2024 March 28 - 18 رمضان 1445
هل یعد طلب نبی يوسف (عليه السلام) من صاحبه فی السجن توسلا به؟
رقم المطلب: ٣٨٠٦ تاریخ النشر: ٢٩ ربیع الثانی ١٤٤٢ - ١٦:٣١ عدد المشاهدة: 5409
الأسئلة و الأجوبة » عقائد الشیعة
هل یعد طلب نبی يوسف (عليه السلام) من صاحبه فی السجن توسلا به؟

 

توضيح السؤال:

ذکر فی قصة نبی يوسف (عليه السلام) انه طلب من صاحبه فی السجن ان یذکره عند الحاکم(يعني حاکم مصر). الحال یطرح هنا کم سؤال:

اولا: هل یعد طلب نبی یوسف، توسلا؟

ثانيا: اذا کان توسلا، لماذا ندم نبی يوسف من طلبه و طلب من الله العفو؟

ثالثا: هل توسل نبی یوسف بغير الله لم یکن فیه اشکال؟

الجواب الاجمالي

نص الآية المذکورة، التی تبین طلب نبی يوسف (عليه السلام)، هکذا:

وَ قالَ لِلَّذي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْني‏ عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنينَ (يوسف/42)

بعد الالتفات و الدقة فی الآية المباركة، الجواب الاجمالی هکذا:

اولا: ان طلب نبی يوسف (عليه السلام) هو توسل عرفي و لیس التوسل المصطلح فی علم الكلام، و فی عرف الناس هکذا توسل هو مرسوم و امر عادي؛ لأن الله تعالی جعل عالم التكوين علی اساس الاسباب و المسببات و کثیر من الامور تمشی علی طبق هذا النظام.

علی اساس کلمات العلماء، عالم التشريع ایضا علی اساس عالم التكوين؛ من هذه الجهة التوسل الی الوسيلة للوصول الی المقصود، امر جائز و مشروع.

ثانياً: الندم و البکاء من نبی يوسف (عليه السلام) الذی ذکر فی السؤال، لم یکن له سند معتبر؛ من هذا المنطلق، لا یمکن ان ننتج بأن الله تعالی قام بعقابه و توبیخه و فی النتيجة انه ندم و بکی.

ثالثا: علی اساس کلمات المفسرین، کان التوسل و الطلب من قبله من اجل الاهداف المذکورة فی الذيل:

1. الاستعانة من غير الله لدفع الظلم و الضرر. هذه المسألة فضلا عن جوازها تصبح فی بعض الموارد واجبة؛ نبی يوسف (عليه السلام) ایضا کان ممن ظلمه عزيز مصر و زوجته مع انهم یعلمون بأنه غیر مذنب، فمن اجل تنویر الحقيقة و الاطلاع علی حاله طرح طلبه مع ساقي حاکم مصر.

2. طلب النبی کان من اجل هداية حاکم مصر کما انه فی السجن وحد کثیر من الاشخاص و هداهم.

بناء علی هذا، هدف النبی لم یکن من اجل اطلاق سراحه بل کان من اجل اهداف اخر.

بقاء نبی یوسف فی السجن ایضا، کان تصميم و ارادة الذین سجنوه، من اجل تغطیة جرائمهم. البتة لا نستبعد انه علاوة علی ما قلناه سابقا، بقاءه فی السجن کان بأمرالله من اجل تكميل كمالاته المعنوية.

بناء علی هذا، نسبة ترك الاولي الی نبی يوسف (عليه السلام) و عد بقاءه فی السجن من اجل تركه الاولي، غير قابل للقبول و لم یکن صحيحا؛ لأنه لم ینس الله فی تمام الحالات و طلبه کان امرا عرفيا و عقلائیا و هو التوسل بالاسباب و المسببات الذی جعله الله فی نظام التكوين و التشريع.

الاجوبة التفصیلیة:

الاجابة عن السوال الاول:

 توسل نبی يوسف (ع) لم یکن نفس التوسل المصطلح فی علم الكلام

اول کلمة تطلب الدقة فیها انه فی الآية المباركة المذکورة سالفا لم یکن توسل نبی يوسف عليه السلام، التوسل المصطلح في علم الكلام، بل نوع من التوسل العرفي الذی یری کثیرا ما بین الناس و کانت السنة الالهية فی عالم الخلقة قائمة علی هذا الاسلوب و الی قیام القيامة تکون علی هذا الاسلوب.

لاثبات هذا المطلب من اللازم البحث علی سبیل الاختصار فی حقيقة التوسل.

کلمة «التوسل» فی اللغة بمعني «التقرب الی الغير» و المراد من «الوسيلة» ما يتوصل به إلى الشئ.

الجوهري فی الصحاح، یذکر معنی «الوسيلة» و «التوسل» هکذا:

الوسيلة : ما يتقرب به إلى الغير ، والجمع الوسيل والوسائل . ... يقال : وسل فلان إلى ربه وسيلة ، وتوسل إليه بوسيلة ، أي تقرب إليه بعمل.

الجوهري، اسماعيل بن حماد (المتوفی393هـ)،‌الصحاح تاج اللغة و صحاح العربية، ج 5 ، ص1841، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، ناشر: دار العلم للملايين - بيروت – لبنان، الطبعة : الرابعة سنة الطبعة: 1407 - 1987 م

ابن اثير ایضا یقول:

 ( وسل ) في حديث الأذان «اللهم آت محمدا الوسيلة» هي في الأصل : ما يتوصل به إلى الشئ ويتقرب به ، ...

ابن أثير الجزري، ابوالسعادات المبارك بن محمد (المتوفی606هـ)، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج 5 ص 185، تحقيق طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، ناشر: المكتبة العلمية - بيروت - 1399هـ - 1979م.

ابن منظور ذکر لهذه الکلمة ثلاث معانی:

وسل: الوسيلة: المنزلة عند الملك. و الوسيلة: الدرجة. و الوسيلة: القربة. و وسل فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملا تقرب به إليه.

الأفريقي المصري، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (المتوفی711هـ)، لسان العرب، ج 11 ص 724، ناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى.

مع الالتفات الی کلمات اهل اللغة التوسل هو التقرب و التقرب الی الغیر بالوسائل، الحال سواء ذلک الغیر کان الله تعالى (الذی نبحث عنه في موضعه) أو إنسان مثله. في الحياة اليومية ، هذا النوع من التوسل ضروري و لا مفر منه، لكن التمسک بالوسائل يختلف باختلاف الأهداف والغايات.

کما یقول آيت الله الشیخ السند من العلماء المعاصرین عند الشيعة، انه فی عالم الامكان الامور تمشی عن طريق الاسباب و المسببات و هذه سنة الهية:

ورد ايضا أن الله تعالى أبى أن يُجري الأمور إلاّ بأسبابها، فسنّة الخلقة في هذا العالم الإمكاني عن طريق الأسباب والمسبّبات ،

و بعد ذکر مباحث فی هذا المجال، ینتج هکذا:

إذن أصل فكرة الوساطة والسببية والوسيلة سنّة إلهية تكوينية سنّها الله عزّ وجلّ في خلقة الممكنات.

الإمامة الإلهية - تقرير بحث الشيخ محمد السند لسيد بحر العلوم - ج 4 ص 33-35 ، طبق مكتبة الشاملة

 آيت الله السبحاني ایضا یقول:

والتوسل بالأسباب في الحياة أمر فطري للإنسان ، فهو لم يزل يدق بابها ليصل إلى مسبباتها.

السبحاني، الشيخ جعفر، في ظلال التوحيد، ص 576، ناشر : معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلامية في الحج، سنة الطبعة: 1412

لکن التوسل حسب مصطلح علم الكلام، هو ان الانسان یتقرب الی الله عن طریق توسیط ولیی من اولياء الله.

توضيح المطلب: حسب ان الانسان لم یکن کاملا فی تمام شؤونه و دائما فیه نقص و لایزال یحتاج الی الفيض الالهي، و من جانب آخر یمكن من اجل ارتكاب الذنب و المعصية و المخالفة، یبتعد عن ساحة القرب الالهي، فمن الاجل التقرب الی الله و التسریع فی استجابة دعوته،‌ یحتاج الی وسيلة تستطیع ان تملأ الخلاء و الفاصلة و تقربه الی الله و یحصل للاجابة علی طلبه فی اسرع ما یمکن.

من هذا المنطلق، یتوسل الی اناس كاملین و باحترام اکثر من نفسه و یجعلهم وسائط بینه و بین الله حتی بسببهم یشمله الفيض و العناية الالهية.

هذا النوع من التوسل مأخوذ من السنة التكوينية الالهية التی ذکرناها.

آيت الله الشیخ السند بعد ذکر هذه الکلمات فی هذا المجال یقول:

وحينئذ نقول : إنه مما اتفقت عليه طوائف المسلمين وفرقها أن السنّة التشريعية لا تخالف السنّة التكوينية ، فالشريعة تتناسب وتتلاءم مع الخلقة والفطرة التكوينية ، كما قال تعالى : (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ). وهذا بيان عقلي واضح دالّ على ضرورة التوجّه و التوسّل بالمقرّبين و بالمخلوقات الكريمة على الله تعالى.

الإمامة الإلهية - تقرير بحث الشيخ محمد السند لسيد بحر العلوم - ج 4 ص 33-35، طبق مكتبة الشاملة

 آيت الله العظمي الشیخ السبحاني ایضا یقول هکذا:

أن حقيقة التوسل هو عمل يشكل أساسا لقرب كمال الإنسان الروحي والمعنوي ، وتطهير الإنسان من سلسلة من الآثام وعوامل البؤس والشقاء .

التوسل أو الإستغاثة بالأرواح المقدسة - الشيخ السبحاني - ص 102

بناء علی هذا، توسل نبی يوسف عليه السلام بذاک الشخص، هو توسل عرفي و مما هو رائج بین الناس و لیس التوسل المصطلح في علم الكلام.

النكتة المهمة: یشترط فی التوسل قرب الوسيلة.

یشترط فی التوسل (سواء عرفيا أو اصطلاحيا) ان یکون فی «الوسيلة» القرب اللازم للحصول علی المقصود و الا لا معنی للتوسل.

فی قضيه توسل نبی يوسف عليه السلام ایضا ذاک المسجون کان من المقربین عند الحاکم فی مصر؛ من هذه الجهة قال له نبی يوسف: اذكرني عند ربك... و مقصوده ان یذکر عدم قصوره عند الحاکم و هذا البحث مما ذکره المفسرون ذيل هذه الآية فلنذكره ان شاء الله.

الجواب عن السؤال الثانی:

ان ندم نبی يوسف و بکاءه لیس فیه اسناد معتبر

ان ندم نبی يوسف (عليه السلام) و بکاءه لم یذکر فی الآية المباركة و الآيات التی بعدها؛ بل ذکر هذا المطلب فی کم روایة لیس لها اسناد معتبر.

 الرواية الاولی: عن الامام الصادق عليه السلام

حسب هذه الرواية، بعد ما طلب نبی يوسف (عليه السلام) من ذاک السجین الذی اطلق سراحه، نزل جبرئيل و جاء برسالة من الله هکذا:

عن طربال عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما امر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله علم تأويل الرؤيا ، ...

قال : فكيف استغثت بغيري ولم تستغث بي وتسئلني ان أخرجك من السجن ، واستغثت وأملت عبدا من عبادي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي في قبضتي ولم تفزع إلى؟ البث في السجن بذنبك بضع سنين بإرسالك عبدا إلى عبد .

محمد بن مسعود العياشي (المتوفی320هـ)، تفسير العياشي، ج 2 ، ص176، تحقيق : السيد هاشم الرسولي المحلاتي، ناشر : المكتبة العلمية الإسلامية - طهران

هذه الرواية من حیث السند ضعيفة؛ لأن فی السند شخص بإسم «طربال» و هو مشترک بين «طربال بن رجاء» و «طربال بن جميل» و لم یوجد فیهما أی توثيق و مدح في كتب الرجال. بناء علی هذا، الرواية ضعيفة و لا یمکن الاستناد بها.

الرواية الثانیة: بسند مجهول

ذکر صریحا فی الرواية الثانیة ان نبی يوسف (عليه السلام) بکی بعد نزول جبرئيل و بکت معه الحیطان:

27 - عن عبد الله بن عبد الرحمن عمن ذكره عنه قال : لما قال للفتى : اذكرني عند ربك أتاه جبرئيل فضربه برجله... فبكى يوسف عند ذلك حتى بكى لبكائه الحيطان ، قال : فتأذى به أهل السجن، فصالحهم على أن يبكى يوما ويسكت يوما فكان في اليوم الذي يسكت أسوء حالا.

محمد بن مسعود العياشي (المتوفی320هـ)، تفسير العياشي، ج 2، ص177

هذه الرواية ایضا من حیث السند ضعيفة؛ لأنه ذکر فی سندها هذا التعبير «عمن ذكره»‌  و لم یعلم مصداقه و هو مجهول، ففی النتيجة لا یمکن الاستناد بهذه الرواية.

علی فرض ان سند هذه الرواية یکون معتبرا، توجد قرینة فی الروایة التی بعدها ان بکاء النبی کان من اجل فراق ابیه يعقوب (عليه السلام):

عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بكى أحد بكاء ثلاثة، آدم ويوسف وداود، فقلت: ما بلغ من بكائهم؟ .... واما يوسف فإنه كان يبكى على أبيه يعقوب وهو في السجن فتأذى به أهل السجن، فصالحهم على أن يبكى يوما ويسكت يوما...

محمد بن مسعود العياشي(المتوفی320هـ)، تفسير العياشي، ج 2، ص 177

ففی النتيجة بکاء نبی يوسف (عليه السلام) لم یذکر لا فی الآيات و لا فی الروايات المعتبرة.

تفسير هذه الآیة «فانساه الشيطان ذكر ربه»

ذکر المفسرون من الفريقين قولین فی ان الضمائر «ه» فی هذه الكلمات «فانساه» و «ربه» ترجع الی نبی يوسف (عليه السلام) ام الی ذاک «الشخص المسجون » الذی نجی :

القول الاول هو ان الضمائر ترجع الی نبی يوسف (عليه السلام)؛ معناه ان الشيطان انساه و ففی النتيجة استعان من غیر الله.

القول الثانی ان الضمائر ترجع الی «الساقي؛ الشخص المسجون»؛ معناه ان الشيطان انساه حتی یذکر نبی يوسف(عليه السلام) عند حاکم مصر و ان یسمعه صوت مظلوميته و عدم تقصیره.

للقول الثانی اکثر اتباعا بین العلماء.

العلامة الطبرسي فی تفسير «جوامع الجامع» الذی الفه بعد تفسير «مجمع البيان»‌، بعد قبول القول الثانی، یعبر عن القول الاول بعبارة «قيل» و هکذا تعبير یبین انه لم یقبل القول الاول:

( اذكرني عند ربك ) صفني عند الملك بصفتي وأخبره بحالي وأني حبست ظلما ، فأنسى الشرابي ( الشيطان ذكر ربه ) أن يذكره لربه ، وقيل : أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه في تلك الحال ...

الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن (المتوفى548هـ)، تفسير جوامع الجامع، ج2، ص221، تحقيق و نشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1418هـ.

العلامة الطبرسي فی مقدمة تفسير جوامع الجامع» یصرح هکذا:

أما بعد ، فإني لما فرغت من كتابي الكبير في التفسير الموسوم ب‍ " مجمع البيان لعلوم القرآن " ، ثم عثرت من بعد بالكتاب الكشاف لحقائق التنزيل لجار الله العلامة ، واستخلصت. ...

اقترح علي من حل مني محل السواد من البصر والسويداء من الفؤاد ، ولدي أبو نصر الحسن - أحسن الله نصره وأرشد أمري وأمره - أن أجرد من الكتابين كتابا ثالثا يكون مجمع بينهما. ...

ثم استخرت الله تعالى وتقدس في الابتداء منه بمجموع مجمع جامع للكلم الجوامع ، أسميه كتاب " جوامع الجامع " ، ولا شك أنه اسم وفق للمسمى ولفظ طبق للمعنى ،...

تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج 1، ص 48 - 50

المرحوم فتح الله القاصاني یقول هکذا:

( فَأَنْساه الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّه ) فأنسى الشرابيّ أن يذكره لربّه . فأضاف إليه المصدر لملابسته له ، فإنّ الربّ لا يكون فاعلا ولا مفعولا . أو على تقدير : ذكر أخبار ربّه . قيل : أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه في تلك الحال حين وكل أمره إلى غيره واستغاث بمخلوق. والأوّل أليق بمذهبنا .

الملا فتح الله القاصاني، زبدة التفاسير، ج 3 ، ص371.

العلامة المجلسي ایضا کالعلامة الطبرسي یقبل القول الثانی و یقول هکذا:

 " اذكرني عند ربك " أي أذكر حالي عند الملك وأني حبست ظلما لكي يخلصني من السجن " فأنساه الشيطان ذكر ربه " أي فأنسى الشيطان صاحب الشراب أن يذكره لربه ، وقيل : أنسى يوسف ذكر اللهحتى استعان بغيره " فلبث في السجن بضع سنين".

المجلسي، محمد باقر (المتوفى1111هـ)، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج68، ص 113، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، ناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية المصححة، 1403هـ - 1983م.

المرحوم العلامة الطباطبايي یقول:

وقوله : «فأنساه الشيطان ذكر ربه» الخ الضميران راجعان إلى الذي أي فأنسى الشيطان صاحبه الناجي . ... واما ارجاع الضميرين إلى يوسف .. فمما يخالف نص الكتاب فان الله سبحانه نص على كونه (ع) من المخلصين ونص على أن المخلصين لا سبيل للشيطان إليهم مضافا إلى ما اثنى الله عليه في هذه السورة .

الطباطبايى، سيد محمد حسين‏ (المتوفى1412هـ)، الميزان فى تفسير القرآن‏، ج11، ص181، ناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة‏، الطبعة : الخامسة، 1417هـ .

هو یذکر قرائن اخر من الآيات التی ذکرت بعدها لهذا القول:

على أن قوله تعالى بعد آيتين: «وَ قالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» إلخ، قرينة صالحة على أن الناسي هو الساقي دون يوسف.

   الميزان في تفسير القرآن، ج‏11، ص 182

جاء فی تفسير «الامثل» ایضا هکذا:

ولكن مع ملاحظة الجملة السابقة التي تذكر أن يوسف كان يوصي صاحبه أن يذكره عند ربه ، يظهر أن الضمير يعود على الساقي نفسه .

مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 7 ص 213

هذا البحث وصل الی درجة من الوضوح حتي ابن تيمية یعتبره هو الاقرب الی الصواب و یقول هکذا:

و قيل بل الشيطان أنسى الذي نجا منهما ذكر ربه و هذا هو الصواب فأنه مطابق لقوله (اذكرني عند ربك) قال تعالى (فأنساه الشيطان ذكر ربه) والضمير يعود إلى القريب إذا لم يكن هناك دليل على خلاف ذلك ولأن يوسف لم ينس ذكر ربه بل كان ذاكرا لربه وقد دعاهما قبل الرؤيا إلى الإيمان بربه.

كتب و رسائل و فتاوى ابن تيمية في التفسير، ج 15، ص 112، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس الوفاة: 728 ، دار النشر : مكتبة ابن تيمية ، الطبعة : الثانية ، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي

و فی موضع آخر یصرح هکذا:

و مما يبين أن الذي نسي ربه هو الفتى لا يوسف قوله بعد ذلك (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) وقوله (وادكر بعد أمة) دليل على أنه كان قد نسي فادكر.

كتب و رسائل و فتاوى ابن تيمية في التفسير، ج15، ص118

ابن كثير ایضا فی كتابه یعتبر مصداق «فانساه الشيطان ذكر ربه» هو الناجی منهما و یقول:

وقوله (فأنساه الشيطان ذكر ربه) أي فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام قاله مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب.

ابن كثير الدمشقي، ابوالفداء إسماعيل بن عمر القرشي (المتوفى774هـ)، البداية والنهاية، ج1، ص207، ناشر: مكتبة المعارف – بيروت.

ابو حيان الاندلسي ایضا فی تفسيره یقول:

والضمير في فأنساه عائد على الساقي، ومعنى ذكر ربه : ذكر يوسف لربه ، ...

تفسير البحر المحيط، ج5، ص310 ، محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الوفاة: 745هـ ، دار النشر : دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - 1422هـ -2001م ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق 1) د.زكريا عبد المجيد النوقي 2) د.أحمد النجولي الجمل

الی هنا تبین ان کلا الضمیرین راجعان الی الناجی منهما الذی جاء الی حاکم مصر و صار هو الساقي الی ان حدثت قضیة الرؤیا، فعندما عجزوا المعبرون فی مصر عن تعبیر رؤیاه، ذکر نبی يوسف (عليه السلام) و مجد عنه عند السلطان من تعبيره للرؤیا.

الجواب عن السؤال الثالث:

حتى الآن، ثبت أن توسل نبي يوسف (عليه السلام) كان توسلا مألوفًا شائعًا بين جميع البشر حتى يومنا هذا. و الآن لهذا السؤال: "هل يوجد إشكال في توسل هذا النبي بغير الله؟" يتم توفير عدة إجابات.

اولا: الاستعانة من غير الله لدفع الضرر جائز بل فی بعض الموارد واجب

و بحسب آيات القرآن الواضحة و التاريخ، يتضح أن نبي يوسف (ع) قد تعرض للظلم من قبل إخوته و سقط في قاع البئر بسبب شدة الحسادة الخبيثة منهم. بعد إنقاذه من هناك، تم بيعه كالعبيد في سوق مصر و حكم عليه بالسجن في بيت عزيز مصر لعصيان رغبات زليخا، حيث قضى سنوات شبابه المثمرة في السجن.

مع كل هذه الحالات يتضح أن نبي يوسف كان مظلوما. لكن في بعض الأحيان من الضروري الشكوى من الظلم والصراخ على الظالم. لهذا السبب لجأ نبي يوسف (ص) إلى وسيلة من وسائل الإفراج عنه لدرء الظلم عنه، و طلب من ذلك السجين أن ينقل براءته إلى الملك. و هذا النوع من التوسل جائز بل و ضرورى من وجهة نظر العقل و الشريعة.

المرحوم الطبرسي يقول هنا هكذا:

والقول في ذلك : إن الاستعانة بالعباد في دفع المضار ، والتخلص من المكاره ، جائز غير منكر، ولا قبيح ، بل ربما يجب ذلك . وكان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يستعين فيما ينوبه بالمهاجرين والأنصار وغيرهم ، ولو كان قبيحا لم يفعله .

الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن (المتوفى548هـ)، تفسير مجمع البيان، ج 5 ، ص 405، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، ناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ ـ 1995م.

ملا فتح الله القاصاني فی ذيل هذه الرواية یقول ما هذا ترجمته:

و لابد من العلم بأن الاستعانة بالمخلوق فی دفع المضار و التخلص من المكاره جائز بالاجماع و هو غير قبيح؛ بل یجب بعض الاحیان و لهذا نبینا(ص) فی حين تبليغ الرسالة یستعین بالمهاجرین و الانصار.

القاصاني، ملا فتح الله ( المتوفي في القرن العاشر)، تفسير منهج الصادقين في إلزام المخالفين، ج‏5، ص45

العلامة الطباطبايي بعد ان عرف بأن رجوع ضمير «فانساه ذكر ربه» الي نبي يوسف (عليه السلام) باطل، يصرح بأن الاخلاص لم يسبب بأن الانسان لم يلتفت الي عالم الاسباب:

و الإخلاص لله لا يستوجب ترك التوسل بالأسباب فإن ذلك من أعظم الجهل لكونه طمعا فيما لا مطمع فيه بل إنما يوجب ترك الثقة بها و الاعتماد عليها و ليس في قوله: «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ» ما يشعر بذلك البتة.

   الميزان في تفسير القرآن، ج‏11، ص 182

ابن كثير الدمشقي ايضا يقول هكذا:‌

 (اذكرني عند ربك) ... وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب.

 

البداية والنهاية، ج1، ص 207،‌ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء الوفاة: 774 ، دار النشر : مكتبة المعارف – بيروت

فخر الرازي و ابن عادل الحنبلي ايضا ذكرا ما يشبه كلام الطبرسي و ملا فتح الله الكاشاني في تفاسيرهم:

الرازي الشافعي، فخر الدين محمد بن عمر التميمي (المتوفى604هـ)، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، ج 18، ص 117، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2000م.

ابن عادل الدمشقي الحنبلي، ابوحفص عمر بن علي (المتوفى بعد 880 هـ)، اللباب في علوم الكتاب، ج11، ص110، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ ـ 1998م

ثانيا: طلب نبی يوسف کان من اجل هداية حاکم مصر:

ابوحيان الاندلسي يذكر جوابا آخر و أن طلب نبي يوسف (ع) من ساقي الملك في مصر كام من اجل أن يهدي الملك و يدعوه إلى الإله الواحد. كما انه هدي الساقي الی الله المتعال؛ ففي النتيجة لم يكن في توسله بغير الله اشكال:

 و الذي أختاره أن يوسف إنما قال لساقي الملك: اذكرني عند ربك ليتوصل إلى هدايته و إيمانه بالله، كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه.

أبي حيان الأندلسي، محمد بن يوسف (المتوفى745هـ)، تفسير البحر المحيط، ج5، ص310 ، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق 1) د.زكريا عبد المجيد النوقي 2) د.أحمد النجولي الجمل، ناشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ -2001م .

ثالثا: هدف نبی يوسف کان من اجل تطلع الحاکم عن وضعه و لیس اطلاق سراحه من السجن

و الجواب الآخر هو أن غرض نبي يوسف (ع) من الطلب عن هذا الشخص هو إبلاغ حاكم مصر بمظلوميته و سجنه الجائر عن طريقه. و ليس بأمل اطلاق سراحه من السجن. لهذا السبب ، لم يترك واجبا و لم يرتكب فعلًا حراما حتي يستحق العقاب.

المرحوم الطبرسي ذيل ( اذكرني عند ربك ) يقول:

 صفني عند الملك بصفتي وأخبره بحالي وأني حبست ظلما ، فأنسى الشرابي (الشيطان ذكر ربه) أن يذكره لربه ،

الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن (المتوفى548هـ)، تفسير جوامع الجامع، ج2، ص221، تحقيق و نشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1418هـ.

ابن تيمية من اكابر الوهابية اشار الي هذا الجواب ايضا:

وقوله (اذكرني عند ربك) مثل قوله لربه (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية لم يكن هذا مناقضا للتوكل ولا هو من سؤال الامارة المنهي عنه فكيف يكون قوله للفتى (اذكرني عند ربك) مناقضا للتوكل وليس فيه إلا مجرد إخبار الملك به ليعلم حاله ليتبين الحق ويوسف كان من اثبت الناس...

فلم يكن في قوله له (اذكرني عند ربك) ترك لواجب ولا فعل لمحرم حتى يعاقبه الله على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين وكان القوم قد عزموا على حبسه إلى حين قبل هذا ظلما له مع علمهم ببراءته من الذنب

... ولبثه في السجن كان كرامة من الله في حقه ليتم بذلك صبره وتقواه فإنه بالصبر والتقوى نال ما نال.

مجموع الفتاوى، ج15، ص113،‌ أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس الوفاة: 728 ، دار النشر : مكتبة ابن تيمية ، الطبعة : الثانية ، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي

مع الالتفات الي قول المرحوم الطبرسي وابن تيمية، فإن طلب نبي يوسف ليس توسلا على الإطلاق، بل مجرد إعلام عن الظلم الذي تعرض له من قبل عزيز مصر.

نتيجه:

اولا: حسب رأی علماء الشيعة و اهل السنة، هذا الطب من جانب نبی يوسف (عليه السلام) عن ساقي الحاکم فی مصر، هو توسل عرفي و متداول بین الناس و هو توجه الی الاسباب.

ثانيا: بکاء و ندم نبی يوسف عن هذا الطلب طرح فی روایات کلها من حیث السند ضعيفة.

ثالثا: نبی يوسف عليه السلام لم ینس الله طرفة عین و الضمائر فی هذه الآیة (فانساه الشيطان ذكر ربه)، ترجع الی ساقي الحاکم و لا الی نبی يوسف (عليه السلام) حتی یثبت فی النتيجة ان نبی یوسف نسی الله و استعان من غير الله.

رابعا : لا یوجد أی اشکال فی طلب نبی يوسف؛ لأن الاستعانة من الغیر لدفع الظلم جائز بل ضروری. علاوة علی ذلک، هدف نبی يوسف هداية حاکم مصر و لیس فی التوسل من اجل هداية الناس اشكال.

و النكتة الاخری ان هدفه لم یکن فقط تطلع حاکم مصر من احواله.

المباحث الاخیرة:

البحث الاول: لماذا سجن نبی يوسف سبع سنین ؟

بعد تبیین اجوبة هذه الاسئلة المذکورة آنفا، البحث الاول هو انه لو کان توسل نبی يوسف (عليه السلام) حسب العرف جائز أو واجب، لماذا بقی سبعة سنین بعدها فی السجن ؟

الطبراني فی كتاب «معجم الكبير» ینقل رواية عن ابن عباس هکذا:

11640 حدثنا أَحْمَدُ بن عبد الرحمن بن بَشَّارٍ النَّسَائِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْهِ أنا عَمْرُو بن مُحَمَّدٍ العنقري (العنقزي) ثنا إِبْرَاهِيمُ بن يَزِيدَ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ عن عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال عَجِبْتُ لصبرِ أَخِي يُوسُفَ وكَرَمِهِ وَاللَّهُ يَغْفِرُ له حَيْثُ أُرْسِلَ إليه ليستفتي في الرُّؤْيَا وَلَوْ كنت أنا لم أَفْعَلْ حتى أَخْرُجَ وعَجِبْتُ لصَبْرِهِ وكَرَمِهِ وَاللَّهُ يَغْفِرُ له أُتِي لِيَخْرُجَ فلم يَخْرُجْ حتى أَخْبَرَهُمْ بِعُذْرِهِ وَلَوْ كنت أنا لبادرتُ الْبَابَ وَلَوْلا الْكَلِمَةُ لَمَا لَبِثَ في السِّجْنِ حَيْثُ يَبْتَغِي الْفَرَجَ من عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ قَوْلُهُ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ.

الطبراني، ابوالقاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (المتوفی360هـ)، المعجم الكبير، ج 11، ص249، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، ناشر: مكتبة الزهراء - الموصل، الطبعة: الثانية، 1404هـ – 1983م.

فی مصادر الشيعة هذه الرواية هکذا:

أخبرنا الحسن به علي عن أبيه عن إسماعيل بن عمر عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن يوسف اتاه جبرئيل فقال له : يا يوسف ان رب العالمين يقرؤك السلام ويقول لك من جعلك في أحسن خلقه ؟ قال فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب ، ثم قال له : ويقول لك من حببك إلى أبيك دون اخوتك ؟ قال فصاح ووضع خده على الأرض وقال أنت يا رب ، قال ويقول لك : من أخرجك من الجب بعد ان طرحت فيها وأيقنت بالهلكة ؟ قال فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب قال : فان ربك قد جعل لك جل عقوبة في استغاثتك بغيره فلبثت في السجن بضع سنين ، ....

القمي، أبي الحسن علي بن ابراهيم (المتوفی310هـ) تفسير القمي، ج1، ص345، تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، ناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم، الطبعة: الثالثة، صفر 1404.

الاجوبة:

اولا: علة ان نبی يوسف عليه السلام، بقی فی السجن سنین عدیدةة کان من اجل ان الساقي نسی ان یذکر مظلوميته و عدم تقصیره عند الحاکم. هذا المطلب ذکر فی الآية هکذا:

فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنينَ.

ثانيا: الله تعالی قدّر هکذا ان نبی يوسف عليه السلام یبقی فی السجن من اجل التبليغ و هداية المسجونین اکثر فاکثر.

ثالثا: القوم الذین عزموا علی حبس نبی يوسف، صمموا بأن یبقی النبی فی السجن مدة طویلة. ابن تيمية یقول هکذا:

وكان القوم قد عزموا على حبسه إلى حين قبل هذا ظلما له مع علمهم ببراءته من الذنب.

مجموع الفتاوى، ج15، ص113،‌ أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس الوفاة: 728 ، دار النشر : مكتبة ابن تيمية ، الطبعة : الثانية ، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي

رابعا: الرواية الاولی (رواية اهل السنة) من حیث السند ضعيفة؛ لأن فی سندها شخص متروك الحديث. الهيثمي بعد نقل الرواية یقول:

رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن يزيد القرشي المكي وهو متروك .

الهيثمي، ابوالحسن علي بن أبي بكر (المتوفی807 هـ)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 7 ، ص40، ناشر: دار الريان للتراث/‏ دار الكتاب العربي - القاهرة، بيروت – 1407هـ.

المناوي ایضا بعد نقل الرواية یقول:

 ( طب وابن مردوية عن ابن عباس ) بإسناد ضعيف.

المناوي، محمد عبد الرؤوف بن علي بن زين العابدين (المتوفی 1031هـ)، التيسير بشرح الجامع الصغير، ج2، ص249، ناشر: مكتبة الإمام الشافعي - الرياض، الطبعة: الثالثة، 1408هـ ـ 1988م.

بالإضافة إلى ضعف السند، فإن نص الرواية مرفوض أيضًا، و لا يصح أن تنسب محتوياتها إلى اشرف الأنبياء محمد المصطفى ص، لأن النبی يقول لو كنت مكان نبی يوسف لما فسرت الحلم حتى أخرجونی من السجن. بينما أعطى الله تعالى هذه المعرفة للنبي يوسف ليدعو السجناء و الناس خارج السجن إلى سبيل الله. ثم من البعید أن يستخدم رسول الله المعرفة التي أعطاها الله له لخلاصه الشخصي.

خامسا: الرواية الثانیة (رواية الشيعة) ایضا من حیث السند ضعيفة؛ لأن فی سندها «اسماعيل بن عمر» الذی روی عن «شعيب»، واقفي فی المذهب و لا یوجد له أی توثيق و مدح بناء علی هذا، هذا الراوي مجهول الحال و الرواية المذکورة ضعيفة و لا یمکن الاستناد بها.

المرحوم السید الخوئي یعرف هذا الراوي هکذا:

إسماعيل بن عمر : = إسماعيل بن عمر بن أبان . روى عن شعيب العقرقوفي ، و روى عنه الحسن بن علي ، عن أبيه . تفسير القمي : سورة يوسف ، في تفسير قوله تعالى : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " .

الموسوي الخوئي، السيد أبو القاسم (المتوفی1411هـ)، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، ج 4 ص 76، الطبعة الخامسة، 1413هـ ـ 1992م

المرحوم النجاشي فی شرح حاله یقول:

إسماعيل بن عمر بن أبان الكلبي واقف روى أبوه عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام ...

النجاشي الأسدي الكوفي، ابوالعباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس (المتوفی450هـ)، فهرست أسماء مصنفي الشيعة المشتهر ب‍ رجال النجاشي، ص 28، تحقيق: السيد موسي الشبيري الزنجاني، ناشر: مؤسسة النشر الاسلامي ـ قم، الطبعة: الخامسة، 1416هـ.

العلامة الحلي (رحمة‌ الله عليه) ایضا یصرح انه هذا الراوی واقفي:

إسماعيل بن عمر بن أبان الكلبي واقف روى أبوه عن أبي عبد الله و أبي الحسن عليهما السلام و روى هو عن أبيه.

الحلي الأسدي، جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر (المتوفی726هـ) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، ص 200، تحقيق: فضيلة الشيخ جواد القيومي، ناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة: الأولى، 1417هـ.

بناء علی هذا، لیس من الصحیح ان یظن احد بأن علة بقاءه فی السجن، طلبه من ساقي الحاکم فی مصر.

المطلب الثانی؛ نسبة ترك الاولي الی نبی يوسف مردودة

بعض المفسرین من الشيعة و اهل السنة، ذکروا ذيل هذه الآية انه حسب ترک الاولی من جانب نبی يوسف عليه السلام، الله تعالی زاد فی مدة حبسه و عاقبه هکذا.

المرحوم السبزواري النجفي صرح فی تفسيره مع انه جوز الاستعانة بغير الله فی دفع الظلم، بان هذا العمل من نبی يوسف هو ترك الاولي و شنع علی نبی يوسف من اجله:

و اعلم أن الاستعانة بالناس في دفع الظلم جائزة في الشريعة سببا لا أصالة بشرط أن لا يغفل الإنسان عن ذكر مسبّب الأسباب بالكلّية. و لمّا كانت حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، فإنه لا يجوز على مثل يوسف (ع) أن يستعين بغيره تعالى لا جرم صار يوسف مؤاخذا بترك ما هو أولى في حقه.

   الجديد في تفسير القرآن المجيد، ج‏4، ص 43 ، سبزوارى نجفى محمد بن حبيب الله، (المتوفی قرن ۱۴)، ناشر: دار التعارف للمطبوعات‏ مكان الطبع: بيروت‏، سنة الطبع: 1406 ق‏‏

آيت الله مكارم الشيرازي ایضا فی تفسيره یقول:

وبديهي أن مثل هذا التوسل للنجاة من السجن ومن سائر المشاكل ، ليس أمرا غريبا بالنسبة للأفراد العاديين ، وهو من قبيل التوسل بالأسباب الطبيعية، ولكن بالنسبة للأفراد الذين هم قدوة وفي مكانة عالية من الإيمان والتوحيد، لا يمكن أن يخلو من إيراد، ولعل هذا كان سببا في بقاء يوسف في السجن بضع سنين، إذ لم يرض الله سبحانه ليوسف (ترك الأولى) ! .

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 7 ، ص 214.

البيضاوي من مفسری اهل السنة یقول ایضا هکذا:

والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء.

البيضاوي، ناصر الدين ابوالخير عبدالله بن عمر بن محمد (المتوفی685هـ)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، ج 3، ص 290، ناشر: دار الفكر – بيروت.

ابي السعود ایضا یقول:

والاستعانة بالعباد وإن كانت مرخصة لكن اللائق بمناصب الأنبياء عليهم السلام الأخذ بالعزائم.

العمادي، أبي السعود محمد بن محمد (المتوفی 951هـ)، إرشاد العقل السليم إلي مزايا القرآن الكريم (تفسير أبي السعود )، ج 4، ص 280، ناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

الجواب:

اولا: اثبتنا فیما سلف ان طلب نبی يوسف من صاحبه فی السجن، هو طلب عادي و عرفي و لا یرتبط بالتوسل المبحوث عنه فی علم الكلام؛ بل اراد هو ان یطلع الحاکم عن مظلومیته بلسان هذا الشخص.

أو بتعبير ابو حيان الاندلسي الذی نقلنا کلامه، ان نبی یوسف اراد من هذا الطريق هدایة الحاکم.

مع الالتفات الی هذا التحليل لم یبقی مجال لهذه المظنة و الکلام حتی نقول ان بقاء نبی يوسف فی السجن کان من اجل تركه الاولي.

المرحوم الطیرسی ایضا ردّ ارتكاب ترك الاولي عن نبی يوسف عليه السلام و بعد نقل الرواية المرتبطة بهذا المجال یقول:

فلو صحت هذه الروايات فإنما عوتب يوسف عليه السلام، في ترك عادته الجميلة في الصبر، والتوكل على الله سبحانه، في كل أموره، دون غيره، وقتا ما ابتلاء وتشديدا.

الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن (المتوفی548هـ)، تفسير مجمع البيان، ج 5 ، ص 405، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، ناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ ـ 1995م.

الدقة فی تعبير «فلو صحت» یبین لنا انه لم یقبل هذه الروایات و فی النتيجة لم یقبل ترك الاولي ایضا.

ثانيا: ابن تيمية ذکر جوابا آخر و هو ان بقاء يوسف (عليه السلام) فی السجن تفضل و كرامة من الله فیقول هکذا:

و لبثه في السجن كان كرامة من الله في حقه ليتم بذلك صبره وتقواه فإنه بالصبر والتقوى نال ما نال.

مجموع الفتاوى، ج15، ص113،‌ أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس الوفاة: 728 ، دار النشر : مكتبة ابن تيمية ، الطبعة : الثانية ، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي

ففی النتيجة طلب نبی يوسف عليه السلام لم یکن «ترك الاولي» حتی نواجه هذه الاشكالات.

 

و من الله التوفیق

فریق الاجابة عن الشبهات

مؤسسة الإمام ولي العصر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) للدراسات العلمیة‌

 



الكلمة الدليلية: يوسف, توسلا
Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری:
  

أحدث العناوین
الاکثر مناقشة
الاکثر مشاهدة