس أبناء عمهم و.. لما رفضوا الأكل أمر سعود الأول بقتلهم!.)

قول حافظ وهبه في كتابه جزيرة العرب في القرن العشرين

 لقد قص هذه القصة الملك عبد العزيز على شيوخ قبيلة مطير الذين جاؤوا للاستشفاع في زعيمهم فيصل الدويش قبل أن يقتله عبد العزيز ليبين لهم أن عبد العزيز سيقتلهم أيضا إذا لم يمتنعوا عن طلب الشفاعة لزعيمهم فيصل الدويش).. بعد هذه المقدمة الدالة على أصله اليهودي ووحشيته أمر الملك الطاغية عبد العزيز - بقتل فيصل الدويش - وتوضأ بدمه ثم قام لأداء الصلاة!. لماذا؟.. لأن فيصل الدويش قد استيقظ ضميره أخيرا وانقلب عليه بعد أن رأى الدويش أن الملك الطاغية عبد العزيز كان لا يركع إلا لأوامر الإنكليز،

ص 97

واستيقظ الدويش بعد أن وقع عبد العزيز للإنكليز بإعطاء فلسطين لليهود في مؤتمر العقير عام (1922).. بهذا الأسلوب سارت الدعوة السعودية الوهابية من أول قيامها لا أهداف لها إلا النهب والسلب والسرقة والكذب والدجل والفجور والفسوق كل ذلك باسم الدين، ولكني كما قلت عن شعبنا، إنه لم يقف منها موقف المتفرج، فقد قاومها في كل مكان (1).

(هامش)

(1) تاريخ آل سعود / ص (28). (*)

ص 99

ثلاثة الأصول.. ويوسف بن مقرن الياهو ألقت الثورة اليمانية (القبض) على يوسف بن مقرن الياهو في 19 / 12 / 1962 م) حينما تسلل إلى اليمن، واعترف يوسف بكل تحركاته بين فلسطين المحتلة والجزيرة العربية، واعترف بصلاته الوثيقة العريقة بآل سعود، واعترف بالكتاب المذكور حينما سألناه عنه، وقال: لقد حزنت كثيرا على هذا الكتاب الذي أخذه مني جون فيلبي بناء على طلب من عبد العزيز آل سعود في رسالة قال فيها عبد العزيز إنه يريد طبعه لكنه تبين أن عبد العزيز يريد أن يخفي الكتاب لكيلا ننشره نحن اليهود، ولكيلا يقع بيد غيرنا من اليهود أيضا، لأن لعبد العزيز أعداء من اليهود التقدميين لا يؤيدون طريقته، وحينما راجعت عبد العزيز حول الكتاب وقلت له: دعنا نتولى طبعه نحن ، ضحك عبد العزيز وهو يسخر من هذا الكلام وقال: هذا الكلام هو الذي جعلني أطلب الكتاب منكم، لأنني علمت بعزمكم على تسريبه لليهود في فلسطين ليتخذ منه بعضهم وسيلة ضغط كبيرة ضدي تجعلني أسير حسبما يرون. وهم لا يدركون عواقب سيرنا المكشوف حسب أهوائهم

ص 100

وحسبما يريدون، لا حسبما تقتضيه مصلحتنا المشتركة . وقال لي عبد العزيز: وعلى ل حال فإن الكتاب موجود لدى الأخ عبد الله فيلبي فتشاور معه عن موضعه . ولما ذهبت إلى فيلبي وسألته عن الكتاب قال فيلبي: لقد نقلت وصورت ما يهمني من الكتاب وسلمته لعبد العزيز . فقلت لفيلبي: إنني أخشى أن يحرقه عبد العزيز فقال فيلبي: إنه فعلا ينوي إحراقه ثم تراجع وطمأنني عبد العزيز بعد أن قرأت له الكتاب، بقوله: (إنه كتاب مهم وهو ليس نبع نجران المكين في تراث أهله الأولين ، فقط، وإنما هو نبع العالم كله في تاريخ اليهود). وقال جون فيلبي: يا أخ يوسف.. إن الكتاب لدى عبد العزيز وقد أقسم لي أنه لن يذهب منه الكتاب إلا إذا ذهبت روحه، وإنه إرثه الوحيد الذي يريد توريثه لا لكل أولاده وإنما لأعز أولاده، وقد اطلع عليه جمع (1) كثير من أقاربه، وإخوته ومنهم شقيقه: عبد الله بن عبد الرحمن، اطلع عليه قسم (2) من كبار أولاده، وقال لهم عبد العزيز: (على كل حال يعيالي - أنا ما أطلعتكم على هذا الكتاب إلا لتعرفوا أنكم أنتم وحدكم في هذا العالم الذين جمعتم المجد من أطرافه الثلاثة فأنتم: يهود، عرب، مسلمين، إنها ثلاثة الأصول الحقيقية

(هامش)

(1 - 2) هذا خطأ نحوي ورد هكذا في الأصل والصحيح هو: جمعا و قسما على التوالي. (المصحح).

ص 101

التي ذكرها ابن عبد الوهاب)!.. هذا ما قاله يوسف بن مقرن الياهو باعترافاته في اليمن، وقد أذيعت من الإذاعة قبيل الساعة الخامس من بعد ظهر يوم (20 / 12 / 1962) كما اعترف أنه مواطن سعودي، وسافر بجواز سعودي إلى فلسطين عام 1947) بمهمة، وأخذ يتردد بعدها بين إسرائيل والأردن، وخيبر، والرياض، ونجران، وجدة، والمدينة، وتبوك، واليمن، وقال: إن لآل سعود علاقات جيدة بإسرائيل، وإنهم يسبونها علنا ويتعاونون معها سرا . وقال: مع أن المخفي أصبح مكشوفا في دوائرهم . وقال يوسف بن مقرن الياهو: وللتغطية والتستر على هذا ترونهم يعلنون في مناسبات شتى: أن المملكة السعودية لن تقبل بإدخال اليهود الذين يحملون جنسيات أميركية مزدوجة، ولكون الأمريكان يدركون أن مثل هذه الإعلان ما هو إلا من باب كسب الدعاية أمام الفلسطينيين، والعرب فإنهم يستقبلون مثل هذا الإعلان بالابتسامات العريضة .. وحينما قال المحقق لليهودي: (هل نعرف من كلامك هذا أن السعودية تتعاون مع اليهود؟).. قال اليهودي: إن هناك مواطنين يهود سعوديين يعيشون حياة عادية كسائر الناس. أما اليهود الأمريكان فإنهم يعملون كخبراء، أو فنيين، أو في دوائر تابعة للجيش أو دوائر الأمن .. وحينما قال له المحقق: (أنت تعمل لصالح إسرائيل والسعودية فهل أنت مطمئن لهذا

ص 102

العمل؟). قال اليهودي السعودي: أنا لا أعمل لصالح السعودية، وأنا مطمئن في السعودية لكوني يهودي، ومطمئن لكون السعودية تعمل بكيانها لصالح اليهود وليس ضدهم سواء بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، وكل يهودي لا شك أنه يعمل لصالح اليهود، وأنا كواحد من اليهود أعمل لدعم كياننا اليهودي . وحينما سألناه هل لديك نسخة ثانية من الكتاب الذي يثبت قرابتك لآل سعود؟. أجاب: إن لدي نسخة ثانية في نجران، وإذا كان يهمكم هذا فأعاهدكم أنني سأقدمها لكم في حال الإفراج عني، على أن نقوم بطبعها لاستحصل على بعض النسخ منها .. ولقد سجلنا أقوال اليهودي يوسف على شريط، كما تحدث عنه الرئيس عبد الله السلال قائد الثورة اليمانية حينما افتتح مكتب الجزيرة العربية في صنعاء يوم (26 / 12 / 1962) وقال: إننا سنقدم هذا اليهودي الشرير الذي يقوم مجموعة من المرتزقة، والجواسيس بين السعودية والأردن وإسرائيل ليسمع العالم كل شيء من فمه عن أعمال السعودية ضد اليمن، وضد فلسطين. ويصف لنا أصول القرابة بينه وبين آل سعود، وكيف دخل آل سعود في الإسلام، ولماذا؟ . ولكن وبقدرة الأيدي القذرة التي تعمل في الخفاء، ومنها أنور السادات الذي أوكل بشؤون اليمن، وكان ممن تسببوا بهزيمة الثورة في اليمن وإغلاق مقرنا للتدريب، وبعد عشرة أيام من إذاعة بيان يوسف بن مقرن الياهو واعتقاله في اليمن نقل الرئيس السلال إلى القاهرة

ص 103

بحجة السفر للاستشفاء!.. فحل حسن العمري مكانه، والعمري كما هو معروف من العملاء الأصلاء للسعودية.. وما هي إلا أيام ثلاثة من تولي العمري نيابة السلال حتى نقلوا اليهودي يوسف بن مقرن الياهو عبر الحدود اليمانية السعودية إلى نجران. علما أن السعودية كانت في حالة حرب مع اليمن، وتسلمه الأمير خالد السديري فنقل إلى جدة، وعاد إلى نجران ثانية. ثم سافر عبر الأردن إلى فلسطين المحتلة، ثم عاد، وما زال يتنقل بحرية تامة وبهمة الشباب رغم كونه قد تجاوز سن ال‍ 80) لكن من يراه لا يعطيه من العمر أكثر من خمسين سنة، إنه نحيف، طويل القامة، صارم الملامح، تلمح الذكاء في وجهه، وفي هذا يكمن السر الذي يجعلك تتأثر وتعطف عليه! علما أنه لا يستحق العطف (1). نسب السعوديين لم يكن نسب السعوديين اليهودي مجهولا في نجد، بل كان الكثيرون يعرفونه، ويعرفون كيف تظاهر السعوديون بالعروبة والإسلام سترا لأغراضهم ومطامعهم. وممن أشار إلى هذا النسب، الشاعر النجدي الشهير (حميد الشويعر) الذي كان يجيد نظم الأشعار الشعبية المعبرة عن أحاسيس مواطنيه. ولما تخالف محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب، واستحلا دماء العرب والمسلمين، لم يستطع هذا الشاعر السكون على المحنة التي حكمت سلالة اليهود برقاب النجديين وغير النجديين، من حملة

(هامش)

(1) أنظر: تاريخ آل سعود (1 / 446 - 449). (*)